الوليد بن عُبَيْد، أَبُو عبادة الطائي البُحْتُريّ :
من أهل منبج، بها وُلِدَ ونشأ وتأدب، وخرج منها إلى العراق فمدح جعفرا المتوكل عَلَى الله وخلقا من الأكابر والرؤساء، وأقام ببَغْدَاد دهرا طويلا، ثُمَّ عاد إلى
بلده فمات به. وقد رَوَى عَنْهُ أشياء من شعره مُحَمَّد بن يزيد المبرد، وَمُحَمَّد بن خلف بن المَرْزُبان، والقاضي أَبُو عَبْد اللَّه المحاملي، وَمُحَمَّد بْن أَحْمَد الحكيمي، وَمُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّولِيّ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدّقّاق، أخبرنا أبو عبيد الله محمّد ابن عمران بن موسى المرزباني، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن يَحْيَى قَالَ: أملى عَليّ أَبُو الغوث يَحْيَى بن البُحْتُريّ نسب أَبِيهِ- بالرقة سنة إحدى وتسعين ومائتين- فَقَالَ: هُوَ الوليد ابن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملان بن جَابِر بن سلمة بن مُسْهِر بن الحارث بن خيثم بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحير بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل ابن عمرو بن الغوث بن جلهمة- وهو طيئ- بْن أدد بْن زَيْد بْن يشجب بْن يعرب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
وَقَالَ المَرْزُباني: وجدت بخط أَبِي الحَسَن أَحْمَد بن يَحْيَى المنجم قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الغوث قَالَ: وُلِدَ أَبِي سنة مائتين.
قَالَ المَرْزُباني: وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الناجم: وُلِدَ البُحْتُريّ سنة ست ومائتين، حَدَّثَنِيه عن المظفر بن يحيى.
أَخْبَرَنِي عَليّ بن أيوب القمي، أخبرنا محمّد بن عمران الكاتب، أخبرني محمّد ابن يحيى الصولي، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن البُحْتُريّ قَالَ: كَانَ أَبِي يكنى أَبَا الحَسَن، وأبا عبادة، فأشير عَلَيْهِ في أيام المتوكل أن يقتصر عَلَى أَبِي عبادة فَإِنَّهُ أشهر.
قَالَ مُحَمَّد بن عمران: وَرُوِيَ أَنَّ كنيته الأولى أَبُو الحَسَن، وَأَنَّ المتوكل كناه أَبَا عبادة. وَهُوَ شامي من أهل منبج من أعمال جند قنسرين. وبها مولده ومنشؤه ووفاته.
أَخْبَرَنَا عَليّ بن أبي علي البصريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَج مُحَمَّد بن جَعْفَر الصالحي، حَدَّثَنِي صالح بن الأصبغ التَّنُوخِيّ المنبجي قَالَ: رأيت البحتريّ هاهنا عندنا قبل أن يخرج إلى العراق يجتاز بنا في الجامع من هَذَا الباب إلى هَذَا الباب- وأومأ إلى جنبتي المسجد، يمدح أصحاب البصل والباذنجان، وينشد الشعر في ذهابه ومجيئه، ثُمَّ كَانَ منه ما كَانَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن محمّد بن المظفر، أخبرنا أَبُو عبيد اللَّه المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي الصُّولِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد عَبْد الله بن الحُسَيْن بن سَعْد القُطْرُبُلِّيّ يَقُولُ
للبحتري. وقد اجتمعا في دار عَبْد الله- يعني ابن المعتز- بالخلد وعنده أَبُو العَبَّاس مُحَمَّد بن يزيد المبرد، وَذَلِكَ في سنة ستٍّ وسبعين ومائتين، وقد أنشد البُحْتُريّ شعرا في معنى قد قَالَ في مثله أَبُو تمام. فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أشعر في هَذَا من أَبِي تمام، فَقَالَ: كلا والله، ذاك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إِلا بِهِ. فَقَالَ لَهُ المبرد: يا أَبَا الحَسَن تأبَى إِلا شرفا من جميع جوانبك.
