عبيد بن سريج أبو يحيى
مولى بني نوفل بن عبد مناف ثم لعبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث ابن نوفل ويقال: مولى بني الحارث بن عبد المطلب وقيل مولى غيرهم. المكي المشهور بالإحسان في صنعة الغناء وكان من رواة الأخبار والأشعار، واستوفده الوليد بن عبد الملك كما روى إبراهيم الموصلي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج، فأشخصه، فلما قدم مكث أياماً لا يدعو به ولا يلتفت إليه، ثم إنه ذكره وطرب له، فطلبه، فتهيأ وتلبس، ودخل على الوليد فسلم، فأجلسه فجلس بعيداً، فاستدناه فدنا حتى كان قريباً منه فقال: قد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك، وجودة اختيارك، مع ظرف لسانك وحلاوة منطقك، قال: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي لا أن تراه قال الوليد: إني لأرجو أن لا تكون أنت ذاك، هات ما عندك، فاندفع ابن سريج يغني بشعر الأحوص: من الطويل
أمنزلتي سلمى على القدم اسلما ... وقد هجتما للشوق قلباً متيما
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى ... وجدة وصل حبله قد تجذما
إمام أتاه الملك عفواً ولم يثب ... على ملكه مالاً حراماً ولا دما
تخيره رب العباد لخلقه ... ولياً وكان الله بالناس أعلما
فلما ارتضاه الله لم يدع مسلماً ... لبيعته إلا أجاب وسلما
ينال الغنى والعز من نال وده ... ويرهب موتاً عاجلاً من تسنما
فقال الوليد: أحسنت وأحسن الأحوص. ثم قال: هيه، فغنى بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد: من البسيط
صلى الذي الصلوات الطيبات له ... والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا
على الذي سبق الأقوام ضاحية ... بالأجر والحمد حتى صاحباه معا
هو الذي جمع الرحمن أمته ... على يديه، وكانوا قبله شيعا
عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده ... وأن نكون لراع بعده تبعا
إن الوليد أمير المؤمنين له ... ملك عليه أعان الله فارتفعا
لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم ... له عبيد ولا يعطون من منعا
فقال الوليد: صدقت ياعبيد أنى لك هذا؟ قال: هو من عند الله، قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك، قال ابن سريج: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " قال الوليد: " يزيد في الخلق ما يشاء " قال ابن سريج: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " قال الوليد: علمك أكبر وأعجب إلي من غنائك، غنني، فغناه، بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد:
عرف الديار توهماً فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
صلى الإله على امرئ ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادها
وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحص فجادها
نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثاً أغاث أنيسها وبلادها
أولا ترى أن البرية كلها ... ألقت خزائمها إليه فقادها
ولقد أراد الله إذ ولاكها ... من أمة إصلاحها ورشادها
وعمرت أرض المسلمين فأقبلت ... وكففت عنها من أراد فسادها
وأصبحت في أرض العدو مصيبة ... عمت أقاصي غورها ونجادها
ظفراً ونصراً ما يناوئ مثله ... أحد من الخلفاء كان أرادها
وإذا نشرت له الثناء وجدته ... جمع المكارم طرفها وتلادها
فإشار الوليد إلى بعض الخدم فغطوه بالخلع، ووضعوا بين يديه كيسة الدنانير وبدر الدراهم، ثم قال الوليد: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمراً جليلاً، فقال ابن سريج: وأنت يا أمير المؤمنين قد آتاك اله ملكاً عظيماً وشرفاً عالياً، وعزاً بسط يدك فيه. ولم يقبضه عنك، ولا يفعل إن شاء الله، فأدام الله لك ما ولاك، وحفظك فيما استرعاك. قال: يا نوفلي، وخطيب أيضاً!؟ قال: عنك نطقت، وبلسانك تكلمت، وبعزك أنست.
وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرفاع العاملي، فلما قدما عليه أمر بإنزالهما جنب ابن سريج، فقالا: لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من
قربك يا مولى بني نوفل، فإن قربك لما يلذ لنا ويشغلنا عن كثير مما نريد، فقال ابن سريج: أو قلة أو شكر؟؟؟، فقال عدي: كأنك يابن اللخناء تمن علينا، علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين. وأما الأحوص فقال: أو لا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة؟؟؟، كفارة يمين خير من عدم المحبة، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة، فتحول عدي، وبقي الأحوص، وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا بابن سريج فأدخله بيتاً، وأرخى دونه ستراً، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلمتيهما أن يغني، فلما دخلا وأنشده مدائح له، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه، وضرب بعوده. فقال عدي: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في أن أتكلم؟ قال: قل يا عاملي، قال: مثل هذا عند أمير المؤمنين؟ وتبعث إلى ابن سريج تتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشام، ترفعه أرض وتخفضه أخرى؟، فيقال من هذا؟ فيقال: ابن سريج مولى بني نوفل، بعث إليه أمير المؤمنين ليسمع غناءه،. قال: ويحك يا عدي أولا تعرف هذا الصوت؟ قال: لا والله، ما سمعته قط، ولا سمعت مثله حسناً، ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائفة من الجن يتغنون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج، فقال عدي: حق لهذا أن يحمل، حق لهذا أن يحمل ثلاثاً، ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، وارتحل القوم.
قال ابن سريج: إذا غنيت لحني في شعر عمر بن أبي ربيعة: من مشطور الرجز
إن خان من تهوى فلا تخنه
وكن وفياً إن سلوت عنه
واسلك سبيل وصله وصنه
إن كان غدراً فلا تكنه
توهمت أني الخليفة في الغناء وأن المغنين رعيتي.
دخل مقمة على ابن سريج في مرضه فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: كما قال الشاعر: من الوافر:
مريض غاب عنه أقربوه ... وأسلمه المداوي والحميم
ثم مات من ليلته.
قال أبو أيوب المديني: توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة في خلافة سليمان بن عبد الملك، أو في آخر خلافة الوليد.
مولى بني نوفل بن عبد مناف ثم لعبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث ابن نوفل ويقال: مولى بني الحارث بن عبد المطلب وقيل مولى غيرهم. المكي المشهور بالإحسان في صنعة الغناء وكان من رواة الأخبار والأشعار، واستوفده الوليد بن عبد الملك كما روى إبراهيم الموصلي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج، فأشخصه، فلما قدم مكث أياماً لا يدعو به ولا يلتفت إليه، ثم إنه ذكره وطرب له، فطلبه، فتهيأ وتلبس، ودخل على الوليد فسلم، فأجلسه فجلس بعيداً، فاستدناه فدنا حتى كان قريباً منه فقال: قد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك، وجودة اختيارك، مع ظرف لسانك وحلاوة منطقك، قال: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي لا أن تراه قال الوليد: إني لأرجو أن لا تكون أنت ذاك، هات ما عندك، فاندفع ابن سريج يغني بشعر الأحوص: من الطويل
أمنزلتي سلمى على القدم اسلما ... وقد هجتما للشوق قلباً متيما
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى ... وجدة وصل حبله قد تجذما
إمام أتاه الملك عفواً ولم يثب ... على ملكه مالاً حراماً ولا دما
تخيره رب العباد لخلقه ... ولياً وكان الله بالناس أعلما
فلما ارتضاه الله لم يدع مسلماً ... لبيعته إلا أجاب وسلما
ينال الغنى والعز من نال وده ... ويرهب موتاً عاجلاً من تسنما
فقال الوليد: أحسنت وأحسن الأحوص. ثم قال: هيه، فغنى بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد: من البسيط
صلى الذي الصلوات الطيبات له ... والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا
على الذي سبق الأقوام ضاحية ... بالأجر والحمد حتى صاحباه معا
هو الذي جمع الرحمن أمته ... على يديه، وكانوا قبله شيعا
عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده ... وأن نكون لراع بعده تبعا
