جرول بن أوس بن جؤية
ويقال: جرول بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر - أبو مليكة العبسي، المعروف بالحطيئة:
والحطيئة يهمز ولا يهمز، فمن همزه جعله تصغير الحطأة وهي الضربة باليد، ومن لم يهمزه جعله من الحطأة وهي القملة الصغيرة، شبه بها لقصره وقربه من الأرض. وكان جوالا في الآفاق يمتدح الأماثل ويستجديهم.
وقدم حوران ممتدحا لعلقمة بن علاثة فمات علقمة قبل أن يصل إليه ولما أطلق عمر بن الخطاب الحطيئة من حبسه قال له: يا أمير، المؤمنين، اكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة لأقصده به، فقد منعتني التكسب بشعري، فقال: لا أفعل. فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما عليك من ذلك علقمة ليس بعاملك فتخشى أن تأثم، وإنما هو رجل من المسلمين، قال: فشفع له إليه، فكتب له ما أراد. فمضى الحطيئة بالكتاب، فصادف علقمة قد مات، والناس منصرفون عن قبره، فوقف عليه ثم أنشده قوله:
لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل
فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلا ليال قلائل
فقال له ابنه: كم ظننت علقمة يعطيك؟ قال: مئة ناقة يتبعها مئة من أولادها. فأعطاه إياها.
وقيل إنه بلغه أنه في الطريق يريده، فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده.
قال محمد بن سلام: قال الحطيئة لكعب بن زهير: قد علمت انقطاعي إليكم أهل البيت وروايتي إليك ولك، فشرفني بأبيات تقولها فيّ. فقال كعب بن زهير:
فمن للقوافي بعدنا من يقيمها ... إذا ما ثوى كعب وفوز جرول
يقول فلا يعيا بشيء يقوله ... ومن قائليها من يسيء ويعمل
جرول هو الحطيئة، والجرول: الحجر وهو الجراول. ويقال أرض جرلة.
قال الأصمعي: قيل للحطيئة: من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه وقال: هذا إذا طمع.
قال الشعبي: كان الحطيئة وكعب عند عمر رضي الله عنه فأنشد الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
فقال كعب: هي والله في التوراة، لا يذهب العرف بين الله وبين خلقه.
أراد الحطيئة المضي إلى بعض ملوك اليمن لقصيدة كان امتدحه، فأمر أهله فشدوا رحله على ناقته، ثم ركبها وأنشأ يقول:
عدي السنين إذا خرجت لغنية ... ودعي الشهور فإنهن قصار
فأجابته بنية له في الخدر فقالت:
اذكر تحنننا إليك وضعفنا ... وارحم بناتك إنهن صغار
قال: فحط رحله وأمسك عن ذكر الأسفار.
نزل الحطيئة برجل من العرب ومعه ابنته مليكة، فلما جنه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني، قال له: وما تكره من ذلك؟ فقال: إن الغناء رائد من رائدة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه - يعني ابنته - فإن كففته، وألا خرجت عنك.
قالت مليكة بنت الحطيئة لأبيها: ما أصارك إلى القصار في الشعر بعد الطوال؟ قال: لأنها في الآذان أولج، وفي المحافل أجول، وعلى القلوب أسهل، وبأفواه الرجال أعلق.