وَأَخْبَرَنَا ابن المظفر، أخبرنا المرزباني، أخبرني محمّد بن يحيى، حَدَّثَنِي الحُسَيْن بن عَليّ الكاتب قَالَ: قَالَ لي البحتريّ: أنشدت أبا تمام يوما شيئا من شعري، فأنشد بيت أوس بن حجر:
إذا مقرم مناذرا حد نابه ... تخبط فينا ناب آخر مقرم
فقال: نعيت إلى نفسي. فقلت: أعيذك بالله من هذا. فقال إن عمري ليس بطويل وقد نشأ مثلك لطيئ، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقري رأى شبيب بن شبة- وهو من رهطه- يتكلم، فقال: يا بني، نعي نفسي إلى إحسانك في كلامك، لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله. قال: فمات أَبُو تمام بعد سنة من قوله هذا.
وقال مُحَمَّد بن يحيى: حدثني أبو الغوث. وقَالَ قَالَ أَبِي: أنشدت أَبَا تمام شعرا لي في بعض بني حُمَيْد، وصلت بِهِ إلى مال لَهُ خطر. فَقَالَ لي: أحسنت، أَنْتَ أمير الشعر بعدي، فَكَانَ قوله هَذَا أحب إليَّ من جميع ما حويته.
أَخْبَرَنَا ابن المظفر، أخبرنا المرزباني، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن العَبَّاس قَالَ: أنشد رجل أَبَا العَبَّاس ثعلبا قول البُحْتُريّ:
وَإِذَا دجت أقلامه ثُمَّ انتحت ... برقت مصابيح الدجى في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه
حكم سحابتها خلال بنانه ... هطالة وقليبها في قلبه
كالروض مؤتلقا بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها- والسمع معقود بها- ... شخص الحبيب بدا لعين محبه
فَقَالَ أَبُو العَبَّاس: لو سَمِعَ الأوائل هَذَا الشعر ما فضلوا عَلَيْهِ شعرا.
أَخْبَرَنِي أَبُو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل، أخبرنا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي الكوفيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الصُّولِيّ عن ابن البُحْتُريّ يقال: دخل أَبِي عَلَى بعض
العمال- قد ذكره- في حبس المتوكل بسر من رَأَى، يطالب بما لا يقدر عَلَيْهِ من الأموال. فأنشأ يَقُولُ:
جعلت فداك الدهر ليس بمنفك ... من الحادث المشكو، والنازل المشكي
وما هذه الأيام إلا منازل ... فمن منزل رحب، ومن منزل ضنك
وقد هذبتك الحادثات، وإنما ... صفا الذهب الإبريز قبلك بالسبك
أما في نبي الله يوسف أسوة ... لمثلك مسجونا على الزور والإفك؟
أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فأسلمه الصبر الجميل إلى الملك
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال:
أنشدنا الحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملي قَالَ: أنشدنا أَبُو عبادة البُحْتُريّ:
إذا المرء لم يرض ما أمكنه ... ولم يأت من أمره أزينه
وأعجب بالعجب فاقتاده ... وتاه به التيه فاستحسنه
فدعه، فقد ساء تدبيره ... سيضحك يوما، ويبكي سنه
أخبرني علي بن أيّوب، أخبرنا مُحَمَّد بْن عمران الكاتب، أَخْبَرَنِي الصولي قال:
قرئ على البحتري لنفسه- وأنا أسمع-:
خليلي أبلاني هوى متلون ... له شيمة تأبَى، وأخرى تطاوع
فلا تحسبا أني نزعت، ولم أكن ... لانزع من إلف إليه أنازع
وإن شفاء النفس- لو تستطيعه- ... حبيب مؤات، أو شباب مراجع
حَدَّثَنَا محمّد بن علي بن السماك، أَخْبَرَنَا العباس بن أَحْمَد بن أبي نواس الكاتب، أَخْبَرَنَا أَبُو علي الطوماري قال: حَدَّثَنِي أَبُو العباس بن طومار قال: كنت أنادم المتوكل فكنت عنده يوما، ومعنا البحتري، وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راح، فقال المتوكل للفتح: يا فتح إن البحتري يعشق راحا، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه، فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه، فقال: ذاك دليلي عليه، ثم قال المتوكل: يا راح خذ رطل بلور فاملأه شرابا وادفعه إليه، ففعل. فلما دفعه إليه بهت البحتري ينظر إليه، فقال المتوكل للفتح: كيف ترى؟
