عزة بنت حميل بن حفص
ويقال بنت حميد بن وقاص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار وفي نسبها اختلاف أم عمرو الضمرية، صاحبة كثير وفدت على عبد الملك.
وحميل: بضم الحاء المحملة وفتح الميم.
دخلت عزة على عبد الملك بن مروان - وهو لا يعرفها - ترفع مظلمة لها، فلما سمع كلامها تعجب منه! فقال له بعض جلسائه: هذه عزة كثير، فقال عبد الملك: إن أردت أن أرد عليك مظلمتك فأنشديني ما قال فيك كثير، فاستحيت وقالت: والله ما أعرف كثيراً، لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في: من الطويل
قضى كل ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزة ممطولٌ معنى غريمها
فقال عبد الملك: ليس عن هذا أسألك، ولكن أنشديني من قوله: من الطويل
وقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي ياعز لا يتغير
تغير جسمي والخليفة كالذي ... عهدت ولم يخبر بسرك مخبر
قالت: قد سمعت هذا ولكني سمعت الناس يحكون عنه أنه قال في: من الطويل
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحٌ فما تلقاك إلا ملولة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت
فقضى حاجتها ورد مظمتها وقال: ادخلوها على الجواري يأخذن من أدبها.
وعن أن البنين ابنة عياض بن الحسن الأسلمية قالت: سارت علينا عزة في جماعةٍ من قومها فنزلت على بئر ابن يربوع الجهنية، فسمعنا بها فاجتمع جماعةٌ من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها فرأينا امرأة حميراء حلوة لطيفة، فتضاءلنها، ومعنا نسوةٌ كلهن لهن الفضل عليها في الجمال والخلق إلى أن تحدثت عزة، فإذا هي أبرع الخلق وأحلاه حديثاً! فما فارقناها إلا ولها الفضل في أعيننا، وما نرى أن امرأة تفوقها حسناً وجمالاً وحلاوة.
قال أبو عبيدة: دخل كثير على عبد الملك بن مروان، وكان كثير دميماً، فلما نظر إليه عبد الملك قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. فقال كثير: من الوافر
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسدٌ يزيز
ويعجبك الطرير فتختبره ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
وما عظم الرجال لها بزين ... ولكن زينها كرم وخير
فقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الصبي بكل وجه ... ويحمله على الخسف الجرير
شرار الأسد أكثرها زئيراً ... وخبرتها اللواتي لا تزيز
بغاث الطير أكثرها فراخاً ... ولأم الصقر مقلاةٌ نزور
فقال له عبد الملك: إن كنا أسأنا لك اللقاء فلسنا نسيء لك الثواب، فاذكر حاجتك، فقال: تزوجني عزة. فأحضر أهلها وأمرهم بتزويجه إياها، فقالوا: هذه امرأة بالغ، فعرض عليها التزويج به، فقالت: بعد ما شهرني في العرب وشبب بي فأكثر ذكري، ما إلى هذا سبيل. فقال فإذ أبيت هذا وكرهته فاكشفي وجهك. فثقل ذلك عليها، ثم فعلت ومضت مكشوفة الوجه إلى بعض حجر عبد الملك، فدخلت الحجرة ونظرت إلى كثير مغضبة، فقال بعض من حضرها جنت جنت. فأنشأ كثير يقول: من الطويل
أصاب الردى من كان لك الردى ... وجن اللواتي قلن عزة جنت
فهن لأولى بالجنون وبالخنا ... وبالسيئات ماحيين وحيت
ولما رأت من حولها نقص الحيا ... رمتني بباقي وصلها ثم ولت
فصدت كذات البو تتبع سقرها ... فلما قضت يأساً من البر حنت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملولةٌ ... لدينا ولا مقلية إن تقلت
فحلفت أن لا تكلم كثيراً سنةٌ، فلما انصرفت من الحج بصرت بكثير وهو على جمله يخفق نعاساً، فضربت رجله بيدها وقالت: كيف أنت ياجمل؟ فأنشأ كثير يقول: من البسيط
حيتك عزة يوم البين وانصرفت ... فحي ويحك من حياك ياجمل
لو كنت حييتها مازلت ذا مقةٍ ... عندي وما مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأبدلها ... مكان ياجملٌ حييت يا رجل
فحن من جزعٍ إذ قلت ذاك له ... ورام تكليمها لو تنطق الإبل
دخلت عزة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز فقالت لها: يا عزة ما قول كثير: من الطويل
قضى كل ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين؟ قالت: كنت وعدته ثم إني خرجت منها، فقالت: أنجزيها له وعلي إثمها.
