عياش بن أبي ربيعة ذي الرمحين
واسمه عمرو ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الله المخزومي له صحبة، وهو الذي دعا له سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة.
روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن هذه الأمة لا يزالون بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا. يعني مكة.
وحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تجيء ريح بين يدي الساعة، تقبض روح كل مؤمن.
وعن نافع قال: سمعت عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ولا أدري عمن حدث قال: يبعث الله ريحاً لينة بين يدي الساعة، فلا تدع أحداً في قلبه من الخير شيء إلا أمانته.
كان عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب، فقدم عليه أخواه لأمه أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام، فذكرا له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه؛ فرجع معهما، فأوثقاه رباطاً وحبساه بمكة، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو له. وأمه وأم عبد الله بن أبي ربيعة أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم؛ وهي أم الحارث وأبي جهل ابني هشام بن المغيرة. وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، وندم هشام على فراقه إياها.
وكان عياش من مهاجرة الحبشة، هاجر إليها هو وامرأته أسماء بنت سلمة بن مخربة بن جندل، فولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن عياش، ثم قدم عياش مكة فلم يزل بها حتى خرج أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الهجرة إلى المدينة، فخرج معهم، وصاحب عمر بن الخطاب، فلما نزل قباء قدم عليه أخواه لأمه، أبو جهل، والحارث ابنا هشام، فلم يزالا به حتى رداه إلى مكة، فأوثقاه وحبساه، ثم أفلت، فقدم المدينة فلم يزل بها إلى أن
قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إلى الشام، فجاهد، ثم رجع إلى مكة، فأقام بها إلى أن مات، ولم يبرح ابنه عبد الله من المدينة.
وكان عياش من المستضعفين ممن يعذب في الله، ودعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة.
وقيل: إنه مات بالشام في خلافة عمر.
وعن عمر بن الخطاب قال:
لما أجمعنا الهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض صاحباه، فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن، وقدمنا المدينة، فكنا نقول: ما الله بقابلٍ من هؤلاء توبة، قوم عرفوا الله وآمنوا به، وصدقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم رجعوا عن الإسلام لبلاءٍ أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم فأنزل الله تعالى فيهم " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " إلى قوله " مثوى للمتكبرين ". قال عمر: فكتبتها بيدي كتاباً ثم بعثت بها إلى هشام، فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعد بها وأصوب لأفهمها، فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت أنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتل هشام شهيداً بأجنادين في ولاية أبي بكر.
وقدم على عياش المدينة أخوة لأمه أبو جهل بن هشام فقالا له: إن أمك قد نذرت
أن لا يظلها ولا يمسرأسها دهن حتى تراك. وفي رواية: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها، فقال عمر بن الخطاب: والله إن يريدانك إلا عن دينك، ولو قد وجدت أمك حر مكة لقد استظلت ولو قد آذاها القمل لقد امتشطت؛ فقال: إن لي بمكة مالاً لعلي آخذه، فقلت له: لك نصف مالي ولا ترجع إلى القوم، فأبى إلا الرجوع، فقلت له: خذ هذه الناقة ذلول ناجية، فالزم ظهرها فإن رابك القوم بشيء فانجه، فخرجوا حتى إذا أتوا قريباً من مكة قال أبو جهل: يا أخي لقد شق على بعيري فأعقبني على ناقتك فإنها أوطأ من بعيري، فنزل فلما وقعا إلى الأرض أوثقاه وربطاه ودخلا به مكة، فقالوا: هكذا يا أهل مكة فافعلوا بسفهائكم. ثم فتن فافتتن.
وعن أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف.
وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً من أيدي المشركين.
قالوا: ولم يزل الوليد بن الوليد بن المغيرة على دين قومه، وخرج معهم إلى بدر فأسر يومئذ، أسره عبد الله بن جحش، ويقال سليط بن قيس المازني من الأنصار، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام ابنا الوليد بن المغيرة، فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتكاه بأربعة آلاف، فجعل خالد يريد أن لا يبلغ ذلك، فقال هشام لخالد: إنه ليس بابن أمك، والله لو أبى فيه إلا كذا وكذا لفعلت.
