عَليّ بْن عَبْد اللَّه بْن بعجة بْن عَبْد الله بْن بدر الْجُهَنِيّ من أهل الْمَدِينَة يروي عَن أَبِيه عَن جده روى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن عَليّ الرَّافِعِيّ
It costs me $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following secure buttons.
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
علي بن أبي طالب عليه السلام
واسم أبي طالب عبد مناف، بن عبد المطلب واسمه شيبة، بن هاشم واسمه عمرو، بن عبد مناف واسمه المغيرة، بن قصي واسمه زيد أبو الحسن الهاشمي ابن عم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وختنه على ابنته، وأخوه وأبو سبطيه الحسن والحسين.
من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان بن عفان، يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري، ثم بويع للعامة من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقدم الجابية مع عمر بن الخطاب، وذكر الواقدي أنه لم يخرج مع عمر.
حدث أبو الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ فغضب، ثم قال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئاً كتمه عن الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: قل: " لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيّر منار الأرض ".
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت رجلاً مذّاءً، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، أو ذكر له، فقال: " لا تفعل إذا رأيت المذي فاغتسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فصحت الماء فاغتسل ".
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ".
وعن نافع أن عظيم أنباط الشام قال:
يا أمير المؤمنين إنا قد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً، فإن رأيت أن تحضره، فقال: وأين؟ فقال: في الكنيسة، فقال عمر: إن في كنائسكم الصور، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإنا لا ندخل بيتاً لا تدخله الملائكة.
وفي رواية قالوا: يا أمير المؤمنين قد أنفقنا عليك نفقة، وكلّفنا فيه مؤنةً. فقال عمر: يا علي انطلق فتغدّ وغدّ الناس، ففعل علي، فجعل يتغدّى ويغدّي الناس، وعلي ينظر إلى تلك الصّور التي في كنيستهم ويقول: ما كان على أمير المؤمنين أن لو دخل وتغدّى.
وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وأسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأم فاطمة بنت أسد فاطمة بنت هزم بن رواحة بن حدر بن عبد بن معيص بن عامر.
ويقال: إنّ علياً أول ذكر آمن بالله ورسوله. ويقال: أبو بكر الصّدّيق أول ذكر آمن بالله ورسوله.
وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار يتوارثون، فآخى عليّاً يوارثه حتى نزلت: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله "، فرجعت الوراثة إلى الأرحام.
وهو أحد أصحاب الشورى الستة الذين شهد لهم عمر بن الخطاب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهو عنهم راضٍ.
وله يقول أسيد بن أبي إياس بن زنيم بن محييه بن عبد بن عدي بن الديل وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويغريهم: من الكامل
في كلّ مجمع غايةٍ أخزاكم ... جذع أبرّ على المذاكي القرّح
لله درّكم ألمّا تنكروا ... قد ينكر الحيّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحاً وقتلة قعصةٍ لم يذبح
أعطوه خرجاً واتّقوا بمصيبةٍ ... فعل الذّليل وبيعةً لم تربح
أين الكهول وأين كلّ دعامةٍ ... في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قعصاً وضرباً يقتري ... بالسيف يعمل حده لم يصفح
وكان علي عليه الصلاة والسلام ربعة آدم، وقيل: أحمر ضخم المنكبين طويل اللحية أصلع عظيم البطن أبيض الرأس واللحية.
قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان سنين، ويقال: سبع سنين.
قال زهر بن معاوية: كان علي يكنى أبا قضم، وكان رجلاً آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع، وهو إلى القصر أقرب.
وكان خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وتسعة عشر يوماً، وقبض النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع وعشرين سنة.
وعلي أول من صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بني هاشم، وشهد المشاهد معه، وجاهد معه، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وفضائله أكثر من أن تحصى.
توفيت أمه فاطمة مسلمةً قبل الهجرة. وقيل: إنها هاجرت، وصلى عليها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودفنها وبكى عليها، فإنها كانت بارة به، قيمة بأمره.
وكان علي أصغر بني أبي طالب، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.
وكان علي من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة هارون من موسى، وصلى القبلتين جميعاً، وهاجر الهجرة الأولى، وشهد المشاهد كلها إلا تبوك، رده سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اخلفني في أهلي "، قال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ".
وقال يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فتطاول لها أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع إليه الراية، ففتح الله تعالى عليه.
ولما نزلت: " ندع أبناءنا وابناءكم " دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال:
وقال صلّى الله عليه وسلّم: " إنه أقضى الأمة ".
وشهد له سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة. ومات وهو عنه راض، رحمه الله وسلم عليه وحشرنا في زمرته.
وقال علي عليه السلام يوم خيبر: من الرجز
أنا الذي سمّتني أمي حيدره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السّندره
فسره ابن قتيبة أن علي بن أبي طالب ولد وأبو طالب غائب، وسمته فاطمة أمه أسداً باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم الذي سمته أمه به، وسماه علياً، فلما رجز علي يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمته به أمه.
وحيدرة من أسماء الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد، والسندرة: شجر تعمل منها القسي والنبل.
قال سهل بن سعد: استعمل على المدينة رجل من آل مروان، فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وأن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته، لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: " أين ابن
عمك؟ " فقالت: كان بينين وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: " انظر أين هو؟ " فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسحه عنه، ويقول: " قم أبا تراب، قم أبا تراب ".
وفي حديث آخر: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فخرج مغضباً حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه، فأتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " قم يا أبا تراب "، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبرديه ويقول: " قم يا أبا تراب، أغضبت أن آخيت بين الناس ولم أؤاخ بينك وبين أحد؟ " قال: نعم، فقال: " أنت أخي، وأنا أخوك ".
وعن أبي الطفيل قال: جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليّ عليه السلام نائم في التراب، فقال: " أحق أسمائك أبو تراب، أنت أبو تراب ". وفي حديث بمعنى حديث سعدٍ في مغاضبة فاطمة عليها السلام: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فإذا هو نائم في التراب فقال له: " يا أبا تراب ما ينيمك في التراب؟ والله، حجرة بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من التراب "، فقام.
قال أبو رجاء العطاردي: رأيت علي بن أبي طالب ربعة ضخم البطن، عظيم اللحية قد ملأت صدره، في عينيه خفش، أصلع شديد الصلع، كثير شعر الصدر والكتفين، كأنما اجتاب إهاب شاة.
وفي حديث الشعبي: أصلع على رأسه زغبات، له ضفيرتان.
وفي حديث: إلى القصر ما هو، دقيق الذراعين، لم يصارع أحداً قط إلا صرعه،
ومن أحاديث: كأنما كسر ثم جبر، لا يغير شيبه، خفيف المشي على الأرض، ضحوك السن، وكان من أحسن الناس وجهاً.
ولما دعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام كان ابن تسع سنين، ويقال: دون التسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره.
قال مجاهد: أول من صلى عليٌّ وهو ابن عشر سنين، وقيل: أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن أربع عشرة سنة، وكانت له ذؤابة، يختلف إلى الكتاب.
وقيل: إنه أول من أسلم بعد خديجة، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة.
وروي عن ابنعباس قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة ثم أناس ثم علي، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع الأنداد واللات والعزى، وأمرهم بالصلاة.
قال أبو نافع: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد، وصلى مستخفياً قبل أن يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أحدٌ سبع سنين وأشهر.
قال أنس: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء.
قال علي عليه السلام: عبدت الله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يعبد رجلٌ من هذه الأمة خمس سنين، أو سبع سنين.
وعن علي عليه السلام قال: أنا أول من أسلم.
وعنه قال: أنا أول من صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال حبّة العرني: رأيت علياً ضحك ضحكاً لم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه وهو على المنبر، فقال: بينا أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم نرعى ببطن نجلة، فنحن نصلي إذ وجدنا أبو طالب فقال: ماذا تصنعان يا بن أخ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أسلم "، وكلّمه، فقال: ما أدري ما تقول! وفي رواية فقال:
ما بما تقولان بأس، ولكن والله لا يعلوني استي. قال: فضحك لقول أبيه، ثم قال: اللهم لا أعرف عبداً لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها صلّى الله عليه وسلّم، ثلاث مرار، ثم قال: لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبعاً. قال: والله ما قال سبعة أيام، ولا سعة أشهر ولا سبع سنين.
قالت معاذ العدوية: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يخطب يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
قال الحارث: سمعت علياً يقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من صلى القبلة من الرجال مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عليّ.
قال علي بن أبي طالب: صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصلي معه أحد من الناس ثلاث سنين، وكان مما عهد إلي أن لا يبغضني مؤمن ولا يحبني كافر أو منافق، والله ما كذبت ولا كذّبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إلي.
قال عفيف: جئت في جاهلية إلى مكة، وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبد المطلب، وكان رجلاً تاجراً، وأنا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة، وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت، فذهبت، إذ أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم قام مستقبل الكعبة، فلم ألبث إلى يسيراً حتى جاء غلام، فقام عن يمينه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امرأة، فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة، فقتل: يا عباس، أمر عظيم! فقال العباس: أمر عظيم! تدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي، تدري من هذا الغلام؟ هذا ابن أخي علي، تدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. إن ابن أخي هذا حدثني عن أن ربه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، والله، ما على الأرض كلها أحدٌ على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
قال ابن عباس: أول من آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي، ومن النساء خديجة.
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي أول من آمن بي وصدقني ".
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين "، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " لم يكن معي من الرجال غيره ".
قال مالك بن الحويرث: كان علي أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء.
قال زيد بن أرقم: أول من أسلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب، فذكرت ذلك لإبراهيم فأنكره، قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر.
قال إبراهيم القرظيّ: كنا جلوساً في دار المختار ليالي مصعب، معنا زيد بن أرقم، فذكروا علياً، فأخذوا يتناولونه، فوثب زيد وقال: أف أف، والله إنكم لتتناولون رجلاً قد صلى قبل الناس بسبع سنين.
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد صلت الملائكة عليّ وعلى عليٍّ سبع سنين، لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ".
وعن أنس بن مالكقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلى عليّ الملائكة وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين، ولم تصعد أو ترتفع شهادة أن لا إله إلا الله من الأرض إلى السماء إلا مني ومن علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وأنكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً: علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان وأبي ذر قالا: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " ألا إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين ".
وفي رواية: " والمال يعسوب الكفار ".
قال أبو سخيلة: حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذر، فكنا عنده ما شاء الله، فلما حان منا خفوف قلت: يا أبا ذر، إني أرى أموراً قد حدثت، وإني خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: الزم كتاب الله عز وجل وعليّ بن أبي طالب، فأشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "
علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي ".
وعن قال: ستكون فتنة، فإن أدركهما أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب؛ فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو آخذ بيد علي: " هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي ".
وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: " يا قوم اتّبعوا المرسلين ". وحزقيال مؤمن آل فرعون الذي قال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله "، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم ".
وعن عبد الرحمن بن عوف: في قوله عز وجل: " والسابقون الأولون " قال: هم عشرة من قريش كان أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب.
وعن عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب: من أول من أسلم علي بن أبي طالب أبو بكر؟ قال: سبحان الله! علي أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أول من أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أول من أظهر إسلامه، وكان علي أولهم إسلاماً فاشتبه على الناس.
وفي حديث بمعناه عن محمد بن كعب القرظي: كان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ فقال: نعم، فقال: وازر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر.
وحدثت ليلى الغفارية قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مغازيه، فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلما خرج عليٌّ بالبصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني شيء من الشك، فأتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضيلة في علي؟ قالت: نعم. دخل علي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مع عائشة وهو على فريش لي، وعله جرد قطيفة فجلس بينهما فقالت له عائشة: أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، دعي لي أخي، فإنه أول الناس بي إسلاماً، وآخر الناس بين عهداً عند الموت، وأولى الناس بي يوم القيامة ".
وعن علي قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة وهو بمكة، فاتخذت له طعاماً، ثم قال لعلي: " ادع لي بني عبد المطلب "، فدعا أربعين، فقال لعلي: " هلم طعامك "، قال علي، فأتيتهم بثريدة، إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا، ثم قال: " اسقهم "، فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم، فشربوا منه حتى صدروا، فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم. فلبثوا أياماً ثم صنع لهم مثله، ثم أمرني فجمعتهم، فطعموا، ثم
قال لهم: " من يؤازرني على ما أنا عليه؟ ويتابعني على أن يكون أخي وله الجنة؟ " فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سناً وأحمشهم ساقاً، فسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك؟ قال: دعوه فلن يألو من ابن عمه خيراً.
وفي حديث بمعناه فقال: " يا بني عبد المطلب: إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ " قال: فلم يقم إليه أحد. قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم، قال: فقال: " اجلس "، قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: " اجلس "، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.
وعن علي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع قريشاً. ثم قال: " لا يؤدي أحد عني ديني إلا علي ".
وعن علي قال: لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً من أهل بيته، إن كان الرهط منهم لآكلاً الجذعة، وإن كان لشارباً فرقاً، فقدّم إليهم رجل يعني شاة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال لعلي: " تقضي ديني وتنجز موعدي ".
وعن علي قال:
لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل ". قال:
ففعلت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اجمع بني هاشم "، وهم يومئذ أربعون رجلاً، أو أربعون غير رجل. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطعام فوضعه بينهم، فأكلوا حتى شبعوا، وإن منهم ليأكل الجذعة بآدامها. ثم تناولوا القدح، فشربوا حتى رووا، وبقي فيه عامته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر، يرون أنه أبو لهب.
فقال الثالثة: " اصنع رجل شاة بصاع من طعام، واغد بقعب من لبن "، ففعلت، فقال: " اجمع بني هاشم "؛ فجمعتهم، فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكلام، فقال: " أيكم يقضي ديني، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ " قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثانية، وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثالثة، قال: وإني يومئذ لأسوؤهم هيئة، إني يومئذ لأحمش الساقين، أعمش العينين، ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " أنت يا علي، أنت يا علي ".
وعن علي قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين " فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليها حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما تؤمر به، سيعذبك ربك. " فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، وأمل لنا عساً من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ". فصنع لهم الطعام، وحضروا، فأكلوا وشبعوا، وبقي الطعام. قال: ثم تكلم
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وإني ربي أمرني أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ " فأحجم القوم عنها جميعاً، وإني لأحدثهم سناً، فقلت: أنا، يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: " هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ". فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.
وفي حديث بمعناه: فقال لهم: " يا بني عبد المطلب: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصياً ومنجزاً لعدته وقاضياً لدينه، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أصغرهم، فقال له: " اجلس ". فقدم إليهم الجذعة والفرق من اللبن فصدروا عنه حتى أنهلهم وفضل منه فضلة.
فلما كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول، ثم قال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً، ولا تكونوا أذناباً، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي، وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: " اجلس ".
فلما كان اليوم الثالث، أعاد عليهم القول، فقام علي بن أبي طالب فبايعه بينهم فتفل في فيه فقال أبو لهب: بئس ما جبرت به ابن عمك إذ أجابك إلى ما دعوته إليه، ملأت فاه بصاقاً.
وعن أبي رافع قال: كنت قاعداً بعدما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعباس: أيّدك الله، هل تعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: " يا بني عبد المطلب إنه لم يبعث الله نبياً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً
وخليفة في أهله، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي؟ ". فلم يقم منكم أحد؟ فقال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومن قائمكم، أو ليكونن في غيركم، ثم لتندمنّ "، فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم.
عن ابن عمر قال: حين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال: ما لي لم تؤاخ بيني وبين أحد من إخواني؟ فقال: " أنت أخي في الدنيا والآخرة ".
وعن أنس بن مالك قال:
آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المسلمين، فقال لعلي: " أنت أخي وأنا أخوك ". وآخى بين أبي بكر وعمر، وآخى بين المسلمين جميعاً.
وعن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أقول كما قال أخي موسى: " ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري " " واجعل لي وزيراً من أهلي " علياً أخي " اشدد به أزري " " إلى آخر الآيات.
وعن زيد بن أوفى قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده، فقال: " أين فلان؟ أين فلان؟ " فجعل ينظر في وجوه أصحابه، فذكر الحديث في المؤاخاة، وفيه: فقال علي: لقد ذهب روعي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي ". قال: وما أرث منك يا نبي الله؟ قال: " ما ورثت الأنبياء من قبلي ". قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: " كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة
مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي ". ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إخواناً على سررٍ متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض.
وعن ابن عباس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي وصاحبي ".
وعن محدوج بن زيد الهذلي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال: " يا علي، أنت أخي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، أما تعلم أن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي، فأقام عن يمين العرش في ظله، فأكسى حلّة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بأبيك إبراهيم عليه السلام، فيقام عن يمين العرش، فيكسى حلى خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين، فيكسون حللاً خضراً من حلل الجنة، وأنا أخبرك يا علي أنه أول من يدعى من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، يستتر به آدم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين، فيستظلون بظل لوائي، فتسير باللواء بين السماطين، الحسن بن علي عن يمينك، والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة، فينادي منادٍ من عند العرش: يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك، وهو علي، يا علي، إنك تدعى إذا دعيت، وتحيّا إذا حييت وتكسى إذا كسيت ".
وعن جعفر قال: سمعت أبا ذر وهو مستند إلى الكعبة، وهو يقول: أيها الناس، استووا أحدثكم مما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ يقول لعلي كلماتٍ، لو تكون لي إحداهن أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: " اللهم أعنه واستعن به! اللهم انصره وانتصر له، فإنه عبدك وأخو رسولك ".
وعن علي قال: طلبني النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجدني في جدول نائماً، فقال: " قم، ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب " قال: فرآني كأني قد وجدت في نفسي من ذلك، فقال: " قم، فوالله لأرضينّك، أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرئ عن ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة الجاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام ".
وعن ابن عباس: أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله يقول: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله إن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه.
وعن أنس بن مالك قال:
كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا علي بن أبي طالب أو سلمان الفارسي أو ثابت بن معاذ الأنصاري؛ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه على سؤاله، فلما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " وعلمنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعيت إليه نفسه، قلنا لسلمان: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نسند إليه أمورنا ويكون مفزعنا، ومن أحب الناس إليه؟ فلقيه فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، فخشي سلمان أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مقته ووجد عليه. فلما كان بعد لقيه، فقال: " يا سلمان، يا أبا عبد الله ألا أحدثك عما كنت سألتني؟ " فقال: يا رسول الله، خشيت أن تكون قد مقتّني ووجدت عليّ، قال: " كلا يا سلمان، إن أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركت بعدي، يقضي ديني ونجز موعدي علي بن أبي طالب ".
قال الخطيب: في سنده مطير، وهو مجهول.
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع، ولا يحاجك فيهم أحد من قريش، اللهم إنك أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية ".
وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن علي: فإني سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه خصالاً، لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحبّ إلي مما طلعت عليه الشمس؛ إني كنت ذات يوم وأبو بكر وعبد الرحمن وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتهينا إلى باب أم سلمة إذا نحن بعلي متكئ على نجف الباب فقلنا: أردنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن، قال: فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فثرنا حوله، واتكأ على علي، ثم ضرب يده على منكبيه، وقال: " اكس ابن أبي طالب، فإنك مخاصم فتخصم بسبع خصال، ليس لأحد بعدهن إلا فضلك: إنك أول المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله مزية. وسقطت منه واحدة.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام ".
وعن عبد الله بن ثمامة قال: سمعت علياً يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب.
وعن يعلى بن مرة الثقفي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، فترك علياً في آخرهم، لا يرى أن له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: " ولم ترى تركتك؟ إنما تركتك
لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك "، قال: " فإن حاجّك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب ".
قال زيد بن وهب: كنا ذات يوم عند علي، فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي إلا كذاب، فقال رجل من غطفان: والله لأقولن لكم كما قال هذا الكذاب، أنا عبد الله وأخو رسوله، قال: فصرع، فجعل يضطرب، فحمله أصحابه، فاتبعتم حتى انتهينا إلى دار عمارة، فقلت لرجل منهم، أخبرني عن صاحبكم فقال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله، فقال بعضهم: لا والله، ما كنا نعلم به بأساً حتى قال تلك الكلمة، فأصابه ما ترى، فلم يزل كذلك حتى مات.
قال الحارث الهمداني: رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النّبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى.
وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي أنت مني وأنا منك ".
وعن جعفر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ".
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي:
" الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة "، ثم قرأ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: "
وجناتٌ من أعنابٍ وزرعٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ " بالياء.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، والين من الزبد، وأرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله منها، وخلق منها شيعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا، ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليه ولاية علي بن أبي طالب ".
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعليّ فرعها، فطوبى لمن استمسك بأصلها، وأكل من فرعها ".
وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ثمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا إلا أكبّه الله على منخريه في النار "، ثم تلا: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ".
زاد في حديث آخر: " وأشياعنا أوراقها ".
وفي آخر: " يا علي، لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا صلّوا حتى يكونوا كالأوتاد، ثم أبغضوك، لأكبّهم الله في النار ".
وعن ابن عباس قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الله الدّنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي، فشقّ منه نصفاً فخلق منه نبيّكم، والنّصف الآخر علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان قال: سمعت حبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاًن يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي ".
وعن عبد الله بن عباس قال: أنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً في فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه أبو بكر، وباتت قريش تنظر علياً، وجعلوا يرمونه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي، فقالوا: أين محمد؟ قال: لا علم لي به، فقالوا: قد أنكرنا تضوّرك، كنا نرمي محمداً فلا يتضوّر، وأنت تضوّر، وفيه نزلت الآية: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ".
وعن أبي رافع: أن علياً كان يجهز النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل: للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط، وخلّفه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فخرج إليه أهله، فخرج وأمره أن يؤدي عن أمانته، ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى عليّ أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: " إن قريشاً لن يفقدوني ما رأوك ". فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيرون عليه رجلاً يظنونه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً فقالوا: لو خرج محمد خرج بعلي معه، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين رأوا عليّاً، ولم يفقدوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم عليّاً أن يلحقه بالمدينة، فخرج عليّ في طلبه، بعدما أخرج إليه أهله، يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قدومه، قال: " ادعوا لي علياً "، قيل: يا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآه النّبي صلّى الله عليه وسلّم اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم في يديه، ثم مسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما علي حتى استشهد.
وعن علي قال:
لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس، وإنما كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً، وكنت أظهر، ما تغيبت يوماً، ثم خرجت، فجعلت أتبع طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قدمت بني عمرو بن عوف، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهرم، وهنالك منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن علي أنه قال: قيل لي يوم بدر ولأبي بكر، قيل لأحدنا: معك جبريل، وقيل للآخر: معك ميكائيل وإسرافيل، ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل، ويكون في الصف.
قال ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفع الرّاية إلى علي يوم بدر، وهو ابن عشرين.
قال أبو جعفر محمد بن علي: نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي قال الحافظ: هذا مرسل وكنا ننفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذا الفقار يوم بدر، ثم وهبه لعلي بعد ذلك.
وعن ابن عباس: أن راية المهاجرين كانت مع علي في المواقف كلها، يوم بدر ويوم أحد ويوم خيبر
ويوم الأحزاب ويوم فتح مكة، ولم تزل معه في المواقف كلها.
وعن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال: هو أول عربي وعجمي صلّى مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله، وهو الذي أدخله قبره.
قال الشعبي: رأى أبو بكر عليّاً فقال: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقربه قرابة، وأفضله دالة، وأعظمه غناءً عن نبيّه، فلينظر إلى هذا. فسمع علي قول أبي بكر، فقال: أما إنه إن قال ذلك إنه لأوّاه، وإنه لأرحم للأمة، وإنه لصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وإنه لأعظم الناس غناء عن نبيّه في ذات يده.
وعن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى ميمنته علي بن أبي طالب، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال: المقداد وحمزة بن عبد المطلب على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار بن قصي، فقتل؛ فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً.
ويقال: كانت له ثلاثة ألوية: لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء إلى علي بن أبي طالب، والمنذر بن عمرو جميعاً من الأنصار.
وكان علي بن أبي طالب يوم بدر معلماً بصوفة بيضاء.
وعن جابر بن سمرة قال: قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: " ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا؟ علي بن أبي طالب ".
قال معمر بن المثنى: كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله علي بن أبي طالب، وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلمي: من الكامل
لله أيّ مذبّبٍ عن حرمةٍ ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنةٍ ... تركت طليحة للجبين مجدّلا
وشددت شدّة باسلٍ فكشفتهم ... بالحقّ إذ يهوين أخول أخولا
وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن ... لتردّه حرّان حتى ينهلا
قال أبو رافع: لما كان يوم أحد نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، فقتل هاشم بن أمية المخزومي وفرق جماعتهم، ثم نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى جماعة من قريش فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، ففرق جماعتهم، وقتل فلاناً الجمحي، ثم نظر إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " حمل عليهم "، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي، فقال له جبريل عليه السلام: إن هذه للمواساة، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إنه مني وأنا منه "، فقال له جبريل: وأنا منكم يا رسول الله.
وفي مقتل عمرو بن عبد ودّ قالوا: إن فوارس من قريش فيهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب،
تلبسوا للقتال، وخرجوا علي خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيؤوا للحرب، يا بني كنانة، فستعلمون من الفرسان اليوم.
ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فقالوا: والله، إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً، فضربوا خيولهم فاقتحمت، فجالت في سبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا، فأقبلت الفوارس تعنق نحوهم.
وكان عمرو بن عبد فارس قريش، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتثّ، واثبتته الجارحة، فلم يشهد أحداً، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله، قال له علي: يا عمرو، قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى خلتين، إلا قبلت منه إحداهما. فقال له علي: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي في ذلك. فقال: فإني أدعوك إلى النزال. فقال له: يا بن أخي، لم؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. فقال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك؛ فحمي عمرو، فاقتحم عن فرسه فعقره، ثم أقبل، فجاء إلى علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيله منهزمة هاربة حتى اقتحمت من الخندق.
وكان فيمن خرج يوم الخندق هبيرة بن أبي وهب المخزومي، واسم أبي وهب جعدة، وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فسأل المبارزة؛ فخرج إليه الزبير بن العوام، فيضربه ضربة؛ فيشقه باثنتين، حتى فلّ في سيفه فلاًّ، فانصرف وهو يقول:
إني امرؤ أحمي وأحتمي ... عن النّبي المصطفى الأمّي
وخرج عمرو بن عبد، فنادى من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا لها يا نبيّ الله، فقال: " إنه عمرو، اجلس "، ونادى عمرو: ألا رجل؟ وهو
يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليّ رجلاً؟ فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال: " اجلس ".
وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اجلس "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: دعني يا رسول الله، فإنما أنا بين حسنتين: إما أن أقتله فيدخل النار، وإما أن يقتلني فأدخل الجنة. قال: ثم نادى الثالثة، فقال:
" ولقد بححت من النّدا ... ء بجمعكم هل من مبارز "
" ووقفت إذ جبن المشجّع موقف القرن المناجز "
" وكذاك إني لم أزل ... متسرّعاً قبل الهزاهز "
" إن الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز "
فقام علي فقال: يا رسول الله، أنا، فقال: " إنه عمرو "، فقال: إن كان عمرو!! فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمشى إليه علي حتى أتاه وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّةٍ وبصيرة ... والصدق منجى كلّ فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، وقال: أنا ابن عبد مناف، فقال: غيرك يا بن أخي من أعمامك، من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك؛ فغضب؛ فنزل وسلّ سيفه
كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي كرّم الله وجهه مغضباً، واستقبله علي بدرقته، فضربه عمرو في الدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه، فضربه علي عليه السلام على حبل العاتق، فسقط، وثار العجاج، وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التكبير، فعرف أن علياً قد قتله، فثمّ يقول علي عليه السّلام: من الكامل
أعليّ تقتحم الفوارس هكذا ... عني وعنهم أخبروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمّمٌ في الرأس ليس بنابي
آدى عميرٌ حين أخلص صقله ... صافي الحديدة يستفيض ثوابي
وغدوت ألتمس القراع بمرهفٍ ... عضبٍ مع البتراء في أقرابي
آلى ابن عبدٍ حين شدّ أليّةً ... وأليت فاستمعوا من الكذّاب
ألاّ أصدّ ولا يهلّل فالتقى ... رجلان يضطربان كل ضراب
فصددت حين تركته متجدّلاً ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي
عبد الحجارة من سفاهة عقله ... وعبد ربّ محمدٍ بصواب
ثم أقبل علي نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجهه يتهلل، فقال عمر بن الخطاب: هلاّ سلبته درعه؟ وإنه ليس للعرب درع خير منها، فقال: ضربته فاتقاني بسواده، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه، وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق.
قال سمرة بن جندب: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، فسمع علياً وهو يقول: هذه خضرة، فقال: " يا لبيك، قد أخذنا فألنا من فيك، فاخرجوا بنا إلى خضرة "، قال: فخرجوا إلى خيبر، فما سلّ سيف إلاّ سيف علي بن أبي طالب.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله عليه ". قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتشارفت لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها قال: " امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ".
قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل؟ قال: " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ ".
وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطينّ هذه الرّاية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله "، قال: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: " أين علي بن أبي طالب؟ " قالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: " فأرسلوا إليه ". فأتى به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
وفي رواية: " فوالله، لأن يسلم على يديك رجل خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: كان علي قد تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خيبر، وكان رمد العين، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟! فخرج علي فلحق بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله صباحها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله "، أو قال: " يحبّه الله ورسوله "، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه، فقالوا: هذا علي. وأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاية ففتح الله عليه.
وفي حديث إياس بن سلمة عن أبيه: " لأعطين هذا اللواء رجلاً يحبه الله ورسوله، أو هو من أهل الجنة "، وكان علي أرمد، فدعاه، فبصق في عينيه، ودعا له، ثم أعطاه اللواء. الحديث.
وفي حديث آخر عنه: فخرج مرحب يخطر بسيفه، فقال: من الرجز
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطلٌ مجرّب
إذا الحروب أقيلت تلهّب ... أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فقال علي بن أبي طالب:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السّندره
وقال في آخر: فاختلف هو وعلي ضربتين، فضربه علي على هامته حتى عضّ السيف منه بيض رأسه.
وفي رواية: وعضّ السيف بالأضراس، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما تتامّ آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله.
وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار ".
قال سلمة: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: " خذ هذه الرّاية فامض بها حتى يفتح الله عليك ".
قال: يقول سلمة: فخرج، والله، بها يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع اليهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال علي بن أبي طالب. قال: فقال اليهودي: غلبتم وما أنزل التوراة على موسى، أو كما قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وفي حديث بريدة الأسلمي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى اللواء عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجبّنه أصحابه ويجبّنهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين اللواء غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله،
ويحبّه الله ورسوله، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه اللواء. الحديث.
وفي حديث ابن عمر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن اليهود قتلوا أخي، فقال: " لأدفعنّ الرّاية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فيفتح الله عليه؛ فيمكنك من قاتل أخيك "، فتطاول لها أبو بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إلى عليّ، فعقد له اللواء، فقال: يا رسول الله: إني أرمد كما ترى، وكان يومئذٍ أرمد، فتفل في عينيه، قال علي: ما رمدت بعد يومئذ، فمضى علي لذلك الوجه فما تتامّ لآخرنا حتى فتح لأولنا، فأخذ عليٌّ قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله.
قال عمرو بن ميمون: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: إما أن تقوم معنا يا بن عباس، وإما أن تحلونا يا هؤلاء، قال: وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى قال: بل أقوم معكم، فابتدؤوا فتحدثوا، فلا أدري ما قالوا، فجاء وهو ينفض ثوبه، وهو يقول: أف تف، يقعون في رجلٍ له عشر، وقعوا في رجل، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله، لا يخزيه الله أبداً "، قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: " أين علي؟ " قالوا: هو في الرحى يطحن وما كان أحدكم ليطحن فدعاه، وهو أرمد ما يكاد أن يبصر، فنفث في عينه، ثم هزّ الرّاية ثلاثاً فدفعها إليه، فجاء بصفية بنت حبي.
وبعث أبا بكر بسور التوبة، وبعث علياً خلفه فأخذها منه، فقال أبو بكر: لعل الله ورسوله. فقال: " لا، ولكن لا يذهب بها رجل إلاّ رجلاً هو مني وأنا منه ".
وقال لبني عمه: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " قال: وعلي معهم، فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة "، فتركه، ثم أقبل على رجلٍ رجلٍ
منهم فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة ".
قال: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن والحسين وعلياً وفاطمة عليهم السّلام، ومدّ عليهم ثوباً ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ".
قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة، وشرى علي بنفسه، ولبس ثوب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ونام مكانه، فجعل المشركون يرمونه كما يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم يحسبون أنّه نبي الله، قال: فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله؟ فقال علي: إنّ نبيّ الله قد ذهب نحو بئ ميمون، فأدركه، فدخل معه الغار.
قال: وكان المشركون يرمون علياً وهو يتضور حتى أصبح فكشف عن رأسه، قال: فقالوا له: إنك للئيم، كنا نرمي صاحبك فلا يتضور وأنت تضور، قد استنكرنا ذلك.
قال: وقد خرج بالناس في غزوة تبوك، فقال علي: أخرج معك؟ فقال: " لا ". قال: فبكى، قال: فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي؟ " قال: نعم. قال: " وإنك خليفتي في كل مؤمن ".
قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب علي، وكان يدخل المسجد وهو جنب، وهو طريقه، ليس له طريق غيره.
قال: وقال: " من كنت وليه فإن علياّ وليه ".
قال: وقال ابن عباس: وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فهل حدثنا بعد أنّه سخط عليهم؟ قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال: ائذن لي، فلأضرب عنقه، قال أبو موسى: يعني حاطباً: " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
وفي حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأدفعنّ الرّاية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، فبعث إلى علي، فجاء وهو أرمد، فتفل في عينه، وأعطاه الراية، فما ردّ وجهه حتى فتح الله عليه، وما اشتكاها بعد.
وعن أبي سعيد قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الراية فهزها، ثم قال: " من يأخذها بحقّها ". فجاء الزبير فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام رجل آخر فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام آخر فقال: أنا، فقال: " أمط "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي أكرم وجه محمد، لأعطينها رجلاً لا يفرّ بها، هاك يا علي "، فقبضها، ثم انطلق حتى فتح الله عليه فدك وخيبر، وجاء بعجوتها وقديدها.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين، وما يبالي الحر، فأتاني أصحابي، فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئاً، فهل رأيته؟ فقلت: وما هو؟ قال: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، فهل سمعت في ذلك شيئاً؟
فقلت: لا، ما سمعت فيه بشيء. فقالوا: سل لنا أباك عن ذلك، فإنه يسمر معه، فأتيته فسألته وأخبرته ما قال الناس. فقال: ما سمعت في ذلك شيئاً. قلت: فإنهم قد أمروني أن أسألك؛ فدخل على علي فسمر معه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تفقدوا منك شيئاً وسألوني عنه، فلم أدر ما هو؟ فقال علي: وما ذلك؟ فقال: يزعمون أنك تخرج عليهم في الحر الشديد عليك القباء المحشو الثخين لا تبالي بالحر، وتخرج عليهم في البرد الشديد عليك الثوبان الخفيفان لا تبالي البرد!! فقال: أو شهدت معنا خيبر؟ فقلت: بلى، قال: فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دعا أبو بكر فعقد له، وبعثه إلى القوم، فانطلق، ثم جاءه بالناس وقد هزموا؟ فقال: بلى. قال: ثم بعث إلى عمر فعقد له، ثم بعثه إلى القوم فانطلق، ولقي القوم فقاتلهم، ثم رجع وقد هزم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: " لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح عليه غير فرار "، فدعاني، فأعطاني الراية، ثم قال: انطلق، فقلت: يا رسول الله: إني أرمد، والله ما أبصر، فتفل في عيني، ثم قال: " اللهم اكفه الحر والبرد "، فما وجدت بعد يومي ذاك برداً ولا حراً.
وعن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية.
قال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً من عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة، وأنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وحدث جابر بن عبد الله: أن علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنه جربوه بعد ذلك، فلم يحمله الأربعون رجلاً.
وحدث سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسب أباتراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله: تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، قال: فتطاولنا لها، قال: " ادعوا لي علياً "، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: " ندع أبناءنا وأبناءكم " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ".
وفي حديث آخر بمعناه:
وقال: لما نزلت هذه الآية: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ".
ومن حديث عن عامر بن سعد، قال سعد: لعليٍّ ثلاث، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي، فأدخل علياً وفاطمة وابنيها تحت ثوبه، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي ". الحديث.
وعن سعد بن أبي وقاص من حديث قال: قال سعد: أما والله، إني لأعرف علياً وما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أشهد لقال لعلي يوم غدير
خم، ونحن قعود معه، فأخذ بضعه ثم قام به، ثم قال: " أيها الناس، من مولاكم؟ " قالوا: الله ورسوله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه ". الحديث.
ومن حديث الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدتهن أحبّ إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح عليه السلام: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها، فبلّغها ورد عليّ أبا بكر، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله: أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خيراً، لا، إنه ليس يبلّغ عني إلا أنا أو رجل مني "، أو قال: " من أهل بيتي ".
قال: فكنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فنودي فينا ليلاً: ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآل علي، قال: فخرجنا نجر نعالنا، فلما أصبحنا أتى العباس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أخرجت أعمامك وأصحابك وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا أمرت بإخراجكم ولا إسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به ".
والثالثة: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بعث عمر وسعداً إلى خيبر، فخرج عمر وسعد، ورجع عمر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، في ثناء أخشى أن لا أحصي "، فدعا عليّاً، فقالوا: إنه أرمد، فجيء به يقاد، فقال له: " افتح عينيك "، قال: لا أستطيع، قال: فتفل في عينيه ريقه، دلكهما بإبهامه، وأعطاه الراية.
والرابعة: يوم غدير خم، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبلغ، ثم قال: " أيها الناس: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " ثلاث مرات، قالوا: بلى، قال: " ادن يا علي "، فرفع يده، ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، حتى قالها ثلاث مرات.
ومن حديث خيثمة بن عبد الرحمن قال:
قلت لسعد بن أبي وقاص: ما خلفك عن علي، أشيء رأيته أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء رأيته أنا، إني قد سمعت له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً، لو تكون واحدة لي منها أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن الدنيا وما فيها، وذكر غزوة تبوك ويوم خيبر، قال: ثم أعطاه الراية فمضى بها. قال: واتبعه الناس من خلفه، قال: فما تكامل الناس من خلفه حتى لقي مرحباً فاتقاه بالرمح فقتله، ثم مضى إلى الباب حتى أخذ بحلقة الباب ثم قال: انزلوا يا أعداء الله على حكم الله وحكم رسوله، وعلى كل بيضاء وصفراء، قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلّس علي الباب، فجعل علي يخرجهم على حكم الله وحكم رسوله، فبايعهم وهو آخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فخرج حيي بن أخطب. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " برئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتني شيئاً "، قال: نعم، وكانت له سقاية في الجاهلية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما فعلت سقايتكم التي كانت لكم في الجاهلية؟ " قال: فقال: يا رسول الله أجلينا يوم النضير فاستهلكناها لما نزل بنا من الحاجة. قال: " فبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كذبتني ". قال: نعم، قال: فأتاه الملك فأخبره، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اذهب إلى جذع نخلة كذا وكذا، فإنه قد نقرها وجعل السقاية في جوفه ". قال: فاستخرجها، فجاء بها، قال: فلما جاء بها قال لعلي: " قم فاضرب عنقه "، قال: فقام إليه عليّ فضرب عنقه، وضرب عنق ابن أبي الحقيق وكان زوج صفية بنت حيي، وكان عروساً بها، قال: فأصابها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خم، ورفع بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وحدث أبو نجيح قال: لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال: يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك. قال: فلما فرغ أدخله في دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه. قال: أدخلتني دارك، وأقعدتني على سريرك، ثم وقعت فيه تشتمه؟ والله لأن أكون في إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون قال لي ما قاله له حين رآه غزا تبوكاً: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي ". أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار ". أحب إلي أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن أكون كنت صهره على ابنته، ولي منها من الولد ماله، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد اليوم. ثم نفض رداءه، ثم خرج.
وعن عمر بن الخطاب قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم، قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يحل لي فيه ما يحل لي، والراية يوم خيبر.
وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطي عليٌّ ثلاثاً؛ لأن أكون أعطيتهن أحبّ إلي من حمر النعم: زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة فولدت له، وأعطي الراية يوم خيبر، وسدت أبواب الناس إلا بابه.
وعنه قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم: تزوج فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولد الحسن والحسين سبطي
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسد الأبواب كلها إلا باب علي، ودفع إليه الراية يوم خيبر.
وعن بريدة:
أن نفراً من الأنصار قالوا لعلي: عندك فاطمة. فدخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما حاجة ابن أبي طالب؟ " قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: " مرحباً وأهلاً ". لم يزده عليها. فخرج على الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحباً وأهلاً. قالوا: يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحداهما، قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحب، فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال: " يا عليّ، إنه لابد للعرس من وليمة "، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهطٌ من الأنصار آصعاً من ذرة.
فما كان ليلة البناء قال: يا علي: " لا تحدث شيئاً حتى تلقاني "، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم أفرغه على علي، فقال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شملهما ".
قال أبو الحسين: الشمل: الجماع.
وعن علي أنه قال على منبر الكوفة: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابنته، ثم ذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته؛ فخطبتها، قال: " هل عندك شيء؟ " قلت: لا، قال: " فأين ردعك الحطميّة التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ " قلت: عندي، قال: " فأعطها "، فأعطيتها، فزوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ كساء أو قطيفة فتحثّثنا.
وفي رواية: فتحشحشنا، فقال: " مكانكما "، قلت: يا رسول الله، أنا أحبّ إليك أم هي؟
قال: " هي أحب إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها ".
وعن أبي هريرة قال: لما خطب علي فاطمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها فقال لها: " أيّ بينة، إن ابن عمك علياً قد خطبك، فماذا تقولين؟ " فبكت ثم قالت: كأنك يا أبه، إنما ادخرتني لفقير قريش، فقال: " والذي بعثني بالحق، ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء "؛ فقالت فاطمة: رضيت بما رضي الله لي ورسوله. فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه، ثم قال: " ياعليّ، اخطب لنفسك "، فقال علي: الحمد لله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوّجني فاطمة ابنته على صداقٍ مبلغه أربع مئة درهم. فاسمعوا ما يقول واشهدوا، قالوا: ما تقول يا رسول الله؟ قال: " أشهدكم أني قد زوجته ".
وعن علي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث زوجه فاطمة دعا بماء فمجّه، ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه، وعوذه ب: " قل هو الله أحد " والمعوذتين، ثم دعا بفاطمة فقامت على استحياء، فقال: " لم آل أن زوجتك خير أهلي ".
وعن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: " هل لك في فاطمة نعودها؟ " فقلت: نعم، فقام متوكئاً عليّ فقال: " أما إنه سيحمل ثقلهاغيرك، ويكون أجرها لك ". قال: فكأنه لم يكن عليّ شيء، حتى دخلنا على فاطمة، فقال: " كيف تجدينك؟ " قالت: والله لقد اشتد كربي، واشتدت فاقتي، وطال سقمي.
وفي رواية في هذا الحديث قال: " أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً ".
وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت أم أيمن على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال لها: " ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟ " قالت: بكيت يا رسول الله، لأني دخلت منزل رجل من الأنصار قد زوج ابنته رجلاً من الأنصار، فنثر على رأسها اللوز والسّكّر، وذكرت تزويجك فاطمة من
علي بن أبي طالب ولم تنثر عليها شيئاًن فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تبكي يا أم أيمن. فوالذي بعثني بالكرامة، واستخصني بالرسالة، ما أنا زوجته ولكن الله زوّجه، ما رضيت حتى رضي عليّ، وما رضيت فاطمة حتى رضي الله ربّ بالعالمين: يا أم أيمن، إن الله عز وجل لما أن زوّج فاطمة من علي أمر الملائكة المقربين أن يحدّقوا بالعرش، فيهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وأمر الجنان أن تزخرف فتزخرفت، وأمر الحور العين أن يتزيّنّ فتزينّن وكان الخاطب الله تعالى، وكان الملائكة الشهود، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الياقوت الأحمر مع الزبرجد الأخضر، فابتدر حور العين من الجنان يرفلن في الحلي والحلل يلتقطنه، ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد، فهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة ".
وفي حديث آخر بمعناه: عن عبد الله بن مسعود قالت أم سلمة:
ولقد كانت فاطمة تفخر على النساء وتقول: إني أول من خطب عليها جبريل.
وعن مسروق قال: لما قدم عبد الله بن مسعود الكوفة قلنا له: حدثنا حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الجنة، ثم قال: سأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم أزل أطلب الشهادة. الحديث. فلم أرزقها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في غزوة تبوك، ونحن نسير معه، فقال: " إن الله لما أمرني أن أزوج فاطمة من علي، ففعلت، ثم قال لي جبريل: إن الله قد بنى جنة من لؤلؤ وقصب بين كل قصب إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذّرة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجداً أخضراً، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل عليها غرفاً: لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيوناً تنبع من نواحيها، وحفّت بالأنهار، وجعل على الأنهار قباباً من درّ، قد شعبت بالسلاسل من الذهب، وحفّت بأنواع الشجر، وجعل في كل بيت مفرش، وجعل في كل قبة أريكة، من درّ بيضاء غشاوتها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران. وفتق المسك والعنبر، وجعل في كل قبة حوراء، والقبة لها مئة باب، على كل باب جاريتان وشجرتان، في كل قبة مفرش، مكتوب حول القباب آية الكرسي، فقلت: لجبريل: لمن بنى الله هذه الجنة؟ فقال: هذه جنة بناها الله سبحانه لعلي وفاطمة، تحفة أتحفهما الله تبارك وتعالى، وأقر عينك يا رسول الله ".
وعن علي الهلالي قال: جخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفه إليها، فقال: " حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ " قالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: " لقد علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة، فاختار منها أباك، فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه، يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحداً قبلنا، ولا يعطي أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله، وهو حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث شاء، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة، إذا صار الدنيا هرجاً مرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أول الإيمان، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً، يا فاطمة، لا تحزني ولا تبكي، فإن الله أرحم بك وارأف عليك مني، وذلك لمكانك مني، وموضعك من قلبي، وزوّجك الله زوجك، وهو أشرف أهل بيتي حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سالت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي ".
قال علي: فما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أمرت بتزويجك من السماء. وقتلت المشركين يوم بدر، وتقتل من بعدي على سنتي، وتبرئ ذمتي ".
وعن بريدة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قم بنا يا بريدة نعود فاطمة "، فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها، ودمعت عيناها، فقال: " ما يبكيك يا بنية؟ " قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم، قال: " أما والله، لما عند الله خير مما ترغبين إليه، يا فاطمة، أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماًن وأفضلهم حلماً، والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة ".
وعن أسماء بنت عميس قالت:
لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تحدثي شيئاً حتى أجيء "، فجاء حتى قام على الباب، فقال: " ثمّ أخي؟ " فخرجت إليه أم أيمن فقالت: أخوك وزوّجته ابنتك؟! فدعا علياً ودعاها، فقامت وإنها لتعثر، ثم قال لها: " أي بنية، إن لم آل أن أزوّجك أحبّ أهلي ". قالت: ثم دعا بمخضب وهو تور من حجارة من ماء فدعا فيه، ثم أمر أن يصب عليه بعضه وعليها بعضه، فقالت أسماء: ثم قال لي: " أجئت مع ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكرمينها؟ " قالت: فدعا لي.
وعن أبي سعيد قال: لما أنكح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً فاطمة أصابها حصر شديد. قال: فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: " والله لقد أنكحتكيه سيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة من الصالحين ".
وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة: " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ " قالت فاطمة: فأين مريم بنت عمران؟ قال لها: " أي بنية، تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، والذي بعثني بالحق، لقد زوجتك سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة، فلا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ".
وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " ألا تنطلق بنا نعود فاطمة؟ فإنها تشتكي "، قلت: بلى. قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها، فلسلم فاستأذن، فقال: " أدخل أنا ومن معي؟ " قالت: نعم، ومن معك
يا أبتاه، فوالله ما عليّ إلا عباءة. فقال لها: " اصنعي بها هكذا، واصنعي بها هكذا "، فعلمها كيف تستتر، فقالت: والله ما على رأسي خمار، قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه، قال: " اختمري بها "، ثم أذنت لهما، فدخلا، فقال: " كيف تجدينك يا بنية؟ " قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله، قال: " أما ترضين يا بنية أنك سيدة نساء العالمين؟ " قال: تقول: يا أبه، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ".
وعن ابن عباس قال: لما زوج الني صلّى الله عليه وسلّم فاطمة من علي قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر زوجك؟ ".
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حين نزلت: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " كان يجيء نبي الله صلّى الله عليه وسلّم إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: " الصلاة، رحمكم الله "، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ".
قال أبو الحمراء: صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أشهر، فكان إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول: " يرحمكم الله، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ".
قال ميمون الكردي: كنا عند ابن عباس فقال رجل: ليته حدثنا عن علي فسمعه ابن عباس فقال: أما
لأحدثنّك حقاً، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالأبواب الشارعة في المسجد فسدت، وترك باب علي، فقال: إنهم وجدوا من ذلك، فأرسل إليهم " أن بلغني أنكم وجدتم من سدي أبوابكم وتركي باب علي، وإني والله ما سددت من قبل نفسي، ولا تركت من قبل نفسي، إن أنا إلا عبد مأمور أمرت بشيء فقلت: " إن أتّبع إلا ما يوحى إلي ".
وعن العلاء بن عرار قال: إني قلت لعبد الله بن عمر وهو في المسجد جالس: كيف تقول في هذين الرجلين علي وعثمان؟ فقال عبد الله: أما علي فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزله من منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخرجنا من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا علي، وأما عثمان فتلا: " يوم التقى الجمعان " فأذنب ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً من دون فقتلتموه.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، فضربنا وقال: " أترقدون في المسجد؟ إنه لا يرقد فيه أحد "، فأجفلنا، وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، يا علي، إنك لتذودنّ عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء، بعصاً معك من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي ".
وعن أبي سعيد الخدري أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ".
وعن أم سلمة قالت: خرج النّي صلّى الله عليه وسلّم من بيته حتى انتهى إلى صرح المسجد، فنادى بأعلى صوته: " إنه لا يحلّ المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه، وعلي وفاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلّم، ألا هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا ".
وعن أبي رافع: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس، فقال: " يا أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوأا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلا هارون وذريته، ولا يحل لأحد أن يعرك النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا عليٌّ وذريته ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: لما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة تبوك خلّف علياً بالمدينة، فقال الناس: ملّه وكره صحبته، فتبع علي النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى لحقه في بعض الطريق، فقال: يا رسول الله خلّفتني بالمدينة مع النساء والذراري حتى قال الناس: ملّه وكره صحبته؟ فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبيّ بعدي ".
وعن حكيم بن جبير قال: قلت لعلي بن الحسين: يا سيدي إن الشعبي حدث عن أبي جحيفة وهب الخير أن أباك صعد المنبر فقال: خير هذه الأمة بعد نبيها وأبو بكر وعمر، فقال: أين تذهب يا أبا حكيم؟ حدثني سعيد بن المسيب عن سعدٍ أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن المؤمن يهضم نفسه ".
وعن عامر بن سعد قال: إني لمع أبي إذ تبعنا رجل في نفسه على علي بعض الشيء، فقال: يا أبا إسحاق، ما حديث يذكر الناس عن علي؟ قال: ما هو؟ قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ: أنت مني كهارون من موسى، ما تنكر أن يقول لعلي هذا وافضل من هذا؟ وعن سعد قال: قال لي معاوية: أتحب علياً؟ قال: قلت: وكيف لا أحبه؟ وقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، ولقد
رأيته بارز يوم بدر، وهو يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول: من الرجز
بازل عامين حديثٌ سنّي ... سنحنح الليل كأنّي جني
لمثل هذا ولدتني أمّي
فما رجع حتى خضب سيفه دماً.
وعن سعد بن أبي وقاص: أن عليّ بن أبي طالب خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا جاء ثنية الوداع، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد تبوك، وعليّ يبكي ويقول: يا رسول الله تخلّفني مع الخوالف؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ ".
وعن سعد بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، سالم الله من سالمته، وعادى الله من عاديته ".
وعن سويد بن غفلة قال: رأى عمر رجلاً يخاصم علياً، فقال له عمر: إني لأظنك من المنافقين، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي ".
وفي رواية: أنه رأى رجلاً يشتم علياً كانت بينه وبينه خصومة.
وعن عبد الله بن عباس قال:
سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر:
أما علي: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول فيه ثلاث خصال، لوددت أن لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النّبي صلّى الله عليه وسلّم بيده على منكب علي، فقال له: " يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأول المسلمين إسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وعن ابن عباس عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من حلمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
وعنه قال: رأيت علياً أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتضنه من خلفه، فقال: بلغني أنك سميّت أبا بكر وعمر وضربت أمثالهما ولم تذكرني، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وعن عبد الله بن جعفر قال: لما قدمت ابنة حمزة المدينة اختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قولوا ": فقال زيد: هي ابنة أخي وأنا أحق بها، وقال علي: ابنة عمي وأنا جئت بها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي. قال: " خذها يا جعفر أنت أحقهم بها "؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأقضينّ بينكم: أما أنت يا زيد فمولاي وأنا مولاك، وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ النّبوة ".
وفي رواية: " إلا أنّه لا نبوة ".
وعن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني، قال: قولك يا أمير المؤمنين أحبّ إليّ من قول علي، قال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت
به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "، وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب. ثم قال للرجل: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي في غزوة تبوك: " اخلفني في أهلي "، فقال علي: يا رسول الله، إني أكره أن يقول العرب: خذل ابن عمه، وتخلّف عنه، فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ "، قال: بلى، قال: " اخلفني ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، ولو كان لكنته ".
