إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى، أَبُو اليسر الأنصاري، المعروف بابن الجوزي :
من أهل الموصل قدم بغداد حاجا، وحدث بِهَا عن بشران بن عبد الملك ومحمّد ابن حمدان الموصليين، ومحمد بن أحمد بن محمد بن المقدمي. حَدَّثَنَا عنه أَبُو الْحَسَن بْن رزقويه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَد بن رزق، حدّثنا أبو اليسر إبراهيم بن محمّد بن موسى
الجوزي الموصليّ- قدم حاجّا- حدّثنا القاضي المقدمي، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، حَدَّثَنَا قريش بْن أنس عَن حبيب بْن الشهيد. قَالَ: كنت جالسا عند إياس بْن معاوية، وأتاه رَجُل فسأله عَن مسألة، فطول عَلَيْهِ، فأقبل عَلَيْهِ إياس فَقَالَ: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن فإنه معلمي ومعلم أَبِي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بْن يعلى- قَالَ: وكَانَ عَلى قضاء البصرة يومئذ- وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل- وتدري ما يقول لَكَ؟ حط عنه شيئا، ويقول لصاحبك زده شيئا، حتى يصلح بينكما- وإن كنت تريد الشغب فعليك بصَالِح السدوسي- وتدري ما يقول لَكَ؟ يقول لَكَ: اجحد ما عليك، وادع ما ليس لَكَ، وادع بينة غيباء.
حَدَّثَنِي أَبُو الحسين عَبْد الصمد بْن مُحَمَّد بْن الفضل القابوسي، عَن أَبِي الفتح سُلَيْمَان بْن الفتح بْن أَحْمَد السراج الموصلي. قَالَ: كَانَ أَبُو اليسر إِبْرَاهِيم بْن أحمد ابن مُحَمَّد بْن مُوسَى الأنصاري فقيها شاعرا، عروضيا، وعدل، وكَانَ فِي العدالة له حظ مقبول القول، فأما شعره فجيد حسن.
فمنه: ما أنشدني- وكتبته من لفظه- قَالَ: كتب إِلَى أَبُو منصور طاهر- وكَانَ نازلا عندي فِي المحلة فانتقل- بهذه الأبيات وسألني الجواب عنها:
يا أخي يا عديل روحي ونفسي ... وصفيّ من بين أهلي وجنسي
وحشتي بالبعاد منك على حس ... ب سروري بالقرب منك وأنسي
فابق لي سالما عَلَى كل حال ... ما دجا الليل أو بدا ضوء شمس
فأجبته:
أَنَا أفديك من رئيس جليل ... وقليل له الفداء بنفسي
كنت فِي القرب منه فِي كل وقت ... فِي سرور مجدد لي وأنس
ونعيم مجدد وحبور ... كل يوم لديه أضحى وأمسي
فكأن الأيام أيّام عيد ... وافقت لاجتماعنا يوم عرس
وكأن الظلام زاد ضحاء ... حين ألقاه فِيهِ أو ضوء شمس
فنأى واغتديت بعد تنائ ... يه كأني فِي ضيق لحد وحبس
وتبدلت بعد طائر سعد ... لفراقي له بطائر نحس
بي إليه عَلَى اقتراب مزار ... ظمأ فوق ما بوارد خمس
يا رئيسا آباؤه السّادة الصّ ... يد نمته من خير أصل وغرس
وَالأديب الَّذِي أبرّ على ك ... لّ أديب فِي كل معنى وجنس
قد أتتني أبياتك الغرر الزّه ... ر اللواتي تُحْيَى بِهَا كل نفس
وأزالت عني همومي بفقدي ... ك وأحيت موسدا تحت رمس
وتسليت عَن بعادك لا عن ... ك بدر أودعته بطن طرس
من قريض حكى الّلآلي في ج ... يد فتون لكل جن وأنس
فاسلم الدهر وابق لي أبدا أن ... ت معافى فأَنْتَ سهمي وترسي
قَالَ أَبُو اليسر: وكان مُحَمَّد بْن الأصبغ صديقنا من أهل الأدب، ويعجبه أن يكاتب إخوانه ويكاتبونه بكلام يخرج منه إِلَى شعر، ومن الشعر إِلَى كلام بلا انفصال، فاعتل فِي بعض الأيام وشرب دواء، فكتبت إليه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. كيف كنت يا سيدي أطال اللَّه بقاءك، من شربك للدواء جعل اللَّه فِيك شفاءك:
فإني لما أظهرته من تألم ... أشد لما تشكوه منك تألما
أرى بي من الأوصاب ما بك بل أرى ال ... ذي بي لعمري منك أدهى وأعظما
فلا زلت طول الدهر فِي كل نعمة ... معافى عَلَى رغم الحسود مسلما
وأعقبك اللَّه السلامة إثر ما ... شربت فأعطاك الشفاء متمما
ودمت عَلَى مر الليالي مبلغا ... أمانيك محبوا بذاك مكرما
فلو وقي أحد من صرف دهر، وعوفي من ألم وشر، لكرم طباعه، وطيب نجاره، وشرف فعاله، وخيرية جملته، وكمال حريته، لكنت الموقي من ذلك. لكن اللَّه أحسن اختيارا منك لنفسك، فأثاب اللَّه عَلَى ما أعل، وضاعف عَلَيْهِ الأجر وَالحمد، وَهُوَ يقيني فِيك، ويحرسك ويكفِيك، ويصرف عنك الأسواء ويمنحك النعماء، فما حق نفسك أن تعرم ولا جسمك أن يألم، لولا ما أراد اللَّه فِي ذلك من خير لَكَ، ثم أقول:
ولو أنصفتك الحادثات لزايلت ... رباعك واحتلت رباع الألائم
وأصبحت الآلام لا تهتدي إِلَى ... ذراك ولا تنحو سبيل الأكارم
وما كنت إلّا سائر الدّهر سالما ... موقّى عَلَى رغم العدا وَالمراغم
وقد كَانَ ينبغي لَكَ جعلني اللَّه فداك مع علمك بتعلق قلبي بك، وتطلعي إِلَى علم خبرك، أن تكون قد مننت بتعريفِي من ذلك ما أسكن إليه وأكثر حمد اللَّه عَلَيْهِ وَالسلام.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد الحسين بْن عُثْمَان الشيرازي قَالَ: قَالَ لنا أَبُو عَبْد اللَّهِ يَحْيَى بْن حمزة بْن الحسين بْن فارس الموصلي: مات أَبُو اليسر إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد الجوزي الأنصاريّ في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
من أهل الموصل قدم بغداد حاجا، وحدث بِهَا عن بشران بن عبد الملك ومحمّد ابن حمدان الموصليين، ومحمد بن أحمد بن محمد بن المقدمي. حَدَّثَنَا عنه أَبُو الْحَسَن بْن رزقويه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَد بن رزق، حدّثنا أبو اليسر إبراهيم بن محمّد بن موسى
الجوزي الموصليّ- قدم حاجّا- حدّثنا القاضي المقدمي، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، حَدَّثَنَا قريش بْن أنس عَن حبيب بْن الشهيد. قَالَ: كنت جالسا عند إياس بْن معاوية، وأتاه رَجُل فسأله عَن مسألة، فطول عَلَيْهِ، فأقبل عَلَيْهِ إياس فَقَالَ: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن فإنه معلمي ومعلم أَبِي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بْن يعلى- قَالَ: وكَانَ عَلى قضاء البصرة يومئذ- وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل- وتدري ما يقول لَكَ؟ حط عنه شيئا، ويقول لصاحبك زده شيئا، حتى يصلح بينكما- وإن كنت تريد الشغب فعليك بصَالِح السدوسي- وتدري ما يقول لَكَ؟ يقول لَكَ: اجحد ما عليك، وادع ما ليس لَكَ، وادع بينة غيباء.
حَدَّثَنِي أَبُو الحسين عَبْد الصمد بْن مُحَمَّد بْن الفضل القابوسي، عَن أَبِي الفتح سُلَيْمَان بْن الفتح بْن أَحْمَد السراج الموصلي. قَالَ: كَانَ أَبُو اليسر إِبْرَاهِيم بْن أحمد ابن مُحَمَّد بْن مُوسَى الأنصاري فقيها شاعرا، عروضيا، وعدل، وكَانَ فِي العدالة له حظ مقبول القول، فأما شعره فجيد حسن.
