مُحَمَّد بن عبد الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جريج مولى قُرَيْش عداده فِي أهل الْحجاز يروي عَن أَبِيه روى عَنهُ روح بن عبَادَة
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، أبو عبد الله الجعفي البخاري:
الإمام في علم الحديث، «صاحب الجامع الصحيح» و «التاريخ» . رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز والشام ومصر.
وسمع مكي بن إبراهيم البلخي، وعبدان بن عثمان المروزي، وَعبيد اللَّه بْن مُوسَى العبسي، وَأبا عاصم الشيباني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وأبا غسان النهدي، وسليمان بن حرب الواشجي، وأبا سلمة التبوذكي، وعفان بن مسلم، وعارم بن الفضل، وأبا الوليد الطيالسي، وأبا معمر المنقري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبا بكر الحميدي، وسعيد بن أبي مريم المصري، ويحيى بن بكير المخزومي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وأبا اليمان الحمصي، وإسماعيل بن أبي أويس المديني، وعبد القدوس بن الحجاج، وحجاج بن المنهال، ومحمد بن كثير العبدي، وخالد بن مخلد القطواني، وعليّ بن المديني، وأَحْمَد بن حنبل، ويَحْيَى بن معين، وخلقا سواهم يتسع ذكرهم. وورد بغداد دفعات وَحدث بها فروى عنه من أهلها إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي، وعبد اللَّه بْن محمد بن ناحية، وقاسم بْن زكريا المطرز، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد الباغندي، ويحيى بْن مُحَمَّد بن صاعد ومحمد بن هارون الحضرمي، وأخر من حدث عنه بها الحسين بن إسماعيل المحاملي.
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن مهدي قال نبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحامليّ إملاء قال نبأنا محمّد بن إسماعيل البخاريّ
قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ جَاءَهُ رَجَلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشفعوا فلتؤجروا وليقضي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ» .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قراءة عليه قال أنبأنا أَبُو أَحْمَد عَبْد اللَّه بْن عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ محمد بن أحمد بن سعدان البخاري يقول: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبة البخاريّ، وبردزبة مجوسي سات عليها ، والمغيرة بن بردزبة أسلم على يدي يمان البخاري والى بخارى، ويمان هذا هو أبو جد عبد الله بن محمّد المسند الجعفي ، وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي، والبخاري قيل له جعفي لأن أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي، ويمان جعفي فنسب إليه لأنه مولاه من فوق. وعبد الله قيل له مسندي لأنه كان يطلب المسند من حداثته .
وَأَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قال أنبأنا عَبْد اللَّه بْن عدي قَالَ سمعت الحسن بن الحسين البزاز ببخارى، يقول: رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، شيخا نحيف الجسم ليس بالطويل ولا القصير. ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر يوم السبت لغرة شوال من سنة ست وخمسين ومائتين، عاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما .
أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا أَبُو سَعِيد أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رميح النسوي قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بن بسطام المروزي يقول سمعت أحمد بن سيّار
يقول: ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله، طلب العلم وجالس الناس، ورحل في الحديث ومهر فيه وأبصر، وكان حسن المعرفة، حسن الحفظ، وكان يتفقه .
حَدَّثَنِي أَبُو النجيب عَبْد الغفار بْن عَبْد الواحد الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي أحمد بن عليّ الفارسيّ قال أنبأنا أحمد بن عبد الله بن محمد قَالَ سمعت جدي محمد بن يوسف بن مطر الفربري يقول حَدَّثَنَا أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق النحوي. قَالَ: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قَالَ: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب. قَالَ: وكم أتي عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت اختلف إلى الداخلي وغيره، وَقَالَ يوما: فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلت له يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني. فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت هو الزبير بن عدي بن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأحكم كتابه فقال صدقت. فقال له بعض أصحابه ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها، وتخلفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت «كتاب التاريخ» إذ ذاك عند قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي المقمرة.
وَقَالَ: قل اسم في «التاريخ» إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب .
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قال أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن الجرجاني في كتابه إلى. وَحَدَّثَنِي عنه أبو عمر البختري قال نا خلف بن محمّد بن إسماعيل قال نا محمّد بن يوسف قال نا محمد بن أبي حاتم وراق البخاري. قَالَ: سمعت البخاري يقول: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب «التاريخ» ولا عرفوه. ثم قَالَ: صنفته ثلاث مرات .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمّد بن إدريس الورّاق قال نبأنا محمّد بن حم البخاريّ قال أنبأنا محمّد بن يوسف قال: نبأنا ابن أبي حاتم الوراق قَالَ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أخذ إسحاق بن راهويه كتاب «التاريخ» الذي صنفت فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال أيها الأمير ألا أريك سحرا؟ قَالَ فنظر فيه عبد الله بن طاهر فتعجب منه، وَقَالَ: لست أفهم تصنيفه .
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح قَالَ سمعت محمد بن حميد اللخمي يقول سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا الْحَسَن مُحَمَّد بْن صالح الهاشمي يقول سمعت أبا العباس بن سعيد يقول: لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن كتاب «التاريخ» تصنيف محمد بن إسماعيل البخاري .
قرأت على الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب- أخي أبي محمد الخلال- عَن أَبِي سعد عَبْد الرحمن بْن محمد الإدريسي الحافظ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْن سعيد الحافظ أبو عبد الله السرخسي بسمرقند قَالَ حدّثني الحسن بن الحسين البخاريّ قال نبأنا عامر بن المنتجع قَالَ سمعت أبا بكر المديني يقول: كنا يوما بنيسابور عند إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل حاضر في المجلس، فمر إسحاق بحديث من أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان دون صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عطاء الكيخاراني فَقَالَ له إسحاق: يا أبا عَبْد اللَّهِ أيش كيخاران؟ قَالَ: قرية باليمن كان معاوية بن أبي سفيان بعث هذا الرجل مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اليمن فسمع منه عطاء حديثين. فَقَالَ له إسحاق: يا أبا عَبْد اللَّهِ كأنك قد شهدت القوم .
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ سَمِعْتُ خلف بن محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يَقُولُ سَمِعت أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إسماعيل يقول: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي صلّى الله عليه وسلّم فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب- يعني كتاب «الجامع » .
كتب إلي علي بن أبي حامد الأصبهاني يذكر أن أبا أحمد محمد بن محمد بن مكي الجرجاني حدثهم قَالَ: سمعت السعداني يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول:
قَالَ محمد بن إسماعيل: أخرجت هذا الكتاب- يعني «الصحيح» - من زهاء ستمائة ألف حديث .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قَالَ أنبأنا عَبْد اللَّه بْن عدي قَالَ سمعت الحسن بْن الحسين البخاري يَقُولُ سمعت إِبْرَاهِيم بْن معقل يَقُولُ سمعت مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول .
حَدَّثَنِي محمد بن عليّ الصوري قال نبأنا عبد الغني بن سعيد الحافظ قال أنبأنا أبو الفضل جعفر بن الفضل قال أنبأنا محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون قَالَ سئل أبو عبد الرحمن- يعني النسائي- عن العلاء وسهيل فقال: هما خير من فليح، ومع هذا فما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل البخاري .
حدّثني أبو الحسين بن عليّ بن محمّد جعفر العطار الأصبهاني بالري قَالَ سمعت أبا الهيثم الكشميهني يقول سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول قال لي محمّد ابن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب «الصحيح» حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي قَالَ أنبأنا أحمد بن الحسن الرازي قَالَ سمعت عبد الله بن عدي يقول سمعت عبد القدوس بن همام يقول سمعت عدة من المشايخ يقولون: حول محمد بن إسماعيل البخاري تراجم جامعه بين قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنبره، وكان يصلى لكل ترجمة ركعتين .
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ بنيسابور قَالَ سمعت أبا إسحاق إبراهيم بْن أَحْمَد الفقيه البلخي يقول سمعت أبا العباس أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول سمعت أبا إسحاق المستملي يروى عن محمد بن يوسف الفربريّ أنه
كان يقول: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقى أحد يروى عنه غيرى .
قرأت عَلى الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد أخي الخلال عن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الإدريسي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلت في المصنف؟ قال لا يخفى على جميع ما فيه .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نصرويه السّمرقنديّ قال أنبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتٍّ الإشتيحني بها قال نبأنا الفربري محمد بن يوسف قَالَ سمعت محمدا البخاري بخوارزم يقول: رأيت أبا عبد الله محمّد بن إسماعيل- يعني في المنام- خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي، فكلما رفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمه وضع أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قدمه في ذلك الموضع .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قال أنبأنا عبد الله بن عدي قَالَ سمعت محمد بن يوسف الفربري قَالَ سمعت النجم بن الفضيل- وكان من أهل الفهم- يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام خرج من قرية ماستين ومحمد بن إسماعيل خلفه فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خطا خطوة يخطو محمد [بن إسماعيل] ويضع قدمه على خطوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتبع أثره .
كتب إلى أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن الحسين الجرجانيّ من أصبهان يذكر أنه سمع أبا أَحْمَد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مكي الجرجاني يقول سمعت محمّد ابن يوسف الفربري يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقال لي: أين تريد؟ فقلت أريد:
محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: أقرئه مني السلام .
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ علي السوذرجاني بأصبهان من لفظه قال نبأنا علي بن محمد بن الحسين الفقيه قَالَ نبأنا خلف بن محمّد الخيام قال
سمعت أبا محمد المؤذن عبد الله بن محمد بن إسحاق السمسار يقول سمعت شيخي يقول ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو لكثرة دعائك. قَالَ: فأصبح وقد رد الله عليه بصره .
أَخْبَرَنِي أَبُو الوليد الحسن بْن مُحَمَّد بْن علي الدربندي قَالَ أنبأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد بن سليمان بن كامل الحافظ ببخارى قال نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قَالَ سمعت: أبا حسان مهيب بْن سليم يقول سمعت جعفر بن محمد القطان إمام الجامع بكرمينية يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كتبت عن ألف شيخ وأكثر ما عندي حديث لا أذكر إسناده .
وقال أبو عبد الله سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عمر المقرئ يقول سمعت أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن محمد بن عمر الأديب يقول سمعت أحيد بن أبي جعفر والي بخارى يقول: قَالَ محمد بن إسماعيل يوما رب: حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر. قَالَ: فقلت له يا أبا عبد اللَّه بكماله؟ قَالَ فسكت .
أخبرني أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أبو عمر وأحمد بن محمد بن عمر المقرئ وأبو نصر أحمد بن أبي حامد الباهلي قالا سمعنا أبا سعيد بكر بن منير يقول سمعت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي يقول: كنت عند أبي حفص أحمد بن حفص أسمع كتاب «الجامع» - جامع سفيان- في كتاب والدي، فمر أبو حفص على حرف ولم يكن عندي ما ذكر، فراجعته فقال كذلك، فراجعته الثانية فقال كذلك، فراجعته الثالثة فسكت سويعة، ثم قَالَ: من هذا؟ قالوا هذا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة. فقال أبو حفص: هو كما قَالَ، واحفظوا فإن هذا يوما يصير رجلا.
قَالَ أبو نصر الباهلي سمعت بكر بن منير يقول: ابن بردزبة هو بالبخاريّة:
وبالعربية الزراع.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد البلخي الأشقر قَالَ أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَافِظُ بِبُخَارَى قَالَ نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قال نبأنا أبو سعيد بكر ابن منير قال: سمعت أبا عبد الله بن إسماعيل يقول: منذ ولدت ما اشتريت من أحد بدرهم شيئا قط ولا بعت من أحد بدرهم شيئا قط. فسألوه عن شراء الحبر والكواغد فقال: كنت أمر إنسانا يشترى لي.
وَقَالَ أبو سعيد بكر بن منير: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه فلان، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم فقال لهم انصرفوا الليلة، فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم وقال إني نويت البارحة أن أدفع [إلى الذين طلبوا أمس بما طلبوا أول مرة فدفعها] إليهم بما طلبوا- يعني الذين طلبوا أول مرة- ودفع إليهم بربح خمسة آلاف درهم، وَقَالَ: لا أحب أن أنقض نيتي.
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا مُحَمَّد بْن نُعَيْم الضبي قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن خالد المطوعي قال نبأنا مسبح بن سعيد قَالَ: كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن. وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة وكون ختمة عند الإفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختم دعوة مستجابة .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قَالَ: سمعت أبا سعيد بكر بن منير يقول: كان محمد بن إسماعيل يصلى ذات يوم فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قَالَ: انظروا أيش هذا الذي آذاني في صلاتي؟ فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة عشر موضعا ولم يقطع صلاته .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي أحمد بن عليّ الفارسيّ قال نبأنا أحمد بن عبد الله بن محمد قَالَ نبأنا جدي محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم ثم قام للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه: انظر هل ترى تحت قميصى شيئا؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعا، وقد تورم من ذلك جسده، وكانت آثار الزنبور في جسده ظاهرة فقال له بعضهم: كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أبرك؟ فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ سمعت أحمد بن علي السليماني يقول سمعت علي بن محمد بن منصور يقول سمعت أبي يقول: كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض، قَالَ: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رايته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد رايته أخرجها فطرحها على الأرض.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمد بن أبي بكر البخاري الحافظ قَالَ نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ قَالَ سمعت بكر بن منير يقول:
سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إني أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا .
وَأَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر الحافظ قال نبأنا أبو إسحاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هارون الملاحمي قَالَ سمعت أبا بكر محمد بن صابر ابن كاتب يقول سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول: كنا مع محمّد بن إسماعيل بالبصرة نكتب الحديث، ففقدناه أياما فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان وقد نفد ما عنده، ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوبا وكسوناه، ثم اندفع معنا في كتابة الحديث.
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن إدريس الورّاق قال نبأنا محمّد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها، ثم يضع رأسه، وكان يصلى في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم، فقلت له: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني؟ قَالَ: أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك. ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيف كتاب «التفسير» ، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث، فقلت له: يا أبا عبد الله سمعتك تقول يوما إني ما أتيت شيئا بغير علم قط منذ عقلت، فأي علم في هذا الاستلقاء؟ فقال: أتعبنا أنفسنا في هذا اليوم، وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة ذلك، فإن غافصنا العدو كان بنا حراك .
حَدَّثَنِي أبو عبد الله مُحَمَّد بن علي الصُّورِيُّ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن عليّ ابن عِيَاضِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ الْقَاضِي بِصُورَ، وَأَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْوَرَّاقُ بِصَيْدَا. قالوا: أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ قَالَ حدّثني أحمد ابن محمد بن آدم بن عبيد أبو سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قَالَ: كنت عند محمد بن إسماعيل البخاري بمنزله ذات ليلة فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة، ثماني عشرة مرة .
حَدَّثَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ سمعت محمد بن الفضل المفسر يقول سمعت أبا إسحاق الزنجاني يقول سمعت عبد الرحمن بن رساين البخاري يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: صنفت كتابي «الصحيح» لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى .
وأخبرني أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ الحافظ قَالَ أنبأنا محمّد ابن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ سمعت حاشد بن إسماعيل يقول: كان أبو عبد الله بن إسماعيل يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، وكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب فما معناك، فيما تصنع؟ فقال لنا بعد ستة عشر يوما: إنكما قد أكثرتما على وألححتما، فأعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه، ثم قَالَ أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامى؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد. قَالَ:
وكان أهل المعرفة من أهل البصرة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه. قَالَ: وكان أبو عبد الله عند ذلك شابا لم يخرج وجهه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر الحافظ قال نبأنا خلف بن محمد قَالَ سمعت أبا العباس الفضل بن إسحاق بن الفضل البزّار يقول:
حَدَّثَنَا أحمد بن المنهال العابد قَالَ نبأنا أبو بكر الأعين قَالَ كتبنا عن محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه شعرة، فقلت: ابن كم كنت؟ قال: كنت ابن سبع عشرة سنة .
وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ محمّد قال أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ مَنْصُورَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ يقول سمعت أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّاغُونِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ مُوسَى الْمَرُّورُوذِيُّ يَقُولُ: كُنْتُ بِالْبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الْعِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طَلَبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُمْ، فَرَأَيْنَا رَجُلا شَابًّا لَمْ يَكُنْ فِي لِحْيَتِهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَيَاضِ يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ أَحْدَقُوا بِهِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمْ مَجْلِسَ الإِمْلاءِ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَقَامَ الْمُنَادِي ثَانِيًا فَنَادَى فِي جَامِعِ الْبَصْرَةِ: قَدْ قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَعْقِدَ مَجْلِسَ الإِمْلاءِ فَقَدْ أَجَابَ بِأَنْ يَجْلِسَ غَدًا فِي موضع كَذَا. قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ بِالْغَدَاةِ حَضَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ وَالْحُفَّاظُ وَالنُّظَّارُ حَتَّى اجْتَمَعَ قَرِيبٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا. فَجَلَسَ أَبُو عَبْدِ الله محمّد
ابن إِسْمَاعِيلَ للإِمْلاءِ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ أخُذَ فِي الإِمْلاءِ قَالَ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ تَسْتَفِيدُونَ الْكُلَّ.
قَالَ فبقي الناس [متعجبين] مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الإِمْلاءِ فَقَالَ نبأنا عبد الله بن عثمان بن حبلة بن أبي رواد العتكي بلديكم قال أنبأنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ » .
ثم قَالَ محمد بن إسماعيل: هذا ليس عندكم إنما عندكم عن غير منصور عن سالم. قَالَ يوسف بن موسى: وأملى عليهم مجلسا على هذا النسق، يقول في كل حديث روى شعبة هكذا، الحديث عندكم كذا، فأما من رواية فلان فليس عندكم أو كلاما ذا معناه. قَالَ يوسف بن موسى: وكان دخولي البصرة أيام محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وهلال الرأي، وأحمد بن عبدة الضبي، وحميد بن مسعدة، وغيرهم. ثم دخلت البصرة مرات بعد ذلك.
ذكر وصف البصريين البخاري ومدحهم إياه:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا محمّد بن سعيد التّاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف بن مطر قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت حاشد بن إسماعيل يقول كنت بالبصرة فسمعت قدوم محمد بن إسماعيل، فلما قدم قَالَ محمد بشار : دخل اليوم سيد الفقهاء.
وَأَخْبَرَنِي الحسن قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال أنبأنا أَبُو شُجَاعٍ الْفُضَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْخَصِيبِ التّميميّ قال نبأنا أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف قَالَ سمعت بندارا محمد بن بشار يقول: حفاظ الدنيا أربعة أبو زرعة بالري، ومسلم بن الحجّاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ ببخارى .
أخبرني أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سلمان قال نبأنا خلف بن محمّد بن إسماعيل قال نبأنا عمر بن محمد بن بجير قَالَ سمعت محمد ابن بشار العبدي بندارا يَقُول: عبد اللَّه بن عبد الرحمن السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيُّ، غلماني خرجوا من تحت كرسيّ .
وَقَالَ خلف: سمعت أبا علي الحسين بن إسماعيل الفارسيّ يقول سمعت محمّد ابن إبراهيم البوشنجي يقول سمعت بندارا محمد بن بشار، سنة ثمان وعشرين ومائتين يقول: ما قدم علينا مثل محمد بن إسماعيل .
قرأت عَلى الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد أخي الخلال عن أبي سعد الإدريسي قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن حم بن ناقب البخاريّ بسمرقند قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بْن أبي حاتِم قَالَ سمعتُ مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري يقول: لما دخلت البصرة صرت إلى مجلس محمد بن بشار، فلما خرج وقع بصره علي فقال: من أين الفتى؟ قلت: من أهل بخارى. قَالَ كيف تركت أبا عبد الله؟ فامسكت. فقال له أصحابه: رحمك الله هو أبو عبد الله، فقام فأخذ بيدي وعانقني وَقَالَ مرحبا بمن افتخر به منذ سنين .
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن يوسف بن ريحان الأمير ببخارى قَالَ حَدَّثَنِي أبي يوسف بن ريحان قَالَ سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كان عليّ بن المديني يسألني عن شيوخ خراسان، فكنت أذكر له محمد بن سلام فلا يعرفه، إلى أن قَالَ لي يوما: يا أبا عبد اللَّه كل من أثنيت عليه فهو عندنا الرضا .
أَخْبَرَنَا أبو حازم عمر بن أَحْمَد بْنُ إبراهيم العبدوي قَالَ سمعت محمد بن محمّد ابن العباس يقول سمعت جدي أحمد بن عبد الله يقول سمعت جدي محمد بن يوسف يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند عليّ بن المديني، وربما كنت أغرب عليه .
حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني لفظا قال نبأنا علي بن محمد بن الحسين الفقيه قَالَ نبأنا خلف الخيام قَالَ سمعت إسحاق بْن أَحْمَد بْن خلف يقول سمعت محمد بن إسماعيل غير مرة يقول: ما تصاغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابْن المديني، ما سمعت الحديث من في إنسان أشهى عندي أن أسمعه من في على .
وَقَالَ إسحاق حدّثني حامد بن عليّ قال ذكر لعليّ بن المديني قول محمد بن إسماعيل: ما تصاغرت نفسي عند أحد إلا عند عليّ بن المديني، فقال: ذروا قوله، هو ما رأى مثل نفسه .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلُ قَالَ نبأنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم الحازمي البخاريّ قال نبأنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن حريث قَالَ نبأنا أحمد بن سلمة قَالَ حَدَّثَنِي فتح بن نوح النّيسابوري، قال: أتيت عليّ بن المديني فرأيت محمّد ابن إسماعيل جالسا عن يمينه، وكان إذا حدث التفت إليه كأنه يهابه .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن إدريس الورّاق قال نبأنا محمّد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ذاكرني أصحاب عمرو بن علي بحديث، فقلت: لا أعرفه، فسروا بذلك، وساروا إلى عمرو ابن علي فقالوا له ذاكرنا محمد بن إسماعيل البخاريّ بحديث فلم يعرفه. فقال عمرو ابن علي: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث .
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو نصر محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف بن مطر قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: سمعت محمد بن قتيبة- قريب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل- يقول كنت عند أبي عاصم النبيل فرأيت عنده غلاما فقلت له من أين أنت؟ قَالَ: من بخارى. قلت ابن من؟ فقال: ابن إسماعيل. فقلت له: أنت قرابتي، فعانقته. فقال لي رجل في مجلس أبي عاصم: هذا الغلام يناطح الكباش .
أخبرني أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ قال نبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الخولاني قال نبأنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ القاضي قَالَ سمعت أبا معشر حمدويه بن الخطاب يَقُول: لما قدم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل من العراق قدمته الأخيرة وتلقاه من تلقاه من الناس، وازدحموا عليه وبالغوا في بره.
فقيل له في ذلك وفيما كان من كرامة الناس وبرهم له. فقال: فكيف لو رأيتم يوم دخولنا البصرة .
وصف أهل الحجاز والكوفة له:
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا محمّد بن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمّد ابْن أبي حاتم قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن إسماعيل يقول: كان إسماعيل بن أبي أويس إذا انتخبت من كتابه نسخ تلك الأحاديث لنفسه. وقال: هذه أحاديث انتخبها محمّد ابن إسماعيل من حديثي .
قَالَ محمد بن أبي حاتم وسمعت حاشد بن عبد الله يقول قَالَ لي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر المديني: محمد بن إسماعيل افقه عندنا وأبصر من ابن حنبل. فقال له رجل من جلسائه: جاوزت الحد. فقال أبو مصعب: لو أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمّد بن إسماعيل لقلت: كلاهما واحد في الفقه والحديث .
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا خلف بن محمّد قال نبأنا أبو عمرو عامر بن المنتجع قال نبأنا أحمد بن الضو قَالَ سمعت أَبَا بَكْر بْن أَبِي شيبة ومحمد بْن عبد الله بن نمير يقولان ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ قال نبأنا محمّد بن سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت محمود بن النضر أبا سهل الشافعي يقول: دخلت البصرة، والشام، والحجاز، والكوفة، ورأيت علماءها فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم.
ذكر عقد البخاري مجلس التحديث ببغداد وامتحان البغداديين له:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو نصر أحمد بن أبي حامد الباهلي قَالَ سمعت إسحاق بْن أَحْمَد بْن خلف قال سمعت أبا علي صالح ابن محمد البغدادي يقول: كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد، وكنت أستملى له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا .
وَقَالَ محمد بن أبي بكر: سمعت أبا صالح خلف بْن مُحَمَّد يَقُولُ سمعت محمّد ابن يوسف بن عاصم يقول رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاثة مستملين ببغداد، وكان اجتمع في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي قَالَ: أنبأنا أحمد بن الحسن الرازي قَالَ سمعت [أبا ] أَحْمَد بْن عدي يقول سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين.
فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث. فقال البخاري: لا أعرفه. فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقى عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول لا أعرفه. فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضى على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال لا أعرفه. فلم يزل يلقى عليه واحدا بعد آخر حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه. ثم انتدب
إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها.
فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكر محمد بن إسماعيل يقول: الكبش النطاح .
ذكر البغداديين فضله:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أَبُو الحسين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف الأزديّ قال نبأنا أبو عمرو محمد بن عمر بن الأشعث البيكندي قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حنبل يقول سمعت أبي يقول: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي .
وَأَخْبَرَنِي الحسن بن محمد قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو نصر محمّد ابن أحمد بن موسى البزاز قَالَ سمعت أبا بكر عبد الرحمن بن محمد بن علوية الأبهري يقول سمعت عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل يقول سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا أبو نصر مُحَمَّد بْن سَعِيد قَالَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن يوسف بن مطر يقول سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم يقول حَدَّثَنِي حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد قَالَ سمعت يعقوب بن إبراهيم الدورقي يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة .
أخبرني أبو الوليد قال أنبأنا محمّد قال أنبأنا أحمد بن أبي حامد الباهلي قال
سمعت أبا سعيد حاتم بن محمد بن حازم يقول سمعت موسى بن هارون الحمال ببغداد يقول: عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن ينصبوا مثل محمد بن إسماعيل آخر ما قدروا عليه .
أَخْبَرَنِي محمد بن عليّ المقري قال أنبأنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران الحافظ قال أنبأنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قَالَ سألت أبا علي صالح ابن محمد عن محمد بن إسماعيل، وأبي زرعة، وعبد الله بن عبد الرحمن، فقال: عن أي شيء تسأل؟ فهم مختلفون في أشياء. فقلت: من أعلمهم بالحديث؟ فقال: محمّد ابن إسماعيل، وأبو زرعة أحفظهم وأكثرهم حديثا. فقلت: وعبد الله بن عبد الرحمن؟ فقال ليس من هؤلاء في شيء .
أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني قَالَ قَالَ مُحَمَّد بْن العباس العصمي: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن محمود قَالَ: قَالَ أبو علي صالح بن محمد الأسدي- وذكر البخاري- فقال: ما رأيت خراسانيا افهم منه .
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الواحد المنكدري قال: نبأنا محمد بن عبد الله بن نعيم الضبي الحافظ قَالَ سمعت يحيى بن عمرو بن صالح الفقيه يقول سمعت أبا العباس محمد بن عبد الرحمن الفقيه يقول: كتب أهل بغداد إلى محمّد ابن إسماعيل:
المسلمون بخير ما بقيت لهم
... وليس بعدك خير حين تفتقد
أَخْبَرَنَا أَبُو حازم العبدوي قَالَ سمعت مُحَمَّد بن محمد بن العباس الضبي يقول سمعت أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يوسف بن مطر يقول سمعت جدي محمّد ابن يوسف يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل. فقال لي في آخر ما ودعته: يا أبا عبد الله، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قَالَ أبو عبد الله: فأنا الآن أذكر قوله.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قال أنبأنا أبو بكر الإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ الفرهياني قَالَ حضرت مجلس ابن أشكاب، فجاءه رجل ذكر اسمه من
الحفاظ فقال: ما لنا بمحمد بن إسماعيل [البخاري ] طاقة. فقام وترك المجلس.
أي: أتقول هذا وأنا بالحضرة؟
قول أهل الري فيه:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال أنبأنا خلف بن محمد قَالَ سمعت أبا بَكْر مُحَمَّد بْن حريث يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول- وسألته عن ابن لهيعة فقال: تركه أبو عبد الله. قَالَ محمد بن حريث: فذكرت ذلك لمحمد بن إسماعيل، فقال: بره لنا قديم .
وَقَالَ خلف: سمعت أبا بكر محمد بن حريث يقول سمعت الفضل بن العباس الرازي- وسألته فقلت: أيهما أحفظ أبو زرعة أم محمد بن إسماعيل؟ فقال: لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل، فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد، قَالَ: فرجعت معه مرحلة. قَالَ وجهدت الجهد على أن أجيء بحديث لا يعرفه فما أمكنني. قَالَ: وانا أغرب على أبي زرعة عدد شعره .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربنديّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب الجويباري قال نبأنا أحمد بن أحمد بن عمر المنكدري قال نبأنا إسحاق بن أحمد بن زيرك قَالَ سمعت محمد بن إدريس الرازي يقول: في سنة سبع وأربعين ومائتين يقدم عليكم رجل من أهل خراسان لم يخرج منها أحفظ منه ولا قدم العراق أعلم منه. فقدم علينا بعد ذلك محمد بن إسماعيل بأشهر. قَالَ وَقَالَ أبو حاتم الرازي في هذا المجلس: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم من أهل الحديث، ومحمد بن أسلم أورعهم، وعبد الله بن عبد الرحمن أثبتهم .
ما حفظ عن أهل خراسان وما وراء النهر من القول فيه:
أخبرنا أبو الوليد الدّربندي قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن أحمد بن سليمان قال نبأنا محمّد بن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف بن مطر قال نبأنا محمّد بن
أبي حاتم قَالَ سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول سمعت عبدان يقول: ما رأيت بعيني شابا أبصر من هذا. وأشار بيده إلى محمد بن إسماعيل .
قَالَ: وسمعت صالح بن مسمار يقول: سمعت نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة .
وَقَالَ محمد بن أبي حاتم: سمعت محمد بن إسماعيل يقول قَالَ لي محمد بن سلام: انظر في كتبي، فما وجدت فيها من خطأ فأضرب عليه، كي لا أرويه، ففعلت ذلك، وكان محمد بن سلام كتب عند الأحاديث التي احكمها محمد بن إسماعيل:
رضي الفتى، وفي الأحاديث الضعيفة: لم يرض الفتى. فقال له بعض أصحابه: من هذا الفتى؟ فقال: هو الذي ليس مثله، محمد بن إسماعيل .
وَقَالَ محمد بن أبي حاتم سمعت يحيى بن جعفر يقول: لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمّد ابن إسماعيل ذهاب العلم .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أخبرني أحمد بن عليّ الفارسيّ قال نبأنا أحمد بن عبد الله بن محمد قَالَ نبأنا جدي محمّد ابن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ سمعت سليم بن مجاهد يقول:
كنت عند محمد بن سلام البيكندي، فقال لي: لو جئت قبل لرايت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث. قَالَ: فخرجت في طلبه حتى لقيته. فقلت: أنت الذي تقول أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟ قَالَ: نعم، وأكثر منه، ولا أجيئك بحديث من الصحابة أو التابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي في ذلك أصل، أحفظ حفظا عن كتاب الله وسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر، قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر البخاري قال نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قال نبأنا أبو بكر محمّد بن يعقوب
ابن يوسف البيكندي قَالَ سمعت علي بن الحسين بن عاصم البيكندي يقول: قدم علينا محمد بن إسماعيل، فاجتمعنا عنده ولم يكن يتخلف عنه من المشايخ أحد، فتذاكرنا عنده. فقال رجل من أصحابنا- أراه حامد بن حفص-: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي. قَالَ فقال محمد بن إسماعيل: أو تعجب من هذا؟ لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف حديث من كتابه. وإنما عني به نفسه .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قراءة قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قَالَ حَدَّثَنِي محمّد ابن أحمد القومسي قَالَ سمعت محمد بن حمدويه يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن إدريس الوراق، قال نبأنا محمّد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ: سئل محمد بن إسماعيل عن خبر حديث، فقال: يا أبا فلان، تراني أدلس؟ تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا محمّد بن سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حاتم قَالَ:
سمعت أبا عمرو المستنير بن عتيق البكري قَالَ سمعت رجاء بن المرجى يقول: فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء. فقال له رجل: يا أبا محمد، كل ذلك بمرة؟ فقال: هو آية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض.
أَخْبَرَنِي الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو إسحاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هارون الملاحمي قال نبأنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ القاضي قَالَ سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول: لما قدم رجاء بن مرجى المروزي الحافظ بخارى يريد الخروج إلى الشاش نزل الرباط، وصار إليه مشايخنا، وصرت فيمن صار إليه، فسألني عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل فأخبرته بسلامته، وقلت له: لعله يجيئك الساعة، فأملى علينا، وانقضى المجلس، ولم يَجِئْ أبو عبد الله. فلما كان اليوم الثاني
لم يجئه، فلما كان اليوم الثالث قَالَ رجاء: إن أبا عبد الله لم يرنا أهلا للزيارة، فمروا بنا إليه نقضي حقه. فأبى على الخروج وكان كالمترغم عليه، فجئنا بجماعتنا إليه ودخلنا على أبي عبد الله وسأل به. فقال له رجاء: يا أبا عبد الله كنت بالأشواق إليك وأشتهي أن تذكر شيئا من الحديث، فأبى على الخروج. قَالَ: ما شئت؟ فألقى عليه رجاء شيئا من حديث أيوب، وأبو عبد الله يجيب. إلى أن سكت رجاء عن الإلقاء.
فقال لأبي عبد الله: ترى بقي شيء لم نذكره؟ فأخذ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل يلقي ويقول رجاء: من روى هذا؟ وأبو عبد الله يجيء بإسناده إلى أن ألقى قريبا من بضعة عشر حديثا أو أكثر أعدها، وتغير رجاء تغيرا شديدا، وحانت من أبي عبد الله نظرة إلى وجهه فعرف التغير فيه، فقطع الحديث، فلما خرج رجاء قَالَ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: أردت أن أبلغ به ضعف ما ألقيته إلا أني خشيت أن يدخله شيء فأمسكت.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا خلف بن محمّد قال نبأنا أبو عمرو نصر بن زكريا المروزي قَالَ: سمعت أبا رجاء قتيبة بْن سعيد يقول: شباب خراسان أربعة، محمد بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن، وزكريا بن يحيى اللؤلؤي، والحسن بن شجاع البلخي.
وَقَالَ خلف: حَدَّثَنَا إسحاق بن أحمد بن خلف قَالَ سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الترمذي يقول: كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير، فلما قام من عنده. قَالَ يا أبا عبد الله، جعلك الله زين هذه الأمة، قَالَ أبو عيسى: فاستجيب له فيه.
أَخْبَرَنَا أَبُو يعلى أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل قال أنبأنا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن شُعْبَة السنجي المروزيّ قال أنبأنا أَبُو العباس مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محبوب قال نبأنا أبو عيسى الترمذي قَالَ: ولم أر أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى الملل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن عبد الله الضبي في كتابه. وأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الواحد المروروذي قال نبأنا محمد بن عبد الله بن نعيم الضبي الحافظ قَالَ سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد المذكر يقول سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاريّ.
أخبرني أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا محمّد بن سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد يقول: رأيت عمرو بن زرارة ومحمد بن رافع عند محمّد بن إسماعيل وهما يسألانه عن علل الحديث، فلما قاما قالا لمن حضر المجلس: لا تخدعوا عن أبي عبد الله، فإنه افقه منا واعلم وأبصر.
وَقَالَ محمد بن أبي حاتم: سمعت حاشد بن إسماعيل يقول رأيت إسحاق بن راهويه جالسا على السرير ومحمد بن إسماعيل معه، فأنكر عليه محمد بن إسماعيل شيئا، فرجع إلى قول محمد، وَقَالَ إسحاق بن راهويه: يا معشر أصحاب الحديث، انظروا إلى هذا الشاب واكتبوا عنه، فإنه لو كان في زمن الحسن بن أبي الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال أنبأنا خلف بن محمد قَالَ: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر الخفاف يقول: محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وغيره بعشرين درجة.
قَالَ أبو عمرو الخفاف: ومن قَالَ في محمد بن إسماعيل شيئا فمني عليه ألف لعنة.
قَالَ: وسمعت أبا عمرو الخفاف يقول: لو دخل محمد بن إسماعيل البخاري من هذا الباب لملئت منه رعبا- يعني: إني لا أقدر أن أحدث بين يديه- وَقَالَ خلف: سمعت أبا عمرو الخفاف يقول حَدَّثَنَا محمد بن إسماعيل البخاري التقى النقي العالم الذي لم أر مثله.
أَخْبَرَنِي الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو أحمد محمّد بن عبد الله ابن يوسف الشافعي وخلف بن محمد قالا: سمعنا أبا جعفر محمد بن يوسف بن الصديق الوراق يقول سمعت عبد الله بن حماد الآملي يقول: وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل.
قرأت عَلى الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد أخي الخلال، عن أبي سعد الإدريسي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن حم بن ناقب البخاريّ بسمرقند. قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت علي بن حجر يقول: أخرجت خراسان ثلاثة،
أبا زرعة الرازي بالري، ومحمد بن إسماعيل البخاري ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا مُحَمَّد بن نعيم الضبي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بكر محمد بن خالد المطوعي ببخارى قَالَ أنبأنا مسبح بن سعيد البخاري قَالَ سمعتُ عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن السمرقندي يقول: قد رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراقين، فما رأيت فيهم أجمع من أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي بن يعقوب قال نبأنا إسحاق بن أحمد بن خلف قَالَ سمعت العباس بن سورة يقول سمعت أبا جعفر عبد الله بن محمد الجعفي المسندي يقول: محمد بن إسماعيل إمام فمن لم يجعله إماما فأتهمه.
أخبرنا أبو حازم العبدوي قال سمعت الحسن بن أحمد الزنجوي يَقُولُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَمْدُونَ الْحَافِظَ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فَجَاءَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ. قال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، الْقِصَّةَ بِطُولِهِ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ إنسان حديث حجاج بن محمّد بن جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ إِذَا قَامَ الْعَبْدُ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: فِي الدُّنْيَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ. يُعْرَفُ بِهَذَا الإِسْنَادِ في الدّنيا حديثا؟ قال له مُحَمَّدٌ لا. إِلا أَنَّهُ مَعْلُولٌ. فَقَالَ مُسْلِمٌ: لا إله إلا الله، وارتعد، وقَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ. قَالَ: اسْتُرْ مَا سَتَرَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ رَوَاهُ الْخَلْقُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَكَادَ أَنْ يَبْكِيَ مُسْلِمٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اكْتُبْ إِنْ كَانَ لا بُدَّ-، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال نبأنا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ» . فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لا يُبْغِضُكَ إِلا حَاسِدٌ، وَأشْهَدُ أَنَّ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَعْقُوب الْحَافِظُ يَقُول سمعت أبي يقول رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي محمد بن إسماعيل البخاري وهو يسأله سؤال الصبي المتعلم.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أبو الحسن عبد الله بن موسى بن الحسين البغداديّ قال نبأنا عبد المؤمن بن خلف التميمي قَالَ سمعت الحسين بن محمد المعروف بعبيد العجل يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل. ومسلم الحافظ لم يكن يبلغ محمد بن إسماعيل، ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان إلى محمد بن إسماعيل أي شيء يقول يجلسون بجنبه، فذكرت له قصة محمد بن يحيى. فقال: ماله ولمحمد بن إسماعيل كان محمّد ابن إسماعيل أمة من الأمم، وكان أعلم من محمد بن يحيى بكذا وكذا، وكان محمد بن إسماعيل دينا فاضلا يحسن كل شيء.
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ حَدَّثَنِي أحمد بن علي السليماني قَالَ حَدَّثَنِي أحمد بن محمد القاري قَالَ سمعت أبا حسان مهيب بْن سليم يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول: الحامد والذّام عندي واحد، أو قال: سواء.
ذكر قصة البخاري مع محمد بن يحيى الذهلي بنيسابور:
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّد بن حامد البزاز يقول سمعت الحسن بن محمّد بن جابر يقول سمعت محمّد ابن يحيى يقول: لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور قَالَ: اذهبوا إلى هذا الرجل العالم الصّالح فاسمعوا منه. قَالَ: فذهب الناس إليه واقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجالس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك وتكلم فيه.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قال أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي قال أنبأنا عبد الله ابن محمد بن سيار قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن خشنام وسمعته يقول: سئل محمد بن إسماعيل عن اللفظ بنيسابور فقال حَدَّثَنِي عبيد الله بن سعيد- يعني أبا قدامة- عن يحيى بن سعيد قَالَ: أعمال العباد كلها مخلوقة، فمرقوا عليه. قَالَ: فقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى يعودوا إليك؟ قَالَ: لا أفعل إلا أن يجيئوا بحجة فيما يقولون أقوى من حجتي. وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قال أنبأنا محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ قال نبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ الْمُطَّوِّعِيُّ ببخارى قال نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: أَمَّا أَفْعَالُ الْعِبَادِ فَمَخْلُوقَةٌ، فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله قال ثنا مروان بن معاوية قال ثنا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» .
قَالَ أبو عبد الله: وسمعت عبيد الله بن سعيد يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن سَعِيد يَقُولُ: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة.
قَالَ أبو عبد الله البخاريّ: حركاتهم وأصواتهم، واكتسابهم، وكتابتهم، مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب، فهو كلام الله ليس بخلق قَالَ الله تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
[العنكبوت 49] .
أخبرنا أبو حازم العبدوي قَالَ سمعت الحسن بن أحمد بن شيبان يقول سمعت أبا حامد الأعمش يقول رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد ابن مروان ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي وواكلني وعلل الحديث، ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فما أتى على هذا شهر حتى قَالَ محمد بن يحيى: إلا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته، فلا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام محمد بن إسماعيل ها هنا مدة وخرج إلى بخارى.
أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد مُحَمَّد بْن حسنويه بْن إبراهيم الأبيوردي قال أنبأنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال سمعت أبا حامد الشرقي يقول سمعت محمد بن يحيى يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث يتصرف، فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ، وعما سواه من الكلام في القرآن، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وجعل ماله فيئا بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ومن وقف وقال: لا أقول مخلوق أو غير مخلوق، فقد ضاهى الكفر، ومن زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهذا
مبتدع لا يجالس ولا يكلم، ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نا أَبُو صَالِحٍ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل قال سمعت أبا عمر وأحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول كنا يوما عند محمّد بن إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فقال محمّد ابن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه؟ فقال: ليس إلا ما أقول وأحكي لك عنه. قَالَ أبو عمرو الخفاف فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله، ها هنا أحد يحكى عنك أنك قلت هذه المقالة. فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك، من زعم من أهل نيسابور، وقومس، والري، وهمذان، وحلوان، وبغداد، والكوفة، والمدينة، ومكة، والبصرة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقل هذه إلا أني قلت:
أفعال العباد مخلوقة.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا أَبُو نصر أَحْمَد بْن سهل بْن حمدويه قال نبأنا أبو العباس الفضل بن بسام قَالَ سمعت إبراهيم بن محمد يقول: أنا توليت دفن محمد بن إسماعيل لما أن مات بخرتنك، أردت حمله إلى مدينة سمرقند أن أدفنه بها فلم يتركني صاحب لنا فدفناه بها، فلما أن فرغنا ورجعت إلى المنزل الذي كنت فيه، قَالَ لي صاحب القصر: سألته أمس فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في القرآن؟ فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق.
قَالَ فقلت له إن الناس يزعمون أنك تقول ليس في المصاحف قرآن، ولا في صدور الناس قرآن. فقال: استغفر الله أن تشهد على بشيء لم تسمعه مني. أقول كما قَالَ الله تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ
أقول في المصاحف قرآن وفي صدور الناس قرآن، فمن قَالَ غير هذا يستتاب، فإن تاب وإلا فسبيله سبيل الكفر.
ذكر خبر البخاري مع خالد بن أحمد الأمير بعد عودته إلى بخارى:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْقَرُ قال أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ المقرئ يقول سمعت أبا بكر بن منير بن جليد بن
عَسْكَرٍ يَقُولُ بَعَثَ الأَمِيرُ خَالِدَ بْنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَنِ احْمِلْ إليّ كتاب «الجامع» و «التاريخ» وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لِرَسُولِهِ: أَنَا لا أُذِلُّ الْعِلْمَ وَلا أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شيء منه حاجة فاحضر فِي مَسْجِدِي أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعْجِبْكَ هَذَا فَأَنْتَ سُلْطَانٌ فَامْنَعْنِي مِنَ الجلوس لِيَكُونَ لِي عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لأَنِّي لا أَكْتُمُ الْعِلْمَ لِقَوْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ »
قَالَ: فكان سبب الوحشة بينهما هذا .
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قال أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد اللَّه الحافظ قَالَ سمعت محمد بن العباس الضبي يقول سمعت أبا بكر بن أبي عمرو الحافظ يقول:
كان سبب مفارقة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري البلد- يعني بخارى- أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله فيقرأ «الجامع» و «التاريخ» على أولاده فامتنع أبو عبد الله عن الحضور عنده، فراسله أن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم فامتنع عن ذلك أيضا وَقَالَ: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم، فاستعان خالد بن أحمد بحريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل العلم ببخارى عليه، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: اللهم أرهم ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم وأهاليهم. فأما خالد فلم يأت عليه إلا أقل من شهر حتى ورد أمر الطاهرية بأن ينادى عليه، فنودي عليه وهو على أتان، وأشخص على أكاف، ثم صار عاقبة أمره إلى ما قد اشتهر وشاع. وأما حريث بن أبي الورقاء فإنه ابتلى بأهله، فرأى فيها ما يجل عن الوصف. وأما فلان أحد القوم- وسماه- فإنه ابتلي بأولاده، وأراه الله فيهم البلايا .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي قَالَ أنبأنا أحمد بن الحسن الرّازي قال
سمعت أبا أحمد بن عدي الحافظ الجرجاني يقول سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك- قرية من قرى سمرقند- على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم، قَالَ: فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول في دعائه: اللهم إنه قد ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. قَالَ: فما تم الشهر حتى قبضه الله تعالى إليه، وقبره بخرتنك .
أخبرنا عليّ بن أبي أحمد الأصبهانيّ في كتابه قال نبأنا محمد بن محمد بن مكي الجرجاني قَالَ سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسى قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع- ذكره- فسلمت عليه فرد السلام، فقلت ما وقوفك يا رسول الله؟ فقال: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري. فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرنا فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أبو عمر أحمد بن محمّد بن المقرئ، وأبو عبيد أحمد بن عروة بن أحمد بن إبراهيم قالا: سمعنا أبا الحسن مهيب بن سليم بن مجاهد يقول توفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ليلة السبت ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين .
الإمام في علم الحديث، «صاحب الجامع الصحيح» و «التاريخ» . رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز والشام ومصر.
وسمع مكي بن إبراهيم البلخي، وعبدان بن عثمان المروزي، وَعبيد اللَّه بْن مُوسَى العبسي، وَأبا عاصم الشيباني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وأبا غسان النهدي، وسليمان بن حرب الواشجي، وأبا سلمة التبوذكي، وعفان بن مسلم، وعارم بن الفضل، وأبا الوليد الطيالسي، وأبا معمر المنقري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبا بكر الحميدي، وسعيد بن أبي مريم المصري، ويحيى بن بكير المخزومي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وأبا اليمان الحمصي، وإسماعيل بن أبي أويس المديني، وعبد القدوس بن الحجاج، وحجاج بن المنهال، ومحمد بن كثير العبدي، وخالد بن مخلد القطواني، وعليّ بن المديني، وأَحْمَد بن حنبل، ويَحْيَى بن معين، وخلقا سواهم يتسع ذكرهم. وورد بغداد دفعات وَحدث بها فروى عنه من أهلها إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي، وعبد اللَّه بْن محمد بن ناحية، وقاسم بْن زكريا المطرز، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد الباغندي، ويحيى بْن مُحَمَّد بن صاعد ومحمد بن هارون الحضرمي، وأخر من حدث عنه بها الحسين بن إسماعيل المحاملي.
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن مهدي قال نبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحامليّ إملاء قال نبأنا محمّد بن إسماعيل البخاريّ
قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ جَاءَهُ رَجَلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشفعوا فلتؤجروا وليقضي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ» .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قراءة عليه قال أنبأنا أَبُو أَحْمَد عَبْد اللَّه بْن عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ محمد بن أحمد بن سعدان البخاري يقول: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبة البخاريّ، وبردزبة مجوسي سات عليها ، والمغيرة بن بردزبة أسلم على يدي يمان البخاري والى بخارى، ويمان هذا هو أبو جد عبد الله بن محمّد المسند الجعفي ، وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي، والبخاري قيل له جعفي لأن أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي، ويمان جعفي فنسب إليه لأنه مولاه من فوق. وعبد الله قيل له مسندي لأنه كان يطلب المسند من حداثته .
وَأَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قال أنبأنا عَبْد اللَّه بْن عدي قَالَ سمعت الحسن بن الحسين البزاز ببخارى، يقول: رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، شيخا نحيف الجسم ليس بالطويل ولا القصير. ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر يوم السبت لغرة شوال من سنة ست وخمسين ومائتين، عاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما .
أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا أَبُو سَعِيد أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رميح النسوي قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بن بسطام المروزي يقول سمعت أحمد بن سيّار
يقول: ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله، طلب العلم وجالس الناس، ورحل في الحديث ومهر فيه وأبصر، وكان حسن المعرفة، حسن الحفظ، وكان يتفقه .
حَدَّثَنِي أَبُو النجيب عَبْد الغفار بْن عَبْد الواحد الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي أحمد بن عليّ الفارسيّ قال أنبأنا أحمد بن عبد الله بن محمد قَالَ سمعت جدي محمد بن يوسف بن مطر الفربري يقول حَدَّثَنَا أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق النحوي. قَالَ: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قَالَ: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب. قَالَ: وكم أتي عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت اختلف إلى الداخلي وغيره، وَقَالَ يوما: فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلت له يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني. فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت هو الزبير بن عدي بن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأحكم كتابه فقال صدقت. فقال له بعض أصحابه ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها، وتخلفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت «كتاب التاريخ» إذ ذاك عند قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي المقمرة.
وَقَالَ: قل اسم في «التاريخ» إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب .
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قال أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن الجرجاني في كتابه إلى. وَحَدَّثَنِي عنه أبو عمر البختري قال نا خلف بن محمّد بن إسماعيل قال نا محمّد بن يوسف قال نا محمد بن أبي حاتم وراق البخاري. قَالَ: سمعت البخاري يقول: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب «التاريخ» ولا عرفوه. ثم قَالَ: صنفته ثلاث مرات .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمّد بن إدريس الورّاق قال نبأنا محمّد بن حم البخاريّ قال أنبأنا محمّد بن يوسف قال: نبأنا ابن أبي حاتم الوراق قَالَ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أخذ إسحاق بن راهويه كتاب «التاريخ» الذي صنفت فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال أيها الأمير ألا أريك سحرا؟ قَالَ فنظر فيه عبد الله بن طاهر فتعجب منه، وَقَالَ: لست أفهم تصنيفه .
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح قَالَ سمعت محمد بن حميد اللخمي يقول سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا الْحَسَن مُحَمَّد بْن صالح الهاشمي يقول سمعت أبا العباس بن سعيد يقول: لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن كتاب «التاريخ» تصنيف محمد بن إسماعيل البخاري .
قرأت على الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب- أخي أبي محمد الخلال- عَن أَبِي سعد عَبْد الرحمن بْن محمد الإدريسي الحافظ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْن سعيد الحافظ أبو عبد الله السرخسي بسمرقند قَالَ حدّثني الحسن بن الحسين البخاريّ قال نبأنا عامر بن المنتجع قَالَ سمعت أبا بكر المديني يقول: كنا يوما بنيسابور عند إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل حاضر في المجلس، فمر إسحاق بحديث من أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان دون صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عطاء الكيخاراني فَقَالَ له إسحاق: يا أبا عَبْد اللَّهِ أيش كيخاران؟ قَالَ: قرية باليمن كان معاوية بن أبي سفيان بعث هذا الرجل مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اليمن فسمع منه عطاء حديثين. فَقَالَ له إسحاق: يا أبا عَبْد اللَّهِ كأنك قد شهدت القوم .
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ سَمِعْتُ خلف بن محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يَقُولُ سَمِعت أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إسماعيل يقول: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي صلّى الله عليه وسلّم فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب- يعني كتاب «الجامع » .
كتب إلي علي بن أبي حامد الأصبهاني يذكر أن أبا أحمد محمد بن محمد بن مكي الجرجاني حدثهم قَالَ: سمعت السعداني يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول:
قَالَ محمد بن إسماعيل: أخرجت هذا الكتاب- يعني «الصحيح» - من زهاء ستمائة ألف حديث .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قَالَ أنبأنا عَبْد اللَّه بْن عدي قَالَ سمعت الحسن بْن الحسين البخاري يَقُولُ سمعت إِبْرَاهِيم بْن معقل يَقُولُ سمعت مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول .
حَدَّثَنِي محمد بن عليّ الصوري قال نبأنا عبد الغني بن سعيد الحافظ قال أنبأنا أبو الفضل جعفر بن الفضل قال أنبأنا محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون قَالَ سئل أبو عبد الرحمن- يعني النسائي- عن العلاء وسهيل فقال: هما خير من فليح، ومع هذا فما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل البخاري .
حدّثني أبو الحسين بن عليّ بن محمّد جعفر العطار الأصبهاني بالري قَالَ سمعت أبا الهيثم الكشميهني يقول سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول قال لي محمّد ابن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب «الصحيح» حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي قَالَ أنبأنا أحمد بن الحسن الرازي قَالَ سمعت عبد الله بن عدي يقول سمعت عبد القدوس بن همام يقول سمعت عدة من المشايخ يقولون: حول محمد بن إسماعيل البخاري تراجم جامعه بين قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنبره، وكان يصلى لكل ترجمة ركعتين .
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ بنيسابور قَالَ سمعت أبا إسحاق إبراهيم بْن أَحْمَد الفقيه البلخي يقول سمعت أبا العباس أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول سمعت أبا إسحاق المستملي يروى عن محمد بن يوسف الفربريّ أنه
كان يقول: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقى أحد يروى عنه غيرى .
قرأت عَلى الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد أخي الخلال عن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الإدريسي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلت في المصنف؟ قال لا يخفى على جميع ما فيه .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نصرويه السّمرقنديّ قال أنبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتٍّ الإشتيحني بها قال نبأنا الفربري محمد بن يوسف قَالَ سمعت محمدا البخاري بخوارزم يقول: رأيت أبا عبد الله محمّد بن إسماعيل- يعني في المنام- خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي، فكلما رفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمه وضع أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قدمه في ذلك الموضع .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قال أنبأنا عبد الله بن عدي قَالَ سمعت محمد بن يوسف الفربري قَالَ سمعت النجم بن الفضيل- وكان من أهل الفهم- يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام خرج من قرية ماستين ومحمد بن إسماعيل خلفه فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خطا خطوة يخطو محمد [بن إسماعيل] ويضع قدمه على خطوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتبع أثره .
كتب إلى أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن الحسين الجرجانيّ من أصبهان يذكر أنه سمع أبا أَحْمَد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مكي الجرجاني يقول سمعت محمّد ابن يوسف الفربري يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقال لي: أين تريد؟ فقلت أريد:
محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: أقرئه مني السلام .
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ علي السوذرجاني بأصبهان من لفظه قال نبأنا علي بن محمد بن الحسين الفقيه قَالَ نبأنا خلف بن محمّد الخيام قال
سمعت أبا محمد المؤذن عبد الله بن محمد بن إسحاق السمسار يقول سمعت شيخي يقول ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو لكثرة دعائك. قَالَ: فأصبح وقد رد الله عليه بصره .
أَخْبَرَنِي أَبُو الوليد الحسن بْن مُحَمَّد بْن علي الدربندي قَالَ أنبأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد بن سليمان بن كامل الحافظ ببخارى قال نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قَالَ سمعت: أبا حسان مهيب بْن سليم يقول سمعت جعفر بن محمد القطان إمام الجامع بكرمينية يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كتبت عن ألف شيخ وأكثر ما عندي حديث لا أذكر إسناده .
وقال أبو عبد الله سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عمر المقرئ يقول سمعت أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن محمد بن عمر الأديب يقول سمعت أحيد بن أبي جعفر والي بخارى يقول: قَالَ محمد بن إسماعيل يوما رب: حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر. قَالَ: فقلت له يا أبا عبد اللَّه بكماله؟ قَالَ فسكت .
أخبرني أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أبو عمر وأحمد بن محمد بن عمر المقرئ وأبو نصر أحمد بن أبي حامد الباهلي قالا سمعنا أبا سعيد بكر بن منير يقول سمعت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي يقول: كنت عند أبي حفص أحمد بن حفص أسمع كتاب «الجامع» - جامع سفيان- في كتاب والدي، فمر أبو حفص على حرف ولم يكن عندي ما ذكر، فراجعته فقال كذلك، فراجعته الثانية فقال كذلك، فراجعته الثالثة فسكت سويعة، ثم قَالَ: من هذا؟ قالوا هذا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة. فقال أبو حفص: هو كما قَالَ، واحفظوا فإن هذا يوما يصير رجلا.
قَالَ أبو نصر الباهلي سمعت بكر بن منير يقول: ابن بردزبة هو بالبخاريّة:
وبالعربية الزراع.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد البلخي الأشقر قَالَ أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَافِظُ بِبُخَارَى قَالَ نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قال نبأنا أبو سعيد بكر ابن منير قال: سمعت أبا عبد الله بن إسماعيل يقول: منذ ولدت ما اشتريت من أحد بدرهم شيئا قط ولا بعت من أحد بدرهم شيئا قط. فسألوه عن شراء الحبر والكواغد فقال: كنت أمر إنسانا يشترى لي.
وَقَالَ أبو سعيد بكر بن منير: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه فلان، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم فقال لهم انصرفوا الليلة، فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم وقال إني نويت البارحة أن أدفع [إلى الذين طلبوا أمس بما طلبوا أول مرة فدفعها] إليهم بما طلبوا- يعني الذين طلبوا أول مرة- ودفع إليهم بربح خمسة آلاف درهم، وَقَالَ: لا أحب أن أنقض نيتي.
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا مُحَمَّد بْن نُعَيْم الضبي قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن خالد المطوعي قال نبأنا مسبح بن سعيد قَالَ: كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن. وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة وكون ختمة عند الإفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختم دعوة مستجابة .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قَالَ: سمعت أبا سعيد بكر بن منير يقول: كان محمد بن إسماعيل يصلى ذات يوم فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قَالَ: انظروا أيش هذا الذي آذاني في صلاتي؟ فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة عشر موضعا ولم يقطع صلاته .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي أحمد بن عليّ الفارسيّ قال نبأنا أحمد بن عبد الله بن محمد قَالَ نبأنا جدي محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم ثم قام للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه: انظر هل ترى تحت قميصى شيئا؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعا، وقد تورم من ذلك جسده، وكانت آثار الزنبور في جسده ظاهرة فقال له بعضهم: كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أبرك؟ فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ سمعت أحمد بن علي السليماني يقول سمعت علي بن محمد بن منصور يقول سمعت أبي يقول: كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض، قَالَ: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رايته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد رايته أخرجها فطرحها على الأرض.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمد بن أبي بكر البخاري الحافظ قَالَ نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ قَالَ سمعت بكر بن منير يقول:
سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إني أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا .
وَأَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر الحافظ قال نبأنا أبو إسحاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هارون الملاحمي قَالَ سمعت أبا بكر محمد بن صابر ابن كاتب يقول سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول: كنا مع محمّد بن إسماعيل بالبصرة نكتب الحديث، ففقدناه أياما فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان وقد نفد ما عنده، ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوبا وكسوناه، ثم اندفع معنا في كتابة الحديث.
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن إدريس الورّاق قال نبأنا محمّد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها، ثم يضع رأسه، وكان يصلى في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم، فقلت له: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني؟ قَالَ: أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك. ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيف كتاب «التفسير» ، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث، فقلت له: يا أبا عبد الله سمعتك تقول يوما إني ما أتيت شيئا بغير علم قط منذ عقلت، فأي علم في هذا الاستلقاء؟ فقال: أتعبنا أنفسنا في هذا اليوم، وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة ذلك، فإن غافصنا العدو كان بنا حراك .
حَدَّثَنِي أبو عبد الله مُحَمَّد بن علي الصُّورِيُّ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن عليّ ابن عِيَاضِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ الْقَاضِي بِصُورَ، وَأَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْوَرَّاقُ بِصَيْدَا. قالوا: أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ قَالَ حدّثني أحمد ابن محمد بن آدم بن عبيد أبو سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قَالَ: كنت عند محمد بن إسماعيل البخاري بمنزله ذات ليلة فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة، ثماني عشرة مرة .
حَدَّثَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ سمعت محمد بن الفضل المفسر يقول سمعت أبا إسحاق الزنجاني يقول سمعت عبد الرحمن بن رساين البخاري يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: صنفت كتابي «الصحيح» لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى .
وأخبرني أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ الحافظ قَالَ أنبأنا محمّد ابن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ سمعت حاشد بن إسماعيل يقول: كان أبو عبد الله بن إسماعيل يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، وكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب فما معناك، فيما تصنع؟ فقال لنا بعد ستة عشر يوما: إنكما قد أكثرتما على وألححتما، فأعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه، ثم قَالَ أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامى؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد. قَالَ:
وكان أهل المعرفة من أهل البصرة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه. قَالَ: وكان أبو عبد الله عند ذلك شابا لم يخرج وجهه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر الحافظ قال نبأنا خلف بن محمد قَالَ سمعت أبا العباس الفضل بن إسحاق بن الفضل البزّار يقول:
حَدَّثَنَا أحمد بن المنهال العابد قَالَ نبأنا أبو بكر الأعين قَالَ كتبنا عن محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه شعرة، فقلت: ابن كم كنت؟ قال: كنت ابن سبع عشرة سنة .
وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ محمّد قال أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ مَنْصُورَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ يقول سمعت أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّاغُونِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ مُوسَى الْمَرُّورُوذِيُّ يَقُولُ: كُنْتُ بِالْبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الْعِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طَلَبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُمْ، فَرَأَيْنَا رَجُلا شَابًّا لَمْ يَكُنْ فِي لِحْيَتِهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَيَاضِ يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ أَحْدَقُوا بِهِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمْ مَجْلِسَ الإِمْلاءِ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَقَامَ الْمُنَادِي ثَانِيًا فَنَادَى فِي جَامِعِ الْبَصْرَةِ: قَدْ قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَعْقِدَ مَجْلِسَ الإِمْلاءِ فَقَدْ أَجَابَ بِأَنْ يَجْلِسَ غَدًا فِي موضع كَذَا. قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ بِالْغَدَاةِ حَضَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ وَالْحُفَّاظُ وَالنُّظَّارُ حَتَّى اجْتَمَعَ قَرِيبٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا. فَجَلَسَ أَبُو عَبْدِ الله محمّد
ابن إِسْمَاعِيلَ للإِمْلاءِ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ أخُذَ فِي الإِمْلاءِ قَالَ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ تَسْتَفِيدُونَ الْكُلَّ.
قَالَ فبقي الناس [متعجبين] مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الإِمْلاءِ فَقَالَ نبأنا عبد الله بن عثمان بن حبلة بن أبي رواد العتكي بلديكم قال أنبأنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ » .
ثم قَالَ محمد بن إسماعيل: هذا ليس عندكم إنما عندكم عن غير منصور عن سالم. قَالَ يوسف بن موسى: وأملى عليهم مجلسا على هذا النسق، يقول في كل حديث روى شعبة هكذا، الحديث عندكم كذا، فأما من رواية فلان فليس عندكم أو كلاما ذا معناه. قَالَ يوسف بن موسى: وكان دخولي البصرة أيام محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وهلال الرأي، وأحمد بن عبدة الضبي، وحميد بن مسعدة، وغيرهم. ثم دخلت البصرة مرات بعد ذلك.
ذكر وصف البصريين البخاري ومدحهم إياه:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا محمّد بن سعيد التّاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف بن مطر قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت حاشد بن إسماعيل يقول كنت بالبصرة فسمعت قدوم محمد بن إسماعيل، فلما قدم قَالَ محمد بشار : دخل اليوم سيد الفقهاء.
وَأَخْبَرَنِي الحسن قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال أنبأنا أَبُو شُجَاعٍ الْفُضَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْخَصِيبِ التّميميّ قال نبأنا أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف قَالَ سمعت بندارا محمد بن بشار يقول: حفاظ الدنيا أربعة أبو زرعة بالري، ومسلم بن الحجّاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ ببخارى .
أخبرني أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سلمان قال نبأنا خلف بن محمّد بن إسماعيل قال نبأنا عمر بن محمد بن بجير قَالَ سمعت محمد ابن بشار العبدي بندارا يَقُول: عبد اللَّه بن عبد الرحمن السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيُّ، غلماني خرجوا من تحت كرسيّ .
وَقَالَ خلف: سمعت أبا علي الحسين بن إسماعيل الفارسيّ يقول سمعت محمّد ابن إبراهيم البوشنجي يقول سمعت بندارا محمد بن بشار، سنة ثمان وعشرين ومائتين يقول: ما قدم علينا مثل محمد بن إسماعيل .
قرأت عَلى الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد أخي الخلال عن أبي سعد الإدريسي قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن حم بن ناقب البخاريّ بسمرقند قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بْن أبي حاتِم قَالَ سمعتُ مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري يقول: لما دخلت البصرة صرت إلى مجلس محمد بن بشار، فلما خرج وقع بصره علي فقال: من أين الفتى؟ قلت: من أهل بخارى. قَالَ كيف تركت أبا عبد الله؟ فامسكت. فقال له أصحابه: رحمك الله هو أبو عبد الله، فقام فأخذ بيدي وعانقني وَقَالَ مرحبا بمن افتخر به منذ سنين .
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن يوسف بن ريحان الأمير ببخارى قَالَ حَدَّثَنِي أبي يوسف بن ريحان قَالَ سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كان عليّ بن المديني يسألني عن شيوخ خراسان، فكنت أذكر له محمد بن سلام فلا يعرفه، إلى أن قَالَ لي يوما: يا أبا عبد اللَّه كل من أثنيت عليه فهو عندنا الرضا .
أَخْبَرَنَا أبو حازم عمر بن أَحْمَد بْنُ إبراهيم العبدوي قَالَ سمعت محمد بن محمّد ابن العباس يقول سمعت جدي أحمد بن عبد الله يقول سمعت جدي محمد بن يوسف يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند عليّ بن المديني، وربما كنت أغرب عليه .
حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني لفظا قال نبأنا علي بن محمد بن الحسين الفقيه قَالَ نبأنا خلف الخيام قَالَ سمعت إسحاق بْن أَحْمَد بْن خلف يقول سمعت محمد بن إسماعيل غير مرة يقول: ما تصاغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابْن المديني، ما سمعت الحديث من في إنسان أشهى عندي أن أسمعه من في على .
وَقَالَ إسحاق حدّثني حامد بن عليّ قال ذكر لعليّ بن المديني قول محمد بن إسماعيل: ما تصاغرت نفسي عند أحد إلا عند عليّ بن المديني، فقال: ذروا قوله، هو ما رأى مثل نفسه .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلُ قَالَ نبأنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم الحازمي البخاريّ قال نبأنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن حريث قَالَ نبأنا أحمد بن سلمة قَالَ حَدَّثَنِي فتح بن نوح النّيسابوري، قال: أتيت عليّ بن المديني فرأيت محمّد ابن إسماعيل جالسا عن يمينه، وكان إذا حدث التفت إليه كأنه يهابه .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن إدريس الورّاق قال نبأنا محمّد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ذاكرني أصحاب عمرو بن علي بحديث، فقلت: لا أعرفه، فسروا بذلك، وساروا إلى عمرو ابن علي فقالوا له ذاكرنا محمد بن إسماعيل البخاريّ بحديث فلم يعرفه. فقال عمرو ابن علي: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث .
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو نصر محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف بن مطر قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ: سمعت محمد بن قتيبة- قريب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل- يقول كنت عند أبي عاصم النبيل فرأيت عنده غلاما فقلت له من أين أنت؟ قَالَ: من بخارى. قلت ابن من؟ فقال: ابن إسماعيل. فقلت له: أنت قرابتي، فعانقته. فقال لي رجل في مجلس أبي عاصم: هذا الغلام يناطح الكباش .
أخبرني أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ قال نبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الخولاني قال نبأنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ القاضي قَالَ سمعت أبا معشر حمدويه بن الخطاب يَقُول: لما قدم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل من العراق قدمته الأخيرة وتلقاه من تلقاه من الناس، وازدحموا عليه وبالغوا في بره.
فقيل له في ذلك وفيما كان من كرامة الناس وبرهم له. فقال: فكيف لو رأيتم يوم دخولنا البصرة .
وصف أهل الحجاز والكوفة له:
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا محمّد بن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمّد ابْن أبي حاتم قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن إسماعيل يقول: كان إسماعيل بن أبي أويس إذا انتخبت من كتابه نسخ تلك الأحاديث لنفسه. وقال: هذه أحاديث انتخبها محمّد ابن إسماعيل من حديثي .
قَالَ محمد بن أبي حاتم وسمعت حاشد بن عبد الله يقول قَالَ لي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر المديني: محمد بن إسماعيل افقه عندنا وأبصر من ابن حنبل. فقال له رجل من جلسائه: جاوزت الحد. فقال أبو مصعب: لو أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمّد بن إسماعيل لقلت: كلاهما واحد في الفقه والحديث .
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا خلف بن محمّد قال نبأنا أبو عمرو عامر بن المنتجع قال نبأنا أحمد بن الضو قَالَ سمعت أَبَا بَكْر بْن أَبِي شيبة ومحمد بْن عبد الله بن نمير يقولان ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ قال نبأنا محمّد بن سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت محمود بن النضر أبا سهل الشافعي يقول: دخلت البصرة، والشام، والحجاز، والكوفة، ورأيت علماءها فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم.
ذكر عقد البخاري مجلس التحديث ببغداد وامتحان البغداديين له:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو نصر أحمد بن أبي حامد الباهلي قَالَ سمعت إسحاق بْن أَحْمَد بْن خلف قال سمعت أبا علي صالح ابن محمد البغدادي يقول: كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد، وكنت أستملى له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا .
وَقَالَ محمد بن أبي بكر: سمعت أبا صالح خلف بْن مُحَمَّد يَقُولُ سمعت محمّد ابن يوسف بن عاصم يقول رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاثة مستملين ببغداد، وكان اجتمع في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي قَالَ: أنبأنا أحمد بن الحسن الرازي قَالَ سمعت [أبا ] أَحْمَد بْن عدي يقول سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين.
فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث. فقال البخاري: لا أعرفه. فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقى عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول لا أعرفه. فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضى على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال لا أعرفه. فلم يزل يلقى عليه واحدا بعد آخر حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه. ثم انتدب
إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها.
فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكر محمد بن إسماعيل يقول: الكبش النطاح .
ذكر البغداديين فضله:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أَبُو الحسين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف الأزديّ قال نبأنا أبو عمرو محمد بن عمر بن الأشعث البيكندي قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حنبل يقول سمعت أبي يقول: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي .
وَأَخْبَرَنِي الحسن بن محمد قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو نصر محمّد ابن أحمد بن موسى البزاز قَالَ سمعت أبا بكر عبد الرحمن بن محمد بن علوية الأبهري يقول سمعت عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل يقول سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا أبو نصر مُحَمَّد بْن سَعِيد قَالَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن يوسف بن مطر يقول سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم يقول حَدَّثَنِي حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد قَالَ سمعت يعقوب بن إبراهيم الدورقي يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة .
أخبرني أبو الوليد قال أنبأنا محمّد قال أنبأنا أحمد بن أبي حامد الباهلي قال
سمعت أبا سعيد حاتم بن محمد بن حازم يقول سمعت موسى بن هارون الحمال ببغداد يقول: عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن ينصبوا مثل محمد بن إسماعيل آخر ما قدروا عليه .
أَخْبَرَنِي محمد بن عليّ المقري قال أنبأنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران الحافظ قال أنبأنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قَالَ سألت أبا علي صالح ابن محمد عن محمد بن إسماعيل، وأبي زرعة، وعبد الله بن عبد الرحمن، فقال: عن أي شيء تسأل؟ فهم مختلفون في أشياء. فقلت: من أعلمهم بالحديث؟ فقال: محمّد ابن إسماعيل، وأبو زرعة أحفظهم وأكثرهم حديثا. فقلت: وعبد الله بن عبد الرحمن؟ فقال ليس من هؤلاء في شيء .
أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني قَالَ قَالَ مُحَمَّد بْن العباس العصمي: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن محمود قَالَ: قَالَ أبو علي صالح بن محمد الأسدي- وذكر البخاري- فقال: ما رأيت خراسانيا افهم منه .
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الواحد المنكدري قال: نبأنا محمد بن عبد الله بن نعيم الضبي الحافظ قَالَ سمعت يحيى بن عمرو بن صالح الفقيه يقول سمعت أبا العباس محمد بن عبد الرحمن الفقيه يقول: كتب أهل بغداد إلى محمّد ابن إسماعيل:
المسلمون بخير ما بقيت لهم
... وليس بعدك خير حين تفتقد
أَخْبَرَنَا أَبُو حازم العبدوي قَالَ سمعت مُحَمَّد بن محمد بن العباس الضبي يقول سمعت أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يوسف بن مطر يقول سمعت جدي محمّد ابن يوسف يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل. فقال لي في آخر ما ودعته: يا أبا عبد الله، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قَالَ أبو عبد الله: فأنا الآن أذكر قوله.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قال أنبأنا أبو بكر الإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ الفرهياني قَالَ حضرت مجلس ابن أشكاب، فجاءه رجل ذكر اسمه من
الحفاظ فقال: ما لنا بمحمد بن إسماعيل [البخاري ] طاقة. فقام وترك المجلس.
أي: أتقول هذا وأنا بالحضرة؟
قول أهل الري فيه:
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال أنبأنا خلف بن محمد قَالَ سمعت أبا بَكْر مُحَمَّد بْن حريث يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول- وسألته عن ابن لهيعة فقال: تركه أبو عبد الله. قَالَ محمد بن حريث: فذكرت ذلك لمحمد بن إسماعيل، فقال: بره لنا قديم .
وَقَالَ خلف: سمعت أبا بكر محمد بن حريث يقول سمعت الفضل بن العباس الرازي- وسألته فقلت: أيهما أحفظ أبو زرعة أم محمد بن إسماعيل؟ فقال: لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل، فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد، قَالَ: فرجعت معه مرحلة. قَالَ وجهدت الجهد على أن أجيء بحديث لا يعرفه فما أمكنني. قَالَ: وانا أغرب على أبي زرعة عدد شعره .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربنديّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب الجويباري قال نبأنا أحمد بن أحمد بن عمر المنكدري قال نبأنا إسحاق بن أحمد بن زيرك قَالَ سمعت محمد بن إدريس الرازي يقول: في سنة سبع وأربعين ومائتين يقدم عليكم رجل من أهل خراسان لم يخرج منها أحفظ منه ولا قدم العراق أعلم منه. فقدم علينا بعد ذلك محمد بن إسماعيل بأشهر. قَالَ وَقَالَ أبو حاتم الرازي في هذا المجلس: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم من أهل الحديث، ومحمد بن أسلم أورعهم، وعبد الله بن عبد الرحمن أثبتهم .
ما حفظ عن أهل خراسان وما وراء النهر من القول فيه:
أخبرنا أبو الوليد الدّربندي قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن أحمد بن سليمان قال نبأنا محمّد بن سعيد التاجر قال نبأنا محمّد بن يوسف بن مطر قال نبأنا محمّد بن
أبي حاتم قَالَ سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول سمعت عبدان يقول: ما رأيت بعيني شابا أبصر من هذا. وأشار بيده إلى محمد بن إسماعيل .
قَالَ: وسمعت صالح بن مسمار يقول: سمعت نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة .
وَقَالَ محمد بن أبي حاتم: سمعت محمد بن إسماعيل يقول قَالَ لي محمد بن سلام: انظر في كتبي، فما وجدت فيها من خطأ فأضرب عليه، كي لا أرويه، ففعلت ذلك، وكان محمد بن سلام كتب عند الأحاديث التي احكمها محمد بن إسماعيل:
رضي الفتى، وفي الأحاديث الضعيفة: لم يرض الفتى. فقال له بعض أصحابه: من هذا الفتى؟ فقال: هو الذي ليس مثله، محمد بن إسماعيل .
وَقَالَ محمد بن أبي حاتم سمعت يحيى بن جعفر يقول: لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمّد ابن إسماعيل ذهاب العلم .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أخبرني أحمد بن عليّ الفارسيّ قال نبأنا أحمد بن عبد الله بن محمد قَالَ نبأنا جدي محمّد ابن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم الوراق قَالَ سمعت سليم بن مجاهد يقول:
كنت عند محمد بن سلام البيكندي، فقال لي: لو جئت قبل لرايت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث. قَالَ: فخرجت في طلبه حتى لقيته. فقلت: أنت الذي تقول أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟ قَالَ: نعم، وأكثر منه، ولا أجيئك بحديث من الصحابة أو التابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي في ذلك أصل، أحفظ حفظا عن كتاب الله وسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر، قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر البخاري قال نبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ قال نبأنا أبو بكر محمّد بن يعقوب
ابن يوسف البيكندي قَالَ سمعت علي بن الحسين بن عاصم البيكندي يقول: قدم علينا محمد بن إسماعيل، فاجتمعنا عنده ولم يكن يتخلف عنه من المشايخ أحد، فتذاكرنا عنده. فقال رجل من أصحابنا- أراه حامد بن حفص-: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي. قَالَ فقال محمد بن إسماعيل: أو تعجب من هذا؟ لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف حديث من كتابه. وإنما عني به نفسه .
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني قراءة قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قَالَ حَدَّثَنِي محمّد ابن أحمد القومسي قَالَ سمعت محمد بن حمدويه يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن إدريس الوراق، قال نبأنا محمّد بن حم قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ: سئل محمد بن إسماعيل عن خبر حديث، فقال: يا أبا فلان، تراني أدلس؟ تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا محمّد بن سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حاتم قَالَ:
سمعت أبا عمرو المستنير بن عتيق البكري قَالَ سمعت رجاء بن المرجى يقول: فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء. فقال له رجل: يا أبا محمد، كل ذلك بمرة؟ فقال: هو آية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض.
أَخْبَرَنِي الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو إسحاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هارون الملاحمي قال نبأنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ القاضي قَالَ سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول: لما قدم رجاء بن مرجى المروزي الحافظ بخارى يريد الخروج إلى الشاش نزل الرباط، وصار إليه مشايخنا، وصرت فيمن صار إليه، فسألني عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل فأخبرته بسلامته، وقلت له: لعله يجيئك الساعة، فأملى علينا، وانقضى المجلس، ولم يَجِئْ أبو عبد الله. فلما كان اليوم الثاني
لم يجئه، فلما كان اليوم الثالث قَالَ رجاء: إن أبا عبد الله لم يرنا أهلا للزيارة، فمروا بنا إليه نقضي حقه. فأبى على الخروج وكان كالمترغم عليه، فجئنا بجماعتنا إليه ودخلنا على أبي عبد الله وسأل به. فقال له رجاء: يا أبا عبد الله كنت بالأشواق إليك وأشتهي أن تذكر شيئا من الحديث، فأبى على الخروج. قَالَ: ما شئت؟ فألقى عليه رجاء شيئا من حديث أيوب، وأبو عبد الله يجيب. إلى أن سكت رجاء عن الإلقاء.
فقال لأبي عبد الله: ترى بقي شيء لم نذكره؟ فأخذ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل يلقي ويقول رجاء: من روى هذا؟ وأبو عبد الله يجيء بإسناده إلى أن ألقى قريبا من بضعة عشر حديثا أو أكثر أعدها، وتغير رجاء تغيرا شديدا، وحانت من أبي عبد الله نظرة إلى وجهه فعرف التغير فيه، فقطع الحديث، فلما خرج رجاء قَالَ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: أردت أن أبلغ به ضعف ما ألقيته إلا أني خشيت أن يدخله شيء فأمسكت.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا خلف بن محمّد قال نبأنا أبو عمرو نصر بن زكريا المروزي قَالَ: سمعت أبا رجاء قتيبة بْن سعيد يقول: شباب خراسان أربعة، محمد بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن، وزكريا بن يحيى اللؤلؤي، والحسن بن شجاع البلخي.
وَقَالَ خلف: حَدَّثَنَا إسحاق بن أحمد بن خلف قَالَ سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الترمذي يقول: كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير، فلما قام من عنده. قَالَ يا أبا عبد الله، جعلك الله زين هذه الأمة، قَالَ أبو عيسى: فاستجيب له فيه.
أَخْبَرَنَا أَبُو يعلى أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل قال أنبأنا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن شُعْبَة السنجي المروزيّ قال أنبأنا أَبُو العباس مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محبوب قال نبأنا أبو عيسى الترمذي قَالَ: ولم أر أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى الملل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأصبهاني قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن عبد الله الضبي في كتابه. وأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الواحد المروروذي قال نبأنا محمد بن عبد الله بن نعيم الضبي الحافظ قَالَ سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد المذكر يقول سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاريّ.
أخبرني أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا محمّد بن سعيد قال نبأنا محمّد بن يوسف قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد يقول: رأيت عمرو بن زرارة ومحمد بن رافع عند محمّد بن إسماعيل وهما يسألانه عن علل الحديث، فلما قاما قالا لمن حضر المجلس: لا تخدعوا عن أبي عبد الله، فإنه افقه منا واعلم وأبصر.
وَقَالَ محمد بن أبي حاتم: سمعت حاشد بن إسماعيل يقول رأيت إسحاق بن راهويه جالسا على السرير ومحمد بن إسماعيل معه، فأنكر عليه محمد بن إسماعيل شيئا، فرجع إلى قول محمد، وَقَالَ إسحاق بن راهويه: يا معشر أصحاب الحديث، انظروا إلى هذا الشاب واكتبوا عنه، فإنه لو كان في زمن الحسن بن أبي الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال أنبأنا خلف بن محمد قَالَ: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر الخفاف يقول: محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وغيره بعشرين درجة.
قَالَ أبو عمرو الخفاف: ومن قَالَ في محمد بن إسماعيل شيئا فمني عليه ألف لعنة.
قَالَ: وسمعت أبا عمرو الخفاف يقول: لو دخل محمد بن إسماعيل البخاري من هذا الباب لملئت منه رعبا- يعني: إني لا أقدر أن أحدث بين يديه- وَقَالَ خلف: سمعت أبا عمرو الخفاف يقول حَدَّثَنَا محمد بن إسماعيل البخاري التقى النقي العالم الذي لم أر مثله.
أَخْبَرَنِي الأشقر قَالَ أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نبأنا أبو أحمد محمّد بن عبد الله ابن يوسف الشافعي وخلف بن محمد قالا: سمعنا أبا جعفر محمد بن يوسف بن الصديق الوراق يقول سمعت عبد الله بن حماد الآملي يقول: وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل.
قرأت عَلى الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد أخي الخلال، عن أبي سعد الإدريسي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن حم بن ناقب البخاريّ بسمرقند. قال نبأنا محمّد بن يوسف الفربري قال نبأنا محمد بن أبي حاتم قَالَ سمعت علي بن حجر يقول: أخرجت خراسان ثلاثة،
أبا زرعة الرازي بالري، ومحمد بن إسماعيل البخاري ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا مُحَمَّد بن نعيم الضبي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بكر محمد بن خالد المطوعي ببخارى قَالَ أنبأنا مسبح بن سعيد البخاري قَالَ سمعتُ عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن السمرقندي يقول: قد رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراقين، فما رأيت فيهم أجمع من أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي بن يعقوب قال نبأنا إسحاق بن أحمد بن خلف قَالَ سمعت العباس بن سورة يقول سمعت أبا جعفر عبد الله بن محمد الجعفي المسندي يقول: محمد بن إسماعيل إمام فمن لم يجعله إماما فأتهمه.
أخبرنا أبو حازم العبدوي قال سمعت الحسن بن أحمد الزنجوي يَقُولُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَمْدُونَ الْحَافِظَ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فَجَاءَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ. قال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، الْقِصَّةَ بِطُولِهِ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ إنسان حديث حجاج بن محمّد بن جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ إِذَا قَامَ الْعَبْدُ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: فِي الدُّنْيَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ. يُعْرَفُ بِهَذَا الإِسْنَادِ في الدّنيا حديثا؟ قال له مُحَمَّدٌ لا. إِلا أَنَّهُ مَعْلُولٌ. فَقَالَ مُسْلِمٌ: لا إله إلا الله، وارتعد، وقَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ. قَالَ: اسْتُرْ مَا سَتَرَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ رَوَاهُ الْخَلْقُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَكَادَ أَنْ يَبْكِيَ مُسْلِمٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اكْتُبْ إِنْ كَانَ لا بُدَّ-، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال نبأنا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ» . فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لا يُبْغِضُكَ إِلا حَاسِدٌ، وَأشْهَدُ أَنَّ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَعْقُوب الْحَافِظُ يَقُول سمعت أبي يقول رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي محمد بن إسماعيل البخاري وهو يسأله سؤال الصبي المتعلم.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أبو الحسن عبد الله بن موسى بن الحسين البغداديّ قال نبأنا عبد المؤمن بن خلف التميمي قَالَ سمعت الحسين بن محمد المعروف بعبيد العجل يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل. ومسلم الحافظ لم يكن يبلغ محمد بن إسماعيل، ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان إلى محمد بن إسماعيل أي شيء يقول يجلسون بجنبه، فذكرت له قصة محمد بن يحيى. فقال: ماله ولمحمد بن إسماعيل كان محمّد ابن إسماعيل أمة من الأمم، وكان أعلم من محمد بن يحيى بكذا وكذا، وكان محمد بن إسماعيل دينا فاضلا يحسن كل شيء.
حَدَّثَنِي أبو النجيب الأرموي قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأصبهاني قَالَ حَدَّثَنِي أحمد بن علي السليماني قَالَ حَدَّثَنِي أحمد بن محمد القاري قَالَ سمعت أبا حسان مهيب بْن سليم يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول: الحامد والذّام عندي واحد، أو قال: سواء.
ذكر قصة البخاري مع محمد بن يحيى الذهلي بنيسابور:
أَخْبَرَنِي محمد بن أحمد بن يعقوب قال أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّد بن حامد البزاز يقول سمعت الحسن بن محمّد بن جابر يقول سمعت محمّد ابن يحيى يقول: لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور قَالَ: اذهبوا إلى هذا الرجل العالم الصّالح فاسمعوا منه. قَالَ: فذهب الناس إليه واقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجالس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك وتكلم فيه.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قال أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي قال أنبأنا عبد الله ابن محمد بن سيار قَالَ حَدَّثَنِي محمد بن خشنام وسمعته يقول: سئل محمد بن إسماعيل عن اللفظ بنيسابور فقال حَدَّثَنِي عبيد الله بن سعيد- يعني أبا قدامة- عن يحيى بن سعيد قَالَ: أعمال العباد كلها مخلوقة، فمرقوا عليه. قَالَ: فقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى يعودوا إليك؟ قَالَ: لا أفعل إلا أن يجيئوا بحجة فيما يقولون أقوى من حجتي. وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قال أنبأنا محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ قال نبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ الْمُطَّوِّعِيُّ ببخارى قال نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: أَمَّا أَفْعَالُ الْعِبَادِ فَمَخْلُوقَةٌ، فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله قال ثنا مروان بن معاوية قال ثنا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» .
قَالَ أبو عبد الله: وسمعت عبيد الله بن سعيد يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن سَعِيد يَقُولُ: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة.
قَالَ أبو عبد الله البخاريّ: حركاتهم وأصواتهم، واكتسابهم، وكتابتهم، مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب، فهو كلام الله ليس بخلق قَالَ الله تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
[العنكبوت 49] .
أخبرنا أبو حازم العبدوي قَالَ سمعت الحسن بن أحمد بن شيبان يقول سمعت أبا حامد الأعمش يقول رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد ابن مروان ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي وواكلني وعلل الحديث، ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فما أتى على هذا شهر حتى قَالَ محمد بن يحيى: إلا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته، فلا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام محمد بن إسماعيل ها هنا مدة وخرج إلى بخارى.
أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد مُحَمَّد بْن حسنويه بْن إبراهيم الأبيوردي قال أنبأنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال سمعت أبا حامد الشرقي يقول سمعت محمد بن يحيى يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث يتصرف، فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ، وعما سواه من الكلام في القرآن، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وجعل ماله فيئا بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ومن وقف وقال: لا أقول مخلوق أو غير مخلوق، فقد ضاهى الكفر، ومن زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهذا
مبتدع لا يجالس ولا يكلم، ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه.
أَخْبَرَنِي الحسن بن محمّد الأشقر قال أنبأنا محمّد بن أبي بكر قال نا أَبُو صَالِحٍ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل قال سمعت أبا عمر وأحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول كنا يوما عند محمّد بن إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فقال محمّد ابن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه؟ فقال: ليس إلا ما أقول وأحكي لك عنه. قَالَ أبو عمرو الخفاف فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله، ها هنا أحد يحكى عنك أنك قلت هذه المقالة. فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك، من زعم من أهل نيسابور، وقومس، والري، وهمذان، وحلوان، وبغداد، والكوفة، والمدينة، ومكة، والبصرة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقل هذه إلا أني قلت:
أفعال العباد مخلوقة.
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان قال نبأنا أَبُو نصر أَحْمَد بْن سهل بْن حمدويه قال نبأنا أبو العباس الفضل بن بسام قَالَ سمعت إبراهيم بن محمد يقول: أنا توليت دفن محمد بن إسماعيل لما أن مات بخرتنك، أردت حمله إلى مدينة سمرقند أن أدفنه بها فلم يتركني صاحب لنا فدفناه بها، فلما أن فرغنا ورجعت إلى المنزل الذي كنت فيه، قَالَ لي صاحب القصر: سألته أمس فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في القرآن؟ فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق.
قَالَ فقلت له إن الناس يزعمون أنك تقول ليس في المصاحف قرآن، ولا في صدور الناس قرآن. فقال: استغفر الله أن تشهد على بشيء لم تسمعه مني. أقول كما قَالَ الله تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ
أقول في المصاحف قرآن وفي صدور الناس قرآن، فمن قَالَ غير هذا يستتاب، فإن تاب وإلا فسبيله سبيل الكفر.
ذكر خبر البخاري مع خالد بن أحمد الأمير بعد عودته إلى بخارى:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْقَرُ قال أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ المقرئ يقول سمعت أبا بكر بن منير بن جليد بن
عَسْكَرٍ يَقُولُ بَعَثَ الأَمِيرُ خَالِدَ بْنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَنِ احْمِلْ إليّ كتاب «الجامع» و «التاريخ» وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لِرَسُولِهِ: أَنَا لا أُذِلُّ الْعِلْمَ وَلا أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شيء منه حاجة فاحضر فِي مَسْجِدِي أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعْجِبْكَ هَذَا فَأَنْتَ سُلْطَانٌ فَامْنَعْنِي مِنَ الجلوس لِيَكُونَ لِي عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لأَنِّي لا أَكْتُمُ الْعِلْمَ لِقَوْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ »
قَالَ: فكان سبب الوحشة بينهما هذا .
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ قال أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد اللَّه الحافظ قَالَ سمعت محمد بن العباس الضبي يقول سمعت أبا بكر بن أبي عمرو الحافظ يقول:
كان سبب مفارقة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري البلد- يعني بخارى- أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله فيقرأ «الجامع» و «التاريخ» على أولاده فامتنع أبو عبد الله عن الحضور عنده، فراسله أن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم فامتنع عن ذلك أيضا وَقَالَ: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم، فاستعان خالد بن أحمد بحريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل العلم ببخارى عليه، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: اللهم أرهم ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم وأهاليهم. فأما خالد فلم يأت عليه إلا أقل من شهر حتى ورد أمر الطاهرية بأن ينادى عليه، فنودي عليه وهو على أتان، وأشخص على أكاف، ثم صار عاقبة أمره إلى ما قد اشتهر وشاع. وأما حريث بن أبي الورقاء فإنه ابتلى بأهله، فرأى فيها ما يجل عن الوصف. وأما فلان أحد القوم- وسماه- فإنه ابتلي بأولاده، وأراه الله فيهم البلايا .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي قَالَ أنبأنا أحمد بن الحسن الرّازي قال
سمعت أبا أحمد بن عدي الحافظ الجرجاني يقول سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك- قرية من قرى سمرقند- على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم، قَالَ: فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول في دعائه: اللهم إنه قد ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. قَالَ: فما تم الشهر حتى قبضه الله تعالى إليه، وقبره بخرتنك .