وفي رواية: " إلا أنه ليس بعدي نبي، أو لا يكون بعدي نبي ".
وعن يزيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلا: " أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست نبي ".
وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي أنت مني، وأنا منك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا يوحى إليك ".
وعن أبي الفيل قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة تبوك استخلف علي بن أبي طالب على المدينة، فماج المنافقون بالمدينة وفي عسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: كره قربه، وساء فيه
رأيه، فاشتد ذلك على علي، فقال: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان؟ أنا عائذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، فقال: " رضي الله يا أبا الحسن برضائي عنك، فإن الله عنك راضٍ، إنما منزلك مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي "، فقال علي: رضيت، رضيت.
وعن زيد بن أرقم قال: لما عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجيش العسرة قال لعلي: " إنه لابدّ من أن تقيم أو أقيم "، قال: فخلف علياً، وسار، فقال ناس: ما خلفه إلا لشيء يكرهه منه، فبلغ ذلك علياً، فاتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى انتهى إليه، فقال: " ما جاء بك يا علي؟ " فقال: يا رسول الله، إني سمعت أناساً يزعمون أنك خلفتني لشيء كرهته مني، قال: فتضاحك إليه وقال: " ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " فإنه كذلك ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي يوم غزوة تبوك: " أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل ما لي، ولك من المغنم مثل ما لي ".
قال بريدة:
غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغير، فقال: " يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى من كنت مولاه ".
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو وليّكم بعدي ".
وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا اجتمعتما فعليٌّ على الناس وإذا افترقتما فكل واحد
بينكما على حدة "، قال: فلقينا بني زيد من اليمن فقاتلناهم، وظهر المسلمون على الكافرين، فقتلوا المقاتل وسبوا الذرية، واصطفى عليّ جارية من الفيء، فكتب معي خالد يقع في علي، وأمرني أن أنال منه.
قال: فلما أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيت الكراهية في وجهه، فقلت: هذا مكان العائذ يا رسول الله، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته، فبلغت ما أرسلني، قال: " يا بريدة: لا تقع في عليّ، عليٌّ مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ".
وفي حديث آخر بمعناه: قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعليّ. قال: وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، وتكلمت فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إليّ فقال: " يا بريدة، إن عليّاً وليكم بعدي، فأحب عليّاً فإنه يفعل ما يؤمر ". قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إليّ منه.
قال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن عفلة، فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنافقت بعدي يا بريدة؟ " وفي حديث آخر فقال: " يا بريدة، أتبغض علياً؟ " قال: قلت: نعم، قال: " فأحبّه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك ".
وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشين وأمّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا كان قتال فعليٌّ على الناس ".
قال: ففتح عليٌّ قصراً، فاتّخذ لنفسه جارية، فكتب معي خالد بن الوليد يشي به، فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتاب قال: " ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله.
وعن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريةً وأمّر عليهم علي بن أبي طالب، فأحدث شيئاً في سفره، فتعاقد أربعة من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكروا أمره لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثاني، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثالث، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، قال: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع وقد تغير وجهه، فقال: " دعوا علياً، دعوا علياً، دعوا علياً، إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ".
وفي رواية: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب يعرف في وجهه فقال: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي ".
وعن وهب بن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة، فقلت: لئن رجعت ولقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنالنّ منه. قال: فرجعت، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فنلت منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تقولنّ هذا لعلي، فإن علياً وليكم بعدي ".
وعن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب إلى اليمن قال: أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه فلما احتفر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.
قال: فلما فرغ علي وانصفق من اليمن راجعاً، أمّر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجّته قال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم ".
قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أنا قد ركبت، رأى أثر الراكب، فذمّ الذي أمّره ولامه، فقال: أما إنّ لله عليّ إن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأخبرنّه ما لقينا من الغلظة والتّضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد أن أفعل ما كنت قد حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآني قعد معي ورحّب بي، وساءلني وساءلته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل وقال: هذا سعد بن مالك، ابن الشهيد، قال: ائذن له فدخلت فحيّيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحيّاني وسلّم عليّ، وساءلني عن نفسي وعن أهلي فأحفى في المسألة، فقلت: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتّضييق فانتبذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعلت أنا أعدّد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، وكنت منه قريباً، وقال: " سعد بن مالك ابن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله، لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله ".
قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك، سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟ لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانية.
وعن عمرو مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأجفاني، فأظهرت لائمة علي بالمدينة حتى فشا ذلك، فدخلت المسجد مرجع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس،
فرماني ببصره حتى إذا جلست قال: والله، يا عمرو بن شأس، لقد آذيتني، فقلت: أعوذ بالله وبالإسلام أن أوذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " بلى، من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذى مسلماً فقد آذى الله عزّ وجلّ ".
وفي حديث آخر: قلت: أعوذ بالله من أن أؤذيك، قال: " بلى، من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن عمرو بن شأس: سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من آذاك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد، أنا ورجلان معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: " ما لكم ومالي؟ من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الرّحبة قال: أنشد الله امرأ نشدة الإسلام سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير أخذ بيدي يقول: " ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم واله من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، إلا قام، فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا، وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا.
وزاد في حديث آخر: " وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه ".
وعن زياد بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرّحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فإن هذا مولاه ".
قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.
وعن حذيفة بن أسيد قال:
لما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات البطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن، فصلى تحتهن، ثم قام فقال: " أيها الناس: قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً، قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ " قالوا: بلى، نشهد بذلك، قال: " اللهم اشهد ".
ثم قال: " أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
ثم قال: " أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثّقلين، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، الثّقل الأكبر كتاب الله، سببّ طرفه بيد الله عزّ وجلّ، وطرفٌ بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ".
قال عطية العوفي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدثني عنك بحديث في شأن علي عليه السلام يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك فقال: إنكم معشرٌ فيكم ما فيكم، فقلت له: لي عليك مني بأس، قال: نعم، كنا الجحفة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي، فقال: " أيها الناس: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " فمن كنت مولا فعلي مولاه ".
قال: فقلت له: هل قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ " قال: إنما أخبرك كما سمعت.
وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع، فكسح لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرتين، ونودي في الناس أن الصلاة جامعة، فدعا علياً وأخذ بيده فأقامه عن يمينه، فقال: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " الست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ " قالوا: بلى، قال: " أليس أزواجي أمهاتكم؟ " قالوا: بلى، قال: " هذا وليي، وأنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فقال له عمر: هنيئاً لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.
وفي رواية: " أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ".
وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه فقال: " إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادّعى إلى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، والولد للفراش وللعاهر الحجر، ليس لوارث وصية، ألا قد سمعتموني ورأيتموني، فمن كذب
عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ألا إني فرطكم على الحوض، ومكاثرٌ بكم، فلا تسوّدوا وجهي، ألا وإني أستنقذ رجالاً، وليستنقذنّ بي قوم آخرون، ألا وإن الله وليّي، وأنا وليّ كل مؤمن، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ".
وفي حديث سعد قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق مكة، وهو متوجّه إليها، فلما بلغ غدير خم الذي بخمّ وقف الناس، ثم ردّ من مضى، فلحقه منهم من تخلّف، فلما اجتمع الناس قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد "، ثم قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد " ثلاثاً، " أيها الناس من وليّكم؟ " قالوا: الله ورسوله، ثلاثاً، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال: " من كان الله ورسوله وليّه فإن هذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: كنا عند جابر بن عبد الله وعنده محمد بن الحنفية، فجاء رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله يا جابر، إلا أخبرتني ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال جابر: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج من خباء أو فسطاط، فقال لعلي بيده: " هلم هلم "، وثمّ ناسٌ من جهينة ومزينة وغفار، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
قال: فقال: نشدتك بالله، أكان ثمّ أبو بكر وعمر؟ قال: اللهم لا.
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بضبع علي يوم الحديبية وهو يقول: "
هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، مد بها صوته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل خم، فنحّى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب؛ فشق على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأخر الناس عنه، فأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم، وهو متوسد على علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيها الناس، إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني حتى خيّل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليّ من شجرة تليني "، ثم قال: " لكن عليّ بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، رضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً "، ثم رفع يديه، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وابتدر الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكون ويتضرعون إليه، ويقولون: يا رسول الله إنما تنحينا كراهة أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله.
فرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، فقال أبو بكر: يا رسول الله، استغفر لنا جميعاً؛ ففعل، فقال لهم: " أبشروا، فوالذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة من أصحابي سبعون ألفاً بغير حساب، ومع كل ألف سبعون ألفاً ومن بعدهم مثلهم أضعافاً ".
قال أبو بكر: يا رسول الله زدنا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موضع رمل، فحفن بيديه من ذلك الرمل ملء كفيه، ثم قال: هكذا. قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، ففعل مثل ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال عمر: ومن يدخل النار بعد الذي سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد ثلاث حثيات من الرمل من الله؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " والذي نفسي بيده، ما تفي بهذا أمتي حتى توفي عدتهم من الأعراب ".
قال جعفر بن إبراهيم الجعفري: كنت عند الزهري أسمع منه، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت: يا جعفري، لا تكتب عنه، فإنه مال إلى بني أمية، وأخذ جوائزهم، فقلت: من هذه؟ قال: أختي رقية، خرفت، قال: خرفت أنت؛ كتمت فضائل آل محمد.
وقد حدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ".
وحدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ".
قال سهم بن حصين الأسدي: قدمت إلى مكة أنا وعبد الله بن علقمة، وكان عبد الله بن علقمة سبّابة لعلي دهراً. قال: فقلت له: هل لك في هذا يعني أبا سعيد الخدري يحدّث به عهداً؟ قال: نعم. فأتيناه فقال: هل سمعت لعلي رضوان الله عليه منقبة؟ قال: نعم، إذا حدثتك فسل عنها المهاجرين والأنصار وقريشاً: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام يوم غدير خم فأبلغ ثم قال: " يا أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قالها ثلاث مرات. ثم قال: " ادن يا علي، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه حتى نظرت إلى بياض آباطهما، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". ثلاث مرات.
قال: فقال عبد الله بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو سعيد: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره، وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
قال عبد الله بن شريك: فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين، فلما صلّينا الهجير قام عبد الله بن علقمة فقال: إني أتوب إلى الله وأستغفره من سبّ علي، ثلاث مرات.
وعن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست وليّ المؤمنين؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم ".
من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل بالرسالة.
وعن أبي فاختة قال:
أقبل علي وعمر جالس في مجلسه، فلما رآه عمر تضعضع وتواضع وتوسّع له في المجلس، فلما قام علي قال بعض القوم: يا أمير المؤمنين، إنك تصنع بعلي صنيعاً ما تصنعه بأحد من أصحاب محمد، قال عمر: وما رأيتني أصنع به؟ قال رأيتك كلما رأيته تضعضعت وتواضعت وأوسعت حتى يجلس. قال: وما يمنعني؟ والله إنه لمولاي ومولى كل مؤمن.
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: شهدنا الموسم في حجة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي حجة الوداع، فبلغنا مكاناً يقال له: غدير خم، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمعنا: المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسطنا، فقال: " أيها الناس بم تشهدون؟ " قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله. قال: " ثم مه؟ " قالوا: وأن محمداً عبده ورسوله. قال: " فمن وليكم؟ " قالوا: الله ورسوله مولانا، قال: " فمن وليكم؟ " ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه، فنزع عضده، فأخذ بذراعيه، فقال: " من يكن الله ورسوله مولياه فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، اللهم من أحبه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً، اللهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين غيرك، فاقض فيه بالحسنى ".
قال بشر: قلت: من هذا العبدان الصالحان؟ قال: لا أدري.
قال أبو سعيد الخدري: لما نصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً بغدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ".
وقال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية: " يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك " على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول الله عز وجل: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ".
وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: أصبحت مولى كل مؤمن، يقول: ولي كل مسلم.
قال ابن الأعرابي: المولى: المالك وهو الله، والمولى: ابن العم، والمولى: المعتق، والمولى: المعتق، والمولى: الجار، والمولى: الشريك، والمولى: الحليف، والمولى: المحب، والمولى: اللّويّ، والمولى: الولي، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، معناه: من تولاني فليتولّ علياً.
قال ثعلب: وليس هو كما يقول الرافضة: إن علياً مولى الخلق ومالكهم، وكفرت الرافضة في هذا، لأنه يفسد من باب المعقول: لأنّا رأيناه يشتري ويبيع، فإذا كانت الأشياء ملكه فممن يشتري ويبيع؟ ولكنه من باب المحبة والطاعة.
قال: ويدل على أن المولى والولي: المحب، ما روى إليّ شقيق عن عبد الله قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد علي وهو يقول: " الله وليّي وأنا وليّك، ومعادٍ من عاداك، ومسالمٌ من سالمك ".
وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من آمن بي وصدقني فليتولّ علي بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله ".
وعنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أوصّي من آمن بي وصدّقني بالولاية لعلي، فإنه من تولاه تولاني، ومن تولاني تولى الله، ومن أحبه أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أبغضه أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن، غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ".
قال: هذا حديث منكر.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليٌّ أقضى أمتي بكتاب الله، فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبّ علي عليه السلام ".
وعن عبد الله قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله، أتاني ملك فقال: يا محمد، واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت: علام بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب ".
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أني حيا حياتي ويموت موتي فليتمسك بالقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، وقال: كن، أو كوني، وليتولّ علي بن أبي طالب بعدي ".
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بيمينه في جنة الخلد وفي رواية: في جنة الفردوس الأعلى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب ".
وعن زيد بن أرقم قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أن يحيا حياتي ويموتموتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فإن ربّي غرز قضبانها بيده، فليتولّ عليّاً، فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حب علي بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب ".
طعن في هذا الحديث وفي رجاله.
وعن ابن عباس قال: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، للنار جوازٍ؟ قال: " نعم ". قلت: وما هن قال: " حب علي بن أبي طالب ".
طعن في هذا الحديث أيضاً.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صنعت امرأة من الأنصار لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة أرغفة، وذبحت له دجاجة فطبختها، فقدمته بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر وعمر فأتياه، ثم رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه إلى السماء، ثم قال: " اللهم سق إلينا رجلاً رابعاً محبّاً لك ولرسولك، تحبه اللهم أنت ورسولك، فيشركنا في طعامنا، وبارك لنا فيه "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم اجعله علي بن أبي طالب "، قال: فوالله ما كان بأوشك أن طلع علي بن أبي طالب، فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " الحمد لله الذي سرني بكم جميعاً، وجمعه وإياكم "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " انظروا هل ترون بالباب أحداً؟ "
قال جابر: وكنت أنا وابن مسعود، فأمر بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأدخلنا عليه فجلسنا معه، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلك الأرغفة فكسرها بيده، ثم غرّف عليها من تلك الدجاجة، ودعا بالبركة، فأكلنا جميعاً حتى تملأنا شبعاً، وبقيت فضلة لأهل البيت.
قال: هاذ حديث غريب. والمشهور حديث انس وهو ما أسند إلى علي قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير يقال له الحبارى، فوضعت بين يديه، وكان أنس بن مالك يحجبه، فرفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يده إلى الله، ثم قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ".
قال: فجاء علي فاستأذن، فقال له أنس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني على حاجة، فرجع، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع، ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، وإليّ ". فأكل معه، فلما أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج علي.
قال أنس: ابتعت عليّاً فقلت: يا أبا حسن، استغفر لي، فإن لي إليك ذنباً، وإن عندي بشار، فأخبرته بما كان من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله واستغفر لي ورضي عني، أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه.
وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجل مشوي بخبزه وصنابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام "، فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي. قال أنس: وقلت: اللهم اجعله سعد بن عبادة. قال أنس: فسمعت حركة بالباب، فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة بالباب، فسلم عليّ، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته، فقال: " انظر من هذا؟ " فخرجت فإذا هو علي،
فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: " ائذن له "، فدخل عليّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وإليّ، اللهم وإليّ ".
وعن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي فقال: " اللهم أدخل عليّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل معي ".
قال أنس: فجاء عليٌّ فحجبته، ثم جاء ثانية فحجبته، ثم جاء ثالثة فحجبته؛ رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثم جاء الرابعة فأذنت له، فلما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم وأنا أحبه، فأكل معه من الطير ".
وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير، فقال: " اللهم ائتني برجل يحبّ؟ هـ الله، ويحبه رسولك ".
قال أنس: فأتى عليّ فقرع الباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشغول، وكنت أحب ان يكون رجلاً من الأنصار، ثم إن عليّاً فعل مثل ذلك، ثم أتى الثالثة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس أدخله فقد عنيته "، فلما أقبل قال: " اللهم إليّ، اللهم إليّ ".
قال عبد العزيز بن زياد: إن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة، فسأله عن علي بن أبي طالب؛ فقال: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم طائر، فأمر به فطبخ وصنع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب الخلق إليّ يأكل معي "، فجاء علي فرددته، ثم جاء ثانية فرددته، ثم جاء الثالثة فرددته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، إني قد دعوت ربي، وقد استجيب لي، فانظر من كان بالباب فأدخله ". فخرجت، فإذا أنا بعلي فأدخلته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إني قد دعوت ربي أن يأتيني بأحب خلقه إليّ، وقد استجيب لي، فما حبسك؟ " قال: يا نبي الله حبست أربع مرات، كل ذلك يردّني أنس؛ قال: النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ما حملك على ذلك يا أنس؟ " قال: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، إنه ليس أحد إلا وهو يحب قومه، وإن علياً جاء، فأحببت أن يصيب دعاؤك رجلاً من قومي.
قال: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الرحمة فسكت ولم يقل شيئاً.
وفي حديث آخر بمعناه: لأني سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرجل يحب قومه.
وفي حديث آخر عن أنس أيضاً: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم نحامات.
وعن أنس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير "، فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر وقال الحيري: عثمان فرده، ثم جاء علي، فأذن له.
وعن أنس قال: كنت أنا وزيد بن أرقم نتناوب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتته أم أيمن بطير أهدي له من الليل، فلما أصبح أتته بفضله، فقال: " ما هذا؟ " قلت: فضل الطير الذي أكلت البارحة، فقال: " أما علمت أن كل صباح يأتي برزقه، اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ويأكل معي من هذا الطير ". قال: فقلت: اللهم اجعله من الأنصار، قال: فنظرت فإذا عليّ قد أقبل فقلت له: إنما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الساعة فوضع ثيابه، فسمعني أكلمه، فقال: " من هذا الذي تكلمه؟ " قلت: عليّ، فلما نظر إليه قال: " اللهم أحب خلقك إليك وإليّ ".
وفي رواية عن أنس قال: أهدي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم طائر كان يعجبه أكله، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " الحديث.
وعن عبد الله بن العباس قال: كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ دخل علي بن أبي طالب، فسلم فرد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبشّ به، وقام إليه فاعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عم رسول الله والله لله أشد حبّاً له مني، إن الله جعل ذرية كل نبيٍّ في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل به، وعن مالهم ممّ اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت ". فقيل: يا رسول الله، ومن هم؟ فأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب.
وعن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من علي.
وعن بريدة قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة، ومن الرجال علي.
قال جميع بن عمير:
دخلت مع أمي على عائشة فقالت: أخبرتني كيف كان حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ؟ فقالت: عائشة: كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقد رأيته يوماً أدخل تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً "، قالت: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولست من أهلك؟ قال: " إنك على خير إنك على خير ".
وعن جميع عن عائشة قال: قلت لها: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قالت: أما من الرجال فعلي. وأما من النساء ففاطمة.
وعن جميع بن عمير قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فقلت لها: يا أم المؤمنين: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، وايم الله، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً جديراً أن يقول ما يحب الله.
وفي رواية: جديراً بقول الحق.
قال معاوية بن ثعلبة: أتى رجل أبا ذر، وهو جالس في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحب الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إي ورب الكعبة، إن أحبّهم إليّ أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو ذاك الشيخ، وأشار إلى علي، وهو يصلي أمامه.
وعن زيد بن أرقم: دخلت على أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قالت: من الذين يسب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: لا والله يا أمه، ما سمعت أحداً يسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: بلى والله، إنهم يقولون: فعل الله بعلي ومن يحبه، وقد كان، والله، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّه.
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أمرني الله تعالى بحب أربعة: وأخبرني أنه يحبهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم ".
قال أبو عبد الله الجدلي: دخلت على أم سلمة فقالت: يا أبا عبد الله، أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم وأنتم أحياء؟ قال: قلت: سبحان الله! وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسبّ علي ومن يحبه؟ قلت: بلى، قالت: أليس كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبه؟ وفي رواية قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من سبّ علياً فقد سبّني ".
وعن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: من سبّ علياً وأحباءه فقد سب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأشهد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحبّه.
وعن جابر قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ونحن في المسجد، وهو آخذ بيد علي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ألستم زعمتم أنكم تحبونني؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ".
وعن سلمان الفارسي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره، وسمعته يقول: " محبّك محبّي، ومحبّي محبّ الله، ومبغضك مبغضي، ومبغضي مبغض الله ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك تعيش على ملّتي، وتقتل على سنتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني ".
وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ".
طعن في بعض رواته.
وفي حديث مرسل: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله تعالى عهد إليّ في علي عهداً، قلت: يا ربّ بيّنه لي، قال: " اسمع يا محمد "،
قال: " إن عليّاً راية الهدى بعدي، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، فمن أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ".
وعن زر بن حنيش قال: سمعت علياً يقول:
والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إليّ: ألا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " إن الله أخذ ميثاق المؤمنين على حبك، وأخذ ميثاق المنفقين على بغضك، فلو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك، ولو نثرت الدنانير على المنافق ما أحبك، يا علي، لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ".
وعن أبي الطفيل قال: أخذ علي بيدي في هذا المكان، فقال: يا أبا الطفيل، لو أني ضربت أنف المؤمن بخشبة ما أبغضني أبداً، ولو أني أقمت المنافق ونثرت على رأسه ما أحبني أبداً، يا أبا الطفيل، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي، وأخذ ميثاق المنافقين ببغضي، فلا يبغضني مؤمن أبداً، ولا يحبني منافق أبداً.
وعن عمران بن ميثم عن أبيه ميثم قال: شهدت علي بن أبي طالب وهو يجود بنفسه يقول: يا حسن، قال الحسن: لبيك يا أبتاه، قال: إن الله أخذ ميثاق أبيك، وميثاق كل مؤمن على بغض كل منافق وفاسق، وأخذ ميثاق كل فاسق ومنافق على بغض أبيك.
وعن عبد اله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقال: " يا أيها الناس، قدموا قريشاً ولا تقدّموها، وتعلموا منها ولا تعلّموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من
غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم. يا أيها الناس، أوصيكم بحب ذي أقربها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله عزّ وجلّ ".
وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ".
وفي حديث عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من زعم أنه آمن بي وما جئت به وهو يبغض علياً، فهو كاذب ليس بمؤمن ".
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: " يا علي، إن الله زيّنك بزينة لم تتزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله منها: الزهد في الدنيا؛ فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فرضوا بك إماماً، ورضيت بهم أتباعاً، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، وأما الذين أحبوا وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك ورفقائك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحقّ على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة ".
وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنما رفع الله القطر عن بين إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم، وإن الله عزّ وجلّ يرفع القطر عن هذه الأمة ببغضهم علي بن أبي طالب ".
وعن صلصال بن الدّلهمس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم في جماعة من أصحابه، فدخل علي بن أبي طالب، فقال له
النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، ألا من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخل الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار ".
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي بن أبي طالب، ونصب لأهل بيتي، ومن قال: الإيمان كلام ".
وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود وابن عباس قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية: " محمّدٌ رسول الله والذي معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السّجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه ". قال ابن عباس: ذلك أبو بكر، قال: " فاستغلظ فاستوى " عمر بن الخطاب، " على سوقه " عثمان بن عفان، " يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفّار " علي بن أبي طالب. كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليّاً والأنصار.
وفي رواية أخرى عنه: إلاّ ببغضهم عليّاً.
وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
" لا يبغض عليّاً إلا منافق أو فاسق أو صاحب دنيا ".
وعنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا ببغض عليّ.
وعن جابر بن عبد الله قال: ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن جابر قال: كنا نعرف نفاق الرجل منا ببغضه علياً.
وعن أبي الزبير قال: سئل جابر عن علي، فقال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليّاً.
وعن عبادة بن الصامت قال: كنا ننوّر أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رشده.
وعن محبوب بن أبي الزناد قال: قالت الأنصار: إن كنا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب.
وعن أنس قال: كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد ان يشهر عليّاً في مواطن أو مشهد علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهر علياً يوم خيبر فقال: " يا أيها الناس من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه، وإليّ في خلقي، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب إذا خطر بين الصفين، كأنما يتقلّع من صخر، أو يتحدّر من صببٍ، يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبّه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم ".
قال أنس بن مالك: فكان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، وإذا نظر إليه توجه بوجهه تلقاه وأومأ بإصبعه: أي بني تحبه هذا الرجل المقبل؟ فإن قال الغلام: نعم قبّله، وإن قال: لا، خرق به الأرض، وقال له: الحق بأمك، ولتلحق أمك بأهلها، فلا حاجة لي فيمن لا يحب علي بن أبي طالب.
قال: هذا حديث منكر.
وعن ابن عباس قال: بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا، إذ خرج علينا مما يلي الركن اليماني شيء عظيم كأعظم ما يكون من الفيلة، قال: فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعنت "، أو قال: " خزيت "، قال: فقال علي بن أبي طالب: ما هذا يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: " أو ما تعرفه يا علي؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا إبليس "؛ فوثب إليه، فقبص على ناصيته، وجذبه فأزاله عن موضعه، وقال: يا رسول الله أقتله؟ قال: " أو ما علمت أنه قد أجّل إلى الوقت المعلوم؟ " قال: فتركه من يده، فوقف ناحية، ثم قال: لي ولك يا بن أبي طالب، والله ما أبغضك أحدٌ إلا قد شاركت أبه فيه، اقرأ ما قال الله تعالى: " وشاركهم في الأموال والأولاد ".
قال ابن عباس: ثم حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " لقد عرض لي في الصلاة، فأخذت بحلقة فخنقته، فإني لأجد برد لسانه على ظهر كفي، ولولا دعوة أخي لأريتكموه مربوطاً بالسارية تنظرون إليه ".
وعن علي بن أبي طالب قال: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم عند الصفا، وهو مقبل على شخص في صورة الفيل، وهو يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: " هذا الشيطان الرجيم "، فقلت: والله
يا عدو اله لأقتلنك، ولأريحنّ الأمة منك، قال: ما هذا جزائي منك، قلت: وما جزاؤك مني يا عدو الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد قط إلا شاركت أباه في رحم أمه.
وعن طاووس قال: قلت لعلي بن حسين بن علي: ما بال قريش لا تحب عليّاً؟ فقال: لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار.
وعن أبي برزة قال: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله عهد إليّ في علي عهداً، فقلت: يا رب بيّنه لي، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ". فجاء علي فبشرته، فقال: يا رسول الله أنا عبد الله وفي قبضته، فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت: " اللهم اجل قلبه، واجعل ربيعه الإيمان "، فقال الله: " قد فعلت به ذلك "، ثم إنه رفع إليّ أن سيخصه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحداً من أصحابي، فقلت: " يا رب أخي وصاحبي "، فقال: " إن هذا شيء قد سبق، إنه مبتلىً ومبتلى به ".
وعن ابن عباس أنالنّبي صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى علي بن أبي طالب فقال:
" أنت سيّد في الدّنيا سيّد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك من بعدي ".
وعن علي قال: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي ذات يوم فقال: " من مات وهو يبغضك فهي ميتة جاهلية يحاسب بما عمل في الإسلام، ومن عاش بعدك وهو يحبك ختم اله له بالأمن والإيمان كلما طلعت شمس وغربت حتى يد عليّ الحوض ".
وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن فيك من عيسى مثلاً: أبغضته يهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى نزلوا بالمنزل الذي ليس به ".
ألا وإنه يهلك فيّ اثنان: محب مطرٍ يقرظني ما ليس فيّ، ومبغض يحمله سبابي على
أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيّه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ علكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم.
وفي حديث آخر: وما أمرتكم به أو غيري من معصية الله فلا طاعة في معصية لأحد، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف.
وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ غالٍ، ومبغضٍ قالٍ.
وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ مفرط، وعدو مبغض، فمن استطاع منكم ألا يكون واحداً منهما فليفعل.
وعن علي بن أبي طالب: ليحبّني أقوام، يدخلون بحبي الجنة، وليبغضني أقوام يدخلون ببغضي النار.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار ".
وعن عباية عن علي بن أبي طالب قال: أنا قسيم النار يوم القيامة: أقول خذي ذا وذري ذا.
وفي حديث آخر: أقول: هذا لي، وهذا لك.
قال ابو بكر بن عياش: قلت للأعمش: أنت تحدث عن موسى بن طريف عن عباية عن علي: أنا قسيم النار، قال: فقال: والله ما رويته إلا على جهة الاستهزاء، قال: قلت: حمله الناس عنك في الصحف، وتزعم أنك رويته على جهة الاستهزاء.
قال أبو معاوية: قلنا للأعمش: لا تحدث هذه الأحاديث، قال: تسألونني، فما أصنع؟ ربما سهوت، فإذا سألوني عن شيء من هذا سهوت فذكروني.
قال: وكنا يوماً عنده فجاء رجل فسأله عن حديث قسيم النار، قال: فتنحنحت. قال: فقال الأعمش: هؤلاء المرجئة لا يدعونني أحدث بفضائل علي، أخرجوهم من المسجد حتى أحدثكم.
قال بسّام الصّيرفي: قلت لجعفر: إن ناساً يزعمون أن عليّاً قسيم النار؛ فقال: أنا أكفر بهذا.
قال سلام: كان موسى يرى رأي أهل الشام، وكان يتحدث بهذا يتعجب به، ويسمع به.
قال موسى: وقد حدثني عباية بأعجب من هذا عن علي أنه قال: والله لأقتلن ثم لأبعثن، ثم لأقتلن وهي القتلة التي أموت فيها، فيضربني يهودي بأريحا يعني موضعاً بالشام بصخرة يقرع بها هامتي.
قال أحمد بن حنبل، وقد سأله رجل عن قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " علي قسيم النار "، فقال: هذا حديث يضطرب طريقه عن الأعمش؛ ولكن الحديث الذي ليس عليه لبس قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق "، وقال الله عزّ وجلّ: " إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار "، فمن أبغض علياً فهو في الدرك الأسفل من النار.
وعن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أوحى إليّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: إنه سيّد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اسكب لي ماءً أو وضوءاً "، ثم قام يصلي ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أول من يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد المسلمين: عليّ ".
وعن بريدة الأسلمي قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نسلم على علي بإمرة المؤمنين، ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم يومئذٍ.
أنكر هذا الحديث، وقال: فيه مجاهيل.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين ".
وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، أنت سيّد شباب أهل الجنة ".
وعن عائشة قالت:
كنت قاعدة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل عليّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، هذا سيّد العرب "، قالت: فقلت: يا رسول الله ألست أنت سيّد العرب؟ قال: " أنا سيّد ولد آدم، وهذا سيّد العرب ".
وعن عائشة قالت: أقبل علي بن أبي طالب يوماً فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذا سيّد المسلمين "، فقلت: ألست سيّد المسلمين يا رسول الله؟ قال: " أنا خاتم النّبيّين ورسول ربّ العالمين ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله أنت سيّد العرب؟ قال: " لا، أنا سيّد ولد آدم، وعي سيّد العرب، وإنه لأول من ينفض الغبار عن رأسه يوم القيامة قبلي علي ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني عصى الله، ومن أطاع علياً أطاعني ومن عصى علياً عصاني ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني ".
وعن عمار بن ياسر، وعن أبي أيوب قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حقّ عليّ على المسلمين حقّ الوالد على ولده ".
وعن أنس بن مالك قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى علي بن أبي طالب فقال: " أنا وهذا حجّة الله على خلقه ".
وعن عبد الله بن الحارث قال: قلت لعلي بن أبي طالب: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم، بينا أنا نائم عنده وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته قال: " يا علي، ما سألت الله عزّ وجلّ من الخير إلاّ سألت لك مثله، وما استغفرت الله من الشرّ إلاّ استغفرت لك مثله ".
وعن علي بن أبي طالب قال: مرضت مرّة مرضاً فعادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ وأنا مضطجع، فأتى إلى جنبي، ثم سجّاني بثوبه، فلما رآني قد ضعفت قام إلى المسجد يصلي، فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب عني، ثم قال: " قم يا علي، فقد برأت "، فقمت فكأني ما اشتكيت قبل ذلك، فقال: " ما سألت ربي شيئاً إلا أعطاني، وما سألت شيئًا لي إلا سألت لك ".
وعن علي قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّحر، وهو في مصلاه في بعض حجره، فقال: " يا عليّ، بتّ ليلتي هذه حيث ترى أصلي وأناجي ربي تعالى، فما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لك مثله، وما سألت من شيء إلى أعطاني، إلا أنه قيل لي: إنه لا نبيّ بعدي ".
وعن أسماء بنت عميس: أنها رمقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل يدعو لهما خاصة يعني عليّاً وفاطمة لا يشركهما بدعائه أحداً.
وعن علي قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان أجلاً فارفعني، وإن كان بلاء فصبّرني، قال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه فضربني برجله، فقال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه، فقال: " اللهم عافه أو اشفه "، فما اشتكيت ذلك الوجع بعد.
وعن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وغلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ".
وعن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ".
وعن جابر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ثلاثة ما كفروا بالله قطّ: مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون ".
وعن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلّيت يا علي؟ " قال: لا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيّك فاردد عليه الشمس ". قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
وعن جابر قال: لما أن كان يوم الطائف خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعلي، فناجاه طويلاً، وأبو بكر وعمر ينظران والناس، قال: ثم انصرف إلينا، فقال الناس: قد طالت مناجاتك اليوم يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه ".
وفي رواية:
فأطال مناجاته، فرأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم ... الحديث.
وعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صاحب سرّي عليّ بن أبي طالب ".
وعن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص قال: دخل عليّ بن أبي طالب على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده ناس، فخرجوا يقولون: ما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نخرج فدخلوا، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " ما أنا أدخلته وأخرجتكم، ولكن الله أدخله وأخرجكم ".
وعن سعيد بن جبير قال: ذكر عند ابن عباس عليّ بن أبي طالب فقال: إنكم تذكرون رجلاً كان يسمع وطء جبريل فوق بيته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له: الأسواف، ففرشت لرسول اله صلّى الله عليه وسلّم تحت صور لها مرشوش، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة "، قال: فلقد رأيته مطأطئاً رأسه من تحت الصّور، ثم يقول: " اللهم إن شئت جعلته عليّاً "، فجاء علي، ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاة، وصنعتها، فأكل وأكلنا، فلما حضرت الظهر قام فصلى وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا.
وعن سلمى قالت: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النخل، فقال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فسمعت حسّاً فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمرّ بحديقة فقال علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! قال: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، حتى مرّ بستّحدائق. وفي روايات أخر: بسبع حدائق كل ذلك يقول علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! فيردّ عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، ثمّ وضع النّبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له علي: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: " ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك حتى أفارق الدنيا ". فقال علي: فما أصنع يا رسول الله؟ قال: " تصبر "، قال: فإن لم أستطع؟ قال: " تلقى جهداً "، قال: ويسلم لي ديني؟ قال: " ويسلم لك دينك ".
وعن علي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، إن لك في الجنة كنزاً وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ".
قال داوود بن رشيد: حدثني أبي قال: كنت يوماً عند المهدي، فذكر علي بن أبي طالب، فقال المهدي: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أصحابه حافين به إذ دخل علي بن أبي طالب، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنك عبقريهم ".
قال المهدي: أي سيّدهم.
وعن عبد الله بن ظالم المازني قال: لقد خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة. قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: فغضب، فقام فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة، فأشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم؟ قال:
قلت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اثبت حراء فإنّك ليس عليك إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد ". قال: قلت: من هم؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزّبير وطلحة وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن مالك ". قال: وسكت قال: قلت: ومن العاشر؟ قال: " أنا ".
وعن ابن عباس قال: سمعت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد علي يقول: " هذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم بحلّته، ثم أنا بصفوتي، ثم علي بن أبي طالب يزفّ بيني وبين إبراهيم زفّاً إلى الجنة ".
وعن أبي سعيد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كسا ناساً من أصحابه، ولم يكس علياً، فكأنه رأى في وجه علي، فقال: " يا علي، أما ترضى أن تكسى إذا كسيت وتعطى إذا أعطيت؟ ".
وعن أبي رافع:
أن علياً دخل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مغضب، فشكا إليه بغض قريش له، وحسد الناس إياه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أما ترضى أن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ".
وعن علي قال: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد الناس لي، فقال: " يا علي، أما ترضى أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرارينا خلف أزواجنا وأشياعنا من ورائنا؟ ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة "، فقام إليه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: " أما أنا فعلى البراق، وجهها كوجه الإنسان، وخدها
كخدّ الفرس، وعرفها من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجدتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة تتقدان مثل النجمين المضيئين، لها شعاع مثل شعاع الشمس، بلقاء محجّلة تضيء مرة وتنمي أخرى، ينحدر من نحرها مثل الجمان، مضطربة في الحلق أذناها، ذنبها مثل ذنب البقرة، طويلة اليدين والرجلين، وأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجدّ في مسيرها تمرّ كالرّيح وهو مثل السّحابة، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار، ودون البغل ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، سيّد الشهداء على ناقتي ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محمل من ياقوت أحمر، قضبانه من الدّرّ الأبيض، على رأسه تاج من نور، لذلك التّاج سبعون ركناً، ما من ركن إلاّ وفيه ياقوتة حمراء تضيء للراكب المحث، عليه حلتان خضراوان، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتقول الخلائق: ما هذا إلاّ نبيّ مرسل أو ملك مقرّب، فينادي منادٍ من بطنان العرش: ليس هذا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول ربّ العالمين، وإما المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وفي حديث آخر: " وأمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين في جنات النعيم ".
وفي حديث آخر: " أمير المؤمنين وإمام التقين، وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنّات ربّ العالمين، أفلح من صدّقه، وخاب من كذّبه، ولو أنّ عابداً عبد الله بين الرّكن والمقام ألف عام وألف عام
حتى يكون كالشّنّ البالي لقي الله مبغضاً لآل محمد أكبّه الله على منخره في نار جهنم.
وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى فقال: ما عسى أن تقولوا في علي؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تؤتى يوم القيامة بناقة من نوق الجنة يا علي، فتركبها وركبتك مع ركبتي، وفخذك مع فخذي حتى تدخل الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى يا علي، إذا جمع الله الناس في صعيد واحد عراة حفاة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعى إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم ينجرّ مثعبٌ من الجنة إلى الحوض، حوض أعزب مما بين بصرى وصنعاء، وفيه آنية مثل عدد نجوم السماء، وقدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ ثم أكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى يا علي فتشرب، ثم توضأ، ثم تكسى ثوبين أبيضين، فتقوم عن يميني معي فر أدعى لخير إلا دعيت ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أعطاني ربي عزّ وجلّ في علي خصالاً في الدنيا وخصالاً في الآخرة، أعطاني به في الدنيا أنه صاحب لوائي عند كل شديدة وكريهة، وأعطاني به في الدنيا أنه غامضي وغاسلي ودافني، وأعطاني به في الدنيا أنه لن يرجع بعدي كافراً، وأعطاني به في الآخرة أنه صاحب لواء الحمد يقدمني به، وأعطاني به في الآخرة أنه متكئي في طول الجسر يوم القيامة، وأعطاني به أنه عون لي على حمل مفاتيح الجنة ".
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
" أعطيت في علي خمس خصال لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما خصلة منها: فإنه يقضي ديني، ويواري عورتي. وأما الثانية: فإنه الذائد عن حوضي. وأما الثالثة: فإنه متكئي في طريق الجسر يوم القيامة. وأما الرابعة: فإن لوائي معه يوم القيامة، وتحته آدم وما ولد. وأما الخامسة: فإني لا أخشى أن يكون زانياً بعد إحصان، ولا كافراً بعد إيمان ".
وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنت وشيعتك في الجنة ".
حدث أبو محمد القاسم بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إذا كان يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم، لباسهم النور على نجائب من نور، أزمّتها يواقيت حمر، تزفهم الملائكة إلى المحشر "، فقال علي: تبارك الله ما أكرم هؤلاء على الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، هم أهل ولايتك وشيعتك ومحبوك، يحبونك بحبي، ويحبونني بحبّ الله، هم الفائزون يوم القيامة ".
وعن علي قال: قال لي سلمان: قلّما طلعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه إلاّ ضرب بين كتفي، فقال: " يا سلمان هذا وحزبه المفلحون ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عن يمين العرش كراسي من نور، عليها أقوام تلألؤ وجوههم نورٌ، فقال أبو بكر: أنا منهم يا نبي الله؟ قال: " أنت على خير "، قال: فقال عمر: يا نبي الله أنا منهم. فقال مثل ذلك، " ولكنهم قوم تحابوا من أجلي وهم هذا وشيعته "، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب.
وعن أم سلمة قالت: كانت ليلتي، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندي، فغدت عليه فاطمة ومعها علي، فرفع غليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه، وقال: " أبشر يا علي: أنت وأصحابك في الجنة، أبشر يا علي: أنت وشيعتك في الجنة، إلا أنّ ممن يزعم أنه يحبك قوماً يرفضون الإسلام، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم يقولها ثلاثاً لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، إن أنت أدركتهم فجاهدهم، فإنهم مشركون ". قال: يا رسول الله، فما العلامة فيهم؟ قال: " لا يحضرون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ياعلي، أنت وشيعتك في الجنة، وإن قوماً لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فإن لقيتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون "، فقال علي: ينتحلون حبّنا أهل البيت، وليسوا كذلك، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر.
وعن أبي الحمراء خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمداً رسول الله صفوتي من خلقي، أيدته بعلي ونصرته ".
وعن أم عطية قالت: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً فيهم علي بن أبي طالب، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو رافعاً يديه يقول: " اللهم لا تمتني حتى تريني علي بن أبي طالب ".
وعن علي قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من يستقي لنا من الماء؟ " فأحجم الناس، فقام علي فاحتضن قربة، ثم أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها، فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل وإسرافيل: اهبطوا لنصر محمد وحزبه، ففصلوا من السماء، لهم لغط يذعر من سمعه، فلما جاؤوا بالبئر سلموا عليه من عند آخرهم إكراماً وتبجيلاً.
وعن سلمان الفارسي قال:
كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجده في يوم مطير ذي سحائب ورياح، ونحن ملتفون حوله، فسمعنا صوتاً لا نرى شخصه وهوي قول: السلام عليك يا رسول الله، فردّ عليه السلام، وقال: " ردوا على أخيكم السلام "، قال: فرددنا عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أنت؟ " قال: أنا عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، أتيتك يا رسول الله مسلماً، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بك يا عرفطة، اظهر لنا رحمك الله في صورتك "، قال سلمان: فظهر لنا شيخ أزب أشعر قد لبس وجهه شعراً غليظاً متكاثفاً قد واراه، وإذا عيناه مشقوقتان طولاً، وله فم في صدره، فيه أنياب بادية طوال، وإذا له في موضع الأظفار من يديه مخالب كمخالب السباع، فلما رأيناه اقشعرت جلودنا، ودنونا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو جماعة قومي إلى الإسلام، وأنا أرده إليك سالماً إن شاء الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه " أيكم يقوم معه فيبلغ الجنّ عني، وله عليّ الجنة؟ " فما قام أحد. وقال الثانية والثالثة فما قام أحد، فقال علي: أنا يا رسول الله، فالتفت النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الشيخ فقال: " وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلاً يفصل بحكمي وينطق بلساني، ويبلغ الجنّ عني ".
قال سلمان: فغاب الشيخ وأقمنا يوماً، فلما صلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة، وانصرف الناس من مسجده قال: " يا سلمان سر معي "، فخرجت معه وعلي بين يديه حتى أتيت الحرة، فإذا الشيخ على بعير كالشاة، وإذا بعير آخر على ارتفاع الفرس، فحمل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً، وحملني خلفه، وشدّ وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصب عيني، وقال: " يا سلمان، لا تفتحن عينيك حتى تسمع عليّاً يؤذن، ولا يرعك ما تسمع، فإنك آمن إن شاء الله "، ثم أوصى علياً بما أحبّ أن يوصيه، ثم قال: " سيروا ولا قوة إلا بالله ".
فثار البعير، ثم دفع سائراً يدف كدفيف النعام، وعلي يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي وأناخ البعير، وقال: انزل بان الفجر أقام عليٌّ الصلاة، وتقدم وصلى بنا أنا والشيخ، ولا أزال أسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت فإذا خلق عظيم لا يسمعهم إلا الخطيب الصّيت الجهير، فأقام علي يسبح ربّه حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيباً، فخطبهم، واعترضه منهم مردة، فأقبل عليٌّ عليهم فقال: أبالحقّ تكذبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات الله تجحدون؟ ثم رفع طرفه إلى السماء، فقال: بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى، والحي القيوم محيي الموتى، وربّ الأرض والسماء، يا حرسة الجن ورصدة الشياطين خدام الله الشراهاليين ذوي الأرواح الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل، ب: " ألمص "، و" الذاريات "، و" كهيعص "، و" الطواسين "، و" يس "، و" ن والقلم وما يسطرون "، و" النجم إذا هوى "، و" الطور وكتاب مسطور في رقّ منشور والبيت المعمور "، والأقسام والأحكام وتواضع النجوم، لمّا أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولعين المتكبرين الجاحدين لآيات ربّ العالمين.
قال سلمان: فحسست بالأرض من تحتي ترتعد، وسمعت في الهواء دوياً شديداً، ثم نزلت نار من السماء، صعق لها كل من رآها من الجن، وخرت على وجوهها مغشياً عليها، وخررت أنا على وجهي، ثم أفقت فإذا دخان يفور من الأرض يحول بيني وبين النظر إلى عتية المردة من الجن، فأقام الدخان طويلاً بالأرض.
قال سلمان: فصاح بهم علي: ارفعوا رؤوسكم، فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى خطبيته، فقال: يا معشر الجن والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح، وسكان الآجام والرمال والأقفار وجميع شياطين البلدان: اعلموا أن الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملوءة جوراً، هذا هو الحق. " فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنى تصرفون ".
قال سلمان: فعجبت الجنّ لعلمه، وانقادوا مذعنين له، وقالوا: آمنا بالله وبرسوله وبرسول رسوله، لم تكذب وأنت الصادق المصدّق.
قال سلمان: وانصرفنا في الليل على البعير الذي كنا عليه، وشدّ علي وسطي إلى وسطه، وقال: اعصب عينيك، واذكر الله في نفسك، وسرنا يدف بنا البعير دفيفاً، والشيخ الذي قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمامنا حتى قدمنا الحرة، وذلك قبل طلوع الفجر.
فنزل علي، ونزلت، وسرّح البعير فمضى، ودخلنا المدينة فصلينا الغداة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما سلم رآنا فقال لعلي: " كيف رأيت القوم؟ " قال: أجابوا وأذعنوا، وقصّ عليه خبرهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنهم لا يزالون لك هايبين إلى يوم القيامة ".
حدث مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: كان علي بن أبي طالب حذراً في الحرب جداً، شديد الزوغان من قرنه، إذا حمل يحفظ جوانبه جميعاً من العدو، وإذا رجع من حملته يكون لظهره أشدّ تحفظاً منه لقدامه، ولا يكاد أحد يتمكن منه، فكانت درعه صدرة لا ظهر لها، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.
وعن رقبة بن مصقلة العبدي عن أبيه عن جده قال: أتى رجلان عمر بن الخطاب في ولايته يسألانه عن طلاق الأمة، فقام معتمداً يمشي بينهما حتى أتى حلقة في المسجد، وفيها رجل أصلع، فوقف عليه فقال: يا أصلع: ما قولك في طلاق الأمة؟ فرفع رأسه إليه، ثم أومأ إليه بإصبعيه، فقال عمر للرجلين: تطليقتان، فقال أحدهما: سبحان الله جئنا لنسألك وأنت أمير المؤمنين، فمشيت معنا حتى وقفت على الرجل فسألته فرضيت منه بأن أومأ إليك؟ فقال: أو تدريان من هذا؟ قالا: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب، أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسمعته وهو يقول: " لو أن السماوات السبع وضعن في كفة ميزان، ووضع إيمان علي في كفة ميزان، لرجح بها إيمان عليّ ".
وعن ربعي بن حراش قال: سمعت علياً عليه السلام يقولك وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّداً فارددهم علينا، فقال له أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب أعناقكم وفي حديث بدر: رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم "، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال له عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل، وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ".
والله أعلم.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف فحاصرهم سبع عشرة ليلة أو ثمان عشرة فلم يفتحها، ثم أوغل.
علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في منتصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.
عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف، فحاصرهم سبع عشرة ليلة، أو ثمان عشرة، فلم يفتحها، ثم أوغل غدوة، أو روحة، ثم نزل، ثم هجّر، فقال: " أيها الناس، إني لكم فرط، وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً مني، أو كنفسي فليضربنّ أعناق مقاتلتهم، وليسبينّ ذراريهم "، قال: فرأى الناس أنه أبو بكر وعمر، فأخذ بيد علي، فقال: " هذا ".
وعن الراء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي من بمنزلة رأسي من يدي ".
وعن حبشيّ بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو ".
وعن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر على الموسم، وبعث معه بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي بن أبي طالب في الطريق فأخذ علي السورة والكلمات، فكان علي يبلغ، وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس
مسلمة، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله إلى مدته، حتى قال رجل: لولا أن يقطع الذي بيننا وبين ابن عمك من الحلف، فقال علي: لولا أن رسول الله أن أمرني أن لا أحدث شيئاً حتى آتيه لقتلتك. فلما رجع قال أبو بكر: مالي؟ هل نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خير ". قال: وماذا؟ قال: إن علياً لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات، فقال: " أجل. لم يكن يبلّغها إلا أنا، أو رجل مني ".
وفي حديث آخر عن أبي بكر رضي الله عنه: ثم قال لعلي: " الحقه، فردّ عليّ أبا بكر، وبلّغها أنت ". وفي آخره: " ولكن أمرت ألا يبلغه إلا أنا أو رجل مني ".
وعن علي قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: " أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم "، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ".
وعن علي عليه السلام حين بعثن ببراءة قال: يا نبي الله، إني لست باللّسن ولا بالخطيب، قال: " ما بدّ من أن أذهب بها، أو تذهب بها أنت "، قال: فإن كان لابد فأذهب بها أنا، قال: " فانطلق فإن الله عزّ وجلّ يثبّت لسانك، ويهدي قلبك "، قال: ثم وضع يده على فيه وقال: " انطلق فاقرأها على الناس ". وقال: " إن الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لواحد حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحقّ ".
وعن جميع بن عمير عن ابن عمر قال: كان في مسجد المدينة، فقلت له: حدثني عن علي، فأراني مسكنه بين مساكن
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أحدثك عن علي؟ قال: قلت: نعم، قال فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر بالكتاب، ثم بعث علياً في أثره، فقال: ما لي يا علي؟ أنزل فيّ شيء؟ قال: لا قال: فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا ولكنه، إنما يؤدّي عني أنا أو رجل من أهل بيتي، وإن علياً رجل من أهل بيتي ".
وعن ابن عباس قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب في بعض طرق المدينة، يده في يدي إذ قال لي: يا بن عباس، ما أحسب صاحبك إلا مظلوماً. فقلت: فردّ إليه ظلامته يا أمير المؤمنين، قال: فانتزع يده من يدي، وتقدّمني يهمهم، ثم وقف حتى لحقته، فقال لي: يا بن عباس، ما أحسب القوم إلا استصغروا صاحبك، قال: قلت: والله ما استصغره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أرسله، وأمره أن يأخذ براءةً من أبي بكر، فيقرؤها على الناس، فسكت.
وعن عائشة قالت: رأيت أبا بكر الصديق يكثر النظر إلى وجه علي بن أبي طالب فقلت: يا أبه، إنك لتكثر النظر إلى علي بن أبي طالب فقال لي: يا بنيّة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى وجه علي عبادة ".
وعن يونس مولى الرشيد قال: كنت واقفاً على راس المأمون وعنده يحيى بن أكثم القاضي، فذكروا علياً وفضله، فقال المأمون: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن عباس يقول: رجع عثمان إلى علي فسأله المصير إليه، فصار إليه، فجعل يحدّ النظر إليه، فقال له علي: مالك يا عثمان مالك تحدّ النظر إليّ؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى علي عبادة ".
وروي عن عمران بن حصين وعن جابر بن عبد الله وعن أنس بن مالك وغيرهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " النظر إلى علي عبادة ".
وعن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل علي فيكم أو قال: في هذه الأمة كمثل الكعبة المسوّرة، النظر إليها عبادة، والحج إليها فريضة ".
قال أبو سليمان الخطابي:
معناه والله أعلم أن النظر إلى وجهه يدعو إلى ذكر الله لما يتوهم فيه من نور الإسلام، يرى عليه من بهجة الإيمان، ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيماء الخشوع، وبذلك نعته الله تعالى فيمن معه من صحابة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " وهذه كما يروى لابن سيرين أنه دخل السوق، فلما نظر إليه وقد جهدته العبادة ونهكته سبحوا.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ذكر علي عبادة ".
وعن سلمة قال: تصدق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون ".
وعن علي عليه السلام قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهو راكعون " فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد، والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا، إلا هذاك الراكع لعليّ أعطاني خاتمه.