أرادت عزة أن تعرف ما لها عند كثير، فتنكرت له ومرت به متعرضة، فاتبعها وكلمها فقالت له: فأين حبك عزة؟ فقال: أنا الفداء لك لو أن عزة أمةً لي لوهبتها لك، قالت: ويحك! لاتفعل، فقد بلغني أنها لك في صدق المودة ومحض المحبة على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك. وبعد فأين قولك: من الطويل
إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول
فقال كثير: بأبي أنت، أقصري عن ذكرها واسمعي ما أقول. ثم قال: من البسيط
هل وصل عزة إلا وصل غانيةٍ ... في وصل غانيةٍ من وصلها بدل
قالت: فهل لك في المجالسة؟ فقال: كيف لي بذلك؟ فقالت: فكيف بما قلت في عزة وسيرته لها؟ فقال: أقلبه فيتحول إليك ويصير لك. قال: فسفرت عن وجهها وقالت: أغدراً وتنكاثاً يافاسق! وإنك لهاهنا يا عدو الله؟ قال: فبهت وأبلس ولم ينطلق، وتحير وخجل. ثم إنها عرفت أمرها ونكثه وغدره بها، وأعلمته سوء فعاله وقلة حفاظه، ونقضه العهد والميثاق ثم قالت: قاتل الله جميلاً حيث يقول: من الطويل
لحا الله من لاينفع الود عنده ... ومن حبله إن صد غير متين
ومن هو ذو وجهن ليس بدائمٍ ... على العهد حلافٌ بكل يمين
فأنشأ كثير يقول بانخزالٍ وحصرٍ وانكسار يعتذر إليها ويتنصل متمثلاً بقول جميل - ويقال بل سرقه من جميل ونحله إلى نفسه فقال: من الطويل
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من المذعف القاضي وسم الذرارح
فمت ولم تعلم علي خيانةٌ ... ألا رب باغي الربح ليس برابح
فلا تحمليها واجعليها جنايةٌ ... تروحت منها في مياحة مائح
أبوء بذنبي إنني قد ظلمتها ... وإني بباقي سرها غير بائح
قال الزبير بن بكار: بينما كثير ينشد الناس وقد حشدوا له إذ مرت به عزة ومعها زوجها، فقال لها زوجها: والله لتسبنه أو لأسوءنك، فقربت منه تسبه فأنشأ يقول: من الطويل
يكلفها الخنزير سبي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلت
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ... ولا شامتٍ إن نعل عزة زلت
أصاب الردى من كان يهوى لك الردى ... وجن اللواتي قلن عزة جنت
بلغ كثيراً أن عزة مريضةً بمصر وأنها تشتاقه، فخرج يريدها، فلما صار ببعض الطريق إذا غراب بانةٍ ينتف ريشه، فتطير من ذلك، فبينا هو يسير لقي رجلاً عائفاً زاجراً، فأخبره بما صد له وما رأى في طريقه فقال له: لقد ماتت هذه المرأة أو استبدلت بديلاً. فقدم مصر فوجد الناس منصرفين من جنازتها فأنشأ يقول:
فما أعيف النهدي لا در درة ... وأعلمه بالزجر لا عز ناصره
رأيت غراباً واقعاً بين بانةٍ ... ينتف أعلى ريشه ويطايره
فأما غرابٌفاغترابٌ من النوى ... وبانٌ فبينٌ من حبيبٍ تعاشره
ويقال بنت حميد بن وقاص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار وفي نسبها اختلاف أم عمرو الضمرية، صاحبة كثير وفدت على عبد الملك.