أخبرنا عليّ بن أبي أحمد الأصبهانيّ في كتابه قال نبأنا محمد بن محمد بن مكي الجرجاني قَالَ سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسى قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع- ذكره- فسلمت عليه فرد السلام، فقلت ما وقوفك يا رسول الله؟ فقال: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري. فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرنا فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها .
أَخْبَرَنِي أبو الوليد الدّربندي قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سليمان الحافظ قال نبأنا أبو عمر أحمد بن محمّد بن المقرئ، وأبو عبيد أحمد بن عروة بن أحمد بن إبراهيم قالا: سمعنا أبا الحسن مهيب بن سليم بن مجاهد يقول توفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ليلة السبت ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين .
محمد بن إدريس بن العباس
ابن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو عبد الله المطلبي الشافعي المكي إمام عصره، وفريد دهره. اجتاز دمشق، أو بساحلها حين ذهب إلى مصر.
روى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم - وفي رواية: من صلاة الفذ - وحده بخمسة وعشرين جزءاً ".
وروى عن محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي بسنده إلى عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تخالط الصدقة مالاً إلا أهلكته ".
عن الشافعي قال:
كنت مع محمد بن الحسن بالرقة، فمرضت مرضه، فعادني العواد، فلما نقهت من مرضي مددت يدي إلى كتب عند رأسي، فوقع في يدي " كتاب الصلاة " لمالك، فنظرت في باب الكسوف، ثم خرجت إلى المسجد فإذا محمد بن الحسن جالس، فقلت له: جئت أناظرك في الكسوف، فقال: قد عرفت قولنا فيه، فقلت: جئت أناظرك على النظر والخبر، فقال: هات، قلت: أشترط ألا تحتد علي، ولا تقلق - وكان محمد رجلاً قلقاً حديداً - فقال: أما ألا أحتد فلا أشترط ذلك، ولكن لا يضرك ذلك عندي. فناظرته، فلما ضاغطته، فكأنه وجد من ذاك، فقلت: هذا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، وزيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس؛ واجتمع علي وعليه الناس، فقال: وهل زدتني على أن جئتني بصبي وامرأة؟! فقلت: لو غيري جالسك! وقمت عنه بالغضب! فرفع الخبر إلى هارون أمير المؤمنين، فقال: قد علمت أن الله لا يدع هذه الأمة حتى يبعث عليهم قرشياً قلباً يرد عليهم ما هم فيه من الضلالة. ثم رجعت إلى بيتي، فقلت لغلامي: اشدد على رواحلك، واجعل الليل حملاً. فقدمت مصر.
وهذه الحكاية تدل على أن الشافعي دخل مصر مرتين: إحدى المرتين على طريق الشام، فإن فيها أنه دخلها أيام هارون الرشيد، وتوفي هارون سنة ثلاث وتسعين ومائة. ودخلته الثانية مصر سنة تسع وتسعين ومائة، فأقام بها إلى أن مات، وأظنه في هذه الثانية ذهب إليها من مكة؛ فإن الحميدي صحبه.
قال محمد بن إدريس الشافعي بمكة: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقيل له: أصلحك الله، ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ قال: نعم. بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".
وعن سفيان بن عيينة بسنده إلى حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ".
وبسنده عن عمر بن الخطاب أنه أمر المحرم بقتل الزنبور.
زاد البيهقي وغيره في نسب الشافعي المتقدم في بداية الترجمة: ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وروى بسنده أن هذا النسب بعينه قرئ في مصر في مقابر بني عبد الحكم في حجر منقور على قبر الشافعي، وزاد فيه: ابن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن.
قال الخطيب بعد أن ساق نسب الشافعي: وقد ولده هاشم بن عبد مناف ثلاث مرار: أم السائب: الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف. أسر السائب يوم بدر كافراً، وكان يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأم الشفاء بنت الأرقم: خلدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وأم عبيد بن عبد يزيد: العجلة بنت عجلان بن البياع بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأم عبد يزيد: الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي. كان يقال لعبد يزيد: محض لا قذى فيه. وأم هاشم بن المطلب: خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم. وأم هاشم والمطلب وعبد شمس بن عبد مناف: عاتكة بنت مرة السلمية: وأم شافع أم ولد.
قال الخطيب: وسمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري يقول: شافع بن السائب الذي ينسب إليه الشافعي قد لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مترعرع، وأسلم أبوه السائب يوم بدر؛ فإنه كان صاحب راية بني هاشم، فأسر، وفدى نفسه، ثم أسلم، فقيل له: لم لم تسلم قبل أن تفتدى؟ فقال: ما كنت أحرم المؤمنين طمعاً لهم في. وقال بعض أهل العلم بالنسب: وقد وصف الشافعي أنه شقيق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نسبه، وشريكه في حسبه، لم تنل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طهارة في مولده، وفضيلة في آبائه إلا وهو قسيمه فيها إلى أن افترقا من عبد مناف، فزوج المطلب ابنه هاشماً الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد جد الشافعي. وكان يقال لعبد يزيد المحض لا قذى فيه، فقد ولد الشافعي الهاشمان: هاشم بن المطلب، وهاشم بن عبد مناف. والشافعي بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن عمته؛ لأن المطلب عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما أم الشافعي فهي أزدية، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأزد جرثومة العرب ".
ولد الشافعي بغزة من بلاد الشام - وقيل باليمن - ونشأ بمكة، وكتب العلم بها وبمدينة رسول الله، وقدم بغداد مرتين، وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته. وكتاب الشافعي الذي يسمى القديم، هو الذي عند البغداديين خاصة عنه. كان يونس بن عبد الأعلى يقول لا أعلم هاشمياً ولدته هاشمية إلا علي بن أبي طالب ثم الشافعي فأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم وأم الشافعي فاطمة بنت عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهي التي حملت الشافعي إلى اليمن وأدبته.
قال الراوي: كذا روي عن يونس بن عبد الأعلى، وأغفل الحسن والحسين، وعقيلاً وجعفراً؛ فإن أماهما هاشميتان: فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاطمة بنت أسد.
قال بن عبد الحكم: لم حملت أم الشافعي به رأت كان المشتري خر من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية. فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان.
روي عن الشافعي أنه قال: ولدت بغزة سنة خمسين - يعني ومائة - وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين. ولم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور وأكتب فيها.
قال الحسن بن محمد الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، وأقام عندنا أشهراً ثم خرج. وكان يخضب بالحناء وكان خفيف العارضين.
قال أبو إبراهيم المزني: ما رأيت وجهاً أحسن من وجه الشافعي، ولا رأيت لحية أحسن من لحيته، وكان ربما قبض عليها فلا تفضل عن قبضته.
وقال الشافعي: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر. قال: وكنت أصيب من عشرة تسعة.
وقال: ولدت باليمن، فخافت أمي علي الضيعة، فقالت: الحق بأهلك، فتكون مثلهم، فإني أخاف أن تغلب على نسبك. فجهزتني إلى مكة، فقدمتها، وأنا يومئذ ابن عشر، أو شبيهاً بذلك، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك. فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزقني الله منه ما رزق.
وقال: كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، وأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فآخذه، فأكتب فيه الحديث - أو المسألة - وكانت لنا جرة قديمة، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.
فقدم علينا والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن أصحبه، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتحمل به، فرهنت دارها على ستة عشر ديناراً، ودفعتها إلي، فتحملت بها مع والي اليمن؛ فلما وصلنا سالمين استعملني على عمل، فحمدت فيه، فزادني عملاً آخر، فحمدت فيه، ودخل العمال مكة، فأحسنوا علي الثناء، وأكثروا من المدح، فلما قدمت مكة لقيت ابن أبي يحيى، فسلمت عليه، فقال لي: تصنعون كذا، أو تفعلون كذا؟! فتركته، ولقيت سفيان بن عيينة، فسلمت عليه، فسلم علي، وقال لي: قد بلغنا خبر
ولايتك، وحسن ما انتشر عنك، فأحمد الله، وتمسك بالعلم يرفعك الله به، وينفعك، فكان كلام سفيان أبلغ في مما كلمني به أبي يحيى.
قال: ثم وليت نجران، وكان بها قوم من بني الحارث، وموالي ثقيف، فرفع إلي الناس مظالم كثيرة، فجمعتهم، وقلت لهم: اختاروا لي سبعة منكم، من عدلوه كان عدلاً مرضياً، ومن جرحوه كان مجروحاً قصياً. فاختاروا لي منهم سبعة، فجلست، وأجلست السبعة بالقرب مني، فكلما شهد عندي شاهد بعثت إلى السبعة، فإن عدلوه كان عدلاً، وإن جرحوه كان مجروحاً، فلم أزل أفعل ذلك حتى أتيت على جميع من تظلم إلي، فكنت أكتب وأسجل.
قال: فنظروا إلى حكم جار، فقالوا: أي شيء يعمل؟ إن هذه الأمور التي تحكم علينا فيها ليست لنا، إنما هي في أيدينا لمنصور بن المهدي. فكتبت في أسفل الكتاب: وأقر فلان بن فلان الذي وقع عليه الحكم في هذا الكتاب أن الذي حكمت به عليه ليس له، وإنما هو لمنصور بن المهدي في يديه، ومنصور بن المهدي على حجته ما قام. فلما نظروا إلى ذلك خرجوا إلى مكة، ورفعوا، ولم يزالوا يرفعون علي حتى حملت إلى العراق، فقيل لي: الزم الباب، فقلت: إلى من أجلس، إلى من أختلف؟ وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة عند هارون، فجالسته حتى عرفت قوله، ووقعت منه موقعاً، فلما عرفت ذلك كان إذا قام هو ناظرت أصحابه، واحتججت عليه، فقال لي ذات يوم: بلغني يا محمد أنك تخالفنا في الغصب، فقلت: إنما هو من طريق المناظرة، فقال لي: لقد بلغني غير هذا، أفتناظرني؟ قلت: إني أجللك عن المناظرة، قال: لا، فافعل. فلما رأيت ذلك قلت له: هات، ما تقول في رجل اغتصب من رجل ساجة، فبنى عليها بنياناً، فأنفق عليه ألف دينار، فجاء صاحب الساجة، فأتى بشاهدين عدلين أنها ساجته، وأن هذا الرجل غصبه عليها؟ قلت أقول لصاحب الساجة: ترضى بأن تأخذ القيمة؟ فإن رضي دفعت إليه قيمتها، وإن أبى قلعت البنيان من الساجة، ودفعتها إليه. قال: أفليس قد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ضرر، ولا إضرار "؟ قلت له:
من أدخل عليه الضرر؟ إنما هو أدخل الضرر على نفسه. فما تقول في رجل اغتصب من رجل خيط إبرسيم، فخاط به بطنه، فجاء صاحب الخيط، فأقام البينة بشاهدين عدلين أن هذا الخيط خيطه، وأنه اغتصبه عليه أكنت تنزع الخيط من بطن هذا، فتدفعه إليه؟ فقلت: لا، قال: الله أكبر، تركت قولك. ثم قال لي أصحابه: قد تركت قولك، فقلت لهم: لا تعجلوا! فال: فما تقول في رجل اغتصب من رجل لوحاً، فأدخله في سفينته، ثم لجج البحر، فأقام صاحب اللوح البينة بشاهدين عدلين أن هذا اللوح لوحه، وأنه غصبه إياه؟ أكنت تنزع اللوح من السفينة، وتدفعه إلى الرجل المحق؟! قلت: لا، قال: الله أكبر، تركت قولك. وقال لأصحابه: تركت قولك. فقلت لهم: مهلاً، لا تعجلوا، ثم قلت له: ما تقول أنت لو كانت الساجة ساجة لم يغصب عليها أحداً، فأراد أن يهدم البنيان الذي أنفق عليه ألف دينار، كان ذلك له مباحاً؟ قال: نعم، قلت: أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه، ثم أراد أن ينزعه، أكان له نزع ذلك؟ قال: لا، قالت له: رحمك الله، فلم تقيس على مباح محرماً؟ قال: فكيف تصنع بصاحب اللوح؟ قلت آمره أن يقرب إلى أقرب المراسي إليه، مرسى لا يكون عليه وعلى أصحابه فيه هلكه، ثم أنزع اللوح وأدفعه إلى صاحبه، وأقول لصاحب السفينة: أصلح سفينتك. ثم قلت له: ولكن، ما تقول أنت في رجل اغتصب رجلاً من الزنج جارية، فأولدها أولاداً كلهم قد قرأ القرآن، وخطب على الناس، وقضى بين المسلمين، ثم جاء صاحب الجارية، فأقام البينة بشاهدين عدلين أن هذه الجارية جاريته، وأنه غصبه عليها، وأولدها هؤلاء الأولاد كلهم، بم كنت تحكم بذلك كله؟ قال: كنت أجعلهم رقيقاً له، وأرد الجارية عليه. قلت له: أنشدك الله، أيما أعظم ضرراً أن تجعل أولاده هؤلاء رقيقاً، أم تنزع البنيان من الساجة؟! قال: فبقي ولم يرد علي جواباً. ثم إنه بعد ذلك عرف حقي وموضعي، وقال بفضلي.
وقال الشافعي:
مر بي رجل من بني عمي من الزبيريين، فقال: يا أبا عبد الله، عز علي ألا يكون
مع هذه اللغة، وهذه الفصاحة، والذكاء فقه، فتكون قد سدت أهل زمانك، قال: فقلت: ومن بقي يقصد إليه؟ فقال لي: هذا مالك بن أنس، قال: فوقع في قلبي، فعمدت إلى " الموطأ "، فاستعرته من رجل بمكة، فحفظته في تسع ليل ظاهراً، ثم دخلت إلى مالي مكة، فأخذت كتابه إلى والي المدينة، وإلى مالك بن أنس. قال: فقدمت المدينة، وأبلغت الكتاب إلى الوالي. فلما أن قرأه قال: والله يا فتى، أن أمشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس، فإني لست أرى الذل حتى أقف على بابه، فقلت: أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر، فقال، هيهات، ليتني إذا ركبت أنا معك، ومن معي، وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا. قال: فواعدته العصر، وركبنا جميعاً، فوالله لقد كان كما قال. فتقدم رجل، فقرع الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك: إني بالباب. فدخلت، فأبطأت، ثم خرجت، فقالت: إن مولاي يقرئك السلام، ويقول: أن كانت مسألة فادفعها لي في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس، فانصرف. فقال لها: قولي له: معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة. قال: فدخلت ثم خرجت، وفي يدها كرسي، فوضعته، ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار، وهو شيخ طوال مسنون اللحية. فجلس، فدفع الوالي الكتاب، فقرأه، حتى إذا بلغ إلى مكان: هذا رجل من أمره وحاله، فتحدثه، وتفعل، وتصنع، رمى بالكتاب من يده، ثم قال: يا سبحان الله، أوصار علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخذ بالوسائل؟! قال: فرأيت الوالي وقد تهيبه أن يكلمه. فتقدمت إليه، فقلت له: أصلحك الله، إني رجل مطلبي، ومن حالي، ومن قصتي. فلما أن سمع كلامي نظر إلي ساعة، وكان لمالك فراسة، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد، فقال لي: يا محمد، اتق الله، واجتنب المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن من الشأن، ثم قال، نعم، وكرامة، إذا كان غداً تجيء، ويجيء من يقرأ لك الموطأ. قال: فقلت: إني أقوم بالقراءة. قال: فغدوت عليه، وابتدأت أن أقرأه ظاهراً والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكاً وأريد أن أقطع القراءة أعجبه حسن قراءتي وإعرابي يقول لي: بالله يا فتى زد، حتى
قرأته في أيام يسيرة، ثم أقمت بالمدينة حتى توفي مالك بن أنس، ثم خرجت إلى اليمن، وأقمت بها، وارتفع لي بها شأن الشأن.
وكتب والي هارون الرشيد: إن هاهنا سبعة من العلوية قد تحركوا، فإني أخاف أن يخرجوا، وهاهنا رجل من ولد شافع بن المطلب لا أمر لي معه ولا نهي، فكتب إليه هارون الرشيد: أن أحمل هؤلاء، وأحمل الشافعي معهم، فاقترنت معهم، فلما أن قدمنا على هارون، وعنده محمد بن الحسن، دعا هارون بالنطع والسيف يضرب رقاب العلوية، فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا المطلبي لا يغلبنك بفصاحته ولسانه، فإنه رجل لسن. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، فإنك الداعي وأنا المجيب الدعاء إنك القادر على ما تريد مني، ولست القادر على ما أريد منك، يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين: أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده أيما أحب إلي؟ قال: الذي يراك أخاه، قال: قلت: فذاك أنت، يا أمير المؤمنين، فقال لي: كيف ذلك؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس، ونحن بنو المطلب، تروننا إخوانكم، وولد علي يروننا عبيدهم، قال: فسري ما كان به، واستوى جالساً، وقال: يا بن إدريس، كيف علمك بالقرآن؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، عن أي علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته، ووعيته بين جنبي، وعرفت وقفه وابتداءه، وعدد مكيه ومدنيه، وكوفيه وبصريه، وقد عرفت ناسخه ومنسوخه، وليليه ونهاريه، ووحشيه وأنسيه، وسهليه وجبليه، وما خوطب به العام يراد به الخاص، وما خوطب به الخاص يراد به العام. فقال لي: والله يا ابن إدريس، لقد ادعيت " علماً "، فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت: إني لأعرف منها البري والبحري، والسهلي والجبلي، وما تجب معرفته. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ فقلت: غني لأعرف أنساب اللئام وأنساب الكرام، ونسبي ونسب أمير المؤمنين، فقال: والله لقد ادعيت علما، فهل من موعظة تعظ بها أمير المؤمنين؟ قال: فذكرت موعظة لطاوس اليماني، فوعظته بها، فبكى، ثم أمر لي بخمسين ألفاً، وحملت على فرس، وركبت بين يديه، وخرجت فما وصلت الباب حتى فرقت الخمسين ألفاً على حجبة أمير المؤمنين وبوابيه، وجئت إلى منزلي، فوجهت إلى كاتب محمد بن الحسن بمائة دينار، وقلت له: اجمع لي الوراقين الليلة على كتب محمد بن الحسن، وانسخها لي، ووجه بها إلي. فكتبت لي في ليلة، ووجه بها إلي.
وكان موضع يجتمع فيه القضاة والأشراف ووجوه الناس على باب هارون يجلسون فيه إلى أن يؤذن لهم. فاجتمعنا في ذلك المكان، وفي جماعة من بني هاشم وقريش والأنصار - قال: والخلق يعظمون محمد بن الحسن لقربه من أمير المؤمنين، وتمكنه منه - فاندفع يعرض بي، ويذم أهل المدينة، فقال: من أهل المدينة؟ وأيش يحسنون - أهل المدينة؟ - والله لقد وضعت كتاباً على أهل المدينة كلها، لا يخالفني فيه أحد، ولو علمت أن أحد يخالفني في كتابي هذا، تبلغني إليه الرواحل لصرت إليه حتى أرد عليه. قال الشافعي: فقلت في نفسي: إن أنا سكت نكست رؤوس من هاهنا من بني هاشم وقريش، وإن أنا رددت عليه أسخطت علي السلطان. ثم إني استخرت الله تعالى في الرد عليه، فتقدمت إليه، فقلت له: أصلحك الله، طعنك على أهل المدينة، وذمك لأهل المدينة؛ إن كنت أردت رجلاً واحداً، وهو مالك بن أنس فألا ذكرت ذلك الرجل بعينه، ولم تطعن وتذم أهل حرم الله وحرم رسوله، وكلهم على خلاف ما ادعيته؟ وأما كتابك الذي ذكرت أنك وضعته على أهل المدينة فكتابك من " بسم الله الرحمن الرحيم " خطأ إلى آخره. فاصفر محمد بن الحسن ولم يحر جواباً. وكتب أصحاب الأخبار إلى هارون بما كان، فضحك وقال: ماذا ينكر لرجل من ولد المطلب أن يقطع مثل محمد بن الحسن؟ قال: فعارضني رجل في المجلس من أصحابه، فقال لي: ما تقول في رجل دخل إلى منزل رجل، فرأى بطة، فرماها، ففقأ عينها، ماذا يجب عليه؟ قال: قلت: ينظر إلى قيمتها وهي صحيحة، وقيمتها وقد ذهبت عينها فيقوم ما بين القيمتين، ولكن ما تقول أنت وصاحبك في محرم نظر إلى فرج امرأة..قال: ولم يكن لمحمد حذاقة في المناسك، فصاح به محمد: ألم أقل لك لا تسأله!
ثم إنا دخلنا على هارون، فلما استوينا بين يديه قال لي: يا أبا عبد الله، تسأل أو أسألك؟ قلت: ذاك إليك، فقال: خبرني عن صلاة الخوف، أواجبة هي؟ فقلت: نعم، فقال: ولم؟ فقلت: لقول الله: " وإذا كنت فيهم، فأقمت لهم الصلاة.. " الآية. قال: ما تنكر من قائل قال لك: إنما أمر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فيهم،
فلما زال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زالت عنهم تلك الصلاة. قلت: وكذلك قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذ من أموالهم صدقة.. " الآية فلما أن زال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زالت عنهم الصدقة؟ قال: لا، قلت: وما الفرق بينهما، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأمور فيهما جميعاً؟ فسكت.
فقال: يا أهل المدينة، ما أجرأكم على كتاب الله - عز وجل -! فقلت: أجرؤنا على كتاب الله من يخالفه، فقال لي: الله يقول: " وأشهدوا ذوي عدل منكم "، فقلتم أنتم نقضي باليمين مع الشاهد. فقلت: لكنا نقول بما قال الله، ونقضي بما قضى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنك أنت خالفت قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأين؟ قلت: في قصة حويصة ومحيصة وعبد الرحمن حين قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية القتيل: " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لم نشهد، ولم نعاين، قال: فتحلف لكم يهود "، فلم نكلوا عن اليمين رد اليمين على اليهود. قال: فقال: إنما كان ذلك استفهاماً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، استفهم من اليهود. فقال هارون: ثكلتك أمك يا بن الحسن، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفهم من اليهود!؟ نطع وسيف! قال: فلما رأيت الجد من هارون قلت: يا أمير المؤمنين، إن الخصمين إذا اجتمعا تكلم كل واحد منهما بما لا يعتقده ليقطع به صاحبه، وما أرى محمداً أراد بهذا نقصاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسريت عنه. ثم ركبنا، وخرجنا من الدار، فقال لي: يا أبا عبد الله، فعلتها؟ قال: قلت: فكيف رأيتها بعد ذلك؟ قال الشافعي: حدثنا إسماعيل بن قسطنطين، قال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير
أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر عباس أنه قرأ على أبي، وقال ابن عباس: وقرأ أبي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الشافعي: وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول: القران اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من " قرأت "، ولو أخذ من " قرأت " كان كل ما قرئ قرآناً، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل، يهمز قرأت، ولا يهمز القران.
وقال الشافعي: حفظت " القرآن " وأنا ابن سبع سنين، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر سنين.
قال أبو عبيد: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين ديناراً، وقد كان دفع إليه قبل هذا خمسين درهماً، وقال: إن اشتهيت العلم فالزم. ثم دفع إليه هذه الدنانير، ولزمه الشافعي.
وقال الشافعي: كتبت عن محمد بن الحسن وقر بعير. وسمع وهو يقول لمحمد بن الحسن - وقدم إليه الدنانير بعد الخمسين درهماً، وقال له: لا تحتشم، فقال: - ما أنت عندي في موضع أحتشمك. وجرى ذكر الشراب، فقال الشافعي: الحمد لله، لو علمت أن الماء البارد يضر مروءتي في ديني لما شربت إلا الماء الحار حتى ألقى الله، ولو كنت عندي ممن أحتشمك ما قبلت برك.
وقال: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين ديناراً، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسالة حديثاً - يعني: رداً عليه.
ويروى عن الشافعي أنه قال: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين، أحدهما " دساها ".
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قرأت على الشافعي أسعار هذيل حفظاً، ثم قال لي: لا تخبر بهذا أهل الحديث؛ فإنهم لا يحتملون هذا. قال مصعب: وكان الشافعي يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح، ولا ينامان. قال وكان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشع وأيام الناس والأدب ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه في الفقه أنه كان يوماً يسير على دابة، وخافه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي ببيت شعر، فقرعه كاتب أبي بسوطه، ثم قال له: مثلك " يذهب " بمروءته في مثل هذا؟! أين أنت من الفقه؟! فهزه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا، فلزم مالك بن أنس.
قال الشافعي: رأيت علي بن أبي طالب في النوم، فسلم علي، وصافحني، وخلع خاتمه، فجعله في إصبعي. وكان لي عم، ففسرها لي، فقال لي: أما مصافحتك لعلي فأمان من العذاب، وأما خلع خاتمه، فجعله في إصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علي في الشرق والغرب.
قال الربيع بن سليمان: والله لقد فشا ذكر الشافعي في الناس بالعلم كما فشا ذكر علي بن أبي طالب. وقال: لو وزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجح بهم، ولو كان في بني إسرائيل احتاجوا إليه.
قال أبو عبد الله الزبيري: جاءني رجل من أهل البصرة، يقال له: أبو محمد القرشي من أهل الستر والصلاح فقال لي: يا أبا عبد الله، أخبرك رؤيا تسر به؟ فقلت: هات، فقال لي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، وعنده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - إذ جاءه أربعة نفر، فقربهم، فتعجبت من تقريبه لهم. فسألت من بحضرته عن النفر، فقال لي: هذا مالك، وأحمد، وإسحاق، والشافعي. فرأيت كأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد مالك وأجلسه بجنب أبي بكر الصديق، وأخذ بيد أحمد فأجلسه بجنب عمر، وأخذ بيد إسحاق فأجلسه بجنب عثمان، وأخذ بيد الشافعي وأجلسه بجنب علي.
قال أبو عبد الله الزبيري: فسألت بعض العلماء بالتعبير عن ذلك؟ فقال لي: أجلس مالك بجنب أبي بكر، كأن منزلة مالك في العلماء كمنزلة أبي بكر في الصحابة، ومنزلة أحمد في الفقهاء كمنزلة عمر في صلابته؛ لأنه لم يتكلم في القرآن إلا بحق، ومنزلة إسحاق في العلماء كمنزلة عثمان في الصحابة؛ لقي عثمان الفتن والمحن، كذلك لقي إسحاق في بلده من أهل الإرجاء بما فارق به بلده. ومنزلة الشافعي في العلماء كمنزلة علي في الصحابة؛ فإنه كان أعلمهم، وأفضلهم، وأقضاهم. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقضاكم علي "، كذلك الشافعي كان أعلم العلماء في الفقه والقضاء.
قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.
قال عمرو بن العباس: قيل لعبد الرحمن بن مهدي: إن الشافعي لا يورث المرتد. فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب معهم، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملتين ".
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت قط رجلاً أعقل، ولا أروع، ولا أفصح من الشافعي.
وقال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي لوسعهم عقله. وقال: ناظرت الشافعي يوماًُ في مسالة، ثم افترقنا. ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال لي: يا أبا موسى، لا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟ قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملاً، وقد بقيت خصلة، هو أن أسقيه من النبيذ ما يغلب على الرجل الجيد الشراب. قال: فحدثني ثابت الخادم وقد دعا به، فأعطاه رطلاً، فقال: اشرب يا محمد، فقال: يا أمير المؤمنين، ما شربته قط. قال: عزمت لتشربن. فشربه. ثم والى عليه بالأرطال حتى سقاه عشرين رطلاً، فما تغير، ولا زال عن حجته.
قال الشافعي:
حضرت مالك بن أنس، وأنا أسمع منه الحديث، ولي دون الأربع عشرة سنة.
فجاءه رجل، فوقف عليه، ثم قال له: إني رجل أبيع القماري، فبعت قمرياً على هذا، فرده إلي، فقال: ماله صوت، فحلفت بالطلاق أنه لا يسكت. فقال: أوسكت؟ قلت: نعم، قال: أنت حانث. قال الشافعي: فتبعته، فقلت له: يا رجل كيف حلفت؟ قال: حلفت بما سمعت، قال: فقلت له: صياحه أكثر أم سكوته؟ فقال: صياحه، فقلت: مر، فإن امرأتك لك حلال، قال: فماذا أصنع، وقد أفتاني مالك بما أفتى؟ فقال: عد إليه، فقل له: إن في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي لي حلال، وأومئ إلي، ودعني وإياه. فرجع ورجعت، وجلست فيما بين الناس. فقال له: إني رأيت أن تنظر في يميني، قال: أليس قد أفتيناك بأنك حانث؟! فقال: في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي حلال لي، قال: أفي مجلسي؟ قال: نعم، قال: ومن هو؟! فأومأ إلي. فقال لي مالك: أنت أفتيته بذلك؟ قلت: نعم، قال: ولماذا أفتيته بذلك؟ فقلت له: سمعتك تروي عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة بنت قيس: " إذا حللت فآذنيني ". فلما حلت قالت له: قد خطبني معاوية، وأبو جهم، فقال: " أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه "، وعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبا جهم يضع عصاه عن عاتقه ويتصرف في أموره فإنما نسب إلى ضرب النساء فذكر أنه لا يضع عصاه على عاتقه، وحمله على الأغلب من أمره، وإني سألته وقلت: سكونه أكثر أم صياحه؟ فقال: صياحه، فأفتيته بذلك. قال: فتبسم مالك، وقال: القول قولك.
قال سفيان بن عيينة للشافعي: يا أبا عبد الله، ما معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقروا الطير في مكانها ".
فقال له: يا أبا محمد، كان الرجل من العرب إذا أراد سفراً أخذ معه طيراً، فإن أخذا لطير ذات اليمين مضى في سفره، وإن أخذ ذات الشمال رجع. وكان ابن عيينة قبل أن يسمع من الشافعي إذا سئل أجاب على صيد الليل. قال: فرجع سفيان إلى تأويل الشافعي.
عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنا في مجلس ابن عيينة والشافعي حاضر، فحدث ابن عيينة بسنده أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به رجل في بعض الليل، وهو مع امرأته صفية، فقال: " تعال، هذه امرأتي صفية! " فقال: سبحان الله يا رسول الله! قال: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ". فقال ابن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: إن كان القوم اتهموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا بتهمتهم إياه كفاراً، لكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا ففعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء، لا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهم، وهو أمين الله في أرضه. فقال ابن عيينة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه.
وكان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا يسأل عنها التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا.
قال عبد الله بن الزبير الحميدي: قال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي: يا أبا عبد الله. أفت الناس، أن لك والله أن تفتي. وهو ابن دون عشرين سنة.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.
قال أحمد بن محمد الشافعي: كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس، وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح، وبعد عطاء لعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وبعد ابن جريج لمسلم بن خالد الزنجي، وبعد مسلم لسعيد بن سالم القداح، وبعد سعيد لمحمد بن إدريس الشافعي، وهو شاب.
قال الشافعي: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء. وذلك أنه رأى قوماً يتجادلون في القدر بين يديه، فقال الشافعي: في كتاب الله: المشيئة له دون خلقه، والمشيئة إرادة الله، يقول الله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله "، فأعلم - عز وجل - خلقه أن المشيئة له، وكان يثبت القدر.
وكان الشافعي بعد أن ناظر حفصاً الفرد يكره الكلام، وكان يقول: لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم، فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله.
وقال ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم - يعني أهل الإرجاء - بآية أحج من قوله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ".
قال إسماعيل بن يحيى المزني: أنشدني الشافعي من قيله: " من الطويل "
شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن علياً فضله متخصص
أئمة قوم يقتدى بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص
قال الربيع بن سليمان: لما كلم الشافعي حفص الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم.
وقال: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله، فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، أو بالصفا والمروة فليس عليه الكفارة، لأنه مخلوق، وذلك غير مخلوق.
عن علي بن سهل الرملي قال: سألت الشافعي عن القرآن، فقال لي: كلام الله غير مخلوق. قلت: فمن قال بالمخلوق، فما هو عندك؟ قال لي: كافر. وقال: ما لقيت أحداً منهم - يعني من أستاذيه - إلا قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول في قول الله تعالى: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "؛ علمنا بذلك أن قوماً غير محجوبين، ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ترون ربكم يوم القيامة كما ترون الشمس، لا تضامون في رؤيتها ".
وأنشدوا للشافعي: " من المتقارب "
ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
وقال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.
قال الحسن بن محمد الزعفراني: قال الشافعي: إذا حضر الرافضي الوقعة وغنموا لم يعط من الفيء شيئاً؛ لأن الله ذكر آية الفيء، ثم قال فيها: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنل ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم "، فمن لم يقل بهذا لم يستحق.
قال الربيع: خرجنا من الشافعي من مكة نريد منى، فلم ينزل وادياً، ولم ينزل شعباً إلا وهو يقول: " من الكامل "
يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رافضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
قال عمارة بن زيد المدني:
كنت صديقاً لمحمد بن الحسن، فدخلت معه إلى الرشيد، فسأله عن أحواله، فقال: في خير يا أمير المؤمنين، ثم تسارا، فسمعت محمد بن الحسن يقول: إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهل. قال فغضب الرشيد، وقال: علي به. فأتي به، فأتي به حتى وقف بين يدي الرشيد، فكره الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان، فقال له: هيه؟ قال: وما هيه يا أمير المؤمنين، أنت الداعي، وأنا المدعو. وأنت السائل وأنا المجيب. قال: فكيف علمك بكتاب الله؟ فإنه أولى أن يبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري، وجعل جنبي دفتيه. قال: فكيف علمك به؟ قال: أي علم تريد، يا أمير المؤمنين، أعلم تأويله، أم علم تنزيله؟ أم مكيه أم مدنيه؟ أم ليليه، أم نهاريه؟ أم سفريه، أم حضريه؟ أم هجريه، أم عربيه..فقال: له الرشيد: لقد ادعيت من علوم القرآن أمراً عظيماً، فكيف علمك في الأحكام؟ قال: أفي الفتاوى، أم في الطلاق، أم في القضايا، أم في الأشربة، أم في المحاربات، أم في الديات؟ قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف منه ما قالت الروم وبابل وبقراط، فقال: فكيف علمك بالنجوم؟ قال: أعرف منه القطب الدائر والمائي والنهاري..قال: فكيف علمك بالشعر؟ قال: أعرف الشاذ منه، وما نبه للمكارم. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال: أعرف أنساب الكرام، وفيها نسب أمير المؤمنين ونسبي. فقال له الرشيد: لقد ادعيت من العلوم أمراً عظيماً تطول به المحنة، فعظ أمير المؤمنين موعظة تبين له فيها كل ما ذكرت. قال: نعم، يا أمير المؤمنين؛ على رفع الحشمة، وترك الهيبة، وقبول النصح، وإلقاء رداء الكبر عن منكبيك؟ قال: لك ذلك. قال: فجثا الشافعي على ركبتيه ثم نادى: يا ذا الرجل، إنه من أطال عنان الأمن في العزة طوى عذر الحذر في المهلة، ومن لم يعدل على طريق النجاة كان بجانب قلة الاكتراث بالمرجع إلى الله مقيماً، ومن أحسن الظن كان في أمنة المحذور في مثل نسج العنكبوت، لا يأمن عليها نفسه.
فبكى الرشيد بكاء شديداً حتى بل منديلاً كان بين يديه، فقال له خاصة من يقوم على رأسه: اسكت، فقد أبكيت عيني أمير المومنين! فالتفت إليهم، فقال: يا عبيد
الرجعة، والذين باعوا أنفسهم من محبوب الدنيا، أما رأيتم ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم بالإمارة؟ أما ترون كيف فضح مستورهم، وأمطر بواكر الهوان عليهم بتبديل سرورهم؟ فأصبحوا بعد خفض عيشهم، ولين رفاهيتهم في روح بين حصاد النعم، ومدارج المثلات. فقال له الرشيد: قدك، قد سللت علينا لسانك، وهو أمضى سيفيك! قال: هو لك إن قبلت لا عليك. قال: فهل من حاجة خاصة بعد العامة؟ قال: بعد بذل مكنون النصيحة، وتجريد الموعظة؟! أتأمرني أن أسود وجه موعظتي بالمسألة؟ والتفت الرشيد إلى محمد بن الحسن، فقال: ناظره بين يدي حتى أكون فاصلاً بينكما، فإن اختلفتما في فرع رجعتما إلى الأصل. قال: فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا شافعي، ما تقول في رجل تزوج بامرأة، ودخل بها، وتزوج بالثانية، ولم يدخل بها، وتزوج بالثالثة، ودخل بها، وتزوج بالرابعة ولم يدخل بها. أصاب الثانية أم الأولى، وأصاب الثالثة عمة الرابعة. فقال الشافعي: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيء، ويتمسك بالأولى والثالثة. قال: ما حجتك؟ قال الشافعي: أما الثانية فإن الله - عز وجل - يقول: " فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم ". وأما الرابعة فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها أو خالتها. ما تقول أنت يا محمد؟ كيف استقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة يوم النحر وكبر؟ قال: فتعتع محمد بن الحسن. فقال الشافعي: يسألني عن الأحكام فأجيبه، وأسأله عن سنة من سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتاج إليها الصادر والوارد فلا يجيبني، أفمن الإنصاف هذا؟ فتبسم الرشيد، وأمر للشافعي بعشرة آلاف دينار، فخرج الشافعي، ففرقه على باب داره، وانصرف مكرماً قال الأصمعي: رأيت أمير المؤمنين المأمون سنة أربع عشرة ومائتين يقول: لقد خص الله تعالى محمد بن إدريس الشافعي بالورع والعلم والفصاحة والأدب والصلاح والديانة، لقد سمعت أبي هارون يتوسل إلى الله به والشافعي حي يرزق.
عن أبي ثور قال:
كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له " كتاب الرسالة ".
قال عبد الرحمن بن مهدي: لما نظرت في " كتاب الرسالة " لمحمد بن إدريس أذهلني؛ لأنني رأيت كلام رجل عاقل فقيه ناصح، وإني لأكثر الدعاء له. وقال يحيى بن سعيد القطان مثل قول عبد الرحمن بن مهدي.
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا قريشاً؛ فإن عالمها يملأ الأرض علماً. اللهم إنك أذقت أولها عذاباً - أو وبالاً - فأذق آخرها نوالاً ".
عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اللهم اهد قريشاً؛ فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً، اللهم كما أذقتهم عذاباً فأذقهم نوالاً - دعا بها ثلاث مرات:.
قال عبد الملك بن محمد: في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن عالمها يملأ الأرض علماً، ويملأ طباق الأرض "، علامة بينة للمميز أن المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش، قد ظهر علمه، وانتشر في البلاد، وكتبوا تآليفه كما تكتب المصاحف، واستظهروا أقواله، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت إلا بالشافعي، إذ كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن
بعدهم، وإن كان علمه قد ظهر وانتشر فإنه لم يبلغ مبلغاً يقع تأويل هذه الرواية عليه، إذ كان لكل واحد منهم نتف وقطع من العلم، ومسألات، وليس في كل بلد من بلاد المسلمين مدرس ومفت ومصنف يصنف على مذهب قرشي إلا على مذهبه، فعلم أنه بعينه لا غيره، وهو الذي شرح الأصول والفروع، وازدادت على مر الأيام حسناً وبياناً.
قال أبو حسان الزيادي: كنت في دهليز محمد بن الحسن يوماً، وقد ركب محمد، فجاء الشافعي، قال: فلما نظر محمد إلى الشافعي ثنى رجله فنزل، ثم قال لغلامه: اذهب فاعتذر. قال: فقال له الشافعي: لنا وقت غير ذا. قال فأخذ بيده، فدخلا الدار.
قال أبو حسان: فاختار مجالسته للشافعي على مرتبته في الدار.
قال الشافعي: كان محمد بن الحسن يقرأ علي جزءاً، فإذا جاء أصحابه قرأ عليهم أوراقاً. فقالوا له: إذا جاء هذا الحجازي قرأت عليه جزءاً، وإذا جئنا قرأت علينا أوراقاً!؟ فقال: اسكتوا، إن تابعكم هذا لم يثبت لكم أحد.
قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعال حتى أريك رجلاً لم ترى عيناك مثله. فأراني الشافعي. وذهبت أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة، فسألته عن أشياء، فرأيته رجلاً فصيحاً حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد كان أوتي فهماً في القراءات.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يصف الشافعي، فيطنب في وصفه، وقد كتب أبي عنه حديثاً صالحاً، وكتب من كتبه بخطه بعد موته أحاديث عدة مما سمعه من الشافعي - رحمه الله.
قال محمد بن الفضل البزاز: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل، ونزلت في مكان واحد معه - أو في الدار، يعني بمكة -
وخرج أبو عبد الله باكراً، وخرجت أنا بعده. فلما صليت الصبح درت المسجد، فجئت مجلس سفيان بن عيينة، فكنت أدور مجلساً مجلساً طلباً لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة، وعلى رأسه جمة. فزاحمت حتى قعدت عند أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، تركت ابن عيينة وعنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزياد بن علاقة، ومن التابعين ما الله به عليم! فقال لي: اسكت، فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا في عقلك، أو في فهمك. وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة؛ ما رأيت أحداً أفقه في دين الله من هذا الفتى القرشي. قلت: من هذا؟! قال: محمد بن إدريس الشافعي.
وقال: ما رأيت مثل محمد بن إدريس الشافعي، ولا ترى، إني لأدعو الله له في سجودي أكثر مما أدعو الله لأبوي. كان الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، فجاء محمد بن إدريس الشافعي طبيباً صيدلانياً.
قال أبو ثور: ما رأينا مثل الشافعي، ولا أرى مثل نفسه. سأله رجل عن الرياء ما هو؟ فقال له مسرعاً: الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختبار النفوس فأحبطت الأعمال.
وقال: من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس الشافعي في علمه، وفصاحته، ومعرفته، وثباته - وفي رواية: وبيانه - وتمكنه فقد كذب. كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه.
قال محمد بن عبد الله بن الحكم: ما أحد ممن خالفنا - يعني خالف مالكاً - أحب إلي من الشافعي.
وقال: ما رأينا مثل الشافعي؛ كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه، فيعرضون عليه، فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم
يقفوا عليها، فيقومون وهم يتعجبون منه. ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية، ويجيء أصحاب الأدب فيقرؤن عليه الشعر، فيفسره. ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها، وغريبها، ومعانيها. وكان من أضبط الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين. وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله.
قال عبد الله بن محمد البلوي: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء، وما بلغ من فصاحتهم وزهدهم وعلمهم. فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن بنانة، فقال: فيم تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد وفصاحتهم، فقال عمر: والله ما رأيت رجل قط أورع، ولا أخشع، ولا أفصح، ولا أصبح، ولا أسمح، ولا أعلم، ولا أكرم، ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - خرجت أنا وهو، والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث بن لبيد قد صحب صالحاً المري، وكان من الخاشعين المتقين الزاهدين. وكان حسن الصوت بالقرآن، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم " هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين. فإن كان لكم كيد فكيدون. ويل يومئذ للمكذبين ". قال: فرأيت الشافعي قد اضطرب وتغير لونه، وبكى بكاء شديداً حتى لصق بالأرض. قال: فأبكاني والله قلقه، وشدة خوفه الله - عز وجل - ثم لم يلبث أن قال: إلهي، أعوذ بك من مقام الكذابين، وإعلام الغافلين. إلهي، خشعت لك قلوب العارفين. وولهت بك همم المشتاقين، فهب لي من جودك، وجللني بسترك، واعف عني بكرم وجهك يا كريم.
عن أبي بكر بن الجنيد قال: حج بشر المريسي، فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شاباً من قريش بمكة، ما أخاف على مذهبنا إلا منه - يعني الشافعي.
وعن الحسن بن الزعفراني قال: حج بشر المريسي سنة إلى مكة، ثم قدم، فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلاً ما رأيت مثله سائلاً، ولا مجيباً - يعني الشافعي - فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد، فاجتمع إليه ناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوماً، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم يوماً قد قدم؟؟؟! فقال: إنه قد تغير عما كان عليه.
قال الزعفراني: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم: فإن أسلم قالوا: شرنا وابن شرنا.
عن أبي هريرة قال: لا أعلمه إلا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
قال أحمد بن حنبل: إن الله يقيض للناس في كل رأس مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب. فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي.
قال الحسن بن محمد الزعفراني: قدم علينا الشافعي واجتمعنا إليه، فقال: التمسوا من يقرأ لكم. فلم يجترئ أحد يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سناً، ما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعي، وأتعجب من جسارتي يومئذ. فقرأت عليه الكتب كلها إلا كتابين، فإنه قرأهما علينا: " كتاب المناسك " و" كتاب الصلاة ". ولقد كتبنا كتب الشافعي يوم كتبناها، وقرأناها عليه، وإنا لنحسب أنا في اللعب.
عن أبي ثور قال: لما ورد الشافعي بغداد جاءني حسين الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه، فقم لنا نسخر به. فقمت، وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول: قال الله، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أظلم علينا البيت، وتركنا بدعتنا، واتبعناه.
قال أبو الفضل الزجاج:
لما قدم الشافعي إلى بغداد، وكان في الجامع إما نيف وأربعون، أو خمسون، حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة، ويقول لهم: قال الله، وقال الرسول، وهم يقولون: قال أصحابنا حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره.
قال حرملة بن يحيى: عن الشافعي قال: سميت بالعراق ناصر الحديث - وفي رواية: ببغداد.
قال الحميدي: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي، فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.
قال أحمد بن حنبل: قدم علينا نعيم بن حماد، وحثنا على طلب المسند، فلما قدم الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء.
وقال: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قدم الشافعي، فبينها لهم. كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي. وقال: لقد كان يذب عن الآثار - رحمه الله.
وقال: هذا الذي ترون كله، أو عامته، من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي، وأستغفر له - وفي رواية: منذ أربعين سنة.
وقال: ستة أدعوا لهم سحراً أحدهم الشافعي.
قال عبد الله أحمد بن حنبل: قلت لأبي.
يا أبه، أي رجل كان الشافعي؛ فإني سمعتك تكثر الدعاء له؟! فقال لي: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر، هل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟ وقال: ما أحد يمس بيده محبرة إلا وللشافعي في عنقه منة.
وقال: كلام الشافعي في اللغة حجة.
وقال: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه.
قال أبو تراب حميد بن أحمد البصري: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله، لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه.
قال إسحاق بن راهويه: كان أحمد بن حنبل مشغوفاً بالشافعي، وبعلمه وفقهه، ووالله ما وضع أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيئاً إلا في موضعه.