وعن أنس أنه قال: قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران فقال له العباس: أنا أشرف منك؛ أنا
عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه وساقي الحجيج، فقال شيبة: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فهما على ذلك يتشاجران حتى أشرف عليها علي، فقال له العباس: على رسلك يا بن أخ، فوقف علي عليه السلام، فقال له العباس: إن شيبة فاخرني، فزعم أنه أشرف مني، فقال: فما قلت له أنت يا عماه؟ قال: قلت له: أنا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه، وساقي الحجيج. أنا أشرف منك، فقال لشيبة: ماذا قلت له أنت يا شيبة؟ قال: قلت له: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك الله عليه كما ائتمنني؟ قال: فقال لهما: اجعلا لي معكما مفخراً. قالا: نعم. قال: فأنا أشرف منكما: أنا أول من آمن بالوعيد من ذكور هذه الأمة، وهاجر، وجاهد. فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجثوا بين يديه، فأخبر كل واحد منهم بمفخره، فما أجابهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بشيء، فانصرفوا عنه، فنزل عليه الوحي بعد أيام فيهم، فأرسل إليهم ثلاثتهم حتى أتوه، فقرأ عليهم: " أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر " إلى آخر العشر. قرأه أبو معمر.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: " الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانية " قال: نزلت في علي بن أبي طالب: كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحداً، وبالنهار واحداً، وفي السرّ واحداً، وفي العلانية واحداً.
وعن ابن عباس قال: لما نزلت: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنا المنذر، وعي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون ".
وعن مجاهد في قوله عزّ وجلّ: " والّذي جاء بالصّدق وصدّق به " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "
وصدّق به ": علي بن أبي طالب، وفي قوله تعالى: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال: " علي بن أبي طالب ".
وعن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا الله وحدي، لا شريك لي، ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعليّ. وذلك قوله في كتابه " هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين " عليّ وحده.
وعن عبد الله أنه كان يقرأ " وكفى الله المؤمنين القتال " بعلي بن أبي طالب.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي على بيّنة من ربه، وأنا الشاهد منه.
وعن أبي سعيد الخدري في قوله: " ولتعرفنّهم في لحن القول " قال: ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن أبي جعفر في قوله: " يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين " قال: مع علي بن أبي طالب.
وعن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: " إنّ الله أمرين أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي "، فنزلت: " وتعيها أذنٌ واعيةٌ ".
وعن ابن عباس في قوله عز وجل: " وصالح المؤمنين " قال: علي بن أبي طالب.
وعن حذيفة قال: دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:
" كيف انتم إذا اختصم السلطان والقرآن؟ " فقلنا: وأنى يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: " إذا قالوا: القرآن مخلوق، برئ الله منهم، وأنا منهم بريء، وصالح المؤمنين ". قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " وصالح المؤمنين: علي بن أبي طالب ".
وعن ابن عباس: " قل بفضل الله ": النبي صلّى الله عليه وسلّم " وبرحمته ": عليّ رضي الله عنه.
وعن ابن عباس قال: ما نزل القرآن " يا أيّها الّذين آمنوا " إلا عليٌّ سيّدها وشريفها وأميرها، وما أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قد عاتبه الله في القرآن ما خلا عليّ بن أبي طالب، فإنه لم يعاتبه في شيء منه.
وفي حديث آخر: وما ذكر علياً إلا بخير.
وعن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله مانزل في عليّ.
وعنه قال: نزلت في عليّ ثلاث مئة آية.
وعن انس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً في المسجد، وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل عليّ، فسلم ثم وقف ينظر مكاناً يجلس فيه، فنظر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى وجوه أصحابه أيّهم يوسع له، وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً، فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال: هاهنا يا أبا الحسن، فجلس بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أبي بكر، فرأينا السرور في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم
أقل على أبي بكر فقال: " يا أبا بكر، إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل ".
وعن شراحيل بن مرّة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " أبشر يا علين حياتك وموتك معي ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا وهذا يعني: علياً نجيء يوم القيامة كهاتين "، وجمع بين أصبعيه السّبابتين.
وعن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متورّكة الحسن والحسين، في يدها برمة للحسن وقال ابن حمدان: للحسين فيها سخين، حتى أتت بها النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما وضعتها قدامه قال لها: " أين أبو الحسن؟ " قالت: في البيت، فدعاه قال ابن حمدان: فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون قالت أم سلمة: وما سامني إليّ وقال ابن المقرئ: فدعاه فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم اتفقا وما أكل طعاماً قط وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم تعني بسامني: دعاني إليه فلما فرغ التفّ عليهم وقال ابن حمدان: عليه بثوبه ثم قال: " اللهم، عاد من عاداهم ووال من والاهم ".
وعن البراء بن عازب قال: جاء علي رضي الله عنه وقاطمة والحسن والحسين إلى باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال بردائه وطرحه عليهم ثم قال: " اللهم، هؤلاء عترتي ".
وعن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبا هريرة يقول: جئت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه تمر، فسلمت عليه فرد علي وناولني من التمر ملء كفه، فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، ثم مضيت من عنده إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمر، فسلمت عليه، فردّ عليّ وضحك إليّ وناولني من التمر ملء كفه فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، فكثر تعجبي من ذلك، فرحت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت:
يا رسول الله، جئتك وبين يديك تمر، فناولتني ملء كفك، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة، ثم مضيت إلى علي بن أبي طالب، وبين يديه تمر، فناولني ملء كفه، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة فعجبت من ذلك، فتبسم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: " يا أبا هريرة، أوما علمت أن يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء؟ ".
وعن حبشيّ بن جنادة قال:
كنت جالساص عند أبي بكر فقال: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليقم، فقام رجل فقال: يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعدني ثلاث حثيات من تمر، قال: فقال: أرسلوا إلى علي، فقال: يا أبا الحسن، إن هذا يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعده أن يحثي له ثلاث حثيات من تمر فاحثها له، قال: فحثاها، فقال أبو بكر عدّوها فعدّوها، فوجدوه في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الأخرى، قال: فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة، ونحن خارجان من الغار نريد المدينة، " كفّي وكفّ علي في العدل سواء ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله طهر قوماً من الذنوب بالصّلعة في رؤوسهم، وإن علياً لأولهم ".
وعن أبي الدرداء قال: لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل إلى اليمن خطبهم، فإذا هم صلع كلهم، فقال: ما لي أراكم صلعاً كلكم؟ قالوا: خلقنا ربنا، قال: أفلا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: وددنا، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ن الله تبارك وتعالى طهر قوماً من الذنوب فأصلع رؤوسهم، وإن علي بن أبي طالب أولهم ".
وعن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بسيد المسلمين، وإما المتقين "، فقيل لعلي: فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله على ما أتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني فيما أعطاني.
وعن علي بن أبي طالب قال: جلست مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " يا أبا حسن، أيها أحبّ إليك: خمس مئة شاة ورعاتها أهبها لك، أو خمس كلمات أعلمكهن تدعو بهن؟ " فقلت له: بأبي أنت وأمي، أما من يريد الدنيا فيريد خمس مئة شاة ورعاتها، وأما من يريد الآخرة فيريد خمس كلمات، قال: فأيّها تريد؟ قلت الخمس كلمات، قال: " فقل: اللهم، اغفر لي ذنبي، وطيّب لي كسبي، ووسّع لي في خلقي، وقنّعني بما قسمت لي، ولا تذهب بنفسي إلى شيء قد صرفته عني ".
وعن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " قد أتاكم أخي "، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: " والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة "، ثم قال: " إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزيّة ". قال: ونزلت: " إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة " قال: فكان أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البريّة.
وعن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي خير البرية ".
وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي خير البشر، من أبى فقد كفر ".
قال الخطيب: لم يرو هذا الحديث عن شريك بن عبد الله غير الحرّ بن سعيد، والمحفوظ عن شريك ما رواه أبو داود الدهان قال: سمعت شريك بن عبد الله يقول: " عليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر ".
وعن عطية العوفي قال: قلت لجابر: كيف كان منزلة علي فيكم؟ قال: كان خير البشر.
وعن جابر قال: عليّ خير البشر، لا يشك فيه إلا منافق.
وعن جابر قال: سئل عن علي فقال: ذاك خير البرية، لا يبغضه إلا كافر.
وعن عطية العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقلنا له: أخبرنا عن عليّ، قال: فرفع حاجبيه بيديه ثم قال: ذاك من خير البشر.
زاد في رواية: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً.
وعن عطاء قال: سألت عائشة عن علي رضي الله عنهم، فقالت: ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر.
وعن ابن عباس قال:
بلغ علي بن أبي طالب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوعٌ، فأقام رجلاً من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة ثم أتى بهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، بلغني ما بك من الشدة، فأتيت رجلاً من اليهود، فاستقيت له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فعلت هذا حباً لله ورسوله؟ " قال: نعم، قال: " فأعد البلاء تجفافاً "، يعني: الصبر.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار.
وفي رواية: وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفاً.
وفي رواية: وإن صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار.
وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته.
وعن علي قال: لقد تزوجت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومالي فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار. ومالي خادم غيرها.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان لعلي أحسبه قال: من النبي صلّى الله عليه وسلّم مدخل لم يكن لأحد من الناس، أو كما قال.
وعن أبي البختريّ قال: قيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
وعن علي قال: كنت إذا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني.
وقيل لعلي: مالك أكثر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الجنة، وأنت بابها يا عليّ، كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها ".
وفي حديث آخر عن عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا دار الحكمة، وعليّ بابها ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة ".
وعن حبيب بن النعمان قال: أتيت المدينة لأجاور بها، فسألت عن خير أهلها، فأشاروا إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: فأتيته، فسلمت عليه، فقال لي: أنت الأعرابي الذي سمعت من أنس بن مالك خمس عشر حديثاً؟ قلت: نعم، قال: فأملها علي قال: فأملتيها على ابنه وهو يسمع، فقلت: ألا تحدثني بحديث عن جدك أخبرك به أبوك؟ قال: يا أعرابي، تريد أن يبغضك الناس، وتنسب إلى الرفض؟ قال: قلت: لا، قال: حدثني أبي عن جدي، حدثني جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر سيدا أهل الجنة "، قال: فعجلت، فعرف الذي أردته، قال: وحدثني أبي عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الحكم أو الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ".
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، وهو آخذ بيد علي وهو يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله يمدّ بها صوته أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها. فهل يخرج من الطيّب إلا الطيّب؟ وأنا مدينة، عليٌّ بابها، فمن أرادها فليأت الباب ".
وعن عبد الله قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فسئل عن علي فقال: " قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءاً واحداً ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي عيبة علمي ".
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّ علياً بالعلم غرّاً.
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه: " ادعوا لي أخي "، فدعي له عثمان، فأعرض عنه ثم قال: " ادعوا لي أخي "، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب، وانكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، يفتح كل باب ألف باب.
طعن في هذا الحديث قوم.
وعن علي بن أبي طالب قال:
كنت أدخل على رسول الله ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني، وإن سكت ابتدأني، وما نزلت آية إلا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي ألاّ أنسى شيئاً علمني إياه، فما نسيت من حرام ولا حلال، وأمرٍ ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده على صدري وقال: " اللهم، املأ قلبه علماً، وفهماً، وحكماً، ونوراً "، ثم قال لي: " أخبرني ربي عزّ وجلّ أنه قد استجاب لي فيك ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، اسكب لي وضوءاً "، ثم قام، فصلى ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين ". قال أنس: قلت: اللهم، اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء علي فقال: " من هذا يا أنس؟ " فقلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه، فقال: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً
ما صنعت بي قبل قال: " وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟ ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أنت تغسلني، وتواريني في لحدي، وتبين لهم بعدي ".
وفي رواية: " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ".
وعن حذيفة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " جعلتك علماً فيما بيني وبين أمتي، فمن لم يتبعك فقد كفر ".
قال: في هذا الحديث مجاهيل.
وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعملني على اليمن، فقلت له: يا رسول الله، إني شاب حدث السن، ولا علم لي بالقضاء، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدري مرتين أو قال: ثلاثاً وهو يقول: " اللهم، اهد قلبه، وثبّت لسانه "، فكأنما كل علم عندي، وحشي قلبي علماً وفقهاً، فما شككت في قضاءين اثنين.
وعن علي قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضياً، فقلت: " تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري، وقال: ثبّتك الله وسدّدك، إذا جاءك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر، فإنه أجدر أن يبين لك القضاء ". قال: فما زلت قاضياً.
وعن ابن عباس قال: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علياً إلى اليمن فقال: " علمهم الشرائع، واقض بينهم "، قال: لا علم لي بالقضاء، قال: فدفع في صدره وقال: " اللهم، اهده القضاء "، فنهدهم عن الدّباء، والحنتم، والمزفت.
وعن علي قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " قل: ربي الله ثم استقم ". قال: قلت: ربي الله، وما توفيقي إلا بالله، قال: " هنيئاً لك العلم أبا حسن، فقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً ".
وعن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره.
وعن بريدة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لكل نبي وصيّ ووارث، وإن علياً وصيّي ووارثي ".
وعن ابن عباس قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا انقض كوكب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من انقضّ هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدي "، فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي، قالوا: يا رسول الله، قد غويت في حبّ علي، فأنزل الله تعالى: " والنّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى " إلى قوله: " وهو بالأفق الأعلى ".
أنكر هذا الحديث قوم.
قال أبو إسحاق: قيل لقثم: بأي شيء ورث علي النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: كان أوّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً، فقلت: فإيش معنى ورث علي؟ قال: لا أدري، إلا أن عيسى بن يونس حدث وذكر حديث مجالد بن سعيد: المراد بالميراث هاهنا: العلم، بدليل أن العباس أقرب منه قرابة، غير أن علياً كان ألزم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأقدم له صحابة.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيتها لما حضره الموت:
" ادعوا لي حبيبي "، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي
حبيبي "، فدعوا له عمر. فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي حبيبي "، فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه افرد الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه.
تفرد به مسلم.
وعن جميع بن عمير أن أمه وخالتاه دخلتا على عائشة، فقالتا: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن علي، قالت: أي شيء تسألن، عن رجل وضع يده من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موضعاً فسالت نفسه في يده، فمسح بها وجهه، واختلفوا في دفنه فقال: إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيّه، قالت: فلم خرجت عليه؟ قالت: أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض.
وعن أم سلمة أنها قالت: والذي تحلف به أم سلمة إن كان أقرب الناس عهداً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ، فقالت: لما كانت غداة قبض، فأرسل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أرى في حاجة بعثه لها. قالت: فجعل غداةً بعد غداة يقول: " جاء علي؟ " ثلاث مرات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس. فلما أن جاء عرفنا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ في بيت عائشة، قالت: فكنت آخر من خرج من البيت ثم جلست أدناهن من الباب، فأكبّ عليه علي، فكان آخر الناس به عهداً، وجعل يسارّه ويناجيه.
قال: والمراد بالوصية أنه أمره أن يقضي عنه ديونه. فقد روي عن سلامة بن سهم التيمي قال: كنا في رحبة علي، والناس فيها حلق على مثل هذه السّبابة ففشا في الناس أن هذه وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغه، فوثب مغضباً فقال: الله الله أن تفتروا على نبيكم ثلاث مرات أأسرّ إليّ شيئاً دونكم ثم أخرجها، فإذا فيها آية من كتاب الله أو شيء من الفقه وقال: يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط، ومبغض مفرط.
وفي الحديث الصحيح ما روي عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجارحات فقد كذب، قال: فيها: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "
المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ".
وعن عبد الله بن يحيى قال: سمعت علياً على المنبر يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إليّ، وإني لعلى بيّنة من ربي بيّنها لنبيّه عليه السلام، فبيّنها لي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً.
وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: خطب علي بن أبي طالب في عامة فقال: أيها الناس، إن العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإني أوشك أن تفقدوني، فسلوني، فلن تسلوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها، وفيم أنزلت، وإنكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدثكم.
وفي حديث بمعناه: فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها.
وعن علي قال: كان لي لسان سؤول، قلب عقول، وما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وبم نزلت، وعلى من نزلت. وإن الدنيا يعطيها الله من أحبّ، ومن أبغض، وإن الإيمان لا يعطيه الله إلا من أحب.
وعن أبي الطفيل قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليلٍ نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.
وعن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم اقسم عليٌّ ألاّ يرتدي برداء إلا لجمعة، حتى يجعل القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله، إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع.
وفي حديث بمعناه قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. قال ابن عوف: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فم يعرفه.
وعن ابن شبرمة قال: ما كان أحد يقول على المنبر: سلوني ما بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب.
وعن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي على منبر الكوفة فقال: أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فبين الجنبين مني علم جمّ.
وعن خالد بن عرعرة قال:
أتيت الرحبة فإذا بنفر جلوس قريب من ثلاثين أو أربعين رجلاً، فقعدت فيهم، فخرج علينا عليّ، فما رأيته أنكر أحداً من القوم غيري فقال: ألا رجل يسألني فينتفع وينفع نفسه؟ وعن عبد الله بن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن.
وعن عبد الله بن مسعود قال: ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطايا، قال: فقال له رجل: فأين أنت عن علي؟ قال: به بدأت، إني قرأت عليه.
سأل ابن الكوا علياً عليه السلام: أيّ الخلق أشد، فقال أشد خلق ربك عشرة: الجبال الرواسي، والحديد تنحت به
الجبال، والنار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يعني: يحمل الماء والريح تقلّ السحاب، والإنسان يغلب الريح، يبعثها بيده، ويذهب لحاجته، السكر يغلب الإنسان، والنوم يغلب السكر، والهمّ يغلب النوم، فأشد خلق ربك الهمّ.
وعن ابن مسعود قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعين سورة، وختمتالقرآن على خير الناس بعده، فقيل له: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحداً أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب.
وعنه قال: ما رأيت قرشياً قط أقرأ من علي بن أبي طالب، صلى بنا الفجر فقرأ بسورة، وترك آية. فلما ركع، ورفع رأسه من السجدتين ابتدأ بالآية التي تركها ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ سورة أخرى.
وعن ابن عباس قال: خطبنا عمر على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علي أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنّا لندع من قول أبيّ أشياء. إن أبيّاً سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي يقول: لا أدع ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد نزل بعد أبيّ كتاب.
وفي رواية: وإنا لندع كثيراً من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أدعه لشيء، والله يقول: " ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها " وعن عطاء قال: كان عمر يقول: عليّ أقضانا للقضاء، وأبيّ أقرأنا للقرآن.
وعن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: أفرض أهل المدينة، وأقضاها علي بن أبي طالب.
وعن الشعبي قال: ليس منهم أحد أقوى قولاً في الفرائض من علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع عمر يقول لعلي وسأله عن شيء فأجابه، فقال له عمر: نعوذ بالله من أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.
وعن سعيد بن المسيّب قال: قال عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن؛ علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فلما دخل الطواف استلم الحجر وقبّله، وقال: إني لأعلم أنّك حجر، لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك، قال: ثم مضى في الطواف، فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، إنه ليضرّ وينفع، فقال له عمر: بم قلت ذلك؟ قال: بكتاب الله، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قول الله عزذ وجلّ: " وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى " قال: لما خلق الله آدم عليه السلام مسح منكبه، فخرج ذرّيته مثل الذرّ، فعرّفهم بنفسه أنه الرّب، وأنهم العبيد، وأقرّوا بذلك على أنفسهم، وأخذ ميثاقهم بذلك، فكتبه في رقّ أبيض، قال: وكان هذا الركن الأسود يومئذ له لسان وشفتان وعينان، فقال له: افتح فاك، فألقمه ذلك الرقّ، وجعله في موضعه، وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة إلى يوم القيامة، قال: فقال عمر بن الخطاب: لا بقيت في قوم لست فيهم يا أبا حسن، أو قال: لا عشت في قوم لست فيهم أبا حسن.
وعن ابن عباس قال: قسّم علم الناس خمس أجزاء، فكان لعلي منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزء، وشاركهم عليّ في الجزء، فكان أعلم به منهم.
وعن ابن عباس قال: إنا إذا ثبت لنا الشي عن علي لن نعدل به إلى غيره.
وعنه أنه قال: إذا بلغنا شيء تكلم به علي من فتيا أو قضاء وثبت لم نجاوزه إلى غيره.
وعن جسرة قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسّنّة.
وعن عائشة قالت: علي أعلم الناس بالسّنّة.
وعن عبيدة قال:
صحبت عبد الله سنة ثم صحبت علياً، فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر على الأعرابي.
وعن أبي سعيد قال: كان علي يأتي السوق فيقول: يا أهل السوق، اتقوا الله، وإياكم والحلف فإن الحلف ينفق السلعة، ويمحق البركة، وإن التاجر فاجر إلا من أخذ الحق، وأعطى الحق، والسلام عليكم. ثم يمكث الأيام ثم يأتي السوق فيقولون: قد جاء البوذشكب، فسأل سرّيته فقالت: يقولون: عظيم البطن، فقال: أسفله طعام، وأعلاه علم.
وعن مسروق قال: شاممت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر، وعلي،
وعبد الله، وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت. ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين: إلى عليّ وعبد الله.
وعن مسروق قال: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدارداء. فإذا التقوا ساءل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهم.
وعن الشعبي أن عمرو بن مسعود وزيد بن ثابت كان يناظر بعضهم بعضاً، ويتعلم بعضهم من بعض، وكان علي وأبي وأبو موسى يأخذ بعضهم من بعض.
وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا والله، ما أعلمه.
وعن عامر أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ما تقول في علي؟ قال: " قديمةٌ هجرته، حسن سمته، وحسنٌ بلاؤه، كريمٌ حسبه "، قال: يا رسول الله، إني لست عن ذلك أسأل، ولكنه خطب إليّ ابنتي فأحببت أن أعلم ما يبلغ ذلك من مسرّتك ومساءتك، قال: فقال: " إن فاطمة بضعة مني، فأحب ما سرّها، وأكره ما ساءها "، قال: والذي بعثك بالحق لا أنكح علياً ما دامت فاطمة حيّة.
قال الشعبي: بينا أبو بكر جالس إذ طالع علي بن أبي طالب من بعيد. فلما رآه قال أبو بكر: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة، وأقربهم قرابة، وأفضلهم دالّة وأعظمهم غناء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلينظر إلى هذا الطالع.
قال معقل بن يسار المزني: سمعت أبا بكر الصديق يقول لعلي بن أبي طالب: عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن خيثمة قال: كان نفر عند سعد، قال: فذكروا علياً، فنالوا منه، فقال سعد: مهلاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا نزلت: " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " فأرجو أن تكون رحمة سبقت لنا من الله.
وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنه أتى سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون عليّ سبّ عليّ بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله، قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: في عليٍّ شيئاً، لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً.
وعن عيسى بن طلحة قال: قلت لابن عباس: يا أبا عباس، صف لنا سلفنا حتى كأني عاينتهم، قال: تسلني عن أبي بكر؟ كان والله في علمي تقياً، ندياً، الخير كلّه فيه، من رجل يصادى منه غرب، يعني: حدّة، تسألني عن عمر؟ كان والله في علمي تقياً، قوياً، قد وضعت له الحبائل بكل مرصد، كان لها حذراً، من رجل في سوقه عنف، تسلني عن عثمان؟ كان والله في علمي صواماً، قواماً، ومن رجل يحب قومه. تسلني عن علي؟ كان والله في علمي عليماً، حكيماً، إن سمعته يقول شيئاً قط إلا أحسنته، من رجل يأتكل على موضعه، ولم أره أشرف على شيء قط حتى أقول هذه آخذه إلا صرف عنه. قلت: يا أبا عباس، أكنتم تعدّونه مجدوداً؟ قال: أنتم تقولون ذلك.
وعن ابن عمر أنه بلغه أن رجلاً يذكر عليّ بن أبي طالب، فقال ابن عمر: ولم تفعل؟ فوربّ هذه البنيّة لقد سبقت له الحسنى من الله، ما لها من مردود.
وعن سعد بن عبيدة قال: قال رجل لابن عمر: ما تقول في علي؟ فإني أبغضه، قال: أبغضك الله، فإني أبغضك.
وعن مولىً لحذيفة قال: كان حسين بن علي آخذاً بذراعي في أيام الوسم، قال: ورجل خلفنا يقول: اللهم، اغفر له ولأمه، فأطال ذلك، فترك ذراعي وأقبل عليه فقال: قد آذيتنا منذ اليوم، تستغفر لي ولأمي، وتترك أبي، وأبي خير مني ومن أمي؟ وعن أبي إسحاق قال:
جاء ابن احور التميمي إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من عند ألأم الناس، وأبخل الناس، وأعيا الناس، وأجبن الناس، فقال: ويلك وأنى أتاه اللؤم؟ ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبن، وآخر من تبر لأنفد التبر قبل التبن، وأنى أتاه العيّ؟ وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي، ويلك وأنى أتاه الجبن؟ وما برز له رجل قط إلا صرعه. والله يا بن أحور لولا أن الحرب خدعة لضربت عنقك، اخرج فلا تقيمنّ في بلدي. قال عطاء: وإن كان يقاتله فإنه كان يعرف فضله.
وعن يحيى بن زيد بن علي قال: قال عتبة بن أبي سفيان ليلة لمعاوية: يا أمير المؤمنين، بم يطلب عليّ هذا الأمر؟ فوالله ما كان من أهله، ولا آله، فقال معاوية: علي والله كما قال الشاعر: الطويل
لئن كان إذ لا خاطباً فتعذّرت ... عليه وكانت عاتباً فتخطّت
فما تركته رغبة عن حبالة ... ولكنها كانت لآخر خطّت
قال جابر: كنّا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان، وقد جلس على سريره، واعتجر
بتاجه، واشتمل بساجه، وأومأ بعينيه يميناً وشمالاً، وقد تفرّشت جماهير قريش، وسادات العرب أسفل السرير من قحطان، ومعه رجلان على سريره: عقيل بن أبي طالب، والحسن بن علي، وامرأة من وراء الحجاب تشير بكمّيها يميناً وشمالاً فقالت: يا أمير المؤمنين، ما بتّ الليلة، أرقة، قال لها معاوية: أمن ألمٍ؟ قالت: لا، ولكن من اختلاف رأي الناس فيك وفي عليّ بن أبي طالب. صخر بن حرب ابن أميّة، وكان أميّة من قريش لبابها، فقالت في معاوية فأكثرت، وهو مقبل على عقيل والحسن، فقال معاوية: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من صلّى أربعاً قبل الهر، وأرباً بعدها حرّم على النّار أن تأكله أبداً، ثمّ قال لها: أفي علي تقولين: المطعم في الكربات، المفرّج للكربات مع ما سبق لعلي من العناصير السرية، والشيم الرّضية والشرف، فكان كالأسد الحادر، والربيع النائر، والفرات الزاخر، والقمر الزاهر: فأما الأسد فأشبه علي منه صرامته ومضاءه، وأما الرّبيع فأشبه علي منه حسنه وبهاءه، وأما الفرات فأشبه علي منه طيبه وسخاءه، فما تغطمطت عليه قماقم العرب السادة، من أول العرب عبد مناف، وهاشم، وعبّاس القماقم، والعباس صنو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوه وعمه، أكرم به أباً وعمّاً، ولنعم ترجمان القرآن ولده، يعني: عبد الله بن عبّاس كهل الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، خيار خلق الله، وعترة نبيّه، خيار ابن أخيار، فقال عقيل بن أبي طالب: يا بنت أبي سفيان، لو أن لعلي بيتين: بيت من تبر، والآخر تبن بدأ بالتبر وهو الذهب، يا أبا يزيد، كيف لا أقول هذا في علي بن أبي طالب؟ وعلي من هامات قريش وذؤابتها، وسنام قائم عليها، وعليّ علامتها في شامخ؟ فقال له عقيل: وصلتك رحمّ يا أمير المؤمنين.
وعن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: ألا تخبرني عن أبي بكر وعلي؟ فإن أبا بكر كان له السّن والسّابقة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ستين سنة، وعلي ابن أربع وثلاثين سنة، ثم
إن الناس صاغية إلى علي، فقال: أي ابن أخ، كان والله له ما شاء من ضرس قاطع، أبسطه في النسب وقرابته من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومصاهرته، والسّابقة في الإسلام، والعلم بالقرآن، والفقه والسّنّة، والنّجدة في الحرب، والجود في الماعون، كان والله له ما شاء الله من ضرس قاطع.
وحدّث سعيد عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وكانت ابنته تحت واقد بن عبد الله بن عمر: فدخل عبد الله بن عياش على ابنته، فقلت: يا أبا الحارث، ألا تخبرني عن عليّ بن أبي طالب؟ قال: أما والله يا ابن أخي إنّي به لخابر، قلت: وتقول ذاك ما هو؟ قال: كان رجلاً تلعابة، وكان إن شاء أن يقطع له ضرس قاطع قطع، قلت: وضرسه ذاك ما هو؟ قال: قراءة القرآن، وعلم بالقضاء، وبأسٌ، وجود، لا ينكس. قال الأسود بن قيس: فقلت له: ما تلعابة؟ قال: فيه مضاحكة.
وعن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد كان لعليّ بن أبي طالب من السّوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً.
قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
قال البيهقي: وهذا لأن أمير المؤمنين عليّاً عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون، وخرج عليه خارجون، فاحتاج من بقي من الصّحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله، وقرابته، ومناقبه، ومحاسنه ليردّوا بذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل، وهو أهل كلّ فضيلة ومنقبة، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقّاً، وفي طلبه في وقته مستحقّاً، وهو كما
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: لم يزل عليّ بن أبي طالب مع الحقّ، والحقّ معه حيث كان.
وعن جري بن كليب قال: رأيت عليّاً يأمر بالمتعة، قال: ورأيت عثمان بن عفّان ينهى عنها، فقلت لعليّ: إن بينكما لشرّ، فقال: ما بيننا إلاّ خير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدّين.
وعن حذيفة قال: ذكرت الإمارة أو الخلافة عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن ولّيتموها أبا بكر وجدتموه ضعيفاً في بدنه، قويّاً في أمر الله، وإن ولّيتموها عمر وجدتموه قويّاً في أمر الله، قويّاً في بدنه، وإن ولّيتموها عليّاً وجدتموه هادياً مهدياً، يسلك بكم على الطريق المستقيم ".
وعن علي قال: قيل: يا رسول الله، من نؤمّر بعدك؟ قال: " إن تؤمّروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدّنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر تجدوه قويّاً، أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الطريق المستقيم ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: كنّا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، قال: فتنفّس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي "، قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: أبو بكر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عمر، قال: فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفّس، قال: قلت: ما شأنك؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عليّ بن أبي طالب، قال: " أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنة أجمعين أكتعين ".
طعنوا في مينا، أحد رواته.
وعن أنس بن مالك أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: " إنّك لن تموت حتى تؤمّر، وتملأ غيظاً، وتوجد من بعدي صابراً ".
وعن عمران بن حصين قال: مرض عليّ في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلّم فعاده النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعدناه معه، فقال: يا رسول الله، ما أرى عليّاً إلاّ لما به، فقال: " والذي نفسي بيده لا يموت حتى يملأ غيظاً، ويوجد من بعدي صابراً ".
وفي حديث آخر: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً.
وعن ابن عباس أن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه خرج من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجعه الذي توفي فيه، فقال له الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال: أرأيتك فإنك والله بعد ثلاث عبد العصا، إني لأرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيتوفى في مرضه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله: فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا بذلك، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله إن سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده أبداً، والله لا أسألها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبداً.
وفي حديث بمعناه: فقال له علي: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطناها، أترى الناس يعطوناها، والله لا أسألها إياه أبداً. قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيّهما كان أصوب عندكم رأياً؟ فنقول: العباس فيأبى. ثم قال: لو أن علياً سأله عنها فأعطاه إياها فمنعه الناس كانوا قد كفروا. قال عبد الرزاق: فحدثت به ابن عيينة فقال: قال الشعبي: لو أن علياً سأله عنها كان خيراً له من ماله وولده.
وفي حديث آخر: فقال له العباس: إنك يا علي إنما تعظم بالهجرة، وكأني بك بعد ثلاث عبد العصا.
وعن ابن عباس قال:
أرسل العباس بن عبد المطلب إلى بني عبد المطلب، فجمعهم عنده، قال: وكان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال العباس: يا بن أخي، إني قد رأيت رأياً لم أحب أن أقطع فيه شيئاً حتى أستشيرك، فقال علي: وما هو؟ قال: ندخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فنسأله إلى من هذا الأمر من بعده؟ فإن كان فينا نسلّمه والله ما بقي منا في الأرض طارف، وإن كان في غيرنا لم نطلبها بعد أبداً، فقال علي: يا عم، وهو هذا الأمر إلا إليك؟ وهل من أحد ينازعكم في هذا الأمر؟ قال: فتفرقوا، ولم يدخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن علي بن أبي طالب قال: لقيني العباس فقال: يا علي، انطلق بنا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن كان لنا من الأمر شيء، وإلا أوصى بنا الناس، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه فرفع رأسه فقال: " لعن الله اليهود، اتخذوا قبور الأنبياء مساجد "، ثم قالها الثالثة. فلما رأينا ما به خرجنا، ولم نسله عن شيء، قال: فسمعت علياً يقول: يا ليتني أطعت عباساً، يا ليتني أطعت عباساً.
وعن الأقرع مؤذن عمر أن عمر مر على الأسقف، فقال: هل تجدون في شيء من كتبكم؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدوني؟ قالوا: قرن من حديد، قال عمرك قرن من حديد؟ وماذا؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر والحمد لله، قال: والذي بعدي؟ قال رجل صالح، يؤثر أقرباءه، فقال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: والذي من بعده؟ فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن إمارته تكون في هراقة من الدماء، والسيف مسلول.
وعن عامر الشعبي قال: قال العباس لعلي بن أبي طالب حين مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني أكاد أعرف في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الموت، فانطلق بنا إليه لنسله: من يستخلف؟ فإن استخلف منا فذاك
وإلا أوصى بنا، قال: فقال علي للعباس: كلّمه فيها خفاء. فلما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم قال العباس لعلي: ابسط يدك فلنبايعك، قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن علياً أطاع العباس في أحد الرأيين كان خيراً من حمر النّعم، قال عامر: لو أن العباس شهد بدراً ما فضّله أحد من الناس رأياً ولا عقلاً.
وعن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن، قال: ادعوا لي علياً، وعثمان، وطلحة والزبير، وابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، فلم يكلم أحداً منهم غير علي وعثمان فقال: يا علي، لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان، لعل هؤلاء القوم أن يعرفوا لك صهرك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسنّك وشرفك، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم قال: ادعوا لي صهيباً فدعي له فقال: صلّ بالناس، ثلاثاً، وليحلّ هؤلاء القوم، في بيت، فإذا اجتمعوا على رجلٍ، فمن خالف فاضربوا رقبته. فلما خرجوا من عنده قال: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق، فقال له ابنه ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحلها وحياً ميتاً.
وعن ابن عمر قال: قال عرم لأصحاب الشورى: لله درهم إن ولّوها الأصلع، كيف يحملهم على الحق، وإن حملاً على عنقه بالسيف، قال: فقلت: أتعلم ذاك منه ولا تولّه؟ فقال: إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب حين وقف عمر لم يولّ أحداً يعني: قال: ألا تصنع كما صنع أبو بكر؟ قال: ويحك! لو كنت أنت غلاماً، وكان معك غلمان أتراب نشأتم حتى بلغتم رجالاً، أليس كان يعرف بعضكم بعضاً؟ قال: بلى، قال: فإني والله هؤلاء نشأنا جميعاً، فلا أعرف مكان أحد أخصّه بهذا الأمر، ولكني جاعلها بين نفر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهم.
قال أبو محمد بن قتيبة
في حديث عبد الرحمن بن عوف أنه كان في كلامه لأصحاب الشورى: يا هؤلاء إن عندي رأياً، وإن لكم نظراً، إنّ حابياً خيرٌ من زاهق، وإن جرعة شروب أنقع من عذبٍ موبٍ، وإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيّوب في الكلم، فلا تطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم، وتولتوا أعمالكم، لكلّ أجلٍ كتاب، ولكل بيت إمام، لأمره يقومون، وبنهيه يرعون، قلّدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكن، يقترع منكم، وكلكم منتهى، ويرتضي منكم وكلكم رضىً.
فتكلم علي فقال: الحمد الله الذي اتخذ محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السّرى، لو عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً لجالدنا عليه حتى نموت، أو قال لنا قولاً لأنفذنا قوله على رغمنا، لن يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم، ودعوة حق، والأمر إليك يا بن عوف على صدق اليقين، وجهد النصح. أستغفر الله لي ولكم.
قوله: إن حابياً خيرٌ من زاهق الحابي من السهام هو الذي يزحف إلى الهدف، يقال: حبا يحبو، فإن أصاب الرقعة فهو خاسق وخازق ومفرطس، فإن جاوز الهدف، ووقع خلفه فهو زاهق، يقال: زهق السهم إذا تقدم، وأراد عبد الرحمن أن الحابي من السهام وإن كان ضعيفاً فقد أصاب الهدف، فهو خير من الزاهق الذي قد جاوزه بشدة مرّه وقوّته، ولم يصبه، وضرب السهمين مثلاً لواليين: أحدهما ينال الحق أو بعضه وهو ضعيف، والآخر يجوز الحق ويبعد منه وهو قوي. والشّروب من الماء هو الملح الذي لا يشربه الناس إلا عند الضرورة: والموبي: الضار، المدخل في الوباء، وهو المرض، والحرف مهموز فترك همزه ليقابل به الحرف الذي قبله، وهو أيضاً مثل لرجلين:
أحدهما أرفع وأضر، والآخر أدون وأنفع. وقوله: فإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم، يريد أن القليل من القول من التلطف فيه أبلغ من الهذر وكثرة الكلام بغير رفق ولا تلطف. والسيوب ما سيّب وخلّي فساب أي ذهب، ومنه سمي الرجل السائب. وقوله: لا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم أي لا تفلوا حدّكم بالاختلاف، والمدى جمع مدية، وضرب المدى مثلاً، والفلول تكسّرٌ يصيب حدّها. وقوله: ولا تغمدوا السيوف من أعدائكم فتوتروا ثأركم أي توجدوه الوتر في أنفسكم، يقال: وترت فلاناً إذا أصبته بوتر، وأوترته أوجدته ذلك. والثأر: العدو، لأنه موضع الثأر. وقوله: وتولتوا أعمالكم أي تنقصوها، يريد أنه كانت لهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعمال في الجهاد، فإذا هم تركوه، واختلفوا نقصوها، وفيه لغتان: لاته يليته ليتاً إذا نقصه. قال تعالى: " لا يلتكم من أعمالكم شيئاً " وألت يألت، قال تعالى: " وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ " والحرف الذي في الحديث: تولت، كأنه من أوّلت يولت أو ألت يؤلت، عن كان مهموزاً. وقوله: بنهيه يرعون أي يكفون، ومنه الورع في الدين. وقوله: وقلدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل أي واسع الذراع عند الشدائد، ويجود ويعطي، ويبسط يديه بالعطاء، ويفتح به باعه، مأمون الغيب على ما استكن أي قلدوه رجلاً مأمون غيبه فيما خفي عليكم، فلا يخونكم، ولا يبغيكم الغوائل يقترع منكم أي يختار، يقال: فلان قريع قومه أي المختار منهم للرئاسة، وقد اقترعت من الإبل فحلاً أي اخترته.
وقول علي: لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السّرى يريد: إن نمنعه نركب مركب الضيم والذل على مشقة، وإن تطاول ذلك به، وأصل هذا أن راكب البعير إذا ركبه بغير بحل ولا وطاء ركب عجزه، ولم يركب ظهره من أجل السنام، وذلك مركب صعب، يشقّ على راكبه لا سيما إذا تطاول به الركوب على تلك الحال، وهو يسري، أو يسير ليلاً، فإذا ركبه بالوطاء والرحل ركب الظهر، وذلك مركب يطمئن به، ولا يشق عليه، ويجوز أن يكون أراد بركوب أعجاز الإبل أن يكون ردفاً تابعاً، وأنه يصبر على ذلك، وإن تطاول به.
ولما كان يوم الشورى قال علي بن أبي طالب: والله لأحتجنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولا عربيهم ولا عجميهم ردّه، ولا يقول خلافه، ثم قال لعثمان بن عفان ولعبد الرحمن بن عوف وللزبير ولطلحة ولسعد وهم أصحاب الشورى وكلهم من قريش وقد كان قدم طلحة: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم أحد صلى لله قبلي؟ وصلى القبلتين؟ قالوا: اللهم، لا، قال: أنشدكم بالله، هل فيكم أحد أخو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري، إذ آخى بين المؤمنين، فآخى بيني وبين نفسه، وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى، إلا أني لست بنبيّ؟ قالوا: لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم مظهر غيري؟ إذ سد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبوابكم، وفتح بابي، وكنت معه في مساكنه ومسجده، فقام إليه عمه، فقال: يا رسول الله، غلقت أبوابنا، وفتحت باب علي، قال: نعم، الله أمر بفتح بابه وسدّ أبوابكم؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد أحبّ إلى الله وإلى رسوله مني، إذ دفع الراية إليّ يوم خيبر، فقال: " إلى من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، ويوم الطائر، إذ يقول: " ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " فجئت فقال: " اللهم وإلى رسولك، اللهم وإلى رسولك "، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري حتى ... قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم من قتل مشركي قريش والعرب في الله وفي رسوله غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له في العلم، وأن يكون أذنه الواعية مثلما دعا لي؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم، ومن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه، وأبناءه أبناؤه، ونساءه نساؤه، غيري؟ قالوا: اللهم لا؛ قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يؤمن أحد من قرابته، غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيدة نساء عالمها؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له ابنان مثل ابنيّ: الحسن والحسين، سيّديّ شباب أهل
الجنة، ما خلا النبيين، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له أخ كأخي جعفر الطيار في الجنة المزيّن بالجناحين مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له مثل عمي أسد الله، وأسد رسوله، سيّد الشهداء حمزة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد ولي غمض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد ولي غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، يقلبونه لي كيف أشاء، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان آخر عهده برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى وضعه في حفرته، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد قضى عن رسول الله صأ بعده ديونه ومواعيده، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: وقد قال الله عزّ وجلّ: " وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين ".
وفي حديث آخر بمعناه، قال أبو الطفيل: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً يقول: بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذاً أسمع وأطيع، وإن عمر جعلني في خمسة نفر، أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه. كلما فيه شرع: سواء. وايم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك بردّ خصلة منها لفعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري؟ قالوا: اللهم، لا، وعددّ المناشدة، إلى آخر الحديث.
قال: وفي هذا الحديث ما يدل على أنه موضوع، وهو قوله: وصلى القبلتين، وكل أصحاب الشورى قد صلى القبلتين. وقوله: أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة، وقد كان لعثمان مثلما له من هذه الفضيلة وزيادة.
قال عبد الله محمد بن مكرّم مختصر هذا التاريخ: قوله: فقد كان لعثمان مثل ما له من هذه الفضيلة وزيادة. فيه دليل على أنه ما كان لفاطمة عليها السلام عنده مزية على غيرها من بناته صلّى الله عليه وسلّم.
قال الزهري: لما قتل عثمان: برز علي بن أبي طالب بالناس، فدعاهم إلى البيعة، فبايعه الناس، ولم يعدلوا به لا طلحة ولا غيره.
وعن علقمة بن وقاص قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد ما قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم لا يحول بين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا. فقال: يا بن سميّة أتقصّ من جلدات جلدتهن ولا تقصّ من دم عثمان، قال: فتفرقوا يومئذٍ عن غير بيعة.
قال إبراهيم بن رباح: يستحق علي الخلافة بخمسة أشياء: بالقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسبق إلى الإسلام، والزهد في الدنيا، والفقه في الدين، والنكاية في العدو، فلم تر هذه الخمسة الأشياء إلا في عليّ عليه السلام.
قال عمرو بن دينار: كلم أهل المدينة ابن عباس أن يحجّ بهم، وعثمان محصور، فدخل عليه فاستأذنه، فقال: حجّ بهم، فحج بهم، ثم رجع وقد أصيب عثمان، فقال لعلي: إن قمت الآن بهذا الأمر ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة.
وعن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان قال: قلت: فما لكم تسبوهن على المنابر؟ قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك.
خطب علي بن أبي طالب فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً،
ولكنه رأيٌ رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواماً طلبوا الدنيا، فمن شاء الله منهم أن يعذّب عذّب، ومن شاء أن يرحم رحم.
وعن قيس بن عباد قال: كنا مع علي، فكان إذا شهد مشهداً، أو أشرف على أكمة، أو هبط وادياً قال: سبحان الله، صدق الله ورسوله، فقلت لرجل من بني يشكر: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين حتى نسأله عن قوله: صدق الله ورسوله، قال: فانطلقنا إليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، رأيناك إذا شهدت مشهداًن أو هبطت وادياً، أو أشرفت على أكمة قلت: صدق الله ورسوله، فهل عهد إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً في ذلك؟ قال: فأعرض عنا، وألححنا عليه. فلما رأى ذلك قال: والله ما عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً إلا شيئاً عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا على عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني ثم إني رايت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا.
وعن علي بن أبي طالب قال: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أرى أني أحق الناس بهذا الأمر، فاجتمع الناس على أبي بكر، فسمعت وأطعت، ثم إن أبا بكر حضر فكنت أرى أن لا يعدلها عني، فولى عمر، فسمعت وأطعت، ثم إن عمر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستةٍ أنا أحدهم، فولاها عثمان، فسمعت وأطعت، ثم إن عثمان قتل، فجاؤوني فبايعوني طائعين غير مكرهين. فوالله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن الحسن قال:
لما قدم عليّ البصرة في إثر طلحة وأصحابه قام عبد الله بن الكوا وابن عباد فقالا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن مسيرك هذا، أوصية أوصاك بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ام عهد عهده إليك، أم رأي رأيته حين تفرقت الأمة، واختلفت كلمتها؟ فقال: ما أكون أول كاذب عليه وفي رواية: ولا والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه والله ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موت فجاءة، ولا قتل قتلاً زاد في رواية: ولو كان
عندي من النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك عهد ما تركت أخا تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا قال: ولقد مكث في مرضه كل ذلك يأيته المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيقول: مروا أبا بكر ليصلي بالناس، ولقد تركني وهو يرى مكاني، ولو عهد إلى شيئاً لقمت به، حتى عرضت في ذلك امرأة من نسائه فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس، فقال لها: إنكنّ صواحب يوسف. فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر المسلمون في أمرهم، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ولى أبا بكر أمر دينهم، فولّوه أمر دنياهم، فبايعه المسلمون، وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، فأشار بعمر، ولم يأل، فبايعه المسلمون وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، وكره أن ينتخب منا معشر قريش رجلاً فيوليه أمر الأمة، فلا يكون فيه إساءة لمن بعده إلا لحقت عمر في قبره، فاختار منا ستة، أنا فيهم، لنختار للأمة رجلاً منا. فلما اجتمعنا وثب عبد الرحمن فوهب لنا نصيبه منها، على أن نعطيه مواثيقنا على أن نختار من الخمسة رجلاً، فنوليه أمر الأمة، فأعطيناه مواثيقنا، فأخذ بيد عثمان فبايعه، ولقد عرض في نفسي ذلك. فلما نظرت في أمري فإذا عهدي قد سبق بيعتي، فبايعت وسلمت، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني. فلما قتل عثمان نظرت في أمري، فإذا الرّبقة التي كان لأبي بكر وعمر في عنقي قد انحلّت، وإذا العهد لعثمان قد وفيت به، وإذا أنا رجل من المسلمين ليس لأحد عندي دعوى، ولا طلبة، فوب فيها من ليس مثلي يعني: معاوية لا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحقّ بها منه، قالا: صدقت، فأخبرنا، عن قتالك هذين الرجلين يعنيان: طلحة والزبير صاحباك في الهجرة، وصاحباك في بيعة الرضوان، وصاحباك في المشورة. قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلاً ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه.
وفي حديث آخر عنه بمعناه قال: فلما قبض الله نبيّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلّى الله عليه وسلّم لديننا، فكانت الصلاة أصل الإسلام، وقوام الدين، وهو أمين الدين، فبايعنا أبا بكر، فكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم يقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطه، وذكر مثل ذلك عن عمر.
قال الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو يذكر ما يجمع هذا الحديث من فضائل علي رضي الله عنه ومناقبه ومراتبه ومحاسنه وإلا لات صدقه، وقوة دينه، وصحة يقينه قال: ومن مختارها أنه لم يدع ذكر ما عرض له فيما أجرى إليه عبد الرحمن وإن كان يسيراً حتى قال: لقد عرض في نفسي عند ذلك وفي ذلك ما يوضح أنه ولو عرض له في أمر أبي بكر وعمر شيء، واختلف له في سرٍّ وعلانية بنيّة تصريح، أو نبّه عليه بتعريض كما فعل فيما عرض له عند فعل عبد الرحمن ما فعل.
سئل جابر بن عبد الله عن قتال علي فقال: ما يشك في قتال علي إلا كافر.
قال الميموني:
سمعت أحمد بن حنبل وقل له: ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فقيل له: كأنك ذهبت إلى حديث سفينة، وإلى شيء آخر: رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يتسمّ بأمير المؤمنين، ثم لم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل، فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن له قبل ذلك.
كان نقش خاتم عليّ: الملك لله وقيل: الله ولي علي وقيل: نعم القادر الله.
قال المدائني: لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد زنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين، فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، وزادوا، فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في علي والخلافة، وعلى أن الخلافة لم تزين علياً بل عليٌّ زينها. قال السياري: حدثت بهذا الحديث بعض الشيعة، فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.
قال إبراهيم بن علي الطبري: صرت إلى أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فسألته عن خلافة علي رضي الله عنه: هل تثبت؟ فقال: ما سؤالك عن هذا؟! فقلت: إن الناس يزعمون أنك قلت: لا تثبت خلافته، فاستنكر ذلك وقال: أنا أقول ذلك؟! وأسبلت عيناه، ثم قال: يا هذا، قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل، فجاؤوا بجماعتهم، فقدموا أبا بكر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فشا الإسلام بعده فجاؤوا إلى عمر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فتحت الفتوح، وفشا الإسلام، فصار المسلمون أضعاف هذه العدة مضاعفة، فقدموا عثمان رضي الله عنه، فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم زاد الإسلام وفشا، ثم قدموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟!.
وعن علي قال: إن القرية ليكون فيها الشّيعة فندفع بهم عنها ثم قال: أبيتم إلا أن أقولها، فوالله لعهدّ إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الأمة ستغدر بي.
وفي حديث: " أن الأمة ستغدر بك بعدي ".
قال البيهقي: فإن صح هذا فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه في إمارته ثم قتله.
وعن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر، زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرّاً، تركه الحق، وماله من صديق. رحم الله عثمان، تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم، أدر الحق معه حيث دار.
وعن أبي سعيد قال: كنا عند بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفر من المهاجرين والأنصار، فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ألا أخبركم بخياركم؟ " قالوا: بلى، قال: " خياركم الموفون، المطيّبون إن الله يحب الحفيّ التقي ". قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: " الحق مع ذا، الحق مع ذا ".
قال أبو ثابت مولى أبي ذر: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي، وتذكر علياً، وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مع الحق، والحق مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة ".
وعن مالك بن جعونة عن أم سلمة قالت: والله إن علياً على الحق قبل اليوم وبعد اليوم، عهداً معهوداً، وقضاء مقضياً، قلت: أنت سمعت من أم المؤمنين؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، ثلاث مرات، فسألت عنه فإذا هم يحسنون عليه الثناء.
وعن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من
يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروق بين الحق والباطل ".
وعن أبي هريرة قال:
بلغني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر فتنة فقرّبها قال: فأتيته بالبقيع، وعنده أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير فقلت: يا رسول الله، بلغني أنك ذكرت فتنة، قال: " نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان، دينهما واحد، وصلاتهما واحدة، وحجّهما واحد؟ " قال: قال أبو بكر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الله أكبر. قال عمر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الحمد لله، قال عثمان: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، وبك يبتلون "، قال علي: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، تقود الخيل بأزمّتها ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال خطبة خطبها في حجة الوداع: " لأقتلنّ العمالقة في كتيبة "، فقال له جبريل: أو علي، فقال: " أو علي بن أبي طالب ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد انقطع شسع نعله، فدفعها إلى عليّ يصلحها، ثم جلس، وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، فقال: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "، فقال أبو بكر: أنا رسول الله؟ قال: " لا "، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل "، قال: فأتينا علياً نبشّره بذلك، فكأنه لم يرفع به رأساً، كأنه قد سمعه قبل.
وكان حزام بن زهير عند علي في الرحبة فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هل كان في النعل حديث؟ فقال: اللهم، إنك تعلم أنه مما كان يسرّه إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشار بيده ورفعهما.
وعن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل ست مئة رجل، فسلكنا على الرّبذة، فنزلناها فقام غليه ابنه الحسن بن علي فبكى بين يديه، وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال علي: تكلم، ودع عنك أن تخنّ خنين الجارية، فقال حسن: إني كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير به عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها، قد ضربت إليك أبساط الإبل حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضبّ، فقال علي: أتراني لا أبالك كنت منتظراً كما تنتظر الضبع الدم؟! وعن مالك بن الحويرث قال: قام علي بن أبي طالب بالرّبذة فقال: من أحب أن يلحقنا فليلحقنا، ومن أحب أن يرجع فليرجع، مأذون له غير حرج، فقام الحسن بن علي فقال: يا أبه أو يا أمير المؤمنين لو كنت في جحر، وكان للعرب فيك حاجة لاستخرجوك من جحرك، فقال: الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء، ويعافي من يشاء مما يشاء، أما والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن أو ذنباً ورأساً، فوالله إن وجدت له إلا القتال، أو الكفر بالله، يحلف بالله عليه، اجلس يا بني ولا تخنّ خنين الجارية.
