دعلج بن أحمد بن دعلج
ابن عبد الرحمن أبو محمد السجستاني الفقيه، الثقة، نزيل بغداد. سمع بدمشق وبالري وبالعراق.
روى عن موسى بن هارون بسنده عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع فرج أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه الخمس.
كان دعلج من ذوي اليسار والبر والإفضال. وله صدقات جارية ووقوف محبسة على أهل الحديث ببغداد، ومكة، وسجستان. وكان جاور بمكة زماناً، ثم سكن بغداد واستوطن بها. وكان ثقةً، ثبتاً. قبل الحكام شهادته وأثبتوا عدالته. وجمع له المسند، وحديث شعبة، ومالك، وغير ذلك. وبعث بكتابه المسند إلى أبي العباس بن عقدة لينظر فيه، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين ديناراً. وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله واملصنف له كتبه.
قال الدارقطني: صنفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه.
قال علي بن عمر: كان أبو محمد قليل الهزء، سمعت أن معز الدولة استرجع من غلامه خاشتكين، وأشهد عليه العدول وهو من وراء الستر، فشهدوا، فلما شهد الناس قالوا لدعلج: اشهد، قال: أين المشهود عليه؟ لعله مقيد لعله مكره، أبرزوه لي حتى أراه وكان خلف الستر فقال معز الدولة: ما كان فيهم مسلم غيره.
قال أبو ذر: وسمعت أن أول مال أخذه معز الدولة من المواريث مال دعلج، خلف ثلاث مئة ألف مثقال ذهباً، فقال معز الدولة: مردغوا ما أريده، فقالوا: إنه كثير. فأخذه.
حدث بعضهم قال: حضرت المسجد الجامع بمدينة المنصور يوم جمعة، فرأيت رجلاً بين يدي في الصف، حسن الوقار، ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة، قال: ثم جلس، فعلتني هيبته، وداخلتني محبته، ثم أقيمت الصلاة، فلم يصل مع الناس الجمعة، فكبر علي ذلك من أمره، وتعجبت من حاله، وغاظني فعله! فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك، أطلت النافلة وأحسنتها وتركت الفريضة وضيعتها!؟ فقال: يا هذا إن لي عذراً، وبي علة منعتني من الصلاة، قلت: وما هي؟ قال: علي دين اختفيت في منزلي مدةً بسببه، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة، فقبل أن تقام، التفت فرأيت صاحبي الذي له الدين علي، ورآني، فمن خوفه أحدثت في ثيابي، فهذا خبري، فأسألك بالله إلا سترت علي وكتمت أمري، فقلت: ومن الذي له عليك الدين؟ قال: دعلج بن أحمد. قال: وكان إلى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وهو لايعرفه، فسمع هذا القول ومضى في الوقت إلى دعلج، فذكر له القصة، فقال دعلج: امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام، واطرح عليه خلعةً من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى أنصرف من الجامع؛ ففعل ذلك؛ فلما انصرف دعلج إلى منزله أحضر الطعام وأكل هو والرجل، ثم أخرج حسابه فنظر فيه، وإذا له عليه خمسة آلاف درهم، فقال له: انظر، لا يكون عليك في الحساب غلط، أو نسي لك نقده؛ فقال الرجل: لا، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته علامة الوفاء؛ ثم أحضر الميزان ووزن خمسة آلاف درهم وقال: أما الحساب الأول فقد حللناك منه، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم، وتجعلنا في حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في المسجد الجامع. أو كما قال.