قال الحسن بن محمد: كنا نختلف إلى الشافعي عندما قدم إلى بغداد ستة أنفس: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، وأنا - ورجل آخر سماه - وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك.
قال: قال لي أحمد بن حنبل: إذا رأيت أبا عبد الله الشافعي قد خلا فاعلمني. قال: وكان يجيئه ارتفاع النهار، فيبقى معه.
قال الشافعي: وعدني أحمد بن حنبل أن يقدم علي مصر.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى ين معين، فقال له: يا أبا عبد الله، أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته!؟ فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك! قال محمد بن ماجة القزويني: جاء يحيى بن معين يوماً إلى أحمد بن حنبل، فبينا هو عنده إذ مر على بغلته، فوثب أحمد، فسلم عليه، وتبعه، فأبطأ، ويحيى جالس، فلما جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله، كم هذا؟! فقال أحمد: دع هذا عنك، إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة! قال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحمد بالرأي - وذكر الثوري والأوزاعي ومالكاً وأبا حنيفة - إلا والشافعي أكثر اتباعاً، وأقل خطأ منه.
كان الشافعي من معادن الفقه، وجهابذة الألفاظ، ونقاد المعاني، ومن كلامه: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني، لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء، لا تزيد، ولا تنقص؛ أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة مواتية من صورة صاحبهتا. وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون لهواً بهرجاً، وساقطاً مدحرجاً.
سئل أبو ثور، فقيل: أيما أفقه، الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود.
قال هلال بن العلاء الرقي:
من الله تعالى على الناس بأربعة من زمانهم: بالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيدة، ويحيى بن معين؛ فأما الشافعي فبفقه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبا عبيدة ففسر لهم غريب الحديث، لولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ، وأما يحيى بن معين فنفى الكذب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين الصادق من الكاذب، وأما أحمد بن حنبل فجعله الله للناس إماماً في القرآن، لولا ذلك لكفر الناس.
قال داود بن علي الأصبهاني: اجتمع للشافعي - رحمه الله - من الفضائل ما لم يجتمع لغيره. فأول ذلك: شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنها: صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع، ومنها: سخاوة النفس، ومنها: معرفته بصحة الحديث وسقمه، ومنها:
معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه، ومنها: حفظه لكتاب الله، وحفظه لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعرفته بسير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبسير خلفائه، ومنها: كشفه لتمويه مخاليفه، ومنها: تأليفه الكتب القديمة والجديدة، ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة مثل: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة. ومثل: سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين القلاس وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع بن سليمان المرادي، وأبي الوليد موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال، وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني. ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء من الأصحاب ما اتفق له، رحمة الله عليه وعليهم أجمعين.
قال البهيقي: إنما عدد داود بن علي من أصحاب الشافعي جماعة يسيرة وقد عد أبو الحسن الدارقطني من روى عنه أحاديثه، وأخباره وكلامه زيادة على مائة مع قصور سنة عن سن أمثاله من الأئمة، وإنما تكثر الرواة عن العالم إذا جاوز سنة الستين أو السبعين، والشافعي لم يبلغ في السن أكثر من أربع وخمسين.
قال أحمد بن علي الجرجاني: كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول: حدثنا سيد الفقهاء الشافعي.
قال الزعفراني: كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقلت له: يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي؟ فقال: دعنا، لو كان الكذب له مطلقاً لكانت مروءته تمنعه أن يكذب.
وفد ذكر توثيقه في أكثر من خبر عن يحيى بن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأبي داود، وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثاً فيه خطأ.
قال يونس بن عبد الأعلى: كنت أولاً أجالس أصحاب التفسير، فكان الشافعي إذا أخذ في التفسير فكأنه شهد التنزيل.
قال أبو حسان الزيادي: لما رأيت إكرام الشافعي، وإصغاءه إلى ما نقول، وانتزاعه من القرآن المعاني، والعبارة عن المعاني أنست به، فكنت أسأله عن معاني القرآن، فما رأيت أحداً أقدر على معاني القرآن والعبارة عن المعاني، والاستشهاد على ذلك من قول الشعر، أو اللغة منه.
قال المزني، أو الربيع:
كنا عند الشافعي بين الظهر والعصر إذ جاء شيخ عليه جبة صوف، وعمامة صوف، وإزار صوف، وفي يده عكازة. قال: فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، واستوى جالساً. وسلم الشيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟ فقال: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ قال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين قلت: اتفاق الأمة من كتاب الله أم من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فقال: من كتاب الله، قال: فتدبر الشافعي ساعة، فقال للشافعي - وفي رواية: فقال: يا شيخ - قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها، فإن جئت بالحجة من كتاب الله في الاتفاق وإلا تب إلى الله - عز وجل - قال: فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب، فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن. قال: فخرج إلينا في اليوم الثالث، في ذلك الوقت - يعني بين الظهر والعصر - وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه، وهو مسقام، فجلس، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ، فسلم وجلس، فقال: حاجتي! فقال الشافعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله - عز وجل -: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم "، لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو مرضي. فقال: صدقت.
قال الشافعي: فلما ذهب الرجل قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه.
وقال: لما أردت إملاء " تصنيف أحكام القرآن " قرأت القرآن مائة مرة.
قال هارون بن سعيد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسن صلاة، ولا وجهاً منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأينا أحسن كلام منه، فأفتتنا به.
قال البويطي: قلت للشافعي: إنك تتعبنا في تأليف الكتب وتصنيفها، والناس لا يلتفتون إليك ولا إلى تصنيفك! فقال لي: إن هذا هو الحق، والحق لا يضيع.
وقال الشافعي: ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ".
فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب أو السنة فقد رجعت عنه.
وقال: وددت أن كل علم تعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني.
وقال محمد بن مسلم بن وارة الرازي: سألت أحمد بن حنبل، قلت، ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه لتفتح لي الآثار: رأي مالك، أو الثوري، أو الأوزاعي؟ فقال لي قولاً أجلهم أن أذكر ذاك، وقال: عليك بالشافعي، فإنه أكثرهم صواباً، أو أتبعهم للآثار. قلت لأحمد: فما ترى في كتب الشافعي؛ التي عند العراقيين أحب إليك، أو التي عندهم بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكم، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذاك ثم. فلما سمع ذلك من أحمد بن حنبل، وكنت قبل ذلك قد عزمت على الرجوع إلى البلد، وتحدث بذلك الناس، ثم تركت ذاك وعزمت على الرجوع إلى مصر.
قال إسحاق بن راهويه: كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إلي من كتب الشافعي ما يدخل حاجتين فوجه إلي بكتاب " الرسالة ". وتزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي.
قال المزني: كتبت " كتاب الرسالة " منذ زيادة على أربعين سنة، وأنا أقرؤه، وأنظر فيه، ويقرأ علي، ما من مرة قرأت، أو قرئ علي إلا استفدت منه شيئاً لم أكن أحسنه.
قال أبو الحسن الشافعي: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم، فقلت: يا رسول الله، بم جزي محمد بن إدريس الشافعي حين يقول في ذكر الصلاة عليك في " كتاب الرسالة ": وصلى الله على محمد كلما ذكره ذاكر، وغفل عن ذكره غافل. قال: " جزي أنه لا يوقف للحساب يوم القيامة ".
قال الربيع بن سليمان: رأيت الشافعي في المنام، قلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في الفردوس الأعلى، فقلت: بماذا؟ قال: بكتاب صنعته وسميته بكتاب الرسالة.
وقد نوه أحمد بن حنبل باتباع الشافعي للسنة، وقال: صاحب حديث لا يستغني عن كتب الشافعي. وقال علي بن المديني: عليكم بكتب الشافعي.
قال أبو زرعة:
سمعت كتب الشافعي من الربيع أيام يحيى بن عبد الله بن بكير سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بعت ثوبين رقيقين كنت حملتهما لأقطعهما لنفسي، فبعتهما وأعطيت الوراق.
قال الجاحظ: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا فلم أر أحسن تأليفاً من المطلبي؛ كأن فاه نظم دراً إلى در.
وسئل محمد بن إسحاق بن خزيمة: هل تعرف سنة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا.
قال الربيع بن سليمان - وذكر الشافعي، فقال: لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه، كان والله لسانه أكبر من كتبه.
وقال يونس بن عبد الأعلى: ما كان الشافعي إلا ساحراً، ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله. كانت ألفاظ الشافعي كأنها سكر.
قال عبد الملك بن هشام النحوي: طالت مجالستنا محمد بن إدريس الشافعي فما سمعت منه لحنة قط، ولا كلمة غيرها أحسن منها.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي عربي النفس، عربي اللسان. وقال: كلما ذكرت ما أكل التراب من لسان الشافعي هانت علي الدنيا. وقال سمعت عبد الملك بن هشام النحوي يقول: الشافعي ممن تأخذ عنه اللغة.
وقيل لمحمد بن عبد الله بن الحكم: يا أبا عبد الله، كان الشافعي حجة في اللغة؟ فقال: إن كان أحد من أهل العلم حجة في شيء فالشافعي حجة في كل شيء.
وقال المبرد: رحم الله الشافعي، كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأفصح الناس، وأعرفهم بالقراءات. وكان الشافعي يقول: تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة. وقال: إعراب القرآن أحب إلي من بعض حروفه. وقرأ رجل على الشافعي، فلحن، فقال الشافعي: أضرستني.
قال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي: قلت لعمي: يا عماه، على من قرأت شعر هذيل؟ قال: على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس.
وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي مصعب، فسألته: عمن أخذتها؟ فقال: أخذتها من محمد بن إدريس الشافعي حفظاً.
قال أحمد بن صالح: قال لي الشافعي: يا أبا جعفر، تعبد من قبل أن ترأس؛ فإنك إن ترأست لا تقدر أن تتعبد. قال: وكان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صنج أو جرس من حسن صوته.
قال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا: بعضنا - وفي رواية: بعض - لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي نقرأ القرآن. فإذا أتيناه استفتح بالقرآن حتى تتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القرآن، من حسن صوته.
قال محمد بن عبد الله بن الحكم: كنت إذا رأيت من يناظر الشافعي رحمته. وقال: لو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك.
وقال هارون بن سعيد الأيلي: لو أن الشافعي ناظر على هذه العمود التي من حجارة أنها من خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.
وقال الشافعي: ناظرت بعض أهل العراق، فلما فرغت قال: زلفت يا قرشي.
قال بعض أهل العربية: يعني قربت من أفهامهم، بفصاحته.
وسئل الشافعي عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول: " من المتقارب "
إذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بالنظر
ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنني مدرة الأصغرين ... فتاح خير وفراج شر
وكان سئل عن رجل في فيه تمرة، فحلف بالطلاق أنه لا يبلعها، ولا يرمي بها، فقال له الشافعي: يبلع نصفها، ويرمي بنصفها حتى لا يكون بالعاً لها كلها، ولا يلفظ بها كلها.
عن أبي ثور قال: سمعت الشافعي يقول: ناظرت بشر المريسي في القرعة، فقال: القرعة قمار. فذكرت ما دار بيني وبينه لأبي البختري، وكان قاضياً، فقال: ائتني بآخر يشهد معك حتى أضرب عنقه.
قال: وسمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قتل وله أولياء صغار وكبار، هل للكبار
أن يقتلوا دون الأصاغر؟ فقال: لا، فقلت: قتل الحسن بن علي ابن ملجم، ولعلي أولاد صغار، فقال: أخطأ الحسن بن علي، فقلت له: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟! قال: وهجرته يومئذ.
وقال: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته، واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد، ودافع الحجة إلا سقط من عيني. وما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة، فإني أحب أن ينكشف أمره للناس.
وقال: ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة.
قال أحمد بن حنبل: كان أحسن أمر الشافعي عندي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله. وقال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، وإنما همته الفقه.
قال أحمد بن حنبل: قال محمد بن إدريس الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا؛ فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه كوفياً كان أو بصرياً، أو شامياً.
وفي رواية أخرى: قال لنا الشافعي: إذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه.
قال أبو بكر البيهقي: وإنما أراد حديث أهل العراق - والله أعلم - ليأخذ بما صح عندهم من أحاديث أهل العراق كما أخذ بما صح عنده من أحاديث أهل الحجاز.
قال الشافعي: كلما قلت، فكان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى، فلا تقلدوني.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي - وروى حديثاً - فقال له رجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً صحيحا ًفلم آخذ به فأشهدكم والجماعة أن عقلي قد ذهب - وأشار بيده إلى رؤوسهم.
وقال في رواية أخرى: أفي الكنيسة أنا، أوترى على وسطي زناراً؟ نعم، أقول به، وكل ما بلغني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت به.
وقال: إذا وجدتم سنة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي فخذوا بالسنة ودعوا قولي، فإني أقول بها.
عن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي قال: جلس محمد بن إدريس الشافعي يوماً في خيمة، فجاءه عالم حدث، فسأله عن مسألة، فأجابه فيها، ثم سأله عن أخرى، فقال له: أخطأت يا أبا عبد الله، فأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه ثم قال له: أخطأت يا بن أخي ما في كتابك، فأما الحق فلا؟ قال إسماعيل المزني: قال الشافعي: الرجل من أحرز دينه، وضن به.
قال إسماعيل: ورأيت الشافعي يضن بدينه.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.
قال حين الكرابيسي: بت مع الشافعي، فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ بالله منه، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين؛ فكأنما جمع له الرجاء والرهبة معاً.
قال الخطيب: قد كان الشافعي بأخرة يديم التلاوة، ويدرج القراءة.
وروى بسنده عن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة، فإذا كان في شهر رمضان ختم في كل ليلة منه ختمة، وفي كل يوم ختمة، فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
وقال: كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة. قيل: في صلاة رمضان؟ قال: نعم.
وقال: كان الشافعي لا يصلي مع الناس التراويح، لكنه كان يصلي في بيته، ويختم في رمضان ستين ختمة ليس منها سورة إلا في صلاة، وكان يختم في سائر السنة ثلاثين ختمة في كل شهر.
وقال: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ عشرين سنة - وفي رواية: ما شبعت منذ ستة عشر سنة إلا شبعة، ثم أدخلت يدي فتقيأته؛ لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقال: قال لي الشافعي: يا ربيع، عليك بالزهد؛ فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.
قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقاً، ولا كاذباً.
قال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصره، فرجع، ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل، فقال: لا يحل افتراش هذا؟! فقام الخادم متبسماً حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه، فقال: هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمناً منه. فتبسم الخادم، وسكت.
قال السجستاني: وحدثني أبو ثور قال: أراد الشافعي الخروج إلى مكة، ومعه مال، فقلت له: - وقلما كان يمسك الشي من سماحته - ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة تكون لك ولولدك من بعدك. فخرج، ثم قدم علينا، فسألته عن ذلك المال، ما فعل به؟ فقال: ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأصلها، أكثرها قد وقفت عليه، ولكن بنيت بمنى مضرباً يكون لأصحابنا إذا حجوا، ينزلون فيه.
عن الربيع بن سليمان قال: قال لنا الشافعي: دهمني في هذه الأيام أمر أمضني وآلمني، ولم يطلع عليه غير الله، فلما كان البارحة أتاني آت في منامي، فقال: يا محمد بن إدريس، قل اللهم إني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وفيتني، اللهم فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية. فلما أن أصبحت أعدت ذلك، فلما أن ترجل النهار أعطاني الله طلبتي، وسهل لي الخلاص مما كنت فيه. فعليكم بهذه الدعوات، فلا تغفلوا عنها.
وقال عبد الله بن عبد الحكم الشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد - يعني مصر - فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزز به. فقال الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزه التقوى فلا عز له، ولقد ولدت بغزة، وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً قط.
وقال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أعطه أربعة دنانير، واعذرني عنده.
قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: أنست بالفقر حتى صرت لا أستوحش منه.
قال عمرو بن سواد السرحي: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط.
قال المزني: سمعت الشافعي يقول: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا، والآخرة بعد، إلا يلحقهما بدعة.
وكنت يوماً مع الشافعي، فخرجنا الأكوام فمر بهدف، وإذا رجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حس الرمي، فأصاب بأسهم، فقال له الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، ثم قال لي: أمعك شيء؟ فقلت: معي ثلاثة دنانير، قال: أعطه إياها، واعذرني عنده إذ لم يحضرني غيرها.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي راكباً حماراً، فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين، فأخذ السوط، ومسحه بكمه، وناوله إياه. فقال الشافعي لغلامه: ادفع تلك الدنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الربيع: فلست أدري كانت تسعة دنانير أو سبعة.
وقال: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين ديناراً، فقال: كم أعطيتها؟ قلت: ستة دنانير. فصعد داره، وأرسل إلي بصرة فيها أربعة وعشرون ديناراً.
قال: وكان الشافعي به هذه البواسير، وكانت له لبدة محشوة بحلبة، فكان يقعد عليها، فإذا ركب أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلف حماره، فبينا هو يمر إلى منزله ناوله إنسان رقعة فيها: إنني رجل بقال أبيع البقل، ورأس مالي درهم، وقد تزوجت امرأة، وأريد أن أدخل بها، وليس إلا ذلك الدرهم! تعينني بشيء؟ فقال لي: يا ربيع، أعطه ثلاثين ديناراً، واعذرني عنده. قال: قلت: أصلحك الله، إن هذا تكفيه عشرة دراهم! قال: ويحك يا ربيع! وما يصنع بثلاثين ديناراً؟ أفي كذا، أم في كذا - يعد ما يصنع في جهازه - أعطه ثلاثين ديناراً، واعذرني عنده.
وقال: ولدت لنا شاة في زمان ليس فيه لبأ، فأمرت بلباها، فعمل، ثم تركته حتى برد واستحكم، فصفيته، وجعلته في جام، ولففته في منديل ديبقي، وختمته، وأنفذته إلى الشافعي لأتحفه به، فأعجبه، فقبله، ورد علي الجام، وفيه مائة دينار عيناً.
قال إبراهيم بن محمد: باع الشافعي ضيعة له بعشرة آلاف درهم، فصبه على نطع بمنى، فكل من أتاه حثى له - من الأشراف وأهل العلم، وأهل الأدب - بكفه، حتى بقي شيء يسير على النطع، فأتاه أعرابي من بني سدوس، فقال له: يا فتى، لي عندك يد، فكافئني عليها، قال له: وما تلك اليد يا عم؟ قال: حضرت هذا الموسم وأنت مع عمومتك، وهم يشترون الأضحية، فضربت يدك إلى درة شاة، فقلت: يا عم، اشتر لي هذه. فقلت للرجل: أحسن إلى الفتى، فأحسن إليك بقولي. فقال الشافعي: إن هذه ليد جليلة، خذ النطع وما عليها.
قال الحميدي: قدم الشافعي من اليمن، ومعه عشرون ألف دينار، فضرب خيمته خارجاً من مكة، فما قام حتى فرقها كلها.
قال إبراهيم بن برانه - وكان جليساً للشافعي:
دخلت مع الشافعي حماماً، فخرجت قبله. وكان الشافعي طوالاً جسيماً نبيلاً، وكان إبراهيم طوالاً جسيماً. فليس إبراهيم ثياب الشافعي، ولبس الشافعي ثياب إبراهيم، والشافعي لا يعلم أنها ثياب إبراهيم، وإبراهيم لا يعلم أنها ثياب الشافعي. فانصرف الشافعي إلى منزله، فنظر، فإذا هي لإبراهيم، فأمر بها، فطويت، وبخرت، وجعلت في منديل. ونظر إبراهيم، فطواها، وبخرها وجعلها في منديل. ثم راحا جميعاً، فجعل الشافعي ينظر إلى إبراهيم ويتبسم إليه وجعل إبراهيم نظر إلى الشافعي ويتبسم إليه. فلما صليت العصر قال إبراهيم: أصلحك الله، هذه ثيابك، فقال الشافعي: وهذه ثيابك، والله لا يعود إلي منها شيء، ولا يلبسها غيرك. فأخذهما إبراهيم جميعاً.
قال محمد بن عبد الحكم المصري: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا
لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية، اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه، وتتغدى.
قال أبو جعفر أحمد بن الحسن المعدل: أنشدت للشافعي: " من البسيط "
يا لهف نفسي على مال أفرقه ... على المقلين من أهل المروءات
إن اعتذرت إلى من جاء يسألني ... ما لست أملكه إحدى المصيبات
قال الربيع بن سليمان: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له.
وقال: كان أصحاب مالك يفخرون، فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معماً، والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاثمائة معمم سوى من شذ عني.
وقال: اشتريت للشافعي طيباً بدينار، فقال لي: ممن اشتريت؟ فقلت: من ذاك الأشقر الأزرق، فقال: أشقر أزرق! رده، رده، وقال: ما جاءني خير قط من أشقر.
قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: احذر الأعور، والأحول، والأعرج، والأحدب، والأشقر، والكوسج، وكل من به عاهة في بدنه، وكل ناقص الخلق فاحذره؛ فإنه صاحب التواء ومعاملة عسرة، وقال الشافعي مرة أخرى: فإنهم أصحاب خب.
قال أبو محمد بن أبي حاتم: يعني إذا كان ولادهم بهذه الحالة، فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل وكان في الأصل صحيح التركيب لم تضر مخالطته.
قال الربيع: كنت عند الشافعي، أنا والمزني، وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه وجدله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد.
قال الربيع: فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيداً إلى أنصاف ساقيه، مغلولة - يعني يديه - إلى عنقه.
وقال الربيع: كنت في الحلقة إذ جاءه - يعني الشافعي - رجل، فسأله عن مسألة، فقال له الشافعي: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء.
وقال: جاز أخي في صحن المسجد، فقال لي الشافعي: يا ربيع، أتريد أخاك؟ - ولم يكن رآه قط - قلت: نعم، أيدك الله، قال: هو ذاك! قال: فكان أخي.
قال ابن أخي ابن وهب: ما قدم علينا بلدنا فقيه ولا محدث أكثر حفظاً للحكايات والأسمار من الشافعي.
قال المزني: سمعت الشافعي يقول: من لا يحب العلم فلا خير فيه، ولا يكون بينك وبينه معرفة ولا صداقة.
وقال: تعلموا العلم ممن هو أعلم منكم، وعلموا من أنتم أعلم منه؛ فإذا فعلتم ذلك علمتم ما جهلتم، وحفظتم ما علمتم.
وقال: أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق.
قال الأصمعي: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: العاقل يسأل عما يعلم، وعما لا يعلم، فيثبت فيما يعلم، ولا يتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعليم، ويأنف من التعلم.
وقال: إن لكل رأي ثمرة، ولكل تدبير عافية، وكل مشورة اختياراً، وعلى قدر درجات الصواب تكون العافية والسلامة، وعلى قدر طبقات الخطأ يكون الفوت والندامة.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من قرأ القرآن عظمت قيمته، ومن تفقه نبل أمره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن تعلم اللغة رق طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
وقال: قلت للشافعي: من الوغد من الرجال؟ فقال لي: الذي يرى الفضل نقصاً، والعلم جهلاً.
وقال: خرج علينا الشافعي ذات يوم، ونحن مجتمعون، فقال لنا: اعلموا - رحمكم الله - إن هذا العلم يند كما تند الإبل؛ فاجعلوا الكتب له حماة، والأقلام عليه رعاة.
وقال: العلم كثير، والحكماء قليل، وإنما يراد من العلم الحكمة، " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ".
وقال: أحسن الاحتجاج ما أشرقت معانيه، وأحكمت مبانيه، وابتهجت له قلوب سامعيه.
وقال: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
وقال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
قال داود بن علي: قال الشافعي: حياة الأرض بالديم، وحياة النفوس بالهمم، وحياة القلوب بالحكم.
قال محمد بن يحيى بن حسان: سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين، وعلم الدنيا؛ فالعلم الذي للدين فهو الفقه، والعلم الذي للدنيا فهو الطب.
قال يونس بن عبد الأعلى: قال لنا الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاحك فالزمه.
قال المسيب بن واضح: سمعت الشافعي يوصي شاباً من أصحابه يقول له: الزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم، فإنما أكثر من يندم إذا هو نطق، وقل من يندم إذا سكت، واعلم بأن الرجوع عن الصمت إلى الكلام أحسن من الرجوع عن الكلام إلى الصمت، والعطية بعد المنع أحسن من المنع بعد العطية.
قال أبو ثور إبراهيم بن خالد: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: ضياع الجاهل قلة عقله، وضياع العالم أن يكون بلا إخوان؛ وأضيع من هؤلاء أن يؤاخي الإنسان من لا عقل له.
وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: آلات الرئاسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.
وقال: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلاً من لا يرى فضله.
قال الربيع: وسمعت الشافعي يقول: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان.
وقال: كتب الشافعي إلى رجل من أهل الحلقة يهنئه بولد رزقه ذكر: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فبارك الله لك في الفارس المستفاد، وجعله طيباً من الأولاد، وحسن وجهه، وجمل صورته، وأسعد جده، وبلغك أملك به. فقر عيناً يا أخي، واشدد به عضداً، وازدد به ولداً.
قال محمد بن عيسى الزاهد: مات لعبد الرحمن بن مهدي ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع من الطعام والشراب، فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي، فكتب إليه: أما بعد، فعز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؟ فأقول: " من البسيط "
إني معزيك لا أني على طمع ... من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد صاحبه ... ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
قال: فكانوا يتهادونها بينهم بالبصرة.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي ينشد: " من الطويل "
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفني عليه يغيب
غفلنا لعمر الله حتى تراكمت ... علينا ذنوب بعدهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب
وقال المزني: أنشدنا الشافعي لنفسه: " من السريع "
لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافيه
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: " من الهزج "
إذا القوت تأتى ل ... ك والصحة والأمن
فأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن
أنشد ابن جوصا بدمشق للشافعي: " من الوافر "
أمنت مطامعي فأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون
وأحييت القنوع وكان ميتاً ... ففي إحيائه عرض مصون
إذا طمع يحل بقلب عبد ... علته مهانة وعلاه هون
عن المزني قال: أخذ الشافعي بيدي ثم أنشدني: " من الطويل "
أحب من الإخوان كل مواتي ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كل خير أريده ... ويحفظني حياً وبعد مماتي
ومن لي بهذا؟ ليتني قد أصبته ... فقاسمته مالي من الحسنات
تصفحت إخواني فكان جميعهم ... على كثرة الإخوان غير ثقات
قال عباس الأزرق: دخلت على أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - فذكر قصة، وقال: - فقال الشافعي: " من الكامل "
إن الذي رزق اليسار فلم يصب ... حمداً ولا أجر لغير موفق
فالجد بدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق
وإذا سمعت بأن كل مجدودأً حوى ... عوداً فأثمر في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق
وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلى بعيش ضيق
ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
أنشد يونس بن عبد الأعلى للشافعي: " مجزوء الكامل "
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بقدرك
قال أبو العباس الأبيودري: خرج الشافعي محمد بن إدريس إلى اليمن إلى ابن عم له، فبره ببر غير طائل، فكتب إليه الشافعي: " من الطويل "
أتاني بر منك في غير كنهه ... كأنك عن بري يداك تحيد
لسانك عش بالنوال ولا أرى ... يمينك إذا جاد اللسان تجود
تفرق عنك الأقربون لشأنهم ... وأشفقت أن تبقى وأنت وحيد
وأصبحت بين الحمد والذم واقفاً ... فيا ليت شعري أي ذاك تريد
قال إبراهيم بن خالد: رأيت في منامي ليلة الجمعة قائلاً يقول: يكون في يوم الاثنين فزع عظيم، وفتنة صماء غير أن الله تعالى عن محمد بن إدريس الشافعي راض، وله محب. فأعدت ذلك على الشافعي، فقال لي: رؤيا نسأل الله خيرها، ونعوذ به من شرها وضرها. قال: فلما كان يوم الاثنين رأينا من الفزع والفتن أكثر مما قال لنا القائل في المنام.
قال أبو بكر الديلي إمام مسجد الرملة: كنت بمدينة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً بالروضة، فإذا أنا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه، فقلت: يا رسول الله، في نفسي حاجة أسألها، قال: قلت، فقلت: يا رسول الله، أحب أن أنتحل أحد المذاهب، فقال لي: مذهب الشافعي - مرتين - فقالوا له فقالوا له في ذلك، فقال: ما اخترته، بل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختاره.
قال الحسين بن محمد بن داود أبو علي الدينوري بأسد أباذ: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفارسين معه، فسألت عنهما، فقيل: هذا أبو بكر، وهذا عمر، فتقدمت إليه، فقلت: يا رسول الله، إني أذهب مذهب الشافعي، فقال لي بيده: واستمسك به، فإنه العروة الوثقى.
قال محمد بن نصر الترمذي: كتب الحديث تسعاً وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك من قوله، ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي. فبينما أنا قاعد في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة إذ غفوت غفوة، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا، قلت: أكتب رأي مالك؟ قال: ما وافق حديثي، قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي، وقال: ليس هذا بالرأي، هذا رد على من خالف سنتي. فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، فكتبت كتب الشافعي.
قال أحمد بن الحسن الترمذي: كنت في الروضة، فأغفيت، فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقبل، فقلت: يا رسول الله، قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف، ونفض يده! فقلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده، وطأطأ، وقال: أصاب وأخطأ، قلت: فما تقول في رأي الشافعي: قال: بأبي ابن عمي، أحيا سنتي.
وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أما ترى ما في الناس من الاختلاف؟ قال: فقال لي: في أي شيء؟ قلت: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي. فقال: أما أبو حنيفة فما أدري من هو، وأما مالك فقد كتب العلم، وأما الشافعي فمنني وإلي.
قال المزني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسألته عن الشافعي، فقال: من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي؛ فإنه مني وأنا منه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة:
كنا نسمع أن من مارس البز، وتفقه بمذهب الشافعي، وقرأ لعاصم فقد كمل ظرفه.
قال الربيع: سمعت الشافعي يقول - في قصة ذكرها -: " من الطويل "
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامه والقفر
فوالله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري
قيل: فسيق والله إليهما جميعاً.
عن محمد بن عبد بن عبد الحكم قال: بلغ الشافعي أن أشهب بن عبد العزيز يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي؛ فإنك إن أبقيته اندرس مذهب مالك. قال: فتعجب من ذلك: وأنشد: " من الطويل "
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تجهز لأخرى مثلها فكان قد
قال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي؛ فدخلت عليه، فقال لي: أبا موسى، اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من " آل عمران "، وأخف القراءة، ولا تثقل. فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني فإني مكروب.
قال يونس: عنى الشافعي بقراءتي ما بعد العشرين والمائة ما لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، أو نحوه.
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أوصى الشافعي إلى أبي: فرأيت في آخر وصيته: ومحمد بن إدريس يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على محمد عبد ورسوله، وأن يرحمه، فإنه فقير إلى رحمته، وأن يجيره من النار، فإن الله غني عن عذابه، وأن يخلفه في جميع ما خلفه بأفضل ما خلف به أحداً من المؤمنين، وأن يكفيهم فقده، ويجبر مصيبتهم، والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته. وكتب في شعبان سنة ثلاث ومائتين.
قال إسماعيل بن يحيى المزني: دخلت على محمد بن إدريس الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟ قال؛ فرفع رأسه، فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولسوء فعلي - وفي رواية: عملي - ملاقياً، وعلى الله وارداً، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو - في رواية: أم - إلى الناس فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول: " من الطويل "
إليك إله الخلق أرفع رغبتي ... وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك ما يقوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فإن تعف عني تعف عن متمرد ... ظلوم غشوم ما يزايل مأثما
وإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو أدخلت نفسي بجرمي جهنما
فجرمي عظيم من قديم وحادث ... وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسما
قال الربيع بن سليمان المرادي: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا، فقلت: إنهم يتكلمون. فقال لي الشافعي: ما ناظرت أحداً قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب - يعني كتبه - على ألا ينسب إلي منه شيء. قال هذا الكلام يوم الأحد، ومات هو يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
وسئل الربيع عن سن الشافعي، فقال: نيف وخمسون سنة.
ومن طريق آخر عن الربيع: مات الشافعي سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمس سنة.
قال عبد الله بن عدي الحافظ: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي بمصر على لوحين حجارة، أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه نسبته إلى إبراهيم الخليل: هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين، عليه يحيا، وعليه مات، وعليه يبعث حياً إن - شاء الله - وتوفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين.
قال الربيع: كنا جلوساً في حلقة الشافعي بعد موته بيسير، فوقف علينا أعرابي، فسلم ثم قال: أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا: توفي - رضي الله عنه - فبكى بكاء شديداً وقال: رحمه الله، وغفر له، فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة، ويسد على خصمه واضح المحجة، ويغسل من العار وجوهاً مسودة، ويوسع بالرأي أبواباً منسدة.
قال أحمد بن حنبل: رأيت الشافعي أبا عبد الله بن إدريس في المنام، فقلت له: يا أخي، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني، وزوجني، وقال لي: هذه بما لم تزه بما أرضيتك، ولم تتكبر فيما أعطيتك.
قال الربيع بن سليمان: رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب.
قال أبو عبد الله الهروي الحافظ: رأيت قبر أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ووقفت عليه، وهو بالقرب من قبور آل عبد الله بن عبد الحكم، وترحمت عليه، وأحسبه رأيته قبراً لاطئاً بالأرض، ودفوف حول صغار.
أنشد أبو الغنائم الحسن بن علي بن حماد لبعض الأعراب وقد عبر بقبر الشافعي: " من السريع "
راحت وفود الأرض عن قبره ... فارغة الأيدي ملاء القلوب
قد علمت ما رزئت، إنما ... يعرف فقد الشمس بعد الغروب
أظلمت الآفاق من بعده ... وعريت من كل حسن وطيب
قال عثمان بن خرزاذ الأنطاكي: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن الخلائق قد حشروا، وكأن الله قد برز لفصل الفضاء، وكان منادياً ينادي من بطنان العرش: ألا أدخلوا الجنة أبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله. فقلت لملك إلى جنبي: من هؤلاء آباء عبد الله؟ فقال: أما أولهم فسفيان الثوري، وأما ثانيهم فمالك بن أنس، وأما ثالثهم فمحمد بن إدريس الشافعي، وأما رابعهم فأحمد بن حنبل، أئمة أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سيق بهم إلى الجنة.
قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي يرثي أبا عبد الله الشافعي: " من الطويل "
ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دلائلها في المشكلات لوامع
معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنخفض الأعلام وهي فوارع
مناهج فيها للهدى متصرف ... موارد فيها للرشاد شرائع
ظواهرها حكم ومستبطناتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع
لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع
إذا المفظعات المشكلات تشابهت ... سما منه نور في دجاهن لامع
أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يعليه ذو العرش واضع
توخى الهدى واستنقذته يد التقى ... من الزيع إن الزيع للمرء صارع
ولاذ بآثار الرسول فحكمه ... لحكم رسول الله في الناس تابع
وعول في أحكامه وقضائه ... على ما قضى في الوحي والحق ناصع
بطيء عن الرأي المخوف التباسه ... إليه إذا لم يخش لبساً يسارع
جرت لبحور العلم أمداد فكره ... لها مدد في العالمين يتابع
وأنشأ له منشيه من خير معدن ... خلائق هن الباهرات البوارع
تسربل بالتقوى وليداً وناشئاً ... وخص بلب الكهل مذ هو يافع
وهذب حتى لم تشر بفضيلة ... إذا التمست إلا إليه الأصابع
فمن يك علم الشافعي إمامه ... فمرتعه في باحة العلم واسع
سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع
لئن فجعتنا الحادثات بشخصه ... لهن لما حكمن فيه فواجع
فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع
قال الحافظ ابن عساكر:
قد جمع الناس في فضائل الشافعي - رحمه الله - فأكثروا، وفضله - رحمه الله - أكثر مما جعلوا وسطروا. ولأبي الحسين الرازي - والد تمام - أخباره، ولأبي بكر البيهقي في فضله مجلد ضخم، ولأبي الحسن الآبري مجلد ضخم. ولا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرنا، فلذلك اقتصدنا، واقتصرنا، والله يتغمده برضوانه، ويجمع بيننا وبينه في مستقر جنانه.
/
محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الرازي مولى تميم بن حنظلة الغطفاني الحنظلي.
قدم دمشق طالباً للعلم.
حدثنا أبو حاتم الرازي عن داود بن عبد الله، بسنده إلى أبي ذر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يقول: يا ابن آدم! إن لقيتني بملء الأرض ذنوباً، لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بملء الأرض مغفرة ".
وروى عن عمرو بن الربيع، بسنده إلى أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا نفحات الله عز وجل، فإن لله تبارك وتعالى نفحات يصيب بها من يشاء من عباده. وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤامن روعاتكم ".
وعن داود، بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير نساء العالم مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة، وفاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وروى عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس بين شعبها الأربع، فقد وجب الغسل ".
وروى عن محمد بن عمار بسنده، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله. ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ".
حدث عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنتين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي حتى ما زاد على ألف فرسخ تركته.
قال: وسمعت أبي يقول: بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي شيئاً بعد شيء، حتى بقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي. ورجعت إلى بيت خال، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت من الغد، وغدا علي رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف عني، فانصرفت جائعاً. فلما كان الغد غدا علي فقال: مر بنا إلى المشايخ. فقلت: أنا ضعيف لا يمكني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طعمت فيهما. فقال لي رفيقي: معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف الآخر في الكراء. فخرجنا من البصرة، وقبضت منه النصف دينار.
أجمعوا على توثيقه، ووصفوه بالإتقان والتثبت والحفظ.
وقال: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به، فله علي درهم يتصدق به. وقد حضر على أبي الوليد خلق من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه. وإنما كان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب علي حديثاً.
قال أبو حاتم: قال لي أبو زرعة: ترفع يديك في القنوت؟ قلت: لا. فقلت له: فترفع أنت؟ قال: نعم. فقلت: ما حجتك؟ قال: حديث ابن مسعود. قلت: رواه ليث بن أبي سليم. قال: حديث أبي هريرة. قلت: رواه ابن لهيعة. قال: حديث ابن عباس. قلت: رواه عوف. قال: فما حجتك في تركه؟ قلت: حديث أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء. فسكت.
وحدث ابن أبي حاتم الرازي قال: سمعت أبي يقول: اكتب أحسن ما تسمع، واحفظ أحسن ما تكتب، وذاكر بأحسن ما تحفظ.
وأنشد: من الطويل
تفكرت في الدنيا فأبصرت رشدها ... وذللت بالتقوى من الله خدها
أسأت بها ظناً فأخلفت وعدها ... وأصبحت مولاها وقد كنت عبدها
مات أبو حاتم الرازي سنة سبع وسبعين ومئتين، وقال ابن يونس: سنة خمس وسبعين ومئتين.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن صالح أبو بكر العقيلي الأصبهاني الفابزاني حدث عن محمد بن سلم، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إنه لينادي المنادي يوم القيامة: أين فقراء أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فيقوموا فيصفوا صفوف القيامة. ألا من أطعمكم أكلة أو سقاكم شربة أو كساكم خلقاً أو جديداً، فخذوا بيده، فأدخلوه الجنة. فلا يزال صاحبه قد تعلق بصاحبه وهو يقول: يا رب العالمين هذا أرواني، ويقول الآخر: هذا كساني. فلا يبقى من فقراء أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صغير ولا كبير إلا أدخلهم الله الجنة ".
وعن هشام بن عمار بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المشاؤون إلى المساجد في الظلم، أولئك الخواضون في رحمة الله عز وجل ".
توفي محمد بن إسحاق بن إبراهيم العقيلي سنة ثلاث وثمانين ومئتين.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن مهران أبو بكر الضرير البغدادي الصفار شيخ ثقة، أصله من الشام.
أنبأنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصفار، عن محمد بن صالح بسنده إلى ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: " سلني " قلت: مرافقتك في الجنة. قال: " أو غير ذلك؟ " قال: فقلت: هو ذاك. قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود ".
رواه أبو داود والنسائي عن هشام.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله الأنطاكي المعروف بأخي العريف روى عن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أفتى بغير علم، لعنته ملائكة السماء والأرض ".
محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري، والد أبي قصي روى عن معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شهد جنازة فحمل بأربع زوايا السرير، ومشى أمامها، وجلس حتى يدفن، كتب له قيراطان من أجر، أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ".
محمد بن إسحاق بن جعفر - ويقال ابن إسحاق - بن محمد أبو بكر الصغاني ثم البغدادي الحافظ من ثقات الرحالين وأعيان الجوالين، أصله من خراسان، وسكن بغداد.
روى عن روح بن عبادة، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تخلط بسراً بتمر، أو زبيباً بتمر، أو زبيباً ببسر. وقال: " من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً: تمراً فرداً، أو بسراً فرداً، أو زبيباً فرداً ".
رواه مسلم عن أبي بكر الصغاني.
وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أضحى أو فطر إلى المصلى، فصلى، ثم انصرف، فقام فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة فقال: " يا أيها الناس تصدقوا " ثم انصرف فمر على النساء فقال: " يا معشر النساء تصدقن، فإني أراكن أكثر أمل النار " فقلن: وبم ذاك يا رسول الله؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ".
رواه مسلم عن محمد بن إسحاق.
وعن عفان بسنده إلى أبي هريرة أن أعرابياً جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا أنا عملته دخلت الجنة. قال: " تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان " قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً أبداً،
ولا أنقص منه. فلما ولى، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ".
رواه مسلم عنه.
مات أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني سنة سبعين ومئتين.
محمد بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الطلحي حدث عن بشر بن مرحوم، بسنده إلى أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أمتي أمة مرحومة، جعل عذابها بأيديها في الدنيا ".
محمد بن إسحاق بن عمرو بن عمر بن عمران أبو الحسن القرشي المؤذن، المعروف بابن الحريص ختن هشام بن عمار.
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الغضب يفسد الإيمان، كما يفسد الصبر العسل ". ثم قال: " يا معاوية بن حيدة! إن استطعت أن تلقى الله - عز وجل - وأنت تحسن الظن به فافعل، فإن الله عند ظن عبده به ".
توفي محمد بن إسحاق بن الحريص سنة ثمان وثمانين.
محمد بن إسحاق بن محمد بن أحمد ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى أبو جعفر الحلبي والد القاضي أبي الحسن علي بن محمد.
حدث عن الخريمي، بسنده إلى أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلينا معه الفجر، فلما قضى صلاته قال: " ها هنا فلان؟ " قلنا: لا، قال: " ففلان شاهد؟ " قلنا: نعم، قال: " إنه لا صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الغذاة والعشاء الآخرة، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما، ولو حبواً " ثم قال: " الصف الأول على صف الملائكة، وصلاة الرجلين أفضل من صلاة الرجل وحده، وصلاة الثلاثة أفضل من صلاة الرجلين، وما أكثرت فهو أحب إلى الله ".
وحدث عن أبيه، بسنده إلى قتادة قال: سمع عمر بن الخطاب رجلاً يتبع القصص، فقال له: أتحسن سورة يوسف؟ قال: نعم. قال: اقرأها. فقرأ حتى بلغ " نحن نقص عليك أحسن القصص.. "، فقال عمر: أفتريد أحسن من أحسن القصص؟! توفي أبو جعفر محمد بن إسحاق سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده - واسمه إبراهيم بن الوليد - بن سنده بن بطة بن استدار أبو عبد الله العبدي الحافظ أحد المكثرين والمحدثين الجوالين، قدم دمشق.
حدث عن عبد الله بن يعقوب المعدل، بسنده إلى عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً من بعدي. فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم. ومن آذاهم، فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".
وعن أحمد بن علي المقرئ، بسنده، إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاة أو نام عنها، فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ".
وعن سهل بن السري، بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى رجلاً شعث الرأس فقال: " ما لهذا ما يسكن به شعره؟! ".
كان أبو عبد الله محمد بن إسحاق ديناً ثقة صالحاً كثير الحفظ، كتب على ألف شيخ، وثقة كثيرون. وقال بعضهم إن له في معرفة الصحابة أوهاماً وإنه اختلط في آخر عمره.
توفي أبو عبد الله بن منده سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وقيل ست وتسعين.
محمد بن إسحاق بن هاشم بن يعقوب بن رافع أبو عبد الله الهاشمي الرافعي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعرف باليتيم.
حدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة أو ثمانية أو سبعة، قال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " وكنا حديث عهد ببيعة، قلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: "
ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " قلنا: ألسنا قد بايعناك يا رسول الله؟ فقال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟: " قال: فبسطنا أيدينا، فبايعناه، فقال قائل منا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: " على أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وأن تسمعوا وتطيعوا، وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئاً ".
فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه، فلا يسأل أحداً يناوله إياه! محمد بن إسحاق بن يزيد أبو عبد الله البغدادي المعروف بالصيني قدم دمشق.
حدث عن شجاع بن الوليد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً في الدنيا ".
وعن نصر بن حماد، بسنده إلى ابن عباس قال: وقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قتلى بدر فقال: " جزاكم الله عني من عصابة شراً، فقد خونتموني أميناً، وكذبتموني صادقاً " ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام، فقال: " هذا أعتى على الله عز وجل من فرعون؛ إن فرعون لما أيقن بالهلكة وحد الله، وإن هذا لما أيقن بالموت دعا باللات والعزى ".
سئل أبو عون بن عمرو بن عون عن محمد بن إسحاق الصيني فقال: هو كذاب.
محمد بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم أبو بكر دمشقي.
حدث عن عبد الله بن جعفر، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة ".
وعن محمد بن حمدان البلخي بسنده إلى يحيى بن أبي كثير قال: ولد الزنا لا يكتب الحديث.
محمد بن إسحاق أبو عبد الله الرملي روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي ".
محمد بن إسحاق أبو جعفر الزوزني القارئ
قدم دمشق حاجاً.
حدث عن محمد بن علي بسنده إلى أنس بن مالك قال: من صام يوماً تطوعاً، فلو أعطي ملء الأرض ذهباً، ما وفي أجره يوم الحساب.
قال ابن عساكر: كذا ذكر هذا الحديث موقوفاً، وقد وقع لي مرفوعاً بعلو.
محمد بن إسحاق المصري حدث عن جده قال: قال ذو النون: كل محب ذليل، وكل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل عاص مستوحش، وكل مطيع مستأنس.
مات محمد بن إسحاق المصري سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
محمد بن أسد أبو عبد الله الإسفراييني الحوشي حدث عن مران بن معاوية، بسنده إلى طارق بن الأشيم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دونه، حرم الله ماله ودمه، وحسابه على الله ".
محمد بن أسد بن هلال بن إبراهيم أبو طاهر الرقي الأشناني إمام جامع الرقة.
حدث عن عبد الله بن قثم، بسنده إلى جرير، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أول الأرضين خراباً يسراها ثم يمناها ".
محمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن سعيد أبو بكر الكشي الجوهري اجتاز بدمشق أو بأعمالها عند توجهه إلى مصر.
أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن أحمد الكجي الجوهري، عن إسماعيل بن الحسين، بسنده إلى عبد الله بن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما كبر الحاج من تكبيرة، ولا هلل من تهليلة، إلا بشر بها تبشيرة ".
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية ولي القضاء بدمشق.
حدث عن يحيى بن السكن، بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان واللقمة واللقمتان - زاد في رواية - ومن سأل الناس ليثري ماله، فإنما هو رضف من النار فيلهبه، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر ".
وثقه النسائي، وقال الدارقطني: لا بأس به.
لم يزل محمد بن إسماعيل قاضياً بدمشق حتى توفي سنة أربع وستين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله الجعفي البخاري الإمام صاحب الصحيح والتاريخ. سمع بدمشق.
حدث الإمام البخاري عن مكي بن إبراهيم بسنده إلى سلمة أنه أخبره قال: خرجت من المدينة ذاهباً نحو الغابة، حتى إذا كنت بثنية الغابة، لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف، قلت: ويحك ما بك؟ قال: أخذت لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها: يا صاحباه، يا صاحباه! ثم اندفعت حتى ألقاهم، وقد أخذوها، فجعلت أرميهم وأقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع
فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا، فأقبلت بها أسوقها، فلقيني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إن القوم عطاش، وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم، فابعث في أثرهم. فقال: " يا ابن الأكوع، ملكت، فأسجح، إن القوم يقرون في قومهم ".
قال أحمد بن سعدان البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه البخاري، وبردزبه مجوسي مات عليها. والمغيرة بن بردزبه أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو
أبو جد عبد الله بن محمد المسندي. وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي. والبخاري قيل له جعفي لأن أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي، ويمان جعفي، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق. وعبد الله قيل له مسندي لأنه كان يطلب المسند من حداثته.
قال بكر بن منير: بردزبه هو بالبخارية. وبالعربية الزراع.
قال أبو عمرو المستنير: سألت أبا عبد الله بن محمد بن إسماعيل: متى ولدت؟ فأخرج لي خط أبيه: ولد محمد بن إسماعيل يوم الجمعة، بعد الجمعة، لثلاث عشرة ليلة مضت من شوال، سنة أربع وتسعين ومئة.
قال الحسن بن الحسين البزاز: رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم شيخاً نحيف الجسم، ليس بالطويل، ولا بالقصير.
حدث محمد بن الفضل البلخي قال: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل البخاري في صغره، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل، فقال لها: يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو لكثرة دعائك، قال: فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره.
حدث محمد بن أبي حاتم الوراق النحوي قال:
قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظ الحديث، وأنا في الكتاب. قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو اقل. ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي
وغيره، وقال يوماً فيما يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت له: يا أبا فلان، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، إن كان عندك. فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، فقال: صدقت. فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة. فلما طعنت في ست عشرة، حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء. ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة. فلما حججت، رجع أخي، وتخلفت بها في طلب الحديث. فلما طعنت في ثمان عشرة، جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى. وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي المقمرة. وقال: كل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة. إلا أني كرهت تطويل الكتاب.
وقال البخاري أيضاً: كتبت على ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل، ولم أكتب قمن يقول: الإيمان قولي.
سمع حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل يختلف معنا إلى مشايخ البصرة، وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام. فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما معناك فيما تصنع؟ فقال لنا بعد ستة عشر يوماً: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها على ظهر القلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أني أختلف هدراً وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري - وفي رواية - أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعرف به من محمد بن إسماعيل البخاري.
وسمع عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين. فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الآخر، فقال: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم. ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع، إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم البخاري أنهم
قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكر محمد بن إسماعيل يقول: الكبش النطاح.
قال أبو حامد أحمد بن حمدون:
سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله! وحدث أبو عيسى الترمذي قال: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.
وحدث محمد بن أبي حاتم الوراق قال: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد، إلا في القيظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً بيده، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلم عليها، ثم يضع رأسه. وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم. فقلت: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني! قال: أنت شاب، فلا أحب أن أفسد عليك نومك.
قال محمد بن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
وقال: صنفت كتابي الصحاح ست عشرة سنة، خرجته من ست مئة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين الله تعالى.
حدث محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال: سمعت البخاري يقول: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء، لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ، ولا عرفوه. ثم قال: صنفته ثلاث مرات.
وقال أيضاً: دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم. ثم قام للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته، رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً، وقد تورم من ذلك جسده، وكان آثار الزنبور في جسده ظاهرة، فقال له بعضهم: كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أبرك؟! فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.
قال محمد بن منصور: كنا في مجلس بي عبد الله محمد بن إسماعيل، فرفع إنسان من لحيته قذاة، فطرحها على الأرض. قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رأيته مد يده، فرفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه. فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض.
حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد أبو حفص، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية، فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجار آخرون، فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا - يعني الذين طلبوا أول مرة - ودفع إليهم بربح خمسة آلاف درهم، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي.
وقال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.
وثقه علماء الحجاز والعراق والشام وخراسان وسائر الأمصار وأقروا له بالفضل.
حدث إسحاق بن أحمد بن خلف قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما تصاغرت إلي نفسي إلا عند علي بن المديني. قال إسحاق: وسمعت أحمد بن عبد السلام يقول: ذكرنا قول محمد بن إسماعيل هذا لعلي بن المديني فقال: دعوا هذا فإن محمد بن إسماعيل لم ير مثل نفسه.
وقال يحيى بن جعفر: لو قدرت أن أزيد - يعني من عمري - في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل ذهاب العلم.
قال محمد بن يوسف بن عاصم: رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاث مستملين ببغداد، وكان اجتمعوا في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل.
قال محمد بن جابر: سمعت محمد بن يحيى لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور قال: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه. قال: فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجالس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه.
وقال مسلم بن الحجاج:
لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بمحمد بن إسماعيل؛ استقبلوه مرحلتين وثلاث مراحل! وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً، فليستقبله، فإني أستقبله. فاستقبله محمد بن يحيى وعامة من أهل نيسابور، فدخل البلد، فنزل دار البخاريين. قال: فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه، وقع بيننا وبينه، ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان. قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل، حتى امتلأ الدار والسطوح. قال: فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا. قال: فوقع بين الناس اختلاف؛ فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل. فوقع بينهم اختلاف، حتى تواثب بعضهم إلى بعض. فاجتمع أهل الدار، فأخرجوا الناس من الدار.
قال أبو حامد الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان، ومحمد بن يحيى فسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث.. ومر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ " قل هو الله أحد " فما أتى على هذا شهر، حتى قال محمد بن يحيى: ألا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ. ونهيناه فلم
ينته. ولا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام محمد بن إسماعيل ههنا مدة، وخرج إلى بخارى.
وحدث أبو عمرو أحمد بن نصر النيسابوري المعروف بالخفاف، ببخارى، قال: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله فقد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: ليس إلا ما أقول. واحكي له عني. قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت محمد بن إسماعيل، فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله، ههنا رجل يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة، فقال لي: يا أبا عمرو، احفظ ما أقول، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة. إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.
حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي، والي بخارى، إلى محمد بن إسماعيل أن أحمل إلي كتاب الجامع والتاريخ وغيرهما لأسمع منك. فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس. فإن كنت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضرني في مسجدي أو في داري. وإن لم يعجبك هذا، فأنت سلطان، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لم أكتم العلم، لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار ". قال: فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
قال عبد القدوس بن عبد الجبار المرقندي: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك، قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. قال: فسمعته ليلة من الليالي، وقد فرغ من صلاة الليل، يدعو، ويقول في دعائه: اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. قال: فما تم شهر حتى قبضه الله تعالى. وقبره بخرتنك.
توفي محمد بن إسماعيل البخاري ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي حدث عن أبي هاشم وريزة بن محمد بسنده إلى عمر بن الخطاب، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام الخل ".
كان أبو عبد الله الفارسي ثقة فاضلاً. ولد سنة ثمان أو تسع وأربعين ومئتين، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن زياد أبو عبد الله - ويقال أبو بكر - البغدادي الدولابي حدث محمد بن إسماعيل الدولابي، عن أبي مسهر بسنده إلى أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قال: " سمع الله لمن حمده " قال: " ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد. لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
كان الدولابي ثقة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن علي أبو علي الأيلي حدث بدمشق سنة ست وعشرين وثلاث مئة، عن إسحاق بن إبراهيم، بسنده إلى أنس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنة عمران، وخديجة بنة خويلد، وفاطمة بنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآسيا امرأة فرعون ".
محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي الحسني المدني الرسي قدم دمشق في صحبة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون حين توجه للقاء جيش ابن أبي الساج، فالتقيا بثنية العقاب من أرض دمشق.
حدث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قال: لما تراءى الجيشان أمر بإلقاء حصير الصلاة، فألقيت، ونزلت معه، فصلى ركعتين، فلما استتمهما أدخل يده في خفه، فأخرج منه خط ابن أبي الساج الذي حلف فيه بوكيد الأيمان أنه لا يحاربه، فقال: اللهم إني رضيت بما أعطانيه من الأيمان بك، ووثقت بكفايتك إياي غدره بحلفه. واجترأ على الحنث بما أكده لي اغتراراً بحلمك عنه، فأدلني عليه. فرأيت ميمنة خمارويه قد انهزمت، وتبعتها ميسرته، فحمل في شرذمة يسيرة على جيش أبي الساج، وهو في غاية من الوفور، فانهزموا بأسرهم. فوقف على نشز، وأطفت ومن حضر به. فاستأمنت إلينا عدة كبيرة. فقلت له: أيها الأمير، إن مقامنا مع هذه الجماعة خطر، فأمرني بالمسير بهم إلى مستقر سواء، فسرت معهم، وأنا على
رقبة مطمع فيه، أو كيد له. فبلغوا نهراً احتاجوا إلى عبوره، فرأيتهم قد خلعوا الخفاف، وحطوا الرحال، وسلكوا سلوك المطمئنين، فأنست إليهم.
قال سعيد بن يونس: محمد بن إسماعيل بن القاسم، مديني، كان يسكن الرس، قرية نحو المدينة. قدم مصر قديماً روى عن أبيه عن جده حديثاً في فضل حضور موائد آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان كريماً سخياً، وكانت له بمصر منزلة عند السلطان والعامة. توفي بمصر سنة خمس عشرة وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن القاسم بن الحسن أبو عبد الله الحداد البانياسي حدث عن أصل كتاب أحمد بن بكر، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال العبد في الصلاة، ما دام ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ".
محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى بن يزيد بن دينار أبو حصين التميمي والد أبي الدحداح.
حدث أبو حصين محمد بن إسماعيل التميمي، عن أبيه، بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بهما جميعاً: " لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً ".
وحدث عن أبيه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة.. " فذكر الحديث.
توفي أبو الحصن محمد بن إسماعيل الدمشقي سنة تسع ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام أبو بكر الخشني، مولاهم، المعروف بابن البصال المعدل أصلهم من خراسان، وكان خليفة القاضي أبي محمد بن زبر على قضاء دمشق.
حدث أبو بكر المعروف بابن البصال عن أبي الوليد محمد بن أحمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة من خير، ما سقى كافراً منها شربة ".
كتب أبو الحسين الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام الخشني ويعرف بابن البصال، شيخ جليل معدل، وكان أبوه محدثاً. مات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن محمد أبو عبد الله البخاري قدم دمشق لزيارة القدس وسماع الحديث.
حدث عن أبي بكر أحمد بن علي، بسنده إلى سعد بن ابي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشراً، ويسبح عشراً، ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلوات خمسون ومئة باللسان، وألف وخمس مئة في الميزان، وإذا أوى إلى
فراشه كبر أربعاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مئة باللسان وألف في الميزان قال: ثم قال: وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمس مئة سيئة؟! ".
قال الحافظ ابن عساكر: ذكر لي عن هذا البخاري عجائب ببغداد من الفسوق والكذب، وأنه غير اسمه وكنيته، وتكنى بمحمد بن إسماعيل تشبهاً بالبخاري. هلك ببغداد في البيمارستان، وكان قد حد في الشراب.
محمد بن إسماعيل بن مهران بن عبد الله أبو بكر النيسابوري المعروف بالإسماعيلي أحد الثقات الرحالين.
حدث عن علي بن ميمون العطار، بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل مسكر على كل مؤمن حرام ".
وحدث عن سوار بن عبد الله العنبري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولغ الكلب في الإناء، غسل سبع مرات، أولهن - أو أولاهن - بالتراب. وإذا ولغ الهر غسل مرة ".
توفي أبو بكر الإسماعيلي سنة خمس وتسعين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو إسماعيل السلمي الترمذي حدث عن الحسن بن سوار، بسنده إلى أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين، المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ".
وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى العباس بن عبد المطلب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب: الجبهة وكفاه وركبتاه وقدماه ".
وعن محمد بن عبد الله الأنصاري، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن إسماعيل بن يوسف كان فهماً متقناً مشهوراً بمذهب السنة، روى عنه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في صحيحهما.
وقال الدارقطني: أبو إسماعيل الترمذي ثقة صدوق، تكلم فيه أبو حاتم.
توفي أبو إسماعيل الترمذي سنة ثمانين ومئتين.
محمد بن إسماعيل أبو بكر المرثدي القاضي ولي قضاء دمشق نيابة عن عبد الله بن محمد بن الخصيب تسعة اشهر حتى مات الخصيبي. وكان محموداً على ما قيل. ثم ولي قضاء صيدا حتى توفي سنة تسع وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل أبو بكر الفرغاني أحد مشايخ الصوفية، من أستاذي أبي بكر الدقي، وكان من مجتهدي أهل التصوف في العبادة وخلو اليد من العلوم.
حدث محمد بن إسماعيل الفرغاني قال: سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: دخلت مسجد طرطوس، فرأيت فتيين جلوساً يتكلمان في علم الألفة، وسوء أدب الخلق، وحسن صنيع الله تعالى إليهم، وندمان نفوسهما فيما يجب لله تعالى عليهما. فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد تحدثنا في العلم، فتعال حتى نعامل الله تعالى به، فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة. فعزما على ألا يتناولا شيئاً مسته أيدي بني آدم، ولا ما للخليقة فيه صنع. قال أبو الحارث: فقلت: وأنا معكما. فقالا: إن شئت. فخرجنا من طرطوس، وجئنا إلى جبل لكام، فأقمنا فيه ما شاء الله. قال أبو الحارث: أما أنا فضعفت نفسي، وقام العلم بين عيني؛ لئن مت على ما أنت عليه، مت ميتة جاهلية. فتركت صاحبي، ورجعت إلى طرطوس، ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي. وأقام صاحباي باللكام سنة، فلما كان بعد مدة دخلت المسجد، فإذا أنا بأحد الفتيين جالساً في المسجد، فسلمت عليه، فقال: يا أبا الحارث، خنت الله تعالى في عهدك، ولم تف به! أما إنك لو صبرت
معنا، أعطيت ثلاثة أحوال، وقد أعطينا. فقلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض، والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة. فظهر لي وقال: سل يا أبا الحارث، وأوجز. فقلت: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث! بعد الخيانة لا تقبل الأمانة. فكوى قلبي بكية لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله، جل وعز.
قال أحمد بن علي الرستمي:
كان أبو بكر الفرغاني من أجل الصوفية، وكان من رسمه أنه يسيح، وكان معه كوز ضيق الرأس، فيه قميص نظيف رقيق. فإذا اشتهى دخول مدينة، تنظف، وتطهر، وأخرج ذلك القميص فلبسه. وكان يسافر بمفتاح منقوش، فإذا دخل المدينة، عمد إلى مسجد يصلي، فطرح المفتاح بين يديه. فكل من يراه، توهم أنه تاجر قد ترك بعض الخانات. فلا يفطن له إلا الخلصان من أولياء الله عز وجل. فدخل مصر مرة على هذا الزي، فعرف بها، واجتمع إليه الصوفية. فكان يوماً يتكلم عليهم، إذ عرض له خاطر السفر، فقام من مجلسه، وخرج معه نحو سبعين رجلاً من الصوفية فمشى في يومه فراسخ، لا يعرج إلى أحد، فيقطع من كان خلفه، وبقي منهم قليل، فالتفت إليهم فقال: كأني بكم وقد جعتم وعطشتم. فقالوا: نعم. فعدل إلى دير فيه صومعة لراهب، فلما دخلوا، أشرف الراهب على أصحابه فناداهم فقال: أطعموا رهبان المسلمين، فإن بهم قلة صبر على الجوع. فغضب من ذلك غضباً شديداً، ورفع رأسه إليه وقال: أيها الكافر، هل لك إلى خطة يتبين فيها الصابر من الجازع. قال: وما ذاك؟ قال: تنزل من صومعتك فتتناول من الطعام ما أحببت، ثم تدخل معي بيتاً، ونغلق علينا الباب، ويدلى إلينا من الماء قدر ما يتطهر به فأول من يظهر جزعه، ويستغيث من جوعه، ويستفتح الباب، يدخل في دين صاحبه كائناً من كان، على أني لم أذق من ثلاث ذواقاً. قال الراهب:
لك ذلك. فنزل من صومعته، فأكل ما أحب، وشرب، ثم دخل مع أبي بكر بيتاً، وغلق الباب عليهما، والصوفية والرهبان يرصدونهما لا يسمعون لهما بحس أربعين يوماً. فلما كان في اليوم الحادي والأربعين سمعوا خشخشة الباب وقد تعلق بحده، ففتحوا الباب، فإذا الراهب قد تلف جوعاً وعطشاً، وإذا هو يستغيث بهم إشارة، فسقوه، واتخذوا له حريرة، فصبوها في حلقه، وأبو بكر الفرغاني ينظر ليهم. فلما رجعت إليه نفسه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ففرح أبو بكر، وجعل يتكلم على من في الدير من النصارى، حتى أسلموا عن آخرهم، وقدم بغداد، ومعه الراهب ومن أسلم من أولئك النصارى.
حدث أبو بكر الدقي قال: كان أبو بكر الفرغاني يأكل المنبوذ إلى أن ضعفت قوته. قال: فقال لنا: كنت جالساً يوماً بين الظهر والعصر، والناس يتنفلون، وليس يمكنني الصلاة قائماً، فأبكاني ذلك بكاءً شديداً أسفاً على الصلاة. ثم حملتني عيني، فإذا شخصان دخلا علي، فقال أحدهما لصاحبه: إن أبا بكر يبكي على الصلاة. فقال الآخر لي: يا أبا بكر لم تبكي؟ فقلت: أسفاً على الصلاة. قال: لا تبك فإن هذا الأمر ليس على هذا أسس. فقلت: يرحمك الله، فعلى ماذا أسس؟ فقال: على من أين؟ ولمن؟ يعني الورع.
مات أبو بكر الفرغاني سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة.
ابن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو عبد الله المطلبي الشافعي المكي إمام عصره، وفريد دهره. اجتاز دمشق، أو بساحلها حين ذهب إلى مصر.
روى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم - وفي رواية: من صلاة الفذ - وحده بخمسة وعشرين جزءاً ".
وروى عن محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي بسنده إلى عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تخالط الصدقة مالاً إلا أهلكته ".
عن الشافعي قال:
كنت مع محمد بن الحسن بالرقة، فمرضت مرضه، فعادني العواد، فلما نقهت من مرضي مددت يدي إلى كتب عند رأسي، فوقع في يدي " كتاب الصلاة " لمالك، فنظرت في باب الكسوف، ثم خرجت إلى المسجد فإذا محمد بن الحسن جالس، فقلت له: جئت أناظرك في الكسوف، فقال: قد عرفت قولنا فيه، فقلت: جئت أناظرك على النظر والخبر، فقال: هات، قلت: أشترط ألا تحتد علي، ولا تقلق - وكان محمد رجلاً قلقاً حديداً - فقال: أما ألا أحتد فلا أشترط ذلك، ولكن لا يضرك ذلك عندي. فناظرته، فلما ضاغطته، فكأنه وجد من ذاك، فقلت: هذا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، وزيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس؛ واجتمع علي وعليه الناس، فقال: وهل زدتني على أن جئتني بصبي وامرأة؟! فقلت: لو غيري جالسك! وقمت عنه بالغضب! فرفع الخبر إلى هارون أمير المؤمنين، فقال: قد علمت أن الله لا يدع هذه الأمة حتى يبعث عليهم قرشياً قلباً يرد عليهم ما هم فيه من الضلالة. ثم رجعت إلى بيتي، فقلت لغلامي: اشدد على رواحلك، واجعل الليل حملاً. فقدمت مصر.
وهذه الحكاية تدل على أن الشافعي دخل مصر مرتين: إحدى المرتين على طريق الشام، فإن فيها أنه دخلها أيام هارون الرشيد، وتوفي هارون سنة ثلاث وتسعين ومائة. ودخلته الثانية مصر سنة تسع وتسعين ومائة، فأقام بها إلى أن مات، وأظنه في هذه الثانية ذهب إليها من مكة؛ فإن الحميدي صحبه.
قال محمد بن إدريس الشافعي بمكة: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقيل له: أصلحك الله، ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ قال: نعم. بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".
وعن سفيان بن عيينة بسنده إلى حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ".
وبسنده عن عمر بن الخطاب أنه أمر المحرم بقتل الزنبور.
زاد البيهقي وغيره في نسب الشافعي المتقدم في بداية الترجمة: ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وروى بسنده أن هذا النسب بعينه قرئ في مصر في مقابر بني عبد الحكم في حجر منقور على قبر الشافعي، وزاد فيه: ابن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن.
قال الخطيب بعد أن ساق نسب الشافعي: وقد ولده هاشم بن عبد مناف ثلاث مرار: أم السائب: الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف. أسر السائب يوم بدر كافراً، وكان يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأم الشفاء بنت الأرقم: خلدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وأم عبيد بن عبد يزيد: العجلة بنت عجلان بن البياع بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأم عبد يزيد: الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي. كان يقال لعبد يزيد: محض لا قذى فيه. وأم هاشم بن المطلب: خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم. وأم هاشم والمطلب وعبد شمس بن عبد مناف: عاتكة بنت مرة السلمية: وأم شافع أم ولد.
قال الخطيب: وسمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري يقول: شافع بن السائب الذي ينسب إليه الشافعي قد لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مترعرع، وأسلم أبوه السائب يوم بدر؛ فإنه كان صاحب راية بني هاشم، فأسر، وفدى نفسه، ثم أسلم، فقيل له: لم لم تسلم قبل أن تفتدى؟ فقال: ما كنت أحرم المؤمنين طمعاً لهم في. وقال بعض أهل العلم بالنسب: وقد وصف الشافعي أنه شقيق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نسبه، وشريكه في حسبه، لم تنل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طهارة في مولده، وفضيلة في آبائه إلا وهو قسيمه فيها إلى أن افترقا من عبد مناف، فزوج المطلب ابنه هاشماً الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد جد الشافعي. وكان يقال لعبد يزيد المحض لا قذى فيه، فقد ولد الشافعي الهاشمان: هاشم بن المطلب، وهاشم بن عبد مناف. والشافعي بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن عمته؛ لأن المطلب عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما أم الشافعي فهي أزدية، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأزد جرثومة العرب ".
ولد الشافعي بغزة من بلاد الشام - وقيل باليمن - ونشأ بمكة، وكتب العلم بها وبمدينة رسول الله، وقدم بغداد مرتين، وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته. وكتاب الشافعي الذي يسمى القديم، هو الذي عند البغداديين خاصة عنه. كان يونس بن عبد الأعلى يقول لا أعلم هاشمياً ولدته هاشمية إلا علي بن أبي طالب ثم الشافعي فأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم وأم الشافعي فاطمة بنت عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهي التي حملت الشافعي إلى اليمن وأدبته.
قال الراوي: كذا روي عن يونس بن عبد الأعلى، وأغفل الحسن والحسين، وعقيلاً وجعفراً؛ فإن أماهما هاشميتان: فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاطمة بنت أسد.
قال بن عبد الحكم: لم حملت أم الشافعي به رأت كان المشتري خر من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية. فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان.
روي عن الشافعي أنه قال: ولدت بغزة سنة خمسين - يعني ومائة - وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين. ولم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور وأكتب فيها.
قال الحسن بن محمد الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، وأقام عندنا أشهراً ثم خرج. وكان يخضب بالحناء وكان خفيف العارضين.
قال أبو إبراهيم المزني: ما رأيت وجهاً أحسن من وجه الشافعي، ولا رأيت لحية أحسن من لحيته، وكان ربما قبض عليها فلا تفضل عن قبضته.
وقال الشافعي: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر. قال: وكنت أصيب من عشرة تسعة.
وقال: ولدت باليمن، فخافت أمي علي الضيعة، فقالت: الحق بأهلك، فتكون مثلهم، فإني أخاف أن تغلب على نسبك. فجهزتني إلى مكة، فقدمتها، وأنا يومئذ ابن عشر، أو شبيهاً بذلك، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك. فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزقني الله منه ما رزق.
وقال: كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، وأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فآخذه، فأكتب فيه الحديث - أو المسألة - وكانت لنا جرة قديمة، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.
فقدم علينا والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن أصحبه، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتحمل به، فرهنت دارها على ستة عشر ديناراً، ودفعتها إلي، فتحملت بها مع والي اليمن؛ فلما وصلنا سالمين استعملني على عمل، فحمدت فيه، فزادني عملاً آخر، فحمدت فيه، ودخل العمال مكة، فأحسنوا علي الثناء، وأكثروا من المدح، فلما قدمت مكة لقيت ابن أبي يحيى، فسلمت عليه، فقال لي: تصنعون كذا، أو تفعلون كذا؟! فتركته، ولقيت سفيان بن عيينة، فسلمت عليه، فسلم علي، وقال لي: قد بلغنا خبر
ولايتك، وحسن ما انتشر عنك، فأحمد الله، وتمسك بالعلم يرفعك الله به، وينفعك، فكان كلام سفيان أبلغ في مما كلمني به أبي يحيى.
قال: ثم وليت نجران، وكان بها قوم من بني الحارث، وموالي ثقيف، فرفع إلي الناس مظالم كثيرة، فجمعتهم، وقلت لهم: اختاروا لي سبعة منكم، من عدلوه كان عدلاً مرضياً، ومن جرحوه كان مجروحاً قصياً. فاختاروا لي منهم سبعة، فجلست، وأجلست السبعة بالقرب مني، فكلما شهد عندي شاهد بعثت إلى السبعة، فإن عدلوه كان عدلاً، وإن جرحوه كان مجروحاً، فلم أزل أفعل ذلك حتى أتيت على جميع من تظلم إلي، فكنت أكتب وأسجل.
قال: فنظروا إلى حكم جار، فقالوا: أي شيء يعمل؟ إن هذه الأمور التي تحكم علينا فيها ليست لنا، إنما هي في أيدينا لمنصور بن المهدي. فكتبت في أسفل الكتاب: وأقر فلان بن فلان الذي وقع عليه الحكم في هذا الكتاب أن الذي حكمت به عليه ليس له، وإنما هو لمنصور بن المهدي في يديه، ومنصور بن المهدي على حجته ما قام. فلما نظروا إلى ذلك خرجوا إلى مكة، ورفعوا، ولم يزالوا يرفعون علي حتى حملت إلى العراق، فقيل لي: الزم الباب، فقلت: إلى من أجلس، إلى من أختلف؟ وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة عند هارون، فجالسته حتى عرفت قوله، ووقعت منه موقعاً، فلما عرفت ذلك كان إذا قام هو ناظرت أصحابه، واحتججت عليه، فقال لي ذات يوم: بلغني يا محمد أنك تخالفنا في الغصب، فقلت: إنما هو من طريق المناظرة، فقال لي: لقد بلغني غير هذا، أفتناظرني؟ قلت: إني أجللك عن المناظرة، قال: لا، فافعل. فلما رأيت ذلك قلت له: هات، ما تقول في رجل اغتصب من رجل ساجة، فبنى عليها بنياناً، فأنفق عليه ألف دينار، فجاء صاحب الساجة، فأتى بشاهدين عدلين أنها ساجته، وأن هذا الرجل غصبه عليها؟ قلت أقول لصاحب الساجة: ترضى بأن تأخذ القيمة؟ فإن رضي دفعت إليه قيمتها، وإن أبى قلعت البنيان من الساجة، ودفعتها إليه. قال: أفليس قد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ضرر، ولا إضرار "؟ قلت له:
من أدخل عليه الضرر؟ إنما هو أدخل الضرر على نفسه. فما تقول في رجل اغتصب من رجل خيط إبرسيم، فخاط به بطنه، فجاء صاحب الخيط، فأقام البينة بشاهدين عدلين أن هذا الخيط خيطه، وأنه اغتصبه عليه أكنت تنزع الخيط من بطن هذا، فتدفعه إليه؟ فقلت: لا، قال: الله أكبر، تركت قولك. ثم قال لي أصحابه: قد تركت قولك، فقلت لهم: لا تعجلوا! فال: فما تقول في رجل اغتصب من رجل لوحاً، فأدخله في سفينته، ثم لجج البحر، فأقام صاحب اللوح البينة بشاهدين عدلين أن هذا اللوح لوحه، وأنه غصبه إياه؟ أكنت تنزع اللوح من السفينة، وتدفعه إلى الرجل المحق؟! قلت: لا، قال: الله أكبر، تركت قولك. وقال لأصحابه: تركت قولك. فقلت لهم: مهلاً، لا تعجلوا، ثم قلت له: ما تقول أنت لو كانت الساجة ساجة لم يغصب عليها أحداً، فأراد أن يهدم البنيان الذي أنفق عليه ألف دينار، كان ذلك له مباحاً؟ قال: نعم، قلت: أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه، ثم أراد أن ينزعه، أكان له نزع ذلك؟ قال: لا، قالت له: رحمك الله، فلم تقيس على مباح محرماً؟ قال: فكيف تصنع بصاحب اللوح؟ قلت آمره أن يقرب إلى أقرب المراسي إليه، مرسى لا يكون عليه وعلى أصحابه فيه هلكه، ثم أنزع اللوح وأدفعه إلى صاحبه، وأقول لصاحب السفينة: أصلح سفينتك. ثم قلت له: ولكن، ما تقول أنت في رجل اغتصب رجلاً من الزنج جارية، فأولدها أولاداً كلهم قد قرأ القرآن، وخطب على الناس، وقضى بين المسلمين، ثم جاء صاحب الجارية، فأقام البينة بشاهدين عدلين أن هذه الجارية جاريته، وأنه غصبه عليها، وأولدها هؤلاء الأولاد كلهم، بم كنت تحكم بذلك كله؟ قال: كنت أجعلهم رقيقاً له، وأرد الجارية عليه. قلت له: أنشدك الله، أيما أعظم ضرراً أن تجعل أولاده هؤلاء رقيقاً، أم تنزع البنيان من الساجة؟! قال: فبقي ولم يرد علي جواباً. ثم إنه بعد ذلك عرف حقي وموضعي، وقال بفضلي.
وقال الشافعي:
مر بي رجل من بني عمي من الزبيريين، فقال: يا أبا عبد الله، عز علي ألا يكون
مع هذه اللغة، وهذه الفصاحة، والذكاء فقه، فتكون قد سدت أهل زمانك، قال: فقلت: ومن بقي يقصد إليه؟ فقال لي: هذا مالك بن أنس، قال: فوقع في قلبي، فعمدت إلى " الموطأ "، فاستعرته من رجل بمكة، فحفظته في تسع ليل ظاهراً، ثم دخلت إلى مالي مكة، فأخذت كتابه إلى والي المدينة، وإلى مالك بن أنس. قال: فقدمت المدينة، وأبلغت الكتاب إلى الوالي. فلما أن قرأه قال: والله يا فتى، أن أمشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس، فإني لست أرى الذل حتى أقف على بابه، فقلت: أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر، فقال، هيهات، ليتني إذا ركبت أنا معك، ومن معي، وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا. قال: فواعدته العصر، وركبنا جميعاً، فوالله لقد كان كما قال. فتقدم رجل، فقرع الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك: إني بالباب. فدخلت، فأبطأت، ثم خرجت، فقالت: إن مولاي يقرئك السلام، ويقول: أن كانت مسألة فادفعها لي في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس، فانصرف. فقال لها: قولي له: معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة. قال: فدخلت ثم خرجت، وفي يدها كرسي، فوضعته، ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار، وهو شيخ طوال مسنون اللحية. فجلس، فدفع الوالي الكتاب، فقرأه، حتى إذا بلغ إلى مكان: هذا رجل من أمره وحاله، فتحدثه، وتفعل، وتصنع، رمى بالكتاب من يده، ثم قال: يا سبحان الله، أوصار علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخذ بالوسائل؟! قال: فرأيت الوالي وقد تهيبه أن يكلمه. فتقدمت إليه، فقلت له: أصلحك الله، إني رجل مطلبي، ومن حالي، ومن قصتي. فلما أن سمع كلامي نظر إلي ساعة، وكان لمالك فراسة، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد، فقال لي: يا محمد، اتق الله، واجتنب المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن من الشأن، ثم قال، نعم، وكرامة، إذا كان غداً تجيء، ويجيء من يقرأ لك الموطأ. قال: فقلت: إني أقوم بالقراءة. قال: فغدوت عليه، وابتدأت أن أقرأه ظاهراً والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكاً وأريد أن أقطع القراءة أعجبه حسن قراءتي وإعرابي يقول لي: بالله يا فتى زد، حتى
قرأته في أيام يسيرة، ثم أقمت بالمدينة حتى توفي مالك بن أنس، ثم خرجت إلى اليمن، وأقمت بها، وارتفع لي بها شأن الشأن.
وكتب والي هارون الرشيد: إن هاهنا سبعة من العلوية قد تحركوا، فإني أخاف أن يخرجوا، وهاهنا رجل من ولد شافع بن المطلب لا أمر لي معه ولا نهي، فكتب إليه هارون الرشيد: أن أحمل هؤلاء، وأحمل الشافعي معهم، فاقترنت معهم، فلما أن قدمنا على هارون، وعنده محمد بن الحسن، دعا هارون بالنطع والسيف يضرب رقاب العلوية، فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا المطلبي لا يغلبنك بفصاحته ولسانه، فإنه رجل لسن. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، فإنك الداعي وأنا المجيب الدعاء إنك القادر على ما تريد مني، ولست القادر على ما أريد منك، يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين: أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده أيما أحب إلي؟ قال: الذي يراك أخاه، قال: قلت: فذاك أنت، يا أمير المؤمنين، فقال لي: كيف ذلك؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس، ونحن بنو المطلب، تروننا إخوانكم، وولد علي يروننا عبيدهم، قال: فسري ما كان به، واستوى جالساً، وقال: يا بن إدريس، كيف علمك بالقرآن؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، عن أي علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته، ووعيته بين جنبي، وعرفت وقفه وابتداءه، وعدد مكيه ومدنيه، وكوفيه وبصريه، وقد عرفت ناسخه ومنسوخه، وليليه ونهاريه، ووحشيه وأنسيه، وسهليه وجبليه، وما خوطب به العام يراد به الخاص، وما خوطب به الخاص يراد به العام. فقال لي: والله يا ابن إدريس، لقد ادعيت " علماً "، فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت: إني لأعرف منها البري والبحري، والسهلي والجبلي، وما تجب معرفته. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ فقلت: غني لأعرف أنساب اللئام وأنساب الكرام، ونسبي ونسب أمير المؤمنين، فقال: والله لقد ادعيت علما، فهل من موعظة تعظ بها أمير المؤمنين؟ قال: فذكرت موعظة لطاوس اليماني، فوعظته بها، فبكى، ثم أمر لي بخمسين ألفاً، وحملت على فرس، وركبت بين يديه، وخرجت فما وصلت الباب حتى فرقت الخمسين ألفاً على حجبة أمير المؤمنين وبوابيه، وجئت إلى منزلي، فوجهت إلى كاتب محمد بن الحسن بمائة دينار، وقلت له: اجمع لي الوراقين الليلة على كتب محمد بن الحسن، وانسخها لي، ووجه بها إلي. فكتبت لي في ليلة، ووجه بها إلي.
وكان موضع يجتمع فيه القضاة والأشراف ووجوه الناس على باب هارون يجلسون فيه إلى أن يؤذن لهم. فاجتمعنا في ذلك المكان، وفي جماعة من بني هاشم وقريش والأنصار - قال: والخلق يعظمون محمد بن الحسن لقربه من أمير المؤمنين، وتمكنه منه - فاندفع يعرض بي، ويذم أهل المدينة، فقال: من أهل المدينة؟ وأيش يحسنون - أهل المدينة؟ - والله لقد وضعت كتاباً على أهل المدينة كلها، لا يخالفني فيه أحد، ولو علمت أن أحد يخالفني في كتابي هذا، تبلغني إليه الرواحل لصرت إليه حتى أرد عليه. قال الشافعي: فقلت في نفسي: إن أنا سكت نكست رؤوس من هاهنا من بني هاشم وقريش، وإن أنا رددت عليه أسخطت علي السلطان. ثم إني استخرت الله تعالى في الرد عليه، فتقدمت إليه، فقلت له: أصلحك الله، طعنك على أهل المدينة، وذمك لأهل المدينة؛ إن كنت أردت رجلاً واحداً، وهو مالك بن أنس فألا ذكرت ذلك الرجل بعينه، ولم تطعن وتذم أهل حرم الله وحرم رسوله، وكلهم على خلاف ما ادعيته؟ وأما كتابك الذي ذكرت أنك وضعته على أهل المدينة فكتابك من " بسم الله الرحمن الرحيم " خطأ إلى آخره. فاصفر محمد بن الحسن ولم يحر جواباً. وكتب أصحاب الأخبار إلى هارون بما كان، فضحك وقال: ماذا ينكر لرجل من ولد المطلب أن يقطع مثل محمد بن الحسن؟ قال: فعارضني رجل في المجلس من أصحابه، فقال لي: ما تقول في رجل دخل إلى منزل رجل، فرأى بطة، فرماها، ففقأ عينها، ماذا يجب عليه؟ قال: قلت: ينظر إلى قيمتها وهي صحيحة، وقيمتها وقد ذهبت عينها فيقوم ما بين القيمتين، ولكن ما تقول أنت وصاحبك في محرم نظر إلى فرج امرأة..قال: ولم يكن لمحمد حذاقة في المناسك، فصاح به محمد: ألم أقل لك لا تسأله!
ثم إنا دخلنا على هارون، فلما استوينا بين يديه قال لي: يا أبا عبد الله، تسأل أو أسألك؟ قلت: ذاك إليك، فقال: خبرني عن صلاة الخوف، أواجبة هي؟ فقلت: نعم، فقال: ولم؟ فقلت: لقول الله: " وإذا كنت فيهم، فأقمت لهم الصلاة.. " الآية. قال: ما تنكر من قائل قال لك: إنما أمر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فيهم،
فلما زال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زالت عنهم تلك الصلاة. قلت: وكذلك قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذ من أموالهم صدقة.. " الآية فلما أن زال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زالت عنهم الصدقة؟ قال: لا، قلت: وما الفرق بينهما، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأمور فيهما جميعاً؟ فسكت.
فقال: يا أهل المدينة، ما أجرأكم على كتاب الله - عز وجل -! فقلت: أجرؤنا على كتاب الله من يخالفه، فقال لي: الله يقول: " وأشهدوا ذوي عدل منكم "، فقلتم أنتم نقضي باليمين مع الشاهد. فقلت: لكنا نقول بما قال الله، ونقضي بما قضى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنك أنت خالفت قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأين؟ قلت: في قصة حويصة ومحيصة وعبد الرحمن حين قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية القتيل: " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لم نشهد، ولم نعاين، قال: فتحلف لكم يهود "، فلم نكلوا عن اليمين رد اليمين على اليهود. قال: فقال: إنما كان ذلك استفهاماً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، استفهم من اليهود. فقال هارون: ثكلتك أمك يا بن الحسن، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفهم من اليهود!؟ نطع وسيف! قال: فلما رأيت الجد من هارون قلت: يا أمير المؤمنين، إن الخصمين إذا اجتمعا تكلم كل واحد منهما بما لا يعتقده ليقطع به صاحبه، وما أرى محمداً أراد بهذا نقصاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسريت عنه. ثم ركبنا، وخرجنا من الدار، فقال لي: يا أبا عبد الله، فعلتها؟ قال: قلت: فكيف رأيتها بعد ذلك؟ قال الشافعي: حدثنا إسماعيل بن قسطنطين، قال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير
أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر عباس أنه قرأ على أبي، وقال ابن عباس: وقرأ أبي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الشافعي: وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول: القران اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من " قرأت "، ولو أخذ من " قرأت " كان كل ما قرئ قرآناً، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل، يهمز قرأت، ولا يهمز القران.
وقال الشافعي: حفظت " القرآن " وأنا ابن سبع سنين، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر سنين.
قال أبو عبيد: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين ديناراً، وقد كان دفع إليه قبل هذا خمسين درهماً، وقال: إن اشتهيت العلم فالزم. ثم دفع إليه هذه الدنانير، ولزمه الشافعي.
وقال الشافعي: كتبت عن محمد بن الحسن وقر بعير. وسمع وهو يقول لمحمد بن الحسن - وقدم إليه الدنانير بعد الخمسين درهماً، وقال له: لا تحتشم، فقال: - ما أنت عندي في موضع أحتشمك. وجرى ذكر الشراب، فقال الشافعي: الحمد لله، لو علمت أن الماء البارد يضر مروءتي في ديني لما شربت إلا الماء الحار حتى ألقى الله، ولو كنت عندي ممن أحتشمك ما قبلت برك.
وقال: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين ديناراً، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسالة حديثاً - يعني: رداً عليه.
ويروى عن الشافعي أنه قال: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين، أحدهما " دساها ".
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قرأت على الشافعي أسعار هذيل حفظاً، ثم قال لي: لا تخبر بهذا أهل الحديث؛ فإنهم لا يحتملون هذا. قال مصعب: وكان الشافعي يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح، ولا ينامان. قال وكان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشع وأيام الناس والأدب ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه في الفقه أنه كان يوماً يسير على دابة، وخافه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي ببيت شعر، فقرعه كاتب أبي بسوطه، ثم قال له: مثلك " يذهب " بمروءته في مثل هذا؟! أين أنت من الفقه؟! فهزه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا، فلزم مالك بن أنس.
قال الشافعي: رأيت علي بن أبي طالب في النوم، فسلم علي، وصافحني، وخلع خاتمه، فجعله في إصبعي. وكان لي عم، ففسرها لي، فقال لي: أما مصافحتك لعلي فأمان من العذاب، وأما خلع خاتمه، فجعله في إصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علي في الشرق والغرب.
قال الربيع بن سليمان: والله لقد فشا ذكر الشافعي في الناس بالعلم كما فشا ذكر علي بن أبي طالب. وقال: لو وزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجح بهم، ولو كان في بني إسرائيل احتاجوا إليه.
قال أبو عبد الله الزبيري: جاءني رجل من أهل البصرة، يقال له: أبو محمد القرشي من أهل الستر والصلاح فقال لي: يا أبا عبد الله، أخبرك رؤيا تسر به؟ فقلت: هات، فقال لي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، وعنده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - إذ جاءه أربعة نفر، فقربهم، فتعجبت من تقريبه لهم. فسألت من بحضرته عن النفر، فقال لي: هذا مالك، وأحمد، وإسحاق، والشافعي. فرأيت كأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد مالك وأجلسه بجنب أبي بكر الصديق، وأخذ بيد أحمد فأجلسه بجنب عمر، وأخذ بيد إسحاق فأجلسه بجنب عثمان، وأخذ بيد الشافعي وأجلسه بجنب علي.
قال أبو عبد الله الزبيري: فسألت بعض العلماء بالتعبير عن ذلك؟ فقال لي: أجلس مالك بجنب أبي بكر، كأن منزلة مالك في العلماء كمنزلة أبي بكر في الصحابة، ومنزلة أحمد في الفقهاء كمنزلة عمر في صلابته؛ لأنه لم يتكلم في القرآن إلا بحق، ومنزلة إسحاق في العلماء كمنزلة عثمان في الصحابة؛ لقي عثمان الفتن والمحن، كذلك لقي إسحاق في بلده من أهل الإرجاء بما فارق به بلده. ومنزلة الشافعي في العلماء كمنزلة علي في الصحابة؛ فإنه كان أعلمهم، وأفضلهم، وأقضاهم. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقضاكم علي "، كذلك الشافعي كان أعلم العلماء في الفقه والقضاء.
قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.
قال عمرو بن العباس: قيل لعبد الرحمن بن مهدي: إن الشافعي لا يورث المرتد. فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب معهم، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملتين ".
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت قط رجلاً أعقل، ولا أروع، ولا أفصح من الشافعي.
وقال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي لوسعهم عقله. وقال: ناظرت الشافعي يوماًُ في مسالة، ثم افترقنا. ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال لي: يا أبا موسى، لا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟ قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملاً، وقد بقيت خصلة، هو أن أسقيه من النبيذ ما يغلب على الرجل الجيد الشراب. قال: فحدثني ثابت الخادم وقد دعا به، فأعطاه رطلاً، فقال: اشرب يا محمد، فقال: يا أمير المؤمنين، ما شربته قط. قال: عزمت لتشربن. فشربه. ثم والى عليه بالأرطال حتى سقاه عشرين رطلاً، فما تغير، ولا زال عن حجته.
قال الشافعي:
حضرت مالك بن أنس، وأنا أسمع منه الحديث، ولي دون الأربع عشرة سنة.
فجاءه رجل، فوقف عليه، ثم قال له: إني رجل أبيع القماري، فبعت قمرياً على هذا، فرده إلي، فقال: ماله صوت، فحلفت بالطلاق أنه لا يسكت. فقال: أوسكت؟ قلت: نعم، قال: أنت حانث. قال الشافعي: فتبعته، فقلت له: يا رجل كيف حلفت؟ قال: حلفت بما سمعت، قال: فقلت له: صياحه أكثر أم سكوته؟ فقال: صياحه، فقلت: مر، فإن امرأتك لك حلال، قال: فماذا أصنع، وقد أفتاني مالك بما أفتى؟ فقال: عد إليه، فقل له: إن في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي لي حلال، وأومئ إلي، ودعني وإياه. فرجع ورجعت، وجلست فيما بين الناس. فقال له: إني رأيت أن تنظر في يميني، قال: أليس قد أفتيناك بأنك حانث؟! فقال: في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي حلال لي، قال: أفي مجلسي؟ قال: نعم، قال: ومن هو؟! فأومأ إلي. فقال لي مالك: أنت أفتيته بذلك؟ قلت: نعم، قال: ولماذا أفتيته بذلك؟ فقلت له: سمعتك تروي عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة بنت قيس: " إذا حللت فآذنيني ". فلما حلت قالت له: قد خطبني معاوية، وأبو جهم، فقال: " أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه "، وعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبا جهم يضع عصاه عن عاتقه ويتصرف في أموره فإنما نسب إلى ضرب النساء فذكر أنه لا يضع عصاه على عاتقه، وحمله على الأغلب من أمره، وإني سألته وقلت: سكونه أكثر أم صياحه؟ فقال: صياحه، فأفتيته بذلك. قال: فتبسم مالك، وقال: القول قولك.