وروي أن بني عبس قالت لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عماراً، قالوا: إن عماراً لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الحسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار، وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي.
قال أبو شريح: كنا عند حذيفة بالمدائن، فأتاه الخبر أن عماراً والحسن بن علي قدما الكوفة، يستنفران الناس إلى أمير المؤمنين عليّ، فقال حذيفة: إن الحسن بن علي قدم يستنفر الناس إلى عدو الله وعدوكمن فمن أحب أن يلقى أمير المؤمنين حقاً حقاً فليأت علي بن أبي طالب.
ولما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح يوم القيامة، قال: فتواقفنا حتى أتانا جرّ الحديد، ثم إن القوم نادوا: يا جمع، يا لثارات عثمان، قال: وابن الحنفيّة أمامنا ربوة، معه اللواء. قال: فنادى علي: يا بن الحنفية، ما يقولون؟ فأقبل علينا بعرض وجهه فقال: يا أمير المؤمنين، يثولون: يا لثارات عثمان، قال: فمدّ علي يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان لوجوههم، قال: فقال: سحما فعل والله ذلك، كأنه يقول: إن القوم كانوا أولى بقتل عثمان من علي، ثم إن الزبير قال لأساودة كانوا معه: قال: ارموهم، ترشون، لا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال، قال: فما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع على الأرض وحملوا، قال: فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقمص به الفرس، وعليه بحربةٍ، فانطلق به، قال: فالتفت مروان إلى أبا عثمان وهو معه، فقال: قد كفيتك أحد قتلة أبيك.
قال أبو حزم المازني: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير، أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنك تقاتلني وفي رواية: تقاتل وأنت ظالم لي؛ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.
وعن أبي بكرة قال: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر أخذ الحسن ابنه، فضمه إلى صدره ثم قال: إن لله، يا حسن، أيّ خير يرجى بعد هذا؟.
وعن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، يا حسن، ليت أباك مات مذ عشرين سنة، قال له: يا أبه، قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني، إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.
قال رجل لشريك: خبرني عن قول علي للحسن يوم الجمل: ليت أباك مات قبل هذا بعشرين سنة، أقاله إلا وهو شاكّ في أمره، فقال له شريك: خبرني عن قول مريم " يا ليتني متّ قبل هذا " أقالته شاكةٌ في عفّتها؟ فسك الرجل.
وعن حبّة قال: سمعت علياً يقول: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوّى بيننا وبني عدونا فليس منا.
لما حبس يحيى بن خالد البرمكي كتب إلى الرشيد: إن كل يوم يمضي من بؤسي يمضي من نعمتك مثله، والموعد المحشر، والحكم الدّيّان، وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان: الوافر
أما والله إن الظلم شؤمٌ ... وما زال المسيء هو الظّلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنيّة يا نؤوم
لأمرٍ ما تصرّمت الليالي ... لأمرٍ ما تحركت النجوم
وعن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت، ولا سمعت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجاً سليط، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم ويحمشهم حتى انتهى إليّ، وأنا في كثفٍ من الناس فقال: معاشر المسلمين، استشعروا الخشية، وغضوا الأصات، وتجلببوا السكينة زاد في رواية: وأكملوا اللّؤم، واخفوا الجنن وأعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف في الأغماد، قبل السلّة، واطعنوا الوخز، ونافحوا بالظّبا،
وصلوا السيوف بالخطا، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم نبيه صلّى الله عليه وسلّم عاودوا الكرّ واستحيوا من الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلى الموت سجحاً، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرّاق المطنّب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخرّ للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الدين " وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ".
قوله: سراجاً سليط السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله: يحمشهم أي يغضبهم، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله: وغضوا الأصوات وفي رواية: وعنّوا الأصوات إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها واخفوها، نهاهم عن اللّغط، والتعنية: الحبس، ومنه قيل للأسير: عانٍ، واللّؤم جمع لأمة على غير قياس، واللأمة: الدرع. والجنن الترسة، يقول: اجعلوها خفافاً. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد: سهلوا سلّها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك، لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف: أي حدّه. وقوله: وصلوا السيوف بالخطا يقول: إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تلحقوا. وقوله: والرماح بالنبل يريد: إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله: امشوا إلى الموت مشية سجحاً أو سجحاً أي سهلة، لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح، أي سهّل. ويقال: خدّ أسجح أي سهل. وقوله: عليكم الرّواق المطنّب يعني: رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشدّ به، وهذا مثل قول عائشة: ضرب الشيطان روقه ومدّ طنبه، وقوله: قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنكوص رجلاً، وهو مثل قوله تعالى: " وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم " إلى قوله " نكص على
عقبيه " أي رجع على عقبيه، وأراد على أنه قد قدم يداً ليثب إن رأى فرصة، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلاً، وقوله في رواية: والحظوا الشّزر هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول: الحظوهم شزراً، ولا تنظروا إليهم نظراً يبين لهم، فإن ذلك أهيب لكم في صدروهم.
خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال: وما لي لا أصدقك؟! قالت: فحدثني عن قصتهم قال:
فإن علياً لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، حتى نزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، عتبوا عليه قالوا: انسلخت من قميصٍ ألبسك الله، واسمٍ سمّاك الله به، ثم انطلقت فحكّمت في دين الله الرجال، فلا حكم إلا لله. فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه ففارقوا أمره أذّن مؤذّن ألا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد قرأ القرآن. فلما امتلأت الدار من قراء الناس جاء بالمصحف إماماً عظيماً فوضعه علي بين يديه، وطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف، حدّث الناس، فناداه الناس: ما تسأل عنه! إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله في كتابه في امرأة ورجل " فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها " إلى قوله: " يوفّق الله بينهما " الآية فأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم أعظم حقاً وحرمة من امرأة ورجل. ونقموا عليّ أني كاتبت معاوية، كتبت: علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بسم الله الرحمن الرحيم " قال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: " كيف تكتب؟ " فقال: باسمك اللهم، فكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اكتب محمد رسول الله "، فقال: لو نعلم أنك رسول الله ما خالفناك، فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله
قريشاً، يقول الله عزّ وجلّ في كتابه " لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ". فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى توسطنا عسكرهم فقال عبد الله بن شداد: فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هو الذي نزل فيه وفي قومه " بل هم قومٌ خصمون " فردّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوا كتاب الله، فقام خطباؤهم فقالوا: بلى والله لنواضعنّه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه. وإن جاء بباطل لنبكّتنّه بباطله ولنردّنّه إلى صاحبه، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام. قالوا: كيف قلت يا بنعباس؟ قال: قلت: ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمه؟ قالوا: ثلاث خصال: قال: فما هنّ؟ قالوا: أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب، ولم يغنم، فإن كان القوم كفاراً فقد أحلّ الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟. وأما الثانية فإنه حكّم الرجال في أمر الله، وفي دين الله، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله: " إن الحكم إلاّ لله " وأما الثالثة فإنه محا نفسه، وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال ابن عباس: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: حسبنا خصلة من هذه الخصال، قال: فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا: نعم، قال: قال: فإن الله قد صير حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره " يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم " وقال في آية أخرى: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما " أخرجت لكم من هذه؟
قالوا: نعم. وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم فاتكم كان يسبي عائشة، فإن قلتم: إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى: " وأزواجه أمّهاتكم " فقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين، فاخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما قولكم: إنه محى اسمه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الموادعة كتب: هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا: بل محو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال عبد الله بن شداد: فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكوا حتى أدخلناهم على علي بالكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فاعتلوا حين شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فتوجهوا منها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن تسفكوا دماً حراماً، أو تقطعوا سبيلاً، أو تظلموا الأمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء " إنّ الله لا يحبّ الخائنين ".
فقالت عائشة: يا بن شداد، فلم قتلهم؟ قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة، قالت: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال: نعم، قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون: ذو الثديّة؟ قال: قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال: رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد فلان يصلي، قالت: فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: نعم، صدق الله ورسوله، رحم الله علياً لئن كان من قوله إذا رأى شيئاً يعجبه قال: صدق الله ورسوله، قال: فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث.
وعن علي قال: عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
وعنه قال: أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين. فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النّهروان، يعني الحرورية.
وعن علي قال يوم النهروان: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين.
وعن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بيت زينب بنت جحش، وأتى بيت أم سلمة، فكان يومها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يلبث أن جاء علي، فدق الباب دقاً خفياً، فانتبه النبي صلّى الله عليه وسلّم للدقّ وأنكرته أم سلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قومي فافتحي له "، قالت: يا رسول الله، من هذا الذي من خطره ما نفتح له الباب؟ أتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس! فقال لها كهيئة المغضب؛ " إن طاعة الرسول طاعة الله ومن عصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، إن بالباب رجلاً ليس بعزق ولا غلق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لم يكن ليدخل حتى ينقطع الوطء "، قالت: فقمت، وأنا أختال في مشيتي، وأنا أقول: بخ بخ، من ذا الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟ ففتحت الباب، فأخذ بعضادتي الباب، حتى إذا لم يسمع حساً ولا حركة وصرت في خدري استأذن، فدخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أم سلمة، أتعرفينه؟ " قالت: نعم يا رسول الله، هذا علي بن أبي طالب، قال: " صدقت، سيد أحبه، لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو عتبة بيتي، اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عبد الله ألف عام بعد
ألف عام وألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ قال: " مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر ".
وعن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد صلّى الله عليه وسلّم وبمجيء ناقته تفضّلاً من الله، وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله، فقال: يا هذا إن الرّائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم، أهل الجمل: طلحة، والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم، يعني: معاوية وعمراً، وأما المارقون فهم أهل الطّرفاوات، وأهل السعيفات وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله.
قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " يا عمال، تقتلك الفئة الباغية، وأنت مذ إذ ذاك مع الحق، والحق معك، يا عمار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ركيّ ولن يخرجك من هدي، يا عمار، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من درّ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علي عليه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار "، قلنا: يا هذا، حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله.
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي، ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ".
وعن مازن العائذي قال: قال علي بن أبي طالب: ما وجدت من قتال القوم بداً، أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصفّين فقلنا: قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين؟! قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين. فقد قاتلت الناكثين، والقاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسبعات، بالطرفات، بالنهروانات، وما أدري أين هو.
وعن علي عليه السلام قال: أنا فقأت عين الفتنة.
وعن أبي صالح قال: قال علي لأبي موسى: يا أبا موسى، احكم عليّ ولو على حزّ عنقي.
قال سفيان بن عيينة: سمعت غير واحدٍ من أصحابنا يقولون: إن علي بن أبي طالب لم ير بعد تحكيم الحكمين إلا وهو يقول: الرجز
لقد عجزت عجزةً لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها واستمر
وعن قيس بن عباد قال: قال علي: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة.
قال زيد بن وهب: قدم على علي وفد من اليمن، فجمع الناس، وحضرته الصلاة، فنادى: الصلاة جامعة، فقام رجل من الوفد الذين قدموا، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه، حتى فرغ من
خطبته ثم قام آخر، فتكلم، فخطب نحواً من خطبة صاحبه ثم قال في آخر كلامه: إن طاعة هذا طاعة للربّ تعالى، ومعصيته معصية للربّ تعالى يعني: علياً فقال له علي: كذبت، فما هزّه قول علي حين كذبه أن مضى في خطبته حتى فرغ، ثم قام الثالث فتكلم، وخطب نحواً من خطبة صاحبيه، غير أنه لم يذكر شيئاً من ذكر علي، ثم قام علي فحمد الله، وأثنى عليه، فأجاب الأول في خطبته حتى فرغ، ثم أجاب الثاني، ثم أجاب الثالث، ثم قال: كل خطبائكم قد أحسن إلا ما كان من كلام هذا الخطيب الثاني الذي زعم أن طاعتي طاعة للربّ تعالى، وأن معصيتي معصية للربّ تعالى، ولست كذلك، إنما ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي طاعته طاعة للربّ، ومعصيته معصية للربّ تعالى.
وعن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس إلى علي بن أبي طالب من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت هو؟ قال: من أنا؟ قالوا أنت هو، قال: ويلكم! من أنا؟! قالوا: أنت ربّنا، أنت ربّنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم جدلهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر، ائتني بحزم الحطب، فأحرقهم بالنار ثم قال: الرجز
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال أبو صالح السمان: رأيت علياً دخل بيت المال، فرأى فيه شيئاً فقال: ألا ارى هذا هاهنا، وبالناس إليه حاجة؟! فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فنكسن ونضح، فصلى فيه، أو قال فيه، يعني: نام.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا، يعني بالبصرة، حتى فارقنا عن دبة محشوة، وخميصة درابجرديّة.
وعن عنترة قال: دخلت على عليّ بالخورنق، وعليه شمل: قطيفة، وهو يرعد فيها فقتل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك؟! فقال: إني والله ما أرزأكم شيئاً، وما هي إلا قطيفتيّ اللتين أخرجتهما من بيتي، أو قال: من المدينة.
وحدث أبو حكيم صاحب الحناء عن أبيه: أن علياً عليه السلام أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان فقال: أغدوا إلى العطاء الرابع، إني لست لكم بخازن. قال: وقسم الحبال، فأخذها قوم، وردّها قوم.
قال موسى بن طريف:
دخل عليّ بيت المال، فأضرط به ثم قال: لا أمسي وفيك درهم، ثم أمر رجلاً من بني أسد، فقسمه حتى أمسى، فقيل: يا أمير المؤمنين، لو عوضته شيئاً، فقال: إن شاء الله ولكنه سحت.
قال عنترة: أتيت علياً بالرّحبة يوم نيروز أو مهرجان؛ وعنده دهاقين وهدايا، قال: فجاء قنبر، فأخذ بيده، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك رجل لا تليق شيئاً، وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة، قال: وما هي؟ قال: انطلق فانظر ما هي، قال: فأدخله بيتاً فيه ناسية مملوءة آنية ذهب، وفضة مموّهة بالذهب. فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك، لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة، ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحصته ثم قال: لا تغريني، وغرّي غيري هذا جناي وخياره فيه، إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه.
وعن عبد العزيز بن محمد عن أبيه أن علياً أتي بالمال، فأقعد بين يديه الوزان والنقاد، فكوم كومة من ذهب، وكومة من فضة، وقال: يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي وابيضّي، وغرّي غيري، هذا جناي وخياره فيه، وكل جانٍ يده إلى فيه.
قال عبد الله بن أبي سفيان: أهدى إليّ دهقان من دهاقين السواد برداً، وإلى الحسن أو الحسين برداً مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة، فرآه عليهما، فبعث إلي وإلى الحسين فقال: ما هذان البردان؟! قال: بعث إليّ وإلى الحسين دهقان من دهاقين السواد، قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال.
وعن مجمّع أن علياً كان يكنس بيت المال، ثم يصلي فيه؛ رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.
وعن المسوّر قال: قدمت على علي بالكوفة، وهو يعطي الناس في بيت له بابان على غير كتاب، فقال: يا بن مخرمة، هذا جناي وخيارة فيه، إذ كلّ جان يده إلى فيه.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس يتراجعون عليك، قال: أوقد فعلوا؟ قلت: نعم، قال: فاكتبوهم، فكتبوا.
قال عمرو بن يحيى: سمعت أبي يحدث عن أبيه عمرو قال: كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما عقدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما قدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي إلى
الصلاة عدّها فوجدها تنقص زقّين، فدعاه، فسأله عنهما، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسلني عنهما، فإنا نأتي بزقّين مكانهما، قال: عزمت عليك لتخبرنّي ما قصّتهما، قال: بعثت إلي أم كلثوم، فأرسلت بهما إليها قال: أمرتك أن تقسم فيء المسلمين بينهم. ثم بعث إلى أم كلثوم أن ردّي الزقّين، فأتى بهما مع ما نقص منهما، فبعث إلى التجار: فزمّوهما مملوءتين وناقصتين، فوجدوا فيهما نقصان ثلاثة دراهم وشيء، فأرسل إليها أن أرسلي إلينا بالدراهم، ثم أمر بالزّقاق فقسمت بين المسلمين.
حدث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طال يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدهقان، ثم أتى بيت المال، فقال: خذه، وأنشأ يقول: الرجز
طوبى لمن كانت له قوصرّه ... يأكل منها كل يومٍ مرّه
وفي نسخة: أفلح من كانت ...
قال عبد الله بن زرير: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى، فقرب إلينا حريرة، فقلت: أصلحك الله، لو قربت إلينا من هذا البط يعني: فإن الله قد أكثر الخبز فقال: يا بن زرير، إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس.
وعن سفيان قال: ما بنى عليّ آجرة على آجرّة، ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بجبوبه من المدينة في جراب.
وعن مجمّع التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق، فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزاراً ما بعته.
وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن أبي طالب قميصاً بثلاثة دراهم، وهو خليفة، وقطع كميّه من موضع الرّصغين، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.
وعن سعيد الرجّاني قال: اشترى علي قميصين سنبلاويين أنبجانيين بسبعة دراهم، فكسا قنبراً أحدهما. فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من الكم.
وعن جرموز قال: رأيت علياً وهو يخرج من العصر وعليه قطريّتان: إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، فريب منه، ومعه درّة له، يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول لا تنقّحوا اللحم.
قال زيد بن وهب الجهني: خرج علينا علي بن أبي طالب ذات يوم وعليه بردان، متّزر بأحدهما، مرتدٍ الآخر، قد أرخى جانب إزاره، ورفع جانباً، قد رفع إزاره بخرقة، فمر به أعرابي فقال: أيها الإنسان، البس من هذه الثياب، فإنك ميت أو مقتول، فقال: أيها الأعرابي، إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو، وخيراً لي في صلاتي وسنّة للمؤمن.
وعن زيد بن وهب قال: قدم على عليّ وفد من البصرة فيهم رجل من رؤوس الخوارج يقال له: الجعد بن
نعجة، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا عليّ، اتق الله، فإنك ميت، وقد علمت سبيل المحسن والمسيء، ثم وعظه وعاتبه في لبوسه، فقال: ما لك وللبوسي؟! إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم.
وعن أبي مطر قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأنقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً، فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزرٌ بإزار، مرتدٍ برداء، ومعه الدّرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد، فقلت: أجل، رجل من البصرة، فقال: هذا عليّ أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى دار ابن أبي معيط، وهو سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة، وتمحق البركة، ثم أتى صاحب التمر، فإذا خادم تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم، فردّه مواليّ فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ فقال: لا، فقلت: هذا علي أمير المؤمنين، فصبّت تمره وأعطاها درهمها، قال: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم، ثم مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يرب كسبكم، ثم مرّ مجتازاً معه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافياً، ثم أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس فأتى شيخاً، فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميصٍ بثلاثة دراهم. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، ولبسه ما بين الرّصغين إلى الكفّين، يقول في لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتين فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذا شيء ترويه عن نفسك، أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوله عند الكسوة، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل له: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين؟! فأخذ أبوه درهماً، ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرّحبة، فقال: أمسك هذا الدرهم، فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ فقال: ما كان قميصاً ثمن درهمين، فقال: باعني رضاي، وأخذ رضاه.
قال الشعبي:
وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني، فأقبل به إلى شريح يخاصمه، قال: فجاء عليّ حتى جلس إلى حيث شريح، فقال له علي: يا شريح، لو كان خصمي مسلماً ما جلست إلا معه، ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كنتم وإياهم في طريق، فاضطروهم إلى مضايقه وصغّروا بهم، كما صغّر الله تعالى بهم من غير أن تطغوا، ثم قال عليّ: هذا الدرع درعي، لم أبع، ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بيّنة؟ فضحك عليّ عليه السلام وقال: أصاب شريح، ما لي بيّنة، فقضى بها للنصراني، قال: فمشى خطاً ثم رجع، فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، ابتعت الجيش، وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورق، فقال: أما إذ أسلمت فهي لك، وحمله على فرس. قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج مع علي يوم النّهروان.
حدث رجل من ثقيف أن علياً استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، فقال لي بين أيديهم: لتستوف خراجهم، ولا يجدون فيك رخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً، ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إليّ، فرحت إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، وجده جالساً وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بطينة، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهراً، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت له: يا أميرالمؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟! طعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع فيه من
غيره، فإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيباً، وغني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم، إنهم قوم خدع، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك وعزلتك، فلا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقبحه في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا بتبغ لهم دابة يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، قال: قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت، قال: وإن فعلت، قال: فذهبت، فتتبعت ما أمرني به، فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا وفيته.
جاء جعدة بن هبيرة إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان، أنت أحب إلى أحدهما من نفسه أو قال: من أهله وماله والآخر لو يستطيع أني ذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا؟ قال: فلهزه علي وقال: إن هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إنما ذا شيء لله.
حدث صالح بياع الأكسية عمن حدثه قال: رأيت علياً اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته فقال: يا أمير المؤمنين، ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحق بحلمه.
وعن زاذان عن علي أنه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو وال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً " ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر الناس.
وعن صالح بن أبي الأسود عمن حدثه.
أنه رأى علياً قد ركب حماراً، ودلّى رجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.
وعن حسن بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون: فلان، وقال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.
قال هشام بن حسان:
بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة، فقال له: يا أبا سعيد، ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرّت وجنتا الحسن، وقال: رحم الله علياً، إن علياً كان سهماً لله، صائباً أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها، وأقربها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رهبانيّ هذه الأمة، لم يكن لمال الله بالسّروقة، ولا في أمر الله بالنّؤومة، أعطى القرآن عزيمة علمه، فكان منه في رياض مونقة، وأعلام بيّنة. ذاك علي بن أبي طالب، يا لكع.
وعن يزيد بن أي زياد عن بنت سرّية لعلي بن أبي طالب عن أمها قالت: اغتسلت، فأقعدت. فلم أستطع أن أقوم، فأخبر بذلك علي بن أبي طالب، فجاء فوضع يده على رأسي، فلم تزل يده على رأسي يدعو. حتى قمت، فسمعته يقول: لا تغتسلي في الحشّ، ولا في مكان يبال فيه، ولا في قمراء.
وعن عمار قال: حدث رجل علياً بحديث، فكذبه، فما قام حتى عمي.
وعن زاذان أن رجلاً حدث علياً بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: أدعو عليك إن كنت كذبت قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي.
وعن أبي مكين قال: مررت أنا وخالي أبو أمين على دار في جبل حين من مراد، فقال: ترى هذه الدار؟ قلت: نعم، قال: فإن علياً مرّ عليها وهم يبنونها، فسقطت عليه قطعة فشجّته فدع الله أن لا يكمل بناؤها، قال: فما وضعت عليها لبنة، قال: فكنت تمر عليها لا تشبه الدور.
قال أبو بشير الشيباني: شهدت الجمل مع مولاي، فما رأيت يوماً قط أكثر ساعداً نادراً وقدماً نادرة من يومئذ، ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل. قال: فحدثني الحكم بن عتيبة أن علياً دعا يوم الجمل، فقال: اللهم، خذ أيديهم وأقدامهم.
قال المدائني: نظر علي بن أبي طالب إلى قوم ببابه، فقال لقنبر: يا قنبر، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: فقال: لا أرى فيهم سيماء الشيعة، قال: وما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكا.
قال أبو أراكة: صلّيت مع عل بن أبي طالب صلاة الفجر. فلما سلّم انفتل عن يمينه ثم مكث كأنّ عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال: وحائط المسجد يومئذ أقصر مما هو الآن ثم قلب يده ثم قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً، شعثاً، غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجّداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم. فإذا أصبحوا، فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبلّ ثيابهم، والله لكأنّ القوم باتوا غافلين ثم نهض، فما رئي بعد ذلك مفترّاً، يضحك، حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق.
وعن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: طوبى لكل عبد نومة، عرف الناس، ولم يعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة، يدخلهم في رحمته، ليس ألئك بالمذاييع البذر، ولا بالجفاة المرائين.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلموا العلم، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو منه إلا كل نومة منبتّ الداء، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل، المذاييع البذر.
ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً. ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ألا إن لله عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا أيام العقبى لراحة طويلة، أما الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم، ربّنا ربّنا، يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء، حلماء بررة، أتقياء، كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، وخولطوا، ولقد خالط القوم أمر عظيم.
وعن ابن عباس قال:
قال عمر لعلي: عظني يا أبا الحسن، قال: لا تجعل يقينك شكاً، ولا علمك جهلاً، ولا ظنك حقاً، واعلم أنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسوّيت، ولبست فأبليت، قال: صدقت يا أبا الحسن.
خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم من طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق. ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
وعن الأصبغ بن نباتة قال: صعد علي ذات يوم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الموت فقال: يا عباد الله، الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم فالنّجاء النّجاء، والوجاء الوجاء، وراءكم طالب حثيث: القبر، فاحذروا ضغطته، وظلمته، ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة. ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود. ألا وإن رواء ذلك يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر في الكبير " وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ " ألا وإن وراء ذلك ما هو أشدّ منه: نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وحليها حديد، ثم قال: وإن وراء ذلك جنّة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم.
وعن علي بن أبي طالب أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن الدنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطّلاع، وإن المضمار اليوم، وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاربه الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظّعن، ودللتم على الزاد.
ألا أيها الناس، إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر. ألا إنّ " الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسعٌ عليمٌ " أيها الناس، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا
يفكّ أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرّها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل.
وعن ابن عباس قال: كتب إليّ علي بن أبي طالب بموعظة ما سررت بموعظةٍ سروري بها: أما بعد. فإن المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما بالك من دنياك فلا تكن بها فرحاً، وما فاتك منها فلا تتبعه أسفاً، وليكن سرورك على ما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمّك فيما بعد الموت.
ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلّى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفرقها وشبهت بشرورها السرور، وببلائها غليه ترغيباً وترهيباً، فيا أيها الذام للدنيا، المعللّ نفسه، متى خدعتك الدنيا، أو متى استذمّت إليك، أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى. كم مرضت ببدنك، وعللت بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، لا يغني عنك دواؤك ولا ينفعك بكاؤك.
وعن يحيى بن يعمر قال: قال علي بن أبي طالب:
إن الأمر ينزل من السماء كقطر المطر، لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان: في نفس، أو أهل، أو مال، فمن رأى نقصاً في أهله، أو نفسه، أو ماله ورأى لغيره غفيرة فلا يكونن ذلك له فتنة، فإن المسلم ما لم يغش جناءة يظهر تخشعاً لها إذا ذكرت، يغرى به لئام الناس، كالياسر الفالج، ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب
له المغنم، وتدفع عنه المغرم، فكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة بين إحدى الحسنيين. إذا ما دعا الله، فما عند الله خير له، وإما أن يرزقه الله مالاً، وإذا هو ذو أهل ومال، ومعه حسبه ودينه. الحرث حرثان: فحرث الدنيا: المال والبنون، وحرث الآخرة: الباقيات الصالحات، وقد يجمعهما الله لأقوام.
قال سفيان: ومن يحسن يتكلم بهذا الكلام إلا علي؟.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: ذمتي رهينة، وأنا به زعيم، لا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل، وإن أجهل الناس من لم يعرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره، وإن أبغض الناس إلى الله عزّ وجلّ رجل قمش علماً في أغمار من الناس غشّوه، أغار فيه بأغبار الفتنة، عمي عمّا في رتب الفتنة سماه أشباه الناس عالماً ويم يغن في العلم، ذكر فاستكثر ما قلّ منه، وما قل منه خير مما أكثر، حتى ارتوى من آجن، واستكثر من غير طائل، جلس للناس مغيثاً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً من رأيه، فهو من قطع المشتبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أخطأ أم أصاب، خبّاط جهالات، ركّاب عمايات، لا يعتذر مما لا يعلم ليسلم، ولا يعضّ على العلم بضرسٍ قاطع فيغنم، تبكي منه الدماء، وتصرخ منه المواريث، ويستحل بقضائه الفرج الحرام لا مليءٌ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما قرّظ به، أولئك الذين حقت عليهم النياحة أيام الدنيا.
قال: وهذا الفريق الذين وصفهم أمير المؤمنين في الجهالة الأراذل السّفلة قد كثروا في زماننا، وغلبوا على أهله، واستعلوا على علمائه، والربانيين فيه، وإلى الله المشتكى. وقد تظاهرت الأخبار عن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا.
وعن الحسن بن علي قال: قال لي أبي علي بن أبي طالب: أي بنيّ، لا تخلّفنّ وراءك شيئاً من الدنيا، فإنك تخلّفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما سعيت به، وإما رجل عمل فه بمعصية الله فكنت عوناً له على ذلك. وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك.
وعن علي قال: كونوا في الناس كالنحلة في الطير، إنه ليس في الطير شيء إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحبّ.
وعن علي بن أبي طالب قال: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، والوحشة أشد من العجب.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: يا حملة القرآن، اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه. أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله.
وعن علي بن أبي طالب قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.
وعن علي قال: كلمات لو رحلتم فيهن المطي لأنضيتموهنّ قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرج عبدٌ إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا دينه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم وفي رواية: أن يقول: لا أعلم واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وعن علي قال:
ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخّص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره. إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها.
وعن علي قال: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لن يقلّ عمل مع التقوى، وكيف يقلّ عمل يتقبّل؟.
قال عكرمة: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن مسيرنا هذا إلى أهل الشام: بقضاء وقدر؟ فقال علي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما قطعنا وادياً، ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر، فقال الشيخ: عند الله احتسبت عنائي، فقال علي: ولم يك أعظم الله أجركم في مسيرنا، وأنتم مصعدون، وفي منحدركم وأنتم منحدرون، وما كنتم في شيء من أموركم مكرهين، ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقنا إليها؟ قال: ويحك! لعلك ظننته قضاء لازماً، وقدراً حاتماً، لو كان ذلك لسقط الوعد والوعيد، ولبطل الثواب والعقاب، ولا أتت لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة من الله لمحسن، ولا كان المحسن أولى بثوب الإحسان من المذنب. ذلك مقال إخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وهم قدريّة هذه الأمة ومجوسها، ولكن الله تعالى أمر بالخير تخيراً، ونهى عن الشر تحذيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يملك تعويضاً، ولا خلق السموات والأرض، وما
أرى فيهما من عجائب آياتهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، فما كان القضاء والقدر الذي كان فيه مسيرنا ومنصرفنا؟ قال: ذلك أمر الله وحكمته، ثم قرأ علي " وقضى ربّك ألا تعبدوا إلى إيّاه " فقام الشيخ تلقاء وجهه ثم قال: البسيط
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ... يوم النّشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما مكان ملتبساً ... جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا
قال الحارث: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم لا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: بحر عميق لا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أول ما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: فيستعملك كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أيها السائل، ألست تسأل ربك العافية؟ قال: نعم، قال: فمن أي شيء تسأله العافية: أمن البلاء الذي ابتلاك به غيره؟ قال: من البلاء الذي ابتلاني به، قال: أيها السائل، تقول: لا حول ولا قوة إلا بمن؟ قال: إلا بإذنه العلي العظيم، قال: فتعلم ما تفسيرها؟ قال: تعلمني مما علمك الله يا أمير المؤمنين.
قال: إن تفسيرها: لا يقدر على طاعة الله، ولا يكون له قوة في معصية الله في الأمرين جميعاً إلا بالله. أيها السائل، ألك مع الله مشيئة، أو فوق الله مشيئة، أو دون الله مشيئة؟ فإن قلت: إن لك دون الله مشيئة فقد اكتفيت بها عن مشيئة الله، وإن زعمت أن لك فوق الله مشيئة فقد ادعيت أن قوتك ومشيئتك عاليتان على قوة الله ومشيئته، وإن زعمت أن لك مع اله مشيئة فقد ادعيت مع الله شركاً في مشيئته. أيها
السائل، إن الله يشج ويداوي، فمنه الداء، ومنه الدواء. أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم. قال علي: الآن أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه، ثم قال علي: لو أن عندي رجلاً من القدرية لأخذت برقبته، ثم لا أزال أجأها حتى أقطعها، حتى أقطعها، فإنهم يهود هذه الأمة.
قال الأحنف بن قيس: ما سمعت بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي حيث يقول: إن للنكبات نهايات، لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أني ينام لها حتى تنقضي مدتها، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها.
قال الأحنف وفي مثله يقول القائل: البسيط
الدّهر يحنق أحياناً فلا ديةٌ ... فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب
حتى يفرّجها في حالٍ مدّتها ... فقد يزيد احتناقاً كلّ مضطرب
ولأبي تمام: الطويل
ومن لم يسلّم للنوائب أصبحت ... خلائقه جمعاً عليه نوائبا
قام رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان؟ قال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد.
فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب: فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين: فمن تبصّر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.
ٍوالعدل منها على أربع شعب: غائص يعني: الفهم، وشرائع الحكم، وزهرة العلم، وروضة الحلم، فمن فهم فسّر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرّط أمره، وعاش في الناس جميلاً.
والجهاد على أربع شعب: على أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين: فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر رغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب غضب الله له. قال: فقام إليه السائل فقبّل رأسه.
قيل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، ما السخاء؟ قال: ما كان منه ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم.
كتب علي إلى بعض عماله: أما بعد. فلا تطوّلن حجابك على رعيتك، فإن احتجاب الولاة على الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل، وإنما الوالي بشرٌ، لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب، فتحصّن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب، فإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من حقّ واجبٍ أن تعطيه، أو خلق كريم تسديه، وغما مبتلى بالمنع، فما أسرع كفّ الناس عن
مسألتك إذا يئسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤنة فيه عليك، من شكاة مظلمةٍ، أو طلب إنصافٍ. فانتفع بما وصفت لك، واقتصر على حظك ورشدك، إن شاء الله.
وعن علي عليه السلام قال: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف.
قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحبّ لهم ما يحبّ لنفسه.
وعن علي بن أبي طالب قال: لا تؤاخ العاجز، فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أن لك مثله، ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك، ومخرجه من عندك شين وعار، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك، ولا ينفعك، وربما أراد أن ينفعك فيضرك، فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك، وينقل الحديث إليك وغن يحدّث بالصدق فما يصدّق.
قال علي بن أبي طالب: إني لأستحي من الله أن يكون ذنبٌ أعظم من عفوي، أو جهلٌ أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري، أو خلّة لا يسدّها جودي.
وعن علي قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتّعس في اللذة. قيل: وما التعس في اللذة؟ قال: لا ينال شهوةً حلالاً إلا جاءه ما ينغّصه إياه.
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فأطراه، وكان يبغضه، فقال له: إني ليس كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.
وعن عل يكرم الله وجهه قال: حسب حسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وديني دين النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن نال مني شيئاً فإنما يناله من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عروة أن رجلاً وقع في علي بمحضر من عمر، فقال عمر: تعرف صاحب هذا القبر، محمد بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب ابن عبد المطلب. لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره. وفي رواية: فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره.
قال الشعبي: كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة.
كتب معاوية إلى علي بن أبي طالب:
يا أبا الحسن، إن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيداً في الجاهلية، وصرت ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، فقال علي: أبا الفضائل يفخر عليّ ابن آكلة الأكباد؟ ثم قال: اكتب يا غلام: الوافر
محمدٌ النبيّ أخي وصهري ... وحمزة سيّد الشهداء عمّي
وجعفرٌ الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمدٍ سكني وعرسي ... مسوطٌ لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمدٍ ولداي منها ... فأيّكم له سهمٌ كسهمي؟
سبقتكم إلى الإسلام طرّاً ... صغيراً ما بلغت أوان حلمي
فقال معاوية: أخفوا هذا الكتاب، لا يقرأه أهل الشام، فيميلون إلى ابن أبي طالب.
قال جابر بن عبد الله: سمعت علياً ينشد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع: البسيط
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي ... معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول الله منفردٌ ... وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدّقته وجميع الناس في بهمٍ ... من الضلالة والإشراك والنكد
فالحمد لله شكراً لا شريك له ... البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " صدقت يا علي ".
وقال علي بن أبي طالب: الوافر
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ير لانكشاف الصبر وجهٌ ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ... يجيء به القريب المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرج القريب
قال الشعبي: قال علي بن أبي طالب لرجل وكره له صحبة رجلٍ؛ فقال له: الهزج
لا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى ... حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
وللشيء من الشيء ... مقاييسٌ وأشباه
وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه
ومن شعر علي عليه السلام: مجزوء الكامل
كم فرحةٍ مطويةٍ ... لك بين أثناء النوائب
ومسرّة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
حدّث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه قال: وقف علي بن أبي طالب على قبر فاطمة فأنشأ يقول: الطويل
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني ... بردّ الهموم الماضيات وكيل
لكلّ اجتماعٍ من خليلين ... فرقةٌ وكلّ الذي قبل الممات قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ ... دليلٌ على ألاّ يدوم خليل
ستعرض عن ذكري وتنسى مودّتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل
إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي ... فإن عناء النائبات قليل
وله: المتقارب
لا تفش سرّك إلاّ إليك ... فإنّ لكلّ نصيحٍ نصيحا
فإني رأيت غواة الرجال ... لا يتركون أديماً صحيحا
وله: الوافر
نقشنا ودّ إخوان الصفاء ... بأقلام الهباء على الهواء
فكلّهم ذئابٌ في ثيابٍ ... حياتهم وفاةٌ للحياء
وله: مجزوء الكامل
الصّبر من كرم الطبيعه ... والمنّ مفسدة الصنيعه
والحقّ أمنع جانباً ... من قلّة الجبل المنيعه
والشرّ أسرع جريةً ... من جرية الماء السريعه
ترك التعاهد للصّدي ... ق يكون داعة القطيعه
وله: الطويل
إن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً ... ولكنني أرضى به حين أحوج
ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ... ولي فرسٌ للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوّمٌ ... ومن شاء تعويجي فإنّي معوج
وعن أيوب السّختياني قال:
من أحبّ أبا بكر فقد أقام الدّين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحبّ عليّاً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد برئ من النفاق.
قال سفيان الثوري: حبّ علي من العبادة، وأفضل العبادة ما كتم.
قال يحيى بن آدم: ما أدركت أحداً بالكوفة إلاّ يفضل عليّاً، يبدأ به، وما استثنى أحداً غير سفيان الثوري.
قال عبد الرزاق: قال معمر مرة وأنا مستقبله، وتبسّم، وليس معنا أحد، قلت: ما شأنك؟ قال: عجبت من أهل الكوفة، كأن الكوفة إنما بنيت على حبّ علي، ما كلمت أحداً منهم إلاّ وجدت المقتصد منهم الذي يفضل علياً على أبي بكر وعمر، منهم سفيان الثوري، قال: فقلت لمعمر وأريت كأني أعظمت ذلك فقال معمر: وما ذاك؟ لو أن رجلاً قال: عليّ أفضل عندي منهما ما عنّفته إذا ذكر فضلهما، إذا قال: عندي، ولو أن رجلاً قال: عمر عندي أفضل من علي وأبي بكر ما عنّفته. قال عبد الرّزاق: فذكرت ذلك لوكيع بن
الجراح ونحن خاليان فاشتهاها أبو سفيان وضحك، وقال: لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحدّ، ولكنه أفضى إلى معمر ما لم يفض إلينا.
وكنت أقول لسفيان: يا أبا عبد الله، أرأيت إن فضلنا عليّاً على أبي بكر وعمر ما تقول في ذلك؟ فيسكت ساعة ثم يقول: أخشى أن يكون طعناً على أبي بكر وعمر، ولكنا نقف. قال عبد الرزاق: وأخبرنا ابن التيمي يعني: معتمراً قال: سمعت أبي يقول: فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمئة منقبة، وشاركهم في مناقبهم. عثمان أحبّ إليّ منه.
وعن سالم مولى أبي الحسين قال: كنت جالساً مع أبي الحسين زيد بن علي، ومعه ناس من قريش، ومن بني هاشم، وبني مخزوم، فتذاكروا أبا بكر وعمر، فكأنّ المخزوميين قدّموا أبا بكر وعمر، وزيد ساكت، لا يقول لهم شيئاً، ثم قاموا فتفرّقوا، فعادوا بالعشي إلى مجلسهم، فقال زيد بن علي: إني سمعت مقالتكم، وإني قلت في ذلك كلمات، فاسمعوهنّ ثم أنشد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم: الطويل
ومن فضّل الأقوام يوماً برأيهم ... فإنّ عليّاً فضّلته المناقب
وقول رسول الله والحقّ قوله ... وإن رغمت فيه الأنوف الكوذاب
بأنّك مني يا عليّ معالناً ... كهارون من موسى أخٌ لي وصاحب
دعاه ببدرٍ فاستجاب لأمره ... فبادر في ذات الإله يضارب
فما زال يعلوهم به وكأنّه ... شهابٌ تثنّى بالتّوائم ثاقب
أنشد القاسم بن يسار وأبو عبد الله بن الحميم: الطويل
إذا ما ذكرنا من عليّ فضيلةً ... رمونا لها جهلاً بشتم أبي بكر
يديروننا لا قدّس الله أمرهم ... على شتمه تبّاً لذلك من أمر
إذا ما ذكرنا فضله فكأنما ... نجرّعهم منحه أمرّ من الصّبر
وهل يشتم الصّدّيق من كان مؤمناً ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر
وقد سال الصّدّيق من آل هاشمٍ ... عليّ الهدى عند ارتداد ذوي الكفر
فقال له إن مانعوك زكاتهم ... وما كان قد يعطونه سيّد البدر
فحارب على ردّ الشريعة إنها ... شريعة ربّ الناس ذي العزّ والفخر
فلا تنكروا تفضيل من كان هادياً ... فإن عليّاً خيركم يا بني فهر
ويروى: حبركم وحرّكم.
قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: إن تركتنا الذنوب والخطايا حتى نجتمع مع علي بن أبي طالب عليه السلام يوم القيامة فسيعلم الروافض من هو أشدّ حبّاً له: نحن أو هم.
ومن شعر أبي حفص عمر بن عبد الله بن خليل: المتقارب
يقولون لي لا تحبّ الوصيّ ... فقلت الثرى بفم الكاذب
أحبّ النّبيّ وآل النّبيّ ... وأختصّ آل أبي طالب
وأعطي الصحابة حقّ الولاء ... وأجري على السّنن الواجب
فإن كان نصباً ولاء الجميع ... فإنّي كما زعموا ناصبي
وإن كان رضاً ولاء الجميع ... فلا برح الرفض من جانبي
وأنشد إسحاق بن خلف الشاعر: البسيط
إني رضيت عليّاً قدوةً علماً ... كما رضيت عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفصٍ وشيعته ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدّار
إن كنت تعلم أني لا أحبّهم ... إلاّ لوجهك فأعتقني من النّار
قال أبو إسحاق السّبيعي: حججت، وأنا غلام، فمررت بالمدينة، فرأيت الناس عنقاً واحداً، فاتّبعتهم، فأتوا
أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم فسمعتها وهي تقول: يا شبث بن ربعي، فأجابها رجل خلف حجاب: لبيك يا أمه، فقالت: أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناديكم؟ فقال: إنا نقول شيئاً، يريد: عرض هذه الحياة الدّنيا فقالت: سمعت رسول الله يقول: " من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني سبّه الله تعالى ".
حدّث شيخ من بني هاشم قال: رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه، وهو يغطيه، فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد جعلت لله عليّ ألاّ يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته: كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب، كثير الذكر له بالمكروه، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آتٍ في منامي، فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي، وضرب شقّ وجهي، فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى.
وعن علي بن أبي طالب قال: والله، ما ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت الذي قيل لي، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، تبعني من تبعني، وتركني من تركني.
وعن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليّاً، وقد وطئ الناس على عقبيه حتى أدموهما، وهو يقول: اللهم، إني قد مللتهم، وملّوني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني، قال: فما كان إلا ذلك اليوم حتى ضرب على رأسه.
قال أبو صالح الحنفي: رأيت علي بن أبي طالب آخذاً بمصحف فوضعه على رأسه حتى غني لأرى فرقه يتقعقع، ثم قال: اللهم، إنهم منعوني ما فيه فأعطين ما فيه، ثم قال: اللهم، إني قد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي، وخلقي، وأخلاقٍ لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني. اللهم، مث قلوبهم ميث الملح في الماء. قال إبراهيم: يعني أهل الكوفة.
قال زهير بن الأقمر الزّبيدي: خطبنا علي فقال: أنبئت بسراً قد اطلع اليمن وإني والله قد خشيت أن يدخل هؤلاء القوم عليكم وما بي إن يكونوا أولى بالحقّ منكم، ولن تطيعوني في الحقّ كما يطيعون إمامهم في الباطل ما ظهروا عليكم، ولكن بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وطواعيتهم إمامهم، وعصيانكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم. استعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلى معاوية. فوالله، لو أني أمنت أحدكم على قدح لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم، قد كرهتهم وكرهوني، وسئمتهم وسئموني، اللهم، فأرحني منهم وأرحهم مني. قال: فما جمّع.
وعن أنس بن مالك قال: مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فتحولت عن مجلسي، فجلس النّبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كنت جالساً، وذكر كلاماً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً ".
وعن أبي رافع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت تقتل على سنّتي ".
وعن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليّاً يقول: لتخضبنّ هذه من هذه، قالوا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا به، والله لنبيرنّ عترته،
قال: أنشد الله أن يقتل فيّ غير قاتلي، قالوا: استخلف عليا، قال: لا، أدعكم إلى ما ودعكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: فماذا تقول لربّك وفي حديث غيره: إذا لقيته وقد تركتنا هملاً؟ قال: أقول: اللهم، ربّ تركتني فيهم ما بدا لك، فلما قبضتين تركتك فيهم. فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.
حدث أبو سنان الدؤلي أنه عاد عليّاً في شكوى اشتكاها، قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذا، فقال: ولكنني والله ما تخوّفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصادق المصدوق يقول: " إنك ستضرب ضربه هاهنا وأشار إلى صدغه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود ".
وفي حديث آخر بمعناه: كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود، نسبه إلى جده الأدنى.
قال زيد بن وهب: قدم علي على قوم من البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له: الجعد بن بعجة، فقال له: اتقّ الله يا علي، فإنك ميّت، فقال علي: بل مقتول: ضربةٌ على هذا تخضب هذه يعني: لحيته من رأسه عهد معهود، وقضاء مقضيّ " وقد خاب من افترى ".
وعاتبه في لباسه فقال: ما لكم ولباسي؟ هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بين المسلم.
وعن أبي الطّفيل أن عليّاً جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم فردّه مرتين، ثم قال علي: ما يحبس أشقاها؛ فواله لخضبنّ هذه من هذا ثم تمثّل: الهزج
اشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيك
ولا تجزع من القتل ... إذا حلّ بواديك
وعن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز فقال لي: لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وايم الله، لقد أخبرني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو الأٍسود: فما رأيت كاليوم قطّ محارباً يخبر بهذا عن نفسه.
وعن صهيب قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أشقى الأولين؟ " قال: عاقر الناقة، " قال: فمن أشقى الآخرين؟ " قال: لا علم لي يا رسول الله، قال: " الذي يضربك على هذه وأشار بيده إلى يافوخه يخضب هذه من هذه يعني: لحيته " فكان علي يقول: ألا يخرج الأشقى الذي يخضب هذه يعني: مفرق رأسه.
وعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وكان أبو فضالة من أهل بدر قال: خرجت مع أبي عائداً لعلي من مرض أصابه ثقل منه، قال: فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم تك إلا أعراب جهينة تحمل لك المنية، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلّوا عليك، فقال علي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ ألا أموت حتى أؤمّر، ثم تخضب هذه يعني: لحيته من هذه يعني: هامته فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين.
قال سعيد بن المسيّب: رأيت عليّاً على المنبر، وهو يقول: لتخضبنّ هذه من هذه وأشار بيده إلى لحيته وجبينه فما يحبس أشقاها؟ قال: فقلت: لقد ادعى علي علم الغيب. فلما قتل علمت لأنه قد كان عهد إليه.
وعن عائشة قالت: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم التزم عليّاً، وقبّله، ويقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد.
وعن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، من بطن ينبع. فلما نزلها
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقام بها شهراً، فصالح بها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة، فوادعهم، فقال له علي بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء نفر من بني مدلج، يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم، فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض، فنمنا فيه، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقدمه، فجلسنا وقد تترّبنا من تبك الدقعاء فيومئذٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا أبا تراب "، لما عليه من التراب. فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركما بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا: بلى، يا رسول الله، فقال: " أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على رأسه حتى يبلّ منها هذه، ووضع يده على ليحته ".
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أشقى ثمود؟ " قالوا: عاقر الناقة، قال: " فمن أشقى هذه الأمة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " قاتلك يا علي ".
وعن عمرو بن أبي جندب قال: مرّ بنا علي بصفين وليس معه أحد، فقال له سعيد: أما تخشى أن يغتالك عدو، فإني لا أرى معك أحداً؟ قال: إن لكل عبدٍ حفظة يحفظونه، لا يخرّ عليه حائط، أو يتردّى في بئر حتى إذا جاء القدر الذي قدّر له خلت عنه الحفظة، فأصابه ما شاء الله أن يصيبه.
وعن أبي نصر قال: كنا جلوساً حول سيدنا الأشعث بن قيس إذ جاء رجل بيده عنزة، فلم نعرفه، وعرفه. قال: أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قال: تخرج هذه الساعة، وأنت رجل محارب؟! قال: إن عليّ من الله جنّة حصينة، إذا جاء القدر لم تغن شيئاً. إنه ليس من الناس أحد إلاّ وقد وكّل به ملك، ولا تريده دابة ولا شيء إلاّ قال: اتّقه، اتّقه، فإذا جاء القدر خلا عنه.
وعن يعلي بن مرّة قال:
كان علي يخرج بالليل إلى المسجد ليصلي تطوعاً، وكان الناس يفعلون ذلك، حتى كان شبث الحروري، فقال بعضنا لبعض: لو جعلنا علينا عقباً يحضر كل ليلة منا عشرة، فكنت في أول من حضر، فألقى درّته ثم قام يصلي. فلما فرغ أتانا، فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: نحرسك، فقال: من أهل السماء؟ قال: فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء، وإنّ عليّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عني، وإنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
دخل الحسن بن علي على معاوية فقال معاوية: أبوك الذي كان يقاتل أهل البصرة، فإذا كان آخر النهار مشى في طرقها! قال: علم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه. فقال معاوية: صدقت.
وعن حكيم بن سعد أنه قيل لعلي: لو علمنا قاتلك لأبرنا عترته، فقال: مه، ذكم الظلم. النفس بالنفس، ولكن اصنعوا ما صنع فقال: النبي قتل، ثم أحرق بالنار.
وعن معاوية بن جوين الحضرمي قال: عرض عليّ الخيل، فمرّ عليه ابن ملجم، فسأله عن اسمه أو قال: نسبه فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت، حتى انتسبت إلى أبيه، فقال: صدقت. أما إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثني أن قاتلي شبه اليهود، هو يهودي، فامضه.
قال عثمان بن المغيرة: لما أن دخل رمضان كان علي يتعشى ليلة عند الحسن والحسين وابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ، إنما هي ليلة أو ليلتين، فأصيب من الليل.
حدّث الحين بن كثير عن أبيه وكان أدرك عليّاً قال: خرج علي إلى الفجر، فأقبل الوز يصحن في وجهه، فطردوهن عنه، فقال:
ذروهنّ فإنهنّ نوائح، فضربه ابن ملجم، فقيل: يا أمير المؤمنين، خلّ بيننا وبين مراد، فلا نقوم لهم راعية أو راغبة أبداً، قال: لا، ولكن احبسوا الرجل، فإن أمت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص.
وعن الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النّبّاح حين طلع الفجر يؤذن بالصلاة، وهو مضطجع، فتثاقل فعاد إليه ثانية، وهو كذلك، ثم عاد الثالثة، فقام علي يمشي وهو يقول:
شدّ حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت ... إذا حلّ بواديكا
فلما بلغ الباب الصغير شدّ عليه عبد الرّحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة.
قال أبو عون الثقفي: كنت اقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه. قال أبو عبد الرّحمن: فاستعمل أمير المؤمنين عليٌّ رجلاً من بني تميم يقال له: حبيب بن مرّة على السّواد، وأمره أن يدخل الكوفة من بالسواد من المسلمين، فقلت للحسن بن علي: إن لي ابن عم في السواد يحب أن يقوم مكانه، فقال لي: تغدو غداً على كتابك وقد ختم، فغدوت من الغد فإذا الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، فقلت للغلام: أنفذ بي إلى القصر، فدخلت القصر، فإذا الحسن بن علي قاعد في مسجد في الحجرة، وإذا صوائح، فقال: ادن إلي يا أبا عبد الرّحمن، فجلست إلى جنبه، فقال لي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بنيّ، إنّي بتّ البارحة أوقظ أهلي، لأنها ليلة الجمعة، صبيحة بدر لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللّدد
قال: والأود: العوج، واللّدد: الخصومات، فقال لي: " ادع عليهم "، قال: قلت: اللهم أبدل لي بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ مني، فجاء ابن النّبّاح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطّاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. قال أبو هشام: قال لي أبو أسامة: إني أغار عليه كما يغار الرجل على المرأة الحسناء، لا تحدّثن به ما دمت حيّاً.
قال أبو أسامة
في هذا الحديث ثلاثة عشر حديثاً: فيه أن الحسن بن علي قرأ علي أبي عبد الرحمن، وأن أبا عبد الرحمن سأل الحسن بن علي حاجة، وهو يقرأ عليه، وأن عليّاً كره أن يدخل المسلمون السواد، وأن الحسن شفع في أن ينزل رجل بالسواد من المسلمين وأن علي بن أبي طالب كان إذا كتب ختم كتابه، وأنه اتّخذ مسجداً في حجره، وأنه صيح عليه، فلم ينكره الحسن، وأنا علياً نام وهو جالس، فلم يتوضأ، وأنه قال: الأود: العوج، واللّدد: الخصومات، وأنه كان له مؤذّن يؤذنه بالصلاة، وأنه كان لباب داره طاق، وأنه قتل فيه.
