سلمى بنت سعيد بن خالد
ابن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميه، أم سلمة زوج هشام بن عبد الملك، ثم خلف عليها الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهي التي حلف بطلاقها قبل دخوله بها، واستقدم المدينة ليفتوه بأمرها، وكانت عنده أختها لأبيها وأمها أم عبد الملك سعدة بنت سعد بن خالد.
عن صدقة بن عبد الله الدمشقي قال: جئت محمد بن المنكدر وأنا مغضب فقلت: الله، أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة؟ قال: أنا ولكن رسول الله صلى اه عليه وسلم، حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا طلاق لمن لا يملك ولا عتق لمن لا يملك "
وروي أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى سعيد بن خالد ينهاه عن تزويج الوليد بن يزيد، ويقول له: أتريد أن تتخذ الوليد فحلاً؟ فلم يزوجه إياها. فلما امتنع من تزويجه أنف وحلف بطلاقها إن تزوجها.
وقيل: إنه لم يتزوجها لسبب آخر، وهو أنه دخل دار أبيها يوم مات وهي بدمشق، وكانت تحته أختها أم عبد الملك بنت سعيد، فخرجت في ثياب مسفرة، فقالت له وهي لا تعرفه: ويلك ما ت أبي؟ فوقعت في نفسه، فطلق أختها وخطبها، فلم يزوجوه إياها.
والله أعلم بالصحيح من القولين.
كان الوليد بن يزيد قال: يوم أتزوج سلمى بنت سعيد بن خالد فهي طالق.
قالوا: وكتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح " وكان قد ابتلى بذلك " فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء بن أبي رباح وسماك عن وهب بن منبه أنهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح. ثم قال سماك من عنده: إن النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟ فأعجب الوليد من قوله وأخذ به وكتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء.
وقال الوليد في سلمى أشعاراً كثيرة فمنها: من الوافر
ألا ليت الإله يجي بسلمى ... كذاك الله يفعل ما يشاء
فيخرجها فيطرحها بأرضٍ ... فيرقدها وقد سقط الرداء
ويأتي بي فيطرحني عليها ... فيوقظها وقد قُضي القضاء
ويرسل ديمة سحاً علينا ... فتغسلنا ولا يبقى عناءُ
سلامة جارية شاعرة، كانت ليزيد بن معاوية، من مولدات المدينة، كان الأحوص يشبب بها.
قال أبو محمد الجزري: كانت بالمدينة جارية مغنية، يقال لها: سلامة، من أحسن النساء وجهاً، وأتمهن عقلاً، وأحسنهن حديثاً، وقد قرأت القرآن، وروت الشعر وقالته. وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص يجلسان فيرويانها الشعر، ويناشدانها إياه، فعلقت الأحوص، وصدت عن عبد الرحمن، فقال لها عبد الرحمن يعرض لها بما ظنه من ذلك: الوافر
أرى الإقبال منك على جليسي ... ومالي في حديثكما نصيب
فأجابته:
لأن الله عقله فؤادي ... فحاز الحب دونكما الحبيب
فقال الأحوص:
خليلي لا تلمها في هواها ... ألذ العيش ما تهوى القلوب
قال: فأضرب عنها ابن حسان، وخرج ممتدحاً ليزيد بن معاوية، فأكرمه وأعطاه. فلما انصرف قال: يا أمير المؤمنين، عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: جارية بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم ولا تصلح أن تكون إلا لأمير المؤمنين وفي سمّاره، فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه فوقعت منه موقعاً عظيما، وفضلها على جميع من عنده، وقدم عبد الرحمن المدينة فمر بالأحوص وهو على باب داره مهموم، فأراد أن يزيده على ما به فقال: من السريع
يا مبتلي بالحب مفدوحاً ... لاقى من الحب تباريحا
أفحمه الحب فما ينثني ... إلا بكأس الحب مصبوحا
وصار ما يعجبه مغلقاً ... عنه وما يكره مفتوحا
قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشمّ والريحا
خليفة الله فلّ الهوى ... وغزّ قلباً منك مجروحا
فأمسك الأحوص عن جوابه. ثم إن شابين من بني أمية أرادا الوفادة إلى يزيد، فأتاهما الأحوص، فسألهما أن يحملا له كتاباً، ففعلا وكتب إليها معهما: من الكامل