قال حماد الراوية: أفضل بيت روي من أشعار العرب بيت الحطيئة حيث يقول:
يقولون تستغني ووالله ما الغنى ... من المال إلا ما يعفو وما يكفي
وأنشد أحمد بن عباد التميمي للحطيئة يعدد محاسن قوم، قيل: إنه يعني آل منظور بن زبان بن سيار بن عمر الفزاريين:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والحقد
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
لما نزل بعبد الله بن شداد الموت، دعا ابناً له يقال له محمد فأوصاه، وكان فيما أوصاه أن قال: يا بني أرى دواعي الموت لا تقلع، ومن مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع. وإني أوصيك بوصية فاحفظها: عليك بتقوى الله، وليكن أولى الأمر بك الشكر لله وحسن الثناء عليه في السر والعلانية، واعلم أن الشكور مزيد والتقوى خير زاد، فكن يا بني كما قال الحطيئة العبسي:
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخراً ... وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بد أن يأتي قريب ... ولكن الذي يمضي بعيد
كان سبب هجائه للزبرقان أنه صادفه بالمدينة وكان قدمها على عمر، فقال الحطيئة: وددت أني أصبت رجلاً يحملني وأصفيه مديحي وأقتصر عليه. قال الزبرقان: قد أصبته، تقدم على أهلي فإني على إثرك. فتقدم فنزل بحماه، وأرسل الزبرقان إلى امرأته أن أكرمي مثواه. وكانت ابنته مليكة جميلة، فكرهت امرأته مكانها فظهرت منها لهم جفوة - وبغيض بن عامر بن لأي بن شماس - أحد بني قريع بن عوف، ينازع يومئذ الزبرقان الشرف، والزبرقان أحد بني بهدلة بن عوف، أرسخ في الشرف من الزبرقان،
وقد ناوأه الزبرقان ببدنه حتى ساواه بل اعتلاه، فاغتنم بغيض وأخواه علقمة وهوذة ما فيه الحطيئة من الجفوة، فدعوه إلى ما عندهم فأسرع، فبنوا عليه قبة ونحروا له وأكرموه كل الإكرام وشدوا بكل طنب من أطناب خبائه جلة من برني هجر. قال: والمخبل شاعر مفلق وهو ابن عمهم يلقاهم إلى أنف الناقة، وهو جعفر بن قريع. قال: وقدم الزبرقان أسيفاً عاتباً على امرأته، مدح بني قريع وذم الزبرقان، فاستدعى عليه الزبرقان إلى عمر فأقدمه عمر وقال للزبرقان: ما قال لك؟ قال: قال لي:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
قال عمر لحسان: ما تقول؟ أهجاه؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان، ولكنه أراد الحجة على الحطيئة، فقال: ذرق عليه. فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبساً فقال الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذي أمج...........
قال أسلم: أرسل عمر إلى الحطيئة الشاعر وأنا عنده، وقد كلمه عمرو بن العاص وغيره من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجه من السجن فقال:
ماذا تقول لأفراخ بذي أمج ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فامنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح يغشاهم بها القرر
أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية تعيا بها الخبر
قال: فبكى عمر حين قال له:؟؟؟ ماذا تقول لأفراخ بذي أمج.............
فقال عمرو: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة، فقال عمر: علي بالكرسي، فوضع له فجلس عليه وقال: أشيروا علي في الشاعر فإنه يقول الهجر ويشبب بالحرم ويمدح الناس ويذمهم بما ليس فيهم، ما أراني إلا قاطعاً لسانه. ثم قال: علي بالطست فأتي به، ثم قال: علي بالمخصف، علي بالسكين، علي بالموسى، فقالوا: لا يعود يا أمير المؤمنين، وأشاروا عليه قل. لا أعود يا أمير المؤمنين، فقال لا أعود يا أمير المؤمنين. قال له: النجاء. فلما أدبر قال: يا حطيئة، كأني بك وأنت عند فتى من فتيان قريش، قد بسط لك نمرقة وكسر لك أخرى وأنت تغنيه بأعراض المسلمين! قال أسلم: فدخلت على عبيد الله بن عمر بعد أن توفي عمر وعنده الحطيئة، وقد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وهو يغنيه. فقلت: يا حطيئة، أما تذكر ما قاله عمر؟ قال: فارتاع لها وقال: رحم الله ذلك المرء، لو كان حياً ما فعلنا هذا. فقال عبيد الله: وما قال؟ قلت: قال: كذا وكذا، فكنت أنت ذلك الفتى.
ولما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص يا أبا مليكة، قال: نعم، أخبروا الشماخ أنه أشعر غطفان. قالوا: فأوص في مالك، قال: نعم، ما لي للذكور دون الإناث. قالوا: فأوص للمساكين. قال: أوصيهم بإلحاف المسألة. قالوا: فأعتق غلامك يساراً. قال: اشهدوا أنه
مملوك ما بقي. قالوا: فما توصينا بشيء؟ قال: بلى، احملوني على حمار، فإنه لم يمت عليه كريم قط، فلعلي لا أموت. قالوا: يا أبا مليكة، أي العرب أشعر؟ قال: هذا الجحير إذا طمع في خير، وأشار إلى فيه ولسانه، ثم استعبر وبكى، فقالوا: ما يبكيك؟؟ أفزعاً من الموت؟ سوءة لك؟ قال: لا، ولكني أبكي للشعر من راوية السوء. ثم لم يلبث أن مات، فبلغ ذلك الشماخ فقال:
ليبك على الشعر الرواة فقد مضى ... وفارق إذ مات الحطيئة جرول
وأودى فما أبقى مقالاً لشاعر يقوم ليبلى من يشا أو يعدل
مضى ذا وهذا والسلام عليهما ... وكل عليه سوف يبكي ويعول
ويقال: جرول بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر - أبو مليكة العبسي، المعروف بالحطيئة:
والحطيئة يهمز ولا يهمز، فمن همزه جعله تصغير الحطأة وهي الضربة باليد، ومن لم يهمزه جعله من الحطأة وهي القملة الصغيرة، شبه بها لقصره وقربه من الأرض. وكان جوالا في الآفاق يمتدح الأماثل ويستجديهم.
