جراح بن عبد الله بن جعادة
ابن أفلح بن الحارث بن درة بن حدقة بن مظة، واسمه سفيان بن سليم بن الحكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، أبو عقبة الحكمي من قواد أهل الشام من دمشق. ولي البصرة في أيام الوليد بن عبد الملك للحجاج، ثم ولي العراق في أيام سليمان خلافة ليزيد بن المهلب، ثم ولي خرا سان وسجستان لعمر بن عبد العزيز، وولي عدة جهات وكان قارئا غازيا.
قال الجراح بن عبد الله: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.
وفي رواية: تركت الذنوب حياء من الناس أربعين سنة. فلما جاوزت الأربعين أدركني الورع. فتركتها حياء من الله عز وجل.
قال الوليد بن مسلم: كان الجراح بن عبد الله الحكمي إذا مشى في مسجد الجامع بدمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.
قال أبو عمرو: بعث الحجاج إذ كان يقاتل مصعباً والحرورية بالعراق إلى صاحب أهل دمشق، فلما أتاه قال له: اطلب لي من أصحابك رجلاً جليداً بئيساً ذا رأي وعقل، فقال: أصلح الله الأمير، ماأحسبني إلا وقد أصبته، إن في أصحابي رجلا من حكم بن سعد يقال له الجراح، جلدا صحيح العقل يعد ذلك من نفسه، يعني البأس، قال: فابعث إليه، فلما رآه الحجاج قال له: ادن يا طويل، فلم يزل يقول له ذلك ويشير إليه بيده حتى لصق به أو كاد، ثم قال: اقعد فقعد تحك ركبته وليس عنده غيره، ثم قال له: قم الساعة إلى فرسك فاحسسه واعلفه وأصلح منه، ثم خذ سرجه ولجامه وسلاحك فضعه عند وتد فرسك، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك، ثم اخرج حتى تأتي عسكر أعداء الله فتعاينهم، وتنظر إلى حالاتهم وماهم عليه، ثم تصحبني غداً، ولاتحدثن شيئا حتى تنصرف، فإذا انصرفت إلى أصحابك الساعة فلا تخبرهم بما عهدته إليك، فنهض الجراح. فلما أتى أصحابه وهم متشوقون له سألوه عن أمره فقال: سألني الأمير عن أمر أهل دمشق واعتل لهم، ثم فعل ما أمره الحجاج، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله، فعلم الجراح أنه عين للعدو يريد مثل الذي خرج له، فتوافقا وتساءلا ثم شد عليه الجراح فقتله وأوثق فرسه برجله، ثم نفر إلى المعسكر الذي فيه القوم فعاينه وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به، ثم انصرف إلى القتيل فاحتز رأسه وأخذ سلاحه
وجذب فرسه وعلث الرأس في عنق فرسه، ثم أقبل. وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه وأمر بالأستار فرفعت، وتشوف منتظراً الجراح وجعل يومئ بطرفه إلى الناحية التي يظن أنه يقبل منها. فبينا هو كذلك إذ أقبل الجراح يجذب الفرس، والرأس منوط في لبان فرسه، فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفيه: فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم، ومالم تأمرني، حتى وقف بين يديه، فسلم ثم نزل. وحدث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره وقال له: انصرف، فانصرف فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح معهم رواق وفرش وجارية وكسوة، فدلوا على رحله، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشاً وأقعدوا فيه الجارية، ثم أتوه فقالوا: انهض إلى صلة الأمير وكرامته. فلم يزل الجراح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية واستشهد، قتلته الخزر سنة خمس ومئة.
قال أبو حاتم: الجراح مولى مسكان أبي هانئ أبي أبي نواس، عني أبو نواس بقوله:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
قال الصلت بن دينار: رأيت في المنام كأن رجلا قطعت يداه ورجلاه وآخر صلب، فغدوت على ابن سيرين فأخبرته بذلك فقال: إن صدقت رؤياك نزع هذا الأمير وقدم أمير آخر قال: فلم نمس من يومنا حتى نزع قطن بن مدرك وقدم الجراح بن عبد الله.
كتب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام، فإن أسلموا قبل إسلامهم ووضع الجزية عنهم، وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن توضع عنهم الجزية، فامتحنهم بالختان،
فقال: أنا أردهم عن الإسلام بالختان؛ هم لو قد أسلموا كانوا إلى الطهرة أسرع، فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف.