ثم قال: يا بحتري قل في راح بيت شعر، ولا تصرح باسمه، فقال:
حار بالود فتى أم ... سى رهينا بك مدنف
اسم من أهواه في شع ... ري مقلوب مصحف
أخبرني علي بن أبي علي البصريّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران الكاتب أن أَبَا بكر
الجُرْجَانِيّ أخبره عن مُحَمَّد بن يزيد النَّحْوِيّ قَالَ: كتبنا إلى البُحْتُريّ أن يجيئنا بعقب مطر، فكتب إلينا:
إن التزاور فيما بيننا خطر ... والأرض من وطأة البرذون تنخسف
إِذَا اجتمعنا عَلَى يوم الشتاء، فلي ... هم بما أَنَا لاق حين أنصرف
أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن بن وليدويه قال: أنشدني أبي يهجو البحتري:
قل لمن جاءنا بنسبة زور ... يدعي أنه لبحتر طي
يتنازى كأنه عربي ... فإذا ما امتحنت ليس بشي
قد تعدى وجاء أمرا فريا ... كيف ينساغ ذا له يا أخي؟
إن يجوز الذي ادعيت فإني ... قائل في غد أبي من لؤي
أَخْبَرَنِي التَّنُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِيُّ أَنَّ الصُّولِيّ أخبره قَالَ: رُوِيَ عن أَبِي الغوث: أن أَبَاه مات في سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
وأخبرني التنوخي، أَخْبَرَنَا المَرْزُباني أن مُحَمَّد بن يَحْيَى أخبره قَالَ: مات البُحْتُريّ بمنبج- وَقِيلَ بحلب- في أَوَّل سنة خمس وثمانين ومائتين- وَقِيلَ في آخر سنة أربع وثمانين ومائتين- ومولده سنة ستٍّ ومائتين.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْرٍ عَن أَحْمَد بْن كامل الْقَاضِي قَالَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، فِيهَا مَاتَ أَبُو عبادة البُحْتُريّ الشَّاعِر بالشام، وبلغ ثمانين سنة، قيل مولده سنة ستٍّ ومائتين.
من أهل منبج، بها وُلِدَ ونشأ وتأدب، وخرج منها إلى العراق فمدح جعفرا المتوكل عَلَى الله وخلقا من الأكابر والرؤساء، وأقام ببَغْدَاد دهرا طويلا، ثُمَّ عاد إلى
بلده فمات به. وقد رَوَى عَنْهُ أشياء من شعره مُحَمَّد بن يزيد المبرد، وَمُحَمَّد بن خلف بن المَرْزُبان، والقاضي أَبُو عَبْد اللَّه المحاملي، وَمُحَمَّد بْن أَحْمَد الحكيمي، وَمُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّولِيّ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدّقّاق، أخبرنا أبو عبيد الله محمّد ابن عمران بن موسى المرزباني، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن يَحْيَى قَالَ: أملى عَليّ أَبُو الغوث يَحْيَى بن البُحْتُريّ نسب أَبِيهِ- بالرقة سنة إحدى وتسعين ومائتين- فَقَالَ: هُوَ الوليد ابن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملان بن جَابِر بن سلمة بن مُسْهِر بن الحارث بن خيثم بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحير بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل ابن عمرو بن الغوث بن جلهمة- وهو طيئ- بْن أدد بْن زَيْد بْن يشجب بْن يعرب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
وَقَالَ المَرْزُباني: وجدت بخط أَبِي الحَسَن أَحْمَد بن يَحْيَى المنجم قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الغوث قَالَ: وُلِدَ أَبِي سنة مائتين.
قَالَ المَرْزُباني: وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الناجم: وُلِدَ البُحْتُريّ سنة ست ومائتين، حَدَّثَنِيه عن المظفر بن يحيى.
أَخْبَرَنِي عَليّ بن أيوب القمي، أخبرنا محمّد بن عمران الكاتب، أخبرني محمّد ابن يحيى الصولي، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن البُحْتُريّ قَالَ: كَانَ أَبِي يكنى أَبَا الحَسَن، وأبا عبادة، فأشير عَلَيْهِ في أيام المتوكل أن يقتصر عَلَى أَبِي عبادة فَإِنَّهُ أشهر.