قال أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده واممتدت إليها، فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال، أمر السلطان بفك الحجر عنه وتسليم ماله إليه، وتقدم إلى ابن أبي موسى بحمل المال ليسلم للغلام. قال ابن أبي موسى: فضاقت
علي الأرض، وتحيرت في أمري، فبكرت وركبت بغلتي وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي، ووقفت على باب مسجد دعلج بن أحمد، فدخلت المسجد فصليت خلفه صلاة الفجر، فلما سلم انفتل إلي ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فجلسنا وجاءته جاريته بمائدة لطيفة وعليها هريسة فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قال: أراك منقبضاً فما الخبر؟ فقصصت عليه القصة، فقال: كل فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام قال: يا جارية؛ افتحي ذلك الباب، فإذا خزانة مملوءة زبلاً مجلدة، فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار، وبذرها وقال: يأخذ الشريف هذه، فقلت: يثبتها الشيخ علي، فقال: أفعل، وقمت وقد كاد عقلي يطير فرحاً. وعدت إلى داري، وانحدرت إلى دار السلطان بقلب قوي، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم، فأحضر قاضي القضاة، والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي والثناء علي.
فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخليفة وكان عظيم الحال فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادوريا ونهر الملك. فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير. وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف دينار التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة؛ فلما انفتل من صلاته ورآني نهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب؛ ثم قال لي: خبرك وحالك؟ فقلت: بتفضل الله وفضلك قد أفدت بما فعلت معي ثلاثين ألف دينار، وهذه منها عشرة آلاف
دينار عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله! والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها، حل بها الصبيان؛ فقلت له: أيها الشيخ! أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت في أصل مالي؛ وسلم إلي بارنامجات بألف ألف درهم، وقال لي: ابسط يدك، ولا تعلم موضعاً ينفق فيه هذا المتاع إلا حملته إليه. واستبنت فيه الكفاءة، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة، يحمل إلي مثل هذا، والبضاعة تنمي. فلما كان في آخر سنة اجتمعنا فيها قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك على أن تتصدق منه وتبني المساجد وتفعل الخير. فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمر الله المال في يدي، فاطو هذا الحديث أيام حياتي.
توفي دعلج في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وقيل سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة ببغداد. وكان السلطان بها لا يتعرض للتركات، ثم لم يصبروا عن أموال دعلج إذ لم يكن في الدنيا على ما يقال أيسر منه من التجار، فقبضوا على أمواله إلا الأوقاف.
ابن عبد الرحمن أبو محمد السجستاني الفقيه، الثقة، نزيل بغداد. سمع بدمشق وبالري وبالعراق.
روى عن موسى بن هارون بسنده عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع فرج أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه الخمس.
كان دعلج من ذوي اليسار والبر والإفضال. وله صدقات جارية ووقوف محبسة على أهل الحديث ببغداد، ومكة، وسجستان. وكان جاور بمكة زماناً، ثم سكن بغداد واستوطن بها. وكان ثقةً، ثبتاً. قبل الحكام شهادته وأثبتوا عدالته. وجمع له المسند، وحديث شعبة، ومالك، وغير ذلك. وبعث بكتابه المسند إلى أبي العباس بن عقدة لينظر فيه، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين ديناراً. وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله واملصنف له كتبه.
قال الدارقطني: صنفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه.
قال علي بن عمر: كان أبو محمد قليل الهزء، سمعت أن معز الدولة استرجع من غلامه خاشتكين، وأشهد عليه العدول وهو من وراء الستر، فشهدوا، فلما شهد الناس قالوا لدعلج: اشهد، قال: أين المشهود عليه؟ لعله مقيد لعله مكره، أبرزوه لي حتى أراه وكان خلف الستر فقال معز الدولة: ما كان فيهم مسلم غيره.
قال أبو ذر: وسمعت أن أول مال أخذه معز الدولة من المواريث مال دعلج، خلف ثلاث مئة ألف مثقال ذهباً، فقال معز الدولة: مردغوا ما أريده، فقالوا: إنه كثير. فأخذه.
