صُدي بن عجلان بن عمرو
أبو أمامة الباهلي صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه.
قال أبو أمامة الباهلي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلّوا خمسكم وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم طيّبة بها أنفسكم، وأطيعوا ولاة أمركم، تدخلوا جنة ربكم ".
وفي حديث آخر زيادة: " وصلوا أرحامكم ".
حدث أبو غالب عن أبي أمامة قال: أتي برؤوس حرورية فنصبت على درج مسجد دمشق، فنظر إليها أبو أمامة وهي منصوبة، فقال: شر قتلى تحت ظل السماء هؤلاء، ثلاثاً. طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه. قلت: يا أبا أمامة، أشيء تقوله أم شيء سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قال: إني إذاً لمريء، ثلاثاً. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولها. وإلا فصُمَّتا.
وعن أبي غالب قال: كنت في مسجد دمشق إذ قدمت رؤوس من رؤوس اللأزارقة مما كان بعث به المهلب بن أبي صفرة. فنضبت عند درج المسجد. فاجتمع الناس ينظرون إليها، فدنوت منها، فجاء أبو أمامة فدخل المسجد، فصلّى ثم خرج. فلما رآها قال: سبحان الله! ما يصنع الشيطان بأهل الإسلام. ثم دنا من الرؤوس فقال: كلاب جهنم، ثلاثاً. شرّ قتلى قتلوا تحت ظل السماء. خير قتلى قُتلوا تحت ظل السماء؛ قتلى قتلهم هؤلاء. ثلاث مرات. ثم نظر في القوم فإذا هو بي فقال: أما إن هؤلاء بأرضك يا أبا غالب، قلت: أجل، فأعوذ بالله من شرهم. قال: نعم، فأعوذ بالله من شرهم. قال: أما تقرأ هذه الآية التي في أول آل عمران: " هُوَ الذي أنزلَ عليْكَ الكتابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَاب وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ ". ثم قال: أما تقرأ التي في آخر آل عمران: " يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهٌ وَتَسُوَدُّ وُجُوهٌ فأَمّا الَّذِيْنَ اسوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ " الآية.
قال وافترقت بنو إسرائيل على واحد وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة. وهذه الأمة ستزيد عليهم فرقة. كلم في النار غير السواد الأعظم. قال: ألا ترى ما فيه السواد الأعظم؟ وذلك في أول خلافة عبد الملك، والقتل يومئذ ظاهر. قال: عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حُملتم. قال: فقلت - أو قيل له - ما تقول في هؤلاء القوم؟ أشيء قلته برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني إذاً لجريء. لقد سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثة، ولا أربعة، ولا خمسة، ولا ستة، ولا سبعة.
سكن أبو أمامة الشام، وسكن حمص، وهو الصدي بن عجلان بن وهب بن عَريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن مَعْن بن مالك بن أعصُر. من أهل الشام. مات
سنة ست وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين. نُسب إلى باهلة. وباهلة بنت أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. هي امرأة معن بن زيد بن أعصُر بن قيس عيلان.
قال سفيان: كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشام أبو أمامة.
قال أبو أمامة: لما نزل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " قال أبو أمامة: قلت: يا رسول الله: أنا ممن بايعك تحت الشجرة. قال: يا أبا أمامة، أنت مني وأنا منك.
وعن أبي أمامة من أحاديث عن رواة مجموعها قال: أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: غزواً - فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم، سلِّمهم - وفي رواية: ثبِّتهم وغنّمهم - فغزونا وسلمنا وغنمنا. ثم أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزواً ثانياً، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم، ثبِّتهم - وفي رواية: سلِّمهم - وغنِّمهم، فغزونا، فسلمنا وغنمنا. ثم أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزواً ثالثاً فأتيته فقلت: يا رسول الله، إني قد أتيتك مرتين أسألك أن تدعو لي بالشهادة فقلت: اللهم، سلِّمهم وغنِّمهم، يا رسول الله فادع لي بالشهادة فقال: اللهم سلمهم وغنمهم فغزونا فلسلمنا وغنمنا ثم أتيته بعد ذلك فقلت يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك فينفعني الله بك، فقال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له. فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يُلفَون إلا صياماً. قال: فإن رأوا ناراً أو دخاناً بالنهار في منزلهم عرفوا أنهم قد اعتراهم ضيف. قال: ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلت: يا رسول الله، أمرتني بأمرٍ أرجو أن يكون الله قد نفعني به، فمرني بأمرٍ آخر عسى الله أن ينفعني به. قال: اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة، أو قال، حطّ عنك بها خطيئة، شك مهدي، أحد رواته.
