زيد بن عمر بن نفيل
ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشي العدوي.
الذي قال فيه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يبعث أمةً وحده. " كان يطلب دين إبراهيم عليه السلام، ويسأل عنه الأحبار والرهبان، ورأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي قبل أن يبعث وكان في تطوافه دخل الشام، وأتى البلقاء، وسأل الراهب الذي كان بميفعة من أرض البلقاء عن الحنيفية دين إبراهيم.
وكان زيد قد ترك عبادة الأوثان، وكان لا يأكل ما ذبح لغير الله، وكان يقول: يا معشر قريش، أرسل الله قطر السماء، وأنبت بقل الأرض، وخلق السائمة ورعت فيه، وتذبحونها لغير الله؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أحداً على دين إبراهيم غيري.
وكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه، وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد أبيه فولدت له زيد بن عمرو. وكان الخطاب عمه وأخاه لأمه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه، وخرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء مقابل مكة، ووكل به الخطاب شباباً من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم فقال: لا تتركوه يدخل مكة.
فكان لا يدخلها إلا سراً منهم، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم.
قال محمد بن إسحاق:
وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحارث بن أسد، وعبيد الله بن جحش بن رياب، حضروا قريشاً عند وثنٍ لهم، كانوا يذبحون عنده لعيدٍ من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، وقالوا: تصادقوا، وليكتم بعضكم على بعض. فقال قائلهم: تعلمن، والله ما قومكم على شيء، لقد أخطؤوا دين إبراهيم وخالفوه، ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع؟ فابتغوا لأنفسكم. فخرجوا يطلبون، ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى، والملل كلها يتطلبون الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.
وأما ورقة بن نوفل فتنصر واستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً كثيراً من أهل الكتاب. ولم يكن منهم أعدل أمراً ولا أعدل شأناً من زيد بن عمرو، اعتزل الأوثان، وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم، يوحد الله، ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه، باداهم بالفراق لما هم فيه.
وفي حديث آخر: وكان أشدهم على زيدٍ الخطاب بن نفيل، وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ثم قال:
لبيك حقاً حقاً ... تعبداً ورقاً
البر أرجو لا الخال ... هل مهجرٌ كمن قال
عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم
ثم يقول:
أنفي لك عانٍ راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم
ثم يسجد.
ولما خالف زيد دين قومه قال له الخطاب بن نفيل: إني لأحسبك خالفة بني عدي، هل ترى أحداً يصنع من قومك ما تصنع؟! يقال: رجل خالفة أي مخالف، كثير الخلاف: كما قيل: راوية ولحانة ونسابة.
قال ابن إسحاق: وقد كان زيد بن عمرو بن نفيل قد أجمع على الخروج من مكة فيضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم، وكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض للخروج وأراده آذنت الخطاب بن نفيل. فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم، ويسأل عنه، ولم يزل في ذلك حتى أتى الموصل والجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام، فجال فيها حتى أتى راهباً ببيعة من أرض البلقاء، كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال له الراهب: إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس من علمه، وذهب من كان يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن وهذا زمانه. وقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئاً منهما.
فخرج سريعاً، حين قال الراهب ما قال: يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه، فقال ورقة بن نوفل وقد كان اتبع مثل أثر زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل زيد فبكى ورقة فقال: من الطويل
رشدت وأنعمت ابن عمروٍ وإنما ... تجنبت تنوراً من النار حاميا
بدينك رباً ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض ستين واديا
وعن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه كان يتأله في الجاهلية، فانطلق حتى أتى رجلاً من اليهود، فقال له: أحب أن تدخلني معك في دينك. فقال له اليهودي: لا أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من غضب الله. فقال: من غضب الله أفر، فانطلق حتى أتى نصرانياً، فقال له: أحب أن تدخلني معك في دينك. فقال: لست أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من الضلالة. فقال: من الضلالة أفر، قال له النصراني: فإني أدلك على دين إن اتبعته اهتديت. قال له: أي دين؟ قال: دين إبراهيم. قال: فقال: اللهم، إني أشهدك أني على دين إبراهيم، عليه أحيا، وعليه أموت. قال: فذكر شأنه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هو أمةٌ وحده يوم القيامة.
قالوا: وجاء ابنه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك، فاستغفر له. قال: نعم، فإنه يبعث يوم القيامة أمةً وحده.