حدث بعضهم قال: حضرت المسجد الجامع بمدينة المنصور يوم جمعة، فرأيت رجلاً بين يدي في الصف، حسن الوقار، ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة، قال: ثم جلس، فعلتني هيبته، وداخلتني محبته، ثم أقيمت الصلاة، فلم يصل مع الناس الجمعة، فكبر علي ذلك من أمره، وتعجبت من حاله، وغاظني فعله! فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك، أطلت النافلة وأحسنتها وتركت الفريضة وضيعتها!؟ فقال: يا هذا إن لي عذراً، وبي علة منعتني من الصلاة، قلت: وما هي؟ قال: علي دين اختفيت في منزلي مدةً بسببه، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة، فقبل أن تقام، التفت فرأيت صاحبي الذي له الدين علي، ورآني، فمن خوفه أحدثت في ثيابي، فهذا خبري، فأسألك بالله إلا سترت علي وكتمت أمري، فقلت: ومن الذي له عليك الدين؟ قال: دعلج بن أحمد. قال: وكان إلى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وهو لايعرفه، فسمع هذا القول ومضى في الوقت إلى دعلج، فذكر له القصة، فقال دعلج: امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام، واطرح عليه خلعةً من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى أنصرف من الجامع؛ ففعل ذلك؛ فلما انصرف دعلج إلى منزله أحضر الطعام وأكل هو والرجل، ثم أخرج حسابه فنظر فيه، وإذا له عليه خمسة آلاف درهم، فقال له: انظر، لا يكون عليك في الحساب غلط، أو نسي لك نقده؛ فقال الرجل: لا، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته علامة الوفاء؛ ثم أحضر الميزان ووزن خمسة آلاف درهم وقال: أما الحساب الأول فقد حللناك منه، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم، وتجعلنا في حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في المسجد الجامع. أو كما قال.
قال أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده واممتدت إليها، فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال، أمر السلطان بفك الحجر عنه وتسليم ماله إليه، وتقدم إلى ابن أبي موسى بحمل المال ليسلم للغلام. قال ابن أبي موسى: فضاقت
علي الأرض، وتحيرت في أمري، فبكرت وركبت بغلتي وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي، ووقفت على باب مسجد دعلج بن أحمد، فدخلت المسجد فصليت خلفه صلاة الفجر، فلما سلم انفتل إلي ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فجلسنا وجاءته جاريته بمائدة لطيفة وعليها هريسة فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قال: أراك منقبضاً فما الخبر؟ فقصصت عليه القصة، فقال: كل فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام قال: يا جارية؛ افتحي ذلك الباب، فإذا خزانة مملوءة زبلاً مجلدة، فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار، وبذرها وقال: يأخذ الشريف هذه، فقلت: يثبتها الشيخ علي، فقال: أفعل، وقمت وقد كاد عقلي يطير فرحاً. وعدت إلى داري، وانحدرت إلى دار السلطان بقلب قوي، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم، فأحضر قاضي القضاة، والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي والثناء علي.
فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخليفة وكان عظيم الحال فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادوريا ونهر الملك. فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير. وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف دينار التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة؛ فلما انفتل من صلاته ورآني نهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب؛ ثم قال لي: خبرك وحالك؟ فقلت: بتفضل الله وفضلك قد أفدت بما فعلت معي ثلاثين ألف دينار، وهذه منها عشرة آلاف
دينار عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله! والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها، حل بها الصبيان؛ فقلت له: أيها الشيخ! أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت في أصل مالي؛ وسلم إلي بارنامجات بألف ألف درهم، وقال لي: ابسط يدك، ولا تعلم موضعاً ينفق فيه هذا المتاع إلا حملته إليه. واستبنت فيه الكفاءة، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة، يحمل إلي مثل هذا، والبضاعة تنمي. فلما كان في آخر سنة اجتمعنا فيها قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك على أن تتصدق منه وتبني المساجد وتفعل الخير. فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمر الله المال في يدي، فاطو هذا الحديث أيام حياتي.
توفي دعلج في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وقيل سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة ببغداد. وكان السلطان بها لا يتعرض للتركات، ثم لم يصبروا عن أموال دعلج إذ لم يكن في الدنيا على ما يقال أيسر منه من التجار، فقبضوا على أمواله إلا الأوقاف.