وعن أبي أمامة قال: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى باهلة، فأتيتهم - وهم على طعام لهم - فرحبوا بي، وأكرموني، وقالوا لي: تعال فكُل، فقلت: جئت لأنهاكم عن هذا الطعام. وأنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم لتؤمنوا به. قال: فكذبوني، وردّوني، فانطلقت من عندهم، وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد، فنمت، فأُتيت في منامي بشربة من لبن فشربت، فشبعت ورَويت، فعظم بطني. فقال القوم: رجل من خيارك وأشرافكم رددتموه! اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. قال: فأتوني بطعامهم وشرابهم، فقلت: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فنظروا إلى حالي التي أنا عليها فآمنوا بي وبما جئتهم به من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي حديث آخر بمعناه، أتمّ منه، وقال في آخره: فحيث فرغت من شرابي استيقظت، فلا والله ما عطشت ولا غرِثت بعد تلك الشربة.
وعن أبي راشد قال: أخد أبو أمامة بيدي ثم قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي ثم قال لي: " يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يَلين له قلبي ".
وعن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متوكىء على عصاً، فقمنا إليه، فقال: " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضها بعضاً ". قال: فكأنا اشتهينا أن يدعوا الله لنا فقال: " اللهم، اغفر لنا، وارحمنا، وارض عنا، وتقبّل منا، وأدخلنا الجنة، ونجّنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله "، فكأنا اشتيهنا أن يزيدنا، فقال: " قد جمعت لكم الأمر ".
وعن ابي أمامة قال:
رآني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحرّك شفتيّ فقال: " لمَ تحرك شفتيك؟ ". فقلت: أذكر الله. قال: " أفلا أدلك على شيء هو أكبر من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ " قال: قلت بلى يا نبي الله. قال: " قل: الحمد لله عددَ ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما في السماوات والأرض، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله وسبحان الله عدد ما خلق، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في السماوات والأرض، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدّ كل شيء، وسبحانه الله ملء كل شيء ". قال: فكان أبو أمامة إذا حدث بهذا الحديث إنساناً قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أعلمهن عقبي من بعدي، فعلِّمهن عقبك.
وعن سُليم بن عامر قال: جاء رجل إلى أبي أمامة وقال: يا أبا أمامة، إني رأيت في منامي الملائكة تصلي عليك، كلما دخلت وكلما خرجت، وكلما قمت وكلما جلست، قال أبو أمامة: اللهم غفراً، دَعُونا عنكم. وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة. ثم قرأ: " يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اذكُرُوا الله ذِكْراً كَثِيْراً وَسَبِّحُوه بُكْرَةً وَأَصِيْلاً هُوَ الَّذِيْ يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لُيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَكَانَ بالُمؤْمِنِينَْ رَحِيماً ".
قال محمد بن زياد الألهاني: كنت آخذاً بيد أبي أمامة صاحب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانصرفت معه إلى بيته، فلا يمر مسلم لا صغير ولا أحد إلا قال: سلام عليكم. سلام عليكم. فإذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال: أي أخي، أمرنا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفشي السلام.
قال محمد بن زياد: رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده، ويدعو ربه، فقال أبو أمامة: أنت أنت! لو كان هذا في بيتك.
قال سليمان بن حبيب المحاربي: دخلت على أبي أمامة مع مكحول وابن أبي زكريا فنظر إلى أسيافنا، فرأى فيها شيئاً من وَضَح فقال: إن المدائن والأمصار فتحت بسيوفٍ ما فيها الذهب ولا الفضة. فقلنا: إنه أقل من ذلك فقال: هو ذاك. أما إن أهل الجاهلية كانوا أسمح منكم. كانوا لا يرجون على الحسنة عشرة أمثالها، وأنتم ترجون ذلك، ولا تفعلونه. قال: فقال محكول لما خرجنا من عنده: لقد دخلنا على شيخ مجتمع العقل.