قال السائب بن محمد: كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: سلام عليك، وبعد. فإن أهل خراسان قوم قد ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تلك فعل. قال: فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى الجراح بن عبد الله: سلام عليك، أما بعد؛ فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لايصلحهم إلا السيف والسوط، وتسألني أن آذن لك فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم والسلام.
وقتل الجراح لثمان بقين من رمضان سنة اثنتي عشرة ومئة، وغلبت الخزر على أذربيجان وساحت خيولهم حتى بلغوا قريباً من الموصل.
وذكر الواقدي: أن البلاء كان بمقتل الجراح على المسلمين عظيما، فبكي عليه في كل جند من أجناد العرب ومصر من أمصار المسلمين.
حدث إسماعيل بن عبيد الله مولى الحارث بن هشام، قال: قدمت علينا امرأة يمانية عليها ثياب اليمن فقالت: هل تعرفون أبا المقدام رجاء بن حيوة؟ قلنا: نعم. قالت: رأيت رجلا في النوم فقال: أنا أبو المقدام رجاء بن حيوة فقلت: ألم تمت؟ قال: بلى، ولكن نودي في أهل الجنة أن يتلقوا روح الجراح بن عبد الله الحكمي، وذلك قبل أن يأتيهم نعي الجراح، فكتبوا الوقت، فجاءهم أن الجراح قد قتل يومئذ بأرمينية، جاشت عليه الخزر فقتلوه.
قال أبو مسهر: قال الجراح يوم قتل لأصحابه: أيها القواد وأمراء الأجناد، فيم اهتمامكم؟! غدوتم
أمراء وتروحون شهداء، اللهم اذ رفعت عنا النصر فلا تحرمنا الصبر والأجر ثم قال:
لم يبق إلا حسبي وكفني ... وصارم تلذه يميني
وقاتل حتى قتل.
وأنشد أبو مسهر للفرزدق من أبيات:
لقد صبر الجراح حتى مشت به ... إلى رحمة الله السيوف الصوارم
ابن أفلح بن الحارث بن درة بن حدقة بن مظة، واسمه سفيان بن سليم بن الحكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، أبو عقبة الحكمي من قواد أهل الشام من دمشق. ولي البصرة في أيام الوليد بن عبد الملك للحجاج، ثم ولي العراق في أيام سليمان خلافة ليزيد بن المهلب، ثم ولي خرا سان وسجستان لعمر بن عبد العزيز، وولي عدة جهات وكان قارئا غازيا.
قال الجراح بن عبد الله: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.
وفي رواية: تركت الذنوب حياء من الناس أربعين سنة. فلما جاوزت الأربعين أدركني الورع. فتركتها حياء من الله عز وجل.
قال الوليد بن مسلم: كان الجراح بن عبد الله الحكمي إذا مشى في مسجد الجامع بدمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.
قال أبو عمرو: بعث الحجاج إذ كان يقاتل مصعباً والحرورية بالعراق إلى صاحب أهل دمشق، فلما أتاه قال له: اطلب لي من أصحابك رجلاً جليداً بئيساً ذا رأي وعقل، فقال: أصلح الله الأمير، ماأحسبني إلا وقد أصبته، إن في أصحابي رجلا من حكم بن سعد يقال له الجراح، جلدا صحيح العقل يعد ذلك من نفسه، يعني البأس، قال: فابعث إليه، فلما رآه الحجاج قال له: ادن يا طويل، فلم يزل يقول له ذلك ويشير إليه بيده حتى لصق به أو كاد، ثم قال: اقعد فقعد تحك ركبته وليس عنده غيره، ثم قال له: قم الساعة إلى فرسك فاحسسه واعلفه وأصلح منه، ثم خذ سرجه ولجامه وسلاحك فضعه عند وتد فرسك، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك، ثم اخرج حتى تأتي عسكر أعداء الله فتعاينهم، وتنظر إلى حالاتهم وماهم عليه، ثم تصحبني غداً، ولاتحدثن شيئا حتى تنصرف، فإذا انصرفت إلى أصحابك الساعة فلا تخبرهم بما عهدته إليك، فنهض الجراح. فلما أتى أصحابه وهم متشوقون له سألوه عن أمره فقال: سألني الأمير عن أمر أهل دمشق واعتل لهم، ثم فعل ما أمره الحجاج، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله، فعلم الجراح أنه عين للعدو يريد مثل الذي خرج له، فتوافقا وتساءلا ثم شد عليه الجراح فقتله وأوثق فرسه برجله، ثم نفر إلى المعسكر الذي فيه القوم فعاينه وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به، ثم انصرف إلى القتيل فاحتز رأسه وأخذ سلاحه
