موسى أمير المؤمنين الهادي بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور ابن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن العباس، يكنى أبا محمد :
بويع له بالخلافة بعد أبيه، وكان بجرجان وقت موت المهدي. وتولى له البيعة ببغداد أخوه هارون الرشيد، وكان مولد الهادي بالري.
فأخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: كان الهادي يكنى أبا محمد، وأمه الخيزران، ومات المهديّ بماسبذان معه الرشيد، وكان موسى الهادي بجرجان. فقدم الرشيد مدينة السلام فأخذ البيعة للهادي، ثم قدم الهادي مدينة السلام فأقام بها إلى أن توفي يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة. وقد بلغ من السن ثلاثا وعشرين سنة، وكان كثير الولد، وكانت خلافته سنة وشهرا وبعض آخر. ولم يتول الخلافة قبل الهادي بسنه أحد.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، أخبرنا عمر بن حفص السدوسي، حَدَّثَنَا محمد بن يزيد قَالَ: واستخلف موسى بن المهدي سنة تسع وستين ومائة وهو الهادي، وتوفي سنة سبعين ومائة لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول يوم الجمعة، فكانت خلافته سنة وشهرا، واثنين وعشرين يوما، وتوفي وله أربع وعشرون سنة، وأمه أم ولد يُقالُ لَهَا الخيزران.
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن عمر الواعظ، حدثني أبي، حدّثنا إسماعيل بن علي، أَخْبَرَنِي البربري عن ابن أبي السري قَالَ: استخلف أبو محمد موسى الهادي، أتته الخلافة وهو بجرجان لأربع مضين من صفر سنة تسع وستين ومائة، فكانت خلافته سنة وشهرين وأحد عشر يوما. وتوفي ليلة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وهو ابن أربع وعشرين سنة. قَالَ: ويقال ستة وعشرين سنة، وصلى عليه أخوه هارون الرشيد، وتوفي بعيساباذ، بقصره الذي بناه وسماه القصر الأبيض، وبه قبره.
قَالَ ابن أبي السري، وَقَالَ الهيثم بن عدي: توفي ببغداد وبها قبره بالجانب الشرقي في مجلس يقال له دار البستان، يعرف ببستان موسى أطبق. قَالَ ابن أبي السري:
وكان موسى طويلا جسيما أبيض بشفته العليا تقلص.
حدثني الأزهري، حدّثنا سهل بن أحمد الديباجي، حدّثنا الصولي، حدّثنا ابن الغلابي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عُكَاشَةَ الْمُزَنِيُّ قَالَ: قَدِمْنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْهَادِي- شُهُودًا عَلَى رَجُلٍ مِنَّا- شَتَمَ قُرَيْشًا، وَتَخَطَّى إِلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ لَنَا مَجْلِسًا أَحْضَرَ فِيهِ فُقَهَاءَ زَمَانِهِ وَمَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ عَلَى بَابِهِ، وَأُحْضِرَ الرَّجُلُ وَأُحْضِرْنَا، فَشَهِدْنَا عَلَيْهِ بِمَا سَمِعْنَا مِنْهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الْهَادِي ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ وَرَفَعَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي الْمَهْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ الْمَنْصُورِ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أراد هو ان قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللَّهُ. وَأَنْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَمْ تَرْضَ بِأَنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى تَخَطَّيْتَ إِلَى ذِكْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَمَا بَرِحْنَا حتى قتل.
أخبرني الحسين بن علي الصيمري، حدّثنا الحسين بن هرون الضّبّيّ، أخبرنا محمّد ابن عمر بن الجعابي، حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد الله أبو العباس الثّقفيّ، حدثني عيسى بن محمّد الكاتب، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: قَالَ لي أمير المؤمنين الهادي: يا أبا جعفر أخبرنا أبي عن جدي أن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عباس قَالَ: ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني، والعفو عن الزلات القريبة، ليقل الطمع في الملك.
أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي، أخبرنا أحمد بن نصر الذارع، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد قَالَ: حَدَّثَنَا العباس بن الفضل عن أبيه قَالَ: غضب موسى الهادي على رجل فتكلم فيه فرضي عنه، فذهب يعتذر فقال له موسى: إن الرضى قد كفاك مؤنة الاعتذار.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن علي البزاز، أخبرنا أبو سعيد الحسن ابن عبد الله السيرافي، حدّثنا محمّد بن أبي الأزهر النّحويّ، حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي عمي مصعب بن عبد الله عن جدي عبد الله بن مصعب قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على أمير المؤمنين الهادي فأنشده مديحا له حتى إذا بلغ قوله:
تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي: أيما أحب إليك ثلاثون ألفا معجلة، أو مائة ألف تدور في الدواوين؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين أنت تحسن ما هو أحسن من هذا، ولكنك أنسيته أفتأذن لي أن أذكرك؟ قَالَ: نعم! قَالَ: تعجل الثلاثون الألف وتدور المائة الألف. قَالَ بل يعجلان لك جميعا، فحمل ذلك إليه.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن موسى بن الصّلت- إجازة- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الجوهري، حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَتَاهِيَةِ أنه أنشد موسى الخليفة قوله:
أفنيت عمرك إدبارا وإقبالا ... تبغي البنين وتبغي الأهل والمالا
فأمر لي بعشرة آلاف درهم من قبل المعلى، فأتيته أتنجز ما أمر لي به. فقال لي امدحه بقصيدة وخذها، فقلت له قد أنسيت المدح وذهب عني، فأيأسني، فلقيت أبا الوليد فقلت:
أبلغ- سلمت أبا الوليد- سلامي ... عني أمير المؤمنين إمامي
فإذا فرغت من السلام فقل له ... قد كان ما قد كان من إفحامي
ولئن منعت فليس ذاك بمبطل ... ما قد مضى من حرمتي وذمامي
فلربما قصدت إليك مودتي ... ونصيحتي بلباب كل كلام
أيام لي سن ورونق جدة ... والشيء قد يبلى على الأيام
فأنشدها أمير المؤمنين، فأمر المعلى أن لا يبرح من موضعه حتى يصير إلي المال، فحمل إلي من منزله.
أخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: حكي عن إبراهيم بن إسحاق الموصلي قَالَ: كنا يوما عند موسى الهادي وعنده ابن جامع ومعاذ بن الطيب. فكان أول من دخل عليه معاذ وكان حاذقا بالغناء عارفا بقديمه. فقال: من أطربني منكم اليوم فله حكمه، فغناه ابن جامع غناء فلم يحركه، وعرفت غرضه في الأغاني، فقال: هات يا إبراهيم فغنيته:
سليمى أزمعت بينا ... فأين لقاؤها أينا؟
فطرب حتى قام من مجلسه ورفع صوته وَقَالَ: أعد بالله، فأعدت، فقال: هذا غرضي، فاحتكم. فقلت: يا أمير المؤمنين حائط عبد الملك بن مروان وعينه الخرارة
بالمدينة قال: فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قال: يا ابن اللخناء أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني، وأني حكمتك فأقطعتك، والله لولا بادرة جهلك التي غلبت علي صحيح عقلك لضربت الذي فيه عيناك، ثم أطرق. قَالَ إبراهيم، فرأيت ملك الموت بيني وبينه ينتظر أمره، ثم دعا حاجبه فقال: خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال فليأخذ منه ما شاء. فقال لي الحاجب: كم تأخذ؟ قلت:
مائة بدرة، قَالَ: دعني أؤامره، فقلت: خذ أنت ثلاثين وأعطني سبعين، فرضي بذلك.
قَالَ: فانصرفت بسبعمائة ألف درهم، وانصرف ملك الموت عن وجهي.
بويع له بالخلافة بعد أبيه، وكان بجرجان وقت موت المهدي. وتولى له البيعة ببغداد أخوه هارون الرشيد، وكان مولد الهادي بالري.
فأخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: كان الهادي يكنى أبا محمد، وأمه الخيزران، ومات المهديّ بماسبذان معه الرشيد، وكان موسى الهادي بجرجان. فقدم الرشيد مدينة السلام فأخذ البيعة للهادي، ثم قدم الهادي مدينة السلام فأقام بها إلى أن توفي يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة. وقد بلغ من السن ثلاثا وعشرين سنة، وكان كثير الولد، وكانت خلافته سنة وشهرا وبعض آخر. ولم يتول الخلافة قبل الهادي بسنه أحد.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، أخبرنا عمر بن حفص السدوسي، حَدَّثَنَا محمد بن يزيد قَالَ: واستخلف موسى بن المهدي سنة تسع وستين ومائة وهو الهادي، وتوفي سنة سبعين ومائة لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول يوم الجمعة، فكانت خلافته سنة وشهرا، واثنين وعشرين يوما، وتوفي وله أربع وعشرون سنة، وأمه أم ولد يُقالُ لَهَا الخيزران.
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن عمر الواعظ، حدثني أبي، حدّثنا إسماعيل بن علي، أَخْبَرَنِي البربري عن ابن أبي السري قَالَ: استخلف أبو محمد موسى الهادي، أتته الخلافة وهو بجرجان لأربع مضين من صفر سنة تسع وستين ومائة، فكانت خلافته سنة وشهرين وأحد عشر يوما. وتوفي ليلة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وهو ابن أربع وعشرين سنة. قَالَ: ويقال ستة وعشرين سنة، وصلى عليه أخوه هارون الرشيد، وتوفي بعيساباذ، بقصره الذي بناه وسماه القصر الأبيض، وبه قبره.
قَالَ ابن أبي السري، وَقَالَ الهيثم بن عدي: توفي ببغداد وبها قبره بالجانب الشرقي في مجلس يقال له دار البستان، يعرف ببستان موسى أطبق. قَالَ ابن أبي السري:
وكان موسى طويلا جسيما أبيض بشفته العليا تقلص.