قال سليمان بن حبيب:
خرجت غازياً، فلما مررت بحمص دخلت إلى سوقها أشتري ما لا غنى بالمسافر عنه. فلما نظرت إلى باب المسجد قلت: لو أني دخلت فركعت ركعتين. فلما دخلت نظرت إلى ثابت بن معبد وابن أبي زكريا ومحكول - وليس محكولنا هذا - في نفر من أهل دمشق. فلما رأيتهم أتيتهم فجلست إليهم، فتحدثنا شيئاً ثم قالوا: إنا نريد أبا أمامة، فقاموا وقمت معهم حتى دخلنا عليه، فإذا شيخ قد رقّ وكبر، فإذا عقله ومنطقه أفضل مما نرى من منظره. فقال في أول ما حدثنا: إن مجلسكم هذا من بلاغ الله إياكم، وحجّته عليكم، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ ما أرسل به، وإن أصحابه قد بلغوا ما سمعوا، فبلَّغوا ما تسمعون: ثلاثة كلهم ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه بما نال من أجر وغنيمة: رجل قاتل فقتل في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه الجنة أو يرجعه بما نال من أجر وغنيمة ورجل توضأ ثم عمد إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه بما نال من أجر أوغنيمة. ورجل دخل بيته بسلام. قال: ثم قال: إن في جهنم جسراً له سبع قناطر، على أوسطهن القضاء. قال: فيُجاء بالعبد حتى إذا انتهى إلى القنطرة الوسطى قيل له: ماذا عليك من الدَّيْن؟ قال: فيجيبه - ثم تلا هذه الآية "
وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً " - فيقول: يا رب، عليّ كذا وكذا. قال: فيقال: اقض دَينك. قال: فيقول: ما لي شيء. ما أدري ما أقضي به. قال: فيقال: خذوا من حسناته. قال: فما يزال يؤخذ من حسناته حتى ما تبقى له حسنة. فإذا فنبت حسناته قال: فيقال: خذ " وا " من سيئاته من يطلبه، فركّبوا عليه. قال: فلقد بلغني أن رجالاً يجيئون بأمثال الجبال من الحسنات. فما تزال تؤخذ لمن يطلبهم حتى ما تبقى لهم حسنة. ثم تركب عليهم سيئات من يطلبهم حتى تُرد عليهم أمثال الجبال. قال: وسمعته يومئذ يقول: يتقدم واعظ في الكذب تقدماً ما سمعت واعظاً قط يتقدمه، حتى إن كنت أقول: لقد بلغ هذا الشيخ من كذب الناس شيئاً ما أدري ما هو ثم قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.
قال: فبينا هو يحدثنا إذ عقد، ثم قال: أيها الناس، لأنتم أصل من أهل الجاهلية. إن الله جعل لأحدكم الدينار ينفقه في سبيل الله عزّ وجلّ بسبع مئة دينار، والدرهم بسبع مئة درهم، ثم إنكم صارّون تُمسكون. أما والله لقد فتحت الفتوح بسيوف ما حِلْيَتُها الذهب والفضة، ولكن حليتها العَلابيّ أو الآنك والحديد.
قال سُليم بن عامر: كان أبو أمامة إذا قعدنا إليه يجيئنا من الحديث بأمر عظيم ويقول لنا: اسمعوا، واعقلوا وبلِّغوا عنا ما تسمعون.
قال سليم: بمنزلة الذي يشهد على ما علم.
وفي حديث قال: قال أبو أمامة: اعقلوا، فلا إخال العقل إلا قد رفع. نحن للحديث الذي كنا نسمعه على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعقل عليه منا على حديثكم اليوم.