قال سفيان بن عيينة للشافعي: يا أبا عبد الله، ما معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقروا الطير في مكانها ".
فقال له: يا أبا محمد، كان الرجل من العرب إذا أراد سفراً أخذ معه طيراً، فإن أخذا لطير ذات اليمين مضى في سفره، وإن أخذ ذات الشمال رجع. وكان ابن عيينة قبل أن يسمع من الشافعي إذا سئل أجاب على صيد الليل. قال: فرجع سفيان إلى تأويل الشافعي.
عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنا في مجلس ابن عيينة والشافعي حاضر، فحدث ابن عيينة بسنده أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به رجل في بعض الليل، وهو مع امرأته صفية، فقال: " تعال، هذه امرأتي صفية! " فقال: سبحان الله يا رسول الله! قال: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ". فقال ابن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: إن كان القوم اتهموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا بتهمتهم إياه كفاراً، لكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا ففعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء، لا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهم، وهو أمين الله في أرضه. فقال ابن عيينة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه.
وكان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا يسأل عنها التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا.
قال عبد الله بن الزبير الحميدي: قال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي: يا أبا عبد الله. أفت الناس، أن لك والله أن تفتي. وهو ابن دون عشرين سنة.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.
قال أحمد بن محمد الشافعي: كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس، وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح، وبعد عطاء لعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وبعد ابن جريج لمسلم بن خالد الزنجي، وبعد مسلم لسعيد بن سالم القداح، وبعد سعيد لمحمد بن إدريس الشافعي، وهو شاب.
قال الشافعي: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء. وذلك أنه رأى قوماً يتجادلون في القدر بين يديه، فقال الشافعي: في كتاب الله: المشيئة له دون خلقه، والمشيئة إرادة الله، يقول الله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله "، فأعلم - عز وجل - خلقه أن المشيئة له، وكان يثبت القدر.
وكان الشافعي بعد أن ناظر حفصاً الفرد يكره الكلام، وكان يقول: لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم، فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله.
وقال ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم - يعني أهل الإرجاء - بآية أحج من قوله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ".
قال إسماعيل بن يحيى المزني: أنشدني الشافعي من قيله: " من الطويل "
شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن علياً فضله متخصص
أئمة قوم يقتدى بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص
قال الربيع بن سليمان: لما كلم الشافعي حفص الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم.
وقال: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله، فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، أو بالصفا والمروة فليس عليه الكفارة، لأنه مخلوق، وذلك غير مخلوق.
عن علي بن سهل الرملي قال: سألت الشافعي عن القرآن، فقال لي: كلام الله غير مخلوق. قلت: فمن قال بالمخلوق، فما هو عندك؟ قال لي: كافر. وقال: ما لقيت أحداً منهم - يعني من أستاذيه - إلا قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول في قول الله تعالى: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "؛ علمنا بذلك أن قوماً غير محجوبين، ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ترون ربكم يوم القيامة كما ترون الشمس، لا تضامون في رؤيتها ".
وأنشدوا للشافعي: " من المتقارب "
ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
وقال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.
قال الحسن بن محمد الزعفراني: قال الشافعي: إذا حضر الرافضي الوقعة وغنموا لم يعط من الفيء شيئاً؛ لأن الله ذكر آية الفيء، ثم قال فيها: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنل ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم "، فمن لم يقل بهذا لم يستحق.
قال الربيع: خرجنا من الشافعي من مكة نريد منى، فلم ينزل وادياً، ولم ينزل شعباً إلا وهو يقول: " من الكامل "
يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رافضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
قال عمارة بن زيد المدني:
كنت صديقاً لمحمد بن الحسن، فدخلت معه إلى الرشيد، فسأله عن أحواله، فقال: في خير يا أمير المؤمنين، ثم تسارا، فسمعت محمد بن الحسن يقول: إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهل. قال فغضب الرشيد، وقال: علي به. فأتي به، فأتي به حتى وقف بين يدي الرشيد، فكره الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان، فقال له: هيه؟ قال: وما هيه يا أمير المؤمنين، أنت الداعي، وأنا المدعو. وأنت السائل وأنا المجيب. قال: فكيف علمك بكتاب الله؟ فإنه أولى أن يبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري، وجعل جنبي دفتيه. قال: فكيف علمك به؟ قال: أي علم تريد، يا أمير المؤمنين، أعلم تأويله، أم علم تنزيله؟ أم مكيه أم مدنيه؟ أم ليليه، أم نهاريه؟ أم سفريه، أم حضريه؟ أم هجريه، أم عربيه..فقال: له الرشيد: لقد ادعيت من علوم القرآن أمراً عظيماً، فكيف علمك في الأحكام؟ قال: أفي الفتاوى، أم في الطلاق، أم في القضايا، أم في الأشربة، أم في المحاربات، أم في الديات؟ قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف منه ما قالت الروم وبابل وبقراط، فقال: فكيف علمك بالنجوم؟ قال: أعرف منه القطب الدائر والمائي والنهاري..قال: فكيف علمك بالشعر؟ قال: أعرف الشاذ منه، وما نبه للمكارم. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال: أعرف أنساب الكرام، وفيها نسب أمير المؤمنين ونسبي. فقال له الرشيد: لقد ادعيت من العلوم أمراً عظيماً تطول به المحنة، فعظ أمير المؤمنين موعظة تبين له فيها كل ما ذكرت. قال: نعم، يا أمير المؤمنين؛ على رفع الحشمة، وترك الهيبة، وقبول النصح، وإلقاء رداء الكبر عن منكبيك؟ قال: لك ذلك. قال: فجثا الشافعي على ركبتيه ثم نادى: يا ذا الرجل، إنه من أطال عنان الأمن في العزة طوى عذر الحذر في المهلة، ومن لم يعدل على طريق النجاة كان بجانب قلة الاكتراث بالمرجع إلى الله مقيماً، ومن أحسن الظن كان في أمنة المحذور في مثل نسج العنكبوت، لا يأمن عليها نفسه.
فبكى الرشيد بكاء شديداً حتى بل منديلاً كان بين يديه، فقال له خاصة من يقوم على رأسه: اسكت، فقد أبكيت عيني أمير المومنين! فالتفت إليهم، فقال: يا عبيد
الرجعة، والذين باعوا أنفسهم من محبوب الدنيا، أما رأيتم ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم بالإمارة؟ أما ترون كيف فضح مستورهم، وأمطر بواكر الهوان عليهم بتبديل سرورهم؟ فأصبحوا بعد خفض عيشهم، ولين رفاهيتهم في روح بين حصاد النعم، ومدارج المثلات. فقال له الرشيد: قدك، قد سللت علينا لسانك، وهو أمضى سيفيك! قال: هو لك إن قبلت لا عليك. قال: فهل من حاجة خاصة بعد العامة؟ قال: بعد بذل مكنون النصيحة، وتجريد الموعظة؟! أتأمرني أن أسود وجه موعظتي بالمسألة؟ والتفت الرشيد إلى محمد بن الحسن، فقال: ناظره بين يدي حتى أكون فاصلاً بينكما، فإن اختلفتما في فرع رجعتما إلى الأصل. قال: فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا شافعي، ما تقول في رجل تزوج بامرأة، ودخل بها، وتزوج بالثانية، ولم يدخل بها، وتزوج بالثالثة، ودخل بها، وتزوج بالرابعة ولم يدخل بها. أصاب الثانية أم الأولى، وأصاب الثالثة عمة الرابعة. فقال الشافعي: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيء، ويتمسك بالأولى والثالثة. قال: ما حجتك؟ قال الشافعي: أما الثانية فإن الله - عز وجل - يقول: " فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم ". وأما الرابعة فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها أو خالتها. ما تقول أنت يا محمد؟ كيف استقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة يوم النحر وكبر؟ قال: فتعتع محمد بن الحسن. فقال الشافعي: يسألني عن الأحكام فأجيبه، وأسأله عن سنة من سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتاج إليها الصادر والوارد فلا يجيبني، أفمن الإنصاف هذا؟ فتبسم الرشيد، وأمر للشافعي بعشرة آلاف دينار، فخرج الشافعي، ففرقه على باب داره، وانصرف مكرماً قال الأصمعي: رأيت أمير المؤمنين المأمون سنة أربع عشرة ومائتين يقول: لقد خص الله تعالى محمد بن إدريس الشافعي بالورع والعلم والفصاحة والأدب والصلاح والديانة، لقد سمعت أبي هارون يتوسل إلى الله به والشافعي حي يرزق.
عن أبي ثور قال:
كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له " كتاب الرسالة ".
قال عبد الرحمن بن مهدي: لما نظرت في " كتاب الرسالة " لمحمد بن إدريس أذهلني؛ لأنني رأيت كلام رجل عاقل فقيه ناصح، وإني لأكثر الدعاء له. وقال يحيى بن سعيد القطان مثل قول عبد الرحمن بن مهدي.
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا قريشاً؛ فإن عالمها يملأ الأرض علماً. اللهم إنك أذقت أولها عذاباً - أو وبالاً - فأذق آخرها نوالاً ".
عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اللهم اهد قريشاً؛ فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً، اللهم كما أذقتهم عذاباً فأذقهم نوالاً - دعا بها ثلاث مرات:.
قال عبد الملك بن محمد: في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن عالمها يملأ الأرض علماً، ويملأ طباق الأرض "، علامة بينة للمميز أن المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش، قد ظهر علمه، وانتشر في البلاد، وكتبوا تآليفه كما تكتب المصاحف، واستظهروا أقواله، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت إلا بالشافعي، إذ كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن
بعدهم، وإن كان علمه قد ظهر وانتشر فإنه لم يبلغ مبلغاً يقع تأويل هذه الرواية عليه، إذ كان لكل واحد منهم نتف وقطع من العلم، ومسألات، وليس في كل بلد من بلاد المسلمين مدرس ومفت ومصنف يصنف على مذهب قرشي إلا على مذهبه، فعلم أنه بعينه لا غيره، وهو الذي شرح الأصول والفروع، وازدادت على مر الأيام حسناً وبياناً.
قال أبو حسان الزيادي: كنت في دهليز محمد بن الحسن يوماً، وقد ركب محمد، فجاء الشافعي، قال: فلما نظر محمد إلى الشافعي ثنى رجله فنزل، ثم قال لغلامه: اذهب فاعتذر. قال: فقال له الشافعي: لنا وقت غير ذا. قال فأخذ بيده، فدخلا الدار.
قال أبو حسان: فاختار مجالسته للشافعي على مرتبته في الدار.
قال الشافعي: كان محمد بن الحسن يقرأ علي جزءاً، فإذا جاء أصحابه قرأ عليهم أوراقاً. فقالوا له: إذا جاء هذا الحجازي قرأت عليه جزءاً، وإذا جئنا قرأت علينا أوراقاً!؟ فقال: اسكتوا، إن تابعكم هذا لم يثبت لكم أحد.
قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعال حتى أريك رجلاً لم ترى عيناك مثله. فأراني الشافعي. وذهبت أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة، فسألته عن أشياء، فرأيته رجلاً فصيحاً حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد كان أوتي فهماً في القراءات.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يصف الشافعي، فيطنب في وصفه، وقد كتب أبي عنه حديثاً صالحاً، وكتب من كتبه بخطه بعد موته أحاديث عدة مما سمعه من الشافعي - رحمه الله.
قال محمد بن الفضل البزاز: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل، ونزلت في مكان واحد معه - أو في الدار، يعني بمكة -
وخرج أبو عبد الله باكراً، وخرجت أنا بعده. فلما صليت الصبح درت المسجد، فجئت مجلس سفيان بن عيينة، فكنت أدور مجلساً مجلساً طلباً لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة، وعلى رأسه جمة. فزاحمت حتى قعدت عند أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، تركت ابن عيينة وعنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزياد بن علاقة، ومن التابعين ما الله به عليم! فقال لي: اسكت، فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا في عقلك، أو في فهمك. وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة؛ ما رأيت أحداً أفقه في دين الله من هذا الفتى القرشي. قلت: من هذا؟! قال: محمد بن إدريس الشافعي.
وقال: ما رأيت مثل محمد بن إدريس الشافعي، ولا ترى، إني لأدعو الله له في سجودي أكثر مما أدعو الله لأبوي. كان الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، فجاء محمد بن إدريس الشافعي طبيباً صيدلانياً.
قال أبو ثور: ما رأينا مثل الشافعي، ولا أرى مثل نفسه. سأله رجل عن الرياء ما هو؟ فقال له مسرعاً: الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختبار النفوس فأحبطت الأعمال.
وقال: من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس الشافعي في علمه، وفصاحته، ومعرفته، وثباته - وفي رواية: وبيانه - وتمكنه فقد كذب. كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه.
قال محمد بن عبد الله بن الحكم: ما أحد ممن خالفنا - يعني خالف مالكاً - أحب إلي من الشافعي.
وقال: ما رأينا مثل الشافعي؛ كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه، فيعرضون عليه، فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم
يقفوا عليها، فيقومون وهم يتعجبون منه. ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية، ويجيء أصحاب الأدب فيقرؤن عليه الشعر، فيفسره. ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها، وغريبها، ومعانيها. وكان من أضبط الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين. وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله.
قال عبد الله بن محمد البلوي: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء، وما بلغ من فصاحتهم وزهدهم وعلمهم. فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن بنانة، فقال: فيم تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد وفصاحتهم، فقال عمر: والله ما رأيت رجل قط أورع، ولا أخشع، ولا أفصح، ولا أصبح، ولا أسمح، ولا أعلم، ولا أكرم، ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - خرجت أنا وهو، والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث بن لبيد قد صحب صالحاً المري، وكان من الخاشعين المتقين الزاهدين. وكان حسن الصوت بالقرآن، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم " هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين. فإن كان لكم كيد فكيدون. ويل يومئذ للمكذبين ". قال: فرأيت الشافعي قد اضطرب وتغير لونه، وبكى بكاء شديداً حتى لصق بالأرض. قال: فأبكاني والله قلقه، وشدة خوفه الله - عز وجل - ثم لم يلبث أن قال: إلهي، أعوذ بك من مقام الكذابين، وإعلام الغافلين. إلهي، خشعت لك قلوب العارفين. وولهت بك همم المشتاقين، فهب لي من جودك، وجللني بسترك، واعف عني بكرم وجهك يا كريم.
عن أبي بكر بن الجنيد قال: حج بشر المريسي، فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شاباً من قريش بمكة، ما أخاف على مذهبنا إلا منه - يعني الشافعي.
وعن الحسن بن الزعفراني قال: حج بشر المريسي سنة إلى مكة، ثم قدم، فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلاً ما رأيت مثله سائلاً، ولا مجيباً - يعني الشافعي - فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد، فاجتمع إليه ناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوماً، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم يوماً قد قدم؟؟؟! فقال: إنه قد تغير عما كان عليه.
قال الزعفراني: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم: فإن أسلم قالوا: شرنا وابن شرنا.
عن أبي هريرة قال: لا أعلمه إلا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
قال أحمد بن حنبل: إن الله يقيض للناس في كل رأس مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب. فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي.
قال الحسن بن محمد الزعفراني: قدم علينا الشافعي واجتمعنا إليه، فقال: التمسوا من يقرأ لكم. فلم يجترئ أحد يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سناً، ما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعي، وأتعجب من جسارتي يومئذ. فقرأت عليه الكتب كلها إلا كتابين، فإنه قرأهما علينا: " كتاب المناسك " و" كتاب الصلاة ". ولقد كتبنا كتب الشافعي يوم كتبناها، وقرأناها عليه، وإنا لنحسب أنا في اللعب.
عن أبي ثور قال: لما ورد الشافعي بغداد جاءني حسين الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه، فقم لنا نسخر به. فقمت، وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول: قال الله، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أظلم علينا البيت، وتركنا بدعتنا، واتبعناه.
قال أبو الفضل الزجاج:
لما قدم الشافعي إلى بغداد، وكان في الجامع إما نيف وأربعون، أو خمسون، حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة، ويقول لهم: قال الله، وقال الرسول، وهم يقولون: قال أصحابنا حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره.
قال حرملة بن يحيى: عن الشافعي قال: سميت بالعراق ناصر الحديث - وفي رواية: ببغداد.
قال الحميدي: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي، فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.
قال أحمد بن حنبل: قدم علينا نعيم بن حماد، وحثنا على طلب المسند، فلما قدم الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء.
وقال: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قدم الشافعي، فبينها لهم. كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي. وقال: لقد كان يذب عن الآثار - رحمه الله.
وقال: هذا الذي ترون كله، أو عامته، من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي، وأستغفر له - وفي رواية: منذ أربعين سنة.
وقال: ستة أدعوا لهم سحراً أحدهم الشافعي.
قال عبد الله أحمد بن حنبل: قلت لأبي.
يا أبه، أي رجل كان الشافعي؛ فإني سمعتك تكثر الدعاء له؟! فقال لي: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر، هل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟ وقال: ما أحد يمس بيده محبرة إلا وللشافعي في عنقه منة.
وقال: كلام الشافعي في اللغة حجة.
وقال: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه.
قال أبو تراب حميد بن أحمد البصري: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله، لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه.
قال إسحاق بن راهويه: كان أحمد بن حنبل مشغوفاً بالشافعي، وبعلمه وفقهه، ووالله ما وضع أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيئاً إلا في موضعه.
قال الحسن بن محمد: كنا نختلف إلى الشافعي عندما قدم إلى بغداد ستة أنفس: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، وأنا - ورجل آخر سماه - وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك.
قال: قال لي أحمد بن حنبل: إذا رأيت أبا عبد الله الشافعي قد خلا فاعلمني. قال: وكان يجيئه ارتفاع النهار، فيبقى معه.
قال الشافعي: وعدني أحمد بن حنبل أن يقدم علي مصر.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى ين معين، فقال له: يا أبا عبد الله، أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته!؟ فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك! قال محمد بن ماجة القزويني: جاء يحيى بن معين يوماً إلى أحمد بن حنبل، فبينا هو عنده إذ مر على بغلته، فوثب أحمد، فسلم عليه، وتبعه، فأبطأ، ويحيى جالس، فلما جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله، كم هذا؟! فقال أحمد: دع هذا عنك، إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة! قال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحمد بالرأي - وذكر الثوري والأوزاعي ومالكاً وأبا حنيفة - إلا والشافعي أكثر اتباعاً، وأقل خطأ منه.
كان الشافعي من معادن الفقه، وجهابذة الألفاظ، ونقاد المعاني، ومن كلامه: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني، لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء، لا تزيد، ولا تنقص؛ أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة مواتية من صورة صاحبهتا. وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون لهواً بهرجاً، وساقطاً مدحرجاً.
سئل أبو ثور، فقيل: أيما أفقه، الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود.
قال هلال بن العلاء الرقي:
من الله تعالى على الناس بأربعة من زمانهم: بالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيدة، ويحيى بن معين؛ فأما الشافعي فبفقه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبا عبيدة ففسر لهم غريب الحديث، لولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ، وأما يحيى بن معين فنفى الكذب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين الصادق من الكاذب، وأما أحمد بن حنبل فجعله الله للناس إماماً في القرآن، لولا ذلك لكفر الناس.
قال داود بن علي الأصبهاني: اجتمع للشافعي - رحمه الله - من الفضائل ما لم يجتمع لغيره. فأول ذلك: شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنها: صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع، ومنها: سخاوة النفس، ومنها: معرفته بصحة الحديث وسقمه، ومنها:
معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه، ومنها: حفظه لكتاب الله، وحفظه لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعرفته بسير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبسير خلفائه، ومنها: كشفه لتمويه مخاليفه، ومنها: تأليفه الكتب القديمة والجديدة، ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة مثل: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة. ومثل: سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين القلاس وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع بن سليمان المرادي، وأبي الوليد موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال، وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني. ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء من الأصحاب ما اتفق له، رحمة الله عليه وعليهم أجمعين.
قال البهيقي: إنما عدد داود بن علي من أصحاب الشافعي جماعة يسيرة وقد عد أبو الحسن الدارقطني من روى عنه أحاديثه، وأخباره وكلامه زيادة على مائة مع قصور سنة عن سن أمثاله من الأئمة، وإنما تكثر الرواة عن العالم إذا جاوز سنة الستين أو السبعين، والشافعي لم يبلغ في السن أكثر من أربع وخمسين.
قال أحمد بن علي الجرجاني: كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول: حدثنا سيد الفقهاء الشافعي.
قال الزعفراني: كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقلت له: يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي؟ فقال: دعنا، لو كان الكذب له مطلقاً لكانت مروءته تمنعه أن يكذب.
وفد ذكر توثيقه في أكثر من خبر عن يحيى بن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأبي داود، وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثاً فيه خطأ.
قال يونس بن عبد الأعلى: كنت أولاً أجالس أصحاب التفسير، فكان الشافعي إذا أخذ في التفسير فكأنه شهد التنزيل.
قال أبو حسان الزيادي: لما رأيت إكرام الشافعي، وإصغاءه إلى ما نقول، وانتزاعه من القرآن المعاني، والعبارة عن المعاني أنست به، فكنت أسأله عن معاني القرآن، فما رأيت أحداً أقدر على معاني القرآن والعبارة عن المعاني، والاستشهاد على ذلك من قول الشعر، أو اللغة منه.
قال المزني، أو الربيع:
كنا عند الشافعي بين الظهر والعصر إذ جاء شيخ عليه جبة صوف، وعمامة صوف، وإزار صوف، وفي يده عكازة. قال: فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، واستوى جالساً. وسلم الشيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟ فقال: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ قال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين قلت: اتفاق الأمة من كتاب الله أم من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فقال: من كتاب الله، قال: فتدبر الشافعي ساعة، فقال للشافعي - وفي رواية: فقال: يا شيخ - قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها، فإن جئت بالحجة من كتاب الله في الاتفاق وإلا تب إلى الله - عز وجل - قال: فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب، فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن. قال: فخرج إلينا في اليوم الثالث، في ذلك الوقت - يعني بين الظهر والعصر - وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه، وهو مسقام، فجلس، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ، فسلم وجلس، فقال: حاجتي! فقال الشافعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله - عز وجل -: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم "، لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو مرضي. فقال: صدقت.
قال الشافعي: فلما ذهب الرجل قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه.
وقال: لما أردت إملاء " تصنيف أحكام القرآن " قرأت القرآن مائة مرة.
قال هارون بن سعيد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسن صلاة، ولا وجهاً منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأينا أحسن كلام منه، فأفتتنا به.
قال البويطي: قلت للشافعي: إنك تتعبنا في تأليف الكتب وتصنيفها، والناس لا يلتفتون إليك ولا إلى تصنيفك! فقال لي: إن هذا هو الحق، والحق لا يضيع.
وقال الشافعي: ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ".
فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب أو السنة فقد رجعت عنه.
وقال: وددت أن كل علم تعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني.
وقال محمد بن مسلم بن وارة الرازي: سألت أحمد بن حنبل، قلت، ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه لتفتح لي الآثار: رأي مالك، أو الثوري، أو الأوزاعي؟ فقال لي قولاً أجلهم أن أذكر ذاك، وقال: عليك بالشافعي، فإنه أكثرهم صواباً، أو أتبعهم للآثار. قلت لأحمد: فما ترى في كتب الشافعي؛ التي عند العراقيين أحب إليك، أو التي عندهم بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكم، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذاك ثم. فلما سمع ذلك من أحمد بن حنبل، وكنت قبل ذلك قد عزمت على الرجوع إلى البلد، وتحدث بذلك الناس، ثم تركت ذاك وعزمت على الرجوع إلى مصر.
قال إسحاق بن راهويه: كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إلي من كتب الشافعي ما يدخل حاجتين فوجه إلي بكتاب " الرسالة ". وتزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي.
قال المزني: كتبت " كتاب الرسالة " منذ زيادة على أربعين سنة، وأنا أقرؤه، وأنظر فيه، ويقرأ علي، ما من مرة قرأت، أو قرئ علي إلا استفدت منه شيئاً لم أكن أحسنه.
قال أبو الحسن الشافعي: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم، فقلت: يا رسول الله، بم جزي محمد بن إدريس الشافعي حين يقول في ذكر الصلاة عليك في " كتاب الرسالة ": وصلى الله على محمد كلما ذكره ذاكر، وغفل عن ذكره غافل. قال: " جزي أنه لا يوقف للحساب يوم القيامة ".
قال الربيع بن سليمان: رأيت الشافعي في المنام، قلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في الفردوس الأعلى، فقلت: بماذا؟ قال: بكتاب صنعته وسميته بكتاب الرسالة.
وقد نوه أحمد بن حنبل باتباع الشافعي للسنة، وقال: صاحب حديث لا يستغني عن كتب الشافعي. وقال علي بن المديني: عليكم بكتب الشافعي.
قال أبو زرعة:
سمعت كتب الشافعي من الربيع أيام يحيى بن عبد الله بن بكير سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بعت ثوبين رقيقين كنت حملتهما لأقطعهما لنفسي، فبعتهما وأعطيت الوراق.
قال الجاحظ: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا فلم أر أحسن تأليفاً من المطلبي؛ كأن فاه نظم دراً إلى در.
وسئل محمد بن إسحاق بن خزيمة: هل تعرف سنة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا.
قال الربيع بن سليمان - وذكر الشافعي، فقال: لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه، كان والله لسانه أكبر من كتبه.
وقال يونس بن عبد الأعلى: ما كان الشافعي إلا ساحراً، ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله. كانت ألفاظ الشافعي كأنها سكر.
قال عبد الملك بن هشام النحوي: طالت مجالستنا محمد بن إدريس الشافعي فما سمعت منه لحنة قط، ولا كلمة غيرها أحسن منها.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي عربي النفس، عربي اللسان. وقال: كلما ذكرت ما أكل التراب من لسان الشافعي هانت علي الدنيا. وقال سمعت عبد الملك بن هشام النحوي يقول: الشافعي ممن تأخذ عنه اللغة.
وقيل لمحمد بن عبد الله بن الحكم: يا أبا عبد الله، كان الشافعي حجة في اللغة؟ فقال: إن كان أحد من أهل العلم حجة في شيء فالشافعي حجة في كل شيء.
وقال المبرد: رحم الله الشافعي، كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأفصح الناس، وأعرفهم بالقراءات. وكان الشافعي يقول: تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة. وقال: إعراب القرآن أحب إلي من بعض حروفه. وقرأ رجل على الشافعي، فلحن، فقال الشافعي: أضرستني.
قال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي: قلت لعمي: يا عماه، على من قرأت شعر هذيل؟ قال: على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس.
وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي مصعب، فسألته: عمن أخذتها؟ فقال: أخذتها من محمد بن إدريس الشافعي حفظاً.
قال أحمد بن صالح: قال لي الشافعي: يا أبا جعفر، تعبد من قبل أن ترأس؛ فإنك إن ترأست لا تقدر أن تتعبد. قال: وكان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صنج أو جرس من حسن صوته.
قال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا: بعضنا - وفي رواية: بعض - لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي نقرأ القرآن. فإذا أتيناه استفتح بالقرآن حتى تتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القرآن، من حسن صوته.
قال محمد بن عبد الله بن الحكم: كنت إذا رأيت من يناظر الشافعي رحمته. وقال: لو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك.
وقال هارون بن سعيد الأيلي: لو أن الشافعي ناظر على هذه العمود التي من حجارة أنها من خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.
وقال الشافعي: ناظرت بعض أهل العراق، فلما فرغت قال: زلفت يا قرشي.
قال بعض أهل العربية: يعني قربت من أفهامهم، بفصاحته.
وسئل الشافعي عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول: " من المتقارب "
إذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بالنظر
ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنني مدرة الأصغرين ... فتاح خير وفراج شر
وكان سئل عن رجل في فيه تمرة، فحلف بالطلاق أنه لا يبلعها، ولا يرمي بها، فقال له الشافعي: يبلع نصفها، ويرمي بنصفها حتى لا يكون بالعاً لها كلها، ولا يلفظ بها كلها.
عن أبي ثور قال: سمعت الشافعي يقول: ناظرت بشر المريسي في القرعة، فقال: القرعة قمار. فذكرت ما دار بيني وبينه لأبي البختري، وكان قاضياً، فقال: ائتني بآخر يشهد معك حتى أضرب عنقه.
قال: وسمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قتل وله أولياء صغار وكبار، هل للكبار
أن يقتلوا دون الأصاغر؟ فقال: لا، فقلت: قتل الحسن بن علي ابن ملجم، ولعلي أولاد صغار، فقال: أخطأ الحسن بن علي، فقلت له: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟! قال: وهجرته يومئذ.
وقال: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته، واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد، ودافع الحجة إلا سقط من عيني. وما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة، فإني أحب أن ينكشف أمره للناس.
وقال: ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة.
قال أحمد بن حنبل: كان أحسن أمر الشافعي عندي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله. وقال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، وإنما همته الفقه.
قال أحمد بن حنبل: قال محمد بن إدريس الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا؛ فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه كوفياً كان أو بصرياً، أو شامياً.
وفي رواية أخرى: قال لنا الشافعي: إذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه.
قال أبو بكر البيهقي: وإنما أراد حديث أهل العراق - والله أعلم - ليأخذ بما صح عندهم من أحاديث أهل العراق كما أخذ بما صح عنده من أحاديث أهل الحجاز.
قال الشافعي: كلما قلت، فكان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى، فلا تقلدوني.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي - وروى حديثاً - فقال له رجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً صحيحا ًفلم آخذ به فأشهدكم والجماعة أن عقلي قد ذهب - وأشار بيده إلى رؤوسهم.
وقال في رواية أخرى: أفي الكنيسة أنا، أوترى على وسطي زناراً؟ نعم، أقول به، وكل ما بلغني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت به.
وقال: إذا وجدتم سنة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي فخذوا بالسنة ودعوا قولي، فإني أقول بها.
عن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي قال: جلس محمد بن إدريس الشافعي يوماً في خيمة، فجاءه عالم حدث، فسأله عن مسألة، فأجابه فيها، ثم سأله عن أخرى، فقال له: أخطأت يا أبا عبد الله، فأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه ثم قال له: أخطأت يا بن أخي ما في كتابك، فأما الحق فلا؟ قال إسماعيل المزني: قال الشافعي: الرجل من أحرز دينه، وضن به.
قال إسماعيل: ورأيت الشافعي يضن بدينه.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.
قال حين الكرابيسي: بت مع الشافعي، فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ بالله منه، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين؛ فكأنما جمع له الرجاء والرهبة معاً.
قال الخطيب: قد كان الشافعي بأخرة يديم التلاوة، ويدرج القراءة.
وروى بسنده عن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة، فإذا كان في شهر رمضان ختم في كل ليلة منه ختمة، وفي كل يوم ختمة، فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
وقال: كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة. قيل: في صلاة رمضان؟ قال: نعم.
وقال: كان الشافعي لا يصلي مع الناس التراويح، لكنه كان يصلي في بيته، ويختم في رمضان ستين ختمة ليس منها سورة إلا في صلاة، وكان يختم في سائر السنة ثلاثين ختمة في كل شهر.
وقال: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ عشرين سنة - وفي رواية: ما شبعت منذ ستة عشر سنة إلا شبعة، ثم أدخلت يدي فتقيأته؛ لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقال: قال لي الشافعي: يا ربيع، عليك بالزهد؛ فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.
قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقاً، ولا كاذباً.
قال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصره، فرجع، ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل، فقال: لا يحل افتراش هذا؟! فقام الخادم متبسماً حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه، فقال: هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمناً منه. فتبسم الخادم، وسكت.
قال السجستاني: وحدثني أبو ثور قال: أراد الشافعي الخروج إلى مكة، ومعه مال، فقلت له: - وقلما كان يمسك الشي من سماحته - ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة تكون لك ولولدك من بعدك. فخرج، ثم قدم علينا، فسألته عن ذلك المال، ما فعل به؟ فقال: ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأصلها، أكثرها قد وقفت عليه، ولكن بنيت بمنى مضرباً يكون لأصحابنا إذا حجوا، ينزلون فيه.
عن الربيع بن سليمان قال: قال لنا الشافعي: دهمني في هذه الأيام أمر أمضني وآلمني، ولم يطلع عليه غير الله، فلما كان البارحة أتاني آت في منامي، فقال: يا محمد بن إدريس، قل اللهم إني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وفيتني، اللهم فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية. فلما أن أصبحت أعدت ذلك، فلما أن ترجل النهار أعطاني الله طلبتي، وسهل لي الخلاص مما كنت فيه. فعليكم بهذه الدعوات، فلا تغفلوا عنها.
وقال عبد الله بن عبد الحكم الشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد - يعني مصر - فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزز به. فقال الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزه التقوى فلا عز له، ولقد ولدت بغزة، وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً قط.
وقال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أعطه أربعة دنانير، واعذرني عنده.
قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: أنست بالفقر حتى صرت لا أستوحش منه.
قال عمرو بن سواد السرحي: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط.
قال المزني: سمعت الشافعي يقول: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا، والآخرة بعد، إلا يلحقهما بدعة.
وكنت يوماً مع الشافعي، فخرجنا الأكوام فمر بهدف، وإذا رجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حس الرمي، فأصاب بأسهم، فقال له الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، ثم قال لي: أمعك شيء؟ فقلت: معي ثلاثة دنانير، قال: أعطه إياها، واعذرني عنده إذ لم يحضرني غيرها.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي راكباً حماراً، فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين، فأخذ السوط، ومسحه بكمه، وناوله إياه. فقال الشافعي لغلامه: ادفع تلك الدنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الربيع: فلست أدري كانت تسعة دنانير أو سبعة.
وقال: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين ديناراً، فقال: كم أعطيتها؟ قلت: ستة دنانير. فصعد داره، وأرسل إلي بصرة فيها أربعة وعشرون ديناراً.
قال: وكان الشافعي به هذه البواسير، وكانت له لبدة محشوة بحلبة، فكان يقعد عليها، فإذا ركب أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلف حماره، فبينا هو يمر إلى منزله ناوله إنسان رقعة فيها: إنني رجل بقال أبيع البقل، ورأس مالي درهم، وقد تزوجت امرأة، وأريد أن أدخل بها، وليس إلا ذلك الدرهم! تعينني بشيء؟ فقال لي: يا ربيع، أعطه ثلاثين ديناراً، واعذرني عنده. قال: قلت: أصلحك الله، إن هذا تكفيه عشرة دراهم! قال: ويحك يا ربيع! وما يصنع بثلاثين ديناراً؟ أفي كذا، أم في كذا - يعد ما يصنع في جهازه - أعطه ثلاثين ديناراً، واعذرني عنده.
وقال: ولدت لنا شاة في زمان ليس فيه لبأ، فأمرت بلباها، فعمل، ثم تركته حتى برد واستحكم، فصفيته، وجعلته في جام، ولففته في منديل ديبقي، وختمته، وأنفذته إلى الشافعي لأتحفه به، فأعجبه، فقبله، ورد علي الجام، وفيه مائة دينار عيناً.
قال إبراهيم بن محمد: باع الشافعي ضيعة له بعشرة آلاف درهم، فصبه على نطع بمنى، فكل من أتاه حثى له - من الأشراف وأهل العلم، وأهل الأدب - بكفه، حتى بقي شيء يسير على النطع، فأتاه أعرابي من بني سدوس، فقال له: يا فتى، لي عندك يد، فكافئني عليها، قال له: وما تلك اليد يا عم؟ قال: حضرت هذا الموسم وأنت مع عمومتك، وهم يشترون الأضحية، فضربت يدك إلى درة شاة، فقلت: يا عم، اشتر لي هذه. فقلت للرجل: أحسن إلى الفتى، فأحسن إليك بقولي. فقال الشافعي: إن هذه ليد جليلة، خذ النطع وما عليها.
قال الحميدي: قدم الشافعي من اليمن، ومعه عشرون ألف دينار، فضرب خيمته خارجاً من مكة، فما قام حتى فرقها كلها.
قال إبراهيم بن برانه - وكان جليساً للشافعي:
دخلت مع الشافعي حماماً، فخرجت قبله. وكان الشافعي طوالاً جسيماً نبيلاً، وكان إبراهيم طوالاً جسيماً. فليس إبراهيم ثياب الشافعي، ولبس الشافعي ثياب إبراهيم، والشافعي لا يعلم أنها ثياب إبراهيم، وإبراهيم لا يعلم أنها ثياب الشافعي. فانصرف الشافعي إلى منزله، فنظر، فإذا هي لإبراهيم، فأمر بها، فطويت، وبخرت، وجعلت في منديل. ونظر إبراهيم، فطواها، وبخرها وجعلها في منديل. ثم راحا جميعاً، فجعل الشافعي ينظر إلى إبراهيم ويتبسم إليه وجعل إبراهيم نظر إلى الشافعي ويتبسم إليه. فلما صليت العصر قال إبراهيم: أصلحك الله، هذه ثيابك، فقال الشافعي: وهذه ثيابك، والله لا يعود إلي منها شيء، ولا يلبسها غيرك. فأخذهما إبراهيم جميعاً.
قال محمد بن عبد الحكم المصري: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا
لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية، اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه، وتتغدى.
قال أبو جعفر أحمد بن الحسن المعدل: أنشدت للشافعي: " من البسيط "
يا لهف نفسي على مال أفرقه ... على المقلين من أهل المروءات
إن اعتذرت إلى من جاء يسألني ... ما لست أملكه إحدى المصيبات
قال الربيع بن سليمان: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له.
وقال: كان أصحاب مالك يفخرون، فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معماً، والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاثمائة معمم سوى من شذ عني.
وقال: اشتريت للشافعي طيباً بدينار، فقال لي: ممن اشتريت؟ فقلت: من ذاك الأشقر الأزرق، فقال: أشقر أزرق! رده، رده، وقال: ما جاءني خير قط من أشقر.
قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: احذر الأعور، والأحول، والأعرج، والأحدب، والأشقر، والكوسج، وكل من به عاهة في بدنه، وكل ناقص الخلق فاحذره؛ فإنه صاحب التواء ومعاملة عسرة، وقال الشافعي مرة أخرى: فإنهم أصحاب خب.
قال أبو محمد بن أبي حاتم: يعني إذا كان ولادهم بهذه الحالة، فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل وكان في الأصل صحيح التركيب لم تضر مخالطته.
قال الربيع: كنت عند الشافعي، أنا والمزني، وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه وجدله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد.
قال الربيع: فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيداً إلى أنصاف ساقيه، مغلولة - يعني يديه - إلى عنقه.
وقال الربيع: كنت في الحلقة إذ جاءه - يعني الشافعي - رجل، فسأله عن مسألة، فقال له الشافعي: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء.
وقال: جاز أخي في صحن المسجد، فقال لي الشافعي: يا ربيع، أتريد أخاك؟ - ولم يكن رآه قط - قلت: نعم، أيدك الله، قال: هو ذاك! قال: فكان أخي.
قال ابن أخي ابن وهب: ما قدم علينا بلدنا فقيه ولا محدث أكثر حفظاً للحكايات والأسمار من الشافعي.
قال المزني: سمعت الشافعي يقول: من لا يحب العلم فلا خير فيه، ولا يكون بينك وبينه معرفة ولا صداقة.
وقال: تعلموا العلم ممن هو أعلم منكم، وعلموا من أنتم أعلم منه؛ فإذا فعلتم ذلك علمتم ما جهلتم، وحفظتم ما علمتم.
وقال: أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق.
قال الأصمعي: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: العاقل يسأل عما يعلم، وعما لا يعلم، فيثبت فيما يعلم، ولا يتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعليم، ويأنف من التعلم.
وقال: إن لكل رأي ثمرة، ولكل تدبير عافية، وكل مشورة اختياراً، وعلى قدر درجات الصواب تكون العافية والسلامة، وعلى قدر طبقات الخطأ يكون الفوت والندامة.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من قرأ القرآن عظمت قيمته، ومن تفقه نبل أمره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن تعلم اللغة رق طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
وقال: قلت للشافعي: من الوغد من الرجال؟ فقال لي: الذي يرى الفضل نقصاً، والعلم جهلاً.
وقال: خرج علينا الشافعي ذات يوم، ونحن مجتمعون، فقال لنا: اعلموا - رحمكم الله - إن هذا العلم يند كما تند الإبل؛ فاجعلوا الكتب له حماة، والأقلام عليه رعاة.
وقال: العلم كثير، والحكماء قليل، وإنما يراد من العلم الحكمة، " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ".
وقال: أحسن الاحتجاج ما أشرقت معانيه، وأحكمت مبانيه، وابتهجت له قلوب سامعيه.
وقال: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
وقال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
قال داود بن علي: قال الشافعي: حياة الأرض بالديم، وحياة النفوس بالهمم، وحياة القلوب بالحكم.
قال محمد بن يحيى بن حسان: سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين، وعلم الدنيا؛ فالعلم الذي للدين فهو الفقه، والعلم الذي للدنيا فهو الطب.
قال يونس بن عبد الأعلى: قال لنا الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاحك فالزمه.
قال المسيب بن واضح: سمعت الشافعي يوصي شاباً من أصحابه يقول له: الزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم، فإنما أكثر من يندم إذا هو نطق، وقل من يندم إذا سكت، واعلم بأن الرجوع عن الصمت إلى الكلام أحسن من الرجوع عن الكلام إلى الصمت، والعطية بعد المنع أحسن من المنع بعد العطية.
قال أبو ثور إبراهيم بن خالد: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: ضياع الجاهل قلة عقله، وضياع العالم أن يكون بلا إخوان؛ وأضيع من هؤلاء أن يؤاخي الإنسان من لا عقل له.
وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: آلات الرئاسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.
وقال: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلاً من لا يرى فضله.
قال الربيع: وسمعت الشافعي يقول: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان.
وقال: كتب الشافعي إلى رجل من أهل الحلقة يهنئه بولد رزقه ذكر: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فبارك الله لك في الفارس المستفاد، وجعله طيباً من الأولاد، وحسن وجهه، وجمل صورته، وأسعد جده، وبلغك أملك به. فقر عيناً يا أخي، واشدد به عضداً، وازدد به ولداً.
قال محمد بن عيسى الزاهد: مات لعبد الرحمن بن مهدي ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع من الطعام والشراب، فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي، فكتب إليه: أما بعد، فعز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؟ فأقول: " من البسيط "
إني معزيك لا أني على طمع ... من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد صاحبه ... ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
قال: فكانوا يتهادونها بينهم بالبصرة.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي ينشد: " من الطويل "
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفني عليه يغيب
غفلنا لعمر الله حتى تراكمت ... علينا ذنوب بعدهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب
وقال المزني: أنشدنا الشافعي لنفسه: " من السريع "
لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافيه
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: " من الهزج "
إذا القوت تأتى ل ... ك والصحة والأمن
فأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن
أنشد ابن جوصا بدمشق للشافعي: " من الوافر "
أمنت مطامعي فأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون
وأحييت القنوع وكان ميتاً ... ففي إحيائه عرض مصون
إذا طمع يحل بقلب عبد ... علته مهانة وعلاه هون
عن المزني قال: أخذ الشافعي بيدي ثم أنشدني: " من الطويل "
أحب من الإخوان كل مواتي ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كل خير أريده ... ويحفظني حياً وبعد مماتي
ومن لي بهذا؟ ليتني قد أصبته ... فقاسمته مالي من الحسنات
تصفحت إخواني فكان جميعهم ... على كثرة الإخوان غير ثقات
قال عباس الأزرق: دخلت على أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - فذكر قصة، وقال: - فقال الشافعي: " من الكامل "
إن الذي رزق اليسار فلم يصب ... حمداً ولا أجر لغير موفق
فالجد بدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق
وإذا سمعت بأن كل مجدودأً حوى ... عوداً فأثمر في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق
وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلى بعيش ضيق
ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
أنشد يونس بن عبد الأعلى للشافعي: " مجزوء الكامل "
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بقدرك
قال أبو العباس الأبيودري: خرج الشافعي محمد بن إدريس إلى اليمن إلى ابن عم له، فبره ببر غير طائل، فكتب إليه الشافعي: " من الطويل "
أتاني بر منك في غير كنهه ... كأنك عن بري يداك تحيد
لسانك عش بالنوال ولا أرى ... يمينك إذا جاد اللسان تجود
تفرق عنك الأقربون لشأنهم ... وأشفقت أن تبقى وأنت وحيد
وأصبحت بين الحمد والذم واقفاً ... فيا ليت شعري أي ذاك تريد
قال إبراهيم بن خالد: رأيت في منامي ليلة الجمعة قائلاً يقول: يكون في يوم الاثنين فزع عظيم، وفتنة صماء غير أن الله تعالى عن محمد بن إدريس الشافعي راض، وله محب. فأعدت ذلك على الشافعي، فقال لي: رؤيا نسأل الله خيرها، ونعوذ به من شرها وضرها. قال: فلما كان يوم الاثنين رأينا من الفزع والفتن أكثر مما قال لنا القائل في المنام.
قال أبو بكر الديلي إمام مسجد الرملة: كنت بمدينة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً بالروضة، فإذا أنا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه، فقلت: يا رسول الله، في نفسي حاجة أسألها، قال: قلت، فقلت: يا رسول الله، أحب أن أنتحل أحد المذاهب، فقال لي: مذهب الشافعي - مرتين - فقالوا له فقالوا له في ذلك، فقال: ما اخترته، بل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختاره.
قال الحسين بن محمد بن داود أبو علي الدينوري بأسد أباذ: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفارسين معه، فسألت عنهما، فقيل: هذا أبو بكر، وهذا عمر، فتقدمت إليه، فقلت: يا رسول الله، إني أذهب مذهب الشافعي، فقال لي بيده: واستمسك به، فإنه العروة الوثقى.
قال محمد بن نصر الترمذي: كتب الحديث تسعاً وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك من قوله، ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي. فبينما أنا قاعد في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة إذ غفوت غفوة، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا، قلت: أكتب رأي مالك؟ قال: ما وافق حديثي، قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي، وقال: ليس هذا بالرأي، هذا رد على من خالف سنتي. فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، فكتبت كتب الشافعي.
