يَحْيَى بن خالد بن برمك، أبو عليّ :
كَانَ المهدي قد ضمَّ هارون الرشيد إِلَيْهِ وجعله فِي حجره، فلمّا استخلف هارون عرف ليحيى حقه وكان يعظمه، وإذا ذكره قال أبي. وجعل إصدار الأمور وإيرادها
إِلَيْهِ، إلى أن نَكَبَ هارون البرامكة فغضب عَلَيْهِ، وخَلَّده الحبس إلى أن مات فِيهِ، وقتل جعفرًا ابنه.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلال، حدثنا أحمد بن محمّد بن عمران، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن يَحْيَى النديم قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْن خَالِد: ثلاثة أشياء تدل عَلَى عقول أربابِها، الهدية، والكتاب، والرسول. وكان يَقُولُ لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ- إملاء- حدثنا إسحاق بن إبراهيم بْن سُفْيَان قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي رجاء قَالَ:
كَانَ يَحْيَى بْن خَالِد يقعد فِي بيت مجتمع صغير مكتوبٌ عَلَيْهِ:
كفى بِملتمس التواضع رفعةً ... وكفى بملتمس الْعُلو سفالا
حدَّثَنِي الْحَسَن بْن أبي طالب- لفظا- حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، حَدَّثَنَا زكريا بْن يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي قَالَ:
سمعتُ يَحْيَى بْن خَالِد يَقُولُ: الدُّنْيَا دول، والمال عارية، ولنا بِمن قبلنا أسوة، ونحن لمن بعدنا عِبْرة.
أَخْبَرَنَا أَبُو تغلب عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن الملحمي قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بن زكريّا الجريري، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدَّثَنِي محرز الكاتب قَالَ:
سَمِعْتُ الفضل بْن مروان يَقُولُ: قَالَ يَحْيَى بْن خَالِد: من لَم أحسن إِلَيْهِ فأنا مخيرٌ فِيهِ، ومن أحسنتُ إِلَيْهِ فأنا مرتَهنٌ بِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ البزّاز، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْحَسَن بْن عَبْد الله- أبو الأزهر النّحويّ- حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيم يَقُولُ:
كانت صلات يَحْيَى بْن خَالِد إذا ركبَ لِمن تعرض لَهُ مائتي درهم، فركبَ ذات يوم فتعرض لَهُ أديب شاعر فقال لَهُ:
يا سَمِي الحصور يَحْيَى أتيحت ... لك من فضل ربنا جنتان
كل من مرَّ فِي الطريق عليكم ... فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلي قليلٌ ... هِيَ منكم للقابس العَجْلان
قَالَ يَحْيَى: صدقت. وأمر بحمله إلى داره، فلما رَجَع من دار الخليفة سأله عَن حاله فذكر أَنَّهُ تزوج وقد أخذ بواحدة من ثلاث، إمّا أن يؤدي المهر وهو أربعة
آلاف، وإمّا أن يُطلق، وإمّا أن يُقيم جاريًا للمرأة ما يكفيها إلى أن يتهيأ لَه نقلها. فأمر لَهُ يَحْيَى بأربعة آلاف للمهر، وبأربعة آلاف لِثمن منزل، وأربعة آلاف لِما يحتاج إِلَيْهِ المنزل، وأربعة آلاف للبنية، وأربعة آلاف يستظهرُ بِهَا، فأخذ عشرين ألف درهم.
وقال الزبير: سمعتُ إِسْحَاق يَقُولُ: حدَّثَنِي يَحْيَى بْن أكثم أَنَّهُ سَمِعَ المأمون يَقُولُ: لَم يكن كيحيى بْن خَالِد وكولده فِي الكتابة، والبلاغة، والجود والشجاعة.
ولقد صدق القائل حيث يَقُولُ:
أولادُ يَحْيَى أربعٌ ... كالأربع الطبائع
فهم إذا اختبرتَهُم ... طبائع الصنائع
فقلتُ: يا أمير المؤمنين أما الكتابة والبلاغة والسماحة فنعرفها، ففيمن الشجاعة؟
فقال: فِي مُوسَى بْن يَحْيَى، وقد رأيتُ أن أوليه ثَغْرَ السِّنْد.