وعن أبي أمامة أنه عاد خالد بن يزيد بن معاوية وهو أمير على حمص. فلما بصر به خالد ألقى له مِرْفَقة - كان عليها متكئاً - من حرير. فلما رآها تنحى عنها ثم جلس فقال: هل سمعت فيها شيئاً يا أبا أمامة؟ قال: نعم. سمعت أنه لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خلاق له في الآخرة. فقال له: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعته؟ فسكت. ثم قال: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فسكت. ثلاثاً. فقال: اللهم غفراً، كنا في قوم يحدثونا فلا يكذبونا ولا نكذبهم.
وعن ابن عائذ قال: وعظ أبو أمامة الباهلي فقال: عليكم بالصبر فيما أحببتم وكرهتم. فنعم الخصلة الصبر. ولقد أعجبتكم الدنيا وجرّت لكم أذيالها. ولبست ثيابها وزينتها. إن أصحاب نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يجلسون بفناء بيوتهم ويقولون: نجلس فنسلِّم ويُسلَّم علينا.
وقال أبو أمامة: حَبِّبُوا الله إلى الناس يحببكم الله.
وعن أبي أمامة قال: المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان قد يوكل به.
قال سعيد الأزدي:
دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي: يا سعيد، إذا أنا مت، فاصنع بي كما أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصنع بموتانا فقال: " إذا مات الرجل منكم، فدفنتموه، فليقم أحدكم عند رأسه، فليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع، فليقل: يا فلان، فإنه يستوي قاعداً، فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول: أرشدني رحمك الله، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله باعث من في القبور. فإن منكراً ونكيراً عند ذلك يأخذ كل
واحد بيد صاحبه ويقول: قم، ما نصنع عند رجل لقّن حجته، فيكون الله تعالى حجتهما دونه ".
وفي حديث بمعناه: وأنك رضيت بالله عزّ وجلّ رباً وبمحمد عليه السلام نبياً. وبالإسلام ديناً. وفي آخره فقال له رجل: يا رسول الله، فإن لم أعرف أمه: قال: انسبه إلى حواء.
قال الحسن: آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة جابر بن عبد الله، وبالبصرة أنس بن مالك، وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، وبالشام أبو أمامة الباهلي.
وقيل: آخر من بقي بالشام عبد الله، بن بسر، وآخر من بقي بالمدينة سهل بن سعد.
أبو أمامة الباهلي صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه.
قال أبو أمامة الباهلي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلّوا خمسكم وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم طيّبة بها أنفسكم، وأطيعوا ولاة أمركم، تدخلوا جنة ربكم ".
وفي حديث آخر زيادة: " وصلوا أرحامكم ".
حدث أبو غالب عن أبي أمامة قال: أتي برؤوس حرورية فنصبت على درج مسجد دمشق، فنظر إليها أبو أمامة وهي منصوبة، فقال: شر قتلى تحت ظل السماء هؤلاء، ثلاثاً. طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه. قلت: يا أبا أمامة، أشيء تقوله أم شيء سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قال: إني إذاً لمريء، ثلاثاً. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولها. وإلا فصُمَّتا.
وعن أبي غالب قال: كنت في مسجد دمشق إذ قدمت رؤوس من رؤوس اللأزارقة مما كان بعث به المهلب بن أبي صفرة. فنضبت عند درج المسجد. فاجتمع الناس ينظرون إليها، فدنوت منها، فجاء أبو أمامة فدخل المسجد، فصلّى ثم خرج. فلما رآها قال: سبحان الله! ما يصنع الشيطان بأهل الإسلام. ثم دنا من الرؤوس فقال: كلاب جهنم، ثلاثاً. شرّ قتلى قتلوا تحت ظل السماء. خير قتلى قُتلوا تحت ظل السماء؛ قتلى قتلهم هؤلاء. ثلاث مرات. ثم نظر في القوم فإذا هو بي فقال: أما إن هؤلاء بأرضك يا أبا غالب، قلت: أجل، فأعوذ بالله من شرهم. قال: نعم، فأعوذ بالله من شرهم. قال: أما تقرأ هذه الآية التي في أول آل عمران: " هُوَ الذي أنزلَ عليْكَ الكتابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَاب وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ ". ثم قال: أما تقرأ التي في آخر آل عمران: " يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهٌ وَتَسُوَدُّ وُجُوهٌ فأَمّا الَّذِيْنَ اسوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ " الآية.