وعن حجير بن أبي إهاب قال:
رأيت زيد بن عمرو، وأنا عند صنم بوانة بعد ما رجع من الشام، وهو يراقب الشمس، فإذا زالت استقبل الكعبة فصلى ركعةً وسجدتين، ثم يقول: هذه قبلة إبراهيم وإسماعيل، لا أعبد حجراً، ولا أصلي له، ولا آكل ما ذبح له، ولا أستقسم بالأزلام، وأنا أصلي إلى هذا البيت حتى أموت. وكان يحج، فيقف بعرفة، وكان يلبي يقول: لبيك لا شريك لك، ولا ند لك، ثم يدفع من عرفة ماشياً وهو يقول: لبيك، متعبداً مرقوماً.
وعن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدةً
فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك مانعته حتى لا يخفى عليك. قلت: هلم. قال: هو رجلٌ ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكان من أسأل من اليهود والنصارى، والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره.
قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول زيد بن عمرو، وأقرأته منه السلام، فرد عليه السلام، وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً.
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش، ما منكم أحدٌ اليوم على دين إبراهيم عليه السلام غيري. قال: وكان يصلي إلى الكعبة ويقول: إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم، وكان يحيى الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، ادفعها إلي أكفك مؤنتها، فإذا ترعرعت قال: إن شئت فخذها، وإن شئت فدعها.
وعن عمر وسعيد بن زيد: أنهما سألا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زيد فقالا: استغفر له. قال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده.
وفي حديث آخر: يبعث يوم القيامة أمة حده بيني وبين عيسى بن مريم عليهما السلام.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو دوحتين ".
وعن أسماء بنة أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخاً كبيراً مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معاشر قريش! إياكم والربا: فإنه يورث الفقر.
ومن شعر زيد بن عمرو بن نفيل: من الوافر
أرب واحدٌ أم ألف ربٍّ ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعاً ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمروٍ أدير
ولا غنماً أدين وكان رباً ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجباتٌ ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالاً ... كثيراً كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قومٍ ... فيربل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوماً ... كما يتروح الغصن النضير
وكان زيد بن عمرو بالشام، فلما بلغه خبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل يريده، فقتله أهل ميفعة، موضع الشام.
وقيل: إن زيداً مات فدفن بأصل حراء.
ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشي العدوي.
الذي قال فيه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يبعث أمةً وحده. " كان يطلب دين إبراهيم عليه السلام، ويسأل عنه الأحبار والرهبان، ورأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي قبل أن يبعث وكان في تطوافه دخل الشام، وأتى البلقاء، وسأل الراهب الذي كان بميفعة من أرض البلقاء عن الحنيفية دين إبراهيم.
وكان زيد قد ترك عبادة الأوثان، وكان لا يأكل ما ذبح لغير الله، وكان يقول: يا معشر قريش، أرسل الله قطر السماء، وأنبت بقل الأرض، وخلق السائمة ورعت فيه، وتذبحونها لغير الله؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أحداً على دين إبراهيم غيري.
وكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه، وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد أبيه فولدت له زيد بن عمرو. وكان الخطاب عمه وأخاه لأمه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه، وخرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء مقابل مكة، ووكل به الخطاب شباباً من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم فقال: لا تتركوه يدخل مكة.
فكان لا يدخلها إلا سراً منهم، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم.
قال محمد بن إسحاق:
وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحارث بن أسد، وعبيد الله بن جحش بن رياب، حضروا قريشاً عند وثنٍ لهم، كانوا يذبحون عنده لعيدٍ من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، وقالوا: تصادقوا، وليكتم بعضكم على بعض. فقال قائلهم: تعلمن، والله ما قومكم على شيء، لقد أخطؤوا دين إبراهيم وخالفوه، ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع؟ فابتغوا لأنفسكم. فخرجوا يطلبون، ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى، والملل كلها يتطلبون الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.
وأما ورقة بن نوفل فتنصر واستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً كثيراً من أهل الكتاب. ولم يكن منهم أعدل أمراً ولا أعدل شأناً من زيد بن عمرو، اعتزل الأوثان، وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم، يوحد الله، ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه، باداهم بالفراق لما هم فيه.
وفي حديث آخر: وكان أشدهم على زيدٍ الخطاب بن نفيل، وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ثم قال:
لبيك حقاً حقاً ... تعبداً ورقاً
البر أرجو لا الخال ... هل مهجرٌ كمن قال
عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم
ثم يقول:
أنفي لك عانٍ راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم
ثم يسجد.