إن الوليد أمير المؤمنين له ... ملك عليه أعان الله فارتفعا
لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم ... له عبيد ولا يعطون من منعا
فقال الوليد: صدقت ياعبيد أنى لك هذا؟ قال: هو من عند الله، قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك، قال ابن سريج: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " قال الوليد: " يزيد في الخلق ما يشاء " قال ابن سريج: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " قال الوليد: علمك أكبر وأعجب إلي من غنائك، غنني، فغناه، بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد:
عرف الديار توهماً فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
صلى الإله على امرئ ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادها
وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحص فجادها
نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثاً أغاث أنيسها وبلادها
أولا ترى أن البرية كلها ... ألقت خزائمها إليه فقادها
ولقد أراد الله إذ ولاكها ... من أمة إصلاحها ورشادها
وعمرت أرض المسلمين فأقبلت ... وكففت عنها من أراد فسادها
وأصبحت في أرض العدو مصيبة ... عمت أقاصي غورها ونجادها
ظفراً ونصراً ما يناوئ مثله ... أحد من الخلفاء كان أرادها
وإذا نشرت له الثناء وجدته ... جمع المكارم طرفها وتلادها
فإشار الوليد إلى بعض الخدم فغطوه بالخلع، ووضعوا بين يديه كيسة الدنانير وبدر الدراهم، ثم قال الوليد: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمراً جليلاً، فقال ابن سريج: وأنت يا أمير المؤمنين قد آتاك اله ملكاً عظيماً وشرفاً عالياً، وعزاً بسط يدك فيه. ولم يقبضه عنك، ولا يفعل إن شاء الله، فأدام الله لك ما ولاك، وحفظك فيما استرعاك. قال: يا نوفلي، وخطيب أيضاً!؟ قال: عنك نطقت، وبلسانك تكلمت، وبعزك أنست.
وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرفاع العاملي، فلما قدما عليه أمر بإنزالهما جنب ابن سريج، فقالا: لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من
قربك يا مولى بني نوفل، فإن قربك لما يلذ لنا ويشغلنا عن كثير مما نريد، فقال ابن سريج: أو قلة أو شكر؟؟؟، فقال عدي: كأنك يابن اللخناء تمن علينا، علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين. وأما الأحوص فقال: أو لا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة؟؟؟، كفارة يمين خير من عدم المحبة، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة، فتحول عدي، وبقي الأحوص، وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا بابن سريج فأدخله بيتاً، وأرخى دونه ستراً، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلمتيهما أن يغني، فلما دخلا وأنشده مدائح له، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه، وضرب بعوده. فقال عدي: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في أن أتكلم؟ قال: قل يا عاملي، قال: مثل هذا عند أمير المؤمنين؟ وتبعث إلى ابن سريج تتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشام، ترفعه أرض وتخفضه أخرى؟، فيقال من هذا؟ فيقال: ابن سريج مولى بني نوفل، بعث إليه أمير المؤمنين ليسمع غناءه،. قال: ويحك يا عدي أولا تعرف هذا الصوت؟ قال: لا والله، ما سمعته قط، ولا سمعت مثله حسناً، ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائفة من الجن يتغنون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج، فقال عدي: حق لهذا أن يحمل، حق لهذا أن يحمل ثلاثاً، ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، وارتحل القوم.
قال ابن سريج: إذا غنيت لحني في شعر عمر بن أبي ربيعة: من مشطور الرجز
إن خان من تهوى فلا تخنه
وكن وفياً إن سلوت عنه
واسلك سبيل وصله وصنه
إن كان غدراً فلا تكنه
توهمت أني الخليفة في الغناء وأن المغنين رعيتي.
دخل مقمة على ابن سريج في مرضه فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: كما قال الشاعر: من الوافر:
مريض غاب عنه أقربوه ... وأسلمه المداوي والحميم
ثم مات من ليلته.
قال أبو أيوب المديني: توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة في خلافة سليمان بن عبد الملك، أو في آخر خلافة الوليد.