قَالَ مُحَمَّد بن عمران: وَرُوِيَ أَنَّ كنيته الأولى أَبُو الحَسَن، وَأَنَّ المتوكل كناه أَبَا عبادة. وَهُوَ شامي من أهل منبج من أعمال جند قنسرين. وبها مولده ومنشؤه ووفاته.
أَخْبَرَنَا عَليّ بن أبي علي البصريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَج مُحَمَّد بن جَعْفَر الصالحي، حَدَّثَنِي صالح بن الأصبغ التَّنُوخِيّ المنبجي قَالَ: رأيت البحتريّ هاهنا عندنا قبل أن يخرج إلى العراق يجتاز بنا في الجامع من هَذَا الباب إلى هَذَا الباب- وأومأ إلى جنبتي المسجد، يمدح أصحاب البصل والباذنجان، وينشد الشعر في ذهابه ومجيئه، ثُمَّ كَانَ منه ما كَانَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن محمّد بن المظفر، أخبرنا أَبُو عبيد اللَّه المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي الصُّولِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد عَبْد الله بن الحُسَيْن بن سَعْد القُطْرُبُلِّيّ يَقُولُ
للبحتري. وقد اجتمعا في دار عَبْد الله- يعني ابن المعتز- بالخلد وعنده أَبُو العَبَّاس مُحَمَّد بن يزيد المبرد، وَذَلِكَ في سنة ستٍّ وسبعين ومائتين، وقد أنشد البُحْتُريّ شعرا في معنى قد قَالَ في مثله أَبُو تمام. فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أشعر في هَذَا من أَبِي تمام، فَقَالَ: كلا والله، ذاك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إِلا بِهِ. فَقَالَ لَهُ المبرد: يا أَبَا الحَسَن تأبَى إِلا شرفا من جميع جوانبك.
وَأَخْبَرَنَا ابن المظفر، أخبرنا المرزباني، أخبرني محمّد بن يحيى، حَدَّثَنِي الحُسَيْن بن عَليّ الكاتب قَالَ: قَالَ لي البحتريّ: أنشدت أبا تمام يوما شيئا من شعري، فأنشد بيت أوس بن حجر:
إذا مقرم مناذرا حد نابه ... تخبط فينا ناب آخر مقرم
فقال: نعيت إلى نفسي. فقلت: أعيذك بالله من هذا. فقال إن عمري ليس بطويل وقد نشأ مثلك لطيئ، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقري رأى شبيب بن شبة- وهو من رهطه- يتكلم، فقال: يا بني، نعي نفسي إلى إحسانك في كلامك، لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله. قال: فمات أَبُو تمام بعد سنة من قوله هذا.
وقال مُحَمَّد بن يحيى: حدثني أبو الغوث. وقَالَ قَالَ أَبِي: أنشدت أَبَا تمام شعرا لي في بعض بني حُمَيْد، وصلت بِهِ إلى مال لَهُ خطر. فَقَالَ لي: أحسنت، أَنْتَ أمير الشعر بعدي، فَكَانَ قوله هَذَا أحب إليَّ من جميع ما حويته.
أَخْبَرَنَا ابن المظفر، أخبرنا المرزباني، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن العَبَّاس قَالَ: أنشد رجل أَبَا العَبَّاس ثعلبا قول البُحْتُريّ:
وَإِذَا دجت أقلامه ثُمَّ انتحت ... برقت مصابيح الدجى في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه
حكم سحابتها خلال بنانه ... هطالة وقليبها في قلبه
كالروض مؤتلقا بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها- والسمع معقود بها- ... شخص الحبيب بدا لعين محبه
فَقَالَ أَبُو العَبَّاس: لو سَمِعَ الأوائل هَذَا الشعر ما فضلوا عَلَيْهِ شعرا.
