عبد الله بن محمد بن يزداذ بن سويد
أبو صالح الكاتب أصله من مرو، كان أبوه وزيراً للمأمون، ووزر هو للمستيعن نحواً من شهر، ووزر أيضاً للمهتدي، وقدم دمشق في صحبة المتوكل.
ذكره أبو بكر محمد بن يحيى الصولي في كتاب: الوزراء، وذكر من شعره: من الخفيف
ضاق صدري لما بعدت ولو كن ... ت قريباً إذاً لما ضاق صدري
يا خلياً مما ألاقيه فيه ... ليس بالحب والصبابة تدري
بأبي وجهك الذي لم يزل لي ... قائماً عند من يلوم، بعذر
وذكر له أيضاً: من المجتث
سكرت من حب شكر ... وبعت عرفاً بنكر
وأكثرت ذكر هجري ... فصار منها كهجر
ومن شعره: من البسيط
لا تجحد الذنب ثم اطلب تجاوزنا ... عنه؛ فإن جحود الذنب ذنبان
وامحُ الإساءة بالإحسان مقتبلاً ... إن الإساءة قد تمحى بإحسان
وله يفخر بما كان المأمون عقده لأبيه من ولائه لبني هاشم: من الخفيف
إن بيتي من الأكاسرة الغر ... ر مكاناً تحله العيوق
ولها من ولاء أحمد خير ال ... ناس ما نحوه النفوس تتوق
تتلظى الأعداء شحاً عليه ... ما لهم من جمالة ثفروق
والإمام المأمون أكد منه ... سبباً زاده له التوفيق
مات أبو صالح بن يزداد وهو مستخفٍ في داره، ودفن؛ فشاع موته، فنُبش حتى نُظر إليه، ثم رُدّ في قبره في رجب سنة إحدى وستين ومائتين.
/
عبد الله بن محمد بن أبي يزيد الخلنجي القاضي ولي قضاء الكرخ ببغداد. وقيل: ولي قضاء دمشق. وكان من رؤوس أصحاب أحمد بن أبي داؤد. وكان الخلنجي من المجردين للقول بخلق القرآن المعلنين به. وكان حاذقاً بالفقه، على مذهب أبي حنيفة، واسع العلم، ضابطاً. وتقلد المظالم. فأخبر ابن أبي دؤاد أنه مشتغل عالم بالقضاء ووجوهه، فكلم ابن أبي دؤاد المعتصم فولاه قضاء همذان، فأقام نحو عشرين سنة لا يشكى، وتلطف له محمد بن الجهم في مال عظيم فلم يقبله. ولما ولي الشرقية ظهرت عفته وديانته لأهل بغداد. وكان فيه كبر شديد، وكتب إليه المعتصم في أن يمتحن الناس، وكان يضبط نفسه، فتقدمت إليه امرأة فقالت: إن زوجي لا يقول بقول أمير المؤمنين في القرآن ففرق بيني وبينه، فصاح عليها. فلما كان في سنة سبع وثلاثين في جمادى عزله المتوكل، وامره أن يكشف ليفضحه بسبب ما امتحن الناس في خلق القرآن، فما انكشف عليه أنه أخذ حبة واحدة.
وكان القاضي عبد الله هو ابن أخت علوية المغني، وكان تياهاً صلفاً. وكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد فيستند إليها بجميع جسده ولا يتحرك، فإذا تقدم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود إلى حاله،
فعمد بعض المجان إلى رقعة من الرقاع التي يكتب فيها الدعاء وألصقها في موضع ذنبته وطلاها بدبق، وجاء الخلنجي فجلس كما كان يجلس فالتصقت ذنبته بالدبق وتمكن منها.