وقدم حوران ممتدحا لعلقمة بن علاثة فمات علقمة قبل أن يصل إليه ولما أطلق عمر بن الخطاب الحطيئة من حبسه قال له: يا أمير، المؤمنين، اكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة لأقصده به، فقد منعتني التكسب بشعري، فقال: لا أفعل. فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما عليك من ذلك علقمة ليس بعاملك فتخشى أن تأثم، وإنما هو رجل من المسلمين، قال: فشفع له إليه، فكتب له ما أراد. فمضى الحطيئة بالكتاب، فصادف علقمة قد مات، والناس منصرفون عن قبره، فوقف عليه ثم أنشده قوله:
لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل
فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلا ليال قلائل
فقال له ابنه: كم ظننت علقمة يعطيك؟ قال: مئة ناقة يتبعها مئة من أولادها. فأعطاه إياها.
وقيل إنه بلغه أنه في الطريق يريده، فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده.
قال محمد بن سلام: قال الحطيئة لكعب بن زهير: قد علمت انقطاعي إليكم أهل البيت وروايتي إليك ولك، فشرفني بأبيات تقولها فيّ. فقال كعب بن زهير:
فمن للقوافي بعدنا من يقيمها ... إذا ما ثوى كعب وفوز جرول
يقول فلا يعيا بشيء يقوله ... ومن قائليها من يسيء ويعمل
جرول هو الحطيئة، والجرول: الحجر وهو الجراول. ويقال أرض جرلة.
قال الأصمعي: قيل للحطيئة: من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه وقال: هذا إذا طمع.
قال الشعبي: كان الحطيئة وكعب عند عمر رضي الله عنه فأنشد الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
فقال كعب: هي والله في التوراة، لا يذهب العرف بين الله وبين خلقه.
أراد الحطيئة المضي إلى بعض ملوك اليمن لقصيدة كان امتدحه، فأمر أهله فشدوا رحله على ناقته، ثم ركبها وأنشأ يقول:
عدي السنين إذا خرجت لغنية ... ودعي الشهور فإنهن قصار
فأجابته بنية له في الخدر فقالت:
اذكر تحنننا إليك وضعفنا ... وارحم بناتك إنهن صغار
قال: فحط رحله وأمسك عن ذكر الأسفار.
نزل الحطيئة برجل من العرب ومعه ابنته مليكة، فلما جنه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني، قال له: وما تكره من ذلك؟ فقال: إن الغناء رائد من رائدة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه - يعني ابنته - فإن كففته، وألا خرجت عنك.
قالت مليكة بنت الحطيئة لأبيها: ما أصارك إلى القصار في الشعر بعد الطوال؟ قال: لأنها في الآذان أولج، وفي المحافل أجول، وعلى القلوب أسهل، وبأفواه الرجال أعلق.