فمنه: ما أنشدني- وكتبته من لفظه- قَالَ: كتب إِلَى أَبُو منصور طاهر- وكَانَ نازلا عندي فِي المحلة فانتقل- بهذه الأبيات وسألني الجواب عنها:
يا أخي يا عديل روحي ونفسي ... وصفيّ من بين أهلي وجنسي
وحشتي بالبعاد منك على حس ... ب سروري بالقرب منك وأنسي
فابق لي سالما عَلَى كل حال ... ما دجا الليل أو بدا ضوء شمس
فأجبته:
أَنَا أفديك من رئيس جليل ... وقليل له الفداء بنفسي
كنت فِي القرب منه فِي كل وقت ... فِي سرور مجدد لي وأنس
ونعيم مجدد وحبور ... كل يوم لديه أضحى وأمسي
فكأن الأيام أيّام عيد ... وافقت لاجتماعنا يوم عرس
وكأن الظلام زاد ضحاء ... حين ألقاه فِيهِ أو ضوء شمس
فنأى واغتديت بعد تنائ ... يه كأني فِي ضيق لحد وحبس
وتبدلت بعد طائر سعد ... لفراقي له بطائر نحس
بي إليه عَلَى اقتراب مزار ... ظمأ فوق ما بوارد خمس
يا رئيسا آباؤه السّادة الصّ ... يد نمته من خير أصل وغرس
وَالأديب الَّذِي أبرّ على ك ... لّ أديب فِي كل معنى وجنس
قد أتتني أبياتك الغرر الزّه ... ر اللواتي تُحْيَى بِهَا كل نفس
وأزالت عني همومي بفقدي ... ك وأحيت موسدا تحت رمس
وتسليت عَن بعادك لا عن ... ك بدر أودعته بطن طرس
من قريض حكى الّلآلي في ج ... يد فتون لكل جن وأنس
فاسلم الدهر وابق لي أبدا أن ... ت معافى فأَنْتَ سهمي وترسي
قَالَ أَبُو اليسر: وكان مُحَمَّد بْن الأصبغ صديقنا من أهل الأدب، ويعجبه أن يكاتب إخوانه ويكاتبونه بكلام يخرج منه إِلَى شعر، ومن الشعر إِلَى كلام بلا انفصال، فاعتل فِي بعض الأيام وشرب دواء، فكتبت إليه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. كيف كنت يا سيدي أطال اللَّه بقاءك، من شربك للدواء جعل اللَّه فِيك شفاءك:
فإني لما أظهرته من تألم ... أشد لما تشكوه منك تألما
أرى بي من الأوصاب ما بك بل أرى ال ... ذي بي لعمري منك أدهى وأعظما
فلا زلت طول الدهر فِي كل نعمة ... معافى عَلَى رغم الحسود مسلما
وأعقبك اللَّه السلامة إثر ما ... شربت فأعطاك الشفاء متمما
ودمت عَلَى مر الليالي مبلغا ... أمانيك محبوا بذاك مكرما
فلو وقي أحد من صرف دهر، وعوفي من ألم وشر، لكرم طباعه، وطيب نجاره، وشرف فعاله، وخيرية جملته، وكمال حريته، لكنت الموقي من ذلك. لكن اللَّه أحسن اختيارا منك لنفسك، فأثاب اللَّه عَلَى ما أعل، وضاعف عَلَيْهِ الأجر وَالحمد، وَهُوَ يقيني فِيك، ويحرسك ويكفِيك، ويصرف عنك الأسواء ويمنحك النعماء، فما حق نفسك أن تعرم ولا جسمك أن يألم، لولا ما أراد اللَّه فِي ذلك من خير لَكَ، ثم أقول:
ولو أنصفتك الحادثات لزايلت ... رباعك واحتلت رباع الألائم
وأصبحت الآلام لا تهتدي إِلَى ... ذراك ولا تنحو سبيل الأكارم
وما كنت إلّا سائر الدّهر سالما ... موقّى عَلَى رغم العدا وَالمراغم
وقد كَانَ ينبغي لَكَ جعلني اللَّه فداك مع علمك بتعلق قلبي بك، وتطلعي إِلَى علم خبرك، أن تكون قد مننت بتعريفِي من ذلك ما أسكن إليه وأكثر حمد اللَّه عَلَيْهِ وَالسلام.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد الحسين بْن عُثْمَان الشيرازي قَالَ: قَالَ لنا أَبُو عَبْد اللَّهِ يَحْيَى بْن حمزة بْن الحسين بْن فارس الموصلي: مات أَبُو اليسر إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد الجوزي الأنصاريّ في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.