ويقال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبى أن يفديه إلا بشكة أبيه الوليد بن المغيرة، فأبى ذلك خالد وطاع به هشام لأنه أخوه لأبيه وأمه؛ وكانت الشكة درعاً فضفاضة وسيفاً وبيضةً، فأقيم ذلك مئة دينار، فطاعا به وسلماه. فلما قبض ذلك خرجا بالوليد حتى بلغا به ذا الحليفة، فأفلت منهما، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، فقال له خالد: هلا كان هذا قبل أن تفتدى وتخرج مأثرة أبينا فاتبعت محمداً إذ كان هذا رأيك! فقال: ما كنت لأسلم حتى
أفتدي بمثل ما افتدى به قومي ولا تقول قريش إنما اتبع محمداً فراراً من الفداء. ثم خرجا به إلى مكة وهو آمن لهما فحبساه بمكة مع نفر من بني مخزوم كانوا أقدم إسلاماً منه عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وكانا من مهاجرة الحبشة، فدعا لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل بدر، ودعا بعد بدرٍ للوليد بن الوليد معهما، فدعا ثلاث سنين لهؤلاء الثلاثة جميعاً، ثم أفلت الوليد بن الوليد من الوثاق، فقدم المدينة، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام فقال: تركتهما في ضيقٍ وشدة، وهما في وثاق، رجل أحدهما مع رجل صاحبه. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق حتى تنزل بمكة على القين فإنه قد أسلم، تغيب عنده واطلب الوصول إلى عياشٍ وسلمة فأخبرهما أنك رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن تأمرهما أن ينطلقا حتى يخرجا. قال الوليد: ففعلت ذلك، فخرجا وخرجت معهما، فكنت أسوق بهما مخافةً من الطلب والفتنة حتى انتهينا إلى ظهر حرة المدينة.
وعن الزهري قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحارث، ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير: سلمٌ أنتم ما آمنتم بالله ورسوله، وأن الله وحده لا شريك له، بعث موسى بآياته، وخلق عيسى بكلماته، قالت اليهود: عزيز ابن الله، وقالت النصارى: الله ثالث ثلاثة عيسى ابن الله. وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي وقال: إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلاً حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك، وصل ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابي بيمينك، وادفعه بيمينك في أيمانهم، فإنهم قابلون، واقرأ عليهم: " لم يكن الدين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين " فإذا فرغت منها فقل: آمن محمد وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجة إلا دحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا فقل ترجموا وقل حسبي الله " آمنت بما أنزل الله من كتابٍ، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير " فإذا أسلموا فسلهم قضبهم الثلاثة
التي إذا حضروا بها سجدوا وهي من الأثل، قضيب ملمع ببياضٍ وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خيزران، والأسود البهيم، كأنه من ساسم، ثم أخرجها فحرقها بسوقهم.
قال عياش: فخرجت أفعل ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا دخلت، إذاالناس قد لبسوا زينتهم، قال: فمررت لأنظر إليهم، حتى انتهت إلى ستورٍ عظام على أبواب دورٍ ثلاثة، فكشفت الستر، فأدخل الباب الأوسط، فانتهت إلى قومٍ في قاعة الدار، فقلت: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعلت ما أمرني، فقبلوا، وكان كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك فدعا الحارث بن هشام بشراب، فنظر غليه عكرمة فقال: ادفعوه إلى عكرمة فدفع إليه، فنظر إليه عياش فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعاً وما ذاقوه.
واسمه عمرو ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الله المخزومي له صحبة، وهو الذي دعا له سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة.
روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن هذه الأمة لا يزالون بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا. يعني مكة.
وحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تجيء ريح بين يدي الساعة، تقبض روح كل مؤمن.
وعن نافع قال: سمعت عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ولا أدري عمن حدث قال: يبعث الله ريحاً لينة بين يدي الساعة، فلا تدع أحداً في قلبه من الخير شيء إلا أمانته.
كان عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب، فقدم عليه أخواه لأمه أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام، فذكرا له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه؛ فرجع معهما، فأوثقاه رباطاً وحبساه بمكة، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو له. وأمه وأم عبد الله بن أبي ربيعة أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم؛ وهي أم الحارث وأبي جهل ابني هشام بن المغيرة. وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، وندم هشام على فراقه إياها.
وكان عياش من مهاجرة الحبشة، هاجر إليها هو وامرأته أسماء بنت سلمة بن مخربة بن جندل، فولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن عياش، ثم قدم عياش مكة فلم يزل بها حتى خرج أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الهجرة إلى المدينة، فخرج معهم، وصاحب عمر بن الخطاب، فلما نزل قباء قدم عليه أخواه لأمه، أبو جهل، والحارث ابنا هشام، فلم يزالا به حتى رداه إلى مكة، فأوثقاه وحبساه، ثم أفلت، فقدم المدينة فلم يزل بها إلى أن
قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إلى الشام، فجاهد، ثم رجع إلى مكة، فأقام بها إلى أن مات، ولم يبرح ابنه عبد الله من المدينة.
وكان عياش من المستضعفين ممن يعذب في الله، ودعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة.
وقيل: إنه مات بالشام في خلافة عمر.
وعن عمر بن الخطاب قال:
لما أجمعنا الهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض صاحباه، فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن، وقدمنا المدينة، فكنا نقول: ما الله بقابلٍ من هؤلاء توبة، قوم عرفوا الله وآمنوا به، وصدقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم رجعوا عن الإسلام لبلاءٍ أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم فأنزل الله تعالى فيهم " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " إلى قوله " مثوى للمتكبرين ". قال عمر: فكتبتها بيدي كتاباً ثم بعثت بها إلى هشام، فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعد بها وأصوب لأفهمها، فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت أنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتل هشام شهيداً بأجنادين في ولاية أبي بكر.
