صَيفي بن الأَسلت
واسم الأسلت عامر بن جُشَم بن وائل بن زيد بن قيس ابن عامر بن مرّة بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمر أبو قيس الأنصاري الوائلي الشاعر
أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد وفد على آل جفنة. ويقال: إن اسم صيفي عبدُ الله. وكان أبو قيس بن الأسلت يُعدل بقيس بن الخطيم في الشعر والشجاعة. وهو الذي وقف بأوس الله يحضهم على الإسلام. وقد كان أبو قيس قبل قدوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتألّه ويدّعى الحنيفية ويحض قريشاً على اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقام في أوس الله فقال: أسفوا إلى هذا الرجل، فإني لم أر خيراً قط إلا أوله أكثره، ولم أرد شرّاً قط إلا أوله أكثره، ولم أر شرّاً قط إلا أوله أقلّه. فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فلقيه فقال له: لُذت من حربنا كل ملاذ. مرة تطلب الحلف إلى قريش، ومرة باتباع محمد. فغضب أبو قيس وقال: لا جرم والله لا اتبعته إلا آخر الناس فزعموا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليه وهو يموت أن قُلْ: لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة فسُمع يقولها. وامرأته أول امرأة حَرُمت على ابن زوجها. وفيها نزلت " ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ ما قَدْ سَلَفَ " ومضت بدرٌ وأحد ولم يُسلم
من أوس الله أحد إلا أربعة نفر من بني خطمة: خزيمة بن ثابت بن الفاكه، وعمير بن عدي بن خرشة، وحبيب بن خُماشة، وحَميضة بن رُقَيم الخطميون. كلهم شهد أحداً وما بعدها من المشاهد، فلذلك ذهبت الخزرج بالعدة فيمن شهد بدراً.
وقيس بن أبي قيس بن الأسلت صحب سيدنا صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد أحداً. ولم يزل في المشاهد حتى بعثه سعد بن أبي وقاص طليعة له حين خرج إلى الكوفة. فلم يدر حتى هجم على مَسلحة بالعُذَيب للعجم، فشدا عليه، فقاتلوه حتى قتل يومئذ.
وروى جماعة أن لم يكن أحد من الأوس والخزرج أوصف للحنيفية ولا أكثر مسألة عنها من أبي قيس بن الأسلت. وكان قد سأل مَن بيثرب من اليهود عن الدين فدعوه إلى اليهودية، فكاد يقاربهم ثم أبى ذلك، وخرج إلى الشام إلى آل جفنة، فتعرضهم فوصلوه. وسأل الرهبان والأخبار فدعوه إلى دينهم فلم يُرده وقال: لا أدخل في هذا أبداً، فقال له راهب بالشام: أنت تريد دين الحنيفية. قال أبو قيس: ذاك الذي أريد، فقال الراهب: هذا وراءك، من حيث خرجت دين إبراهيم، فقال أبو قيس: أنا على دين إبراهيم، وأنا أدين به حتى أموت عليه. ورجع أبو قيس: خرجت إلى الشام أسأل عن دين إبراهيم فقيل لي: هو وراءك، فقال له زيد بن عمرو: قد استعرضت الشام والزيرة ويهود يثرب فرأيت دينهم باطلاً. وإن الدين دين إبراهيم: كان لا يشرك بالله شيئاً، ويصلي إلى هذا البيت، ولا يأكل ما ذبح لغير الله. فكان أبو قيس يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وقد أسلمت الخزرج وطوائف من الأوس: بنو عبد الأشهل كلها، وظَفَر وحارثة، ومعاوية وعمرو بن عوف إلا ما كان من أوس الله وتيم وائل وبنو خطمة وواقف، وأمية بن زيد
مع أبي قيس بن الأسلت، وكان رأسها وشاعرها وخطيبها، وكان يقودهم في الحرب. وكان قد كان أن يسلم، وذكر الحنيفية في شعره. وكان يذكر صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما تخبره به يهود، وأن مولده بمكة ومهاجره يثرب. فقال بعد أن بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا النبي الذي بقي وهذه دار هجرته.