وحميل: بضم الحاء المحملة وفتح الميم.
دخلت عزة على عبد الملك بن مروان - وهو لا يعرفها - ترفع مظلمة لها، فلما سمع كلامها تعجب منه! فقال له بعض جلسائه: هذه عزة كثير، فقال عبد الملك: إن أردت أن أرد عليك مظلمتك فأنشديني ما قال فيك كثير، فاستحيت وقالت: والله ما أعرف كثيراً، لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في: من الطويل
قضى كل ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزة ممطولٌ معنى غريمها
فقال عبد الملك: ليس عن هذا أسألك، ولكن أنشديني من قوله: من الطويل
وقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي ياعز لا يتغير
تغير جسمي والخليفة كالذي ... عهدت ولم يخبر بسرك مخبر
قالت: قد سمعت هذا ولكني سمعت الناس يحكون عنه أنه قال في: من الطويل
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحٌ فما تلقاك إلا ملولة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت
فقضى حاجتها ورد مظمتها وقال: ادخلوها على الجواري يأخذن من أدبها.
وعن أن البنين ابنة عياض بن الحسن الأسلمية قالت: سارت علينا عزة في جماعةٍ من قومها فنزلت على بئر ابن يربوع الجهنية، فسمعنا بها فاجتمع جماعةٌ من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها فرأينا امرأة حميراء حلوة لطيفة، فتضاءلنها، ومعنا نسوةٌ كلهن لهن الفضل عليها في الجمال والخلق إلى أن تحدثت عزة، فإذا هي أبرع الخلق وأحلاه حديثاً! فما فارقناها إلا ولها الفضل في أعيننا، وما نرى أن امرأة تفوقها حسناً وجمالاً وحلاوة.
قال أبو عبيدة: دخل كثير على عبد الملك بن مروان، وكان كثير دميماً، فلما نظر إليه عبد الملك قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. فقال كثير: من الوافر
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسدٌ يزيز
ويعجبك الطرير فتختبره ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
وما عظم الرجال لها بزين ... ولكن زينها كرم وخير
فقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الصبي بكل وجه ... ويحمله على الخسف الجرير
شرار الأسد أكثرها زئيراً ... وخبرتها اللواتي لا تزيز
بغاث الطير أكثرها فراخاً ... ولأم الصقر مقلاةٌ نزور
فقال له عبد الملك: إن كنا أسأنا لك اللقاء فلسنا نسيء لك الثواب، فاذكر حاجتك، فقال: تزوجني عزة. فأحضر أهلها وأمرهم بتزويجه إياها، فقالوا: هذه امرأة بالغ، فعرض عليها التزويج به، فقالت: بعد ما شهرني في العرب وشبب بي فأكثر ذكري، ما إلى هذا سبيل. فقال فإذ أبيت هذا وكرهته فاكشفي وجهك. فثقل ذلك عليها، ثم فعلت ومضت مكشوفة الوجه إلى بعض حجر عبد الملك، فدخلت الحجرة ونظرت إلى كثير مغضبة، فقال بعض من حضرها جنت جنت. فأنشأ كثير يقول: من الطويل
أصاب الردى من كان لك الردى ... وجن اللواتي قلن عزة جنت
فهن لأولى بالجنون وبالخنا ... وبالسيئات ماحيين وحيت
ولما رأت من حولها نقص الحيا ... رمتني بباقي وصلها ثم ولت
فصدت كذات البو تتبع سقرها ... فلما قضت يأساً من البر حنت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملولةٌ ... لدينا ولا مقلية إن تقلت
فحلفت أن لا تكلم كثيراً سنةٌ، فلما انصرفت من الحج بصرت بكثير وهو على جمله يخفق نعاساً، فضربت رجله بيدها وقالت: كيف أنت ياجمل؟ فأنشأ كثير يقول: من البسيط
حيتك عزة يوم البين وانصرفت ... فحي ويحك من حياك ياجمل
لو كنت حييتها مازلت ذا مقةٍ ... عندي وما مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأبدلها ... مكان ياجملٌ حييت يا رجل
فحن من جزعٍ إذ قلت ذاك له ... ورام تكليمها لو تنطق الإبل
دخلت عزة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز فقالت لها: يا عزة ما قول كثير: من الطويل
قضى كل ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين؟ قالت: كنت وعدته ثم إني خرجت منها، فقالت: أنجزيها له وعلي إثمها.