فلما تقدم إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الذنبة في موضعها مصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلموبة، فقام الخلنجي مغضباً وعلم أنها حيلة وقعت عليه. فغطى رأسه بطيلسانه وانصرف وتركها مكانها حتى جاء بعض أصحابه فأخذها. وقال بعض شعراء أهل عصره فيه: المنسرح
إن الخلنجي من تتايهه ... أثقل بادٍ لنا بطلعته
ماتيه ذي نخوةٍ مناسبة ... بين أخاوينه وقصعته
يصالح الخصم من يخاصمه ... خوفاً من الجورفي قضيته
لو لم تدبقه كف قانصه ... لطار تيهاً على رعيته
قال: وشهرت الأبيات والقصة ببغداد، وعمل علوية حكاية أعطاها للزفانين والمخنثين فأحرجوه فيها. وكان علوية يعاديه لمنازعةٍ كانت بينهما، ففضحه. واستعفى الخلنجي من القضاء ببغداد، وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة، فولي جند دمشق أو حمص. فلما ولي المأمون الخلافة غناه علوية بشعر الخنلجي وهو: الطويل
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
ولكنهم لما رأوك غريةً ... بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا
فقد صرت أذناً للوشاة سميعةً ... ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
فقال له المأمون: من يقول هذا الشعر؟ قال: دمشق. فأمر المأمون بإحضاره فحضر، وجلس المأمون وأحضر علوية ودعا بالقاضي فقال له: أنشدني قولك: برئت من الإسلام إن كان ذا الذي. فقال له: يا أمير المؤمنين، هذه أبيات قلتها منذ
أربعين سنة وأنا صبي، والذي أكرمك بالخلافة، وورثك ميراث النبوة ما قلت شعراً من أكثر من عشرين سنة إلا في زهدٍ أو عتاب صديق فقال له: اجلس فجلس، فناوله قدح نبيذ كان في يده وقال له: اشرب فأرعد وبكى، وأخذ القدح من يده وقال: والله يا أمير المؤمنين ما غيرت الماء بشيء قط مما يختلف في تحليله فقال: لعلك تريد نبيذ التمر والزبيب، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أعرف شيئاً منها، فأخذ القدح من يده وقال: أما والله لو شربت شيئاً من هذا لضربت عنقك، ولقد ظننت أنك صادق في قولك كله، ولكن لا يتولى القضاء أبداً رجل بدأ في قوله بالبراءة من الإسلام. انصرف إلى منزلك وأمر علوية فغير هذه الكلمة وجعل مكانها:
حرمت مناي منك إن كان ذا الذي
وقد رويت هذه القصة لغير الخلنجي وذكر أنها لعمر بن أبي بكر المؤملي. وسيأتي ذكره.
قال علي بن محمد بن الفرات: لما تولى الخلنجي قضاء الشرقية كثر من يطالبه بفك الحجر، فدعا بالأمناء وقال لهم: من كان منكم في يده مال ليتيم فليشتر له منه مراً وزبيلاً يكون قبله، وليدفع إليه ماله. فإن أتلفه عمل بالمر والزبيل.
قال داود بن علي: سمعت بعض شهود الخلنجي يقول: ما علمت أن القرآن مخلوق إلى اليوم.. فقلت: وكيف علمت! أجاءك وحي؟ قال: سمعت القاضي يقول..
توفي الخلنجي سنة ثلاث وخمسين ومئتين.
أبو صالح الكاتب أصله من مرو، كان أبوه وزيراً للمأمون، ووزر هو للمستيعن نحواً من شهر، ووزر أيضاً للمهتدي، وقدم دمشق في صحبة المتوكل.
ذكره أبو بكر محمد بن يحيى الصولي في كتاب: الوزراء، وذكر من شعره: من الخفيف
ضاق صدري لما بعدت ولو كن ... ت قريباً إذاً لما ضاق صدري
يا خلياً مما ألاقيه فيه ... ليس بالحب والصبابة تدري
بأبي وجهك الذي لم يزل لي ... قائماً عند من يلوم، بعذر
وذكر له أيضاً: من المجتث
سكرت من حب شكر ... وبعت عرفاً بنكر
وأكثرت ذكر هجري ... فصار منها كهجر
ومن شعره: من البسيط
لا تجحد الذنب ثم اطلب تجاوزنا ... عنه؛ فإن جحود الذنب ذنبان
وامحُ الإساءة بالإحسان مقتبلاً ... إن الإساءة قد تمحى بإحسان
وله يفخر بما كان المأمون عقده لأبيه من ولائه لبني هاشم: من الخفيف
إن بيتي من الأكاسرة الغر ... ر مكاناً تحله العيوق
ولها من ولاء أحمد خير ال ... ناس ما نحوه النفوس تتوق
تتلظى الأعداء شحاً عليه ... ما لهم من جمالة ثفروق
والإمام المأمون أكد منه ... سبباً زاده له التوفيق
مات أبو صالح بن يزداد وهو مستخفٍ في داره، ودفن؛ فشاع موته، فنُبش حتى نُظر إليه، ثم رُدّ في قبره في رجب سنة إحدى وستين ومائتين.