فلما كانت وقعة بعاث شهدها. وكان بين قدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقعة بعاث خمس سنين. وكان يُعرَف بيثرب، يقال له الحنيف. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قيل له: يا أبا قيس: هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: أجل، قد بُعث بالحق. وجاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إلام تدعو؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وذكر شرائع الإسلام. فقال أبو قيس: ما أحسن هذا وما أجمله! أنظر في أمري ثم أعود إليك، فكاد يسلم، فلقيه عبد الله بن أُبيّ فقال: من أين؟ فقال: من عند محمد. عرض علي كلاماً ما أحسنه! وهو الذي كنا نعرف، والذي كانت أحبار اليهود تخبرنا به، فقال له عبد الله بن أبي: كرهت والله حرب الخزرج. قال: فغضب أبو قيس وقال: والله لا أسلم سنة. ثم أنصرف إلى منزله، فلم يعد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات قبل الحول. وذلك في ذي الحجة على رأس عشرة أشهر من الهجرة.
وروي عن أشياخهم أنهم كانوا يقولون: لقد سُمع يوحّد عند الموت.
وأبو قيس بن الأسلت هو القائل: " السريع "
مَن يذقِ الحربَ يجدْ طعمها ... مرّاً وتتركْهُ بجَعجاعِ
قد حصَّت البيضة رأسي فما ... أطعمَ نوماً غير تهجاع
أسعى على جل بني مالك ... كل امرىءْ في شأنه ساع
ليس قطاً مثلُ قُطَيٍّ ولاال ... مَرْعِيُّ في الأقوام كالراعي
وأضرب القَوْنس يوم الوغى ... بالسيفِ ما ينقضي به باعي
قال الهيثم بن عدي: كنا جلوساً عند صالح بن حسان فقال: أنشدوا بيتاً شريفاً في امرأة خَفِرة، قلنا: قول حاتم الطائي: الطويل
يضيء لها البيتُ الظليمُ خصاصُهُ ... إذا هي يوماً حاولت أن تبسَّما
فقال: أريد أحسن من هذا. قلنا: قول الأعشى: " البسيط "
كأنّ مشيتها من بيت جارتها ... مرّ السحابة لا رَيث ولا عجَلُ
قال: أريد أحسن من هذا: قلت: بيت ذي الرمة: " الطويل "
تنوء بأخراها فلأياً قيامُها ... وتمشي الهويني من قريبٍ فتَبهَرُ
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا: ما عندنا شيء. قال: بيت أبي قيس بن الأسلت: " الطويل "
وتكرمُها جاراتُها فيزرنها ... وتعتل عن إتيانهنَّ فتُعْذَرُ
ثم قال: أتدرون أحسن بيت وصفت به الثريا؟ قلت: بيت ابن الزبير " الطويل "
وقد لاحَ في الجوّ الثريا كأنّه ... بهِ رايةٌ بيضاءُ تخفق للطعنِ
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا بين امرىء القيس.
إذا ما الثريا في السماء تعرَّضت ... تعرُّض أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ
قال: أريد أحسن من هذا. قلت بيت ابن الطثَريَّة:
إذا ما الثريا في السماءِ كأنها ... جُمانٌ وهي من سلكِه فتسرَّعا
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا ما عندنا شيء. قال: بيت أبي قيس بن الأسلت:
وقد لاحَ في الجوّ الثريا لِمن رأى ... كعنقودِ ملاّحيّةٍ حين نوّرا
قال الحافظ: روي هذا الخبر الملاّحية بتشديد اللام. قال: ولغة العرب الفصيحة السائرة: ملاحية. يقولون: عنب ملاحي، ورواة الحديث والأخبار الذي لا علم لهم بكلام العرب يغلطون في هذا كثيراً وفيما أشبه. قال: وأرى أن الذي أوقعهم في هذا أنهم لما رأوا في هذا البيت ظهور الزحاف فيها إذا رُوي مخففاً على الوجه الصحيح، وسلامته من ذلك إذا شُدّد، ثم لم يعلموا جواز الزحاف واطراده، وظهور استعماله. وإن أكثر الشعر مُزاحَف. ومالا زحاف فيه قليل نَزْر جداً. وهذا البيت من الطويل الثاني. والزحاف فيه ذهاب ياء مفاعلين ورده إلى مفاعلن ويسمى القبض لذهاب الخامس. وقد تسقط نون مفاعلين على معاقبة القبض فيه، وهو ذهاب الياء. ولا يجتمعان في السقوط وهو الكف لذهاب السابع.