وعن الليث بن سعد: أن عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليّاً في صلاة الصبح على دهس، بسيفٍ كان سمّه بالسّمّ، ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلاً.
وعن ابن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام، وأنا وحسن جلوس في الحمام. فلما دخل كأنّهما اشمأزّا منه، وقالا: ما جرّأك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه منكما، فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا. فلما كان يوم أتي به أسيراً قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام، فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه، قتلتي " ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ".
قال محمد بن سعد قالوا:
انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من حمير، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، وتعاهدوا، وتعاقدوا ليقتلنّ هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب، وقال البرك، أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك، وتعاقدوا، وتواثقوا ألاّ ينكص رجل منهم على صاحبه الذي سمّى، ويتوجه إليه حتى يقتله، أو يموت دونه، فاّتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من بدر رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد، وكان يزورهم ويزورونه، فزار يوماً نفراً من بني تيّم الرباب، فرأى امرأى منهم يقال لها قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان فأعجبته فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي فقال: لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب، فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب، وقد أعطيتك ما سألت. ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ما يريد، ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك، وظلّ عبد الرحمن تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده، حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث، فضحك الصبح، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدّة التي يخرج منها علي. قال الحسن بن علي: وأتيته سحراً، فجلست إليه فقال: إني بتّ الليلة أوقظ أهلي، فملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمت من الأود واللّدد! فقال لي: " ادع عليهم "، فقلت: اللهم، أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني، ودخل ابن النّبّاح المؤذن على ذلك، فقال: الصلاة، فأخذت بيده فقام يمشي، ابن النّبّاح بين يديه، وأنا خلفه. فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس، الصلاة، الصلاة، كذلك كان يصنع في كل يوم يخرج، ومعه درّته يوقظ
الناس، فاعترضه الرجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف، وسمعت قائلاً يقول: لله الحكم يا علي، لا لك، ثم رأيت سيفاً ثانياً، فضربا جميعاً، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع علياً يقول: لا يفوتنّكم الرجل، وشدّ النسا عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم، فأدخل على عليّ فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش، فأنا وليّ دمي عفو أو قصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين، فقالت أم كلثوم بنت علي: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين؟ قال: ما قتلت إلا أباك، قالت: فوالله إني لأرجو ألاّ يكون على أمير المؤمنين بأس، قال: فلم تبكين إذاً؟ ثم قال: والله لقد سممته شهراً يعني: سيفه فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه، وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي، فقال: أي بني، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين، فذهب، فنظر إليه ثم رجع، فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عيني دميع ورب الكعبة. قال: ونكب علي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد الله وجعفر، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها قميص.
قالوا: وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن. فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن ملجم، فأخرجه من السجن ليقتله، فاجتمع النّاس وجاؤوا بالنّفط والبواري والنار، فقالوا: نحرقه، فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية: دعونا حتى نشفي أنفسنا منه، فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمّى، فلم يجزع وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك بملمول ممضّ، وجعل يقرأ: " اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علقٍ " حتى أتى على آخر السورة كلها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه، فجزع فقيل له، قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك يا عدو الله، فلم
تجزع. فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟! فقال: ما ذاك من جزع، إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم جعلوه في قوصرّة وأحرقوه بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغير فلم يستأن به بلوغه.
وكان عبد الرحمن بن ملجم رجلاً أسمر، أبلج، شعره مع شحمة أذنه، في جبهته أثر السجود.
وعن أبي تحيى قال: لما ضرب ابن ملجم علياً الضربة قال علي: افعلوا به كما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أني فعل برجل أراد قتله، فقال: اقتلوه ثم حرّقوه.
ولما ضرب ابن ملجم علياً عليه السلام قال علي: فزت وربّ الكعبة.
وعن شقيق بن سلمة قال: قيل لعلي بن أبي طالب: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن إن يرد الله بالناس خيراً استجمعهم بعدي علىخيرهم، كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم.
وعن عقبة بن أبي الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم علياً دخل عليه السحن، وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بنيّ؟ قال: وما لي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا؟ فقال: يا بني، احفظ أربعاً وأربعاً لا تضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا أبه؟ قال: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق. قال: قلت: يا أبه، هذه الأربع فأعطني الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة
الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرّب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه.
فلما فرغ علي من وصيته قال: أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم بشيء إلا: لا إله إلا الله حتى قبضه الله، رحمة الله ورضوانه عليه، وصلى عليه الحسن، وكبّر عليه أربعاً، ودفن في السّحر.
قال هارون بن سعد: كان عند علي مسك أوصى أن يحتفظ به، وقال: فضل من حنوط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ون الحسن بن علي قال: دفنت أبي علي بن أبي طالب في حجرة أو قال: في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة.
قال عبد الملك بن عمير: لما حفر خالد بن عبد الله أسا دار يزيد ابنه استخرجوا شيخاً مدفوناً، أبيض الرأس واللحية، فقال: أتحبّ أن أريك علي بن أبي طالب؟ فكشف لي فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس، طري فقال: يا غلام، عليّ بحطبٍ ونار، فقال الهيثم بن العريان: ليس يريد القوم منك هذا كله، قال: يا غلام، عليّ بقباطي، فلفّه فيها وحنّطه، وتركه مكانه، قال أبو زيد بن طريف: هذا الموضع بحذاء باب الوراقين، مما يلي قبلة المسجد بيت إسكاف، وما يكاد يقرّ في ذلك الموضع أحدٌ إلاّ انتقل عنه.
وقيل: إنه لا يعلم أين موضع قبره، وقيل دفن بالكوفة عند قصر بالإمارة ليلاً، وعمّي دفنه. وقيل: دفن عند المسجد الجامع. ويقال: دفن في موضع القصر، ويقال في الرّحبة التي تنسب إليه. ويقال: في الكناسة. ويقال: إن الحسن والحسين وابن الحنفية
وعبد الله بن جعفر وعدّة من أهل بيتهم خرجوا به ليلاً، فدفن في ظاهر الكوفة، فعل به ذلك مخافة أن ينبشه الخوارج وغيرهم.
جاء رجل إلى شريك فقال: أين قبر علي بن أبي طالب، فأعرض عنه، حتى سأله ثلاث مرات، فقال له: في الرابعة، نقله الحسن بن علي إلى المدينة. قال الخطيب: هذا لفظ حديث البغوي. وقال: قال عبد الملك: وكنت عند أبي نعيم فمرّ قوم على حمير، قلت: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون قبر علي بن أبي طالب، فالتفت إليّ أبو نعيم فقال: كذبوا، نقله الحسن بن علي إلى المدينة.
قال محمد بن حبيب: أوّل من حوّل من قبر إلى قبر أمير المؤمنين عليّ. حوّله ابنه الحسن، وقيل حمله الحسن بعد صلحه مع معاوية فدفنه بالمدينة. قول غيره: حمله فدفنه بالثّويّة. ويقال: دفن بالبقيع مع فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال عيس بن داب: عمّي قبر علي. قال: وحدثني الحسن أنه صرّ في صندوق وأكثر عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء أضلوا البعير ليلاً، فأخذته طيء، وهم يظنون أن في الصندوق مالاً. فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا، فدفنوا الصندوق بما فيه، ونحروا البعير، وأكلوه.
وكان أبو جعفر الحضرمي مطيّن ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة قبر علي بن أبي طالب، وكان يقول: لو علمت الرافضة قبر من هذا لرجمته بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة، وقال مطيّن: لو كان هذا قبر علي بن أبي طالب لجعلت منزلي ومقيلي عنده أبداً.
وعن ابن شهاب قال: قدمت دمشق، وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه فوجدته في قبة على
فرس، يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت عليه، وجلست، فقال: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ وقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم. قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يسمعنّ منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي.
قال البيهقي: وروي عن الزهري إسنادي أصح من إسناد هذا الحديث أن ذلك كان في قتل الحسين.
وتوفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة، وكان يوم قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن سبع وعشرين. وقيل: توفي وهو ابن ثمان وخمسين، وولي خمس سنين وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع سنين.
وأسلم علي وهو ابن سبع سنين.
قال الشعبي: أقام علي بعد إسلامه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عشرين سنة، ومع أبي بكر وعمر ثلاث عشرة سنة، ومع عثمان اثنتي عشرة سنة، وولي خمس سنين.
وأهل بيته يقولون: قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة، ويقولون: أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، قالوا: وشهد بدراً وهو ابن عشرين سنة، وشهد الفتح وهو ابن ثمان وعشرين. وكان عظيم البطن، عظيم اللحية، قد ملأت ما بين منكبيه، وكان أصلع رحمه الله. وقيل: إن بن ملجم قتله لستٍ بقين من رمضان سنة أربعين.
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: سمعت ابن الحنفية يقول: سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي. قلت: وكم كانت سنّه يوم قتل؟ قال: ثلاث وستون سنة.
قال محمد بن عمر: وهو الثّبت عندنا.
وأم علي عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسلمت قديماً، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلّى الله عليه وسلّم ويوم ماتت صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، وتمرغ في قبرها، وبكى، وقال: " جزاك الله من أمٍ خيراً، فقد كنت خير أمّ "، وولدت لأبي طالب عقيلاً، وجعفر، وعلياً، وأم هانئ، واسمها فاختة، وحمامة. وكان عقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسنّ من علي بعشر سنين، وجعفر هو ذو الهجرتين، وذو الجناحين.
وقال أبو جعفر: توفي علي وله خمس وستون سنة، وكان عليّ، وطلحة، والزبير في سن واحدة.
قال سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " فقال لي: أمسك يعني: سفينة القائل لسعيد بن جمهان أمسك فذكر خلافة علي ستاً.
كذا قال في هذا الحديث، ولمي بلغ في الخلافة ست سنين.
وولد علي بمكة، في شعب بني هاشم، وقتل بالكوفة.
قال الهيثم بن عمران: بايع لعلي أهل العراق، ومكة، والمدينة، واليمن. فمكث رحمه الله خمس سنين، وقتله ابن ملجم.
ولما قتل بويع الحسن بن علي بن أبي طالب.
وكان بين مقتل عثمان إلى اصطلاح الحسن بن علي ومعاوية خمس سنين وثلاثة أشهر وسبع ليال.
وكان لعليّ تسع عشرة سرّيّة. إنما كان كثرة تسرّي أمير المؤمنين طلباً للنسل، لتكثير العابدين.
ولما قتل علي قام حسن بن علي خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد.
والله لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى، وفيها تيب على بني إسرائيل. والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا لحقه أحد كان بعده، وإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ليبعثه في السّرية، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. والله ما ترك صفراء ولا بيضاء، إلا ثماني مئة درهم، أو سبع مئة درهم أرصدها لخادم يشتريها.
وعن المغيرة قال: لما جيء معاوية بنعي علي، وهو قائل مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم، والحلم، والفضل، والفقه، فقالت امرأته: أنت بالأمس تطعن في غيبته، وتسترجع اليوم عليه؟! قال: ويلك! لا تدرين ماذا فقدوا من علمه، وفضله وسوابقه.
وكانت سودة بنت عمار تبكي علياً، وقالت: البسيط
صلى الإله على جسمٍ تضمّنه ... قبرٌ فأصبح فيه الجود مدفونا
قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً ... فصار بالحقّ والإيمان مقرونا
قال أبو عياض مولى عياض بن ربيعة الأسدي: أتيت علي بن أبي طالب، وأنا مملوك، فقلت: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك. فرفع رأسه إلي، فقال: ما أنت؟ قلت: مملوك، قال: لا، إذاً، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما أقول: إني إذا شهدتك نصرتك، وإن غبت نصحتك، قال: نعم، إذاً، قال: فبسط يده فبايعني.
قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبّي، وإلى البراءة مني، فأما السبّ فإنه لكم نجاة، ولي زكاة، وأما البراءة فلا تبرّؤوا مني، فإني على الفطرة.
وعن عمرو بن الأصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في دار عمرو بن حريث فقلت: إن ناساً يزعمون أن علياً يرجع قبل يوم القيامة! فضحك، وقال: سبحان الله، لو علمنا ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه.
وفي رواية عنه قال: قلت للحسن: إن هذه الشيعة يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة! فقال: كذب، أولئك الكذابون.
وفي حديث: والله ما هؤلاء بالشيعة.
بويع لعلي بالخلافة سنة خمس وثلاثين، فاستقبل المحرم سنة ست وثلاثين، وكان الذي عقد له عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، ولم يبايع خمسة له منهم: محمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمرو، وكانت الحرب بينه وبين معاوية خمس سنين وثلاث أشره واثنتي عشرة ليلة.
واسم أبي طالب عبد مناف، بن عبد المطلب واسمه شيبة، بن هاشم واسمه عمرو، بن عبد مناف واسمه المغيرة، بن قصي واسمه زيد أبو الحسن الهاشمي ابن عم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وختنه على ابنته، وأخوه وأبو سبطيه الحسن والحسين.
من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان بن عفان، يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري، ثم بويع للعامة من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقدم الجابية مع عمر بن الخطاب، وذكر الواقدي أنه لم يخرج مع عمر.
حدث أبو الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ فغضب، ثم قال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئاً كتمه عن الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: قل: " لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيّر منار الأرض ".
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت رجلاً مذّاءً، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، أو ذكر له، فقال: " لا تفعل إذا رأيت المذي فاغتسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فصحت الماء فاغتسل ".
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ".
وعن نافع أن عظيم أنباط الشام قال:
يا أمير المؤمنين إنا قد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً، فإن رأيت أن تحضره، فقال: وأين؟ فقال: في الكنيسة، فقال عمر: إن في كنائسكم الصور، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإنا لا ندخل بيتاً لا تدخله الملائكة.
وفي رواية قالوا: يا أمير المؤمنين قد أنفقنا عليك نفقة، وكلّفنا فيه مؤنةً. فقال عمر: يا علي انطلق فتغدّ وغدّ الناس، ففعل علي، فجعل يتغدّى ويغدّي الناس، وعلي ينظر إلى تلك الصّور التي في كنيستهم ويقول: ما كان على أمير المؤمنين أن لو دخل وتغدّى.
وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وأسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأم فاطمة بنت أسد فاطمة بنت هزم بن رواحة بن حدر بن عبد بن معيص بن عامر.
ويقال: إنّ علياً أول ذكر آمن بالله ورسوله. ويقال: أبو بكر الصّدّيق أول ذكر آمن بالله ورسوله.
وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار يتوارثون، فآخى عليّاً يوارثه حتى نزلت: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله "، فرجعت الوراثة إلى الأرحام.
وهو أحد أصحاب الشورى الستة الذين شهد لهم عمر بن الخطاب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهو عنهم راضٍ.
وله يقول أسيد بن أبي إياس بن زنيم بن محييه بن عبد بن عدي بن الديل وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويغريهم: من الكامل
في كلّ مجمع غايةٍ أخزاكم ... جذع أبرّ على المذاكي القرّح
لله درّكم ألمّا تنكروا ... قد ينكر الحيّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحاً وقتلة قعصةٍ لم يذبح
أعطوه خرجاً واتّقوا بمصيبةٍ ... فعل الذّليل وبيعةً لم تربح
أين الكهول وأين كلّ دعامةٍ ... في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قعصاً وضرباً يقتري ... بالسيف يعمل حده لم يصفح
وكان علي عليه الصلاة والسلام ربعة آدم، وقيل: أحمر ضخم المنكبين طويل اللحية أصلع عظيم البطن أبيض الرأس واللحية.
قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان سنين، ويقال: سبع سنين.
قال زهر بن معاوية: كان علي يكنى أبا قضم، وكان رجلاً آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع، وهو إلى القصر أقرب.
وكان خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وتسعة عشر يوماً، وقبض النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع وعشرين سنة.
وعلي أول من صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بني هاشم، وشهد المشاهد معه، وجاهد معه، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وفضائله أكثر من أن تحصى.
توفيت أمه فاطمة مسلمةً قبل الهجرة. وقيل: إنها هاجرت، وصلى عليها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودفنها وبكى عليها، فإنها كانت بارة به، قيمة بأمره.
وكان علي أصغر بني أبي طالب، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.
وكان علي من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة هارون من موسى، وصلى القبلتين جميعاً، وهاجر الهجرة الأولى، وشهد المشاهد كلها إلا تبوك، رده سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اخلفني في أهلي "، قال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ".
وقال يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فتطاول لها أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع إليه الراية، ففتح الله تعالى عليه.
ولما نزلت: " ندع أبناءنا وابناءكم " دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال:
وقال صلّى الله عليه وسلّم: " إنه أقضى الأمة ".
وشهد له سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة. ومات وهو عنه راض، رحمه الله وسلم عليه وحشرنا في زمرته.
وقال علي عليه السلام يوم خيبر: من الرجز
أنا الذي سمّتني أمي حيدره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السّندره
فسره ابن قتيبة أن علي بن أبي طالب ولد وأبو طالب غائب، وسمته فاطمة أمه أسداً باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم الذي سمته أمه به، وسماه علياً، فلما رجز علي يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمته به أمه.
وحيدرة من أسماء الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد، والسندرة: شجر تعمل منها القسي والنبل.
قال سهل بن سعد: استعمل على المدينة رجل من آل مروان، فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وأن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته، لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: " أين ابن
عمك؟ " فقالت: كان بينين وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: " انظر أين هو؟ " فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسحه عنه، ويقول: " قم أبا تراب، قم أبا تراب ".
وفي حديث آخر: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فخرج مغضباً حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه، فأتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " قم يا أبا تراب "، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبرديه ويقول: " قم يا أبا تراب، أغضبت أن آخيت بين الناس ولم أؤاخ بينك وبين أحد؟ " قال: نعم، فقال: " أنت أخي، وأنا أخوك ".
وعن أبي الطفيل قال: جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليّ عليه السلام نائم في التراب، فقال: " أحق أسمائك أبو تراب، أنت أبو تراب ". وفي حديث بمعنى حديث سعدٍ في مغاضبة فاطمة عليها السلام: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فإذا هو نائم في التراب فقال له: " يا أبا تراب ما ينيمك في التراب؟ والله، حجرة بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من التراب "، فقام.
قال أبو رجاء العطاردي: رأيت علي بن أبي طالب ربعة ضخم البطن، عظيم اللحية قد ملأت صدره، في عينيه خفش، أصلع شديد الصلع، كثير شعر الصدر والكتفين، كأنما اجتاب إهاب شاة.
وفي حديث الشعبي: أصلع على رأسه زغبات، له ضفيرتان.
وفي حديث: إلى القصر ما هو، دقيق الذراعين، لم يصارع أحداً قط إلا صرعه،
ومن أحاديث: كأنما كسر ثم جبر، لا يغير شيبه، خفيف المشي على الأرض، ضحوك السن، وكان من أحسن الناس وجهاً.
ولما دعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام كان ابن تسع سنين، ويقال: دون التسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره.
قال مجاهد: أول من صلى عليٌّ وهو ابن عشر سنين، وقيل: أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن أربع عشرة سنة، وكانت له ذؤابة، يختلف إلى الكتاب.
وقيل: إنه أول من أسلم بعد خديجة، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة.
وروي عن ابنعباس قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة ثم أناس ثم علي، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع الأنداد واللات والعزى، وأمرهم بالصلاة.
قال أبو نافع: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد، وصلى مستخفياً قبل أن يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أحدٌ سبع سنين وأشهر.
قال أنس: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء.
قال علي عليه السلام: عبدت الله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يعبد رجلٌ من هذه الأمة خمس سنين، أو سبع سنين.
وعن علي عليه السلام قال: أنا أول من أسلم.
وعنه قال: أنا أول من صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال حبّة العرني: رأيت علياً ضحك ضحكاً لم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه وهو على المنبر، فقال: بينا أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم نرعى ببطن نجلة، فنحن نصلي إذ وجدنا أبو طالب فقال: ماذا تصنعان يا بن أخ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أسلم "، وكلّمه، فقال: ما أدري ما تقول! وفي رواية فقال:
ما بما تقولان بأس، ولكن والله لا يعلوني استي. قال: فضحك لقول أبيه، ثم قال: اللهم لا أعرف عبداً لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها صلّى الله عليه وسلّم، ثلاث مرار، ثم قال: لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبعاً. قال: والله ما قال سبعة أيام، ولا سعة أشهر ولا سبع سنين.
قالت معاذ العدوية: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يخطب يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
قال الحارث: سمعت علياً يقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من صلى القبلة من الرجال مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عليّ.
قال علي بن أبي طالب: صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصلي معه أحد من الناس ثلاث سنين، وكان مما عهد إلي أن لا يبغضني مؤمن ولا يحبني كافر أو منافق، والله ما كذبت ولا كذّبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إلي.
قال عفيف: جئت في جاهلية إلى مكة، وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبد المطلب، وكان رجلاً تاجراً، وأنا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة، وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت، فذهبت، إذ أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم قام مستقبل الكعبة، فلم ألبث إلى يسيراً حتى جاء غلام، فقام عن يمينه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امرأة، فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة، فقتل: يا عباس، أمر عظيم! فقال العباس: أمر عظيم! تدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي، تدري من هذا الغلام؟ هذا ابن أخي علي، تدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. إن ابن أخي هذا حدثني عن أن ربه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، والله، ما على الأرض كلها أحدٌ على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
قال ابن عباس: أول من آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي، ومن النساء خديجة.
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي أول من آمن بي وصدقني ".
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين "، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " لم يكن معي من الرجال غيره ".
قال مالك بن الحويرث: كان علي أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء.
قال زيد بن أرقم: أول من أسلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب، فذكرت ذلك لإبراهيم فأنكره، قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر.
قال إبراهيم القرظيّ: كنا جلوساً في دار المختار ليالي مصعب، معنا زيد بن أرقم، فذكروا علياً، فأخذوا يتناولونه، فوثب زيد وقال: أف أف، والله إنكم لتتناولون رجلاً قد صلى قبل الناس بسبع سنين.
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد صلت الملائكة عليّ وعلى عليٍّ سبع سنين، لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ".
وعن أنس بن مالكقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلى عليّ الملائكة وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين، ولم تصعد أو ترتفع شهادة أن لا إله إلا الله من الأرض إلى السماء إلا مني ومن علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وأنكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً: علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان وأبي ذر قالا: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " ألا إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين ".
وفي رواية: " والمال يعسوب الكفار ".
قال أبو سخيلة: حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذر، فكنا عنده ما شاء الله، فلما حان منا خفوف قلت: يا أبا ذر، إني أرى أموراً قد حدثت، وإني خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: الزم كتاب الله عز وجل وعليّ بن أبي طالب، فأشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "
علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي ".
وعن قال: ستكون فتنة، فإن أدركهما أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب؛ فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو آخذ بيد علي: " هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي ".
وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: " يا قوم اتّبعوا المرسلين ". وحزقيال مؤمن آل فرعون الذي قال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله "، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم ".
وعن عبد الرحمن بن عوف: في قوله عز وجل: " والسابقون الأولون " قال: هم عشرة من قريش كان أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب.
وعن عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب: من أول من أسلم علي بن أبي طالب أبو بكر؟ قال: سبحان الله! علي أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أول من أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أول من أظهر إسلامه، وكان علي أولهم إسلاماً فاشتبه على الناس.
وفي حديث بمعناه عن محمد بن كعب القرظي: كان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ فقال: نعم، فقال: وازر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر.
وحدثت ليلى الغفارية قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مغازيه، فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلما خرج عليٌّ بالبصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني شيء من الشك، فأتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضيلة في علي؟ قالت: نعم. دخل علي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مع عائشة وهو على فريش لي، وعله جرد قطيفة فجلس بينهما فقالت له عائشة: أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، دعي لي أخي، فإنه أول الناس بي إسلاماً، وآخر الناس بين عهداً عند الموت، وأولى الناس بي يوم القيامة ".
وعن علي قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة وهو بمكة، فاتخذت له طعاماً، ثم قال لعلي: " ادع لي بني عبد المطلب "، فدعا أربعين، فقال لعلي: " هلم طعامك "، قال علي، فأتيتهم بثريدة، إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا، ثم قال: " اسقهم "، فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم، فشربوا منه حتى صدروا، فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم. فلبثوا أياماً ثم صنع لهم مثله، ثم أمرني فجمعتهم، فطعموا، ثم
قال لهم: " من يؤازرني على ما أنا عليه؟ ويتابعني على أن يكون أخي وله الجنة؟ " فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سناً وأحمشهم ساقاً، فسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك؟ قال: دعوه فلن يألو من ابن عمه خيراً.
وفي حديث بمعناه فقال: " يا بني عبد المطلب: إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ " قال: فلم يقم إليه أحد. قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم، قال: فقال: " اجلس "، قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: " اجلس "، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.
وعن علي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع قريشاً. ثم قال: " لا يؤدي أحد عني ديني إلا علي ".
وعن علي قال: لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً من أهل بيته، إن كان الرهط منهم لآكلاً الجذعة، وإن كان لشارباً فرقاً، فقدّم إليهم رجل يعني شاة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال لعلي: " تقضي ديني وتنجز موعدي ".
وعن علي قال:
لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل ". قال:
ففعلت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اجمع بني هاشم "، وهم يومئذ أربعون رجلاً، أو أربعون غير رجل. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطعام فوضعه بينهم، فأكلوا حتى شبعوا، وإن منهم ليأكل الجذعة بآدامها. ثم تناولوا القدح، فشربوا حتى رووا، وبقي فيه عامته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر، يرون أنه أبو لهب.
فقال الثالثة: " اصنع رجل شاة بصاع من طعام، واغد بقعب من لبن "، ففعلت، فقال: " اجمع بني هاشم "؛ فجمعتهم، فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكلام، فقال: " أيكم يقضي ديني، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ " قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثانية، وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثالثة، قال: وإني يومئذ لأسوؤهم هيئة، إني يومئذ لأحمش الساقين، أعمش العينين، ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " أنت يا علي، أنت يا علي ".
وعن علي قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين " فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليها حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما تؤمر به، سيعذبك ربك. " فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، وأمل لنا عساً من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ". فصنع لهم الطعام، وحضروا، فأكلوا وشبعوا، وبقي الطعام. قال: ثم تكلم
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وإني ربي أمرني أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ " فأحجم القوم عنها جميعاً، وإني لأحدثهم سناً، فقلت: أنا، يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: " هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ". فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.
وفي حديث بمعناه: فقال لهم: " يا بني عبد المطلب: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصياً ومنجزاً لعدته وقاضياً لدينه، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أصغرهم، فقال له: " اجلس ". فقدم إليهم الجذعة والفرق من اللبن فصدروا عنه حتى أنهلهم وفضل منه فضلة.
فلما كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول، ثم قال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً، ولا تكونوا أذناباً، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي، وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: " اجلس ".
فلما كان اليوم الثالث، أعاد عليهم القول، فقام علي بن أبي طالب فبايعه بينهم فتفل في فيه فقال أبو لهب: بئس ما جبرت به ابن عمك إذ أجابك إلى ما دعوته إليه، ملأت فاه بصاقاً.
وعن أبي رافع قال: كنت قاعداً بعدما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعباس: أيّدك الله، هل تعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: " يا بني عبد المطلب إنه لم يبعث الله نبياً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً
وخليفة في أهله، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي؟ ". فلم يقم منكم أحد؟ فقال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومن قائمكم، أو ليكونن في غيركم، ثم لتندمنّ "، فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم.
عن ابن عمر قال: حين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال: ما لي لم تؤاخ بيني وبين أحد من إخواني؟ فقال: " أنت أخي في الدنيا والآخرة ".
وعن أنس بن مالك قال:
آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المسلمين، فقال لعلي: " أنت أخي وأنا أخوك ". وآخى بين أبي بكر وعمر، وآخى بين المسلمين جميعاً.
وعن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أقول كما قال أخي موسى: " ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري " " واجعل لي وزيراً من أهلي " علياً أخي " اشدد به أزري " " إلى آخر الآيات.
وعن زيد بن أوفى قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده، فقال: " أين فلان؟ أين فلان؟ " فجعل ينظر في وجوه أصحابه، فذكر الحديث في المؤاخاة، وفيه: فقال علي: لقد ذهب روعي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي ". قال: وما أرث منك يا نبي الله؟ قال: " ما ورثت الأنبياء من قبلي ". قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: " كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة
مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي ". ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إخواناً على سررٍ متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض.
وعن ابن عباس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي وصاحبي ".
وعن محدوج بن زيد الهذلي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال: " يا علي، أنت أخي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، أما تعلم أن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي، فأقام عن يمين العرش في ظله، فأكسى حلّة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بأبيك إبراهيم عليه السلام، فيقام عن يمين العرش، فيكسى حلى خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين، فيكسون حللاً خضراً من حلل الجنة، وأنا أخبرك يا علي أنه أول من يدعى من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، يستتر به آدم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين، فيستظلون بظل لوائي، فتسير باللواء بين السماطين، الحسن بن علي عن يمينك، والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة، فينادي منادٍ من عند العرش: يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك، وهو علي، يا علي، إنك تدعى إذا دعيت، وتحيّا إذا حييت وتكسى إذا كسيت ".
وعن جعفر قال: سمعت أبا ذر وهو مستند إلى الكعبة، وهو يقول: أيها الناس، استووا أحدثكم مما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ يقول لعلي كلماتٍ، لو تكون لي إحداهن أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: " اللهم أعنه واستعن به! اللهم انصره وانتصر له، فإنه عبدك وأخو رسولك ".
وعن علي قال: طلبني النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجدني في جدول نائماً، فقال: " قم، ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب " قال: فرآني كأني قد وجدت في نفسي من ذلك، فقال: " قم، فوالله لأرضينّك، أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرئ عن ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة الجاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام ".
وعن ابن عباس: أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله يقول: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله إن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه.
وعن أنس بن مالك قال:
كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا علي بن أبي طالب أو سلمان الفارسي أو ثابت بن معاذ الأنصاري؛ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه على سؤاله، فلما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " وعلمنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعيت إليه نفسه، قلنا لسلمان: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نسند إليه أمورنا ويكون مفزعنا، ومن أحب الناس إليه؟ فلقيه فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، فخشي سلمان أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مقته ووجد عليه. فلما كان بعد لقيه، فقال: " يا سلمان، يا أبا عبد الله ألا أحدثك عما كنت سألتني؟ " فقال: يا رسول الله، خشيت أن تكون قد مقتّني ووجدت عليّ، قال: " كلا يا سلمان، إن أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركت بعدي، يقضي ديني ونجز موعدي علي بن أبي طالب ".
قال الخطيب: في سنده مطير، وهو مجهول.
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع، ولا يحاجك فيهم أحد من قريش، اللهم إنك أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية ".
وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن علي: فإني سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه خصالاً، لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحبّ إلي مما طلعت عليه الشمس؛ إني كنت ذات يوم وأبو بكر وعبد الرحمن وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتهينا إلى باب أم سلمة إذا نحن بعلي متكئ على نجف الباب فقلنا: أردنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن، قال: فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فثرنا حوله، واتكأ على علي، ثم ضرب يده على منكبيه، وقال: " اكس ابن أبي طالب، فإنك مخاصم فتخصم بسبع خصال، ليس لأحد بعدهن إلا فضلك: إنك أول المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله مزية. وسقطت منه واحدة.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام ".
وعن عبد الله بن ثمامة قال: سمعت علياً يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب.
وعن يعلى بن مرة الثقفي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، فترك علياً في آخرهم، لا يرى أن له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: " ولم ترى تركتك؟ إنما تركتك
لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك "، قال: " فإن حاجّك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب ".
قال زيد بن وهب: كنا ذات يوم عند علي، فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي إلا كذاب، فقال رجل من غطفان: والله لأقولن لكم كما قال هذا الكذاب، أنا عبد الله وأخو رسوله، قال: فصرع، فجعل يضطرب، فحمله أصحابه، فاتبعتم حتى انتهينا إلى دار عمارة، فقلت لرجل منهم، أخبرني عن صاحبكم فقال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله، فقال بعضهم: لا والله، ما كنا نعلم به بأساً حتى قال تلك الكلمة، فأصابه ما ترى، فلم يزل كذلك حتى مات.
قال الحارث الهمداني: رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النّبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى.
وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي أنت مني وأنا منك ".
وعن جعفر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ".
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي:
" الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة "، ثم قرأ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: "
وجناتٌ من أعنابٍ وزرعٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ " بالياء.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، والين من الزبد، وأرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله منها، وخلق منها شيعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا، ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليه ولاية علي بن أبي طالب ".
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعليّ فرعها، فطوبى لمن استمسك بأصلها، وأكل من فرعها ".
وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ثمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا إلا أكبّه الله على منخريه في النار "، ثم تلا: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ".
زاد في حديث آخر: " وأشياعنا أوراقها ".
وفي آخر: " يا علي، لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا صلّوا حتى يكونوا كالأوتاد، ثم أبغضوك، لأكبّهم الله في النار ".
وعن ابن عباس قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الله الدّنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي، فشقّ منه نصفاً فخلق منه نبيّكم، والنّصف الآخر علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان قال: سمعت حبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاًن يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي ".
وعن عبد الله بن عباس قال: أنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً في فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه أبو بكر، وباتت قريش تنظر علياً، وجعلوا يرمونه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي، فقالوا: أين محمد؟ قال: لا علم لي به، فقالوا: قد أنكرنا تضوّرك، كنا نرمي محمداً فلا يتضوّر، وأنت تضوّر، وفيه نزلت الآية: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ".
وعن أبي رافع: أن علياً كان يجهز النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل: للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط، وخلّفه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فخرج إليه أهله، فخرج وأمره أن يؤدي عن أمانته، ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى عليّ أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: " إن قريشاً لن يفقدوني ما رأوك ". فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيرون عليه رجلاً يظنونه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً فقالوا: لو خرج محمد خرج بعلي معه، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين رأوا عليّاً، ولم يفقدوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم عليّاً أن يلحقه بالمدينة، فخرج عليّ في طلبه، بعدما أخرج إليه أهله، يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قدومه، قال: " ادعوا لي علياً "، قيل: يا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآه النّبي صلّى الله عليه وسلّم اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم في يديه، ثم مسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما علي حتى استشهد.
وعن علي قال:
لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس، وإنما كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً، وكنت أظهر، ما تغيبت يوماً، ثم خرجت، فجعلت أتبع طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قدمت بني عمرو بن عوف، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهرم، وهنالك منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن علي أنه قال: قيل لي يوم بدر ولأبي بكر، قيل لأحدنا: معك جبريل، وقيل للآخر: معك ميكائيل وإسرافيل، ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل، ويكون في الصف.
قال ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفع الرّاية إلى علي يوم بدر، وهو ابن عشرين.
قال أبو جعفر محمد بن علي: نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي قال الحافظ: هذا مرسل وكنا ننفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذا الفقار يوم بدر، ثم وهبه لعلي بعد ذلك.
وعن ابن عباس: أن راية المهاجرين كانت مع علي في المواقف كلها، يوم بدر ويوم أحد ويوم خيبر
ويوم الأحزاب ويوم فتح مكة، ولم تزل معه في المواقف كلها.
وعن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال: هو أول عربي وعجمي صلّى مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله، وهو الذي أدخله قبره.
قال الشعبي: رأى أبو بكر عليّاً فقال: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقربه قرابة، وأفضله دالة، وأعظمه غناءً عن نبيّه، فلينظر إلى هذا. فسمع علي قول أبي بكر، فقال: أما إنه إن قال ذلك إنه لأوّاه، وإنه لأرحم للأمة، وإنه لصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وإنه لأعظم الناس غناء عن نبيّه في ذات يده.
وعن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى ميمنته علي بن أبي طالب، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال: المقداد وحمزة بن عبد المطلب على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار بن قصي، فقتل؛ فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً.
ويقال: كانت له ثلاثة ألوية: لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء إلى علي بن أبي طالب، والمنذر بن عمرو جميعاً من الأنصار.
وكان علي بن أبي طالب يوم بدر معلماً بصوفة بيضاء.
وعن جابر بن سمرة قال: قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: " ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا؟ علي بن أبي طالب ".
قال معمر بن المثنى: كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله علي بن أبي طالب، وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلمي: من الكامل
لله أيّ مذبّبٍ عن حرمةٍ ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنةٍ ... تركت طليحة للجبين مجدّلا
وشددت شدّة باسلٍ فكشفتهم ... بالحقّ إذ يهوين أخول أخولا
وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن ... لتردّه حرّان حتى ينهلا
قال أبو رافع: لما كان يوم أحد نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، فقتل هاشم بن أمية المخزومي وفرق جماعتهم، ثم نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى جماعة من قريش فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، ففرق جماعتهم، وقتل فلاناً الجمحي، ثم نظر إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " حمل عليهم "، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي، فقال له جبريل عليه السلام: إن هذه للمواساة، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إنه مني وأنا منه "، فقال له جبريل: وأنا منكم يا رسول الله.
وفي مقتل عمرو بن عبد ودّ قالوا: إن فوارس من قريش فيهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب،
تلبسوا للقتال، وخرجوا علي خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيؤوا للحرب، يا بني كنانة، فستعلمون من الفرسان اليوم.
ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فقالوا: والله، إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً، فضربوا خيولهم فاقتحمت، فجالت في سبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا، فأقبلت الفوارس تعنق نحوهم.
وكان عمرو بن عبد فارس قريش، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتثّ، واثبتته الجارحة، فلم يشهد أحداً، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله، قال له علي: يا عمرو، قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى خلتين، إلا قبلت منه إحداهما. فقال له علي: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي في ذلك. فقال: فإني أدعوك إلى النزال. فقال له: يا بن أخي، لم؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. فقال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك؛ فحمي عمرو، فاقتحم عن فرسه فعقره، ثم أقبل، فجاء إلى علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيله منهزمة هاربة حتى اقتحمت من الخندق.
وكان فيمن خرج يوم الخندق هبيرة بن أبي وهب المخزومي، واسم أبي وهب جعدة، وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فسأل المبارزة؛ فخرج إليه الزبير بن العوام، فيضربه ضربة؛ فيشقه باثنتين، حتى فلّ في سيفه فلاًّ، فانصرف وهو يقول:
إني امرؤ أحمي وأحتمي ... عن النّبي المصطفى الأمّي
وخرج عمرو بن عبد، فنادى من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا لها يا نبيّ الله، فقال: " إنه عمرو، اجلس "، ونادى عمرو: ألا رجل؟ وهو
يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليّ رجلاً؟ فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال: " اجلس ".
وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اجلس "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: دعني يا رسول الله، فإنما أنا بين حسنتين: إما أن أقتله فيدخل النار، وإما أن يقتلني فأدخل الجنة. قال: ثم نادى الثالثة، فقال:
" ولقد بححت من النّدا ... ء بجمعكم هل من مبارز "
" ووقفت إذ جبن المشجّع موقف القرن المناجز "
" وكذاك إني لم أزل ... متسرّعاً قبل الهزاهز "
" إن الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز "
فقام علي فقال: يا رسول الله، أنا، فقال: " إنه عمرو "، فقال: إن كان عمرو!! فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمشى إليه علي حتى أتاه وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّةٍ وبصيرة ... والصدق منجى كلّ فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، وقال: أنا ابن عبد مناف، فقال: غيرك يا بن أخي من أعمامك، من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك؛ فغضب؛ فنزل وسلّ سيفه
كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي كرّم الله وجهه مغضباً، واستقبله علي بدرقته، فضربه عمرو في الدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه، فضربه علي عليه السلام على حبل العاتق، فسقط، وثار العجاج، وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التكبير، فعرف أن علياً قد قتله، فثمّ يقول علي عليه السّلام: من الكامل
أعليّ تقتحم الفوارس هكذا ... عني وعنهم أخبروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمّمٌ في الرأس ليس بنابي
آدى عميرٌ حين أخلص صقله ... صافي الحديدة يستفيض ثوابي
وغدوت ألتمس القراع بمرهفٍ ... عضبٍ مع البتراء في أقرابي
آلى ابن عبدٍ حين شدّ أليّةً ... وأليت فاستمعوا من الكذّاب
ألاّ أصدّ ولا يهلّل فالتقى ... رجلان يضطربان كل ضراب
فصددت حين تركته متجدّلاً ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي
عبد الحجارة من سفاهة عقله ... وعبد ربّ محمدٍ بصواب
ثم أقبل علي نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجهه يتهلل، فقال عمر بن الخطاب: هلاّ سلبته درعه؟ وإنه ليس للعرب درع خير منها، فقال: ضربته فاتقاني بسواده، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه، وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق.
قال سمرة بن جندب: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، فسمع علياً وهو يقول: هذه خضرة، فقال: " يا لبيك، قد أخذنا فألنا من فيك، فاخرجوا بنا إلى خضرة "، قال: فخرجوا إلى خيبر، فما سلّ سيف إلاّ سيف علي بن أبي طالب.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله عليه ". قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتشارفت لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها قال: " امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ".
قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل؟ قال: " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ ".
وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطينّ هذه الرّاية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله "، قال: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: " أين علي بن أبي طالب؟ " قالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: " فأرسلوا إليه ". فأتى به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
وفي رواية: " فوالله، لأن يسلم على يديك رجل خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: كان علي قد تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خيبر، وكان رمد العين، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟! فخرج علي فلحق بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله صباحها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله "، أو قال: " يحبّه الله ورسوله "، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه، فقالوا: هذا علي. وأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاية ففتح الله عليه.
وفي حديث إياس بن سلمة عن أبيه: " لأعطين هذا اللواء رجلاً يحبه الله ورسوله، أو هو من أهل الجنة "، وكان علي أرمد، فدعاه، فبصق في عينيه، ودعا له، ثم أعطاه اللواء. الحديث.
وفي حديث آخر عنه: فخرج مرحب يخطر بسيفه، فقال: من الرجز
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطلٌ مجرّب
إذا الحروب أقيلت تلهّب ... أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فقال علي بن أبي طالب:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السّندره
وقال في آخر: فاختلف هو وعلي ضربتين، فضربه علي على هامته حتى عضّ السيف منه بيض رأسه.
وفي رواية: وعضّ السيف بالأضراس، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما تتامّ آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله.
وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار ".
قال سلمة: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: " خذ هذه الرّاية فامض بها حتى يفتح الله عليك ".
قال: يقول سلمة: فخرج، والله، بها يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع اليهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال علي بن أبي طالب. قال: فقال اليهودي: غلبتم وما أنزل التوراة على موسى، أو كما قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وفي حديث بريدة الأسلمي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى اللواء عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجبّنه أصحابه ويجبّنهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين اللواء غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله،
ويحبّه الله ورسوله، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه اللواء. الحديث.
وفي حديث ابن عمر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن اليهود قتلوا أخي، فقال: " لأدفعنّ الرّاية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فيفتح الله عليه؛ فيمكنك من قاتل أخيك "، فتطاول لها أبو بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إلى عليّ، فعقد له اللواء، فقال: يا رسول الله: إني أرمد كما ترى، وكان يومئذٍ أرمد، فتفل في عينيه، قال علي: ما رمدت بعد يومئذ، فمضى علي لذلك الوجه فما تتامّ لآخرنا حتى فتح لأولنا، فأخذ عليٌّ قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله.
قال عمرو بن ميمون: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: إما أن تقوم معنا يا بن عباس، وإما أن تحلونا يا هؤلاء، قال: وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى قال: بل أقوم معكم، فابتدؤوا فتحدثوا، فلا أدري ما قالوا، فجاء وهو ينفض ثوبه، وهو يقول: أف تف، يقعون في رجلٍ له عشر، وقعوا في رجل، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله، لا يخزيه الله أبداً "، قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: " أين علي؟ " قالوا: هو في الرحى يطحن وما كان أحدكم ليطحن فدعاه، وهو أرمد ما يكاد أن يبصر، فنفث في عينه، ثم هزّ الرّاية ثلاثاً فدفعها إليه، فجاء بصفية بنت حبي.
وبعث أبا بكر بسور التوبة، وبعث علياً خلفه فأخذها منه، فقال أبو بكر: لعل الله ورسوله. فقال: " لا، ولكن لا يذهب بها رجل إلاّ رجلاً هو مني وأنا منه ".
وقال لبني عمه: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " قال: وعلي معهم، فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة "، فتركه، ثم أقبل على رجلٍ رجلٍ
منهم فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة ".
قال: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن والحسين وعلياً وفاطمة عليهم السّلام، ومدّ عليهم ثوباً ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ".
قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة، وشرى علي بنفسه، ولبس ثوب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ونام مكانه، فجعل المشركون يرمونه كما يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم يحسبون أنّه نبي الله، قال: فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله؟ فقال علي: إنّ نبيّ الله قد ذهب نحو بئ ميمون، فأدركه، فدخل معه الغار.
قال: وكان المشركون يرمون علياً وهو يتضور حتى أصبح فكشف عن رأسه، قال: فقالوا له: إنك للئيم، كنا نرمي صاحبك فلا يتضور وأنت تضور، قد استنكرنا ذلك.
قال: وقد خرج بالناس في غزوة تبوك، فقال علي: أخرج معك؟ فقال: " لا ". قال: فبكى، قال: فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي؟ " قال: نعم. قال: " وإنك خليفتي في كل مؤمن ".
قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب علي، وكان يدخل المسجد وهو جنب، وهو طريقه، ليس له طريق غيره.
قال: وقال: " من كنت وليه فإن علياّ وليه ".
قال: وقال ابن عباس: وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فهل حدثنا بعد أنّه سخط عليهم؟ قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال: ائذن لي، فلأضرب عنقه، قال أبو موسى: يعني حاطباً: " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
وفي حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأدفعنّ الرّاية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، فبعث إلى علي، فجاء وهو أرمد، فتفل في عينه، وأعطاه الراية، فما ردّ وجهه حتى فتح الله عليه، وما اشتكاها بعد.
وعن أبي سعيد قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الراية فهزها، ثم قال: " من يأخذها بحقّها ". فجاء الزبير فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام رجل آخر فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام آخر فقال: أنا، فقال: " أمط "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي أكرم وجه محمد، لأعطينها رجلاً لا يفرّ بها، هاك يا علي "، فقبضها، ثم انطلق حتى فتح الله عليه فدك وخيبر، وجاء بعجوتها وقديدها.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين، وما يبالي الحر، فأتاني أصحابي، فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئاً، فهل رأيته؟ فقلت: وما هو؟ قال: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، فهل سمعت في ذلك شيئاً؟
فقلت: لا، ما سمعت فيه بشيء. فقالوا: سل لنا أباك عن ذلك، فإنه يسمر معه، فأتيته فسألته وأخبرته ما قال الناس. فقال: ما سمعت في ذلك شيئاً. قلت: فإنهم قد أمروني أن أسألك؛ فدخل على علي فسمر معه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تفقدوا منك شيئاً وسألوني عنه، فلم أدر ما هو؟ فقال علي: وما ذلك؟ فقال: يزعمون أنك تخرج عليهم في الحر الشديد عليك القباء المحشو الثخين لا تبالي بالحر، وتخرج عليهم في البرد الشديد عليك الثوبان الخفيفان لا تبالي البرد!! فقال: أو شهدت معنا خيبر؟ فقلت: بلى، قال: فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دعا أبو بكر فعقد له، وبعثه إلى القوم، فانطلق، ثم جاءه بالناس وقد هزموا؟ فقال: بلى. قال: ثم بعث إلى عمر فعقد له، ثم بعثه إلى القوم فانطلق، ولقي القوم فقاتلهم، ثم رجع وقد هزم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: " لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح عليه غير فرار "، فدعاني، فأعطاني الراية، ثم قال: انطلق، فقلت: يا رسول الله: إني أرمد، والله ما أبصر، فتفل في عيني، ثم قال: " اللهم اكفه الحر والبرد "، فما وجدت بعد يومي ذاك برداً ولا حراً.
وعن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية.
قال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً من عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة، وأنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وحدث جابر بن عبد الله: أن علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنه جربوه بعد ذلك، فلم يحمله الأربعون رجلاً.
وحدث سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسب أباتراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله: تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، قال: فتطاولنا لها، قال: " ادعوا لي علياً "، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: " ندع أبناءنا وأبناءكم " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ".
وفي حديث آخر بمعناه:
وقال: لما نزلت هذه الآية: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ".
ومن حديث عن عامر بن سعد، قال سعد: لعليٍّ ثلاث، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي، فأدخل علياً وفاطمة وابنيها تحت ثوبه، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي ". الحديث.
وعن سعد بن أبي وقاص من حديث قال: قال سعد: أما والله، إني لأعرف علياً وما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أشهد لقال لعلي يوم غدير
خم، ونحن قعود معه، فأخذ بضعه ثم قام به، ثم قال: " أيها الناس، من مولاكم؟ " قالوا: الله ورسوله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه ". الحديث.
ومن حديث الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدتهن أحبّ إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح عليه السلام: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها، فبلّغها ورد عليّ أبا بكر، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله: أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خيراً، لا، إنه ليس يبلّغ عني إلا أنا أو رجل مني "، أو قال: " من أهل بيتي ".
قال: فكنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فنودي فينا ليلاً: ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآل علي، قال: فخرجنا نجر نعالنا، فلما أصبحنا أتى العباس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أخرجت أعمامك وأصحابك وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا أمرت بإخراجكم ولا إسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به ".
والثالثة: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بعث عمر وسعداً إلى خيبر، فخرج عمر وسعد، ورجع عمر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، في ثناء أخشى أن لا أحصي "، فدعا عليّاً، فقالوا: إنه أرمد، فجيء به يقاد، فقال له: " افتح عينيك "، قال: لا أستطيع، قال: فتفل في عينيه ريقه، دلكهما بإبهامه، وأعطاه الراية.
والرابعة: يوم غدير خم، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبلغ، ثم قال: " أيها الناس: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " ثلاث مرات، قالوا: بلى، قال: " ادن يا علي "، فرفع يده، ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، حتى قالها ثلاث مرات.
ومن حديث خيثمة بن عبد الرحمن قال:
قلت لسعد بن أبي وقاص: ما خلفك عن علي، أشيء رأيته أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء رأيته أنا، إني قد سمعت له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً، لو تكون واحدة لي منها أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن الدنيا وما فيها، وذكر غزوة تبوك ويوم خيبر، قال: ثم أعطاه الراية فمضى بها. قال: واتبعه الناس من خلفه، قال: فما تكامل الناس من خلفه حتى لقي مرحباً فاتقاه بالرمح فقتله، ثم مضى إلى الباب حتى أخذ بحلقة الباب ثم قال: انزلوا يا أعداء الله على حكم الله وحكم رسوله، وعلى كل بيضاء وصفراء، قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلّس علي الباب، فجعل علي يخرجهم على حكم الله وحكم رسوله، فبايعهم وهو آخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فخرج حيي بن أخطب. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " برئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتني شيئاً "، قال: نعم، وكانت له سقاية في الجاهلية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما فعلت سقايتكم التي كانت لكم في الجاهلية؟ " قال: فقال: يا رسول الله أجلينا يوم النضير فاستهلكناها لما نزل بنا من الحاجة. قال: " فبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كذبتني ". قال: نعم، قال: فأتاه الملك فأخبره، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اذهب إلى جذع نخلة كذا وكذا، فإنه قد نقرها وجعل السقاية في جوفه ". قال: فاستخرجها، فجاء بها، قال: فلما جاء بها قال لعلي: " قم فاضرب عنقه "، قال: فقام إليه عليّ فضرب عنقه، وضرب عنق ابن أبي الحقيق وكان زوج صفية بنت حيي، وكان عروساً بها، قال: فأصابها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خم، ورفع بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وحدث أبو نجيح قال: لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال: يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك. قال: فلما فرغ أدخله في دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه. قال: أدخلتني دارك، وأقعدتني على سريرك، ثم وقعت فيه تشتمه؟ والله لأن أكون في إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون قال لي ما قاله له حين رآه غزا تبوكاً: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي ". أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار ". أحب إلي أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن أكون كنت صهره على ابنته، ولي منها من الولد ماله، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد اليوم. ثم نفض رداءه، ثم خرج.
وعن عمر بن الخطاب قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم، قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يحل لي فيه ما يحل لي، والراية يوم خيبر.
وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطي عليٌّ ثلاثاً؛ لأن أكون أعطيتهن أحبّ إلي من حمر النعم: زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة فولدت له، وأعطي الراية يوم خيبر، وسدت أبواب الناس إلا بابه.
وعنه قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم: تزوج فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولد الحسن والحسين سبطي
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسد الأبواب كلها إلا باب علي، ودفع إليه الراية يوم خيبر.
وعن بريدة:
أن نفراً من الأنصار قالوا لعلي: عندك فاطمة. فدخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما حاجة ابن أبي طالب؟ " قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: " مرحباً وأهلاً ". لم يزده عليها. فخرج على الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحباً وأهلاً. قالوا: يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحداهما، قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحب، فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال: " يا عليّ، إنه لابد للعرس من وليمة "، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهطٌ من الأنصار آصعاً من ذرة.
فما كان ليلة البناء قال: يا علي: " لا تحدث شيئاً حتى تلقاني "، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم أفرغه على علي، فقال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شملهما ".
قال أبو الحسين: الشمل: الجماع.
وعن علي أنه قال على منبر الكوفة: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابنته، ثم ذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته؛ فخطبتها، قال: " هل عندك شيء؟ " قلت: لا، قال: " فأين ردعك الحطميّة التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ " قلت: عندي، قال: " فأعطها "، فأعطيتها، فزوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ كساء أو قطيفة فتحثّثنا.