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الواحد الدّمشقيّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن عثمان السّلميّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر السامري قَالَ: أنشدني أَبُو الفضل الرَّبعي لأبي قابوس الحميري فِي يحيى بْن خَالِد:
رأيتُ يَحْيَى- أتم الله نعمته ... عَلَيْهِ- يأتي الَّذِي لَم يأته أحدُ
يَنْسَى الَّذِي كَانَ من معروفه أبدًا ... إلى الرجال ولا يَنْسَى الَّذِي يَعِدُ
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر النهرواني ومُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري- قَالَ أَحْمَد: أَخْبَرَنَا وقَالَ مُحَمَّد: حَدَّثَنَا- المعافى بن زكريا، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي الثلج، حَدَّثَنَا حسين بْن فهم قَالَ: قَالَ ابن الْمَوْصِليّ: حدَّثَنِي أبي قَالَ: أتيتُ يَحْيَى بْن خَالِد بْن بَرْمك فشكوتُ إِلَيْهِ ضيقةً فقال: ويحك ما أصنعُ بك؟ لَيْسَ عندنا فِي هذا الوقت شيء، ولكن هاهنا أمرٌ أدلك عَلَيْهِ فكن فِيهِ رجلا، قد جاءني خليفة صاحب مصر يسألني أن أستهدي صاحبه شيئًا. وقد أبيتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فألحَّ عليّ وقد بلغني أنك قد أعطيت بجاريتك فلانة آلاف دنانير، فهو ذا أستهديه إياها وأخبره أنّها قد أعجبتني، فإياك أن تنقصها من ثلاثين ألف دينار. وانظر كيف يكون. قال: فو الله ما شعرتُ إلا بالرجل قد وافاني فساومني بالجارية، فقلتُ لا أنقصها من ثلاثين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى بذل عشرين ألف دينار، فلمّا سَمعتُها ضعف قلبي عَن ردها فبعتها.
وقبضتُ العشرين ألفًا، ثُمَّ صرتُ إلى يَحْيَى بْن خَالِد فقال لي: كيف صنعت فِي بيعك
الجارية؟ فأخبرته فقلت: والله ما ملكت نفسي أن أجبت إلى العشرين ألفًا حين سمعتها، فقال إنك لخسيس. وهذا خليفة صاحب فارس قد جاءني فِي مثل هذا، فخذ جاريتك فإذا ساومك بِهَا فلا تنقصها من خمسين ألف دينار، فإنه لا بد أن يشتريها منك بذلك. قَالَ: فجاءني الرجل فأسمت عَلَيْهِ خمسين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى أعطاني ثلاثين ألف دينار فضعف قلبي عَن ردها ولَم أصدق بِهَا فأوجبتها لَهُ بِهَا، ثُمَّ صرتُ إلى يَحْيَى بْن خَالِد فقال لي بكم بعت الجارية؟ فأخبرته فقال: ويحك ألَم تؤدبك الأولى عَن الثانية؟ قَالَ: قلت ضعفتُ والله عَن رد شيء لم أطمع فِيهِ، قَالَ: فقال هذه جاريتك فخُذها إليك. قَالَ: فقلتُ: جارية أفدت بِهَا خمسين ألف دينار ثُمَّ أملكها أشهدك أنها حرة، وأني قد تزوجتها.
أخبرنا الحسن بن الخلّال، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدثنا أبو عبد الله الحكيمي، حدثني ميمون بن هارون، حدَّثَنِي عَلِيّ بْن عيسى بْن بردانيزوذ قَالَ:
كَانَ يَحْيَى بْن خَالِد يَقُولُ: إذا أقبلت الدُّنْيَا فأنفق فإنَّها لا تَفْنَى، وإذا أدْبَرَت فأنفق فإنَّها لا تَبْقَى.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر الأخرم، أخبرنا أبو علي عيسى بن أحمد بن أحمد الطوماري، حدثنا محمّد بن يزيد المبرد، حدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك قَالَ: قَالَ أبي لأبيه يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك- وهم فِي القيود والحبس: يا أبت بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس؟ قال: فقال لَهُ أَبُوهُ: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غَفَلْنَا عنها ولَمْ يغفل الله عنها، ثُمَّ أنشأ يَقُولُ:
رب قوم قد غدوا فِي نِعمةٍ ... زمَنًا والدَّهرُ رَيَّان غَدِقْ
سكتَ الدَّهْرُ زمانًا عنهم ... ثُمَّ أبكاهم دَمًا حين نَطقْ
قد تقدم فِي أخبار الفضل بْن يَحْيَى بْن خَالِد أن يَحْيَى مات فِي سنة تسعين ومائة وكانت وفاته فِي حبس الرشيد بالرافقة، لثلاث خَلَون من المحرم، وهو ابن سبعين سنة، صلى عَلَيْهِ ابنه الفضل، ودُفِنَ عَلَى شاطئ الفرات فِي موضع يُقالُ لَهُ ربض هرثمة.