حدثني الأزهري، حدّثنا سهل بن أحمد الديباجي، حدّثنا الصولي، حدّثنا ابن الغلابي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عُكَاشَةَ الْمُزَنِيُّ قَالَ: قَدِمْنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْهَادِي- شُهُودًا عَلَى رَجُلٍ مِنَّا- شَتَمَ قُرَيْشًا، وَتَخَطَّى إِلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ لَنَا مَجْلِسًا أَحْضَرَ فِيهِ فُقَهَاءَ زَمَانِهِ وَمَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ عَلَى بَابِهِ، وَأُحْضِرَ الرَّجُلُ وَأُحْضِرْنَا، فَشَهِدْنَا عَلَيْهِ بِمَا سَمِعْنَا مِنْهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الْهَادِي ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ وَرَفَعَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي الْمَهْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ الْمَنْصُورِ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أراد هو ان قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللَّهُ. وَأَنْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَمْ تَرْضَ بِأَنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى تَخَطَّيْتَ إِلَى ذِكْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَمَا بَرِحْنَا حتى قتل.
أخبرني الحسين بن علي الصيمري، حدّثنا الحسين بن هرون الضّبّيّ، أخبرنا محمّد ابن عمر بن الجعابي، حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد الله أبو العباس الثّقفيّ، حدثني عيسى بن محمّد الكاتب، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: قَالَ لي أمير المؤمنين الهادي: يا أبا جعفر أخبرنا أبي عن جدي أن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عباس قَالَ: ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني، والعفو عن الزلات القريبة، ليقل الطمع في الملك.
أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي، أخبرنا أحمد بن نصر الذارع، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد قَالَ: حَدَّثَنَا العباس بن الفضل عن أبيه قَالَ: غضب موسى الهادي على رجل فتكلم فيه فرضي عنه، فذهب يعتذر فقال له موسى: إن الرضى قد كفاك مؤنة الاعتذار.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن علي البزاز، أخبرنا أبو سعيد الحسن ابن عبد الله السيرافي، حدّثنا محمّد بن أبي الأزهر النّحويّ، حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي عمي مصعب بن عبد الله عن جدي عبد الله بن مصعب قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على أمير المؤمنين الهادي فأنشده مديحا له حتى إذا بلغ قوله:
تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي: أيما أحب إليك ثلاثون ألفا معجلة، أو مائة ألف تدور في الدواوين؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين أنت تحسن ما هو أحسن من هذا، ولكنك أنسيته أفتأذن لي أن أذكرك؟ قَالَ: نعم! قَالَ: تعجل الثلاثون الألف وتدور المائة الألف. قَالَ بل يعجلان لك جميعا، فحمل ذلك إليه.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن موسى بن الصّلت- إجازة- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الجوهري، حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَتَاهِيَةِ أنه أنشد موسى الخليفة قوله:
أفنيت عمرك إدبارا وإقبالا ... تبغي البنين وتبغي الأهل والمالا
فأمر لي بعشرة آلاف درهم من قبل المعلى، فأتيته أتنجز ما أمر لي به. فقال لي امدحه بقصيدة وخذها، فقلت له قد أنسيت المدح وذهب عني، فأيأسني، فلقيت أبا الوليد فقلت:
أبلغ- سلمت أبا الوليد- سلامي ... عني أمير المؤمنين إمامي
فإذا فرغت من السلام فقل له ... قد كان ما قد كان من إفحامي
ولئن منعت فليس ذاك بمبطل ... ما قد مضى من حرمتي وذمامي
فلربما قصدت إليك مودتي ... ونصيحتي بلباب كل كلام
أيام لي سن ورونق جدة ... والشيء قد يبلى على الأيام
فأنشدها أمير المؤمنين، فأمر المعلى أن لا يبرح من موضعه حتى يصير إلي المال، فحمل إلي من منزله.
أخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: حكي عن إبراهيم بن إسحاق الموصلي قَالَ: كنا يوما عند موسى الهادي وعنده ابن جامع ومعاذ بن الطيب. فكان أول من دخل عليه معاذ وكان حاذقا بالغناء عارفا بقديمه. فقال: من أطربني منكم اليوم فله حكمه، فغناه ابن جامع غناء فلم يحركه، وعرفت غرضه في الأغاني، فقال: هات يا إبراهيم فغنيته:
سليمى أزمعت بينا ... فأين لقاؤها أينا؟
فطرب حتى قام من مجلسه ورفع صوته وَقَالَ: أعد بالله، فأعدت، فقال: هذا غرضي، فاحتكم. فقلت: يا أمير المؤمنين حائط عبد الملك بن مروان وعينه الخرارة
بالمدينة قال: فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قال: يا ابن اللخناء أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني، وأني حكمتك فأقطعتك، والله لولا بادرة جهلك التي غلبت علي صحيح عقلك لضربت الذي فيه عيناك، ثم أطرق. قَالَ إبراهيم، فرأيت ملك الموت بيني وبينه ينتظر أمره، ثم دعا حاجبه فقال: خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال فليأخذ منه ما شاء. فقال لي الحاجب: كم تأخذ؟ قلت:
مائة بدرة، قَالَ: دعني أؤامره، فقلت: خذ أنت ثلاثين وأعطني سبعين، فرضي بذلك.
قَالَ: فانصرفت بسبعمائة ألف درهم، وانصرف ملك الموت عن وجهي.