وفي رواية: فتحشحشنا، فقال: " مكانكما "، قلت: يا رسول الله، أنا أحبّ إليك أم هي؟
قال: " هي أحب إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها ".
وعن أبي هريرة قال: لما خطب علي فاطمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها فقال لها: " أيّ بينة، إن ابن عمك علياً قد خطبك، فماذا تقولين؟ " فبكت ثم قالت: كأنك يا أبه، إنما ادخرتني لفقير قريش، فقال: " والذي بعثني بالحق، ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء "؛ فقالت فاطمة: رضيت بما رضي الله لي ورسوله. فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه، ثم قال: " ياعليّ، اخطب لنفسك "، فقال علي: الحمد لله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوّجني فاطمة ابنته على صداقٍ مبلغه أربع مئة درهم. فاسمعوا ما يقول واشهدوا، قالوا: ما تقول يا رسول الله؟ قال: " أشهدكم أني قد زوجته ".
وعن علي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث زوجه فاطمة دعا بماء فمجّه، ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه، وعوذه ب: " قل هو الله أحد " والمعوذتين، ثم دعا بفاطمة فقامت على استحياء، فقال: " لم آل أن زوجتك خير أهلي ".
وعن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: " هل لك في فاطمة نعودها؟ " فقلت: نعم، فقام متوكئاً عليّ فقال: " أما إنه سيحمل ثقلهاغيرك، ويكون أجرها لك ". قال: فكأنه لم يكن عليّ شيء، حتى دخلنا على فاطمة، فقال: " كيف تجدينك؟ " قالت: والله لقد اشتد كربي، واشتدت فاقتي، وطال سقمي.
وفي رواية في هذا الحديث قال: " أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً ".
وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت أم أيمن على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال لها: " ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟ " قالت: بكيت يا رسول الله، لأني دخلت منزل رجل من الأنصار قد زوج ابنته رجلاً من الأنصار، فنثر على رأسها اللوز والسّكّر، وذكرت تزويجك فاطمة من
علي بن أبي طالب ولم تنثر عليها شيئاًن فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تبكي يا أم أيمن. فوالذي بعثني بالكرامة، واستخصني بالرسالة، ما أنا زوجته ولكن الله زوّجه، ما رضيت حتى رضي عليّ، وما رضيت فاطمة حتى رضي الله ربّ بالعالمين: يا أم أيمن، إن الله عز وجل لما أن زوّج فاطمة من علي أمر الملائكة المقربين أن يحدّقوا بالعرش، فيهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وأمر الجنان أن تزخرف فتزخرفت، وأمر الحور العين أن يتزيّنّ فتزينّن وكان الخاطب الله تعالى، وكان الملائكة الشهود، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الياقوت الأحمر مع الزبرجد الأخضر، فابتدر حور العين من الجنان يرفلن في الحلي والحلل يلتقطنه، ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد، فهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة ".
وفي حديث آخر بمعناه: عن عبد الله بن مسعود قالت أم سلمة:
ولقد كانت فاطمة تفخر على النساء وتقول: إني أول من خطب عليها جبريل.
وعن مسروق قال: لما قدم عبد الله بن مسعود الكوفة قلنا له: حدثنا حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الجنة، ثم قال: سأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم أزل أطلب الشهادة. الحديث. فلم أرزقها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في غزوة تبوك، ونحن نسير معه، فقال: " إن الله لما أمرني أن أزوج فاطمة من علي، ففعلت، ثم قال لي جبريل: إن الله قد بنى جنة من لؤلؤ وقصب بين كل قصب إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذّرة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجداً أخضراً، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل عليها غرفاً: لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيوناً تنبع من نواحيها، وحفّت بالأنهار، وجعل على الأنهار قباباً من درّ، قد شعبت بالسلاسل من الذهب، وحفّت بأنواع الشجر، وجعل في كل بيت مفرش، وجعل في كل قبة أريكة، من درّ بيضاء غشاوتها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران. وفتق المسك والعنبر، وجعل في كل قبة حوراء، والقبة لها مئة باب، على كل باب جاريتان وشجرتان، في كل قبة مفرش، مكتوب حول القباب آية الكرسي، فقلت: لجبريل: لمن بنى الله هذه الجنة؟ فقال: هذه جنة بناها الله سبحانه لعلي وفاطمة، تحفة أتحفهما الله تبارك وتعالى، وأقر عينك يا رسول الله ".
وعن علي الهلالي قال: جخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفه إليها، فقال: " حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ " قالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: " لقد علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة، فاختار منها أباك، فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه، يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحداً قبلنا، ولا يعطي أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله، وهو حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث شاء، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة، إذا صار الدنيا هرجاً مرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أول الإيمان، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً، يا فاطمة، لا تحزني ولا تبكي، فإن الله أرحم بك وارأف عليك مني، وذلك لمكانك مني، وموضعك من قلبي، وزوّجك الله زوجك، وهو أشرف أهل بيتي حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سالت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي ".
قال علي: فما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أمرت بتزويجك من السماء. وقتلت المشركين يوم بدر، وتقتل من بعدي على سنتي، وتبرئ ذمتي ".
وعن بريدة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قم بنا يا بريدة نعود فاطمة "، فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها، ودمعت عيناها، فقال: " ما يبكيك يا بنية؟ " قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم، قال: " أما والله، لما عند الله خير مما ترغبين إليه، يا فاطمة، أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماًن وأفضلهم حلماً، والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة ".
وعن أسماء بنت عميس قالت:
لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تحدثي شيئاً حتى أجيء "، فجاء حتى قام على الباب، فقال: " ثمّ أخي؟ " فخرجت إليه أم أيمن فقالت: أخوك وزوّجته ابنتك؟! فدعا علياً ودعاها، فقامت وإنها لتعثر، ثم قال لها: " أي بنية، إن لم آل أن أزوّجك أحبّ أهلي ". قالت: ثم دعا بمخضب وهو تور من حجارة من ماء فدعا فيه، ثم أمر أن يصب عليه بعضه وعليها بعضه، فقالت أسماء: ثم قال لي: " أجئت مع ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكرمينها؟ " قالت: فدعا لي.
وعن أبي سعيد قال: لما أنكح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً فاطمة أصابها حصر شديد. قال: فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: " والله لقد أنكحتكيه سيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة من الصالحين ".
وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة: " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ " قالت فاطمة: فأين مريم بنت عمران؟ قال لها: " أي بنية، تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، والذي بعثني بالحق، لقد زوجتك سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة، فلا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ".
وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " ألا تنطلق بنا نعود فاطمة؟ فإنها تشتكي "، قلت: بلى. قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها، فلسلم فاستأذن، فقال: " أدخل أنا ومن معي؟ " قالت: نعم، ومن معك
يا أبتاه، فوالله ما عليّ إلا عباءة. فقال لها: " اصنعي بها هكذا، واصنعي بها هكذا "، فعلمها كيف تستتر، فقالت: والله ما على رأسي خمار، قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه، قال: " اختمري بها "، ثم أذنت لهما، فدخلا، فقال: " كيف تجدينك يا بنية؟ " قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله، قال: " أما ترضين يا بنية أنك سيدة نساء العالمين؟ " قال: تقول: يا أبه، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ".
وعن ابن عباس قال: لما زوج الني صلّى الله عليه وسلّم فاطمة من علي قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر زوجك؟ ".
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حين نزلت: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " كان يجيء نبي الله صلّى الله عليه وسلّم إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: " الصلاة، رحمكم الله "، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ".
قال أبو الحمراء: صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أشهر، فكان إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول: " يرحمكم الله، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ".
قال ميمون الكردي: كنا عند ابن عباس فقال رجل: ليته حدثنا عن علي فسمعه ابن عباس فقال: أما
لأحدثنّك حقاً، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالأبواب الشارعة في المسجد فسدت، وترك باب علي، فقال: إنهم وجدوا من ذلك، فأرسل إليهم " أن بلغني أنكم وجدتم من سدي أبوابكم وتركي باب علي، وإني والله ما سددت من قبل نفسي، ولا تركت من قبل نفسي، إن أنا إلا عبد مأمور أمرت بشيء فقلت: " إن أتّبع إلا ما يوحى إلي ".
وعن العلاء بن عرار قال: إني قلت لعبد الله بن عمر وهو في المسجد جالس: كيف تقول في هذين الرجلين علي وعثمان؟ فقال عبد الله: أما علي فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزله من منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخرجنا من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا علي، وأما عثمان فتلا: " يوم التقى الجمعان " فأذنب ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً من دون فقتلتموه.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، فضربنا وقال: " أترقدون في المسجد؟ إنه لا يرقد فيه أحد "، فأجفلنا، وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، يا علي، إنك لتذودنّ عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء، بعصاً معك من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي ".
وعن أبي سعيد الخدري أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ".
وعن أم سلمة قالت: خرج النّي صلّى الله عليه وسلّم من بيته حتى انتهى إلى صرح المسجد، فنادى بأعلى صوته: " إنه لا يحلّ المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه، وعلي وفاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلّم، ألا هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا ".
وعن أبي رافع: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس، فقال: " يا أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوأا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلا هارون وذريته، ولا يحل لأحد أن يعرك النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا عليٌّ وذريته ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: لما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة تبوك خلّف علياً بالمدينة، فقال الناس: ملّه وكره صحبته، فتبع علي النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى لحقه في بعض الطريق، فقال: يا رسول الله خلّفتني بالمدينة مع النساء والذراري حتى قال الناس: ملّه وكره صحبته؟ فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبيّ بعدي ".
وعن حكيم بن جبير قال: قلت لعلي بن الحسين: يا سيدي إن الشعبي حدث عن أبي جحيفة وهب الخير أن أباك صعد المنبر فقال: خير هذه الأمة بعد نبيها وأبو بكر وعمر، فقال: أين تذهب يا أبا حكيم؟ حدثني سعيد بن المسيب عن سعدٍ أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن المؤمن يهضم نفسه ".
وعن عامر بن سعد قال: إني لمع أبي إذ تبعنا رجل في نفسه على علي بعض الشيء، فقال: يا أبا إسحاق، ما حديث يذكر الناس عن علي؟ قال: ما هو؟ قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ: أنت مني كهارون من موسى، ما تنكر أن يقول لعلي هذا وافضل من هذا؟ وعن سعد قال: قال لي معاوية: أتحب علياً؟ قال: قلت: وكيف لا أحبه؟ وقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، ولقد
رأيته بارز يوم بدر، وهو يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول: من الرجز
بازل عامين حديثٌ سنّي ... سنحنح الليل كأنّي جني
لمثل هذا ولدتني أمّي
فما رجع حتى خضب سيفه دماً.
وعن سعد بن أبي وقاص: أن عليّ بن أبي طالب خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا جاء ثنية الوداع، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد تبوك، وعليّ يبكي ويقول: يا رسول الله تخلّفني مع الخوالف؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ ".
وعن سعد بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، سالم الله من سالمته، وعادى الله من عاديته ".
وعن سويد بن غفلة قال: رأى عمر رجلاً يخاصم علياً، فقال له عمر: إني لأظنك من المنافقين، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي ".
وفي رواية: أنه رأى رجلاً يشتم علياً كانت بينه وبينه خصومة.
وعن عبد الله بن عباس قال:
سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر:
أما علي: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول فيه ثلاث خصال، لوددت أن لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النّبي صلّى الله عليه وسلّم بيده على منكب علي، فقال له: " يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأول المسلمين إسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وعن ابن عباس عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من حلمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
وعنه قال: رأيت علياً أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتضنه من خلفه، فقال: بلغني أنك سميّت أبا بكر وعمر وضربت أمثالهما ولم تذكرني، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وعن عبد الله بن جعفر قال: لما قدمت ابنة حمزة المدينة اختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قولوا ": فقال زيد: هي ابنة أخي وأنا أحق بها، وقال علي: ابنة عمي وأنا جئت بها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي. قال: " خذها يا جعفر أنت أحقهم بها "؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأقضينّ بينكم: أما أنت يا زيد فمولاي وأنا مولاك، وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ النّبوة ".
وفي رواية: " إلا أنّه لا نبوة ".
وعن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني، قال: قولك يا أمير المؤمنين أحبّ إليّ من قول علي، قال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت
به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "، وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب. ثم قال للرجل: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي في غزوة تبوك: " اخلفني في أهلي "، فقال علي: يا رسول الله، إني أكره أن يقول العرب: خذل ابن عمه، وتخلّف عنه، فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ "، قال: بلى، قال: " اخلفني ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، ولو كان لكنته ".
وفي رواية: " إلا أنه ليس بعدي نبي، أو لا يكون بعدي نبي ".
وعن يزيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلا: " أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست نبي ".
وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي أنت مني، وأنا منك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا يوحى إليك ".
وعن أبي الفيل قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة تبوك استخلف علي بن أبي طالب على المدينة، فماج المنافقون بالمدينة وفي عسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: كره قربه، وساء فيه
رأيه، فاشتد ذلك على علي، فقال: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان؟ أنا عائذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، فقال: " رضي الله يا أبا الحسن برضائي عنك، فإن الله عنك راضٍ، إنما منزلك مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي "، فقال علي: رضيت، رضيت.
وعن زيد بن أرقم قال: لما عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجيش العسرة قال لعلي: " إنه لابدّ من أن تقيم أو أقيم "، قال: فخلف علياً، وسار، فقال ناس: ما خلفه إلا لشيء يكرهه منه، فبلغ ذلك علياً، فاتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى انتهى إليه، فقال: " ما جاء بك يا علي؟ " فقال: يا رسول الله، إني سمعت أناساً يزعمون أنك خلفتني لشيء كرهته مني، قال: فتضاحك إليه وقال: " ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " فإنه كذلك ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي يوم غزوة تبوك: " أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل ما لي، ولك من المغنم مثل ما لي ".
قال بريدة:
غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغير، فقال: " يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى من كنت مولاه ".
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو وليّكم بعدي ".
وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا اجتمعتما فعليٌّ على الناس وإذا افترقتما فكل واحد
بينكما على حدة "، قال: فلقينا بني زيد من اليمن فقاتلناهم، وظهر المسلمون على الكافرين، فقتلوا المقاتل وسبوا الذرية، واصطفى عليّ جارية من الفيء، فكتب معي خالد يقع في علي، وأمرني أن أنال منه.
قال: فلما أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيت الكراهية في وجهه، فقلت: هذا مكان العائذ يا رسول الله، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته، فبلغت ما أرسلني، قال: " يا بريدة: لا تقع في عليّ، عليٌّ مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ".
وفي حديث آخر بمعناه: قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعليّ. قال: وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، وتكلمت فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إليّ فقال: " يا بريدة، إن عليّاً وليكم بعدي، فأحب عليّاً فإنه يفعل ما يؤمر ". قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إليّ منه.
قال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن عفلة، فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنافقت بعدي يا بريدة؟ " وفي حديث آخر فقال: " يا بريدة، أتبغض علياً؟ " قال: قلت: نعم، قال: " فأحبّه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك ".
وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشين وأمّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا كان قتال فعليٌّ على الناس ".
قال: ففتح عليٌّ قصراً، فاتّخذ لنفسه جارية، فكتب معي خالد بن الوليد يشي به، فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتاب قال: " ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله.
وعن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريةً وأمّر عليهم علي بن أبي طالب، فأحدث شيئاً في سفره، فتعاقد أربعة من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكروا أمره لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثاني، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثالث، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، قال: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع وقد تغير وجهه، فقال: " دعوا علياً، دعوا علياً، دعوا علياً، إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ".
وفي رواية: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب يعرف في وجهه فقال: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي ".
وعن وهب بن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة، فقلت: لئن رجعت ولقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنالنّ منه. قال: فرجعت، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فنلت منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تقولنّ هذا لعلي، فإن علياً وليكم بعدي ".
وعن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب إلى اليمن قال: أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه فلما احتفر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.
قال: فلما فرغ علي وانصفق من اليمن راجعاً، أمّر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجّته قال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم ".
قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أنا قد ركبت، رأى أثر الراكب، فذمّ الذي أمّره ولامه، فقال: أما إنّ لله عليّ إن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأخبرنّه ما لقينا من الغلظة والتّضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد أن أفعل ما كنت قد حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآني قعد معي ورحّب بي، وساءلني وساءلته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل وقال: هذا سعد بن مالك، ابن الشهيد، قال: ائذن له فدخلت فحيّيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحيّاني وسلّم عليّ، وساءلني عن نفسي وعن أهلي فأحفى في المسألة، فقلت: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتّضييق فانتبذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعلت أنا أعدّد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، وكنت منه قريباً، وقال: " سعد بن مالك ابن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله، لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله ".
قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك، سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟ لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانية.
وعن عمرو مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأجفاني، فأظهرت لائمة علي بالمدينة حتى فشا ذلك، فدخلت المسجد مرجع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس،
فرماني ببصره حتى إذا جلست قال: والله، يا عمرو بن شأس، لقد آذيتني، فقلت: أعوذ بالله وبالإسلام أن أوذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " بلى، من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذى مسلماً فقد آذى الله عزّ وجلّ ".
وفي حديث آخر: قلت: أعوذ بالله من أن أؤذيك، قال: " بلى، من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن عمرو بن شأس: سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من آذاك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد، أنا ورجلان معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: " ما لكم ومالي؟ من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الرّحبة قال: أنشد الله امرأ نشدة الإسلام سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير أخذ بيدي يقول: " ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم واله من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، إلا قام، فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا، وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا.
وزاد في حديث آخر: " وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه ".
وعن زياد بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرّحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فإن هذا مولاه ".
قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.
وعن حذيفة بن أسيد قال:
لما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات البطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن، فصلى تحتهن، ثم قام فقال: " أيها الناس: قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً، قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ " قالوا: بلى، نشهد بذلك، قال: " اللهم اشهد ".
ثم قال: " أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
ثم قال: " أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثّقلين، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، الثّقل الأكبر كتاب الله، سببّ طرفه بيد الله عزّ وجلّ، وطرفٌ بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ".
قال عطية العوفي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدثني عنك بحديث في شأن علي عليه السلام يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك فقال: إنكم معشرٌ فيكم ما فيكم، فقلت له: لي عليك مني بأس، قال: نعم، كنا الجحفة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي، فقال: " أيها الناس: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " فمن كنت مولا فعلي مولاه ".
قال: فقلت له: هل قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ " قال: إنما أخبرك كما سمعت.
وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع، فكسح لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرتين، ونودي في الناس أن الصلاة جامعة، فدعا علياً وأخذ بيده فأقامه عن يمينه، فقال: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " الست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ " قالوا: بلى، قال: " أليس أزواجي أمهاتكم؟ " قالوا: بلى، قال: " هذا وليي، وأنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فقال له عمر: هنيئاً لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.
وفي رواية: " أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ".
وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه فقال: " إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادّعى إلى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، والولد للفراش وللعاهر الحجر، ليس لوارث وصية، ألا قد سمعتموني ورأيتموني، فمن كذب
عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ألا إني فرطكم على الحوض، ومكاثرٌ بكم، فلا تسوّدوا وجهي، ألا وإني أستنقذ رجالاً، وليستنقذنّ بي قوم آخرون، ألا وإن الله وليّي، وأنا وليّ كل مؤمن، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ".
وفي حديث سعد قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق مكة، وهو متوجّه إليها، فلما بلغ غدير خم الذي بخمّ وقف الناس، ثم ردّ من مضى، فلحقه منهم من تخلّف، فلما اجتمع الناس قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد "، ثم قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد " ثلاثاً، " أيها الناس من وليّكم؟ " قالوا: الله ورسوله، ثلاثاً، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال: " من كان الله ورسوله وليّه فإن هذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: كنا عند جابر بن عبد الله وعنده محمد بن الحنفية، فجاء رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله يا جابر، إلا أخبرتني ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال جابر: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج من خباء أو فسطاط، فقال لعلي بيده: " هلم هلم "، وثمّ ناسٌ من جهينة ومزينة وغفار، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
قال: فقال: نشدتك بالله، أكان ثمّ أبو بكر وعمر؟ قال: اللهم لا.
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بضبع علي يوم الحديبية وهو يقول: "
هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، مد بها صوته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل خم، فنحّى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب؛ فشق على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأخر الناس عنه، فأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم، وهو متوسد على علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيها الناس، إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني حتى خيّل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليّ من شجرة تليني "، ثم قال: " لكن عليّ بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، رضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً "، ثم رفع يديه، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وابتدر الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكون ويتضرعون إليه، ويقولون: يا رسول الله إنما تنحينا كراهة أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله.
فرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، فقال أبو بكر: يا رسول الله، استغفر لنا جميعاً؛ ففعل، فقال لهم: " أبشروا، فوالذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة من أصحابي سبعون ألفاً بغير حساب، ومع كل ألف سبعون ألفاً ومن بعدهم مثلهم أضعافاً ".
قال أبو بكر: يا رسول الله زدنا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موضع رمل، فحفن بيديه من ذلك الرمل ملء كفيه، ثم قال: هكذا. قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، ففعل مثل ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال عمر: ومن يدخل النار بعد الذي سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد ثلاث حثيات من الرمل من الله؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " والذي نفسي بيده، ما تفي بهذا أمتي حتى توفي عدتهم من الأعراب ".
قال جعفر بن إبراهيم الجعفري: كنت عند الزهري أسمع منه، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت: يا جعفري، لا تكتب عنه، فإنه مال إلى بني أمية، وأخذ جوائزهم، فقلت: من هذه؟ قال: أختي رقية، خرفت، قال: خرفت أنت؛ كتمت فضائل آل محمد.
وقد حدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ".
وحدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ".
قال سهم بن حصين الأسدي: قدمت إلى مكة أنا وعبد الله بن علقمة، وكان عبد الله بن علقمة سبّابة لعلي دهراً. قال: فقلت له: هل لك في هذا يعني أبا سعيد الخدري يحدّث به عهداً؟ قال: نعم. فأتيناه فقال: هل سمعت لعلي رضوان الله عليه منقبة؟ قال: نعم، إذا حدثتك فسل عنها المهاجرين والأنصار وقريشاً: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام يوم غدير خم فأبلغ ثم قال: " يا أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قالها ثلاث مرات. ثم قال: " ادن يا علي، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه حتى نظرت إلى بياض آباطهما، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". ثلاث مرات.
قال: فقال عبد الله بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو سعيد: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره، وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
قال عبد الله بن شريك: فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين، فلما صلّينا الهجير قام عبد الله بن علقمة فقال: إني أتوب إلى الله وأستغفره من سبّ علي، ثلاث مرات.
وعن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست وليّ المؤمنين؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم ".
من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل بالرسالة.
وعن أبي فاختة قال:
أقبل علي وعمر جالس في مجلسه، فلما رآه عمر تضعضع وتواضع وتوسّع له في المجلس، فلما قام علي قال بعض القوم: يا أمير المؤمنين، إنك تصنع بعلي صنيعاً ما تصنعه بأحد من أصحاب محمد، قال عمر: وما رأيتني أصنع به؟ قال رأيتك كلما رأيته تضعضعت وتواضعت وأوسعت حتى يجلس. قال: وما يمنعني؟ والله إنه لمولاي ومولى كل مؤمن.
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: شهدنا الموسم في حجة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي حجة الوداع، فبلغنا مكاناً يقال له: غدير خم، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمعنا: المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسطنا، فقال: " أيها الناس بم تشهدون؟ " قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله. قال: " ثم مه؟ " قالوا: وأن محمداً عبده ورسوله. قال: " فمن وليكم؟ " قالوا: الله ورسوله مولانا، قال: " فمن وليكم؟ " ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه، فنزع عضده، فأخذ بذراعيه، فقال: " من يكن الله ورسوله مولياه فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، اللهم من أحبه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً، اللهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين غيرك، فاقض فيه بالحسنى ".
قال بشر: قلت: من هذا العبدان الصالحان؟ قال: لا أدري.
قال أبو سعيد الخدري: لما نصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً بغدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ".
وقال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية: " يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك " على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول الله عز وجل: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ".
وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: أصبحت مولى كل مؤمن، يقول: ولي كل مسلم.
قال ابن الأعرابي: المولى: المالك وهو الله، والمولى: ابن العم، والمولى: المعتق، والمولى: المعتق، والمولى: الجار، والمولى: الشريك، والمولى: الحليف، والمولى: المحب، والمولى: اللّويّ، والمولى: الولي، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، معناه: من تولاني فليتولّ علياً.
قال ثعلب: وليس هو كما يقول الرافضة: إن علياً مولى الخلق ومالكهم، وكفرت الرافضة في هذا، لأنه يفسد من باب المعقول: لأنّا رأيناه يشتري ويبيع، فإذا كانت الأشياء ملكه فممن يشتري ويبيع؟ ولكنه من باب المحبة والطاعة.
قال: ويدل على أن المولى والولي: المحب، ما روى إليّ شقيق عن عبد الله قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد علي وهو يقول: " الله وليّي وأنا وليّك، ومعادٍ من عاداك، ومسالمٌ من سالمك ".
وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من آمن بي وصدقني فليتولّ علي بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله ".
وعنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أوصّي من آمن بي وصدّقني بالولاية لعلي، فإنه من تولاه تولاني، ومن تولاني تولى الله، ومن أحبه أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أبغضه أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن، غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ".
قال: هذا حديث منكر.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليٌّ أقضى أمتي بكتاب الله، فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبّ علي عليه السلام ".
وعن عبد الله قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله، أتاني ملك فقال: يا محمد، واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت: علام بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب ".
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أني حيا حياتي ويموت موتي فليتمسك بالقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، وقال: كن، أو كوني، وليتولّ علي بن أبي طالب بعدي ".
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بيمينه في جنة الخلد وفي رواية: في جنة الفردوس الأعلى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب ".
وعن زيد بن أرقم قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أن يحيا حياتي ويموتموتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فإن ربّي غرز قضبانها بيده، فليتولّ عليّاً، فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حب علي بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب ".
طعن في هذا الحديث وفي رجاله.
وعن ابن عباس قال: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، للنار جوازٍ؟ قال: " نعم ". قلت: وما هن قال: " حب علي بن أبي طالب ".
طعن في هذا الحديث أيضاً.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صنعت امرأة من الأنصار لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة أرغفة، وذبحت له دجاجة فطبختها، فقدمته بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر وعمر فأتياه، ثم رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه إلى السماء، ثم قال: " اللهم سق إلينا رجلاً رابعاً محبّاً لك ولرسولك، تحبه اللهم أنت ورسولك، فيشركنا في طعامنا، وبارك لنا فيه "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم اجعله علي بن أبي طالب "، قال: فوالله ما كان بأوشك أن طلع علي بن أبي طالب، فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " الحمد لله الذي سرني بكم جميعاً، وجمعه وإياكم "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " انظروا هل ترون بالباب أحداً؟ "
قال جابر: وكنت أنا وابن مسعود، فأمر بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأدخلنا عليه فجلسنا معه، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلك الأرغفة فكسرها بيده، ثم غرّف عليها من تلك الدجاجة، ودعا بالبركة، فأكلنا جميعاً حتى تملأنا شبعاً، وبقيت فضلة لأهل البيت.
قال: هاذ حديث غريب. والمشهور حديث انس وهو ما أسند إلى علي قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير يقال له الحبارى، فوضعت بين يديه، وكان أنس بن مالك يحجبه، فرفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يده إلى الله، ثم قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ".
قال: فجاء علي فاستأذن، فقال له أنس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني على حاجة، فرجع، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع، ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، وإليّ ". فأكل معه، فلما أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج علي.
قال أنس: ابتعت عليّاً فقلت: يا أبا حسن، استغفر لي، فإن لي إليك ذنباً، وإن عندي بشار، فأخبرته بما كان من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله واستغفر لي ورضي عني، أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه.
وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجل مشوي بخبزه وصنابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام "، فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي. قال أنس: وقلت: اللهم اجعله سعد بن عبادة. قال أنس: فسمعت حركة بالباب، فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة بالباب، فسلم عليّ، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته، فقال: " انظر من هذا؟ " فخرجت فإذا هو علي،
فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: " ائذن له "، فدخل عليّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وإليّ، اللهم وإليّ ".
وعن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي فقال: " اللهم أدخل عليّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل معي ".
قال أنس: فجاء عليٌّ فحجبته، ثم جاء ثانية فحجبته، ثم جاء ثالثة فحجبته؛ رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثم جاء الرابعة فأذنت له، فلما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم وأنا أحبه، فأكل معه من الطير ".
وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير، فقال: " اللهم ائتني برجل يحبّ؟ هـ الله، ويحبه رسولك ".
قال أنس: فأتى عليّ فقرع الباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشغول، وكنت أحب ان يكون رجلاً من الأنصار، ثم إن عليّاً فعل مثل ذلك، ثم أتى الثالثة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس أدخله فقد عنيته "، فلما أقبل قال: " اللهم إليّ، اللهم إليّ ".
قال عبد العزيز بن زياد: إن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة، فسأله عن علي بن أبي طالب؛ فقال: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم طائر، فأمر به فطبخ وصنع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب الخلق إليّ يأكل معي "، فجاء علي فرددته، ثم جاء ثانية فرددته، ثم جاء الثالثة فرددته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، إني قد دعوت ربي، وقد استجيب لي، فانظر من كان بالباب فأدخله ". فخرجت، فإذا أنا بعلي فأدخلته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إني قد دعوت ربي أن يأتيني بأحب خلقه إليّ، وقد استجيب لي، فما حبسك؟ " قال: يا نبي الله حبست أربع مرات، كل ذلك يردّني أنس؛ قال: النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ما حملك على ذلك يا أنس؟ " قال: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، إنه ليس أحد إلا وهو يحب قومه، وإن علياً جاء، فأحببت أن يصيب دعاؤك رجلاً من قومي.
قال: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الرحمة فسكت ولم يقل شيئاً.
وفي حديث آخر بمعناه: لأني سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرجل يحب قومه.
وفي حديث آخر عن أنس أيضاً: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم نحامات.
وعن أنس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير "، فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر وقال الحيري: عثمان فرده، ثم جاء علي، فأذن له.
وعن أنس قال: كنت أنا وزيد بن أرقم نتناوب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتته أم أيمن بطير أهدي له من الليل، فلما أصبح أتته بفضله، فقال: " ما هذا؟ " قلت: فضل الطير الذي أكلت البارحة، فقال: " أما علمت أن كل صباح يأتي برزقه، اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ويأكل معي من هذا الطير ". قال: فقلت: اللهم اجعله من الأنصار، قال: فنظرت فإذا عليّ قد أقبل فقلت له: إنما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الساعة فوضع ثيابه، فسمعني أكلمه، فقال: " من هذا الذي تكلمه؟ " قلت: عليّ، فلما نظر إليه قال: " اللهم أحب خلقك إليك وإليّ ".
وفي رواية عن أنس قال: أهدي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم طائر كان يعجبه أكله، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " الحديث.
وعن عبد الله بن العباس قال: كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ دخل علي بن أبي طالب، فسلم فرد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبشّ به، وقام إليه فاعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عم رسول الله والله لله أشد حبّاً له مني، إن الله جعل ذرية كل نبيٍّ في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل به، وعن مالهم ممّ اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت ". فقيل: يا رسول الله، ومن هم؟ فأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب.
وعن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من علي.
وعن بريدة قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة، ومن الرجال علي.
قال جميع بن عمير:
دخلت مع أمي على عائشة فقالت: أخبرتني كيف كان حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ؟ فقالت: عائشة: كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقد رأيته يوماً أدخل تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً "، قالت: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولست من أهلك؟ قال: " إنك على خير إنك على خير ".
وعن جميع عن عائشة قال: قلت لها: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قالت: أما من الرجال فعلي. وأما من النساء ففاطمة.
وعن جميع بن عمير قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فقلت لها: يا أم المؤمنين: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، وايم الله، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً جديراً أن يقول ما يحب الله.
وفي رواية: جديراً بقول الحق.
قال معاوية بن ثعلبة: أتى رجل أبا ذر، وهو جالس في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحب الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إي ورب الكعبة، إن أحبّهم إليّ أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو ذاك الشيخ، وأشار إلى علي، وهو يصلي أمامه.
وعن زيد بن أرقم: دخلت على أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قالت: من الذين يسب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: لا والله يا أمه، ما سمعت أحداً يسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: بلى والله، إنهم يقولون: فعل الله بعلي ومن يحبه، وقد كان، والله، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّه.
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أمرني الله تعالى بحب أربعة: وأخبرني أنه يحبهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم ".
قال أبو عبد الله الجدلي: دخلت على أم سلمة فقالت: يا أبا عبد الله، أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم وأنتم أحياء؟ قال: قلت: سبحان الله! وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسبّ علي ومن يحبه؟ قلت: بلى، قالت: أليس كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبه؟ وفي رواية قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من سبّ علياً فقد سبّني ".
وعن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: من سبّ علياً وأحباءه فقد سب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأشهد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحبّه.
وعن جابر قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ونحن في المسجد، وهو آخذ بيد علي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ألستم زعمتم أنكم تحبونني؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ".
وعن سلمان الفارسي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره، وسمعته يقول: " محبّك محبّي، ومحبّي محبّ الله، ومبغضك مبغضي، ومبغضي مبغض الله ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك تعيش على ملّتي، وتقتل على سنتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني ".
وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ".
طعن في بعض رواته.
وفي حديث مرسل: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله تعالى عهد إليّ في علي عهداً، قلت: يا ربّ بيّنه لي، قال: " اسمع يا محمد "،
قال: " إن عليّاً راية الهدى بعدي، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، فمن أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ".
وعن زر بن حنيش قال: سمعت علياً يقول:
والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إليّ: ألا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " إن الله أخذ ميثاق المؤمنين على حبك، وأخذ ميثاق المنفقين على بغضك، فلو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك، ولو نثرت الدنانير على المنافق ما أحبك، يا علي، لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ".
وعن أبي الطفيل قال: أخذ علي بيدي في هذا المكان، فقال: يا أبا الطفيل، لو أني ضربت أنف المؤمن بخشبة ما أبغضني أبداً، ولو أني أقمت المنافق ونثرت على رأسه ما أحبني أبداً، يا أبا الطفيل، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي، وأخذ ميثاق المنافقين ببغضي، فلا يبغضني مؤمن أبداً، ولا يحبني منافق أبداً.
وعن عمران بن ميثم عن أبيه ميثم قال: شهدت علي بن أبي طالب وهو يجود بنفسه يقول: يا حسن، قال الحسن: لبيك يا أبتاه، قال: إن الله أخذ ميثاق أبيك، وميثاق كل مؤمن على بغض كل منافق وفاسق، وأخذ ميثاق كل فاسق ومنافق على بغض أبيك.
وعن عبد اله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقال: " يا أيها الناس، قدموا قريشاً ولا تقدّموها، وتعلموا منها ولا تعلّموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من
غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم. يا أيها الناس، أوصيكم بحب ذي أقربها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله عزّ وجلّ ".
وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ".
وفي حديث عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من زعم أنه آمن بي وما جئت به وهو يبغض علياً، فهو كاذب ليس بمؤمن ".
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: " يا علي، إن الله زيّنك بزينة لم تتزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله منها: الزهد في الدنيا؛ فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فرضوا بك إماماً، ورضيت بهم أتباعاً، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، وأما الذين أحبوا وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك ورفقائك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحقّ على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة ".
وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنما رفع الله القطر عن بين إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم، وإن الله عزّ وجلّ يرفع القطر عن هذه الأمة ببغضهم علي بن أبي طالب ".
وعن صلصال بن الدّلهمس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم في جماعة من أصحابه، فدخل علي بن أبي طالب، فقال له
النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، ألا من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخل الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار ".
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي بن أبي طالب، ونصب لأهل بيتي، ومن قال: الإيمان كلام ".
وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود وابن عباس قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية: " محمّدٌ رسول الله والذي معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السّجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه ". قال ابن عباس: ذلك أبو بكر، قال: " فاستغلظ فاستوى " عمر بن الخطاب، " على سوقه " عثمان بن عفان، " يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفّار " علي بن أبي طالب. كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليّاً والأنصار.
وفي رواية أخرى عنه: إلاّ ببغضهم عليّاً.
وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
" لا يبغض عليّاً إلا منافق أو فاسق أو صاحب دنيا ".
وعنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا ببغض عليّ.
وعن جابر بن عبد الله قال: ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن جابر قال: كنا نعرف نفاق الرجل منا ببغضه علياً.
وعن أبي الزبير قال: سئل جابر عن علي، فقال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليّاً.
وعن عبادة بن الصامت قال: كنا ننوّر أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رشده.
وعن محبوب بن أبي الزناد قال: قالت الأنصار: إن كنا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب.
وعن أنس قال: كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد ان يشهر عليّاً في مواطن أو مشهد علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهر علياً يوم خيبر فقال: " يا أيها الناس من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه، وإليّ في خلقي، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب إذا خطر بين الصفين، كأنما يتقلّع من صخر، أو يتحدّر من صببٍ، يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبّه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم ".
قال أنس بن مالك: فكان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، وإذا نظر إليه توجه بوجهه تلقاه وأومأ بإصبعه: أي بني تحبه هذا الرجل المقبل؟ فإن قال الغلام: نعم قبّله، وإن قال: لا، خرق به الأرض، وقال له: الحق بأمك، ولتلحق أمك بأهلها، فلا حاجة لي فيمن لا يحب علي بن أبي طالب.
قال: هذا حديث منكر.
وعن ابن عباس قال: بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا، إذ خرج علينا مما يلي الركن اليماني شيء عظيم كأعظم ما يكون من الفيلة، قال: فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعنت "، أو قال: " خزيت "، قال: فقال علي بن أبي طالب: ما هذا يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: " أو ما تعرفه يا علي؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا إبليس "؛ فوثب إليه، فقبص على ناصيته، وجذبه فأزاله عن موضعه، وقال: يا رسول الله أقتله؟ قال: " أو ما علمت أنه قد أجّل إلى الوقت المعلوم؟ " قال: فتركه من يده، فوقف ناحية، ثم قال: لي ولك يا بن أبي طالب، والله ما أبغضك أحدٌ إلا قد شاركت أبه فيه، اقرأ ما قال الله تعالى: " وشاركهم في الأموال والأولاد ".
قال ابن عباس: ثم حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " لقد عرض لي في الصلاة، فأخذت بحلقة فخنقته، فإني لأجد برد لسانه على ظهر كفي، ولولا دعوة أخي لأريتكموه مربوطاً بالسارية تنظرون إليه ".
وعن علي بن أبي طالب قال: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم عند الصفا، وهو مقبل على شخص في صورة الفيل، وهو يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: " هذا الشيطان الرجيم "، فقلت: والله
يا عدو اله لأقتلنك، ولأريحنّ الأمة منك، قال: ما هذا جزائي منك، قلت: وما جزاؤك مني يا عدو الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد قط إلا شاركت أباه في رحم أمه.
وعن طاووس قال: قلت لعلي بن حسين بن علي: ما بال قريش لا تحب عليّاً؟ فقال: لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار.
وعن أبي برزة قال: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله عهد إليّ في علي عهداً، فقلت: يا رب بيّنه لي، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ". فجاء علي فبشرته، فقال: يا رسول الله أنا عبد الله وفي قبضته، فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت: " اللهم اجل قلبه، واجعل ربيعه الإيمان "، فقال الله: " قد فعلت به ذلك "، ثم إنه رفع إليّ أن سيخصه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحداً من أصحابي، فقلت: " يا رب أخي وصاحبي "، فقال: " إن هذا شيء قد سبق، إنه مبتلىً ومبتلى به ".
وعن ابن عباس أنالنّبي صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى علي بن أبي طالب فقال:
" أنت سيّد في الدّنيا سيّد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك من بعدي ".
وعن علي قال: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي ذات يوم فقال: " من مات وهو يبغضك فهي ميتة جاهلية يحاسب بما عمل في الإسلام، ومن عاش بعدك وهو يحبك ختم اله له بالأمن والإيمان كلما طلعت شمس وغربت حتى يد عليّ الحوض ".
وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن فيك من عيسى مثلاً: أبغضته يهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى نزلوا بالمنزل الذي ليس به ".
ألا وإنه يهلك فيّ اثنان: محب مطرٍ يقرظني ما ليس فيّ، ومبغض يحمله سبابي على
أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيّه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ علكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم.
وفي حديث آخر: وما أمرتكم به أو غيري من معصية الله فلا طاعة في معصية لأحد، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف.
وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ غالٍ، ومبغضٍ قالٍ.
وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ مفرط، وعدو مبغض، فمن استطاع منكم ألا يكون واحداً منهما فليفعل.
وعن علي بن أبي طالب: ليحبّني أقوام، يدخلون بحبي الجنة، وليبغضني أقوام يدخلون ببغضي النار.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار ".
وعن عباية عن علي بن أبي طالب قال: أنا قسيم النار يوم القيامة: أقول خذي ذا وذري ذا.
وفي حديث آخر: أقول: هذا لي، وهذا لك.
قال ابو بكر بن عياش: قلت للأعمش: أنت تحدث عن موسى بن طريف عن عباية عن علي: أنا قسيم النار، قال: فقال: والله ما رويته إلا على جهة الاستهزاء، قال: قلت: حمله الناس عنك في الصحف، وتزعم أنك رويته على جهة الاستهزاء.
قال أبو معاوية: قلنا للأعمش: لا تحدث هذه الأحاديث، قال: تسألونني، فما أصنع؟ ربما سهوت، فإذا سألوني عن شيء من هذا سهوت فذكروني.
قال: وكنا يوماً عنده فجاء رجل فسأله عن حديث قسيم النار، قال: فتنحنحت. قال: فقال الأعمش: هؤلاء المرجئة لا يدعونني أحدث بفضائل علي، أخرجوهم من المسجد حتى أحدثكم.
قال بسّام الصّيرفي: قلت لجعفر: إن ناساً يزعمون أن عليّاً قسيم النار؛ فقال: أنا أكفر بهذا.
قال سلام: كان موسى يرى رأي أهل الشام، وكان يتحدث بهذا يتعجب به، ويسمع به.
قال موسى: وقد حدثني عباية بأعجب من هذا عن علي أنه قال: والله لأقتلن ثم لأبعثن، ثم لأقتلن وهي القتلة التي أموت فيها، فيضربني يهودي بأريحا يعني موضعاً بالشام بصخرة يقرع بها هامتي.
قال أحمد بن حنبل، وقد سأله رجل عن قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " علي قسيم النار "، فقال: هذا حديث يضطرب طريقه عن الأعمش؛ ولكن الحديث الذي ليس عليه لبس قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق "، وقال الله عزّ وجلّ: " إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار "، فمن أبغض علياً فهو في الدرك الأسفل من النار.
وعن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أوحى إليّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: إنه سيّد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اسكب لي ماءً أو وضوءاً "، ثم قام يصلي ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أول من يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد المسلمين: عليّ ".
وعن بريدة الأسلمي قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نسلم على علي بإمرة المؤمنين، ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم يومئذٍ.
أنكر هذا الحديث، وقال: فيه مجاهيل.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين ".
وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، أنت سيّد شباب أهل الجنة ".
وعن عائشة قالت:
كنت قاعدة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل عليّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، هذا سيّد العرب "، قالت: فقلت: يا رسول الله ألست أنت سيّد العرب؟ قال: " أنا سيّد ولد آدم، وهذا سيّد العرب ".
وعن عائشة قالت: أقبل علي بن أبي طالب يوماً فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذا سيّد المسلمين "، فقلت: ألست سيّد المسلمين يا رسول الله؟ قال: " أنا خاتم النّبيّين ورسول ربّ العالمين ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله أنت سيّد العرب؟ قال: " لا، أنا سيّد ولد آدم، وعي سيّد العرب، وإنه لأول من ينفض الغبار عن رأسه يوم القيامة قبلي علي ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني عصى الله، ومن أطاع علياً أطاعني ومن عصى علياً عصاني ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني ".
وعن عمار بن ياسر، وعن أبي أيوب قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حقّ عليّ على المسلمين حقّ الوالد على ولده ".
وعن أنس بن مالك قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى علي بن أبي طالب فقال: " أنا وهذا حجّة الله على خلقه ".
وعن عبد الله بن الحارث قال: قلت لعلي بن أبي طالب: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم، بينا أنا نائم عنده وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته قال: " يا علي، ما سألت الله عزّ وجلّ من الخير إلاّ سألت لك مثله، وما استغفرت الله من الشرّ إلاّ استغفرت لك مثله ".
وعن علي بن أبي طالب قال: مرضت مرّة مرضاً فعادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ وأنا مضطجع، فأتى إلى جنبي، ثم سجّاني بثوبه، فلما رآني قد ضعفت قام إلى المسجد يصلي، فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب عني، ثم قال: " قم يا علي، فقد برأت "، فقمت فكأني ما اشتكيت قبل ذلك، فقال: " ما سألت ربي شيئاً إلا أعطاني، وما سألت شيئًا لي إلا سألت لك ".
وعن علي قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّحر، وهو في مصلاه في بعض حجره، فقال: " يا عليّ، بتّ ليلتي هذه حيث ترى أصلي وأناجي ربي تعالى، فما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لك مثله، وما سألت من شيء إلى أعطاني، إلا أنه قيل لي: إنه لا نبيّ بعدي ".
وعن أسماء بنت عميس: أنها رمقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل يدعو لهما خاصة يعني عليّاً وفاطمة لا يشركهما بدعائه أحداً.
وعن علي قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان أجلاً فارفعني، وإن كان بلاء فصبّرني، قال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه فضربني برجله، فقال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه، فقال: " اللهم عافه أو اشفه "، فما اشتكيت ذلك الوجع بعد.
وعن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وغلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ".
وعن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ".
وعن جابر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ثلاثة ما كفروا بالله قطّ: مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون ".
وعن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلّيت يا علي؟ " قال: لا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيّك فاردد عليه الشمس ". قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
وعن جابر قال: لما أن كان يوم الطائف خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعلي، فناجاه طويلاً، وأبو بكر وعمر ينظران والناس، قال: ثم انصرف إلينا، فقال الناس: قد طالت مناجاتك اليوم يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه ".
وفي رواية:
فأطال مناجاته، فرأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم ... الحديث.
وعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صاحب سرّي عليّ بن أبي طالب ".
وعن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص قال: دخل عليّ بن أبي طالب على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده ناس، فخرجوا يقولون: ما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نخرج فدخلوا، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " ما أنا أدخلته وأخرجتكم، ولكن الله أدخله وأخرجكم ".
وعن سعيد بن جبير قال: ذكر عند ابن عباس عليّ بن أبي طالب فقال: إنكم تذكرون رجلاً كان يسمع وطء جبريل فوق بيته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له: الأسواف، ففرشت لرسول اله صلّى الله عليه وسلّم تحت صور لها مرشوش، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة "، قال: فلقد رأيته مطأطئاً رأسه من تحت الصّور، ثم يقول: " اللهم إن شئت جعلته عليّاً "، فجاء علي، ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاة، وصنعتها، فأكل وأكلنا، فلما حضرت الظهر قام فصلى وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا.
وعن سلمى قالت: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النخل، فقال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فسمعت حسّاً فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمرّ بحديقة فقال علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! قال: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، حتى مرّ بستّحدائق. وفي روايات أخر: بسبع حدائق كل ذلك يقول علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! فيردّ عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، ثمّ وضع النّبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له علي: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: " ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك حتى أفارق الدنيا ". فقال علي: فما أصنع يا رسول الله؟ قال: " تصبر "، قال: فإن لم أستطع؟ قال: " تلقى جهداً "، قال: ويسلم لي ديني؟ قال: " ويسلم لك دينك ".
وعن علي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، إن لك في الجنة كنزاً وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ".
قال داوود بن رشيد: حدثني أبي قال: كنت يوماً عند المهدي، فذكر علي بن أبي طالب، فقال المهدي: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أصحابه حافين به إذ دخل علي بن أبي طالب، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنك عبقريهم ".
قال المهدي: أي سيّدهم.
وعن عبد الله بن ظالم المازني قال: لقد خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة. قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: فغضب، فقام فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة، فأشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم؟ قال:
قلت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اثبت حراء فإنّك ليس عليك إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد ". قال: قلت: من هم؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزّبير وطلحة وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن مالك ". قال: وسكت قال: قلت: ومن العاشر؟ قال: " أنا ".
وعن ابن عباس قال: سمعت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد علي يقول: " هذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم بحلّته، ثم أنا بصفوتي، ثم علي بن أبي طالب يزفّ بيني وبين إبراهيم زفّاً إلى الجنة ".
وعن أبي سعيد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كسا ناساً من أصحابه، ولم يكس علياً، فكأنه رأى في وجه علي، فقال: " يا علي، أما ترضى أن تكسى إذا كسيت وتعطى إذا أعطيت؟ ".
وعن أبي رافع:
أن علياً دخل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مغضب، فشكا إليه بغض قريش له، وحسد الناس إياه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أما ترضى أن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ".
وعن علي قال: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد الناس لي، فقال: " يا علي، أما ترضى أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرارينا خلف أزواجنا وأشياعنا من ورائنا؟ ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة "، فقام إليه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: " أما أنا فعلى البراق، وجهها كوجه الإنسان، وخدها
كخدّ الفرس، وعرفها من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجدتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة تتقدان مثل النجمين المضيئين، لها شعاع مثل شعاع الشمس، بلقاء محجّلة تضيء مرة وتنمي أخرى، ينحدر من نحرها مثل الجمان، مضطربة في الحلق أذناها، ذنبها مثل ذنب البقرة، طويلة اليدين والرجلين، وأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجدّ في مسيرها تمرّ كالرّيح وهو مثل السّحابة، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار، ودون البغل ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، سيّد الشهداء على ناقتي ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محمل من ياقوت أحمر، قضبانه من الدّرّ الأبيض، على رأسه تاج من نور، لذلك التّاج سبعون ركناً، ما من ركن إلاّ وفيه ياقوتة حمراء تضيء للراكب المحث، عليه حلتان خضراوان، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتقول الخلائق: ما هذا إلاّ نبيّ مرسل أو ملك مقرّب، فينادي منادٍ من بطنان العرش: ليس هذا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول ربّ العالمين، وإما المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وفي حديث آخر: " وأمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين في جنات النعيم ".
وفي حديث آخر: " أمير المؤمنين وإمام التقين، وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنّات ربّ العالمين، أفلح من صدّقه، وخاب من كذّبه، ولو أنّ عابداً عبد الله بين الرّكن والمقام ألف عام وألف عام
حتى يكون كالشّنّ البالي لقي الله مبغضاً لآل محمد أكبّه الله على منخره في نار جهنم.
وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى فقال: ما عسى أن تقولوا في علي؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تؤتى يوم القيامة بناقة من نوق الجنة يا علي، فتركبها وركبتك مع ركبتي، وفخذك مع فخذي حتى تدخل الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى يا علي، إذا جمع الله الناس في صعيد واحد عراة حفاة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعى إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم ينجرّ مثعبٌ من الجنة إلى الحوض، حوض أعزب مما بين بصرى وصنعاء، وفيه آنية مثل عدد نجوم السماء، وقدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ ثم أكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى يا علي فتشرب، ثم توضأ، ثم تكسى ثوبين أبيضين، فتقوم عن يميني معي فر أدعى لخير إلا دعيت ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أعطاني ربي عزّ وجلّ في علي خصالاً في الدنيا وخصالاً في الآخرة، أعطاني به في الدنيا أنه صاحب لوائي عند كل شديدة وكريهة، وأعطاني به في الدنيا أنه غامضي وغاسلي ودافني، وأعطاني به في الدنيا أنه لن يرجع بعدي كافراً، وأعطاني به في الآخرة أنه صاحب لواء الحمد يقدمني به، وأعطاني به في الآخرة أنه متكئي في طول الجسر يوم القيامة، وأعطاني به أنه عون لي على حمل مفاتيح الجنة ".
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
" أعطيت في علي خمس خصال لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما خصلة منها: فإنه يقضي ديني، ويواري عورتي. وأما الثانية: فإنه الذائد عن حوضي. وأما الثالثة: فإنه متكئي في طريق الجسر يوم القيامة. وأما الرابعة: فإن لوائي معه يوم القيامة، وتحته آدم وما ولد. وأما الخامسة: فإني لا أخشى أن يكون زانياً بعد إحصان، ولا كافراً بعد إيمان ".
وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنت وشيعتك في الجنة ".
حدث أبو محمد القاسم بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إذا كان يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم، لباسهم النور على نجائب من نور، أزمّتها يواقيت حمر، تزفهم الملائكة إلى المحشر "، فقال علي: تبارك الله ما أكرم هؤلاء على الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، هم أهل ولايتك وشيعتك ومحبوك، يحبونك بحبي، ويحبونني بحبّ الله، هم الفائزون يوم القيامة ".
وعن علي قال: قال لي سلمان: قلّما طلعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه إلاّ ضرب بين كتفي، فقال: " يا سلمان هذا وحزبه المفلحون ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عن يمين العرش كراسي من نور، عليها أقوام تلألؤ وجوههم نورٌ، فقال أبو بكر: أنا منهم يا نبي الله؟ قال: " أنت على خير "، قال: فقال عمر: يا نبي الله أنا منهم. فقال مثل ذلك، " ولكنهم قوم تحابوا من أجلي وهم هذا وشيعته "، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب.
وعن أم سلمة قالت: كانت ليلتي، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندي، فغدت عليه فاطمة ومعها علي، فرفع غليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه، وقال: " أبشر يا علي: أنت وأصحابك في الجنة، أبشر يا علي: أنت وشيعتك في الجنة، إلا أنّ ممن يزعم أنه يحبك قوماً يرفضون الإسلام، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم يقولها ثلاثاً لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، إن أنت أدركتهم فجاهدهم، فإنهم مشركون ". قال: يا رسول الله، فما العلامة فيهم؟ قال: " لا يحضرون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ياعلي، أنت وشيعتك في الجنة، وإن قوماً لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فإن لقيتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون "، فقال علي: ينتحلون حبّنا أهل البيت، وليسوا كذلك، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر.