قال وافترقت بنو إسرائيل على واحد وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة. وهذه الأمة ستزيد عليهم فرقة. كلم في النار غير السواد الأعظم. قال: ألا ترى ما فيه السواد الأعظم؟ وذلك في أول خلافة عبد الملك، والقتل يومئذ ظاهر. قال: عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حُملتم. قال: فقلت - أو قيل له - ما تقول في هؤلاء القوم؟ أشيء قلته برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني إذاً لجريء. لقد سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثة، ولا أربعة، ولا خمسة، ولا ستة، ولا سبعة.
سكن أبو أمامة الشام، وسكن حمص، وهو الصدي بن عجلان بن وهب بن عَريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن مَعْن بن مالك بن أعصُر. من أهل الشام. مات
سنة ست وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين. نُسب إلى باهلة. وباهلة بنت أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. هي امرأة معن بن زيد بن أعصُر بن قيس عيلان.
قال سفيان: كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشام أبو أمامة.
قال أبو أمامة: لما نزل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " قال أبو أمامة: قلت: يا رسول الله: أنا ممن بايعك تحت الشجرة. قال: يا أبا أمامة، أنت مني وأنا منك.
وعن أبي أمامة من أحاديث عن رواة مجموعها قال: أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: غزواً - فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم، سلِّمهم - وفي رواية: ثبِّتهم وغنّمهم - فغزونا وسلمنا وغنمنا. ثم أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزواً ثانياً، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم، ثبِّتهم - وفي رواية: سلِّمهم - وغنِّمهم، فغزونا، فسلمنا وغنمنا. ثم أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزواً ثالثاً فأتيته فقلت: يا رسول الله، إني قد أتيتك مرتين أسألك أن تدعو لي بالشهادة فقلت: اللهم، سلِّمهم وغنِّمهم، يا رسول الله فادع لي بالشهادة فقال: اللهم سلمهم وغنمهم فغزونا فلسلمنا وغنمنا ثم أتيته بعد ذلك فقلت يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك فينفعني الله بك، فقال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له. فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يُلفَون إلا صياماً. قال: فإن رأوا ناراً أو دخاناً بالنهار في منزلهم عرفوا أنهم قد اعتراهم ضيف. قال: ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلت: يا رسول الله، أمرتني بأمرٍ أرجو أن يكون الله قد نفعني به، فمرني بأمرٍ آخر عسى الله أن ينفعني به. قال: اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة، أو قال، حطّ عنك بها خطيئة، شك مهدي، أحد رواته.
وعن أبي أمامة قال: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى باهلة، فأتيتهم - وهم على طعام لهم - فرحبوا بي، وأكرموني، وقالوا لي: تعال فكُل، فقلت: جئت لأنهاكم عن هذا الطعام. وأنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم لتؤمنوا به. قال: فكذبوني، وردّوني، فانطلقت من عندهم، وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد، فنمت، فأُتيت في منامي بشربة من لبن فشربت، فشبعت ورَويت، فعظم بطني. فقال القوم: رجل من خيارك وأشرافكم رددتموه! اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. قال: فأتوني بطعامهم وشرابهم، فقلت: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فنظروا إلى حالي التي أنا عليها فآمنوا بي وبما جئتهم به من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي حديث آخر بمعناه، أتمّ منه، وقال في آخره: فحيث فرغت من شرابي استيقظت، فلا والله ما عطشت ولا غرِثت بعد تلك الشربة.
وعن أبي راشد قال: أخد أبو أمامة بيدي ثم قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي ثم قال لي: " يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يَلين له قلبي ".
وعن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متوكىء على عصاً، فقمنا إليه، فقال: " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضها بعضاً ". قال: فكأنا اشتهينا أن يدعوا الله لنا فقال: " اللهم، اغفر لنا، وارحمنا، وارض عنا، وتقبّل منا، وأدخلنا الجنة، ونجّنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله "، فكأنا اشتيهنا أن يزيدنا، فقال: " قد جمعت لكم الأمر ".