وقدم على عياش المدينة أخوة لأمه أبو جهل بن هشام فقالا له: إن أمك قد نذرت
أن لا يظلها ولا يمسرأسها دهن حتى تراك. وفي رواية: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها، فقال عمر بن الخطاب: والله إن يريدانك إلا عن دينك، ولو قد وجدت أمك حر مكة لقد استظلت ولو قد آذاها القمل لقد امتشطت؛ فقال: إن لي بمكة مالاً لعلي آخذه، فقلت له: لك نصف مالي ولا ترجع إلى القوم، فأبى إلا الرجوع، فقلت له: خذ هذه الناقة ذلول ناجية، فالزم ظهرها فإن رابك القوم بشيء فانجه، فخرجوا حتى إذا أتوا قريباً من مكة قال أبو جهل: يا أخي لقد شق على بعيري فأعقبني على ناقتك فإنها أوطأ من بعيري، فنزل فلما وقعا إلى الأرض أوثقاه وربطاه ودخلا به مكة، فقالوا: هكذا يا أهل مكة فافعلوا بسفهائكم. ثم فتن فافتتن.
وعن أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف.
وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً من أيدي المشركين.
قالوا: ولم يزل الوليد بن الوليد بن المغيرة على دين قومه، وخرج معهم إلى بدر فأسر يومئذ، أسره عبد الله بن جحش، ويقال سليط بن قيس المازني من الأنصار، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام ابنا الوليد بن المغيرة، فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتكاه بأربعة آلاف، فجعل خالد يريد أن لا يبلغ ذلك، فقال هشام لخالد: إنه ليس بابن أمك، والله لو أبى فيه إلا كذا وكذا لفعلت.
ويقال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبى أن يفديه إلا بشكة أبيه الوليد بن المغيرة، فأبى ذلك خالد وطاع به هشام لأنه أخوه لأبيه وأمه؛ وكانت الشكة درعاً فضفاضة وسيفاً وبيضةً، فأقيم ذلك مئة دينار، فطاعا به وسلماه. فلما قبض ذلك خرجا بالوليد حتى بلغا به ذا الحليفة، فأفلت منهما، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، فقال له خالد: هلا كان هذا قبل أن تفتدى وتخرج مأثرة أبينا فاتبعت محمداً إذ كان هذا رأيك! فقال: ما كنت لأسلم حتى
أفتدي بمثل ما افتدى به قومي ولا تقول قريش إنما اتبع محمداً فراراً من الفداء. ثم خرجا به إلى مكة وهو آمن لهما فحبساه بمكة مع نفر من بني مخزوم كانوا أقدم إسلاماً منه عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وكانا من مهاجرة الحبشة، فدعا لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل بدر، ودعا بعد بدرٍ للوليد بن الوليد معهما، فدعا ثلاث سنين لهؤلاء الثلاثة جميعاً، ثم أفلت الوليد بن الوليد من الوثاق، فقدم المدينة، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام فقال: تركتهما في ضيقٍ وشدة، وهما في وثاق، رجل أحدهما مع رجل صاحبه. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق حتى تنزل بمكة على القين فإنه قد أسلم، تغيب عنده واطلب الوصول إلى عياشٍ وسلمة فأخبرهما أنك رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن تأمرهما أن ينطلقا حتى يخرجا. قال الوليد: ففعلت ذلك، فخرجا وخرجت معهما، فكنت أسوق بهما مخافةً من الطلب والفتنة حتى انتهينا إلى ظهر حرة المدينة.
وعن الزهري قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحارث، ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير: سلمٌ أنتم ما آمنتم بالله ورسوله، وأن الله وحده لا شريك له، بعث موسى بآياته، وخلق عيسى بكلماته، قالت اليهود: عزيز ابن الله، وقالت النصارى: الله ثالث ثلاثة عيسى ابن الله. وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي وقال: إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلاً حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك، وصل ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابي بيمينك، وادفعه بيمينك في أيمانهم، فإنهم قابلون، واقرأ عليهم: " لم يكن الدين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين " فإذا فرغت منها فقل: آمن محمد وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجة إلا دحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا فقل ترجموا وقل حسبي الله " آمنت بما أنزل الله من كتابٍ، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير " فإذا أسلموا فسلهم قضبهم الثلاثة
التي إذا حضروا بها سجدوا وهي من الأثل، قضيب ملمع ببياضٍ وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خيزران، والأسود البهيم، كأنه من ساسم، ثم أخرجها فحرقها بسوقهم.
قال عياش: فخرجت أفعل ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا دخلت، إذاالناس قد لبسوا زينتهم، قال: فمررت لأنظر إليهم، حتى انتهت إلى ستورٍ عظام على أبواب دورٍ ثلاثة، فكشفت الستر، فأدخل الباب الأوسط، فانتهت إلى قومٍ في قاعة الدار، فقلت: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعلت ما أمرني، فقبلوا، وكان كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك فدعا الحارث بن هشام بشراب، فنظر غليه عكرمة فقال: ادفعوه إلى عكرمة فدفع إليه، فنظر إليه عياش فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعاً وما ذاقوه.