محمد بن عبد الواحد بن محمد المكي
ابن عبد الله ابن محمد بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو البركات القريشي، الأسدي، الزبيري، المكي سمع بدمشق، وولد سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، ودخل الأندلس، وحدث بها عن جماعة.
قال أبو البركات: حدثني أبو علي حسن بن الأشكري المصري قال: كت من جلاس تميم بن أبي تميم، وممن يخف عليه جداً، فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جاريةً رائعة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه فكنت فيهم، ومدت الستارة وأمرها بالغناء فغنت: من الكامل
وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنعٌ أركانه
فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت: من الطويل
سيسليك عما فات دولة مفضلٍ ... أوائله محمودةٌ وأواخره
ثنى الله عطيفه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره
فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً ثم غنت: من البسيط
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب تميم وأفرط جداً ثم قال لها: تمني، فلك مناك؛ فقالت: أتمنى عافية الأمير وسعادته. فقال: والله لا بد لك أن تتمني؛ فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال لها: نعم؛ فقالت: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد قال: فاستنقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس، وقام وقمنا.
قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه وقال: ارجع فالأمير يدعوك؛ فرجعت فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ فقلت: نعم فقال: لا بد من الوفاء لها وما
أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هنالك فاصرفها؟ فقمت وتأهبت وأصحبها جاريةً سله سوداء تعاد لها وتخدمها، وصرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق، فلما وصلنا القادسية أتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية؛ فأخبرتها فسمعت صوتها تغني: من مجزوء الكامل
لما وردنا القادسي ... ية حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أنفاس العراق
أيقنت لي ولمن أحب ... ب بجمع شملٍ واتفاق
وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله، أعيدي بالله؛ فما سمع لها كلمة، ثم نزلنا الياسرية وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة، ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد؛ فلما كان قرب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورةً فقلت: ما لك؟ فقالت: إن سيدتي ليست بحاضرة؛ فقلت: وأين هي؟ قالت: فما أدري؛ فلم أحس لها أثراً بعد؛ ودخلت بغداد وقضيت حوائجي وانصرفت إلى تميم، فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم له وما زال واجماً عليها.
ابن عبد الله ابن محمد بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو البركات القريشي، الأسدي، الزبيري، المكي سمع بدمشق، وولد سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، ودخل الأندلس، وحدث بها عن جماعة.
قال أبو البركات: حدثني أبو علي حسن بن الأشكري المصري قال: كت من جلاس تميم بن أبي تميم، وممن يخف عليه جداً، فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جاريةً رائعة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه فكنت فيهم، ومدت الستارة وأمرها بالغناء فغنت: من الكامل
وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنعٌ أركانه
فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت: من الطويل
سيسليك عما فات دولة مفضلٍ ... أوائله محمودةٌ وأواخره
ثنى الله عطيفه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره
فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً ثم غنت: من البسيط
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب تميم وأفرط جداً ثم قال لها: تمني، فلك مناك؛ فقالت: أتمنى عافية الأمير وسعادته. فقال: والله لا بد لك أن تتمني؛ فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال لها: نعم؛ فقالت: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد قال: فاستنقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس، وقام وقمنا.
قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه وقال: ارجع فالأمير يدعوك؛ فرجعت فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ فقلت: نعم فقال: لا بد من الوفاء لها وما
أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هنالك فاصرفها؟ فقمت وتأهبت وأصحبها جاريةً سله سوداء تعاد لها وتخدمها، وصرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق، فلما وصلنا القادسية أتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية؛ فأخبرتها فسمعت صوتها تغني: من مجزوء الكامل
لما وردنا القادسي ... ية حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أنفاس العراق
أيقنت لي ولمن أحب ... ب بجمع شملٍ واتفاق
وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله، أعيدي بالله؛ فما سمع لها كلمة، ثم نزلنا الياسرية وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة، ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد؛ فلما كان قرب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورةً فقلت: ما لك؟ فقالت: إن سيدتي ليست بحاضرة؛ فقلت: وأين هي؟ قالت: فما أدري؛ فلم أحس لها أثراً بعد؛ ودخلت بغداد وقضيت حوائجي وانصرفت إلى تميم، فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم له وما زال واجماً عليها.