أرادت عزة أن تعرف ما لها عند كثير، فتنكرت له ومرت به متعرضة، فاتبعها وكلمها فقالت له: فأين حبك عزة؟ فقال: أنا الفداء لك لو أن عزة أمةً لي لوهبتها لك، قالت: ويحك! لاتفعل، فقد بلغني أنها لك في صدق المودة ومحض المحبة على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك. وبعد فأين قولك: من الطويل
إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول
فقال كثير: بأبي أنت، أقصري عن ذكرها واسمعي ما أقول. ثم قال: من البسيط
هل وصل عزة إلا وصل غانيةٍ ... في وصل غانيةٍ من وصلها بدل
قالت: فهل لك في المجالسة؟ فقال: كيف لي بذلك؟ فقالت: فكيف بما قلت في عزة وسيرته لها؟ فقال: أقلبه فيتحول إليك ويصير لك. قال: فسفرت عن وجهها وقالت: أغدراً وتنكاثاً يافاسق! وإنك لهاهنا يا عدو الله؟ قال: فبهت وأبلس ولم ينطلق، وتحير وخجل. ثم إنها عرفت أمرها ونكثه وغدره بها، وأعلمته سوء فعاله وقلة حفاظه، ونقضه العهد والميثاق ثم قالت: قاتل الله جميلاً حيث يقول: من الطويل
لحا الله من لاينفع الود عنده ... ومن حبله إن صد غير متين
ومن هو ذو وجهن ليس بدائمٍ ... على العهد حلافٌ بكل يمين
فأنشأ كثير يقول بانخزالٍ وحصرٍ وانكسار يعتذر إليها ويتنصل متمثلاً بقول جميل - ويقال بل سرقه من جميل ونحله إلى نفسه فقال: من الطويل
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من المذعف القاضي وسم الذرارح
فمت ولم تعلم علي خيانةٌ ... ألا رب باغي الربح ليس برابح
فلا تحمليها واجعليها جنايةٌ ... تروحت منها في مياحة مائح
أبوء بذنبي إنني قد ظلمتها ... وإني بباقي سرها غير بائح
قال الزبير بن بكار: بينما كثير ينشد الناس وقد حشدوا له إذ مرت به عزة ومعها زوجها، فقال لها زوجها: والله لتسبنه أو لأسوءنك، فقربت منه تسبه فأنشأ يقول: من الطويل
يكلفها الخنزير سبي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلت
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ... ولا شامتٍ إن نعل عزة زلت
أصاب الردى من كان يهوى لك الردى ... وجن اللواتي قلن عزة جنت
بلغ كثيراً أن عزة مريضةً بمصر وأنها تشتاقه، فخرج يريدها، فلما صار ببعض الطريق إذا غراب بانةٍ ينتف ريشه، فتطير من ذلك، فبينا هو يسير لقي رجلاً عائفاً زاجراً، فأخبره بما صد له وما رأى في طريقه فقال له: لقد ماتت هذه المرأة أو استبدلت بديلاً. فقدم مصر فوجد الناس منصرفين من جنازتها فأنشأ يقول:
فما أعيف النهدي لا در درة ... وأعلمه بالزجر لا عز ناصره
رأيت غراباً واقعاً بين بانةٍ ... ينتف أعلى ريشه ويطايره
فأما غرابٌفاغترابٌ من النوى ... وبانٌ فبينٌ من حبيبٍ تعاشره