وعن أبي الحمراء خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمداً رسول الله صفوتي من خلقي، أيدته بعلي ونصرته ".
وعن أم عطية قالت: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً فيهم علي بن أبي طالب، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو رافعاً يديه يقول: " اللهم لا تمتني حتى تريني علي بن أبي طالب ".
وعن علي قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من يستقي لنا من الماء؟ " فأحجم الناس، فقام علي فاحتضن قربة، ثم أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها، فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل وإسرافيل: اهبطوا لنصر محمد وحزبه، ففصلوا من السماء، لهم لغط يذعر من سمعه، فلما جاؤوا بالبئر سلموا عليه من عند آخرهم إكراماً وتبجيلاً.
وعن سلمان الفارسي قال:
كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجده في يوم مطير ذي سحائب ورياح، ونحن ملتفون حوله، فسمعنا صوتاً لا نرى شخصه وهوي قول: السلام عليك يا رسول الله، فردّ عليه السلام، وقال: " ردوا على أخيكم السلام "، قال: فرددنا عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أنت؟ " قال: أنا عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، أتيتك يا رسول الله مسلماً، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بك يا عرفطة، اظهر لنا رحمك الله في صورتك "، قال سلمان: فظهر لنا شيخ أزب أشعر قد لبس وجهه شعراً غليظاً متكاثفاً قد واراه، وإذا عيناه مشقوقتان طولاً، وله فم في صدره، فيه أنياب بادية طوال، وإذا له في موضع الأظفار من يديه مخالب كمخالب السباع، فلما رأيناه اقشعرت جلودنا، ودنونا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو جماعة قومي إلى الإسلام، وأنا أرده إليك سالماً إن شاء الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه " أيكم يقوم معه فيبلغ الجنّ عني، وله عليّ الجنة؟ " فما قام أحد. وقال الثانية والثالثة فما قام أحد، فقال علي: أنا يا رسول الله، فالتفت النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الشيخ فقال: " وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلاً يفصل بحكمي وينطق بلساني، ويبلغ الجنّ عني ".
قال سلمان: فغاب الشيخ وأقمنا يوماً، فلما صلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة، وانصرف الناس من مسجده قال: " يا سلمان سر معي "، فخرجت معه وعلي بين يديه حتى أتيت الحرة، فإذا الشيخ على بعير كالشاة، وإذا بعير آخر على ارتفاع الفرس، فحمل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً، وحملني خلفه، وشدّ وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصب عيني، وقال: " يا سلمان، لا تفتحن عينيك حتى تسمع عليّاً يؤذن، ولا يرعك ما تسمع، فإنك آمن إن شاء الله "، ثم أوصى علياً بما أحبّ أن يوصيه، ثم قال: " سيروا ولا قوة إلا بالله ".
فثار البعير، ثم دفع سائراً يدف كدفيف النعام، وعلي يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي وأناخ البعير، وقال: انزل بان الفجر أقام عليٌّ الصلاة، وتقدم وصلى بنا أنا والشيخ، ولا أزال أسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت فإذا خلق عظيم لا يسمعهم إلا الخطيب الصّيت الجهير، فأقام علي يسبح ربّه حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيباً، فخطبهم، واعترضه منهم مردة، فأقبل عليٌّ عليهم فقال: أبالحقّ تكذبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات الله تجحدون؟ ثم رفع طرفه إلى السماء، فقال: بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى، والحي القيوم محيي الموتى، وربّ الأرض والسماء، يا حرسة الجن ورصدة الشياطين خدام الله الشراهاليين ذوي الأرواح الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل، ب: " ألمص "، و" الذاريات "، و" كهيعص "، و" الطواسين "، و" يس "، و" ن والقلم وما يسطرون "، و" النجم إذا هوى "، و" الطور وكتاب مسطور في رقّ منشور والبيت المعمور "، والأقسام والأحكام وتواضع النجوم، لمّا أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولعين المتكبرين الجاحدين لآيات ربّ العالمين.
قال سلمان: فحسست بالأرض من تحتي ترتعد، وسمعت في الهواء دوياً شديداً، ثم نزلت نار من السماء، صعق لها كل من رآها من الجن، وخرت على وجوهها مغشياً عليها، وخررت أنا على وجهي، ثم أفقت فإذا دخان يفور من الأرض يحول بيني وبين النظر إلى عتية المردة من الجن، فأقام الدخان طويلاً بالأرض.
قال سلمان: فصاح بهم علي: ارفعوا رؤوسكم، فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى خطبيته، فقال: يا معشر الجن والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح، وسكان الآجام والرمال والأقفار وجميع شياطين البلدان: اعلموا أن الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملوءة جوراً، هذا هو الحق. " فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنى تصرفون ".
قال سلمان: فعجبت الجنّ لعلمه، وانقادوا مذعنين له، وقالوا: آمنا بالله وبرسوله وبرسول رسوله، لم تكذب وأنت الصادق المصدّق.
قال سلمان: وانصرفنا في الليل على البعير الذي كنا عليه، وشدّ علي وسطي إلى وسطه، وقال: اعصب عينيك، واذكر الله في نفسك، وسرنا يدف بنا البعير دفيفاً، والشيخ الذي قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمامنا حتى قدمنا الحرة، وذلك قبل طلوع الفجر.
فنزل علي، ونزلت، وسرّح البعير فمضى، ودخلنا المدينة فصلينا الغداة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما سلم رآنا فقال لعلي: " كيف رأيت القوم؟ " قال: أجابوا وأذعنوا، وقصّ عليه خبرهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنهم لا يزالون لك هايبين إلى يوم القيامة ".
حدث مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: كان علي بن أبي طالب حذراً في الحرب جداً، شديد الزوغان من قرنه، إذا حمل يحفظ جوانبه جميعاً من العدو، وإذا رجع من حملته يكون لظهره أشدّ تحفظاً منه لقدامه، ولا يكاد أحد يتمكن منه، فكانت درعه صدرة لا ظهر لها، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.
وعن رقبة بن مصقلة العبدي عن أبيه عن جده قال: أتى رجلان عمر بن الخطاب في ولايته يسألانه عن طلاق الأمة، فقام معتمداً يمشي بينهما حتى أتى حلقة في المسجد، وفيها رجل أصلع، فوقف عليه فقال: يا أصلع: ما قولك في طلاق الأمة؟ فرفع رأسه إليه، ثم أومأ إليه بإصبعيه، فقال عمر للرجلين: تطليقتان، فقال أحدهما: سبحان الله جئنا لنسألك وأنت أمير المؤمنين، فمشيت معنا حتى وقفت على الرجل فسألته فرضيت منه بأن أومأ إليك؟ فقال: أو تدريان من هذا؟ قالا: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب، أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسمعته وهو يقول: " لو أن السماوات السبع وضعن في كفة ميزان، ووضع إيمان علي في كفة ميزان، لرجح بها إيمان عليّ ".
وعن ربعي بن حراش قال: سمعت علياً عليه السلام يقولك وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّداً فارددهم علينا، فقال له أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب أعناقكم وفي حديث بدر: رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم "، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال له عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل، وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ".
والله أعلم.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف فحاصرهم سبع عشرة ليلة أو ثمان عشرة فلم يفتحها، ثم أوغل.
علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في منتصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.
عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف، فحاصرهم سبع عشرة ليلة، أو ثمان عشرة، فلم يفتحها، ثم أوغل غدوة، أو روحة، ثم نزل، ثم هجّر، فقال: " أيها الناس، إني لكم فرط، وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً مني، أو كنفسي فليضربنّ أعناق مقاتلتهم، وليسبينّ ذراريهم "، قال: فرأى الناس أنه أبو بكر وعمر، فأخذ بيد علي، فقال: " هذا ".
وعن الراء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي من بمنزلة رأسي من يدي ".
وعن حبشيّ بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو ".
وعن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر على الموسم، وبعث معه بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي بن أبي طالب في الطريق فأخذ علي السورة والكلمات، فكان علي يبلغ، وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس
مسلمة، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله إلى مدته، حتى قال رجل: لولا أن يقطع الذي بيننا وبين ابن عمك من الحلف، فقال علي: لولا أن رسول الله أن أمرني أن لا أحدث شيئاً حتى آتيه لقتلتك. فلما رجع قال أبو بكر: مالي؟ هل نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خير ". قال: وماذا؟ قال: إن علياً لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات، فقال: " أجل. لم يكن يبلّغها إلا أنا، أو رجل مني ".
وفي حديث آخر عن أبي بكر رضي الله عنه: ثم قال لعلي: " الحقه، فردّ عليّ أبا بكر، وبلّغها أنت ". وفي آخره: " ولكن أمرت ألا يبلغه إلا أنا أو رجل مني ".
وعن علي قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: " أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم "، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ".
وعن علي عليه السلام حين بعثن ببراءة قال: يا نبي الله، إني لست باللّسن ولا بالخطيب، قال: " ما بدّ من أن أذهب بها، أو تذهب بها أنت "، قال: فإن كان لابد فأذهب بها أنا، قال: " فانطلق فإن الله عزّ وجلّ يثبّت لسانك، ويهدي قلبك "، قال: ثم وضع يده على فيه وقال: " انطلق فاقرأها على الناس ". وقال: " إن الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لواحد حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحقّ ".
وعن جميع بن عمير عن ابن عمر قال: كان في مسجد المدينة، فقلت له: حدثني عن علي، فأراني مسكنه بين مساكن
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أحدثك عن علي؟ قال: قلت: نعم، قال فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر بالكتاب، ثم بعث علياً في أثره، فقال: ما لي يا علي؟ أنزل فيّ شيء؟ قال: لا قال: فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا ولكنه، إنما يؤدّي عني أنا أو رجل من أهل بيتي، وإن علياً رجل من أهل بيتي ".
وعن ابن عباس قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب في بعض طرق المدينة، يده في يدي إذ قال لي: يا بن عباس، ما أحسب صاحبك إلا مظلوماً. فقلت: فردّ إليه ظلامته يا أمير المؤمنين، قال: فانتزع يده من يدي، وتقدّمني يهمهم، ثم وقف حتى لحقته، فقال لي: يا بن عباس، ما أحسب القوم إلا استصغروا صاحبك، قال: قلت: والله ما استصغره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أرسله، وأمره أن يأخذ براءةً من أبي بكر، فيقرؤها على الناس، فسكت.
وعن عائشة قالت: رأيت أبا بكر الصديق يكثر النظر إلى وجه علي بن أبي طالب فقلت: يا أبه، إنك لتكثر النظر إلى علي بن أبي طالب فقال لي: يا بنيّة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى وجه علي عبادة ".
وعن يونس مولى الرشيد قال: كنت واقفاً على راس المأمون وعنده يحيى بن أكثم القاضي، فذكروا علياً وفضله، فقال المأمون: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن عباس يقول: رجع عثمان إلى علي فسأله المصير إليه، فصار إليه، فجعل يحدّ النظر إليه، فقال له علي: مالك يا عثمان مالك تحدّ النظر إليّ؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى علي عبادة ".
وروي عن عمران بن حصين وعن جابر بن عبد الله وعن أنس بن مالك وغيرهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " النظر إلى علي عبادة ".
وعن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل علي فيكم أو قال: في هذه الأمة كمثل الكعبة المسوّرة، النظر إليها عبادة، والحج إليها فريضة ".
قال أبو سليمان الخطابي:
معناه والله أعلم أن النظر إلى وجهه يدعو إلى ذكر الله لما يتوهم فيه من نور الإسلام، يرى عليه من بهجة الإيمان، ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيماء الخشوع، وبذلك نعته الله تعالى فيمن معه من صحابة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " وهذه كما يروى لابن سيرين أنه دخل السوق، فلما نظر إليه وقد جهدته العبادة ونهكته سبحوا.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ذكر علي عبادة ".
وعن سلمة قال: تصدق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون ".
وعن علي عليه السلام قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهو راكعون " فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد، والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا، إلا هذاك الراكع لعليّ أعطاني خاتمه.
وعن أنس أنه قال: قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران فقال له العباس: أنا أشرف منك؛ أنا
عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه وساقي الحجيج، فقال شيبة: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فهما على ذلك يتشاجران حتى أشرف عليها علي، فقال له العباس: على رسلك يا بن أخ، فوقف علي عليه السلام، فقال له العباس: إن شيبة فاخرني، فزعم أنه أشرف مني، فقال: فما قلت له أنت يا عماه؟ قال: قلت له: أنا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه، وساقي الحجيج. أنا أشرف منك، فقال لشيبة: ماذا قلت له أنت يا شيبة؟ قال: قلت له: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك الله عليه كما ائتمنني؟ قال: فقال لهما: اجعلا لي معكما مفخراً. قالا: نعم. قال: فأنا أشرف منكما: أنا أول من آمن بالوعيد من ذكور هذه الأمة، وهاجر، وجاهد. فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجثوا بين يديه، فأخبر كل واحد منهم بمفخره، فما أجابهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بشيء، فانصرفوا عنه، فنزل عليه الوحي بعد أيام فيهم، فأرسل إليهم ثلاثتهم حتى أتوه، فقرأ عليهم: " أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر " إلى آخر العشر. قرأه أبو معمر.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: " الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانية " قال: نزلت في علي بن أبي طالب: كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحداً، وبالنهار واحداً، وفي السرّ واحداً، وفي العلانية واحداً.
وعن ابن عباس قال: لما نزلت: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنا المنذر، وعي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون ".
وعن مجاهد في قوله عزّ وجلّ: " والّذي جاء بالصّدق وصدّق به " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "
وصدّق به ": علي بن أبي طالب، وفي قوله تعالى: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال: " علي بن أبي طالب ".
وعن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا الله وحدي، لا شريك لي، ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعليّ. وذلك قوله في كتابه " هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين " عليّ وحده.
وعن عبد الله أنه كان يقرأ " وكفى الله المؤمنين القتال " بعلي بن أبي طالب.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي على بيّنة من ربه، وأنا الشاهد منه.
وعن أبي سعيد الخدري في قوله: " ولتعرفنّهم في لحن القول " قال: ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن أبي جعفر في قوله: " يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين " قال: مع علي بن أبي طالب.
وعن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: " إنّ الله أمرين أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي "، فنزلت: " وتعيها أذنٌ واعيةٌ ".
وعن ابن عباس في قوله عز وجل: " وصالح المؤمنين " قال: علي بن أبي طالب.
وعن حذيفة قال: دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:
" كيف انتم إذا اختصم السلطان والقرآن؟ " فقلنا: وأنى يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: " إذا قالوا: القرآن مخلوق، برئ الله منهم، وأنا منهم بريء، وصالح المؤمنين ". قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " وصالح المؤمنين: علي بن أبي طالب ".
وعن ابن عباس: " قل بفضل الله ": النبي صلّى الله عليه وسلّم " وبرحمته ": عليّ رضي الله عنه.
وعن ابن عباس قال: ما نزل القرآن " يا أيّها الّذين آمنوا " إلا عليٌّ سيّدها وشريفها وأميرها، وما أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قد عاتبه الله في القرآن ما خلا عليّ بن أبي طالب، فإنه لم يعاتبه في شيء منه.
وفي حديث آخر: وما ذكر علياً إلا بخير.
وعن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله مانزل في عليّ.
وعنه قال: نزلت في عليّ ثلاث مئة آية.
وعن انس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً في المسجد، وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل عليّ، فسلم ثم وقف ينظر مكاناً يجلس فيه، فنظر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى وجوه أصحابه أيّهم يوسع له، وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً، فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال: هاهنا يا أبا الحسن، فجلس بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أبي بكر، فرأينا السرور في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم
أقل على أبي بكر فقال: " يا أبا بكر، إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل ".
وعن شراحيل بن مرّة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " أبشر يا علين حياتك وموتك معي ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا وهذا يعني: علياً نجيء يوم القيامة كهاتين "، وجمع بين أصبعيه السّبابتين.
وعن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متورّكة الحسن والحسين، في يدها برمة للحسن وقال ابن حمدان: للحسين فيها سخين، حتى أتت بها النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما وضعتها قدامه قال لها: " أين أبو الحسن؟ " قالت: في البيت، فدعاه قال ابن حمدان: فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون قالت أم سلمة: وما سامني إليّ وقال ابن المقرئ: فدعاه فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم اتفقا وما أكل طعاماً قط وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم تعني بسامني: دعاني إليه فلما فرغ التفّ عليهم وقال ابن حمدان: عليه بثوبه ثم قال: " اللهم، عاد من عاداهم ووال من والاهم ".
وعن البراء بن عازب قال: جاء علي رضي الله عنه وقاطمة والحسن والحسين إلى باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال بردائه وطرحه عليهم ثم قال: " اللهم، هؤلاء عترتي ".
وعن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبا هريرة يقول: جئت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه تمر، فسلمت عليه فرد علي وناولني من التمر ملء كفه، فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، ثم مضيت من عنده إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمر، فسلمت عليه، فردّ عليّ وضحك إليّ وناولني من التمر ملء كفه فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، فكثر تعجبي من ذلك، فرحت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت:
يا رسول الله، جئتك وبين يديك تمر، فناولتني ملء كفك، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة، ثم مضيت إلى علي بن أبي طالب، وبين يديه تمر، فناولني ملء كفه، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة فعجبت من ذلك، فتبسم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: " يا أبا هريرة، أوما علمت أن يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء؟ ".
وعن حبشيّ بن جنادة قال:
كنت جالساص عند أبي بكر فقال: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليقم، فقام رجل فقال: يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعدني ثلاث حثيات من تمر، قال: فقال: أرسلوا إلى علي، فقال: يا أبا الحسن، إن هذا يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعده أن يحثي له ثلاث حثيات من تمر فاحثها له، قال: فحثاها، فقال أبو بكر عدّوها فعدّوها، فوجدوه في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الأخرى، قال: فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة، ونحن خارجان من الغار نريد المدينة، " كفّي وكفّ علي في العدل سواء ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله طهر قوماً من الذنوب بالصّلعة في رؤوسهم، وإن علياً لأولهم ".
وعن أبي الدرداء قال: لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل إلى اليمن خطبهم، فإذا هم صلع كلهم، فقال: ما لي أراكم صلعاً كلكم؟ قالوا: خلقنا ربنا، قال: أفلا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: وددنا، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ن الله تبارك وتعالى طهر قوماً من الذنوب فأصلع رؤوسهم، وإن علي بن أبي طالب أولهم ".
وعن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بسيد المسلمين، وإما المتقين "، فقيل لعلي: فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله على ما أتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني فيما أعطاني.
وعن علي بن أبي طالب قال: جلست مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " يا أبا حسن، أيها أحبّ إليك: خمس مئة شاة ورعاتها أهبها لك، أو خمس كلمات أعلمكهن تدعو بهن؟ " فقلت له: بأبي أنت وأمي، أما من يريد الدنيا فيريد خمس مئة شاة ورعاتها، وأما من يريد الآخرة فيريد خمس كلمات، قال: فأيّها تريد؟ قلت الخمس كلمات، قال: " فقل: اللهم، اغفر لي ذنبي، وطيّب لي كسبي، ووسّع لي في خلقي، وقنّعني بما قسمت لي، ولا تذهب بنفسي إلى شيء قد صرفته عني ".
وعن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " قد أتاكم أخي "، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: " والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة "، ثم قال: " إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزيّة ". قال: ونزلت: " إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة " قال: فكان أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البريّة.
وعن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي خير البرية ".
وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي خير البشر، من أبى فقد كفر ".
قال الخطيب: لم يرو هذا الحديث عن شريك بن عبد الله غير الحرّ بن سعيد، والمحفوظ عن شريك ما رواه أبو داود الدهان قال: سمعت شريك بن عبد الله يقول: " عليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر ".
وعن عطية العوفي قال: قلت لجابر: كيف كان منزلة علي فيكم؟ قال: كان خير البشر.
وعن جابر قال: عليّ خير البشر، لا يشك فيه إلا منافق.
وعن جابر قال: سئل عن علي فقال: ذاك خير البرية، لا يبغضه إلا كافر.
وعن عطية العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقلنا له: أخبرنا عن عليّ، قال: فرفع حاجبيه بيديه ثم قال: ذاك من خير البشر.
زاد في رواية: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً.
وعن عطاء قال: سألت عائشة عن علي رضي الله عنهم، فقالت: ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر.
وعن ابن عباس قال:
بلغ علي بن أبي طالب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوعٌ، فأقام رجلاً من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة ثم أتى بهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، بلغني ما بك من الشدة، فأتيت رجلاً من اليهود، فاستقيت له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فعلت هذا حباً لله ورسوله؟ " قال: نعم، قال: " فأعد البلاء تجفافاً "، يعني: الصبر.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار.
وفي رواية: وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفاً.
وفي رواية: وإن صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار.
وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته.
وعن علي قال: لقد تزوجت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومالي فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار. ومالي خادم غيرها.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان لعلي أحسبه قال: من النبي صلّى الله عليه وسلّم مدخل لم يكن لأحد من الناس، أو كما قال.
وعن أبي البختريّ قال: قيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
وعن علي قال: كنت إذا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني.
وقيل لعلي: مالك أكثر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الجنة، وأنت بابها يا عليّ، كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها ".
وفي حديث آخر عن عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا دار الحكمة، وعليّ بابها ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة ".
وعن حبيب بن النعمان قال: أتيت المدينة لأجاور بها، فسألت عن خير أهلها، فأشاروا إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: فأتيته، فسلمت عليه، فقال لي: أنت الأعرابي الذي سمعت من أنس بن مالك خمس عشر حديثاً؟ قلت: نعم، قال: فأملها علي قال: فأملتيها على ابنه وهو يسمع، فقلت: ألا تحدثني بحديث عن جدك أخبرك به أبوك؟ قال: يا أعرابي، تريد أن يبغضك الناس، وتنسب إلى الرفض؟ قال: قلت: لا، قال: حدثني أبي عن جدي، حدثني جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر سيدا أهل الجنة "، قال: فعجلت، فعرف الذي أردته، قال: وحدثني أبي عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الحكم أو الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ".
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، وهو آخذ بيد علي وهو يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله يمدّ بها صوته أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها. فهل يخرج من الطيّب إلا الطيّب؟ وأنا مدينة، عليٌّ بابها، فمن أرادها فليأت الباب ".
وعن عبد الله قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فسئل عن علي فقال: " قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءاً واحداً ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي عيبة علمي ".
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّ علياً بالعلم غرّاً.
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه: " ادعوا لي أخي "، فدعي له عثمان، فأعرض عنه ثم قال: " ادعوا لي أخي "، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب، وانكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، يفتح كل باب ألف باب.
طعن في هذا الحديث قوم.
وعن علي بن أبي طالب قال:
كنت أدخل على رسول الله ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني، وإن سكت ابتدأني، وما نزلت آية إلا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي ألاّ أنسى شيئاً علمني إياه، فما نسيت من حرام ولا حلال، وأمرٍ ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده على صدري وقال: " اللهم، املأ قلبه علماً، وفهماً، وحكماً، ونوراً "، ثم قال لي: " أخبرني ربي عزّ وجلّ أنه قد استجاب لي فيك ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، اسكب لي وضوءاً "، ثم قام، فصلى ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين ". قال أنس: قلت: اللهم، اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء علي فقال: " من هذا يا أنس؟ " فقلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه، فقال: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً
ما صنعت بي قبل قال: " وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟ ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أنت تغسلني، وتواريني في لحدي، وتبين لهم بعدي ".
وفي رواية: " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ".
وعن حذيفة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " جعلتك علماً فيما بيني وبين أمتي، فمن لم يتبعك فقد كفر ".
قال: في هذا الحديث مجاهيل.
وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعملني على اليمن، فقلت له: يا رسول الله، إني شاب حدث السن، ولا علم لي بالقضاء، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدري مرتين أو قال: ثلاثاً وهو يقول: " اللهم، اهد قلبه، وثبّت لسانه "، فكأنما كل علم عندي، وحشي قلبي علماً وفقهاً، فما شككت في قضاءين اثنين.
وعن علي قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضياً، فقلت: " تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري، وقال: ثبّتك الله وسدّدك، إذا جاءك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر، فإنه أجدر أن يبين لك القضاء ". قال: فما زلت قاضياً.
وعن ابن عباس قال: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علياً إلى اليمن فقال: " علمهم الشرائع، واقض بينهم "، قال: لا علم لي بالقضاء، قال: فدفع في صدره وقال: " اللهم، اهده القضاء "، فنهدهم عن الدّباء، والحنتم، والمزفت.
وعن علي قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " قل: ربي الله ثم استقم ". قال: قلت: ربي الله، وما توفيقي إلا بالله، قال: " هنيئاً لك العلم أبا حسن، فقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً ".
وعن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره.
وعن بريدة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لكل نبي وصيّ ووارث، وإن علياً وصيّي ووارثي ".
وعن ابن عباس قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا انقض كوكب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من انقضّ هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدي "، فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي، قالوا: يا رسول الله، قد غويت في حبّ علي، فأنزل الله تعالى: " والنّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى " إلى قوله: " وهو بالأفق الأعلى ".
أنكر هذا الحديث قوم.
قال أبو إسحاق: قيل لقثم: بأي شيء ورث علي النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: كان أوّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً، فقلت: فإيش معنى ورث علي؟ قال: لا أدري، إلا أن عيسى بن يونس حدث وذكر حديث مجالد بن سعيد: المراد بالميراث هاهنا: العلم، بدليل أن العباس أقرب منه قرابة، غير أن علياً كان ألزم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأقدم له صحابة.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيتها لما حضره الموت:
" ادعوا لي حبيبي "، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي
حبيبي "، فدعوا له عمر. فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي حبيبي "، فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه افرد الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه.
تفرد به مسلم.
وعن جميع بن عمير أن أمه وخالتاه دخلتا على عائشة، فقالتا: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن علي، قالت: أي شيء تسألن، عن رجل وضع يده من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موضعاً فسالت نفسه في يده، فمسح بها وجهه، واختلفوا في دفنه فقال: إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيّه، قالت: فلم خرجت عليه؟ قالت: أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض.
وعن أم سلمة أنها قالت: والذي تحلف به أم سلمة إن كان أقرب الناس عهداً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ، فقالت: لما كانت غداة قبض، فأرسل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أرى في حاجة بعثه لها. قالت: فجعل غداةً بعد غداة يقول: " جاء علي؟ " ثلاث مرات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس. فلما أن جاء عرفنا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ في بيت عائشة، قالت: فكنت آخر من خرج من البيت ثم جلست أدناهن من الباب، فأكبّ عليه علي، فكان آخر الناس به عهداً، وجعل يسارّه ويناجيه.
قال: والمراد بالوصية أنه أمره أن يقضي عنه ديونه. فقد روي عن سلامة بن سهم التيمي قال: كنا في رحبة علي، والناس فيها حلق على مثل هذه السّبابة ففشا في الناس أن هذه وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغه، فوثب مغضباً فقال: الله الله أن تفتروا على نبيكم ثلاث مرات أأسرّ إليّ شيئاً دونكم ثم أخرجها، فإذا فيها آية من كتاب الله أو شيء من الفقه وقال: يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط، ومبغض مفرط.
وفي الحديث الصحيح ما روي عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجارحات فقد كذب، قال: فيها: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "
المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ".
وعن عبد الله بن يحيى قال: سمعت علياً على المنبر يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إليّ، وإني لعلى بيّنة من ربي بيّنها لنبيّه عليه السلام، فبيّنها لي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً.
وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: خطب علي بن أبي طالب في عامة فقال: أيها الناس، إن العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإني أوشك أن تفقدوني، فسلوني، فلن تسلوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها، وفيم أنزلت، وإنكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدثكم.
وفي حديث بمعناه: فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها.
وعن علي قال: كان لي لسان سؤول، قلب عقول، وما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وبم نزلت، وعلى من نزلت. وإن الدنيا يعطيها الله من أحبّ، ومن أبغض، وإن الإيمان لا يعطيه الله إلا من أحب.
وعن أبي الطفيل قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليلٍ نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.
وعن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم اقسم عليٌّ ألاّ يرتدي برداء إلا لجمعة، حتى يجعل القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله، إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع.
وفي حديث بمعناه قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. قال ابن عوف: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فم يعرفه.
وعن ابن شبرمة قال: ما كان أحد يقول على المنبر: سلوني ما بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب.
وعن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي على منبر الكوفة فقال: أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فبين الجنبين مني علم جمّ.
وعن خالد بن عرعرة قال:
أتيت الرحبة فإذا بنفر جلوس قريب من ثلاثين أو أربعين رجلاً، فقعدت فيهم، فخرج علينا عليّ، فما رأيته أنكر أحداً من القوم غيري فقال: ألا رجل يسألني فينتفع وينفع نفسه؟ وعن عبد الله بن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن.
وعن عبد الله بن مسعود قال: ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطايا، قال: فقال له رجل: فأين أنت عن علي؟ قال: به بدأت، إني قرأت عليه.
سأل ابن الكوا علياً عليه السلام: أيّ الخلق أشد، فقال أشد خلق ربك عشرة: الجبال الرواسي، والحديد تنحت به
الجبال، والنار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يعني: يحمل الماء والريح تقلّ السحاب، والإنسان يغلب الريح، يبعثها بيده، ويذهب لحاجته، السكر يغلب الإنسان، والنوم يغلب السكر، والهمّ يغلب النوم، فأشد خلق ربك الهمّ.
وعن ابن مسعود قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعين سورة، وختمتالقرآن على خير الناس بعده، فقيل له: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحداً أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب.
وعنه قال: ما رأيت قرشياً قط أقرأ من علي بن أبي طالب، صلى بنا الفجر فقرأ بسورة، وترك آية. فلما ركع، ورفع رأسه من السجدتين ابتدأ بالآية التي تركها ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ سورة أخرى.
وعن ابن عباس قال: خطبنا عمر على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علي أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنّا لندع من قول أبيّ أشياء. إن أبيّاً سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي يقول: لا أدع ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد نزل بعد أبيّ كتاب.
وفي رواية: وإنا لندع كثيراً من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أدعه لشيء، والله يقول: " ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها " وعن عطاء قال: كان عمر يقول: عليّ أقضانا للقضاء، وأبيّ أقرأنا للقرآن.
وعن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: أفرض أهل المدينة، وأقضاها علي بن أبي طالب.
وعن الشعبي قال: ليس منهم أحد أقوى قولاً في الفرائض من علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع عمر يقول لعلي وسأله عن شيء فأجابه، فقال له عمر: نعوذ بالله من أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.
وعن سعيد بن المسيّب قال: قال عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن؛ علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فلما دخل الطواف استلم الحجر وقبّله، وقال: إني لأعلم أنّك حجر، لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك، قال: ثم مضى في الطواف، فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، إنه ليضرّ وينفع، فقال له عمر: بم قلت ذلك؟ قال: بكتاب الله، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قول الله عزذ وجلّ: " وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى " قال: لما خلق الله آدم عليه السلام مسح منكبه، فخرج ذرّيته مثل الذرّ، فعرّفهم بنفسه أنه الرّب، وأنهم العبيد، وأقرّوا بذلك على أنفسهم، وأخذ ميثاقهم بذلك، فكتبه في رقّ أبيض، قال: وكان هذا الركن الأسود يومئذ له لسان وشفتان وعينان، فقال له: افتح فاك، فألقمه ذلك الرقّ، وجعله في موضعه، وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة إلى يوم القيامة، قال: فقال عمر بن الخطاب: لا بقيت في قوم لست فيهم يا أبا حسن، أو قال: لا عشت في قوم لست فيهم أبا حسن.
وعن ابن عباس قال: قسّم علم الناس خمس أجزاء، فكان لعلي منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزء، وشاركهم عليّ في الجزء، فكان أعلم به منهم.
وعن ابن عباس قال: إنا إذا ثبت لنا الشي عن علي لن نعدل به إلى غيره.
وعنه أنه قال: إذا بلغنا شيء تكلم به علي من فتيا أو قضاء وثبت لم نجاوزه إلى غيره.
وعن جسرة قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسّنّة.
وعن عائشة قالت: علي أعلم الناس بالسّنّة.
وعن عبيدة قال:
صحبت عبد الله سنة ثم صحبت علياً، فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر على الأعرابي.
وعن أبي سعيد قال: كان علي يأتي السوق فيقول: يا أهل السوق، اتقوا الله، وإياكم والحلف فإن الحلف ينفق السلعة، ويمحق البركة، وإن التاجر فاجر إلا من أخذ الحق، وأعطى الحق، والسلام عليكم. ثم يمكث الأيام ثم يأتي السوق فيقولون: قد جاء البوذشكب، فسأل سرّيته فقالت: يقولون: عظيم البطن، فقال: أسفله طعام، وأعلاه علم.
وعن مسروق قال: شاممت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر، وعلي،
وعبد الله، وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت. ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين: إلى عليّ وعبد الله.
وعن مسروق قال: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدارداء. فإذا التقوا ساءل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهم.
وعن الشعبي أن عمرو بن مسعود وزيد بن ثابت كان يناظر بعضهم بعضاً، ويتعلم بعضهم من بعض، وكان علي وأبي وأبو موسى يأخذ بعضهم من بعض.
وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا والله، ما أعلمه.
وعن عامر أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ما تقول في علي؟ قال: " قديمةٌ هجرته، حسن سمته، وحسنٌ بلاؤه، كريمٌ حسبه "، قال: يا رسول الله، إني لست عن ذلك أسأل، ولكنه خطب إليّ ابنتي فأحببت أن أعلم ما يبلغ ذلك من مسرّتك ومساءتك، قال: فقال: " إن فاطمة بضعة مني، فأحب ما سرّها، وأكره ما ساءها "، قال: والذي بعثك بالحق لا أنكح علياً ما دامت فاطمة حيّة.
قال الشعبي: بينا أبو بكر جالس إذ طالع علي بن أبي طالب من بعيد. فلما رآه قال أبو بكر: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة، وأقربهم قرابة، وأفضلهم دالّة وأعظمهم غناء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلينظر إلى هذا الطالع.
قال معقل بن يسار المزني: سمعت أبا بكر الصديق يقول لعلي بن أبي طالب: عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن خيثمة قال: كان نفر عند سعد، قال: فذكروا علياً، فنالوا منه، فقال سعد: مهلاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا نزلت: " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " فأرجو أن تكون رحمة سبقت لنا من الله.
وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنه أتى سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون عليّ سبّ عليّ بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله، قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: في عليٍّ شيئاً، لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً.
وعن عيسى بن طلحة قال: قلت لابن عباس: يا أبا عباس، صف لنا سلفنا حتى كأني عاينتهم، قال: تسلني عن أبي بكر؟ كان والله في علمي تقياً، ندياً، الخير كلّه فيه، من رجل يصادى منه غرب، يعني: حدّة، تسألني عن عمر؟ كان والله في علمي تقياً، قوياً، قد وضعت له الحبائل بكل مرصد، كان لها حذراً، من رجل في سوقه عنف، تسلني عن عثمان؟ كان والله في علمي صواماً، قواماً، ومن رجل يحب قومه. تسلني عن علي؟ كان والله في علمي عليماً، حكيماً، إن سمعته يقول شيئاً قط إلا أحسنته، من رجل يأتكل على موضعه، ولم أره أشرف على شيء قط حتى أقول هذه آخذه إلا صرف عنه. قلت: يا أبا عباس، أكنتم تعدّونه مجدوداً؟ قال: أنتم تقولون ذلك.
وعن ابن عمر أنه بلغه أن رجلاً يذكر عليّ بن أبي طالب، فقال ابن عمر: ولم تفعل؟ فوربّ هذه البنيّة لقد سبقت له الحسنى من الله، ما لها من مردود.
وعن سعد بن عبيدة قال: قال رجل لابن عمر: ما تقول في علي؟ فإني أبغضه، قال: أبغضك الله، فإني أبغضك.
وعن مولىً لحذيفة قال: كان حسين بن علي آخذاً بذراعي في أيام الوسم، قال: ورجل خلفنا يقول: اللهم، اغفر له ولأمه، فأطال ذلك، فترك ذراعي وأقبل عليه فقال: قد آذيتنا منذ اليوم، تستغفر لي ولأمي، وتترك أبي، وأبي خير مني ومن أمي؟ وعن أبي إسحاق قال:
جاء ابن احور التميمي إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من عند ألأم الناس، وأبخل الناس، وأعيا الناس، وأجبن الناس، فقال: ويلك وأنى أتاه اللؤم؟ ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبن، وآخر من تبر لأنفد التبر قبل التبن، وأنى أتاه العيّ؟ وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي، ويلك وأنى أتاه الجبن؟ وما برز له رجل قط إلا صرعه. والله يا بن أحور لولا أن الحرب خدعة لضربت عنقك، اخرج فلا تقيمنّ في بلدي. قال عطاء: وإن كان يقاتله فإنه كان يعرف فضله.
وعن يحيى بن زيد بن علي قال: قال عتبة بن أبي سفيان ليلة لمعاوية: يا أمير المؤمنين، بم يطلب عليّ هذا الأمر؟ فوالله ما كان من أهله، ولا آله، فقال معاوية: علي والله كما قال الشاعر: الطويل
لئن كان إذ لا خاطباً فتعذّرت ... عليه وكانت عاتباً فتخطّت
فما تركته رغبة عن حبالة ... ولكنها كانت لآخر خطّت
قال جابر: كنّا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان، وقد جلس على سريره، واعتجر
بتاجه، واشتمل بساجه، وأومأ بعينيه يميناً وشمالاً، وقد تفرّشت جماهير قريش، وسادات العرب أسفل السرير من قحطان، ومعه رجلان على سريره: عقيل بن أبي طالب، والحسن بن علي، وامرأة من وراء الحجاب تشير بكمّيها يميناً وشمالاً فقالت: يا أمير المؤمنين، ما بتّ الليلة، أرقة، قال لها معاوية: أمن ألمٍ؟ قالت: لا، ولكن من اختلاف رأي الناس فيك وفي عليّ بن أبي طالب. صخر بن حرب ابن أميّة، وكان أميّة من قريش لبابها، فقالت في معاوية فأكثرت، وهو مقبل على عقيل والحسن، فقال معاوية: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من صلّى أربعاً قبل الهر، وأرباً بعدها حرّم على النّار أن تأكله أبداً، ثمّ قال لها: أفي علي تقولين: المطعم في الكربات، المفرّج للكربات مع ما سبق لعلي من العناصير السرية، والشيم الرّضية والشرف، فكان كالأسد الحادر، والربيع النائر، والفرات الزاخر، والقمر الزاهر: فأما الأسد فأشبه علي منه صرامته ومضاءه، وأما الرّبيع فأشبه علي منه حسنه وبهاءه، وأما الفرات فأشبه علي منه طيبه وسخاءه، فما تغطمطت عليه قماقم العرب السادة، من أول العرب عبد مناف، وهاشم، وعبّاس القماقم، والعباس صنو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوه وعمه، أكرم به أباً وعمّاً، ولنعم ترجمان القرآن ولده، يعني: عبد الله بن عبّاس كهل الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، خيار خلق الله، وعترة نبيّه، خيار ابن أخيار، فقال عقيل بن أبي طالب: يا بنت أبي سفيان، لو أن لعلي بيتين: بيت من تبر، والآخر تبن بدأ بالتبر وهو الذهب، يا أبا يزيد، كيف لا أقول هذا في علي بن أبي طالب؟ وعلي من هامات قريش وذؤابتها، وسنام قائم عليها، وعليّ علامتها في شامخ؟ فقال له عقيل: وصلتك رحمّ يا أمير المؤمنين.
وعن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: ألا تخبرني عن أبي بكر وعلي؟ فإن أبا بكر كان له السّن والسّابقة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ستين سنة، وعلي ابن أربع وثلاثين سنة، ثم
إن الناس صاغية إلى علي، فقال: أي ابن أخ، كان والله له ما شاء من ضرس قاطع، أبسطه في النسب وقرابته من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومصاهرته، والسّابقة في الإسلام، والعلم بالقرآن، والفقه والسّنّة، والنّجدة في الحرب، والجود في الماعون، كان والله له ما شاء الله من ضرس قاطع.
وحدّث سعيد عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وكانت ابنته تحت واقد بن عبد الله بن عمر: فدخل عبد الله بن عياش على ابنته، فقلت: يا أبا الحارث، ألا تخبرني عن عليّ بن أبي طالب؟ قال: أما والله يا ابن أخي إنّي به لخابر، قلت: وتقول ذاك ما هو؟ قال: كان رجلاً تلعابة، وكان إن شاء أن يقطع له ضرس قاطع قطع، قلت: وضرسه ذاك ما هو؟ قال: قراءة القرآن، وعلم بالقضاء، وبأسٌ، وجود، لا ينكس. قال الأسود بن قيس: فقلت له: ما تلعابة؟ قال: فيه مضاحكة.
وعن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد كان لعليّ بن أبي طالب من السّوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً.
قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
قال البيهقي: وهذا لأن أمير المؤمنين عليّاً عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون، وخرج عليه خارجون، فاحتاج من بقي من الصّحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله، وقرابته، ومناقبه، ومحاسنه ليردّوا بذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل، وهو أهل كلّ فضيلة ومنقبة، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقّاً، وفي طلبه في وقته مستحقّاً، وهو كما
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: لم يزل عليّ بن أبي طالب مع الحقّ، والحقّ معه حيث كان.
وعن جري بن كليب قال: رأيت عليّاً يأمر بالمتعة، قال: ورأيت عثمان بن عفّان ينهى عنها، فقلت لعليّ: إن بينكما لشرّ، فقال: ما بيننا إلاّ خير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدّين.
وعن حذيفة قال: ذكرت الإمارة أو الخلافة عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن ولّيتموها أبا بكر وجدتموه ضعيفاً في بدنه، قويّاً في أمر الله، وإن ولّيتموها عمر وجدتموه قويّاً في أمر الله، قويّاً في بدنه، وإن ولّيتموها عليّاً وجدتموه هادياً مهدياً، يسلك بكم على الطريق المستقيم ".
وعن علي قال: قيل: يا رسول الله، من نؤمّر بعدك؟ قال: " إن تؤمّروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدّنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر تجدوه قويّاً، أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الطريق المستقيم ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: كنّا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، قال: فتنفّس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي "، قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: أبو بكر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عمر، قال: فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفّس، قال: قلت: ما شأنك؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عليّ بن أبي طالب، قال: " أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنة أجمعين أكتعين ".
طعنوا في مينا، أحد رواته.
وعن أنس بن مالك أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: " إنّك لن تموت حتى تؤمّر، وتملأ غيظاً، وتوجد من بعدي صابراً ".
وعن عمران بن حصين قال: مرض عليّ في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلّم فعاده النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعدناه معه، فقال: يا رسول الله، ما أرى عليّاً إلاّ لما به، فقال: " والذي نفسي بيده لا يموت حتى يملأ غيظاً، ويوجد من بعدي صابراً ".
وفي حديث آخر: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً.
وعن ابن عباس أن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه خرج من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجعه الذي توفي فيه، فقال له الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال: أرأيتك فإنك والله بعد ثلاث عبد العصا، إني لأرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيتوفى في مرضه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله: فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا بذلك، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله إن سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده أبداً، والله لا أسألها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبداً.
وفي حديث بمعناه: فقال له علي: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطناها، أترى الناس يعطوناها، والله لا أسألها إياه أبداً. قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيّهما كان أصوب عندكم رأياً؟ فنقول: العباس فيأبى. ثم قال: لو أن علياً سأله عنها فأعطاه إياها فمنعه الناس كانوا قد كفروا. قال عبد الرزاق: فحدثت به ابن عيينة فقال: قال الشعبي: لو أن علياً سأله عنها كان خيراً له من ماله وولده.
وفي حديث آخر: فقال له العباس: إنك يا علي إنما تعظم بالهجرة، وكأني بك بعد ثلاث عبد العصا.
وعن ابن عباس قال:
أرسل العباس بن عبد المطلب إلى بني عبد المطلب، فجمعهم عنده، قال: وكان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال العباس: يا بن أخي، إني قد رأيت رأياً لم أحب أن أقطع فيه شيئاً حتى أستشيرك، فقال علي: وما هو؟ قال: ندخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فنسأله إلى من هذا الأمر من بعده؟ فإن كان فينا نسلّمه والله ما بقي منا في الأرض طارف، وإن كان في غيرنا لم نطلبها بعد أبداً، فقال علي: يا عم، وهو هذا الأمر إلا إليك؟ وهل من أحد ينازعكم في هذا الأمر؟ قال: فتفرقوا، ولم يدخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن علي بن أبي طالب قال: لقيني العباس فقال: يا علي، انطلق بنا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن كان لنا من الأمر شيء، وإلا أوصى بنا الناس، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه فرفع رأسه فقال: " لعن الله اليهود، اتخذوا قبور الأنبياء مساجد "، ثم قالها الثالثة. فلما رأينا ما به خرجنا، ولم نسله عن شيء، قال: فسمعت علياً يقول: يا ليتني أطعت عباساً، يا ليتني أطعت عباساً.
وعن الأقرع مؤذن عمر أن عمر مر على الأسقف، فقال: هل تجدون في شيء من كتبكم؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدوني؟ قالوا: قرن من حديد، قال عمرك قرن من حديد؟ وماذا؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر والحمد لله، قال: والذي بعدي؟ قال رجل صالح، يؤثر أقرباءه، فقال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: والذي من بعده؟ فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن إمارته تكون في هراقة من الدماء، والسيف مسلول.
وعن عامر الشعبي قال: قال العباس لعلي بن أبي طالب حين مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني أكاد أعرف في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الموت، فانطلق بنا إليه لنسله: من يستخلف؟ فإن استخلف منا فذاك
وإلا أوصى بنا، قال: فقال علي للعباس: كلّمه فيها خفاء. فلما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم قال العباس لعلي: ابسط يدك فلنبايعك، قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن علياً أطاع العباس في أحد الرأيين كان خيراً من حمر النّعم، قال عامر: لو أن العباس شهد بدراً ما فضّله أحد من الناس رأياً ولا عقلاً.
وعن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن، قال: ادعوا لي علياً، وعثمان، وطلحة والزبير، وابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، فلم يكلم أحداً منهم غير علي وعثمان فقال: يا علي، لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان، لعل هؤلاء القوم أن يعرفوا لك صهرك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسنّك وشرفك، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم قال: ادعوا لي صهيباً فدعي له فقال: صلّ بالناس، ثلاثاً، وليحلّ هؤلاء القوم، في بيت، فإذا اجتمعوا على رجلٍ، فمن خالف فاضربوا رقبته. فلما خرجوا من عنده قال: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق، فقال له ابنه ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحلها وحياً ميتاً.
وعن ابن عمر قال: قال عرم لأصحاب الشورى: لله درهم إن ولّوها الأصلع، كيف يحملهم على الحق، وإن حملاً على عنقه بالسيف، قال: فقلت: أتعلم ذاك منه ولا تولّه؟ فقال: إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب حين وقف عمر لم يولّ أحداً يعني: قال: ألا تصنع كما صنع أبو بكر؟ قال: ويحك! لو كنت أنت غلاماً، وكان معك غلمان أتراب نشأتم حتى بلغتم رجالاً، أليس كان يعرف بعضكم بعضاً؟ قال: بلى، قال: فإني والله هؤلاء نشأنا جميعاً، فلا أعرف مكان أحد أخصّه بهذا الأمر، ولكني جاعلها بين نفر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهم.
قال أبو محمد بن قتيبة
في حديث عبد الرحمن بن عوف أنه كان في كلامه لأصحاب الشورى: يا هؤلاء إن عندي رأياً، وإن لكم نظراً، إنّ حابياً خيرٌ من زاهق، وإن جرعة شروب أنقع من عذبٍ موبٍ، وإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيّوب في الكلم، فلا تطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم، وتولتوا أعمالكم، لكلّ أجلٍ كتاب، ولكل بيت إمام، لأمره يقومون، وبنهيه يرعون، قلّدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكن، يقترع منكم، وكلكم منتهى، ويرتضي منكم وكلكم رضىً.
فتكلم علي فقال: الحمد الله الذي اتخذ محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السّرى، لو عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً لجالدنا عليه حتى نموت، أو قال لنا قولاً لأنفذنا قوله على رغمنا، لن يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم، ودعوة حق، والأمر إليك يا بن عوف على صدق اليقين، وجهد النصح. أستغفر الله لي ولكم.
قوله: إن حابياً خيرٌ من زاهق الحابي من السهام هو الذي يزحف إلى الهدف، يقال: حبا يحبو، فإن أصاب الرقعة فهو خاسق وخازق ومفرطس، فإن جاوز الهدف، ووقع خلفه فهو زاهق، يقال: زهق السهم إذا تقدم، وأراد عبد الرحمن أن الحابي من السهام وإن كان ضعيفاً فقد أصاب الهدف، فهو خير من الزاهق الذي قد جاوزه بشدة مرّه وقوّته، ولم يصبه، وضرب السهمين مثلاً لواليين: أحدهما ينال الحق أو بعضه وهو ضعيف، والآخر يجوز الحق ويبعد منه وهو قوي. والشّروب من الماء هو الملح الذي لا يشربه الناس إلا عند الضرورة: والموبي: الضار، المدخل في الوباء، وهو المرض، والحرف مهموز فترك همزه ليقابل به الحرف الذي قبله، وهو أيضاً مثل لرجلين:
أحدهما أرفع وأضر، والآخر أدون وأنفع. وقوله: فإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم، يريد أن القليل من القول من التلطف فيه أبلغ من الهذر وكثرة الكلام بغير رفق ولا تلطف. والسيوب ما سيّب وخلّي فساب أي ذهب، ومنه سمي الرجل السائب. وقوله: لا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم أي لا تفلوا حدّكم بالاختلاف، والمدى جمع مدية، وضرب المدى مثلاً، والفلول تكسّرٌ يصيب حدّها. وقوله: ولا تغمدوا السيوف من أعدائكم فتوتروا ثأركم أي توجدوه الوتر في أنفسكم، يقال: وترت فلاناً إذا أصبته بوتر، وأوترته أوجدته ذلك. والثأر: العدو، لأنه موضع الثأر. وقوله: وتولتوا أعمالكم أي تنقصوها، يريد أنه كانت لهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعمال في الجهاد، فإذا هم تركوه، واختلفوا نقصوها، وفيه لغتان: لاته يليته ليتاً إذا نقصه. قال تعالى: " لا يلتكم من أعمالكم شيئاً " وألت يألت، قال تعالى: " وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ " والحرف الذي في الحديث: تولت، كأنه من أوّلت يولت أو ألت يؤلت، عن كان مهموزاً. وقوله: بنهيه يرعون أي يكفون، ومنه الورع في الدين. وقوله: وقلدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل أي واسع الذراع عند الشدائد، ويجود ويعطي، ويبسط يديه بالعطاء، ويفتح به باعه، مأمون الغيب على ما استكن أي قلدوه رجلاً مأمون غيبه فيما خفي عليكم، فلا يخونكم، ولا يبغيكم الغوائل يقترع منكم أي يختار، يقال: فلان قريع قومه أي المختار منهم للرئاسة، وقد اقترعت من الإبل فحلاً أي اخترته.
وقول علي: لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السّرى يريد: إن نمنعه نركب مركب الضيم والذل على مشقة، وإن تطاول ذلك به، وأصل هذا أن راكب البعير إذا ركبه بغير بحل ولا وطاء ركب عجزه، ولم يركب ظهره من أجل السنام، وذلك مركب صعب، يشقّ على راكبه لا سيما إذا تطاول به الركوب على تلك الحال، وهو يسري، أو يسير ليلاً، فإذا ركبه بالوطاء والرحل ركب الظهر، وذلك مركب يطمئن به، ولا يشق عليه، ويجوز أن يكون أراد بركوب أعجاز الإبل أن يكون ردفاً تابعاً، وأنه يصبر على ذلك، وإن تطاول به.
ولما كان يوم الشورى قال علي بن أبي طالب: والله لأحتجنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولا عربيهم ولا عجميهم ردّه، ولا يقول خلافه، ثم قال لعثمان بن عفان ولعبد الرحمن بن عوف وللزبير ولطلحة ولسعد وهم أصحاب الشورى وكلهم من قريش وقد كان قدم طلحة: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم أحد صلى لله قبلي؟ وصلى القبلتين؟ قالوا: اللهم، لا، قال: أنشدكم بالله، هل فيكم أحد أخو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري، إذ آخى بين المؤمنين، فآخى بيني وبين نفسه، وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى، إلا أني لست بنبيّ؟ قالوا: لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم مظهر غيري؟ إذ سد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبوابكم، وفتح بابي، وكنت معه في مساكنه ومسجده، فقام إليه عمه، فقال: يا رسول الله، غلقت أبوابنا، وفتحت باب علي، قال: نعم، الله أمر بفتح بابه وسدّ أبوابكم؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد أحبّ إلى الله وإلى رسوله مني، إذ دفع الراية إليّ يوم خيبر، فقال: " إلى من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، ويوم الطائر، إذ يقول: " ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " فجئت فقال: " اللهم وإلى رسولك، اللهم وإلى رسولك "، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري حتى ... قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم من قتل مشركي قريش والعرب في الله وفي رسوله غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له في العلم، وأن يكون أذنه الواعية مثلما دعا لي؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم، ومن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه، وأبناءه أبناؤه، ونساءه نساؤه، غيري؟ قالوا: اللهم لا؛ قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يؤمن أحد من قرابته، غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيدة نساء عالمها؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له ابنان مثل ابنيّ: الحسن والحسين، سيّديّ شباب أهل
الجنة، ما خلا النبيين، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له أخ كأخي جعفر الطيار في الجنة المزيّن بالجناحين مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له مثل عمي أسد الله، وأسد رسوله، سيّد الشهداء حمزة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد ولي غمض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد ولي غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، يقلبونه لي كيف أشاء، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان آخر عهده برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى وضعه في حفرته، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد قضى عن رسول الله صأ بعده ديونه ومواعيده، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: وقد قال الله عزّ وجلّ: " وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين ".