سلام ذكرك ملصق بلساني ... وعلى هواك تعودني أحزاني
ما لي رأيتك في المنام مطيعة ... وإذا انتبهت لججت في العصيان
ثم غلبه جزعه، فخرج إلى يزيد ممتدحاً له، فقربه وأكرمه، وبلغ لديه كل مبلغ، فدست إليه سلامة خادماً، وأعطته مالاً على أن يدخله إليها، فأخبر الخادم يزيد بذلك، فقال: امض لرسالتها، ففعل ما أمره، وأدخل ألاحوص، وجلس يزيد بحيث يراهما. فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها، وأمرت فألقي له كرسي فقعد عليه، وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق، فلم يزالا يتحدثان إلى السحر، ويزيد يسمع كلامهما، من غير أن يكون بينهما ريبة حتى إذا هم بالخروج قال: من البسيط
أمسى فؤادي في هم وبلبال ... من حب من لم أزل منه على بال
فقالت:
صحا المحبون بعد النأي إذ يئسوا ... وقد يئست وما أصحو على حال
فقال:
من كان يسلو بيأس عن أخي ثقة ... فعنك سلاّم ما أمسيت بالسالي
فقالت:
والله والله لا أنساك يا شجني ... حتى تفارق مني الروح أوصالي
فقال:
والله ما خاب من أمسى وأنت له ... ياقرة العين في أهل وفي مال
ثم ودعها وخرج، فأخذه يزيد ودعا بها فقال: أخبراني عما كان في ليلتكما، اصدقاني، فأخبراه، وأنشداه ما قالا، فقال له يزيد: أتحبها؟ قال: إي والله يا أمير المؤمنين: من البسيط
حباً شديداً تليداً غير مطرف ... بين الجوانح مثل النار تضطرم
ثم قال لها: أتحبينه؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين:
حباً شديداً جرى كالروح في جسدي ... فهل تفرق بين الروح والجسد
فقال يزيد: إنكما لتصفان حباً شديداً، خذها يا أحوص فهي لك. ووصله صلة سنية فأخذها وانصرف إلى الحجاز، وهو من أقر الناس عيناً.
ابن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميه، أم سلمة زوج هشام بن عبد الملك، ثم خلف عليها الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهي التي حلف بطلاقها قبل دخوله بها، واستقدم المدينة ليفتوه بأمرها، وكانت عنده أختها لأبيها وأمها أم عبد الملك سعدة بنت سعد بن خالد.
عن صدقة بن عبد الله الدمشقي قال: جئت محمد بن المنكدر وأنا مغضب فقلت: الله، أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة؟ قال: أنا ولكن رسول الله صلى اه عليه وسلم، حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا طلاق لمن لا يملك ولا عتق لمن لا يملك "
وروي أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى سعيد بن خالد ينهاه عن تزويج الوليد بن يزيد، ويقول له: أتريد أن تتخذ الوليد فحلاً؟ فلم يزوجه إياها. فلما امتنع من تزويجه أنف وحلف بطلاقها إن تزوجها.
وقيل: إنه لم يتزوجها لسبب آخر، وهو أنه دخل دار أبيها يوم مات وهي بدمشق، وكانت تحته أختها أم عبد الملك بنت سعيد، فخرجت في ثياب مسفرة، فقالت له وهي لا تعرفه: ويلك ما ت أبي؟ فوقعت في نفسه، فطلق أختها وخطبها، فلم يزوجوه إياها.
والله أعلم بالصحيح من القولين.
كان الوليد بن يزيد قال: يوم أتزوج سلمى بنت سعيد بن خالد فهي طالق.
قالوا: وكتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح " وكان قد ابتلى بذلك " فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء بن أبي رباح وسماك عن وهب بن منبه أنهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح. ثم قال سماك من عنده: إن النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟ فأعجب الوليد من قوله وأخذ به وكتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء.
وقال الوليد في سلمى أشعاراً كثيرة فمنها: من الوافر
ألا ليت الإله يجي بسلمى ... كذاك الله يفعل ما يشاء
فيخرجها فيطرحها بأرضٍ ... فيرقدها وقد سقط الرداء
ويأتي بي فيطرحني عليها ... فيوقظها وقد قُضي القضاء
ويرسل ديمة سحاً علينا ... فتغسلنا ولا يبقى عناءُ
سلامة جارية شاعرة، كانت ليزيد بن معاوية، من مولدات المدينة، كان الأحوص يشبب بها.