كَانَ المهدي قد ضمَّ هارون الرشيد إِلَيْهِ وجعله فِي حجره، فلمّا استخلف هارون عرف ليحيى حقه وكان يعظمه، وإذا ذكره قال أبي. وجعل إصدار الأمور وإيرادها
إِلَيْهِ، إلى أن نَكَبَ هارون البرامكة فغضب عَلَيْهِ، وخَلَّده الحبس إلى أن مات فِيهِ، وقتل جعفرًا ابنه.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلال، حدثنا أحمد بن محمّد بن عمران، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن يَحْيَى النديم قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْن خَالِد: ثلاثة أشياء تدل عَلَى عقول أربابِها، الهدية، والكتاب، والرسول. وكان يَقُولُ لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ- إملاء- حدثنا إسحاق بن إبراهيم بْن سُفْيَان قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي رجاء قَالَ:
كَانَ يَحْيَى بْن خَالِد يقعد فِي بيت مجتمع صغير مكتوبٌ عَلَيْهِ:
كفى بِملتمس التواضع رفعةً ... وكفى بملتمس الْعُلو سفالا
حدَّثَنِي الْحَسَن بْن أبي طالب- لفظا- حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، حَدَّثَنَا زكريا بْن يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي قَالَ:
سمعتُ يَحْيَى بْن خَالِد يَقُولُ: الدُّنْيَا دول، والمال عارية، ولنا بِمن قبلنا أسوة، ونحن لمن بعدنا عِبْرة.
أَخْبَرَنَا أَبُو تغلب عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن الملحمي قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بن زكريّا الجريري، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدَّثَنِي محرز الكاتب قَالَ:
سَمِعْتُ الفضل بْن مروان يَقُولُ: قَالَ يَحْيَى بْن خَالِد: من لَم أحسن إِلَيْهِ فأنا مخيرٌ فِيهِ، ومن أحسنتُ إِلَيْهِ فأنا مرتَهنٌ بِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ البزّاز، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْحَسَن بْن عَبْد الله- أبو الأزهر النّحويّ- حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيم يَقُولُ:
كانت صلات يَحْيَى بْن خَالِد إذا ركبَ لِمن تعرض لَهُ مائتي درهم، فركبَ ذات يوم فتعرض لَهُ أديب شاعر فقال لَهُ:
يا سَمِي الحصور يَحْيَى أتيحت ... لك من فضل ربنا جنتان
كل من مرَّ فِي الطريق عليكم ... فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلي قليلٌ ... هِيَ منكم للقابس العَجْلان
قَالَ يَحْيَى: صدقت. وأمر بحمله إلى داره، فلما رَجَع من دار الخليفة سأله عَن حاله فذكر أَنَّهُ تزوج وقد أخذ بواحدة من ثلاث، إمّا أن يؤدي المهر وهو أربعة
آلاف، وإمّا أن يُطلق، وإمّا أن يُقيم جاريًا للمرأة ما يكفيها إلى أن يتهيأ لَه نقلها. فأمر لَهُ يَحْيَى بأربعة آلاف للمهر، وبأربعة آلاف لِثمن منزل، وأربعة آلاف لِما يحتاج إِلَيْهِ المنزل، وأربعة آلاف للبنية، وأربعة آلاف يستظهرُ بِهَا، فأخذ عشرين ألف درهم.
وقال الزبير: سمعتُ إِسْحَاق يَقُولُ: حدَّثَنِي يَحْيَى بْن أكثم أَنَّهُ سَمِعَ المأمون يَقُولُ: لَم يكن كيحيى بْن خَالِد وكولده فِي الكتابة، والبلاغة، والجود والشجاعة.
ولقد صدق القائل حيث يَقُولُ:
أولادُ يَحْيَى أربعٌ ... كالأربع الطبائع
فهم إذا اختبرتَهُم ... طبائع الصنائع
فقلتُ: يا أمير المؤمنين أما الكتابة والبلاغة والسماحة فنعرفها، ففيمن الشجاعة؟
فقال: فِي مُوسَى بْن يَحْيَى، وقد رأيتُ أن أوليه ثَغْرَ السِّنْد.