/
عبد الله بن محمد بن أبي يزيد الخلنجي القاضي ولي قضاء الكرخ ببغداد. وقيل: ولي قضاء دمشق. وكان من رؤوس أصحاب أحمد بن أبي داؤد. وكان الخلنجي من المجردين للقول بخلق القرآن المعلنين به. وكان حاذقاً بالفقه، على مذهب أبي حنيفة، واسع العلم، ضابطاً. وتقلد المظالم. فأخبر ابن أبي دؤاد أنه مشتغل عالم بالقضاء ووجوهه، فكلم ابن أبي دؤاد المعتصم فولاه قضاء همذان، فأقام نحو عشرين سنة لا يشكى، وتلطف له محمد بن الجهم في مال عظيم فلم يقبله. ولما ولي الشرقية ظهرت عفته وديانته لأهل بغداد. وكان فيه كبر شديد، وكتب إليه المعتصم في أن يمتحن الناس، وكان يضبط نفسه، فتقدمت إليه امرأة فقالت: إن زوجي لا يقول بقول أمير المؤمنين في القرآن ففرق بيني وبينه، فصاح عليها. فلما كان في سنة سبع وثلاثين في جمادى عزله المتوكل، وامره أن يكشف ليفضحه بسبب ما امتحن الناس في خلق القرآن، فما انكشف عليه أنه أخذ حبة واحدة.
وكان القاضي عبد الله هو ابن أخت علوية المغني، وكان تياهاً صلفاً. وكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد فيستند إليها بجميع جسده ولا يتحرك، فإذا تقدم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود إلى حاله،
فعمد بعض المجان إلى رقعة من الرقاع التي يكتب فيها الدعاء وألصقها في موضع ذنبته وطلاها بدبق، وجاء الخلنجي فجلس كما كان يجلس فالتصقت ذنبته بالدبق وتمكن منها.
فلما تقدم إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الذنبة في موضعها مصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلموبة، فقام الخلنجي مغضباً وعلم أنها حيلة وقعت عليه. فغطى رأسه بطيلسانه وانصرف وتركها مكانها حتى جاء بعض أصحابه فأخذها. وقال بعض شعراء أهل عصره فيه: المنسرح
إن الخلنجي من تتايهه ... أثقل بادٍ لنا بطلعته
ماتيه ذي نخوةٍ مناسبة ... بين أخاوينه وقصعته
يصالح الخصم من يخاصمه ... خوفاً من الجورفي قضيته
لو لم تدبقه كف قانصه ... لطار تيهاً على رعيته
قال: وشهرت الأبيات والقصة ببغداد، وعمل علوية حكاية أعطاها للزفانين والمخنثين فأحرجوه فيها. وكان علوية يعاديه لمنازعةٍ كانت بينهما، ففضحه. واستعفى الخلنجي من القضاء ببغداد، وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة، فولي جند دمشق أو حمص. فلما ولي المأمون الخلافة غناه علوية بشعر الخنلجي وهو: الطويل
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
ولكنهم لما رأوك غريةً ... بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا
فقد صرت أذناً للوشاة سميعةً ... ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
فقال له المأمون: من يقول هذا الشعر؟ قال: دمشق. فأمر المأمون بإحضاره فحضر، وجلس المأمون وأحضر علوية ودعا بالقاضي فقال له: أنشدني قولك: برئت من الإسلام إن كان ذا الذي. فقال له: يا أمير المؤمنين، هذه أبيات قلتها منذ
أربعين سنة وأنا صبي، والذي أكرمك بالخلافة، وورثك ميراث النبوة ما قلت شعراً من أكثر من عشرين سنة إلا في زهدٍ أو عتاب صديق فقال له: اجلس فجلس، فناوله قدح نبيذ كان في يده وقال له: اشرب فأرعد وبكى، وأخذ القدح من يده وقال: والله يا أمير المؤمنين ما غيرت الماء بشيء قط مما يختلف في تحليله فقال: لعلك تريد نبيذ التمر والزبيب، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أعرف شيئاً منها، فأخذ القدح من يده وقال: أما والله لو شربت شيئاً من هذا لضربت عنقك، ولقد ظننت أنك صادق في قولك كله، ولكن لا يتولى القضاء أبداً رجل بدأ في قوله بالبراءة من الإسلام. انصرف إلى منزلك وأمر علوية فغير هذه الكلمة وجعل مكانها:
حرمت مناي منك إن كان ذا الذي
وقد رويت هذه القصة لغير الخلنجي وذكر أنها لعمر بن أبي بكر المؤملي. وسيأتي ذكره.
قال علي بن محمد بن الفرات: لما تولى الخلنجي قضاء الشرقية كثر من يطالبه بفك الحجر، فدعا بالأمناء وقال لهم: من كان منكم في يده مال ليتيم فليشتر له منه مراً وزبيلاً يكون قبله، وليدفع إليه ماله. فإن أتلفه عمل بالمر والزبيل.
قال داود بن علي: سمعت بعض شهود الخلنجي يقول: ما علمت أن القرآن مخلوق إلى اليوم.. فقلت: وكيف علمت! أجاءك وحي؟ قال: سمعت القاضي يقول..
توفي الخلنجي سنة ثلاث وخمسين ومئتين.