قال أحمد بن الحسن الترمذي: كنت في الروضة، فأغفيت، فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقبل، فقلت: يا رسول الله، قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف، ونفض يده! فقلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده، وطأطأ، وقال: أصاب وأخطأ، قلت: فما تقول في رأي الشافعي: قال: بأبي ابن عمي، أحيا سنتي.
وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أما ترى ما في الناس من الاختلاف؟ قال: فقال لي: في أي شيء؟ قلت: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي. فقال: أما أبو حنيفة فما أدري من هو، وأما مالك فقد كتب العلم، وأما الشافعي فمنني وإلي.
قال المزني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسألته عن الشافعي، فقال: من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي؛ فإنه مني وأنا منه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة:
كنا نسمع أن من مارس البز، وتفقه بمذهب الشافعي، وقرأ لعاصم فقد كمل ظرفه.
قال الربيع: سمعت الشافعي يقول - في قصة ذكرها -: " من الطويل "
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامه والقفر
فوالله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري
قيل: فسيق والله إليهما جميعاً.
عن محمد بن عبد بن عبد الحكم قال: بلغ الشافعي أن أشهب بن عبد العزيز يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي؛ فإنك إن أبقيته اندرس مذهب مالك. قال: فتعجب من ذلك: وأنشد: " من الطويل "
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تجهز لأخرى مثلها فكان قد
قال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي؛ فدخلت عليه، فقال لي: أبا موسى، اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من " آل عمران "، وأخف القراءة، ولا تثقل. فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني فإني مكروب.
قال يونس: عنى الشافعي بقراءتي ما بعد العشرين والمائة ما لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، أو نحوه.
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أوصى الشافعي إلى أبي: فرأيت في آخر وصيته: ومحمد بن إدريس يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على محمد عبد ورسوله، وأن يرحمه، فإنه فقير إلى رحمته، وأن يجيره من النار، فإن الله غني عن عذابه، وأن يخلفه في جميع ما خلفه بأفضل ما خلف به أحداً من المؤمنين، وأن يكفيهم فقده، ويجبر مصيبتهم، والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته. وكتب في شعبان سنة ثلاث ومائتين.
قال إسماعيل بن يحيى المزني: دخلت على محمد بن إدريس الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟ قال؛ فرفع رأسه، فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولسوء فعلي - وفي رواية: عملي - ملاقياً، وعلى الله وارداً، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو - في رواية: أم - إلى الناس فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول: " من الطويل "
إليك إله الخلق أرفع رغبتي ... وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك ما يقوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فإن تعف عني تعف عن متمرد ... ظلوم غشوم ما يزايل مأثما
وإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو أدخلت نفسي بجرمي جهنما
فجرمي عظيم من قديم وحادث ... وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسما
قال الربيع بن سليمان المرادي: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا، فقلت: إنهم يتكلمون. فقال لي الشافعي: ما ناظرت أحداً قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب - يعني كتبه - على ألا ينسب إلي منه شيء. قال هذا الكلام يوم الأحد، ومات هو يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
وسئل الربيع عن سن الشافعي، فقال: نيف وخمسون سنة.
ومن طريق آخر عن الربيع: مات الشافعي سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمس سنة.
قال عبد الله بن عدي الحافظ: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي بمصر على لوحين حجارة، أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه نسبته إلى إبراهيم الخليل: هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين، عليه يحيا، وعليه مات، وعليه يبعث حياً إن - شاء الله - وتوفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين.
قال الربيع: كنا جلوساً في حلقة الشافعي بعد موته بيسير، فوقف علينا أعرابي، فسلم ثم قال: أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا: توفي - رضي الله عنه - فبكى بكاء شديداً وقال: رحمه الله، وغفر له، فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة، ويسد على خصمه واضح المحجة، ويغسل من العار وجوهاً مسودة، ويوسع بالرأي أبواباً منسدة.
قال أحمد بن حنبل: رأيت الشافعي أبا عبد الله بن إدريس في المنام، فقلت له: يا أخي، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني، وزوجني، وقال لي: هذه بما لم تزه بما أرضيتك، ولم تتكبر فيما أعطيتك.
قال الربيع بن سليمان: رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب.
قال أبو عبد الله الهروي الحافظ: رأيت قبر أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ووقفت عليه، وهو بالقرب من قبور آل عبد الله بن عبد الحكم، وترحمت عليه، وأحسبه رأيته قبراً لاطئاً بالأرض، ودفوف حول صغار.
أنشد أبو الغنائم الحسن بن علي بن حماد لبعض الأعراب وقد عبر بقبر الشافعي: " من السريع "
راحت وفود الأرض عن قبره ... فارغة الأيدي ملاء القلوب
قد علمت ما رزئت، إنما ... يعرف فقد الشمس بعد الغروب
أظلمت الآفاق من بعده ... وعريت من كل حسن وطيب
قال عثمان بن خرزاذ الأنطاكي: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن الخلائق قد حشروا، وكأن الله قد برز لفصل الفضاء، وكان منادياً ينادي من بطنان العرش: ألا أدخلوا الجنة أبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله. فقلت لملك إلى جنبي: من هؤلاء آباء عبد الله؟ فقال: أما أولهم فسفيان الثوري، وأما ثانيهم فمالك بن أنس، وأما ثالثهم فمحمد بن إدريس الشافعي، وأما رابعهم فأحمد بن حنبل، أئمة أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سيق بهم إلى الجنة.
قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي يرثي أبا عبد الله الشافعي: " من الطويل "
ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دلائلها في المشكلات لوامع
معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنخفض الأعلام وهي فوارع
مناهج فيها للهدى متصرف ... موارد فيها للرشاد شرائع
ظواهرها حكم ومستبطناتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع
لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع
إذا المفظعات المشكلات تشابهت ... سما منه نور في دجاهن لامع
أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يعليه ذو العرش واضع
توخى الهدى واستنقذته يد التقى ... من الزيع إن الزيع للمرء صارع
ولاذ بآثار الرسول فحكمه ... لحكم رسول الله في الناس تابع
وعول في أحكامه وقضائه ... على ما قضى في الوحي والحق ناصع
بطيء عن الرأي المخوف التباسه ... إليه إذا لم يخش لبساً يسارع
جرت لبحور العلم أمداد فكره ... لها مدد في العالمين يتابع
وأنشأ له منشيه من خير معدن ... خلائق هن الباهرات البوارع
تسربل بالتقوى وليداً وناشئاً ... وخص بلب الكهل مذ هو يافع
وهذب حتى لم تشر بفضيلة ... إذا التمست إلا إليه الأصابع
فمن يك علم الشافعي إمامه ... فمرتعه في باحة العلم واسع
سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع
لئن فجعتنا الحادثات بشخصه ... لهن لما حكمن فيه فواجع
فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع
قال الحافظ ابن عساكر:
قد جمع الناس في فضائل الشافعي - رحمه الله - فأكثروا، وفضله - رحمه الله - أكثر مما جعلوا وسطروا. ولأبي الحسين الرازي - والد تمام - أخباره، ولأبي بكر البيهقي في فضله مجلد ضخم، ولأبي الحسن الآبري مجلد ضخم. ولا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرنا، فلذلك اقتصدنا، واقتصرنا، والله يتغمده برضوانه، ويجمع بيننا وبينه في مستقر جنانه.
/
محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الرازي مولى تميم بن حنظلة الغطفاني الحنظلي.
قدم دمشق طالباً للعلم.
حدثنا أبو حاتم الرازي عن داود بن عبد الله، بسنده إلى أبي ذر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يقول: يا ابن آدم! إن لقيتني بملء الأرض ذنوباً، لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بملء الأرض مغفرة ".
وروى عن عمرو بن الربيع، بسنده إلى أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا نفحات الله عز وجل، فإن لله تبارك وتعالى نفحات يصيب بها من يشاء من عباده. وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤامن روعاتكم ".
وعن داود، بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير نساء العالم مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة، وفاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وروى عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس بين شعبها الأربع، فقد وجب الغسل ".
وروى عن محمد بن عمار بسنده، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله. ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ".
حدث عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنتين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي حتى ما زاد على ألف فرسخ تركته.
قال: وسمعت أبي يقول: بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي شيئاً بعد شيء، حتى بقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي. ورجعت إلى بيت خال، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت من الغد، وغدا علي رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف عني، فانصرفت جائعاً. فلما كان الغد غدا علي فقال: مر بنا إلى المشايخ. فقلت: أنا ضعيف لا يمكني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طعمت فيهما. فقال لي رفيقي: معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف الآخر في الكراء. فخرجنا من البصرة، وقبضت منه النصف دينار.
أجمعوا على توثيقه، ووصفوه بالإتقان والتثبت والحفظ.
وقال: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به، فله علي درهم يتصدق به. وقد حضر على أبي الوليد خلق من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه. وإنما كان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب علي حديثاً.
قال أبو حاتم: قال لي أبو زرعة: ترفع يديك في القنوت؟ قلت: لا. فقلت له: فترفع أنت؟ قال: نعم. فقلت: ما حجتك؟ قال: حديث ابن مسعود. قلت: رواه ليث بن أبي سليم. قال: حديث أبي هريرة. قلت: رواه ابن لهيعة. قال: حديث ابن عباس. قلت: رواه عوف. قال: فما حجتك في تركه؟ قلت: حديث أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء. فسكت.
وحدث ابن أبي حاتم الرازي قال: سمعت أبي يقول: اكتب أحسن ما تسمع، واحفظ أحسن ما تكتب، وذاكر بأحسن ما تحفظ.
وأنشد: من الطويل
تفكرت في الدنيا فأبصرت رشدها ... وذللت بالتقوى من الله خدها
أسأت بها ظناً فأخلفت وعدها ... وأصبحت مولاها وقد كنت عبدها
مات أبو حاتم الرازي سنة سبع وسبعين ومئتين، وقال ابن يونس: سنة خمس وسبعين ومئتين.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن صالح أبو بكر العقيلي الأصبهاني الفابزاني حدث عن محمد بن سلم، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إنه لينادي المنادي يوم القيامة: أين فقراء أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فيقوموا فيصفوا صفوف القيامة. ألا من أطعمكم أكلة أو سقاكم شربة أو كساكم خلقاً أو جديداً، فخذوا بيده، فأدخلوه الجنة. فلا يزال صاحبه قد تعلق بصاحبه وهو يقول: يا رب العالمين هذا أرواني، ويقول الآخر: هذا كساني. فلا يبقى من فقراء أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صغير ولا كبير إلا أدخلهم الله الجنة ".
وعن هشام بن عمار بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المشاؤون إلى المساجد في الظلم، أولئك الخواضون في رحمة الله عز وجل ".
توفي محمد بن إسحاق بن إبراهيم العقيلي سنة ثلاث وثمانين ومئتين.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن مهران أبو بكر الضرير البغدادي الصفار شيخ ثقة، أصله من الشام.
أنبأنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصفار، عن محمد بن صالح بسنده إلى ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: " سلني " قلت: مرافقتك في الجنة. قال: " أو غير ذلك؟ " قال: فقلت: هو ذاك. قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود ".
رواه أبو داود والنسائي عن هشام.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله الأنطاكي المعروف بأخي العريف روى عن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أفتى بغير علم، لعنته ملائكة السماء والأرض ".
محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري، والد أبي قصي روى عن معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شهد جنازة فحمل بأربع زوايا السرير، ومشى أمامها، وجلس حتى يدفن، كتب له قيراطان من أجر، أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ".
محمد بن إسحاق بن جعفر - ويقال ابن إسحاق - بن محمد أبو بكر الصغاني ثم البغدادي الحافظ من ثقات الرحالين وأعيان الجوالين، أصله من خراسان، وسكن بغداد.
روى عن روح بن عبادة، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تخلط بسراً بتمر، أو زبيباً بتمر، أو زبيباً ببسر. وقال: " من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً: تمراً فرداً، أو بسراً فرداً، أو زبيباً فرداً ".
رواه مسلم عن أبي بكر الصغاني.
وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أضحى أو فطر إلى المصلى، فصلى، ثم انصرف، فقام فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة فقال: " يا أيها الناس تصدقوا " ثم انصرف فمر على النساء فقال: " يا معشر النساء تصدقن، فإني أراكن أكثر أمل النار " فقلن: وبم ذاك يا رسول الله؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ".
رواه مسلم عن محمد بن إسحاق.
وعن عفان بسنده إلى أبي هريرة أن أعرابياً جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا أنا عملته دخلت الجنة. قال: " تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان " قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً أبداً،
ولا أنقص منه. فلما ولى، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ".
رواه مسلم عنه.
مات أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني سنة سبعين ومئتين.
محمد بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الطلحي حدث عن بشر بن مرحوم، بسنده إلى أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أمتي أمة مرحومة، جعل عذابها بأيديها في الدنيا ".
محمد بن إسحاق بن عمرو بن عمر بن عمران أبو الحسن القرشي المؤذن، المعروف بابن الحريص ختن هشام بن عمار.
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الغضب يفسد الإيمان، كما يفسد الصبر العسل ". ثم قال: " يا معاوية بن حيدة! إن استطعت أن تلقى الله - عز وجل - وأنت تحسن الظن به فافعل، فإن الله عند ظن عبده به ".
توفي محمد بن إسحاق بن الحريص سنة ثمان وثمانين.
محمد بن إسحاق بن محمد بن أحمد ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى أبو جعفر الحلبي والد القاضي أبي الحسن علي بن محمد.
حدث عن الخريمي، بسنده إلى أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلينا معه الفجر، فلما قضى صلاته قال: " ها هنا فلان؟ " قلنا: لا، قال: " ففلان شاهد؟ " قلنا: نعم، قال: " إنه لا صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الغذاة والعشاء الآخرة، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما، ولو حبواً " ثم قال: " الصف الأول على صف الملائكة، وصلاة الرجلين أفضل من صلاة الرجل وحده، وصلاة الثلاثة أفضل من صلاة الرجلين، وما أكثرت فهو أحب إلى الله ".
وحدث عن أبيه، بسنده إلى قتادة قال: سمع عمر بن الخطاب رجلاً يتبع القصص، فقال له: أتحسن سورة يوسف؟ قال: نعم. قال: اقرأها. فقرأ حتى بلغ " نحن نقص عليك أحسن القصص.. "، فقال عمر: أفتريد أحسن من أحسن القصص؟! توفي أبو جعفر محمد بن إسحاق سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده - واسمه إبراهيم بن الوليد - بن سنده بن بطة بن استدار أبو عبد الله العبدي الحافظ أحد المكثرين والمحدثين الجوالين، قدم دمشق.
حدث عن عبد الله بن يعقوب المعدل، بسنده إلى عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً من بعدي. فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم. ومن آذاهم، فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".
وعن أحمد بن علي المقرئ، بسنده، إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاة أو نام عنها، فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ".
وعن سهل بن السري، بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى رجلاً شعث الرأس فقال: " ما لهذا ما يسكن به شعره؟! ".
كان أبو عبد الله محمد بن إسحاق ديناً ثقة صالحاً كثير الحفظ، كتب على ألف شيخ، وثقة كثيرون. وقال بعضهم إن له في معرفة الصحابة أوهاماً وإنه اختلط في آخر عمره.
توفي أبو عبد الله بن منده سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وقيل ست وتسعين.
محمد بن إسحاق بن هاشم بن يعقوب بن رافع أبو عبد الله الهاشمي الرافعي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعرف باليتيم.
حدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة أو ثمانية أو سبعة، قال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " وكنا حديث عهد ببيعة، قلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: "
ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " قلنا: ألسنا قد بايعناك يا رسول الله؟ فقال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟: " قال: فبسطنا أيدينا، فبايعناه، فقال قائل منا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: " على أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وأن تسمعوا وتطيعوا، وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئاً ".
فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه، فلا يسأل أحداً يناوله إياه! محمد بن إسحاق بن يزيد أبو عبد الله البغدادي المعروف بالصيني قدم دمشق.
حدث عن شجاع بن الوليد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً في الدنيا ".
وعن نصر بن حماد، بسنده إلى ابن عباس قال: وقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قتلى بدر فقال: " جزاكم الله عني من عصابة شراً، فقد خونتموني أميناً، وكذبتموني صادقاً " ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام، فقال: " هذا أعتى على الله عز وجل من فرعون؛ إن فرعون لما أيقن بالهلكة وحد الله، وإن هذا لما أيقن بالموت دعا باللات والعزى ".
سئل أبو عون بن عمرو بن عون عن محمد بن إسحاق الصيني فقال: هو كذاب.
محمد بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم أبو بكر دمشقي.
حدث عن عبد الله بن جعفر، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة ".
وعن محمد بن حمدان البلخي بسنده إلى يحيى بن أبي كثير قال: ولد الزنا لا يكتب الحديث.
محمد بن إسحاق أبو عبد الله الرملي روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي ".
محمد بن إسحاق أبو جعفر الزوزني القارئ
قدم دمشق حاجاً.
حدث عن محمد بن علي بسنده إلى أنس بن مالك قال: من صام يوماً تطوعاً، فلو أعطي ملء الأرض ذهباً، ما وفي أجره يوم الحساب.
قال ابن عساكر: كذا ذكر هذا الحديث موقوفاً، وقد وقع لي مرفوعاً بعلو.
محمد بن إسحاق المصري حدث عن جده قال: قال ذو النون: كل محب ذليل، وكل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل عاص مستوحش، وكل مطيع مستأنس.
مات محمد بن إسحاق المصري سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
محمد بن أسد أبو عبد الله الإسفراييني الحوشي حدث عن مران بن معاوية، بسنده إلى طارق بن الأشيم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دونه، حرم الله ماله ودمه، وحسابه على الله ".
محمد بن أسد بن هلال بن إبراهيم أبو طاهر الرقي الأشناني إمام جامع الرقة.
حدث عن عبد الله بن قثم، بسنده إلى جرير، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أول الأرضين خراباً يسراها ثم يمناها ".
محمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن سعيد أبو بكر الكشي الجوهري اجتاز بدمشق أو بأعمالها عند توجهه إلى مصر.
أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن أحمد الكجي الجوهري، عن إسماعيل بن الحسين، بسنده إلى عبد الله بن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما كبر الحاج من تكبيرة، ولا هلل من تهليلة، إلا بشر بها تبشيرة ".
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية ولي القضاء بدمشق.
حدث عن يحيى بن السكن، بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان واللقمة واللقمتان - زاد في رواية - ومن سأل الناس ليثري ماله، فإنما هو رضف من النار فيلهبه، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر ".
وثقه النسائي، وقال الدارقطني: لا بأس به.
لم يزل محمد بن إسماعيل قاضياً بدمشق حتى توفي سنة أربع وستين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله الجعفي البخاري الإمام صاحب الصحيح والتاريخ. سمع بدمشق.
حدث الإمام البخاري عن مكي بن إبراهيم بسنده إلى سلمة أنه أخبره قال: خرجت من المدينة ذاهباً نحو الغابة، حتى إذا كنت بثنية الغابة، لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف، قلت: ويحك ما بك؟ قال: أخذت لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها: يا صاحباه، يا صاحباه! ثم اندفعت حتى ألقاهم، وقد أخذوها، فجعلت أرميهم وأقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع
فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا، فأقبلت بها أسوقها، فلقيني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إن القوم عطاش، وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم، فابعث في أثرهم. فقال: " يا ابن الأكوع، ملكت، فأسجح، إن القوم يقرون في قومهم ".
قال أحمد بن سعدان البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه البخاري، وبردزبه مجوسي مات عليها. والمغيرة بن بردزبه أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو
أبو جد عبد الله بن محمد المسندي. وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي. والبخاري قيل له جعفي لأن أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي، ويمان جعفي، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق. وعبد الله قيل له مسندي لأنه كان يطلب المسند من حداثته.
قال بكر بن منير: بردزبه هو بالبخارية. وبالعربية الزراع.
قال أبو عمرو المستنير: سألت أبا عبد الله بن محمد بن إسماعيل: متى ولدت؟ فأخرج لي خط أبيه: ولد محمد بن إسماعيل يوم الجمعة، بعد الجمعة، لثلاث عشرة ليلة مضت من شوال، سنة أربع وتسعين ومئة.
قال الحسن بن الحسين البزاز: رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم شيخاً نحيف الجسم، ليس بالطويل، ولا بالقصير.
حدث محمد بن الفضل البلخي قال: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل البخاري في صغره، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل، فقال لها: يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو لكثرة دعائك، قال: فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره.
حدث محمد بن أبي حاتم الوراق النحوي قال:
قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظ الحديث، وأنا في الكتاب. قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو اقل. ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي
وغيره، وقال يوماً فيما يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت له: يا أبا فلان، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، إن كان عندك. فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، فقال: صدقت. فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة. فلما طعنت في ست عشرة، حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء. ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة. فلما حججت، رجع أخي، وتخلفت بها في طلب الحديث. فلما طعنت في ثمان عشرة، جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى. وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي المقمرة. وقال: كل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة. إلا أني كرهت تطويل الكتاب.
وقال البخاري أيضاً: كتبت على ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل، ولم أكتب قمن يقول: الإيمان قولي.
سمع حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل يختلف معنا إلى مشايخ البصرة، وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام. فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما معناك فيما تصنع؟ فقال لنا بعد ستة عشر يوماً: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها على ظهر القلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أني أختلف هدراً وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري - وفي رواية - أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعرف به من محمد بن إسماعيل البخاري.
وسمع عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين. فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الآخر، فقال: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم. ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع، إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم البخاري أنهم
قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكر محمد بن إسماعيل يقول: الكبش النطاح.
قال أبو حامد أحمد بن حمدون:
سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله! وحدث أبو عيسى الترمذي قال: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.
وحدث محمد بن أبي حاتم الوراق قال: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد، إلا في القيظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً بيده، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلم عليها، ثم يضع رأسه. وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم. فقلت: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني! قال: أنت شاب، فلا أحب أن أفسد عليك نومك.
قال محمد بن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
وقال: صنفت كتابي الصحاح ست عشرة سنة، خرجته من ست مئة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين الله تعالى.
حدث محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال: سمعت البخاري يقول: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء، لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ، ولا عرفوه. ثم قال: صنفته ثلاث مرات.
وقال أيضاً: دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم. ثم قام للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته، رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً، وقد تورم من ذلك جسده، وكان آثار الزنبور في جسده ظاهرة، فقال له بعضهم: كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أبرك؟! فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.
قال محمد بن منصور: كنا في مجلس بي عبد الله محمد بن إسماعيل، فرفع إنسان من لحيته قذاة، فطرحها على الأرض. قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رأيته مد يده، فرفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه. فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض.
حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد أبو حفص، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية، فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجار آخرون، فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا - يعني الذين طلبوا أول مرة - ودفع إليهم بربح خمسة آلاف درهم، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي.
وقال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.
وثقه علماء الحجاز والعراق والشام وخراسان وسائر الأمصار وأقروا له بالفضل.
حدث إسحاق بن أحمد بن خلف قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما تصاغرت إلي نفسي إلا عند علي بن المديني. قال إسحاق: وسمعت أحمد بن عبد السلام يقول: ذكرنا قول محمد بن إسماعيل هذا لعلي بن المديني فقال: دعوا هذا فإن محمد بن إسماعيل لم ير مثل نفسه.
وقال يحيى بن جعفر: لو قدرت أن أزيد - يعني من عمري - في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل ذهاب العلم.
قال محمد بن يوسف بن عاصم: رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاث مستملين ببغداد، وكان اجتمعوا في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل.
قال محمد بن جابر: سمعت محمد بن يحيى لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور قال: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه. قال: فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجالس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه.
وقال مسلم بن الحجاج:
لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بمحمد بن إسماعيل؛ استقبلوه مرحلتين وثلاث مراحل! وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً، فليستقبله، فإني أستقبله. فاستقبله محمد بن يحيى وعامة من أهل نيسابور، فدخل البلد، فنزل دار البخاريين. قال: فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه، وقع بيننا وبينه، ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان. قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل، حتى امتلأ الدار والسطوح. قال: فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا. قال: فوقع بين الناس اختلاف؛ فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل. فوقع بينهم اختلاف، حتى تواثب بعضهم إلى بعض. فاجتمع أهل الدار، فأخرجوا الناس من الدار.
قال أبو حامد الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان، ومحمد بن يحيى فسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث.. ومر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ " قل هو الله أحد " فما أتى على هذا شهر، حتى قال محمد بن يحيى: ألا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ. ونهيناه فلم
ينته. ولا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام محمد بن إسماعيل ههنا مدة، وخرج إلى بخارى.
وحدث أبو عمرو أحمد بن نصر النيسابوري المعروف بالخفاف، ببخارى، قال: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله فقد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: ليس إلا ما أقول. واحكي له عني. قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت محمد بن إسماعيل، فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله، ههنا رجل يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة، فقال لي: يا أبا عمرو، احفظ ما أقول، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة. إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.
حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي، والي بخارى، إلى محمد بن إسماعيل أن أحمل إلي كتاب الجامع والتاريخ وغيرهما لأسمع منك. فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس. فإن كنت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضرني في مسجدي أو في داري. وإن لم يعجبك هذا، فأنت سلطان، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لم أكتم العلم، لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار ". قال: فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
قال عبد القدوس بن عبد الجبار المرقندي: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك، قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. قال: فسمعته ليلة من الليالي، وقد فرغ من صلاة الليل، يدعو، ويقول في دعائه: اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. قال: فما تم شهر حتى قبضه الله تعالى. وقبره بخرتنك.
توفي محمد بن إسماعيل البخاري ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي حدث عن أبي هاشم وريزة بن محمد بسنده إلى عمر بن الخطاب، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام الخل ".
كان أبو عبد الله الفارسي ثقة فاضلاً. ولد سنة ثمان أو تسع وأربعين ومئتين، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن زياد أبو عبد الله - ويقال أبو بكر - البغدادي الدولابي حدث محمد بن إسماعيل الدولابي، عن أبي مسهر بسنده إلى أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قال: " سمع الله لمن حمده " قال: " ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد. لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
كان الدولابي ثقة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن علي أبو علي الأيلي حدث بدمشق سنة ست وعشرين وثلاث مئة، عن إسحاق بن إبراهيم، بسنده إلى أنس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنة عمران، وخديجة بنة خويلد، وفاطمة بنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآسيا امرأة فرعون ".
محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي الحسني المدني الرسي قدم دمشق في صحبة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون حين توجه للقاء جيش ابن أبي الساج، فالتقيا بثنية العقاب من أرض دمشق.
حدث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قال: لما تراءى الجيشان أمر بإلقاء حصير الصلاة، فألقيت، ونزلت معه، فصلى ركعتين، فلما استتمهما أدخل يده في خفه، فأخرج منه خط ابن أبي الساج الذي حلف فيه بوكيد الأيمان أنه لا يحاربه، فقال: اللهم إني رضيت بما أعطانيه من الأيمان بك، ووثقت بكفايتك إياي غدره بحلفه. واجترأ على الحنث بما أكده لي اغتراراً بحلمك عنه، فأدلني عليه. فرأيت ميمنة خمارويه قد انهزمت، وتبعتها ميسرته، فحمل في شرذمة يسيرة على جيش أبي الساج، وهو في غاية من الوفور، فانهزموا بأسرهم. فوقف على نشز، وأطفت ومن حضر به. فاستأمنت إلينا عدة كبيرة. فقلت له: أيها الأمير، إن مقامنا مع هذه الجماعة خطر، فأمرني بالمسير بهم إلى مستقر سواء، فسرت معهم، وأنا على
رقبة مطمع فيه، أو كيد له. فبلغوا نهراً احتاجوا إلى عبوره، فرأيتهم قد خلعوا الخفاف، وحطوا الرحال، وسلكوا سلوك المطمئنين، فأنست إليهم.
قال سعيد بن يونس: محمد بن إسماعيل بن القاسم، مديني، كان يسكن الرس، قرية نحو المدينة. قدم مصر قديماً روى عن أبيه عن جده حديثاً في فضل حضور موائد آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان كريماً سخياً، وكانت له بمصر منزلة عند السلطان والعامة. توفي بمصر سنة خمس عشرة وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن القاسم بن الحسن أبو عبد الله الحداد البانياسي حدث عن أصل كتاب أحمد بن بكر، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال العبد في الصلاة، ما دام ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ".
محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى بن يزيد بن دينار أبو حصين التميمي والد أبي الدحداح.
حدث أبو حصين محمد بن إسماعيل التميمي، عن أبيه، بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بهما جميعاً: " لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً ".
وحدث عن أبيه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة.. " فذكر الحديث.
توفي أبو الحصن محمد بن إسماعيل الدمشقي سنة تسع ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام أبو بكر الخشني، مولاهم، المعروف بابن البصال المعدل أصلهم من خراسان، وكان خليفة القاضي أبي محمد بن زبر على قضاء دمشق.
حدث أبو بكر المعروف بابن البصال عن أبي الوليد محمد بن أحمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة من خير، ما سقى كافراً منها شربة ".
كتب أبو الحسين الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام الخشني ويعرف بابن البصال، شيخ جليل معدل، وكان أبوه محدثاً. مات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن محمد أبو عبد الله البخاري قدم دمشق لزيارة القدس وسماع الحديث.
حدث عن أبي بكر أحمد بن علي، بسنده إلى سعد بن ابي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشراً، ويسبح عشراً، ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلوات خمسون ومئة باللسان، وألف وخمس مئة في الميزان، وإذا أوى إلى
فراشه كبر أربعاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مئة باللسان وألف في الميزان قال: ثم قال: وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمس مئة سيئة؟! ".
قال الحافظ ابن عساكر: ذكر لي عن هذا البخاري عجائب ببغداد من الفسوق والكذب، وأنه غير اسمه وكنيته، وتكنى بمحمد بن إسماعيل تشبهاً بالبخاري. هلك ببغداد في البيمارستان، وكان قد حد في الشراب.
محمد بن إسماعيل بن مهران بن عبد الله أبو بكر النيسابوري المعروف بالإسماعيلي أحد الثقات الرحالين.
حدث عن علي بن ميمون العطار، بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل مسكر على كل مؤمن حرام ".
وحدث عن سوار بن عبد الله العنبري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولغ الكلب في الإناء، غسل سبع مرات، أولهن - أو أولاهن - بالتراب. وإذا ولغ الهر غسل مرة ".
توفي أبو بكر الإسماعيلي سنة خمس وتسعين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو إسماعيل السلمي الترمذي حدث عن الحسن بن سوار، بسنده إلى أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين، المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ".
وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى العباس بن عبد المطلب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب: الجبهة وكفاه وركبتاه وقدماه ".
وعن محمد بن عبد الله الأنصاري، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن إسماعيل بن يوسف كان فهماً متقناً مشهوراً بمذهب السنة، روى عنه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في صحيحهما.
وقال الدارقطني: أبو إسماعيل الترمذي ثقة صدوق، تكلم فيه أبو حاتم.
توفي أبو إسماعيل الترمذي سنة ثمانين ومئتين.
محمد بن إسماعيل أبو بكر المرثدي القاضي ولي قضاء دمشق نيابة عن عبد الله بن محمد بن الخصيب تسعة اشهر حتى مات الخصيبي. وكان محموداً على ما قيل. ثم ولي قضاء صيدا حتى توفي سنة تسع وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل أبو بكر الفرغاني أحد مشايخ الصوفية، من أستاذي أبي بكر الدقي، وكان من مجتهدي أهل التصوف في العبادة وخلو اليد من العلوم.
حدث محمد بن إسماعيل الفرغاني قال: سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: دخلت مسجد طرطوس، فرأيت فتيين جلوساً يتكلمان في علم الألفة، وسوء أدب الخلق، وحسن صنيع الله تعالى إليهم، وندمان نفوسهما فيما يجب لله تعالى عليهما. فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد تحدثنا في العلم، فتعال حتى نعامل الله تعالى به، فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة. فعزما على ألا يتناولا شيئاً مسته أيدي بني آدم، ولا ما للخليقة فيه صنع. قال أبو الحارث: فقلت: وأنا معكما. فقالا: إن شئت. فخرجنا من طرطوس، وجئنا إلى جبل لكام، فأقمنا فيه ما شاء الله. قال أبو الحارث: أما أنا فضعفت نفسي، وقام العلم بين عيني؛ لئن مت على ما أنت عليه، مت ميتة جاهلية. فتركت صاحبي، ورجعت إلى طرطوس، ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي. وأقام صاحباي باللكام سنة، فلما كان بعد مدة دخلت المسجد، فإذا أنا بأحد الفتيين جالساً في المسجد، فسلمت عليه، فقال: يا أبا الحارث، خنت الله تعالى في عهدك، ولم تف به! أما إنك لو صبرت
معنا، أعطيت ثلاثة أحوال، وقد أعطينا. فقلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض، والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة. فظهر لي وقال: سل يا أبا الحارث، وأوجز. فقلت: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث! بعد الخيانة لا تقبل الأمانة. فكوى قلبي بكية لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله، جل وعز.
قال أحمد بن علي الرستمي:
كان أبو بكر الفرغاني من أجل الصوفية، وكان من رسمه أنه يسيح، وكان معه كوز ضيق الرأس، فيه قميص نظيف رقيق. فإذا اشتهى دخول مدينة، تنظف، وتطهر، وأخرج ذلك القميص فلبسه. وكان يسافر بمفتاح منقوش، فإذا دخل المدينة، عمد إلى مسجد يصلي، فطرح المفتاح بين يديه. فكل من يراه، توهم أنه تاجر قد ترك بعض الخانات. فلا يفطن له إلا الخلصان من أولياء الله عز وجل. فدخل مصر مرة على هذا الزي، فعرف بها، واجتمع إليه الصوفية. فكان يوماً يتكلم عليهم، إذ عرض له خاطر السفر، فقام من مجلسه، وخرج معه نحو سبعين رجلاً من الصوفية فمشى في يومه فراسخ، لا يعرج إلى أحد، فيقطع من كان خلفه، وبقي منهم قليل، فالتفت إليهم فقال: كأني بكم وقد جعتم وعطشتم. فقالوا: نعم. فعدل إلى دير فيه صومعة لراهب، فلما دخلوا، أشرف الراهب على أصحابه فناداهم فقال: أطعموا رهبان المسلمين، فإن بهم قلة صبر على الجوع. فغضب من ذلك غضباً شديداً، ورفع رأسه إليه وقال: أيها الكافر، هل لك إلى خطة يتبين فيها الصابر من الجازع. قال: وما ذاك؟ قال: تنزل من صومعتك فتتناول من الطعام ما أحببت، ثم تدخل معي بيتاً، ونغلق علينا الباب، ويدلى إلينا من الماء قدر ما يتطهر به فأول من يظهر جزعه، ويستغيث من جوعه، ويستفتح الباب، يدخل في دين صاحبه كائناً من كان، على أني لم أذق من ثلاث ذواقاً. قال الراهب:
لك ذلك. فنزل من صومعته، فأكل ما أحب، وشرب، ثم دخل مع أبي بكر بيتاً، وغلق الباب عليهما، والصوفية والرهبان يرصدونهما لا يسمعون لهما بحس أربعين يوماً. فلما كان في اليوم الحادي والأربعين سمعوا خشخشة الباب وقد تعلق بحده، ففتحوا الباب، فإذا الراهب قد تلف جوعاً وعطشاً، وإذا هو يستغيث بهم إشارة، فسقوه، واتخذوا له حريرة، فصبوها في حلقه، وأبو بكر الفرغاني ينظر ليهم. فلما رجعت إليه نفسه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ففرح أبو بكر، وجعل يتكلم على من في الدير من النصارى، حتى أسلموا عن آخرهم، وقدم بغداد، ومعه الراهب ومن أسلم من أولئك النصارى.
حدث أبو بكر الدقي قال: كان أبو بكر الفرغاني يأكل المنبوذ إلى أن ضعفت قوته. قال: فقال لنا: كنت جالساً يوماً بين الظهر والعصر، والناس يتنفلون، وليس يمكنني الصلاة قائماً، فأبكاني ذلك بكاءً شديداً أسفاً على الصلاة. ثم حملتني عيني، فإذا شخصان دخلا علي، فقال أحدهما لصاحبه: إن أبا بكر يبكي على الصلاة. فقال الآخر لي: يا أبا بكر لم تبكي؟ فقلت: أسفاً على الصلاة. قال: لا تبك فإن هذا الأمر ليس على هذا أسس. فقلت: يرحمك الله، فعلى ماذا أسس؟ فقال: على من أين؟ ولمن؟ يعني الورع.
مات أبو بكر الفرغاني سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة.
مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز بْن جريج مولى قريش
عن ابيه منه روح بْن عبادة.
عن ابيه منه روح بْن عبادة.
محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج روى عن أبيه روى عنه روح بن عبادة .
نا عبد الرحمن قال سمعت ابى يقول ذلك.
نا عبد الرحمن قال سمعت ابى يقول ذلك.
محمد بن مسلم بن عبيد اللَّه بن شهاب الزهري
قال الأثرم: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: ولد سفيان بن عيينة سنة سبع ومائة، وقدم الزهري للحج في سنة ثلاث وعشرين، فرجع من الحج ومات سنة أربع.
"سؤالات الأثرم" (40)
قال صالح: قلت: حديث الزهري، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة -في القراءة في الصلاة- قال: فانتهى الناس عن القراءة، هو في الحديث عن أبي هريرة، أو من كلام الزهري؟
قال: أما عبد الرزاق فحكى عن معمر، عن الزهري قال: سمع ابن أكيمة يحدث بحديث، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى صلاة جهر فيها بالقراءة. وذكر الحديث: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يجهر به من القراءة حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال ابن عيينة: فذكر الحديث. .، وقال معمر: عن الزهري: فانتهى الناس في القراءة فيما يجهر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال سفيان: خفيت عليَّ هذِه الكلمة. وقال إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري وذكر الحديث. .، فانتهى إلى قوله: "إني أقول ما بالي أنازع القرآن" (1)، فلم
يزد على هذا، فالذي نرى أن قوله: فانتهي الناس عن القراءة، أنه قول الزهري.
"مسائل صالح" (687).
قال صالح: قلت: حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر: إنما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعه (1).
قوله: فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، في الحديث، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو هو من كلام أبي سلمة؟
قال: معمر يقول: عن أبي سلمة، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وصالح بن أبي الأخضر كذا يقول أيضًا.
ورواه مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة مرسل قالا: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (1).
"مسائل صالح" (688).
قال صالح: قلت: حديث الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة قالت: كن النساء يشهدن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح، فينصرفن متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس.
قالت: وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمكث قليلًا، وكانوا يرون أن ذلك كيما يتقدم النساء قبل الرجال، في الحديث عن أم سلمة، أو هو من كلام الزهري (2)؟
قال: رواه معمر، عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سلم: مكث قليلًا، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال (3).
وقال إبراهيم بن سعد: قال ابن شهاب: فنرى -واللَّه أعلم- أن ذلك
كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم (1).
"مسائل صالح" (691).
قال صالح: حدثني أبي، ثنا سفيان قال: قال له إسماعيل بن أمية: ائت أبا بكر -يعني: الزهري.
"الأسامي والكنى" (276).
قال أبو داود: نا أحمد، نا الحكم، نا شعيب وهو ابن أبي حمزة، عن الزهري، قال: حدثتني فاطمة الخزاعية، وكانت قد أدركت عامة أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
"سؤالات أبي داود" (7).
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: زعموا أن سعد بن إبراهيم قال لابن شهاب: من أبو الأحوص؟ قال: أما رأيت الشيخ الذي كان في المسجد.
"سؤالات أبي داود" (158).
وقال أبو داود: قلت لأحمد: اختلاف أحاديث الزهري؟
قال: منها ما روى عن رجلين، ومنها ما جاء عن أصحابه -يعني: الوهم.
"سؤالات أبي داود" (192).
وقال أبو داود: سمعت أحمد، وذكر قول الزهري: إن سعدًا كلمني في ابنه، وسعد سعد، قال: يعني إبراهيم بن سعد.
"سؤالات أبي داود" (209).
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: من تناول من الإسناد ما تناول معمر.
قال أحمد: سمع من الزهري بالرصافة.
"سؤالات أبي داود" (245)
قال ابن هانئ: سألته عن ابن أبي ذئب والزهري، أيما أحب إليك؟
قال: جميعًا واحد في الثبت.
"مسائل ابن هانئ" (2212).
قال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: سمعت عبيد اللَّه أو عبد اللَّه بن عمر -شك ابن أبي خيثمة- قال: لما نشأت فأردت أن أطلب العلم جعلت آتي أشياخ آل عمر رجلًا رجلًا فأقول: ما سمعت من سالم بن عمر؟ فكلما أتيت رجلًا منهم قال: عليك بابن شهاب فإن ابن شهاب كان يلزمه، قال: وابن شهاب بالشام حينئذ، قال: فلزمت نافعًا فجعل اللَّه في ذلك خيرًا كثيرًا.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2698)
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: قيل للزهري: زعموا أنك لا تحدث عن الموالي، قال: إني لأحدث عنهم، ولكن إذا وجدت أبناء المهاجرين والأنصار أتكئ عليهم، فما أصنع بغيرهم؟ ! .
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2700).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: أخبرني صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب فقلنا: نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قلت: نكتب ما
جاء عن الصحابة فإنه سنة، قال: قلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه، قال: فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت.
"تاريخ بن أبي خيثمة" (2701).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد قال: ما سبقنا ابن شهاب من العلم إلا أنَّا كنا نأتي فيشد ثوبه عند صدره ويسأل عما يريد، وكنا تمنعنا الحداثة.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2705).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا شعيب بن حرب قال: قال مالك: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر، فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا كذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2711).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: سمعته يقول كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء فرأينا ألّا نمنعه أحدًا من المسلمين.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2714).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري قال: سمرت مع عمر ابن عبد العزيز ليلة فحدثته فقال: كل ما ذكرت الليلة قد أتى على مسامعي، فحفظته ونسيتُ.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2715).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال:
قال معمر: كان الزهري في أصحابه مثل الحكم بن عتيبة في أصحابه، يروي عنه عروة وسالم الشيء كذلك.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2716).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق، عن معمر قال: أتيت الزهري بالرصافة فلم يكن أحد يسأله عن الحديث، فكان يلقي عليّ.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2717).
وقال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: سمعت إبراهيم بن الوليد -رجل من بني أمية- يسأل الزهري وعرض عليه كتابًا من علم، فقال: أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: نعم، فمن يحدثكموه غيري، قال معمر: ورأيت أيوب يعرض على الزهري.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2733).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: أخبرني أبي، قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح والصحف فكنا نضحك به.
"تاريخ بن أبي خيثمة" (2741).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: سمعت الزهري يقول: يخرج الحديث شبرًا فيرجع ذراعًا، قال: يعني: من العراق.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2746).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: قال سفيان: قال
الأعمش: قال لي رجل: جالست الزهري فذكرتُك له، فقال لي: ما معك من حديثه؟
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2749).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق: قال: أنا معمر قال: سمعت الزهري يقول: نقل الصخر أيسر من تكرير الحديث.
"تاريخ بن أبي خيثمة" (2772).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق: قال: أنا معمر قال: سمعت الزهري يقول يخرج الحديث ذراعًا، يعني: من العراق، وأشار بيده إذا أوغل الحديث هنالك فرويدًا به.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (3558).
قال حرب: قيل لأحمد: رأي الزهري أحب إليك أو رأي إبراهيم والشعبي؟
قال: كان ابن عيينة يختار رأي الزهري.
"مسائل حرب" ص 482.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي: قال سفيان: هل عَسَى الغويرة أبؤسًا (1) سمعت الزهري مثلًا يضربه أهل المدينة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (100)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان قال: كان الزهري يعرض عليه الشيء.
"العلل" رواية عبد اللَّه (103)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: سمعت سفيان يقول: قال لي الهذلي: احفظ لي هذا الحديث، وهو عند الزهري، حديث أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "تبايعوني على ألا تشركوا باللَّه شيئًا" (1)، قال لي الهذلي أبو بكر: لم نر مثل هذا -يعني: الزهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (105)، (5712)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا حماد بن زيد، عن برد، عن مكحول قال: ما أعلم أحدًا أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب.
"العلل" رواية عبد اللَّه (106)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن وهيب قال: سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (107)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: أخبرني أبي قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب على المشيخة، ومع ابن شهاب الألواح والصحف، فكنا نضحك به.
"العلل" رواية عبد اللَّه (108)، (4083)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري قال:
ما استعدت حديثًا قط، ولا شككت في حديث إلا حديثًا واحدًا، فسألت صاحبي، فإذا هو كما حفظت.
"العلل" رواية عبد اللَّه (160).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا شعيب بن حرب قال: قال مالك بن أنس: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا وكذا. فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه، فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (476)
وقال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول: حديث شعبة كأنه يوافق حديث الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس: جئت على أتان وقد ناهزت الاحتلام.
قال أبي: حدثناه عبد الرحمن، عن مالك، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس.
قال أبي: وحدثناه يعقوب، عن ابن أخي الزهري، عن عمه قال: ناهزت الحلم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1715).
وقال عبد اللَّه: رأيت أبي يختار حديث الزهري ويعجبه، وقال: يوافق حديث شعبة، عن أبي إسحاق.
قال أبي: وابن عباس يقول: بت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (1)، وتروى عنه هذِه الأحاديث سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1716).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا مالك، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس قال: جئت ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بمنى وأنا على حمار، فتركته بين يدي الصف، فدخلت في الصلاة وقد ناهزت الاحتلام فلم يعب ذلك (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (1718).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر وعبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: جئت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع، أو قال: يوم الفتح وأنا والفضل مرتدفان على أتان، فقطعنا الصف ونزلنا عنها ثم دخلنا الصف والأتان تمر بين أيديهم لم تقطع صلاتهما (2). وقال عبد الأعلى: كنت رديف الفضل على أتان، فجئنا ونبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1721).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، وقال: سهل بن سعد الأنصاري، وكان قد رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-
وسمع منه، وذكر أنه ابن خمس عشرة سنة يوم توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2060)، (5778).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا ابن جُريج قال: قال ابن شهاب: فقال سهل بن سعد، وكان قد بلغ خمس عشرة سنة؟ حيث توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسمع منه.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2062).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عثمان بن عُمر قال: أخبرنا يونس، عن الزهري فقال: سهل الأنصاري وكان قد أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن خمس عشرة في زمانه.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2063).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا علي بن إسحاق قال: أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك قال: أخبرني يونس، عن الزهري، عن سهل ابن سعد الأنصاري -وقد أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن خمس عشرة سنة في زمانه.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2064).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الأعلى عن معمر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "توضئوا مما غيرت النار" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (2071)، (5281).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: قرأت في كتاب معمر، عن الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن خارجة،
عن زيد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الوضوء مما غيرت النار (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (2072)، (5282).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان، عن الزهري سمعه من أنس: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين. وكن أمهاتي يحثني على خدمته. وقال سفيان مرة: الزهري قال: أخبرنا أنس.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2088)، (5301).