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الواحد الدّمشقيّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن عثمان السّلميّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر السامري قَالَ: أنشدني أَبُو الفضل الرَّبعي لأبي قابوس الحميري فِي يحيى بْن خَالِد:
رأيتُ يَحْيَى- أتم الله نعمته ... عَلَيْهِ- يأتي الَّذِي لَم يأته أحدُ
يَنْسَى الَّذِي كَانَ من معروفه أبدًا ... إلى الرجال ولا يَنْسَى الَّذِي يَعِدُ
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر النهرواني ومُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري- قَالَ أَحْمَد: أَخْبَرَنَا وقَالَ مُحَمَّد: حَدَّثَنَا- المعافى بن زكريا، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي الثلج، حَدَّثَنَا حسين بْن فهم قَالَ: قَالَ ابن الْمَوْصِليّ: حدَّثَنِي أبي قَالَ: أتيتُ يَحْيَى بْن خَالِد بْن بَرْمك فشكوتُ إِلَيْهِ ضيقةً فقال: ويحك ما أصنعُ بك؟ لَيْسَ عندنا فِي هذا الوقت شيء، ولكن هاهنا أمرٌ أدلك عَلَيْهِ فكن فِيهِ رجلا، قد جاءني خليفة صاحب مصر يسألني أن أستهدي صاحبه شيئًا. وقد أبيتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فألحَّ عليّ وقد بلغني أنك قد أعطيت بجاريتك فلانة آلاف دنانير، فهو ذا أستهديه إياها وأخبره أنّها قد أعجبتني، فإياك أن تنقصها من ثلاثين ألف دينار. وانظر كيف يكون. قال: فو الله ما شعرتُ إلا بالرجل قد وافاني فساومني بالجارية، فقلتُ لا أنقصها من ثلاثين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى بذل عشرين ألف دينار، فلمّا سَمعتُها ضعف قلبي عَن ردها فبعتها.
وقبضتُ العشرين ألفًا، ثُمَّ صرتُ إلى يَحْيَى بْن خَالِد فقال لي: كيف صنعت فِي بيعك
الجارية؟ فأخبرته فقلت: والله ما ملكت نفسي أن أجبت إلى العشرين ألفًا حين سمعتها، فقال إنك لخسيس. وهذا خليفة صاحب فارس قد جاءني فِي مثل هذا، فخذ جاريتك فإذا ساومك بِهَا فلا تنقصها من خمسين ألف دينار، فإنه لا بد أن يشتريها منك بذلك. قَالَ: فجاءني الرجل فأسمت عَلَيْهِ خمسين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى أعطاني ثلاثين ألف دينار فضعف قلبي عَن ردها ولَم أصدق بِهَا فأوجبتها لَهُ بِهَا، ثُمَّ صرتُ إلى يَحْيَى بْن خَالِد فقال لي بكم بعت الجارية؟ فأخبرته فقال: ويحك ألَم تؤدبك الأولى عَن الثانية؟ قَالَ: قلت ضعفتُ والله عَن رد شيء لم أطمع فِيهِ، قَالَ: فقال هذه جاريتك فخُذها إليك. قَالَ: فقلتُ: جارية أفدت بِهَا خمسين ألف دينار ثُمَّ أملكها أشهدك أنها حرة، وأني قد تزوجتها.
أخبرنا الحسن بن الخلّال، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدثنا أبو عبد الله الحكيمي، حدثني ميمون بن هارون، حدَّثَنِي عَلِيّ بْن عيسى بْن بردانيزوذ قَالَ:
كَانَ يَحْيَى بْن خَالِد يَقُولُ: إذا أقبلت الدُّنْيَا فأنفق فإنَّها لا تَفْنَى، وإذا أدْبَرَت فأنفق فإنَّها لا تَبْقَى.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر الأخرم، أخبرنا أبو علي عيسى بن أحمد بن أحمد الطوماري، حدثنا محمّد بن يزيد المبرد، حدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك قَالَ: قَالَ أبي لأبيه يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك- وهم فِي القيود والحبس: يا أبت بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس؟ قال: فقال لَهُ أَبُوهُ: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غَفَلْنَا عنها ولَمْ يغفل الله عنها، ثُمَّ أنشأ يَقُولُ:
رب قوم قد غدوا فِي نِعمةٍ ... زمَنًا والدَّهرُ رَيَّان غَدِقْ
سكتَ الدَّهْرُ زمانًا عنهم ... ثُمَّ أبكاهم دَمًا حين نَطقْ
قد تقدم فِي أخبار الفضل بْن يَحْيَى بْن خَالِد أن يَحْيَى مات فِي سنة تسعين ومائة وكانت وفاته فِي حبس الرشيد بالرافقة، لثلاث خَلَون من المحرم، وهو ابن سبعين سنة، صلى عَلَيْهِ ابنه الفضل، ودُفِنَ عَلَى شاطئ الفرات فِي موضع يُقالُ لَهُ ربض هرثمة.