إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ له عقب.
وقد بلغني أنه لمّا أفضت الخلافة إلى بني العبّاس، اختفت رجال بني أميّة؛ وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك، حتى أخذ له دواد بن علي من أبي العبّاس الأمان.
وكان إبراهيم رجلاً عالماً، فقال له أبو العبّاس ذات مرّة: حدّثني عمّا مرّ بك في اختفائك، قال: نعم، كنت مختفياً بالحيرة في منزل شارع على طريق الصّحراء، فبينما أنا على ظهر بيت ذات يوم إذا نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة،
فوقع في نفسي وفي روعي أنها تريدني، فخرجت من الدّار مستنكراً حتى دخلت الكوفة، ولا أعرف بها أحداً أختفي عنده فبقيت متلدداً، فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة، فدخلت الرّحبة فجلست فيها، وإذا برجل وسيم، حسن الهيئة، على فرس قد دخل الرّحبة ومعه جماعة من غلمانه وأتباعه، فقال لي: من أنت؟ وما حاجتك؟ فقلت: رجل مختف يخاف على دمه قد استجار بمنزلك؛ قال: فأدخلني منزله ثم صيّرني في حجرة تلي حرمه، فمكثت عنده في عزّ، كلّ ما أحبّ من مطعم ومشرب وملبس، لا يسألني عن شيء من حالي، ويركب كلّ يوم ركبةً؛ فقلت له يوماً: أراك تدمن الرّكوب، ففيم ذلك؟ فقال لي: إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي صبراً، وقد بلغني أنه مختف، فأنا أطلبه لأدرك منه ثأري؛ فكثر تعجّبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في شمل من يطلب دمي، فكرهت الحياة، فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فخبّرني بهما، فعرفت أنّي قتلت أباه، فقلت له: يا هذا، قد وجب عليّ حقك، ومن حقك أن أقرّب عليك الخطوة؛ قال: وما ذاك؟ قلت: أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك! قال: أحسب أنك رجل قد مللت الاختفاء فأحببت الموت؛ قلت: بل الحق، يوم كذا، بسبب كذا؛ فلّما عرف أنّي صادق اربدّ وجهه، واحمّرت عيناه، وأطرق مليّاً، ثم رفع رأسه إليّ وقال: أمّا أنت فستلقى أبي فيأخذ منك حقّه، وأمّا أنا فغير مخفر ذمّتي، فلست آمن عليك، وأعطاني ألف دينار، فلم أقبلها، وخرجت من عنده، فهذا أكرم رجل رأيته.
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ له عقب.
وقد بلغني أنه لمّا أفضت الخلافة إلى بني العبّاس، اختفت رجال بني أميّة؛ وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك، حتى أخذ له دواد بن علي من أبي العبّاس الأمان.
وكان إبراهيم رجلاً عالماً، فقال له أبو العبّاس ذات مرّة: حدّثني عمّا مرّ بك في اختفائك، قال: نعم، كنت مختفياً بالحيرة في منزل شارع على طريق الصّحراء، فبينما أنا على ظهر بيت ذات يوم إذا نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة،
فوقع في نفسي وفي روعي أنها تريدني، فخرجت من الدّار مستنكراً حتى دخلت الكوفة، ولا أعرف بها أحداً أختفي عنده فبقيت متلدداً، فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة، فدخلت الرّحبة فجلست فيها، وإذا برجل وسيم، حسن الهيئة، على فرس قد دخل الرّحبة ومعه جماعة من غلمانه وأتباعه، فقال لي: من أنت؟ وما حاجتك؟ فقلت: رجل مختف يخاف على دمه قد استجار بمنزلك؛ قال: فأدخلني منزله ثم صيّرني في حجرة تلي حرمه، فمكثت عنده في عزّ، كلّ ما أحبّ من مطعم ومشرب وملبس، لا يسألني عن شيء من حالي، ويركب كلّ يوم ركبةً؛ فقلت له يوماً: أراك تدمن الرّكوب، ففيم ذلك؟ فقال لي: إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي صبراً، وقد بلغني أنه مختف، فأنا أطلبه لأدرك منه ثأري؛ فكثر تعجّبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في شمل من يطلب دمي، فكرهت الحياة، فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فخبّرني بهما، فعرفت أنّي قتلت أباه، فقلت له: يا هذا، قد وجب عليّ حقك، ومن حقك أن أقرّب عليك الخطوة؛ قال: وما ذاك؟ قلت: أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك! قال: أحسب أنك رجل قد مللت الاختفاء فأحببت الموت؛ قلت: بل الحق، يوم كذا، بسبب كذا؛ فلّما عرف أنّي صادق اربدّ وجهه، واحمّرت عيناه، وأطرق مليّاً، ثم رفع رأسه إليّ وقال: أمّا أنت فستلقى أبي فيأخذ منك حقّه، وأمّا أنا فغير مخفر ذمّتي، فلست آمن عليك، وأعطاني ألف دينار، فلم أقبلها، وخرجت من عنده، فهذا أكرم رجل رأيته.