واسم الأسلت عامر بن جُشَم بن وائل بن زيد بن قيس ابن عامر بن مرّة بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمر أبو قيس الأنصاري الوائلي الشاعر
أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد وفد على آل جفنة. ويقال: إن اسم صيفي عبدُ الله. وكان أبو قيس بن الأسلت يُعدل بقيس بن الخطيم في الشعر والشجاعة. وهو الذي وقف بأوس الله يحضهم على الإسلام. وقد كان أبو قيس قبل قدوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتألّه ويدّعى الحنيفية ويحض قريشاً على اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقام في أوس الله فقال: أسفوا إلى هذا الرجل، فإني لم أر خيراً قط إلا أوله أكثره، ولم أرد شرّاً قط إلا أوله أكثره، ولم أر شرّاً قط إلا أوله أقلّه. فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فلقيه فقال له: لُذت من حربنا كل ملاذ. مرة تطلب الحلف إلى قريش، ومرة باتباع محمد. فغضب أبو قيس وقال: لا جرم والله لا اتبعته إلا آخر الناس فزعموا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليه وهو يموت أن قُلْ: لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة فسُمع يقولها. وامرأته أول امرأة حَرُمت على ابن زوجها. وفيها نزلت " ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ ما قَدْ سَلَفَ " ومضت بدرٌ وأحد ولم يُسلم
من أوس الله أحد إلا أربعة نفر من بني خطمة: خزيمة بن ثابت بن الفاكه، وعمير بن عدي بن خرشة، وحبيب بن خُماشة، وحَميضة بن رُقَيم الخطميون. كلهم شهد أحداً وما بعدها من المشاهد، فلذلك ذهبت الخزرج بالعدة فيمن شهد بدراً.
وقيس بن أبي قيس بن الأسلت صحب سيدنا صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد أحداً. ولم يزل في المشاهد حتى بعثه سعد بن أبي وقاص طليعة له حين خرج إلى الكوفة. فلم يدر حتى هجم على مَسلحة بالعُذَيب للعجم، فشدا عليه، فقاتلوه حتى قتل يومئذ.
وروى جماعة أن لم يكن أحد من الأوس والخزرج أوصف للحنيفية ولا أكثر مسألة عنها من أبي قيس بن الأسلت. وكان قد سأل مَن بيثرب من اليهود عن الدين فدعوه إلى اليهودية، فكاد يقاربهم ثم أبى ذلك، وخرج إلى الشام إلى آل جفنة، فتعرضهم فوصلوه. وسأل الرهبان والأخبار فدعوه إلى دينهم فلم يُرده وقال: لا أدخل في هذا أبداً، فقال له راهب بالشام: أنت تريد دين الحنيفية. قال أبو قيس: ذاك الذي أريد، فقال الراهب: هذا وراءك، من حيث خرجت دين إبراهيم، فقال أبو قيس: أنا على دين إبراهيم، وأنا أدين به حتى أموت عليه. ورجع أبو قيس: خرجت إلى الشام أسأل عن دين إبراهيم فقيل لي: هو وراءك، فقال له زيد بن عمرو: قد استعرضت الشام والزيرة ويهود يثرب فرأيت دينهم باطلاً. وإن الدين دين إبراهيم: كان لا يشرك بالله شيئاً، ويصلي إلى هذا البيت، ولا يأكل ما ذبح لغير الله. فكان أبو قيس يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وقد أسلمت الخزرج وطوائف من الأوس: بنو عبد الأشهل كلها، وظَفَر وحارثة، ومعاوية وعمرو بن عوف إلا ما كان من أوس الله وتيم وائل وبنو خطمة وواقف، وأمية بن زيد
مع أبي قيس بن الأسلت، وكان رأسها وشاعرها وخطيبها، وكان يقودهم في الحرب. وكان قد كان أن يسلم، وذكر الحنيفية في شعره. وكان يذكر صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما تخبره به يهود، وأن مولده بمكة ومهاجره يثرب. فقال بعد أن بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا النبي الذي بقي وهذه دار هجرته.