وعن ابي أمامة قال:
رآني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحرّك شفتيّ فقال: " لمَ تحرك شفتيك؟ ". فقلت: أذكر الله. قال: " أفلا أدلك على شيء هو أكبر من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ " قال: قلت بلى يا نبي الله. قال: " قل: الحمد لله عددَ ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما في السماوات والأرض، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله وسبحان الله عدد ما خلق، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في السماوات والأرض، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدّ كل شيء، وسبحانه الله ملء كل شيء ". قال: فكان أبو أمامة إذا حدث بهذا الحديث إنساناً قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أعلمهن عقبي من بعدي، فعلِّمهن عقبك.
وعن سُليم بن عامر قال: جاء رجل إلى أبي أمامة وقال: يا أبا أمامة، إني رأيت في منامي الملائكة تصلي عليك، كلما دخلت وكلما خرجت، وكلما قمت وكلما جلست، قال أبو أمامة: اللهم غفراً، دَعُونا عنكم. وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة. ثم قرأ: " يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اذكُرُوا الله ذِكْراً كَثِيْراً وَسَبِّحُوه بُكْرَةً وَأَصِيْلاً هُوَ الَّذِيْ يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لُيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَكَانَ بالُمؤْمِنِينَْ رَحِيماً ".
قال محمد بن زياد الألهاني: كنت آخذاً بيد أبي أمامة صاحب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانصرفت معه إلى بيته، فلا يمر مسلم لا صغير ولا أحد إلا قال: سلام عليكم. سلام عليكم. فإذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال: أي أخي، أمرنا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفشي السلام.
قال محمد بن زياد: رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده، ويدعو ربه، فقال أبو أمامة: أنت أنت! لو كان هذا في بيتك.
قال سليمان بن حبيب المحاربي: دخلت على أبي أمامة مع مكحول وابن أبي زكريا فنظر إلى أسيافنا، فرأى فيها شيئاً من وَضَح فقال: إن المدائن والأمصار فتحت بسيوفٍ ما فيها الذهب ولا الفضة. فقلنا: إنه أقل من ذلك فقال: هو ذاك. أما إن أهل الجاهلية كانوا أسمح منكم. كانوا لا يرجون على الحسنة عشرة أمثالها، وأنتم ترجون ذلك، ولا تفعلونه. قال: فقال محكول لما خرجنا من عنده: لقد دخلنا على شيخ مجتمع العقل.
قال سليمان بن حبيب:
خرجت غازياً، فلما مررت بحمص دخلت إلى سوقها أشتري ما لا غنى بالمسافر عنه. فلما نظرت إلى باب المسجد قلت: لو أني دخلت فركعت ركعتين. فلما دخلت نظرت إلى ثابت بن معبد وابن أبي زكريا ومحكول - وليس محكولنا هذا - في نفر من أهل دمشق. فلما رأيتهم أتيتهم فجلست إليهم، فتحدثنا شيئاً ثم قالوا: إنا نريد أبا أمامة، فقاموا وقمت معهم حتى دخلنا عليه، فإذا شيخ قد رقّ وكبر، فإذا عقله ومنطقه أفضل مما نرى من منظره. فقال في أول ما حدثنا: إن مجلسكم هذا من بلاغ الله إياكم، وحجّته عليكم، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ ما أرسل به، وإن أصحابه قد بلغوا ما سمعوا، فبلَّغوا ما تسمعون: ثلاثة كلهم ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه بما نال من أجر وغنيمة: رجل قاتل فقتل في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه الجنة أو يرجعه بما نال من أجر وغنيمة ورجل توضأ ثم عمد إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه بما نال من أجر أوغنيمة. ورجل دخل بيته بسلام. قال: ثم قال: إن في جهنم جسراً له سبع قناطر، على أوسطهن القضاء. قال: فيُجاء بالعبد حتى إذا انتهى إلى القنطرة الوسطى قيل له: ماذا عليك من الدَّيْن؟ قال: فيجيبه - ثم تلا هذه الآية "
وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً " - فيقول: يا رب، عليّ كذا وكذا. قال: فيقال: اقض دَينك. قال: فيقول: ما لي شيء. ما أدري ما أقضي به. قال: فيقال: خذوا من حسناته. قال: فما يزال يؤخذ من حسناته حتى ما تبقى له حسنة. فإذا فنبت حسناته قال: فيقال: خذ " وا " من سيئاته من يطلبه، فركّبوا عليه. قال: فلقد بلغني أن رجالاً يجيئون بأمثال الجبال من الحسنات. فما تزال تؤخذ لمن يطلبهم حتى ما تبقى لهم حسنة. ثم تركب عليهم سيئات من يطلبهم حتى تُرد عليهم أمثال الجبال. قال: وسمعته يومئذ يقول: يتقدم واعظ في الكذب تقدماً ما سمعت واعظاً قط يتقدمه، حتى إن كنت أقول: لقد بلغ هذا الشيخ من كذب الناس شيئاً ما أدري ما هو ثم قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.