وجذب فرسه وعلث الرأس في عنق فرسه، ثم أقبل. وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه وأمر بالأستار فرفعت، وتشوف منتظراً الجراح وجعل يومئ بطرفه إلى الناحية التي يظن أنه يقبل منها. فبينا هو كذلك إذ أقبل الجراح يجذب الفرس، والرأس منوط في لبان فرسه، فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفيه: فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم، ومالم تأمرني، حتى وقف بين يديه، فسلم ثم نزل. وحدث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره وقال له: انصرف، فانصرف فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح معهم رواق وفرش وجارية وكسوة، فدلوا على رحله، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشاً وأقعدوا فيه الجارية، ثم أتوه فقالوا: انهض إلى صلة الأمير وكرامته. فلم يزل الجراح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية واستشهد، قتلته الخزر سنة خمس ومئة.
قال أبو حاتم: الجراح مولى مسكان أبي هانئ أبي أبي نواس، عني أبو نواس بقوله:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
قال الصلت بن دينار: رأيت في المنام كأن رجلا قطعت يداه ورجلاه وآخر صلب، فغدوت على ابن سيرين فأخبرته بذلك فقال: إن صدقت رؤياك نزع هذا الأمير وقدم أمير آخر قال: فلم نمس من يومنا حتى نزع قطن بن مدرك وقدم الجراح بن عبد الله.
كتب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام، فإن أسلموا قبل إسلامهم ووضع الجزية عنهم، وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن توضع عنهم الجزية، فامتحنهم بالختان،
فقال: أنا أردهم عن الإسلام بالختان؛ هم لو قد أسلموا كانوا إلى الطهرة أسرع، فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف.
قال السائب بن محمد: كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: سلام عليك، وبعد. فإن أهل خراسان قوم قد ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تلك فعل. قال: فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى الجراح بن عبد الله: سلام عليك، أما بعد؛ فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لايصلحهم إلا السيف والسوط، وتسألني أن آذن لك فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم والسلام.
وقتل الجراح لثمان بقين من رمضان سنة اثنتي عشرة ومئة، وغلبت الخزر على أذربيجان وساحت خيولهم حتى بلغوا قريباً من الموصل.
وذكر الواقدي: أن البلاء كان بمقتل الجراح على المسلمين عظيما، فبكي عليه في كل جند من أجناد العرب ومصر من أمصار المسلمين.
حدث إسماعيل بن عبيد الله مولى الحارث بن هشام، قال: قدمت علينا امرأة يمانية عليها ثياب اليمن فقالت: هل تعرفون أبا المقدام رجاء بن حيوة؟ قلنا: نعم. قالت: رأيت رجلا في النوم فقال: أنا أبو المقدام رجاء بن حيوة فقلت: ألم تمت؟ قال: بلى، ولكن نودي في أهل الجنة أن يتلقوا روح الجراح بن عبد الله الحكمي، وذلك قبل أن يأتيهم نعي الجراح، فكتبوا الوقت، فجاءهم أن الجراح قد قتل يومئذ بأرمينية، جاشت عليه الخزر فقتلوه.
قال أبو مسهر: قال الجراح يوم قتل لأصحابه: أيها القواد وأمراء الأجناد، فيم اهتمامكم؟! غدوتم
أمراء وتروحون شهداء، اللهم اذ رفعت عنا النصر فلا تحرمنا الصبر والأجر ثم قال:
لم يبق إلا حسبي وكفني ... وصارم تلذه يميني
وقاتل حتى قتل.
وأنشد أبو مسهر للفرزدق من أبيات:
لقد صبر الجراح حتى مشت به ... إلى رحمة الله السيوف الصوارم