أَخْبَرَنِي أَبُو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل، أخبرنا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي الكوفيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الصُّولِيّ عن ابن البُحْتُريّ يقال: دخل أَبِي عَلَى بعض
العمال- قد ذكره- في حبس المتوكل بسر من رَأَى، يطالب بما لا يقدر عَلَيْهِ من الأموال. فأنشأ يَقُولُ:
جعلت فداك الدهر ليس بمنفك ... من الحادث المشكو، والنازل المشكي
وما هذه الأيام إلا منازل ... فمن منزل رحب، ومن منزل ضنك
وقد هذبتك الحادثات، وإنما ... صفا الذهب الإبريز قبلك بالسبك
أما في نبي الله يوسف أسوة ... لمثلك مسجونا على الزور والإفك؟
أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فأسلمه الصبر الجميل إلى الملك
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال:
أنشدنا الحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملي قَالَ: أنشدنا أَبُو عبادة البُحْتُريّ:
إذا المرء لم يرض ما أمكنه ... ولم يأت من أمره أزينه
وأعجب بالعجب فاقتاده ... وتاه به التيه فاستحسنه
فدعه، فقد ساء تدبيره ... سيضحك يوما، ويبكي سنه
أخبرني علي بن أيّوب، أخبرنا مُحَمَّد بْن عمران الكاتب، أَخْبَرَنِي الصولي قال:
قرئ على البحتري لنفسه- وأنا أسمع-:
خليلي أبلاني هوى متلون ... له شيمة تأبَى، وأخرى تطاوع
فلا تحسبا أني نزعت، ولم أكن ... لانزع من إلف إليه أنازع
وإن شفاء النفس- لو تستطيعه- ... حبيب مؤات، أو شباب مراجع
حَدَّثَنَا محمّد بن علي بن السماك، أَخْبَرَنَا العباس بن أَحْمَد بن أبي نواس الكاتب، أَخْبَرَنَا أَبُو علي الطوماري قال: حَدَّثَنِي أَبُو العباس بن طومار قال: كنت أنادم المتوكل فكنت عنده يوما، ومعنا البحتري، وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راح، فقال المتوكل للفتح: يا فتح إن البحتري يعشق راحا، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه، فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه، فقال: ذاك دليلي عليه، ثم قال المتوكل: يا راح خذ رطل بلور فاملأه شرابا وادفعه إليه، ففعل. فلما دفعه إليه بهت البحتري ينظر إليه، فقال المتوكل للفتح: كيف ترى؟
ثم قال: يا بحتري قل في راح بيت شعر، ولا تصرح باسمه، فقال:
حار بالود فتى أم ... سى رهينا بك مدنف
اسم من أهواه في شع ... ري مقلوب مصحف
أخبرني علي بن أبي علي البصريّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران الكاتب أن أَبَا بكر
الجُرْجَانِيّ أخبره عن مُحَمَّد بن يزيد النَّحْوِيّ قَالَ: كتبنا إلى البُحْتُريّ أن يجيئنا بعقب مطر، فكتب إلينا:
إن التزاور فيما بيننا خطر ... والأرض من وطأة البرذون تنخسف
إِذَا اجتمعنا عَلَى يوم الشتاء، فلي ... هم بما أَنَا لاق حين أنصرف
أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن بن وليدويه قال: أنشدني أبي يهجو البحتري:
قل لمن جاءنا بنسبة زور ... يدعي أنه لبحتر طي
يتنازى كأنه عربي ... فإذا ما امتحنت ليس بشي
قد تعدى وجاء أمرا فريا ... كيف ينساغ ذا له يا أخي؟
إن يجوز الذي ادعيت فإني ... قائل في غد أبي من لؤي
أَخْبَرَنِي التَّنُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِيُّ أَنَّ الصُّولِيّ أخبره قَالَ: رُوِيَ عن أَبِي الغوث: أن أَبَاه مات في سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
وأخبرني التنوخي، أَخْبَرَنَا المَرْزُباني أن مُحَمَّد بن يَحْيَى أخبره قَالَ: مات البُحْتُريّ بمنبج- وَقِيلَ بحلب- في أَوَّل سنة خمس وثمانين ومائتين- وَقِيلَ في آخر سنة أربع وثمانين ومائتين- ومولده سنة ستٍّ ومائتين.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْرٍ عَن أَحْمَد بْن كامل الْقَاضِي قَالَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، فِيهَا مَاتَ أَبُو عبادة البُحْتُريّ الشَّاعِر بالشام، وبلغ ثمانين سنة، قيل مولده سنة ستٍّ ومائتين.