قال: فبينا هو يحدثنا إذ عقد، ثم قال: أيها الناس، لأنتم أصل من أهل الجاهلية. إن الله جعل لأحدكم الدينار ينفقه في سبيل الله عزّ وجلّ بسبع مئة دينار، والدرهم بسبع مئة درهم، ثم إنكم صارّون تُمسكون. أما والله لقد فتحت الفتوح بسيوف ما حِلْيَتُها الذهب والفضة، ولكن حليتها العَلابيّ أو الآنك والحديد.
قال سُليم بن عامر: كان أبو أمامة إذا قعدنا إليه يجيئنا من الحديث بأمر عظيم ويقول لنا: اسمعوا، واعقلوا وبلِّغوا عنا ما تسمعون.
قال سليم: بمنزلة الذي يشهد على ما علم.
وفي حديث قال: قال أبو أمامة: اعقلوا، فلا إخال العقل إلا قد رفع. نحن للحديث الذي كنا نسمعه على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعقل عليه منا على حديثكم اليوم.
وعن أبي أمامة أنه عاد خالد بن يزيد بن معاوية وهو أمير على حمص. فلما بصر به خالد ألقى له مِرْفَقة - كان عليها متكئاً - من حرير. فلما رآها تنحى عنها ثم جلس فقال: هل سمعت فيها شيئاً يا أبا أمامة؟ قال: نعم. سمعت أنه لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خلاق له في الآخرة. فقال له: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعته؟ فسكت. ثم قال: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فسكت. ثلاثاً. فقال: اللهم غفراً، كنا في قوم يحدثونا فلا يكذبونا ولا نكذبهم.
وعن ابن عائذ قال: وعظ أبو أمامة الباهلي فقال: عليكم بالصبر فيما أحببتم وكرهتم. فنعم الخصلة الصبر. ولقد أعجبتكم الدنيا وجرّت لكم أذيالها. ولبست ثيابها وزينتها. إن أصحاب نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يجلسون بفناء بيوتهم ويقولون: نجلس فنسلِّم ويُسلَّم علينا.
وقال أبو أمامة: حَبِّبُوا الله إلى الناس يحببكم الله.
وعن أبي أمامة قال: المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان قد يوكل به.
قال سعيد الأزدي:
دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي: يا سعيد، إذا أنا مت، فاصنع بي كما أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصنع بموتانا فقال: " إذا مات الرجل منكم، فدفنتموه، فليقم أحدكم عند رأسه، فليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع، فليقل: يا فلان، فإنه يستوي قاعداً، فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول: أرشدني رحمك الله، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله باعث من في القبور. فإن منكراً ونكيراً عند ذلك يأخذ كل
واحد بيد صاحبه ويقول: قم، ما نصنع عند رجل لقّن حجته، فيكون الله تعالى حجتهما دونه ".
وفي حديث بمعناه: وأنك رضيت بالله عزّ وجلّ رباً وبمحمد عليه السلام نبياً. وبالإسلام ديناً. وفي آخره فقال له رجل: يا رسول الله، فإن لم أعرف أمه: قال: انسبه إلى حواء.
قال الحسن: آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة جابر بن عبد الله، وبالبصرة أنس بن مالك، وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، وبالشام أبو أمامة الباهلي.
وقيل: آخر من بقي بالشام عبد الله، بن بسر، وآخر من بقي بالمدينة سهل بن سعد.