قال أبو محمد الجزري: كانت بالمدينة جارية مغنية، يقال لها: سلامة، من أحسن النساء وجهاً، وأتمهن عقلاً، وأحسنهن حديثاً، وقد قرأت القرآن، وروت الشعر وقالته. وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص يجلسان فيرويانها الشعر، ويناشدانها إياه، فعلقت الأحوص، وصدت عن عبد الرحمن، فقال لها عبد الرحمن يعرض لها بما ظنه من ذلك: الوافر
أرى الإقبال منك على جليسي ... ومالي في حديثكما نصيب
فأجابته:
لأن الله عقله فؤادي ... فحاز الحب دونكما الحبيب
فقال الأحوص:
خليلي لا تلمها في هواها ... ألذ العيش ما تهوى القلوب
قال: فأضرب عنها ابن حسان، وخرج ممتدحاً ليزيد بن معاوية، فأكرمه وأعطاه. فلما انصرف قال: يا أمير المؤمنين، عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: جارية بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم ولا تصلح أن تكون إلا لأمير المؤمنين وفي سمّاره، فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه فوقعت منه موقعاً عظيما، وفضلها على جميع من عنده، وقدم عبد الرحمن المدينة فمر بالأحوص وهو على باب داره مهموم، فأراد أن يزيده على ما به فقال: من السريع
يا مبتلي بالحب مفدوحاً ... لاقى من الحب تباريحا
أفحمه الحب فما ينثني ... إلا بكأس الحب مصبوحا
وصار ما يعجبه مغلقاً ... عنه وما يكره مفتوحا
قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشمّ والريحا
خليفة الله فلّ الهوى ... وغزّ قلباً منك مجروحا
فأمسك الأحوص عن جوابه. ثم إن شابين من بني أمية أرادا الوفادة إلى يزيد، فأتاهما الأحوص، فسألهما أن يحملا له كتاباً، ففعلا وكتب إليها معهما: من الكامل
سلام ذكرك ملصق بلساني ... وعلى هواك تعودني أحزاني
ما لي رأيتك في المنام مطيعة ... وإذا انتبهت لججت في العصيان
ثم غلبه جزعه، فخرج إلى يزيد ممتدحاً له، فقربه وأكرمه، وبلغ لديه كل مبلغ، فدست إليه سلامة خادماً، وأعطته مالاً على أن يدخله إليها، فأخبر الخادم يزيد بذلك، فقال: امض لرسالتها، ففعل ما أمره، وأدخل ألاحوص، وجلس يزيد بحيث يراهما. فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها، وأمرت فألقي له كرسي فقعد عليه، وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق، فلم يزالا يتحدثان إلى السحر، ويزيد يسمع كلامهما، من غير أن يكون بينهما ريبة حتى إذا هم بالخروج قال: من البسيط
أمسى فؤادي في هم وبلبال ... من حب من لم أزل منه على بال
فقالت:
صحا المحبون بعد النأي إذ يئسوا ... وقد يئست وما أصحو على حال
فقال:
من كان يسلو بيأس عن أخي ثقة ... فعنك سلاّم ما أمسيت بالسالي
فقالت:
والله والله لا أنساك يا شجني ... حتى تفارق مني الروح أوصالي
فقال:
والله ما خاب من أمسى وأنت له ... ياقرة العين في أهل وفي مال
ثم ودعها وخرج، فأخذه يزيد ودعا بها فقال: أخبراني عما كان في ليلتكما، اصدقاني، فأخبراه، وأنشداه ما قالا، فقال له يزيد: أتحبها؟ قال: إي والله يا أمير المؤمنين: من البسيط
حباً شديداً تليداً غير مطرف ... بين الجوانح مثل النار تضطرم
ثم قال لها: أتحبينه؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين:
حباً شديداً جرى كالروح في جسدي ... فهل تفرق بين الروح والجسد
فقال يزيد: إنكما لتصفان حباً شديداً، خذها يا أحوص فهي لك. ووصله صلة سنية فأخذها وانصرف إلى الحجاز، وهو من أقر الناس عيناً.