قال حماد الراوية: أفضل بيت روي من أشعار العرب بيت الحطيئة حيث يقول:
يقولون تستغني ووالله ما الغنى ... من المال إلا ما يعفو وما يكفي
وأنشد أحمد بن عباد التميمي للحطيئة يعدد محاسن قوم، قيل: إنه يعني آل منظور بن زبان بن سيار بن عمر الفزاريين:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والحقد
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
لما نزل بعبد الله بن شداد الموت، دعا ابناً له يقال له محمد فأوصاه، وكان فيما أوصاه أن قال: يا بني أرى دواعي الموت لا تقلع، ومن مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع. وإني أوصيك بوصية فاحفظها: عليك بتقوى الله، وليكن أولى الأمر بك الشكر لله وحسن الثناء عليه في السر والعلانية، واعلم أن الشكور مزيد والتقوى خير زاد، فكن يا بني كما قال الحطيئة العبسي:
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخراً ... وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بد أن يأتي قريب ... ولكن الذي يمضي بعيد
كان سبب هجائه للزبرقان أنه صادفه بالمدينة وكان قدمها على عمر، فقال الحطيئة: وددت أني أصبت رجلاً يحملني وأصفيه مديحي وأقتصر عليه. قال الزبرقان: قد أصبته، تقدم على أهلي فإني على إثرك. فتقدم فنزل بحماه، وأرسل الزبرقان إلى امرأته أن أكرمي مثواه. وكانت ابنته مليكة جميلة، فكرهت امرأته مكانها فظهرت منها لهم جفوة - وبغيض بن عامر بن لأي بن شماس - أحد بني قريع بن عوف، ينازع يومئذ الزبرقان الشرف، والزبرقان أحد بني بهدلة بن عوف، أرسخ في الشرف من الزبرقان،
وقد ناوأه الزبرقان ببدنه حتى ساواه بل اعتلاه، فاغتنم بغيض وأخواه علقمة وهوذة ما فيه الحطيئة من الجفوة، فدعوه إلى ما عندهم فأسرع، فبنوا عليه قبة ونحروا له وأكرموه كل الإكرام وشدوا بكل طنب من أطناب خبائه جلة من برني هجر. قال: والمخبل شاعر مفلق وهو ابن عمهم يلقاهم إلى أنف الناقة، وهو جعفر بن قريع. قال: وقدم الزبرقان أسيفاً عاتباً على امرأته، مدح بني قريع وذم الزبرقان، فاستدعى عليه الزبرقان إلى عمر فأقدمه عمر وقال للزبرقان: ما قال لك؟ قال: قال لي:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
قال عمر لحسان: ما تقول؟ أهجاه؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان، ولكنه أراد الحجة على الحطيئة، فقال: ذرق عليه. فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبساً فقال الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذي أمج...........
قال أسلم: أرسل عمر إلى الحطيئة الشاعر وأنا عنده، وقد كلمه عمرو بن العاص وغيره من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجه من السجن فقال:
ماذا تقول لأفراخ بذي أمج ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فامنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح يغشاهم بها القرر
أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية تعيا بها الخبر
قال: فبكى عمر حين قال له:؟؟؟ ماذا تقول لأفراخ بذي أمج.............
فقال عمرو: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة، فقال عمر: علي بالكرسي، فوضع له فجلس عليه وقال: أشيروا علي في الشاعر فإنه يقول الهجر ويشبب بالحرم ويمدح الناس ويذمهم بما ليس فيهم، ما أراني إلا قاطعاً لسانه. ثم قال: علي بالطست فأتي به، ثم قال: علي بالمخصف، علي بالسكين، علي بالموسى، فقالوا: لا يعود يا أمير المؤمنين، وأشاروا عليه قل. لا أعود يا أمير المؤمنين، فقال لا أعود يا أمير المؤمنين. قال له: النجاء. فلما أدبر قال: يا حطيئة، كأني بك وأنت عند فتى من فتيان قريش، قد بسط لك نمرقة وكسر لك أخرى وأنت تغنيه بأعراض المسلمين! قال أسلم: فدخلت على عبيد الله بن عمر بعد أن توفي عمر وعنده الحطيئة، وقد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وهو يغنيه. فقلت: يا حطيئة، أما تذكر ما قاله عمر؟ قال: فارتاع لها وقال: رحم الله ذلك المرء، لو كان حياً ما فعلنا هذا. فقال عبيد الله: وما قال؟ قلت: قال: كذا وكذا، فكنت أنت ذلك الفتى.
ولما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص يا أبا مليكة، قال: نعم، أخبروا الشماخ أنه أشعر غطفان. قالوا: فأوص في مالك، قال: نعم، ما لي للذكور دون الإناث. قالوا: فأوص للمساكين. قال: أوصيهم بإلحاف المسألة. قالوا: فأعتق غلامك يساراً. قال: اشهدوا أنه
مملوك ما بقي. قالوا: فما توصينا بشيء؟ قال: بلى، احملوني على حمار، فإنه لم يمت عليه كريم قط، فلعلي لا أموت. قالوا: يا أبا مليكة، أي العرب أشعر؟ قال: هذا الجحير إذا طمع في خير، وأشار إلى فيه ولسانه، ثم استعبر وبكى، فقالوا: ما يبكيك؟؟ أفزعاً من الموت؟ سوءة لك؟ قال: لا، ولكني أبكي للشعر من راوية السوء. ثم لم يلبث أن مات، فبلغ ذلك الشماخ فقال:
ليبك على الشعر الرواة فقد مضى ... وفارق إذ مات الحطيئة جرول
وأودى فما أبقى مقالاً لشاعر يقوم ليبلى من يشا أو يعدل
مضى ذا وهذا والسلام عليهما ... وكل عليه سوف يبكي ويعول