فلما كانت وقعة بعاث شهدها. وكان بين قدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقعة بعاث خمس سنين. وكان يُعرَف بيثرب، يقال له الحنيف. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قيل له: يا أبا قيس: هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: أجل، قد بُعث بالحق. وجاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إلام تدعو؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وذكر شرائع الإسلام. فقال أبو قيس: ما أحسن هذا وما أجمله! أنظر في أمري ثم أعود إليك، فكاد يسلم، فلقيه عبد الله بن أُبيّ فقال: من أين؟ فقال: من عند محمد. عرض علي كلاماً ما أحسنه! وهو الذي كنا نعرف، والذي كانت أحبار اليهود تخبرنا به، فقال له عبد الله بن أبي: كرهت والله حرب الخزرج. قال: فغضب أبو قيس وقال: والله لا أسلم سنة. ثم أنصرف إلى منزله، فلم يعد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات قبل الحول. وذلك في ذي الحجة على رأس عشرة أشهر من الهجرة.
وروي عن أشياخهم أنهم كانوا يقولون: لقد سُمع يوحّد عند الموت.
وأبو قيس بن الأسلت هو القائل: " السريع "
مَن يذقِ الحربَ يجدْ طعمها ... مرّاً وتتركْهُ بجَعجاعِ
قد حصَّت البيضة رأسي فما ... أطعمَ نوماً غير تهجاع
أسعى على جل بني مالك ... كل امرىءْ في شأنه ساع
ليس قطاً مثلُ قُطَيٍّ ولاال ... مَرْعِيُّ في الأقوام كالراعي
وأضرب القَوْنس يوم الوغى ... بالسيفِ ما ينقضي به باعي
قال الهيثم بن عدي: كنا جلوساً عند صالح بن حسان فقال: أنشدوا بيتاً شريفاً في امرأة خَفِرة، قلنا: قول حاتم الطائي: الطويل
يضيء لها البيتُ الظليمُ خصاصُهُ ... إذا هي يوماً حاولت أن تبسَّما
فقال: أريد أحسن من هذا. قلنا: قول الأعشى: " البسيط "
كأنّ مشيتها من بيت جارتها ... مرّ السحابة لا رَيث ولا عجَلُ
قال: أريد أحسن من هذا: قلت: بيت ذي الرمة: " الطويل "
تنوء بأخراها فلأياً قيامُها ... وتمشي الهويني من قريبٍ فتَبهَرُ
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا: ما عندنا شيء. قال: بيت أبي قيس بن الأسلت: " الطويل "
وتكرمُها جاراتُها فيزرنها ... وتعتل عن إتيانهنَّ فتُعْذَرُ
ثم قال: أتدرون أحسن بيت وصفت به الثريا؟ قلت: بيت ابن الزبير " الطويل "
وقد لاحَ في الجوّ الثريا كأنّه ... بهِ رايةٌ بيضاءُ تخفق للطعنِ
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا بين امرىء القيس.
إذا ما الثريا في السماء تعرَّضت ... تعرُّض أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ
قال: أريد أحسن من هذا. قلت بيت ابن الطثَريَّة:
إذا ما الثريا في السماءِ كأنها ... جُمانٌ وهي من سلكِه فتسرَّعا
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا ما عندنا شيء. قال: بيت أبي قيس بن الأسلت:
وقد لاحَ في الجوّ الثريا لِمن رأى ... كعنقودِ ملاّحيّةٍ حين نوّرا
قال الحافظ: روي هذا الخبر الملاّحية بتشديد اللام. قال: ولغة العرب الفصيحة السائرة: ملاحية. يقولون: عنب ملاحي، ورواة الحديث والأخبار الذي لا علم لهم بكلام العرب يغلطون في هذا كثيراً وفيما أشبه. قال: وأرى أن الذي أوقعهم في هذا أنهم لما رأوا في هذا البيت ظهور الزحاف فيها إذا رُوي مخففاً على الوجه الصحيح، وسلامته من ذلك إذا شُدّد، ثم لم يعلموا جواز الزحاف واطراده، وظهور استعماله. وإن أكثر الشعر مُزاحَف. ومالا زحاف فيه قليل نَزْر جداً. وهذا البيت من الطويل الثاني. والزحاف فيه ذهاب ياء مفاعلين ورده إلى مفاعلن ويسمى القبض لذهاب الخامس. وقد تسقط نون مفاعلين على معاقبة القبض فيه، وهو ذهاب الياء. ولا يجتمعان في السقوط وهو الكف لذهاب السابع.