وقال عبد اللَّه: قلت له: أيما أثبت أصحاب الزهري؟
فقال: لكل واحد منهم علة، إلا أن يونس وعقيلًا يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة وليس هم مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد.
قلت: فمالك؟
قال: مالك أثبت في كل شيء ولكن هؤلاء الكثرة كم عند مالك؟ ثلاثمائة حديث أو نحو ذا، وابن عيينة نحو من ثلاثمائة حديث، ثم قال: هؤلاء الذين رووا عن الزهري الكثير يونس وعقيل ومعمر.
قلت له: شعيب؟ قال: شعيب قليل، هؤلاء أكثر حديثًا عن الزهري.
قلت: فصالح بن كيسان روايته عن الزهري؟
قال: صالح أكبر من الزهري، قد رأى صالح ابن عمر.
قلت: فهؤلاء أصحاب الزهري، قلت: أثبتهم مالك؟
قال: نعم، مالك أثبتهم، ولكن هؤلاء الذين قد بقروا علم الزهري يونس وعقيل ومعمر.
قلت له: فبعد مالك من ترى؟
قال: ابن عيينة.
قلت له: الموقري يجيء عنه العجائب، قال: ليس ذاك بشيء.
قال أبي: كان الزهري رجلًا دميمًا قصيرًا، ليس له ذاك النبل لم يكن بالجميل، الزهري محمد بن مسلم بن عبيد اللَّه بن شهاب.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2543).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: جاءنا الزهري وأنا ابن ست عشرة جاء مع ابن هشام ابن الخليفة حدثوني عنه -يعني: الزهري- قال: ما رأيت في مثل سنة يطلب هذا -يعني: العلم- قال سفيان سنة سبع وسبعين الزهري جالسناه منذ أربع وسبعين سنة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4665)، (4666).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان قال: جاءنا الزهري سنة ثلاث وعشرين وخرج في أربع وعشرين فيها مات، سألته وسعد عنده فلم يجبني في الحديث، فلما أن لم يجبني قال: أجب الغلام عما سألك، قال: أما إني أعطيه حقه، قال سفيان: وأنا ابن ست عشرة سنة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4667).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان بن عُيينة قال ابن جريج -وجاء إليه يعني: إلى الزهري- فقال: إني أريد أن أعرض عليك الكتاب، فقال: إن سعدًا قد كلمني في ابنه، وسعد سعد، فقال لي ابن جُريج أما رأيته يفرق منه؟ قال سفيان: وذكر حديث أبي الأحوص، قال سفيان: سمعت سعد بن إبراهيم يقول لابن شهاب، وحدث عنه قال: من أبو الأحوص؟ قال: أما رأيت الشيخ الذي كان مكان كذا وكذا يصف له.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4668).
وقال عبد اللَّه: سمعت بعض المشايخ يقول: مات الزهري سنة أربع وعشرين، فلما بلغ موته يزيد بن أبي حبيب قال: من كان في جرابه عن ابن شهاب شيء فليحفظه، وقال: فمات بعده بقليل. قال أبي: فمات بعده بقليل.
قال أبي: ولم يسمع يزيد ابن أبي حبيب من الزهري إنما كتب إليه بكتاب، وكان يقول: كتب إلى الزهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4669)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: أجلسه معه على فراشه -يعني: علي بن زيد- وكان على الزهري ثوبان قد غسلا فكأنه وجد ريح الأشنان؛ فقال: ألا تأمر بهذين فيجمرا.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4671).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: جاء الزهري عند المغرب فدخل المسجد ما أدري طاف أم لا؟ فجلس ناحية، وعمرو مما يلي الأساطين، فقال له إنسان هذا عمرو فقام إليه فجلس إليه فقال عمرو ما يمنعني أن آتيك إلا أني مقعد، فقال: خيرًا، ساعة تساءلا وأقيمت الصلاة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4672)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة ثانية قال: جاء الزهري إلى عمرو بن دينار فاعتذر إليه عمرو قال: إني مقعد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4673).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: كان الزهري إذا حدث قال: حدثني فلان وكان من أوعية العلم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4674).
وقال عبد اللَّه: وجدت في كتاب أبي: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثني رباح قال: حدثني معمر، عن الزهري أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو جمع علم نساء هذِه الأمة فيهن أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان علم عائشة أكبر من علمهن" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (4776).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج ليلة في رمضان فصلى أناس بصلاته، ثم خرج الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فلما كان في الليلة الثالثة كثروا حتى امتلأ المسجد أو كاد يمتلئ، فلم يخرج، فدخل عليه عُمر ابن الخطاب فقال يارسول اللَّه، الناس ينتظرونك فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما إنه لم يَخْفَ على مكانُهم، ولكن خشيت أن يُفرض عليهم" (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (4862).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ثم رجع عنه -يعني: عبد الرزاق- فقال: اضربوا عليه. فجلعناه عن الزهري مرسلًا.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4863).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثناه إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن معمر، عن الزهري، عن عُروة، عن عائشة هذا الحديث (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (4864)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري قال: قال أبو هريرة: أنا كنت أحدثكم بهذِه الأحاديث في عهد عمر إذًا لألفيت الدرة على ظهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4894).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان -يعني: ابن حُسين- عن الزهري- عن عروة، عن عائشة قالت: أهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان فأفطرتني وكانت بنت أبيها. فلما دخل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك لى فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبدلا يومًا مكانه" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5100).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن بُرقان قال: حدثنا الزهري، عن عروة، عن عائشة قال: كنت أنا وحفصة صائمتين -فذكر الحديث (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5101).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا روح قال: حدثنا مالك، عن
ابن شهاب أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين، فأهدي لهما طعام وأفطرتا عليه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقضيا يومًا مكانه" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5102).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا روح قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر قال: حدثنا ابن شهاب، عن عُروة أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين. فذكر الحديث (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5103).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان قال الزهري: أصبحت عائشة وحفصة صائمتين فأهدي لهما طعام فأكلتا منه، فدخل عليهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت عائشة: فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها، قالت: إنا كنا صائمتين وإنه أهدي لنا طعام فأكلنا منه فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبدلا يومًا مكانه" (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5104).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال: أصبحت عائشة وحفصة صائمتين. .، فذكر معنى حديث سُفيان (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5105).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج. وروح قال: حدثنا ابن جريج قال: قلت لابن شهاب: أحدثك عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أفطر في تطوع فليقضه"؟ قال: لم أسمع من عُروة في ذلك شيئًا، ولكن حدثني في خلافة سليمان إنسان -وقال ابن بكر: أناس، وقال روح: ناس- عن بعض من كان يسأل عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين فقرب لنا طعام، فابتدرناه فأكلنا، فدخل علينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبادرتني -قال روح: فبدرتني- إليه حفصة، وكانت بنت أبيها، فذكرت ذلك له، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "صُوما يومًا" (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5106).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه أنهم حين
قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحُسين بن علي لقية المسور ابن مخرمة، فقال له: إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ مُحتلم، فقال: "إن فاطمة مني وإني أتخوف أن تُفتن في دينها" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5547).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: أخبرنا سفيان قال: حفظته من الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر طاف بالبيت بعد الصبح سبعًا، ثم خرج فلم يصل الركعتين إلَّا بذي طوى، وطلعت الشمس.
سمعت أبي يقول: قال ابن أبي ذئب وغيره: حدثناه يحيى بن سعيد، عنه، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر طاف بالبيت وهو الصواب -يعني: عن حميد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5713)، (5714).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: قيل لسفيان: أكان الزهري حدثكم بالتشهد؟ قال: نعم، لم نحفظه عنه (2)، قيل له: عمن ذكره؟ قال: عروة عن ابن عبد القاري، قال: سمعت عمر يعلم الناس على المنبر التشهد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5715).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: سهل بن سعد الأنصاري: حدثني أُبي بن
كعب: أن الفتيا التي كانوا يُفتون بها أن الماء من الماء رخصة، كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترخص فيها أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعد (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5779).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن غيلان قال: حدثنا رشدين بن سعد قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد الساعدي، أن أبي بن كعب حدثه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعلها رخصة للمؤمنين؛ لقلة ثيابهم، ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عنه -يعني قوله: "الماء من الماء" (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5780).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثني بهز قال: حدثني إبراهيم بن سعد قال: حدثنا ابن شهاب عن محمود بن الربيع -وكان عقل مجة مجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهة من دلو من بئر لهم (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5811).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثنا رباح، عن معمر، عن الزهري قال: حدثني محمود بن الربيع، وكان عقل مجة مجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهة من دلو من بئر لهم (4).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5812).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثنا رباح عن معمر عن الزهري: قال: حدثني وكان عقل مجة مجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهة من دلو من بئر لهم كان في دارهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5813).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري قال: حدثني محمود أنه عقل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعقل مجة مجها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من دلو كان في دارهم (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5814).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن وغيره قال: فكان أول من آمن به علي بن أبي طالب وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، قال معمر: وأخبرني عثمان الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس أن عليًّا أول من أسلم، قال معمر: فسألت الزهري، فقال: ما علمنا أحدًا أسلم قبل زيد بن حارثة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5817).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كان عبد الرحمن بن أزهر يُحدث أن خالد بن الوليد بن المُغيرة جُرح يومئذ وكان على الخيل خيل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال ابن أزهر: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدما هزم اللَّه الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم، يمشي في المسلمين، يقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد" فمشيت -أو قال: فسعيتُ- بين يديه وأنا مُحتلم أقول: من يدل
على رحل خالد، حتى دللنا على رحله (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5876).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد اللَّه بن الحارث قال قراءة على يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد اللَّه بن ثعلبة وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مسح وجهه (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5877).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: أخبرنا حجاج قال: حدثنا ليث قال: حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعير العُذري وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مسح على وجهه، وأدرك صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5878).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعير العذري، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مسح على وجهه زمن الفتح (4).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5879).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يزيد بن عبد ربه قال: حدثنا محمد بن حرب قال: حدثني الزبيدي، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن
ثعلبة بن صعير قال: وكان رسول اللَّه قد مسح وجهه زمن الفتح (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5880).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعير العذري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5881).
قال سلمة: قال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: قدم علينا هاهنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، أخبرني أبي قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب ومع ابن شهاب الألواح والصحف، قال: فكنا نضحك به.
"المعرفة والتاريخ" 1/ 639.
قال الفضل بن زياد: وكتبت إلى أبي عبد اللَّه أسأله عن الزهري والشعبي أيهما أعجب إليك إذا أختلفا وأيهما أعلم؟ فآتاني الجواب: كلاهما عالم فيكون الزهري قد سمع عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحديث فيذهب إليه فهو أعجب إلينا، ويكون الشعبي قد سمع الحديث ولم يسمعه الزهري فهو أعجب إلينا.
"المعرفة والتاريخ" 2/ 176.
قال سلمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا شعيب بن حرب قال: قال مالك: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر، فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا وكذا. فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم.
"المعرفة والتاريخ" 2/ 830.
قال محمد بن علي الجوزجاني: قلت لأبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل: ابن أبي ذئب سماعه من الزهري عرض أو سماع؟
قال: لا تبالي كيف كان.
قلت: ابن جريج؟ قال: ابن جريج عرض وهو يقول: سألت ابن شهاب.
قلت: معمر؟ قال: سماع وعرض.
قلت: مالك وابن عيينة سماع؟ قال: نعم، وكان مالك يقول: أقل ذلك عرض.
قلت: إنما سمع مالك وسفيان من الزهري سنة ثلاث وعشرين حين قدم؟
قال: نعم كل هؤلاء إنما سمعوا منه حين قدم.
قلت له: شعيب بن أبي حمزة كيف كان حديثه؟ قال: ثبت صالح الحديث.
"مسند ابن الجعد" ص 418 - 419.
قال إسماعيل بن أبي الحارث: نا أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن وهيب، قال: سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري.
"الجرح والتعديل" 8/ 73.
قال علي بن الحسن الهسنجاني: نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق قال: سمعت عبيد اللَّه بن عمر يقول: لما نشأت فأردت أن أطلب العلم، جعلت آتي أشياخ آل عمر -رضي اللَّه عنه- رجلًا رجلًا وأقول: ما سمعت من
سالم؟ فكلما أتيت رجلًا منهم قال: عليك بابن شهاب، فإن ابن شهاب كان يلزمه، قال: وابن شهاب حينئذٍ بالشام.
"الجرح والتعديل" 8/ 73.
وقال إسماعيل بن أبي الحارث: نا أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق قال: قال معمر: ما رأيت مثل الزهري في وجهه قط.
"الجرح والتعديل" 8/ 74.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: الزهري سمع من أبان بن عثمان؟
فقال: ما أراه سمع منه وما أدري أو نحو هذا إلَّا أنه قد أدخل بينه وبينه عبد اللَّه بن أبي بكر.
"المراسيل" لابن أبي حاتم ص 189 - 190، "تهذيب الأجوبة" 2/ 582، "بحر الدم" (933).
وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: الزهري سمع من ابن عمر؟
قال: لا.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: الزهري سمع من عبد الرحمن بن أزهر؟
قال: ما أراه سمع من عبد الرحمن بن أزهر.
ثم قال: إنما يقول الزهري: كان عبد الرحمن بن أزهر يحدث، كذا يقول معمر وأسامة: سمعت عبد الرحمن بن أزهر، ولم يصنعا عندي شيئًا، ما أراه حفظ، وقد أدخل بينه وبينه طلحة بن عبد اللَّه بن عوف.
"المراسيل" لابن أبي حاتم 189 - 190، "بحر الدم" (933).
قال محمد بن سهل بن عسكر: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: الزهري أحسن الناس حديثًا، وأجود الناس إسنادًا.
"الكامل" لابن عدي 1/ 139، "سير أعلام النبلاء" 5/ 335.
وقال مهنا: قال أحمد: لا ينبغي أن يكون الزهري سمع من أبان.
وقال علي بن سعيد: قال أحمد: لم يسمع الزهري من أبان بن عثمان شيئًا.
"تهذيب الأجوبة" 2/ 583.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: ولد سفيان بن عيينة سنة سبع ومائة، وقدم الزهري للحج في سنة ثلاث وعشرين، فرجع من الحج ومات سنة أربع.
"سؤالات الأثرم" (40)
قال صالح: قلت: حديث الزهري، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة -في القراءة في الصلاة- قال: فانتهى الناس عن القراءة، هو في الحديث عن أبي هريرة، أو من كلام الزهري؟
قال: أما عبد الرزاق فحكى عن معمر، عن الزهري قال: سمع ابن أكيمة يحدث بحديث، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى صلاة جهر فيها بالقراءة. وذكر الحديث: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يجهر به من القراءة حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال ابن عيينة: فذكر الحديث. .، وقال معمر: عن الزهري: فانتهى الناس في القراءة فيما يجهر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال سفيان: خفيت عليَّ هذِه الكلمة. وقال إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري وذكر الحديث. .، فانتهى إلى قوله: "إني أقول ما بالي أنازع القرآن" (1)، فلم
يزد على هذا، فالذي نرى أن قوله: فانتهي الناس عن القراءة، أنه قول الزهري.
"مسائل صالح" (687).
قال صالح: قلت: حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر: إنما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعه (1).
قوله: فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، في الحديث، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو هو من كلام أبي سلمة؟
قال: معمر يقول: عن أبي سلمة، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وصالح بن أبي الأخضر كذا يقول أيضًا.
ورواه مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة مرسل قالا: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (1).
"مسائل صالح" (688).
قال صالح: قلت: حديث الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة قالت: كن النساء يشهدن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح، فينصرفن متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس.
قالت: وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمكث قليلًا، وكانوا يرون أن ذلك كيما يتقدم النساء قبل الرجال، في الحديث عن أم سلمة، أو هو من كلام الزهري (2)؟
قال: رواه معمر، عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سلم: مكث قليلًا، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال (3).
وقال إبراهيم بن سعد: قال ابن شهاب: فنرى -واللَّه أعلم- أن ذلك
كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم (1).
"مسائل صالح" (691).
قال صالح: حدثني أبي، ثنا سفيان قال: قال له إسماعيل بن أمية: ائت أبا بكر -يعني: الزهري.
"الأسامي والكنى" (276).
قال أبو داود: نا أحمد، نا الحكم، نا شعيب وهو ابن أبي حمزة، عن الزهري، قال: حدثتني فاطمة الخزاعية، وكانت قد أدركت عامة أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
"سؤالات أبي داود" (7).
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: زعموا أن سعد بن إبراهيم قال لابن شهاب: من أبو الأحوص؟ قال: أما رأيت الشيخ الذي كان في المسجد.
"سؤالات أبي داود" (158).
وقال أبو داود: قلت لأحمد: اختلاف أحاديث الزهري؟
قال: منها ما روى عن رجلين، ومنها ما جاء عن أصحابه -يعني: الوهم.
"سؤالات أبي داود" (192).
وقال أبو داود: سمعت أحمد، وذكر قول الزهري: إن سعدًا كلمني في ابنه، وسعد سعد، قال: يعني إبراهيم بن سعد.
"سؤالات أبي داود" (209).
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: من تناول من الإسناد ما تناول معمر.
قال أحمد: سمع من الزهري بالرصافة.
"سؤالات أبي داود" (245)
قال ابن هانئ: سألته عن ابن أبي ذئب والزهري، أيما أحب إليك؟
قال: جميعًا واحد في الثبت.
"مسائل ابن هانئ" (2212).
قال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: سمعت عبيد اللَّه أو عبد اللَّه بن عمر -شك ابن أبي خيثمة- قال: لما نشأت فأردت أن أطلب العلم جعلت آتي أشياخ آل عمر رجلًا رجلًا فأقول: ما سمعت من سالم بن عمر؟ فكلما أتيت رجلًا منهم قال: عليك بابن شهاب فإن ابن شهاب كان يلزمه، قال: وابن شهاب بالشام حينئذ، قال: فلزمت نافعًا فجعل اللَّه في ذلك خيرًا كثيرًا.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2698)
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: قيل للزهري: زعموا أنك لا تحدث عن الموالي، قال: إني لأحدث عنهم، ولكن إذا وجدت أبناء المهاجرين والأنصار أتكئ عليهم، فما أصنع بغيرهم؟ ! .
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2700).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: أخبرني صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب فقلنا: نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قلت: نكتب ما
جاء عن الصحابة فإنه سنة، قال: قلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه، قال: فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت.
"تاريخ بن أبي خيثمة" (2701).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد قال: ما سبقنا ابن شهاب من العلم إلا أنَّا كنا نأتي فيشد ثوبه عند صدره ويسأل عما يريد، وكنا تمنعنا الحداثة.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2705).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا شعيب بن حرب قال: قال مالك: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر، فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا كذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2711).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: سمعته يقول كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء فرأينا ألّا نمنعه أحدًا من المسلمين.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2714).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري قال: سمرت مع عمر ابن عبد العزيز ليلة فحدثته فقال: كل ما ذكرت الليلة قد أتى على مسامعي، فحفظته ونسيتُ.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2715).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال:
قال معمر: كان الزهري في أصحابه مثل الحكم بن عتيبة في أصحابه، يروي عنه عروة وسالم الشيء كذلك.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2716).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق، عن معمر قال: أتيت الزهري بالرصافة فلم يكن أحد يسأله عن الحديث، فكان يلقي عليّ.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2717).
وقال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: سمعت إبراهيم بن الوليد -رجل من بني أمية- يسأل الزهري وعرض عليه كتابًا من علم، فقال: أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: نعم، فمن يحدثكموه غيري، قال معمر: ورأيت أيوب يعرض على الزهري.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2733).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: أخبرني أبي، قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح والصحف فكنا نضحك به.
"تاريخ بن أبي خيثمة" (2741).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال: أنا معمر قال: سمعت الزهري يقول: يخرج الحديث شبرًا فيرجع ذراعًا، قال: يعني: من العراق.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2746).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: قال سفيان: قال
الأعمش: قال لي رجل: جالست الزهري فذكرتُك له، فقال لي: ما معك من حديثه؟
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (2749).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق: قال: أنا معمر قال: سمعت الزهري يقول: نقل الصخر أيسر من تكرير الحديث.
"تاريخ بن أبي خيثمة" (2772).
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق: قال: أنا معمر قال: سمعت الزهري يقول يخرج الحديث ذراعًا، يعني: من العراق، وأشار بيده إذا أوغل الحديث هنالك فرويدًا به.
"تاريخ ابن أبي خيثمة" (3558).
قال حرب: قيل لأحمد: رأي الزهري أحب إليك أو رأي إبراهيم والشعبي؟
قال: كان ابن عيينة يختار رأي الزهري.
"مسائل حرب" ص 482.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي: قال سفيان: هل عَسَى الغويرة أبؤسًا (1) سمعت الزهري مثلًا يضربه أهل المدينة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (100)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان قال: كان الزهري يعرض عليه الشيء.
"العلل" رواية عبد اللَّه (103)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: سمعت سفيان يقول: قال لي الهذلي: احفظ لي هذا الحديث، وهو عند الزهري، حديث أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "تبايعوني على ألا تشركوا باللَّه شيئًا" (1)، قال لي الهذلي أبو بكر: لم نر مثل هذا -يعني: الزهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (105)، (5712)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا حماد بن زيد، عن برد، عن مكحول قال: ما أعلم أحدًا أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب.
"العلل" رواية عبد اللَّه (106)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن وهيب قال: سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (107)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: أخبرني أبي قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب على المشيخة، ومع ابن شهاب الألواح والصحف، فكنا نضحك به.
"العلل" رواية عبد اللَّه (108)، (4083)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري قال:
ما استعدت حديثًا قط، ولا شككت في حديث إلا حديثًا واحدًا، فسألت صاحبي، فإذا هو كما حفظت.
"العلل" رواية عبد اللَّه (160).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا شعيب بن حرب قال: قال مالك بن أنس: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا وكذا. فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه، فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (476)
وقال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول: حديث شعبة كأنه يوافق حديث الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس: جئت على أتان وقد ناهزت الاحتلام.
قال أبي: حدثناه عبد الرحمن، عن مالك، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس.
قال أبي: وحدثناه يعقوب، عن ابن أخي الزهري، عن عمه قال: ناهزت الحلم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1715).
وقال عبد اللَّه: رأيت أبي يختار حديث الزهري ويعجبه، وقال: يوافق حديث شعبة، عن أبي إسحاق.
قال أبي: وابن عباس يقول: بت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (1)، وتروى عنه هذِه الأحاديث سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1716).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا مالك، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس قال: جئت ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بمنى وأنا على حمار، فتركته بين يدي الصف، فدخلت في الصلاة وقد ناهزت الاحتلام فلم يعب ذلك (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (1718).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر وعبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: جئت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع، أو قال: يوم الفتح وأنا والفضل مرتدفان على أتان، فقطعنا الصف ونزلنا عنها ثم دخلنا الصف والأتان تمر بين أيديهم لم تقطع صلاتهما (2). وقال عبد الأعلى: كنت رديف الفضل على أتان، فجئنا ونبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1721).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، وقال: سهل بن سعد الأنصاري، وكان قد رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-
وسمع منه، وذكر أنه ابن خمس عشرة سنة يوم توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2060)، (5778).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا ابن جُريج قال: قال ابن شهاب: فقال سهل بن سعد، وكان قد بلغ خمس عشرة سنة؟ حيث توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسمع منه.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2062).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عثمان بن عُمر قال: أخبرنا يونس، عن الزهري فقال: سهل الأنصاري وكان قد أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن خمس عشرة في زمانه.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2063).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا علي بن إسحاق قال: أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك قال: أخبرني يونس، عن الزهري، عن سهل ابن سعد الأنصاري -وقد أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن خمس عشرة سنة في زمانه.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2064).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الأعلى عن معمر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "توضئوا مما غيرت النار" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (2071)، (5281).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: قرأت في كتاب معمر، عن الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن خارجة،
عن زيد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الوضوء مما غيرت النار (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (2072)، (5282).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان، عن الزهري سمعه من أنس: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين. وكن أمهاتي يحثني على خدمته. وقال سفيان مرة: الزهري قال: أخبرنا أنس.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2088)، (5301).
وقال عبد اللَّه: قلت له: أيما أثبت أصحاب الزهري؟
فقال: لكل واحد منهم علة، إلا أن يونس وعقيلًا يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة وليس هم مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد.
قلت: فمالك؟
قال: مالك أثبت في كل شيء ولكن هؤلاء الكثرة كم عند مالك؟ ثلاثمائة حديث أو نحو ذا، وابن عيينة نحو من ثلاثمائة حديث، ثم قال: هؤلاء الذين رووا عن الزهري الكثير يونس وعقيل ومعمر.
قلت له: شعيب؟ قال: شعيب قليل، هؤلاء أكثر حديثًا عن الزهري.
قلت: فصالح بن كيسان روايته عن الزهري؟
قال: صالح أكبر من الزهري، قد رأى صالح ابن عمر.
قلت: فهؤلاء أصحاب الزهري، قلت: أثبتهم مالك؟
قال: نعم، مالك أثبتهم، ولكن هؤلاء الذين قد بقروا علم الزهري يونس وعقيل ومعمر.
قلت له: فبعد مالك من ترى؟
قال: ابن عيينة.
قلت له: الموقري يجيء عنه العجائب، قال: ليس ذاك بشيء.
قال أبي: كان الزهري رجلًا دميمًا قصيرًا، ليس له ذاك النبل لم يكن بالجميل، الزهري محمد بن مسلم بن عبيد اللَّه بن شهاب.
"العلل" رواية عبد اللَّه (2543).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: جاءنا الزهري وأنا ابن ست عشرة جاء مع ابن هشام ابن الخليفة حدثوني عنه -يعني: الزهري- قال: ما رأيت في مثل سنة يطلب هذا -يعني: العلم- قال سفيان سنة سبع وسبعين الزهري جالسناه منذ أربع وسبعين سنة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4665)، (4666).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان قال: جاءنا الزهري سنة ثلاث وعشرين وخرج في أربع وعشرين فيها مات، سألته وسعد عنده فلم يجبني في الحديث، فلما أن لم يجبني قال: أجب الغلام عما سألك، قال: أما إني أعطيه حقه، قال سفيان: وأنا ابن ست عشرة سنة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4667).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان بن عُيينة قال ابن جريج -وجاء إليه يعني: إلى الزهري- فقال: إني أريد أن أعرض عليك الكتاب، فقال: إن سعدًا قد كلمني في ابنه، وسعد سعد، فقال لي ابن جُريج أما رأيته يفرق منه؟ قال سفيان: وذكر حديث أبي الأحوص، قال سفيان: سمعت سعد بن إبراهيم يقول لابن شهاب، وحدث عنه قال: من أبو الأحوص؟ قال: أما رأيت الشيخ الذي كان مكان كذا وكذا يصف له.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4668).
وقال عبد اللَّه: سمعت بعض المشايخ يقول: مات الزهري سنة أربع وعشرين، فلما بلغ موته يزيد بن أبي حبيب قال: من كان في جرابه عن ابن شهاب شيء فليحفظه، وقال: فمات بعده بقليل. قال أبي: فمات بعده بقليل.
قال أبي: ولم يسمع يزيد ابن أبي حبيب من الزهري إنما كتب إليه بكتاب، وكان يقول: كتب إلى الزهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4669)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: أجلسه معه على فراشه -يعني: علي بن زيد- وكان على الزهري ثوبان قد غسلا فكأنه وجد ريح الأشنان؛ فقال: ألا تأمر بهذين فيجمرا.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4671).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: جاء الزهري عند المغرب فدخل المسجد ما أدري طاف أم لا؟ فجلس ناحية، وعمرو مما يلي الأساطين، فقال له إنسان هذا عمرو فقام إليه فجلس إليه فقال عمرو ما يمنعني أن آتيك إلا أني مقعد، فقال: خيرًا، ساعة تساءلا وأقيمت الصلاة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4672)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة ثانية قال: جاء الزهري إلى عمرو بن دينار فاعتذر إليه عمرو قال: إني مقعد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4673).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة قال: كان الزهري إذا حدث قال: حدثني فلان وكان من أوعية العلم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4674).
وقال عبد اللَّه: وجدت في كتاب أبي: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثني رباح قال: حدثني معمر، عن الزهري أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو جمع علم نساء هذِه الأمة فيهن أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان علم عائشة أكبر من علمهن" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (4776).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري: أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج ليلة في رمضان فصلى أناس بصلاته، ثم خرج الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فلما كان في الليلة الثالثة كثروا حتى امتلأ المسجد أو كاد يمتلئ، فلم يخرج، فدخل عليه عُمر ابن الخطاب فقال يارسول اللَّه، الناس ينتظرونك فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما إنه لم يَخْفَ على مكانُهم، ولكن خشيت أن يُفرض عليهم" (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (4862).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ثم رجع عنه -يعني: عبد الرزاق- فقال: اضربوا عليه. فجلعناه عن الزهري مرسلًا.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4863).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثناه إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن معمر، عن الزهري، عن عُروة، عن عائشة هذا الحديث (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (4864)
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري قال: قال أبو هريرة: أنا كنت أحدثكم بهذِه الأحاديث في عهد عمر إذًا لألفيت الدرة على ظهري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4894).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان -يعني: ابن حُسين- عن الزهري- عن عروة، عن عائشة قالت: أهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان فأفطرتني وكانت بنت أبيها. فلما دخل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك لى فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبدلا يومًا مكانه" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5100).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن بُرقان قال: حدثنا الزهري، عن عروة، عن عائشة قال: كنت أنا وحفصة صائمتين -فذكر الحديث (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5101).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا روح قال: حدثنا مالك، عن
ابن شهاب أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين، فأهدي لهما طعام وأفطرتا عليه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقضيا يومًا مكانه" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5102).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا روح قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر قال: حدثنا ابن شهاب، عن عُروة أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين. فذكر الحديث (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5103).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان قال الزهري: أصبحت عائشة وحفصة صائمتين فأهدي لهما طعام فأكلتا منه، فدخل عليهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت عائشة: فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها، قالت: إنا كنا صائمتين وإنه أهدي لنا طعام فأكلنا منه فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبدلا يومًا مكانه" (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5104).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال: أصبحت عائشة وحفصة صائمتين. .، فذكر معنى حديث سُفيان (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5105).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج. وروح قال: حدثنا ابن جريج قال: قلت لابن شهاب: أحدثك عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أفطر في تطوع فليقضه"؟ قال: لم أسمع من عُروة في ذلك شيئًا، ولكن حدثني في خلافة سليمان إنسان -وقال ابن بكر: أناس، وقال روح: ناس- عن بعض من كان يسأل عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين فقرب لنا طعام، فابتدرناه فأكلنا، فدخل علينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبادرتني -قال روح: فبدرتني- إليه حفصة، وكانت بنت أبيها، فذكرت ذلك له، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "صُوما يومًا" (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5106).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه أنهم حين
قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحُسين بن علي لقية المسور ابن مخرمة، فقال له: إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ مُحتلم، فقال: "إن فاطمة مني وإني أتخوف أن تُفتن في دينها" (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5547).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: أخبرنا سفيان قال: حفظته من الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر طاف بالبيت بعد الصبح سبعًا، ثم خرج فلم يصل الركعتين إلَّا بذي طوى، وطلعت الشمس.
سمعت أبي يقول: قال ابن أبي ذئب وغيره: حدثناه يحيى بن سعيد، عنه، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر طاف بالبيت وهو الصواب -يعني: عن حميد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5713)، (5714).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: قيل لسفيان: أكان الزهري حدثكم بالتشهد؟ قال: نعم، لم نحفظه عنه (2)، قيل له: عمن ذكره؟ قال: عروة عن ابن عبد القاري، قال: سمعت عمر يعلم الناس على المنبر التشهد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5715).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: سهل بن سعد الأنصاري: حدثني أُبي بن
كعب: أن الفتيا التي كانوا يُفتون بها أن الماء من الماء رخصة، كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترخص فيها أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعد (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5779).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن غيلان قال: حدثنا رشدين بن سعد قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد الساعدي، أن أبي بن كعب حدثه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعلها رخصة للمؤمنين؛ لقلة ثيابهم، ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عنه -يعني قوله: "الماء من الماء" (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5780).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثني بهز قال: حدثني إبراهيم بن سعد قال: حدثنا ابن شهاب عن محمود بن الربيع -وكان عقل مجة مجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهة من دلو من بئر لهم (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5811).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثنا رباح، عن معمر، عن الزهري قال: حدثني محمود بن الربيع، وكان عقل مجة مجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهة من دلو من بئر لهم (4).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5812).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثنا رباح عن معمر عن الزهري: قال: حدثني وكان عقل مجة مجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجهة من دلو من بئر لهم كان في دارهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5813).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري قال: حدثني محمود أنه عقل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعقل مجة مجها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من دلو كان في دارهم (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5814).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن وغيره قال: فكان أول من آمن به علي بن أبي طالب وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، قال معمر: وأخبرني عثمان الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس أن عليًّا أول من أسلم، قال معمر: فسألت الزهري، فقال: ما علمنا أحدًا أسلم قبل زيد بن حارثة.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5817).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كان عبد الرحمن بن أزهر يُحدث أن خالد بن الوليد بن المُغيرة جُرح يومئذ وكان على الخيل خيل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال ابن أزهر: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدما هزم اللَّه الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم، يمشي في المسلمين، يقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد" فمشيت -أو قال: فسعيتُ- بين يديه وأنا مُحتلم أقول: من يدل
على رحل خالد، حتى دللنا على رحله (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5876).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عبد اللَّه بن الحارث قال قراءة على يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد اللَّه بن ثعلبة وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مسح وجهه (2).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5877).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: أخبرنا حجاج قال: حدثنا ليث قال: حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعير العُذري وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مسح على وجهه، وأدرك صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (3).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5878).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعير العذري، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مسح على وجهه زمن الفتح (4).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5879).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يزيد بن عبد ربه قال: حدثنا محمد بن حرب قال: حدثني الزبيدي، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن
ثعلبة بن صعير قال: وكان رسول اللَّه قد مسح وجهه زمن الفتح (1).
"العلل" رواية عبد اللَّه (5880).
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعير العذري.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5881).
قال سلمة: قال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: قدم علينا هاهنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، أخبرني أبي قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب ومع ابن شهاب الألواح والصحف، قال: فكنا نضحك به.
"المعرفة والتاريخ" 1/ 639.
قال الفضل بن زياد: وكتبت إلى أبي عبد اللَّه أسأله عن الزهري والشعبي أيهما أعجب إليك إذا أختلفا وأيهما أعلم؟ فآتاني الجواب: كلاهما عالم فيكون الزهري قد سمع عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحديث فيذهب إليه فهو أعجب إلينا، ويكون الشعبي قد سمع الحديث ولم يسمعه الزهري فهو أعجب إلينا.
"المعرفة والتاريخ" 2/ 176.
قال سلمة: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا شعيب بن حرب قال: قال مالك: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر، فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا وكذا. فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم.
"المعرفة والتاريخ" 2/ 830.
قال محمد بن علي الجوزجاني: قلت لأبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل: ابن أبي ذئب سماعه من الزهري عرض أو سماع؟
قال: لا تبالي كيف كان.
قلت: ابن جريج؟ قال: ابن جريج عرض وهو يقول: سألت ابن شهاب.
قلت: معمر؟ قال: سماع وعرض.
قلت: مالك وابن عيينة سماع؟ قال: نعم، وكان مالك يقول: أقل ذلك عرض.
قلت: إنما سمع مالك وسفيان من الزهري سنة ثلاث وعشرين حين قدم؟
قال: نعم كل هؤلاء إنما سمعوا منه حين قدم.
قلت له: شعيب بن أبي حمزة كيف كان حديثه؟ قال: ثبت صالح الحديث.
"مسند ابن الجعد" ص 418 - 419.
قال إسماعيل بن أبي الحارث: نا أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن وهيب، قال: سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري.
"الجرح والتعديل" 8/ 73.
قال علي بن الحسن الهسنجاني: نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق قال: سمعت عبيد اللَّه بن عمر يقول: لما نشأت فأردت أن أطلب العلم، جعلت آتي أشياخ آل عمر -رضي اللَّه عنه- رجلًا رجلًا وأقول: ما سمعت من
سالم؟ فكلما أتيت رجلًا منهم قال: عليك بابن شهاب، فإن ابن شهاب كان يلزمه، قال: وابن شهاب حينئذٍ بالشام.
"الجرح والتعديل" 8/ 73.
وقال إسماعيل بن أبي الحارث: نا أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق قال: قال معمر: ما رأيت مثل الزهري في وجهه قط.
"الجرح والتعديل" 8/ 74.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: الزهري سمع من أبان بن عثمان؟
فقال: ما أراه سمع منه وما أدري أو نحو هذا إلَّا أنه قد أدخل بينه وبينه عبد اللَّه بن أبي بكر.
"المراسيل" لابن أبي حاتم ص 189 - 190، "تهذيب الأجوبة" 2/ 582، "بحر الدم" (933).
وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: الزهري سمع من ابن عمر؟
قال: لا.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: الزهري سمع من عبد الرحمن بن أزهر؟
قال: ما أراه سمع من عبد الرحمن بن أزهر.
ثم قال: إنما يقول الزهري: كان عبد الرحمن بن أزهر يحدث، كذا يقول معمر وأسامة: سمعت عبد الرحمن بن أزهر، ولم يصنعا عندي شيئًا، ما أراه حفظ، وقد أدخل بينه وبينه طلحة بن عبد اللَّه بن عوف.
"المراسيل" لابن أبي حاتم 189 - 190، "بحر الدم" (933).
قال محمد بن سهل بن عسكر: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: الزهري أحسن الناس حديثًا، وأجود الناس إسنادًا.
"الكامل" لابن عدي 1/ 139، "سير أعلام النبلاء" 5/ 335.
وقال مهنا: قال أحمد: لا ينبغي أن يكون الزهري سمع من أبان.
وقال علي بن سعيد: قال أحمد: لم يسمع الزهري من أبان بن عثمان شيئًا.
"تهذيب الأجوبة" 2/ 583.
محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري: "مدني"، تابعي، ثقة.
أدرك الزهري من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك الأنصاري، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الرحمن بن أيمن بن نابل، ومحمود بن الربيع الأنصاري، وروى عن عبد الله بن عمر نحوًا من ثمانية أحاديث، وروى عن السائب بن يزيد.
أدرك الزهري من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك الأنصاري، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الرحمن بن أيمن بن نابل، ومحمود بن الربيع الأنصاري، وروى عن عبد الله بن عمر نحوًا من ثمانية أحاديث، وروى عن السائب بن يزيد.
محمد بن [عبد العزيز بن - ] جريج اخو عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج سمع سالم وابيه وابراهيم بن هشام روى عنه حماد بن مسعدة سمعت أبي يقول ذلك.
محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم؛ أبو أمية :
سكن طرسوس. فقيل له: الطرسوسي وهو بغدادي. سمع عمر بن يونس اليمامي، وعمر بن حبيب القاضي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وعثمان بن عمر ابن فارس، وأبا عاصم النبيل، ومكي بن إبراهيم، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وقبيصة ابن عقبة، وحسين بن محمّد المروروذى، وعبيد الله بن موسى العبسي، وإسحاق بن منصور السلولي، وأسود بن عامر شاذان، وأبا نعيم عبد الرحمن بن هانئ النخعي، ومعلي بن منور الرازي. روى عنه أبو حاتم الرازي، ومحمد بن خلف وكيع القاضي، ويحيى بن محمد بن صاعد، والحسين والقاسم ابنا إِسْمَاعِيل المحاملي، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ الأَهْوَازِيُّ غَيْرَ مرة قال نبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحامليّ قال نبأنا محمّد
ابن إبراهيم الطرسوسي قال نبأنا إسحاق بن منصور السلولي قال نبأنا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُصِيبَ عَبْدٌ بَعْدَ ذَهَابِ دِينِهِ بِأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ بَصَرِهِ، وَمَا ذَهَبَ بصر عبد فَصَبَرَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ وأَبُو يَعْلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الفراء. قالا: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّارُ قال نبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد قال نبأنا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ- ببغداد قبل أن يخرج- قال نبأنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ أنبأنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ نبأنا الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَالا: نبأنا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ نبأنا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ وأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ »
. قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَوْلُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهْمٌ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ أَبِي عَاصِمٍ فِيهِ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ. وَهْمٌ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ هكذا.
قال الشيخ أبو بكر: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. وحَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ. وَكَذَلِكَ رواه الأوزاعى، وعمرو ابن الْحَارِثِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزَّبِيدِيُّ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ- وَابْنُ جُرَيْجٍ مِنْهُمْ- عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ » .
وأما المتن الذي ذكره أبو عاصم فإنما يروي عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قال قَالَ لنا أبو الحسن الدارقطني: قدم أبو أمية الطرسوسي بغداد فسمعوا منه. حَدَّثَنِي محمد بن يوسف النيسابوري قال أنبأنا الخصيب بن عبد الله القاضي قال أنبأنا عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن النسائي قَالَ أَخْبَرَنِي أبي قَالَ: محمد بن إبراهيم بن مسلم بغدادي سكن طرسوس. أَخْبَرَنَا أحمد ابن أبي جعفر القطيعي قال أنبأنا مُحَمَّد بْن عدي بْن زحر البصري فِي كتابه قال نبأنا أبو عبيد محمّد بن الآجري. قَالَ: سئل أَبُو داود سليمان بْن الأشعث عن أبي أمية الثغري فقال: ثقة.
حدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي قال أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ هَارُون الخلال. قَالَ: أبو أمية محمد بن إبراهيم رجل رفيع القدر جدا، كان إماما في الحديث مقدما في زمانه.
حَدَّثَنِي محمد بن على الصوري قال أنبأنا أبو عبد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن خالد الأزديّ قال نبأنا أَبُو الفتح عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن مسرور البلخي قال نبأنا أَبُو سَعِيد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَدَ بْن يونس بْن عبد الأعلى. قَالَ: محمد بن إبراهيم بن مسلم يكنى أبا أمية، بغدادي أقام بطرسوس. ويقال: إنه من أهل سجستان كان من أهل الرحلة، فهما بالحديث، وكان حسن الحديث، توفي بطرسوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد قال نبأنا مُحَمَّد بن العباس قَالَ قرئ عَلَى أبي الحسن ابْن المنادي وأَنَا أسمع. قَالَ. وَجاءنا نعي أبي أمية محمد بن إبراهيم من طرسوس في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وكان له مذ مات نحو شهرين.
سكن طرسوس. فقيل له: الطرسوسي وهو بغدادي. سمع عمر بن يونس اليمامي، وعمر بن حبيب القاضي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وعثمان بن عمر ابن فارس، وأبا عاصم النبيل، ومكي بن إبراهيم، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وقبيصة ابن عقبة، وحسين بن محمّد المروروذى، وعبيد الله بن موسى العبسي، وإسحاق بن منصور السلولي، وأسود بن عامر شاذان، وأبا نعيم عبد الرحمن بن هانئ النخعي، ومعلي بن منور الرازي. روى عنه أبو حاتم الرازي، ومحمد بن خلف وكيع القاضي، ويحيى بن محمد بن صاعد، والحسين والقاسم ابنا إِسْمَاعِيل المحاملي، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ الأَهْوَازِيُّ غَيْرَ مرة قال نبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحامليّ قال نبأنا محمّد
ابن إبراهيم الطرسوسي قال نبأنا إسحاق بن منصور السلولي قال نبأنا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُصِيبَ عَبْدٌ بَعْدَ ذَهَابِ دِينِهِ بِأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ بَصَرِهِ، وَمَا ذَهَبَ بصر عبد فَصَبَرَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ وأَبُو يَعْلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الفراء. قالا: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّارُ قال نبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد قال نبأنا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ- ببغداد قبل أن يخرج- قال نبأنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ أنبأنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ نبأنا الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَالا: نبأنا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ نبأنا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ وأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ »
. قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَوْلُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهْمٌ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ أَبِي عَاصِمٍ فِيهِ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ. وَهْمٌ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ هكذا.
قال الشيخ أبو بكر: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. وحَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ. وَكَذَلِكَ رواه الأوزاعى، وعمرو ابن الْحَارِثِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزَّبِيدِيُّ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ- وَابْنُ جُرَيْجٍ مِنْهُمْ- عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ » .
وأما المتن الذي ذكره أبو عاصم فإنما يروي عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب قال قَالَ لنا أبو الحسن الدارقطني: قدم أبو أمية الطرسوسي بغداد فسمعوا منه. حَدَّثَنِي محمد بن يوسف النيسابوري قال أنبأنا الخصيب بن عبد الله القاضي قال أنبأنا عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن النسائي قَالَ أَخْبَرَنِي أبي قَالَ: محمد بن إبراهيم بن مسلم بغدادي سكن طرسوس. أَخْبَرَنَا أحمد ابن أبي جعفر القطيعي قال أنبأنا مُحَمَّد بْن عدي بْن زحر البصري فِي كتابه قال نبأنا أبو عبيد محمّد بن الآجري. قَالَ: سئل أَبُو داود سليمان بْن الأشعث عن أبي أمية الثغري فقال: ثقة.
حدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي قال أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ هَارُون الخلال. قَالَ: أبو أمية محمد بن إبراهيم رجل رفيع القدر جدا، كان إماما في الحديث مقدما في زمانه.
حَدَّثَنِي محمد بن على الصوري قال أنبأنا أبو عبد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن خالد الأزديّ قال نبأنا أَبُو الفتح عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن مسرور البلخي قال نبأنا أَبُو سَعِيد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَدَ بْن يونس بْن عبد الأعلى. قَالَ: محمد بن إبراهيم بن مسلم يكنى أبا أمية، بغدادي أقام بطرسوس. ويقال: إنه من أهل سجستان كان من أهل الرحلة، فهما بالحديث، وكان حسن الحديث، توفي بطرسوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد قال نبأنا مُحَمَّد بن العباس قَالَ قرئ عَلَى أبي الحسن ابْن المنادي وأَنَا أسمع. قَالَ. وَجاءنا نعي أبي أمية محمد بن إبراهيم من طرسوس في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وكان له مذ مات نحو شهرين.