ولما خالف زيد دين قومه قال له الخطاب بن نفيل: إني لأحسبك خالفة بني عدي، هل ترى أحداً يصنع من قومك ما تصنع؟! يقال: رجل خالفة أي مخالف، كثير الخلاف: كما قيل: راوية ولحانة ونسابة.
قال ابن إسحاق: وقد كان زيد بن عمرو بن نفيل قد أجمع على الخروج من مكة فيضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم، وكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض للخروج وأراده آذنت الخطاب بن نفيل. فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم، ويسأل عنه، ولم يزل في ذلك حتى أتى الموصل والجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام، فجال فيها حتى أتى راهباً ببيعة من أرض البلقاء، كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال له الراهب: إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس من علمه، وذهب من كان يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن وهذا زمانه. وقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئاً منهما.
فخرج سريعاً، حين قال الراهب ما قال: يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه، فقال ورقة بن نوفل وقد كان اتبع مثل أثر زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل زيد فبكى ورقة فقال: من الطويل
رشدت وأنعمت ابن عمروٍ وإنما ... تجنبت تنوراً من النار حاميا
بدينك رباً ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض ستين واديا
وعن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه كان يتأله في الجاهلية، فانطلق حتى أتى رجلاً من اليهود، فقال له: أحب أن تدخلني معك في دينك. فقال له اليهودي: لا أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من غضب الله. فقال: من غضب الله أفر، فانطلق حتى أتى نصرانياً، فقال له: أحب أن تدخلني معك في دينك. فقال: لست أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من الضلالة. فقال: من الضلالة أفر، قال له النصراني: فإني أدلك على دين إن اتبعته اهتديت. قال له: أي دين؟ قال: دين إبراهيم. قال: فقال: اللهم، إني أشهدك أني على دين إبراهيم، عليه أحيا، وعليه أموت. قال: فذكر شأنه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هو أمةٌ وحده يوم القيامة.
قالوا: وجاء ابنه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك، فاستغفر له. قال: نعم، فإنه يبعث يوم القيامة أمةً وحده.
وعن حجير بن أبي إهاب قال:
رأيت زيد بن عمرو، وأنا عند صنم بوانة بعد ما رجع من الشام، وهو يراقب الشمس، فإذا زالت استقبل الكعبة فصلى ركعةً وسجدتين، ثم يقول: هذه قبلة إبراهيم وإسماعيل، لا أعبد حجراً، ولا أصلي له، ولا آكل ما ذبح له، ولا أستقسم بالأزلام، وأنا أصلي إلى هذا البيت حتى أموت. وكان يحج، فيقف بعرفة، وكان يلبي يقول: لبيك لا شريك لك، ولا ند لك، ثم يدفع من عرفة ماشياً وهو يقول: لبيك، متعبداً مرقوماً.
وعن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدةً
فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك مانعته حتى لا يخفى عليك. قلت: هلم. قال: هو رجلٌ ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكان من أسأل من اليهود والنصارى، والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره.
قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول زيد بن عمرو، وأقرأته منه السلام، فرد عليه السلام، وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً.
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش، ما منكم أحدٌ اليوم على دين إبراهيم عليه السلام غيري. قال: وكان يصلي إلى الكعبة ويقول: إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم، وكان يحيى الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، ادفعها إلي أكفك مؤنتها، فإذا ترعرعت قال: إن شئت فخذها، وإن شئت فدعها.
وعن عمر وسعيد بن زيد: أنهما سألا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زيد فقالا: استغفر له. قال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده.
وفي حديث آخر: يبعث يوم القيامة أمة حده بيني وبين عيسى بن مريم عليهما السلام.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو دوحتين ".
وعن أسماء بنة أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخاً كبيراً مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معاشر قريش! إياكم والربا: فإنه يورث الفقر.
ومن شعر زيد بن عمرو بن نفيل: من الوافر
أرب واحدٌ أم ألف ربٍّ ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعاً ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمروٍ أدير
ولا غنماً أدين وكان رباً ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجباتٌ ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالاً ... كثيراً كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قومٍ ... فيربل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوماً ... كما يتروح الغصن النضير
وكان زيد بن عمرو بالشام، فلما بلغه خبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل يريده، فقتله أهل ميفعة، موضع الشام.
وقيل: إن زيداً مات فدفن بأصل حراء.