وفي حديث آخر بمعناه، قال أبو الطفيل: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً يقول: بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذاً أسمع وأطيع، وإن عمر جعلني في خمسة نفر، أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه. كلما فيه شرع: سواء. وايم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك بردّ خصلة منها لفعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري؟ قالوا: اللهم، لا، وعددّ المناشدة، إلى آخر الحديث.
قال: وفي هذا الحديث ما يدل على أنه موضوع، وهو قوله: وصلى القبلتين، وكل أصحاب الشورى قد صلى القبلتين. وقوله: أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة، وقد كان لعثمان مثلما له من هذه الفضيلة وزيادة.
قال عبد الله محمد بن مكرّم مختصر هذا التاريخ: قوله: فقد كان لعثمان مثل ما له من هذه الفضيلة وزيادة. فيه دليل على أنه ما كان لفاطمة عليها السلام عنده مزية على غيرها من بناته صلّى الله عليه وسلّم.
قال الزهري: لما قتل عثمان: برز علي بن أبي طالب بالناس، فدعاهم إلى البيعة، فبايعه الناس، ولم يعدلوا به لا طلحة ولا غيره.
وعن علقمة بن وقاص قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد ما قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم لا يحول بين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا. فقال: يا بن سميّة أتقصّ من جلدات جلدتهن ولا تقصّ من دم عثمان، قال: فتفرقوا يومئذٍ عن غير بيعة.
قال إبراهيم بن رباح: يستحق علي الخلافة بخمسة أشياء: بالقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسبق إلى الإسلام، والزهد في الدنيا، والفقه في الدين، والنكاية في العدو، فلم تر هذه الخمسة الأشياء إلا في عليّ عليه السلام.
قال عمرو بن دينار: كلم أهل المدينة ابن عباس أن يحجّ بهم، وعثمان محصور، فدخل عليه فاستأذنه، فقال: حجّ بهم، فحج بهم، ثم رجع وقد أصيب عثمان، فقال لعلي: إن قمت الآن بهذا الأمر ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة.
وعن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان قال: قلت: فما لكم تسبوهن على المنابر؟ قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك.
خطب علي بن أبي طالب فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً،
ولكنه رأيٌ رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواماً طلبوا الدنيا، فمن شاء الله منهم أن يعذّب عذّب، ومن شاء أن يرحم رحم.
وعن قيس بن عباد قال: كنا مع علي، فكان إذا شهد مشهداً، أو أشرف على أكمة، أو هبط وادياً قال: سبحان الله، صدق الله ورسوله، فقلت لرجل من بني يشكر: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين حتى نسأله عن قوله: صدق الله ورسوله، قال: فانطلقنا إليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، رأيناك إذا شهدت مشهداًن أو هبطت وادياً، أو أشرفت على أكمة قلت: صدق الله ورسوله، فهل عهد إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً في ذلك؟ قال: فأعرض عنا، وألححنا عليه. فلما رأى ذلك قال: والله ما عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً إلا شيئاً عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا على عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني ثم إني رايت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا.
وعن علي بن أبي طالب قال: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أرى أني أحق الناس بهذا الأمر، فاجتمع الناس على أبي بكر، فسمعت وأطعت، ثم إن أبا بكر حضر فكنت أرى أن لا يعدلها عني، فولى عمر، فسمعت وأطعت، ثم إن عمر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستةٍ أنا أحدهم، فولاها عثمان، فسمعت وأطعت، ثم إن عثمان قتل، فجاؤوني فبايعوني طائعين غير مكرهين. فوالله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن الحسن قال:
لما قدم عليّ البصرة في إثر طلحة وأصحابه قام عبد الله بن الكوا وابن عباد فقالا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن مسيرك هذا، أوصية أوصاك بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ام عهد عهده إليك، أم رأي رأيته حين تفرقت الأمة، واختلفت كلمتها؟ فقال: ما أكون أول كاذب عليه وفي رواية: ولا والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه والله ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موت فجاءة، ولا قتل قتلاً زاد في رواية: ولو كان
عندي من النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك عهد ما تركت أخا تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا قال: ولقد مكث في مرضه كل ذلك يأيته المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيقول: مروا أبا بكر ليصلي بالناس، ولقد تركني وهو يرى مكاني، ولو عهد إلى شيئاً لقمت به، حتى عرضت في ذلك امرأة من نسائه فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس، فقال لها: إنكنّ صواحب يوسف. فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر المسلمون في أمرهم، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ولى أبا بكر أمر دينهم، فولّوه أمر دنياهم، فبايعه المسلمون، وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، فأشار بعمر، ولم يأل، فبايعه المسلمون وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، وكره أن ينتخب منا معشر قريش رجلاً فيوليه أمر الأمة، فلا يكون فيه إساءة لمن بعده إلا لحقت عمر في قبره، فاختار منا ستة، أنا فيهم، لنختار للأمة رجلاً منا. فلما اجتمعنا وثب عبد الرحمن فوهب لنا نصيبه منها، على أن نعطيه مواثيقنا على أن نختار من الخمسة رجلاً، فنوليه أمر الأمة، فأعطيناه مواثيقنا، فأخذ بيد عثمان فبايعه، ولقد عرض في نفسي ذلك. فلما نظرت في أمري فإذا عهدي قد سبق بيعتي، فبايعت وسلمت، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني. فلما قتل عثمان نظرت في أمري، فإذا الرّبقة التي كان لأبي بكر وعمر في عنقي قد انحلّت، وإذا العهد لعثمان قد وفيت به، وإذا أنا رجل من المسلمين ليس لأحد عندي دعوى، ولا طلبة، فوب فيها من ليس مثلي يعني: معاوية لا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحقّ بها منه، قالا: صدقت، فأخبرنا، عن قتالك هذين الرجلين يعنيان: طلحة والزبير صاحباك في الهجرة، وصاحباك في بيعة الرضوان، وصاحباك في المشورة. قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلاً ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه.
وفي حديث آخر عنه بمعناه قال: فلما قبض الله نبيّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلّى الله عليه وسلّم لديننا، فكانت الصلاة أصل الإسلام، وقوام الدين، وهو أمين الدين، فبايعنا أبا بكر، فكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم يقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطه، وذكر مثل ذلك عن عمر.
قال الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو يذكر ما يجمع هذا الحديث من فضائل علي رضي الله عنه ومناقبه ومراتبه ومحاسنه وإلا لات صدقه، وقوة دينه، وصحة يقينه قال: ومن مختارها أنه لم يدع ذكر ما عرض له فيما أجرى إليه عبد الرحمن وإن كان يسيراً حتى قال: لقد عرض في نفسي عند ذلك وفي ذلك ما يوضح أنه ولو عرض له في أمر أبي بكر وعمر شيء، واختلف له في سرٍّ وعلانية بنيّة تصريح، أو نبّه عليه بتعريض كما فعل فيما عرض له عند فعل عبد الرحمن ما فعل.
سئل جابر بن عبد الله عن قتال علي فقال: ما يشك في قتال علي إلا كافر.
قال الميموني:
سمعت أحمد بن حنبل وقل له: ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فقيل له: كأنك ذهبت إلى حديث سفينة، وإلى شيء آخر: رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يتسمّ بأمير المؤمنين، ثم لم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل، فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن له قبل ذلك.
كان نقش خاتم عليّ: الملك لله وقيل: الله ولي علي وقيل: نعم القادر الله.
قال المدائني: لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد زنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين، فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، وزادوا، فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في علي والخلافة، وعلى أن الخلافة لم تزين علياً بل عليٌّ زينها. قال السياري: حدثت بهذا الحديث بعض الشيعة، فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.
قال إبراهيم بن علي الطبري: صرت إلى أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فسألته عن خلافة علي رضي الله عنه: هل تثبت؟ فقال: ما سؤالك عن هذا؟! فقلت: إن الناس يزعمون أنك قلت: لا تثبت خلافته، فاستنكر ذلك وقال: أنا أقول ذلك؟! وأسبلت عيناه، ثم قال: يا هذا، قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل، فجاؤوا بجماعتهم، فقدموا أبا بكر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فشا الإسلام بعده فجاؤوا إلى عمر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فتحت الفتوح، وفشا الإسلام، فصار المسلمون أضعاف هذه العدة مضاعفة، فقدموا عثمان رضي الله عنه، فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم زاد الإسلام وفشا، ثم قدموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟!.
وعن علي قال: إن القرية ليكون فيها الشّيعة فندفع بهم عنها ثم قال: أبيتم إلا أن أقولها، فوالله لعهدّ إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الأمة ستغدر بي.
وفي حديث: " أن الأمة ستغدر بك بعدي ".
قال البيهقي: فإن صح هذا فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه في إمارته ثم قتله.
وعن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر، زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرّاً، تركه الحق، وماله من صديق. رحم الله عثمان، تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم، أدر الحق معه حيث دار.
وعن أبي سعيد قال: كنا عند بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفر من المهاجرين والأنصار، فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ألا أخبركم بخياركم؟ " قالوا: بلى، قال: " خياركم الموفون، المطيّبون إن الله يحب الحفيّ التقي ". قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: " الحق مع ذا، الحق مع ذا ".
قال أبو ثابت مولى أبي ذر: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي، وتذكر علياً، وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مع الحق، والحق مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة ".
وعن مالك بن جعونة عن أم سلمة قالت: والله إن علياً على الحق قبل اليوم وبعد اليوم، عهداً معهوداً، وقضاء مقضياً، قلت: أنت سمعت من أم المؤمنين؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، ثلاث مرات، فسألت عنه فإذا هم يحسنون عليه الثناء.
وعن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من
يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروق بين الحق والباطل ".
وعن أبي هريرة قال:
بلغني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر فتنة فقرّبها قال: فأتيته بالبقيع، وعنده أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير فقلت: يا رسول الله، بلغني أنك ذكرت فتنة، قال: " نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان، دينهما واحد، وصلاتهما واحدة، وحجّهما واحد؟ " قال: قال أبو بكر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الله أكبر. قال عمر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الحمد لله، قال عثمان: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، وبك يبتلون "، قال علي: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، تقود الخيل بأزمّتها ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال خطبة خطبها في حجة الوداع: " لأقتلنّ العمالقة في كتيبة "، فقال له جبريل: أو علي، فقال: " أو علي بن أبي طالب ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد انقطع شسع نعله، فدفعها إلى عليّ يصلحها، ثم جلس، وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، فقال: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "، فقال أبو بكر: أنا رسول الله؟ قال: " لا "، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل "، قال: فأتينا علياً نبشّره بذلك، فكأنه لم يرفع به رأساً، كأنه قد سمعه قبل.
وكان حزام بن زهير عند علي في الرحبة فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هل كان في النعل حديث؟ فقال: اللهم، إنك تعلم أنه مما كان يسرّه إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشار بيده ورفعهما.
وعن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل ست مئة رجل، فسلكنا على الرّبذة، فنزلناها فقام غليه ابنه الحسن بن علي فبكى بين يديه، وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال علي: تكلم، ودع عنك أن تخنّ خنين الجارية، فقال حسن: إني كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير به عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها، قد ضربت إليك أبساط الإبل حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضبّ، فقال علي: أتراني لا أبالك كنت منتظراً كما تنتظر الضبع الدم؟! وعن مالك بن الحويرث قال: قام علي بن أبي طالب بالرّبذة فقال: من أحب أن يلحقنا فليلحقنا، ومن أحب أن يرجع فليرجع، مأذون له غير حرج، فقام الحسن بن علي فقال: يا أبه أو يا أمير المؤمنين لو كنت في جحر، وكان للعرب فيك حاجة لاستخرجوك من جحرك، فقال: الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء، ويعافي من يشاء مما يشاء، أما والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن أو ذنباً ورأساً، فوالله إن وجدت له إلا القتال، أو الكفر بالله، يحلف بالله عليه، اجلس يا بني ولا تخنّ خنين الجارية.
وروي أن بني عبس قالت لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عماراً، قالوا: إن عماراً لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الحسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار، وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي.
قال أبو شريح: كنا عند حذيفة بالمدائن، فأتاه الخبر أن عماراً والحسن بن علي قدما الكوفة، يستنفران الناس إلى أمير المؤمنين عليّ، فقال حذيفة: إن الحسن بن علي قدم يستنفر الناس إلى عدو الله وعدوكمن فمن أحب أن يلقى أمير المؤمنين حقاً حقاً فليأت علي بن أبي طالب.
ولما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح يوم القيامة، قال: فتواقفنا حتى أتانا جرّ الحديد، ثم إن القوم نادوا: يا جمع، يا لثارات عثمان، قال: وابن الحنفيّة أمامنا ربوة، معه اللواء. قال: فنادى علي: يا بن الحنفية، ما يقولون؟ فأقبل علينا بعرض وجهه فقال: يا أمير المؤمنين، يثولون: يا لثارات عثمان، قال: فمدّ علي يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان لوجوههم، قال: فقال: سحما فعل والله ذلك، كأنه يقول: إن القوم كانوا أولى بقتل عثمان من علي، ثم إن الزبير قال لأساودة كانوا معه: قال: ارموهم، ترشون، لا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال، قال: فما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع على الأرض وحملوا، قال: فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقمص به الفرس، وعليه بحربةٍ، فانطلق به، قال: فالتفت مروان إلى أبا عثمان وهو معه، فقال: قد كفيتك أحد قتلة أبيك.
قال أبو حزم المازني: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير، أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنك تقاتلني وفي رواية: تقاتل وأنت ظالم لي؛ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.
وعن أبي بكرة قال: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر أخذ الحسن ابنه، فضمه إلى صدره ثم قال: إن لله، يا حسن، أيّ خير يرجى بعد هذا؟.
وعن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، يا حسن، ليت أباك مات مذ عشرين سنة، قال له: يا أبه، قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني، إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.
قال رجل لشريك: خبرني عن قول علي للحسن يوم الجمل: ليت أباك مات قبل هذا بعشرين سنة، أقاله إلا وهو شاكّ في أمره، فقال له شريك: خبرني عن قول مريم " يا ليتني متّ قبل هذا " أقالته شاكةٌ في عفّتها؟ فسك الرجل.
وعن حبّة قال: سمعت علياً يقول: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوّى بيننا وبني عدونا فليس منا.
لما حبس يحيى بن خالد البرمكي كتب إلى الرشيد: إن كل يوم يمضي من بؤسي يمضي من نعمتك مثله، والموعد المحشر، والحكم الدّيّان، وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان: الوافر
أما والله إن الظلم شؤمٌ ... وما زال المسيء هو الظّلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنيّة يا نؤوم
لأمرٍ ما تصرّمت الليالي ... لأمرٍ ما تحركت النجوم
وعن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت، ولا سمعت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجاً سليط، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم ويحمشهم حتى انتهى إليّ، وأنا في كثفٍ من الناس فقال: معاشر المسلمين، استشعروا الخشية، وغضوا الأصات، وتجلببوا السكينة زاد في رواية: وأكملوا اللّؤم، واخفوا الجنن وأعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف في الأغماد، قبل السلّة، واطعنوا الوخز، ونافحوا بالظّبا،
وصلوا السيوف بالخطا، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم نبيه صلّى الله عليه وسلّم عاودوا الكرّ واستحيوا من الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلى الموت سجحاً، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرّاق المطنّب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخرّ للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الدين " وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ".
قوله: سراجاً سليط السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله: يحمشهم أي يغضبهم، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله: وغضوا الأصوات وفي رواية: وعنّوا الأصوات إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها واخفوها، نهاهم عن اللّغط، والتعنية: الحبس، ومنه قيل للأسير: عانٍ، واللّؤم جمع لأمة على غير قياس، واللأمة: الدرع. والجنن الترسة، يقول: اجعلوها خفافاً. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد: سهلوا سلّها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك، لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف: أي حدّه. وقوله: وصلوا السيوف بالخطا يقول: إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تلحقوا. وقوله: والرماح بالنبل يريد: إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله: امشوا إلى الموت مشية سجحاً أو سجحاً أي سهلة، لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح، أي سهّل. ويقال: خدّ أسجح أي سهل. وقوله: عليكم الرّواق المطنّب يعني: رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشدّ به، وهذا مثل قول عائشة: ضرب الشيطان روقه ومدّ طنبه، وقوله: قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنكوص رجلاً، وهو مثل قوله تعالى: " وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم " إلى قوله " نكص على
عقبيه " أي رجع على عقبيه، وأراد على أنه قد قدم يداً ليثب إن رأى فرصة، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلاً، وقوله في رواية: والحظوا الشّزر هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول: الحظوهم شزراً، ولا تنظروا إليهم نظراً يبين لهم، فإن ذلك أهيب لكم في صدروهم.
خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال: وما لي لا أصدقك؟! قالت: فحدثني عن قصتهم قال:
فإن علياً لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، حتى نزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، عتبوا عليه قالوا: انسلخت من قميصٍ ألبسك الله، واسمٍ سمّاك الله به، ثم انطلقت فحكّمت في دين الله الرجال، فلا حكم إلا لله. فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه ففارقوا أمره أذّن مؤذّن ألا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد قرأ القرآن. فلما امتلأت الدار من قراء الناس جاء بالمصحف إماماً عظيماً فوضعه علي بين يديه، وطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف، حدّث الناس، فناداه الناس: ما تسأل عنه! إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله في كتابه في امرأة ورجل " فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها " إلى قوله: " يوفّق الله بينهما " الآية فأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم أعظم حقاً وحرمة من امرأة ورجل. ونقموا عليّ أني كاتبت معاوية، كتبت: علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بسم الله الرحمن الرحيم " قال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: " كيف تكتب؟ " فقال: باسمك اللهم، فكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اكتب محمد رسول الله "، فقال: لو نعلم أنك رسول الله ما خالفناك، فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله
قريشاً، يقول الله عزّ وجلّ في كتابه " لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ". فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى توسطنا عسكرهم فقال عبد الله بن شداد: فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هو الذي نزل فيه وفي قومه " بل هم قومٌ خصمون " فردّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوا كتاب الله، فقام خطباؤهم فقالوا: بلى والله لنواضعنّه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه. وإن جاء بباطل لنبكّتنّه بباطله ولنردّنّه إلى صاحبه، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام. قالوا: كيف قلت يا بنعباس؟ قال: قلت: ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمه؟ قالوا: ثلاث خصال: قال: فما هنّ؟ قالوا: أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب، ولم يغنم، فإن كان القوم كفاراً فقد أحلّ الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟. وأما الثانية فإنه حكّم الرجال في أمر الله، وفي دين الله، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله: " إن الحكم إلاّ لله " وأما الثالثة فإنه محا نفسه، وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال ابن عباس: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: حسبنا خصلة من هذه الخصال، قال: فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا: نعم، قال: قال: فإن الله قد صير حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره " يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم " وقال في آية أخرى: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما " أخرجت لكم من هذه؟
قالوا: نعم. وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم فاتكم كان يسبي عائشة، فإن قلتم: إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى: " وأزواجه أمّهاتكم " فقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين، فاخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما قولكم: إنه محى اسمه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الموادعة كتب: هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا: بل محو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال عبد الله بن شداد: فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكوا حتى أدخلناهم على علي بالكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فاعتلوا حين شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فتوجهوا منها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن تسفكوا دماً حراماً، أو تقطعوا سبيلاً، أو تظلموا الأمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء " إنّ الله لا يحبّ الخائنين ".
فقالت عائشة: يا بن شداد، فلم قتلهم؟ قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة، قالت: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال: نعم، قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون: ذو الثديّة؟ قال: قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال: رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد فلان يصلي، قالت: فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: نعم، صدق الله ورسوله، رحم الله علياً لئن كان من قوله إذا رأى شيئاً يعجبه قال: صدق الله ورسوله، قال: فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث.
وعن علي قال: عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
وعنه قال: أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين. فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النّهروان، يعني الحرورية.
وعن علي قال يوم النهروان: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين.
وعن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بيت زينب بنت جحش، وأتى بيت أم سلمة، فكان يومها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يلبث أن جاء علي، فدق الباب دقاً خفياً، فانتبه النبي صلّى الله عليه وسلّم للدقّ وأنكرته أم سلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قومي فافتحي له "، قالت: يا رسول الله، من هذا الذي من خطره ما نفتح له الباب؟ أتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس! فقال لها كهيئة المغضب؛ " إن طاعة الرسول طاعة الله ومن عصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، إن بالباب رجلاً ليس بعزق ولا غلق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لم يكن ليدخل حتى ينقطع الوطء "، قالت: فقمت، وأنا أختال في مشيتي، وأنا أقول: بخ بخ، من ذا الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟ ففتحت الباب، فأخذ بعضادتي الباب، حتى إذا لم يسمع حساً ولا حركة وصرت في خدري استأذن، فدخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أم سلمة، أتعرفينه؟ " قالت: نعم يا رسول الله، هذا علي بن أبي طالب، قال: " صدقت، سيد أحبه، لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو عتبة بيتي، اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عبد الله ألف عام بعد
ألف عام وألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ قال: " مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر ".
وعن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد صلّى الله عليه وسلّم وبمجيء ناقته تفضّلاً من الله، وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله، فقال: يا هذا إن الرّائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم، أهل الجمل: طلحة، والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم، يعني: معاوية وعمراً، وأما المارقون فهم أهل الطّرفاوات، وأهل السعيفات وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله.
قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " يا عمال، تقتلك الفئة الباغية، وأنت مذ إذ ذاك مع الحق، والحق معك، يا عمار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ركيّ ولن يخرجك من هدي، يا عمار، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من درّ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علي عليه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار "، قلنا: يا هذا، حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله.
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي، ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ".
وعن مازن العائذي قال: قال علي بن أبي طالب: ما وجدت من قتال القوم بداً، أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصفّين فقلنا: قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين؟! قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين. فقد قاتلت الناكثين، والقاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسبعات، بالطرفات، بالنهروانات، وما أدري أين هو.
وعن علي عليه السلام قال: أنا فقأت عين الفتنة.
وعن أبي صالح قال: قال علي لأبي موسى: يا أبا موسى، احكم عليّ ولو على حزّ عنقي.
قال سفيان بن عيينة: سمعت غير واحدٍ من أصحابنا يقولون: إن علي بن أبي طالب لم ير بعد تحكيم الحكمين إلا وهو يقول: الرجز
لقد عجزت عجزةً لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها واستمر
وعن قيس بن عباد قال: قال علي: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة.
قال زيد بن وهب: قدم على علي وفد من اليمن، فجمع الناس، وحضرته الصلاة، فنادى: الصلاة جامعة، فقام رجل من الوفد الذين قدموا، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه، حتى فرغ من
خطبته ثم قام آخر، فتكلم، فخطب نحواً من خطبة صاحبه ثم قال في آخر كلامه: إن طاعة هذا طاعة للربّ تعالى، ومعصيته معصية للربّ تعالى يعني: علياً فقال له علي: كذبت، فما هزّه قول علي حين كذبه أن مضى في خطبته حتى فرغ، ثم قام الثالث فتكلم، وخطب نحواً من خطبة صاحبيه، غير أنه لم يذكر شيئاً من ذكر علي، ثم قام علي فحمد الله، وأثنى عليه، فأجاب الأول في خطبته حتى فرغ، ثم أجاب الثاني، ثم أجاب الثالث، ثم قال: كل خطبائكم قد أحسن إلا ما كان من كلام هذا الخطيب الثاني الذي زعم أن طاعتي طاعة للربّ تعالى، وأن معصيتي معصية للربّ تعالى، ولست كذلك، إنما ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي طاعته طاعة للربّ، ومعصيته معصية للربّ تعالى.
وعن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس إلى علي بن أبي طالب من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت هو؟ قال: من أنا؟ قالوا أنت هو، قال: ويلكم! من أنا؟! قالوا: أنت ربّنا، أنت ربّنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم جدلهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر، ائتني بحزم الحطب، فأحرقهم بالنار ثم قال: الرجز
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال أبو صالح السمان: رأيت علياً دخل بيت المال، فرأى فيه شيئاً فقال: ألا ارى هذا هاهنا، وبالناس إليه حاجة؟! فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فنكسن ونضح، فصلى فيه، أو قال فيه، يعني: نام.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا، يعني بالبصرة، حتى فارقنا عن دبة محشوة، وخميصة درابجرديّة.
وعن عنترة قال: دخلت على عليّ بالخورنق، وعليه شمل: قطيفة، وهو يرعد فيها فقتل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك؟! فقال: إني والله ما أرزأكم شيئاً، وما هي إلا قطيفتيّ اللتين أخرجتهما من بيتي، أو قال: من المدينة.
وحدث أبو حكيم صاحب الحناء عن أبيه: أن علياً عليه السلام أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان فقال: أغدوا إلى العطاء الرابع، إني لست لكم بخازن. قال: وقسم الحبال، فأخذها قوم، وردّها قوم.
قال موسى بن طريف:
دخل عليّ بيت المال، فأضرط به ثم قال: لا أمسي وفيك درهم، ثم أمر رجلاً من بني أسد، فقسمه حتى أمسى، فقيل: يا أمير المؤمنين، لو عوضته شيئاً، فقال: إن شاء الله ولكنه سحت.
قال عنترة: أتيت علياً بالرّحبة يوم نيروز أو مهرجان؛ وعنده دهاقين وهدايا، قال: فجاء قنبر، فأخذ بيده، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك رجل لا تليق شيئاً، وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة، قال: وما هي؟ قال: انطلق فانظر ما هي، قال: فأدخله بيتاً فيه ناسية مملوءة آنية ذهب، وفضة مموّهة بالذهب. فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك، لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة، ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحصته ثم قال: لا تغريني، وغرّي غيري هذا جناي وخياره فيه، إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه.
وعن عبد العزيز بن محمد عن أبيه أن علياً أتي بالمال، فأقعد بين يديه الوزان والنقاد، فكوم كومة من ذهب، وكومة من فضة، وقال: يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي وابيضّي، وغرّي غيري، هذا جناي وخياره فيه، وكل جانٍ يده إلى فيه.
قال عبد الله بن أبي سفيان: أهدى إليّ دهقان من دهاقين السواد برداً، وإلى الحسن أو الحسين برداً مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة، فرآه عليهما، فبعث إلي وإلى الحسين فقال: ما هذان البردان؟! قال: بعث إليّ وإلى الحسين دهقان من دهاقين السواد، قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال.
وعن مجمّع أن علياً كان يكنس بيت المال، ثم يصلي فيه؛ رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.
وعن المسوّر قال: قدمت على علي بالكوفة، وهو يعطي الناس في بيت له بابان على غير كتاب، فقال: يا بن مخرمة، هذا جناي وخيارة فيه، إذ كلّ جان يده إلى فيه.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس يتراجعون عليك، قال: أوقد فعلوا؟ قلت: نعم، قال: فاكتبوهم، فكتبوا.
قال عمرو بن يحيى: سمعت أبي يحدث عن أبيه عمرو قال: كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما عقدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما قدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي إلى
الصلاة عدّها فوجدها تنقص زقّين، فدعاه، فسأله عنهما، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسلني عنهما، فإنا نأتي بزقّين مكانهما، قال: عزمت عليك لتخبرنّي ما قصّتهما، قال: بعثت إلي أم كلثوم، فأرسلت بهما إليها قال: أمرتك أن تقسم فيء المسلمين بينهم. ثم بعث إلى أم كلثوم أن ردّي الزقّين، فأتى بهما مع ما نقص منهما، فبعث إلى التجار: فزمّوهما مملوءتين وناقصتين، فوجدوا فيهما نقصان ثلاثة دراهم وشيء، فأرسل إليها أن أرسلي إلينا بالدراهم، ثم أمر بالزّقاق فقسمت بين المسلمين.
حدث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طال يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدهقان، ثم أتى بيت المال، فقال: خذه، وأنشأ يقول: الرجز
طوبى لمن كانت له قوصرّه ... يأكل منها كل يومٍ مرّه
وفي نسخة: أفلح من كانت ...
قال عبد الله بن زرير: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى، فقرب إلينا حريرة، فقلت: أصلحك الله، لو قربت إلينا من هذا البط يعني: فإن الله قد أكثر الخبز فقال: يا بن زرير، إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس.
وعن سفيان قال: ما بنى عليّ آجرة على آجرّة، ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بجبوبه من المدينة في جراب.
وعن مجمّع التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق، فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزاراً ما بعته.
وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن أبي طالب قميصاً بثلاثة دراهم، وهو خليفة، وقطع كميّه من موضع الرّصغين، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.
وعن سعيد الرجّاني قال: اشترى علي قميصين سنبلاويين أنبجانيين بسبعة دراهم، فكسا قنبراً أحدهما. فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من الكم.
وعن جرموز قال: رأيت علياً وهو يخرج من العصر وعليه قطريّتان: إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، فريب منه، ومعه درّة له، يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول لا تنقّحوا اللحم.
قال زيد بن وهب الجهني: خرج علينا علي بن أبي طالب ذات يوم وعليه بردان، متّزر بأحدهما، مرتدٍ الآخر، قد أرخى جانب إزاره، ورفع جانباً، قد رفع إزاره بخرقة، فمر به أعرابي فقال: أيها الإنسان، البس من هذه الثياب، فإنك ميت أو مقتول، فقال: أيها الأعرابي، إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو، وخيراً لي في صلاتي وسنّة للمؤمن.
وعن زيد بن وهب قال: قدم على عليّ وفد من البصرة فيهم رجل من رؤوس الخوارج يقال له: الجعد بن
نعجة، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا عليّ، اتق الله، فإنك ميت، وقد علمت سبيل المحسن والمسيء، ثم وعظه وعاتبه في لبوسه، فقال: ما لك وللبوسي؟! إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم.
وعن أبي مطر قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأنقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً، فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزرٌ بإزار، مرتدٍ برداء، ومعه الدّرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد، فقلت: أجل، رجل من البصرة، فقال: هذا عليّ أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى دار ابن أبي معيط، وهو سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة، وتمحق البركة، ثم أتى صاحب التمر، فإذا خادم تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم، فردّه مواليّ فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ فقال: لا، فقلت: هذا علي أمير المؤمنين، فصبّت تمره وأعطاها درهمها، قال: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم، ثم مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يرب كسبكم، ثم مرّ مجتازاً معه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافياً، ثم أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس فأتى شيخاً، فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميصٍ بثلاثة دراهم. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، ولبسه ما بين الرّصغين إلى الكفّين، يقول في لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتين فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذا شيء ترويه عن نفسك، أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوله عند الكسوة، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل له: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين؟! فأخذ أبوه درهماً، ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرّحبة، فقال: أمسك هذا الدرهم، فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ فقال: ما كان قميصاً ثمن درهمين، فقال: باعني رضاي، وأخذ رضاه.
قال الشعبي:
وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني، فأقبل به إلى شريح يخاصمه، قال: فجاء عليّ حتى جلس إلى حيث شريح، فقال له علي: يا شريح، لو كان خصمي مسلماً ما جلست إلا معه، ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كنتم وإياهم في طريق، فاضطروهم إلى مضايقه وصغّروا بهم، كما صغّر الله تعالى بهم من غير أن تطغوا، ثم قال عليّ: هذا الدرع درعي، لم أبع، ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بيّنة؟ فضحك عليّ عليه السلام وقال: أصاب شريح، ما لي بيّنة، فقضى بها للنصراني، قال: فمشى خطاً ثم رجع، فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، ابتعت الجيش، وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورق، فقال: أما إذ أسلمت فهي لك، وحمله على فرس. قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج مع علي يوم النّهروان.
حدث رجل من ثقيف أن علياً استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، فقال لي بين أيديهم: لتستوف خراجهم، ولا يجدون فيك رخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً، ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إليّ، فرحت إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، وجده جالساً وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بطينة، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهراً، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت له: يا أميرالمؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟! طعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع فيه من
غيره، فإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيباً، وغني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم، إنهم قوم خدع، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك وعزلتك، فلا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقبحه في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا بتبغ لهم دابة يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، قال: قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت، قال: وإن فعلت، قال: فذهبت، فتتبعت ما أمرني به، فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا وفيته.
جاء جعدة بن هبيرة إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان، أنت أحب إلى أحدهما من نفسه أو قال: من أهله وماله والآخر لو يستطيع أني ذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا؟ قال: فلهزه علي وقال: إن هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إنما ذا شيء لله.
حدث صالح بياع الأكسية عمن حدثه قال: رأيت علياً اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته فقال: يا أمير المؤمنين، ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحق بحلمه.
وعن زاذان عن علي أنه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو وال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً " ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر الناس.
وعن صالح بن أبي الأسود عمن حدثه.
أنه رأى علياً قد ركب حماراً، ودلّى رجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.
وعن حسن بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون: فلان، وقال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.
قال هشام بن حسان:
بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة، فقال له: يا أبا سعيد، ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرّت وجنتا الحسن، وقال: رحم الله علياً، إن علياً كان سهماً لله، صائباً أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها، وأقربها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رهبانيّ هذه الأمة، لم يكن لمال الله بالسّروقة، ولا في أمر الله بالنّؤومة، أعطى القرآن عزيمة علمه، فكان منه في رياض مونقة، وأعلام بيّنة. ذاك علي بن أبي طالب، يا لكع.
وعن يزيد بن أي زياد عن بنت سرّية لعلي بن أبي طالب عن أمها قالت: اغتسلت، فأقعدت. فلم أستطع أن أقوم، فأخبر بذلك علي بن أبي طالب، فجاء فوضع يده على رأسي، فلم تزل يده على رأسي يدعو. حتى قمت، فسمعته يقول: لا تغتسلي في الحشّ، ولا في مكان يبال فيه، ولا في قمراء.
وعن عمار قال: حدث رجل علياً بحديث، فكذبه، فما قام حتى عمي.
وعن زاذان أن رجلاً حدث علياً بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: أدعو عليك إن كنت كذبت قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي.
وعن أبي مكين قال: مررت أنا وخالي أبو أمين على دار في جبل حين من مراد، فقال: ترى هذه الدار؟ قلت: نعم، قال: فإن علياً مرّ عليها وهم يبنونها، فسقطت عليه قطعة فشجّته فدع الله أن لا يكمل بناؤها، قال: فما وضعت عليها لبنة، قال: فكنت تمر عليها لا تشبه الدور.
قال أبو بشير الشيباني: شهدت الجمل مع مولاي، فما رأيت يوماً قط أكثر ساعداً نادراً وقدماً نادرة من يومئذ، ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل. قال: فحدثني الحكم بن عتيبة أن علياً دعا يوم الجمل، فقال: اللهم، خذ أيديهم وأقدامهم.
قال المدائني: نظر علي بن أبي طالب إلى قوم ببابه، فقال لقنبر: يا قنبر، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: فقال: لا أرى فيهم سيماء الشيعة، قال: وما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكا.
قال أبو أراكة: صلّيت مع عل بن أبي طالب صلاة الفجر. فلما سلّم انفتل عن يمينه ثم مكث كأنّ عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال: وحائط المسجد يومئذ أقصر مما هو الآن ثم قلب يده ثم قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً، شعثاً، غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجّداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم. فإذا أصبحوا، فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبلّ ثيابهم، والله لكأنّ القوم باتوا غافلين ثم نهض، فما رئي بعد ذلك مفترّاً، يضحك، حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق.
وعن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: طوبى لكل عبد نومة، عرف الناس، ولم يعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة، يدخلهم في رحمته، ليس ألئك بالمذاييع البذر، ولا بالجفاة المرائين.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلموا العلم، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو منه إلا كل نومة منبتّ الداء، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل، المذاييع البذر.
ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً. ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ألا إن لله عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا أيام العقبى لراحة طويلة، أما الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم، ربّنا ربّنا، يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء، حلماء بررة، أتقياء، كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، وخولطوا، ولقد خالط القوم أمر عظيم.
وعن ابن عباس قال:
قال عمر لعلي: عظني يا أبا الحسن، قال: لا تجعل يقينك شكاً، ولا علمك جهلاً، ولا ظنك حقاً، واعلم أنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسوّيت، ولبست فأبليت، قال: صدقت يا أبا الحسن.
خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم من طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق. ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
وعن الأصبغ بن نباتة قال: صعد علي ذات يوم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الموت فقال: يا عباد الله، الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم فالنّجاء النّجاء، والوجاء الوجاء، وراءكم طالب حثيث: القبر، فاحذروا ضغطته، وظلمته، ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة. ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود. ألا وإن رواء ذلك يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر في الكبير " وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ " ألا وإن وراء ذلك ما هو أشدّ منه: نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وحليها حديد، ثم قال: وإن وراء ذلك جنّة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم.
وعن علي بن أبي طالب أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن الدنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطّلاع، وإن المضمار اليوم، وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاربه الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظّعن، ودللتم على الزاد.
ألا أيها الناس، إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر. ألا إنّ " الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسعٌ عليمٌ " أيها الناس، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا
يفكّ أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرّها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل.
وعن ابن عباس قال: كتب إليّ علي بن أبي طالب بموعظة ما سررت بموعظةٍ سروري بها: أما بعد. فإن المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما بالك من دنياك فلا تكن بها فرحاً، وما فاتك منها فلا تتبعه أسفاً، وليكن سرورك على ما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمّك فيما بعد الموت.
ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلّى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفرقها وشبهت بشرورها السرور، وببلائها غليه ترغيباً وترهيباً، فيا أيها الذام للدنيا، المعللّ نفسه، متى خدعتك الدنيا، أو متى استذمّت إليك، أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى. كم مرضت ببدنك، وعللت بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، لا يغني عنك دواؤك ولا ينفعك بكاؤك.
وعن يحيى بن يعمر قال: قال علي بن أبي طالب:
إن الأمر ينزل من السماء كقطر المطر، لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان: في نفس، أو أهل، أو مال، فمن رأى نقصاً في أهله، أو نفسه، أو ماله ورأى لغيره غفيرة فلا يكونن ذلك له فتنة، فإن المسلم ما لم يغش جناءة يظهر تخشعاً لها إذا ذكرت، يغرى به لئام الناس، كالياسر الفالج، ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب
له المغنم، وتدفع عنه المغرم، فكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة بين إحدى الحسنيين. إذا ما دعا الله، فما عند الله خير له، وإما أن يرزقه الله مالاً، وإذا هو ذو أهل ومال، ومعه حسبه ودينه. الحرث حرثان: فحرث الدنيا: المال والبنون، وحرث الآخرة: الباقيات الصالحات، وقد يجمعهما الله لأقوام.
قال سفيان: ومن يحسن يتكلم بهذا الكلام إلا علي؟.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: ذمتي رهينة، وأنا به زعيم، لا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل، وإن أجهل الناس من لم يعرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره، وإن أبغض الناس إلى الله عزّ وجلّ رجل قمش علماً في أغمار من الناس غشّوه، أغار فيه بأغبار الفتنة، عمي عمّا في رتب الفتنة سماه أشباه الناس عالماً ويم يغن في العلم، ذكر فاستكثر ما قلّ منه، وما قل منه خير مما أكثر، حتى ارتوى من آجن، واستكثر من غير طائل، جلس للناس مغيثاً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً من رأيه، فهو من قطع المشتبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أخطأ أم أصاب، خبّاط جهالات، ركّاب عمايات، لا يعتذر مما لا يعلم ليسلم، ولا يعضّ على العلم بضرسٍ قاطع فيغنم، تبكي منه الدماء، وتصرخ منه المواريث، ويستحل بقضائه الفرج الحرام لا مليءٌ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما قرّظ به، أولئك الذين حقت عليهم النياحة أيام الدنيا.
قال: وهذا الفريق الذين وصفهم أمير المؤمنين في الجهالة الأراذل السّفلة قد كثروا في زماننا، وغلبوا على أهله، واستعلوا على علمائه، والربانيين فيه، وإلى الله المشتكى. وقد تظاهرت الأخبار عن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا.
وعن الحسن بن علي قال: قال لي أبي علي بن أبي طالب: أي بنيّ، لا تخلّفنّ وراءك شيئاً من الدنيا، فإنك تخلّفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما سعيت به، وإما رجل عمل فه بمعصية الله فكنت عوناً له على ذلك. وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك.
وعن علي قال: كونوا في الناس كالنحلة في الطير، إنه ليس في الطير شيء إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحبّ.
وعن علي بن أبي طالب قال: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، والوحشة أشد من العجب.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: يا حملة القرآن، اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه. أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله.
وعن علي بن أبي طالب قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.
وعن علي قال: كلمات لو رحلتم فيهن المطي لأنضيتموهنّ قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرج عبدٌ إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا دينه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم وفي رواية: أن يقول: لا أعلم واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وعن علي قال:
ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخّص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره. إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها.
وعن علي قال: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لن يقلّ عمل مع التقوى، وكيف يقلّ عمل يتقبّل؟.
قال عكرمة: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن مسيرنا هذا إلى أهل الشام: بقضاء وقدر؟ فقال علي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما قطعنا وادياً، ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر، فقال الشيخ: عند الله احتسبت عنائي، فقال علي: ولم يك أعظم الله أجركم في مسيرنا، وأنتم مصعدون، وفي منحدركم وأنتم منحدرون، وما كنتم في شيء من أموركم مكرهين، ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقنا إليها؟ قال: ويحك! لعلك ظننته قضاء لازماً، وقدراً حاتماً، لو كان ذلك لسقط الوعد والوعيد، ولبطل الثواب والعقاب، ولا أتت لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة من الله لمحسن، ولا كان المحسن أولى بثوب الإحسان من المذنب. ذلك مقال إخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وهم قدريّة هذه الأمة ومجوسها، ولكن الله تعالى أمر بالخير تخيراً، ونهى عن الشر تحذيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يملك تعويضاً، ولا خلق السموات والأرض، وما
أرى فيهما من عجائب آياتهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، فما كان القضاء والقدر الذي كان فيه مسيرنا ومنصرفنا؟ قال: ذلك أمر الله وحكمته، ثم قرأ علي " وقضى ربّك ألا تعبدوا إلى إيّاه " فقام الشيخ تلقاء وجهه ثم قال: البسيط
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ... يوم النّشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما مكان ملتبساً ... جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا
قال الحارث: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم لا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: بحر عميق لا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أول ما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: فيستعملك كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أيها السائل، ألست تسأل ربك العافية؟ قال: نعم، قال: فمن أي شيء تسأله العافية: أمن البلاء الذي ابتلاك به غيره؟ قال: من البلاء الذي ابتلاني به، قال: أيها السائل، تقول: لا حول ولا قوة إلا بمن؟ قال: إلا بإذنه العلي العظيم، قال: فتعلم ما تفسيرها؟ قال: تعلمني مما علمك الله يا أمير المؤمنين.
قال: إن تفسيرها: لا يقدر على طاعة الله، ولا يكون له قوة في معصية الله في الأمرين جميعاً إلا بالله. أيها السائل، ألك مع الله مشيئة، أو فوق الله مشيئة، أو دون الله مشيئة؟ فإن قلت: إن لك دون الله مشيئة فقد اكتفيت بها عن مشيئة الله، وإن زعمت أن لك فوق الله مشيئة فقد ادعيت أن قوتك ومشيئتك عاليتان على قوة الله ومشيئته، وإن زعمت أن لك مع اله مشيئة فقد ادعيت مع الله شركاً في مشيئته. أيها
السائل، إن الله يشج ويداوي، فمنه الداء، ومنه الدواء. أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم. قال علي: الآن أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه، ثم قال علي: لو أن عندي رجلاً من القدرية لأخذت برقبته، ثم لا أزال أجأها حتى أقطعها، حتى أقطعها، فإنهم يهود هذه الأمة.
قال الأحنف بن قيس: ما سمعت بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي حيث يقول: إن للنكبات نهايات، لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أني ينام لها حتى تنقضي مدتها، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها.
قال الأحنف وفي مثله يقول القائل: البسيط
الدّهر يحنق أحياناً فلا ديةٌ ... فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب
حتى يفرّجها في حالٍ مدّتها ... فقد يزيد احتناقاً كلّ مضطرب
ولأبي تمام: الطويل
ومن لم يسلّم للنوائب أصبحت ... خلائقه جمعاً عليه نوائبا
قام رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان؟ قال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد.
فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب: فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين: فمن تبصّر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.
ٍوالعدل منها على أربع شعب: غائص يعني: الفهم، وشرائع الحكم، وزهرة العلم، وروضة الحلم، فمن فهم فسّر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرّط أمره، وعاش في الناس جميلاً.
والجهاد على أربع شعب: على أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين: فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر رغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب غضب الله له. قال: فقام إليه السائل فقبّل رأسه.
قيل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، ما السخاء؟ قال: ما كان منه ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم.
كتب علي إلى بعض عماله: أما بعد. فلا تطوّلن حجابك على رعيتك، فإن احتجاب الولاة على الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل، وإنما الوالي بشرٌ، لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب، فتحصّن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب، فإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من حقّ واجبٍ أن تعطيه، أو خلق كريم تسديه، وغما مبتلى بالمنع، فما أسرع كفّ الناس عن
مسألتك إذا يئسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤنة فيه عليك، من شكاة مظلمةٍ، أو طلب إنصافٍ. فانتفع بما وصفت لك، واقتصر على حظك ورشدك، إن شاء الله.
وعن علي عليه السلام قال: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف.
قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحبّ لهم ما يحبّ لنفسه.
وعن علي بن أبي طالب قال: لا تؤاخ العاجز، فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أن لك مثله، ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك، ومخرجه من عندك شين وعار، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك، ولا ينفعك، وربما أراد أن ينفعك فيضرك، فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك، وينقل الحديث إليك وغن يحدّث بالصدق فما يصدّق.
قال علي بن أبي طالب: إني لأستحي من الله أن يكون ذنبٌ أعظم من عفوي، أو جهلٌ أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري، أو خلّة لا يسدّها جودي.
وعن علي قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتّعس في اللذة. قيل: وما التعس في اللذة؟ قال: لا ينال شهوةً حلالاً إلا جاءه ما ينغّصه إياه.
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فأطراه، وكان يبغضه، فقال له: إني ليس كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.
وعن عل يكرم الله وجهه قال: حسب حسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وديني دين النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن نال مني شيئاً فإنما يناله من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عروة أن رجلاً وقع في علي بمحضر من عمر، فقال عمر: تعرف صاحب هذا القبر، محمد بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب ابن عبد المطلب. لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره. وفي رواية: فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره.
قال الشعبي: كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة.
كتب معاوية إلى علي بن أبي طالب:
يا أبا الحسن، إن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيداً في الجاهلية، وصرت ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، فقال علي: أبا الفضائل يفخر عليّ ابن آكلة الأكباد؟ ثم قال: اكتب يا غلام: الوافر
محمدٌ النبيّ أخي وصهري ... وحمزة سيّد الشهداء عمّي
وجعفرٌ الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمدٍ سكني وعرسي ... مسوطٌ لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمدٍ ولداي منها ... فأيّكم له سهمٌ كسهمي؟
سبقتكم إلى الإسلام طرّاً ... صغيراً ما بلغت أوان حلمي
فقال معاوية: أخفوا هذا الكتاب، لا يقرأه أهل الشام، فيميلون إلى ابن أبي طالب.
قال جابر بن عبد الله: سمعت علياً ينشد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع: البسيط
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي ... معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول الله منفردٌ ... وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدّقته وجميع الناس في بهمٍ ... من الضلالة والإشراك والنكد
فالحمد لله شكراً لا شريك له ... البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " صدقت يا علي ".
وقال علي بن أبي طالب: الوافر
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ير لانكشاف الصبر وجهٌ ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ... يجيء به القريب المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرج القريب
قال الشعبي: قال علي بن أبي طالب لرجل وكره له صحبة رجلٍ؛ فقال له: الهزج
لا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى ... حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
وللشيء من الشيء ... مقاييسٌ وأشباه
وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه
ومن شعر علي عليه السلام: مجزوء الكامل
كم فرحةٍ مطويةٍ ... لك بين أثناء النوائب
ومسرّة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
حدّث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه قال: وقف علي بن أبي طالب على قبر فاطمة فأنشأ يقول: الطويل
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني ... بردّ الهموم الماضيات وكيل
لكلّ اجتماعٍ من خليلين ... فرقةٌ وكلّ الذي قبل الممات قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ ... دليلٌ على ألاّ يدوم خليل
ستعرض عن ذكري وتنسى مودّتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل
إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي ... فإن عناء النائبات قليل
وله: المتقارب
لا تفش سرّك إلاّ إليك ... فإنّ لكلّ نصيحٍ نصيحا
فإني رأيت غواة الرجال ... لا يتركون أديماً صحيحا
وله: الوافر
نقشنا ودّ إخوان الصفاء ... بأقلام الهباء على الهواء
فكلّهم ذئابٌ في ثيابٍ ... حياتهم وفاةٌ للحياء
وله: مجزوء الكامل
الصّبر من كرم الطبيعه ... والمنّ مفسدة الصنيعه
والحقّ أمنع جانباً ... من قلّة الجبل المنيعه
والشرّ أسرع جريةً ... من جرية الماء السريعه
ترك التعاهد للصّدي ... ق يكون داعة القطيعه
وله: الطويل
إن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً ... ولكنني أرضى به حين أحوج
ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ... ولي فرسٌ للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوّمٌ ... ومن شاء تعويجي فإنّي معوج
وعن أيوب السّختياني قال:
من أحبّ أبا بكر فقد أقام الدّين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحبّ عليّاً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد برئ من النفاق.
قال سفيان الثوري: حبّ علي من العبادة، وأفضل العبادة ما كتم.
قال يحيى بن آدم: ما أدركت أحداً بالكوفة إلاّ يفضل عليّاً، يبدأ به، وما استثنى أحداً غير سفيان الثوري.
قال عبد الرزاق: قال معمر مرة وأنا مستقبله، وتبسّم، وليس معنا أحد، قلت: ما شأنك؟ قال: عجبت من أهل الكوفة، كأن الكوفة إنما بنيت على حبّ علي، ما كلمت أحداً منهم إلاّ وجدت المقتصد منهم الذي يفضل علياً على أبي بكر وعمر، منهم سفيان الثوري، قال: فقلت لمعمر وأريت كأني أعظمت ذلك فقال معمر: وما ذاك؟ لو أن رجلاً قال: عليّ أفضل عندي منهما ما عنّفته إذا ذكر فضلهما، إذا قال: عندي، ولو أن رجلاً قال: عمر عندي أفضل من علي وأبي بكر ما عنّفته. قال عبد الرّزاق: فذكرت ذلك لوكيع بن
الجراح ونحن خاليان فاشتهاها أبو سفيان وضحك، وقال: لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحدّ، ولكنه أفضى إلى معمر ما لم يفض إلينا.
وكنت أقول لسفيان: يا أبا عبد الله، أرأيت إن فضلنا عليّاً على أبي بكر وعمر ما تقول في ذلك؟ فيسكت ساعة ثم يقول: أخشى أن يكون طعناً على أبي بكر وعمر، ولكنا نقف. قال عبد الرزاق: وأخبرنا ابن التيمي يعني: معتمراً قال: سمعت أبي يقول: فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمئة منقبة، وشاركهم في مناقبهم. عثمان أحبّ إليّ منه.
وعن سالم مولى أبي الحسين قال: كنت جالساً مع أبي الحسين زيد بن علي، ومعه ناس من قريش، ومن بني هاشم، وبني مخزوم، فتذاكروا أبا بكر وعمر، فكأنّ المخزوميين قدّموا أبا بكر وعمر، وزيد ساكت، لا يقول لهم شيئاً، ثم قاموا فتفرّقوا، فعادوا بالعشي إلى مجلسهم، فقال زيد بن علي: إني سمعت مقالتكم، وإني قلت في ذلك كلمات، فاسمعوهنّ ثم أنشد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم: الطويل
ومن فضّل الأقوام يوماً برأيهم ... فإنّ عليّاً فضّلته المناقب
وقول رسول الله والحقّ قوله ... وإن رغمت فيه الأنوف الكوذاب
بأنّك مني يا عليّ معالناً ... كهارون من موسى أخٌ لي وصاحب
دعاه ببدرٍ فاستجاب لأمره ... فبادر في ذات الإله يضارب
فما زال يعلوهم به وكأنّه ... شهابٌ تثنّى بالتّوائم ثاقب
أنشد القاسم بن يسار وأبو عبد الله بن الحميم: الطويل
إذا ما ذكرنا من عليّ فضيلةً ... رمونا لها جهلاً بشتم أبي بكر
يديروننا لا قدّس الله أمرهم ... على شتمه تبّاً لذلك من أمر
إذا ما ذكرنا فضله فكأنما ... نجرّعهم منحه أمرّ من الصّبر
وهل يشتم الصّدّيق من كان مؤمناً ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر
وقد سال الصّدّيق من آل هاشمٍ ... عليّ الهدى عند ارتداد ذوي الكفر
فقال له إن مانعوك زكاتهم ... وما كان قد يعطونه سيّد البدر
فحارب على ردّ الشريعة إنها ... شريعة ربّ الناس ذي العزّ والفخر
فلا تنكروا تفضيل من كان هادياً ... فإن عليّاً خيركم يا بني فهر
ويروى: حبركم وحرّكم.
قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: إن تركتنا الذنوب والخطايا حتى نجتمع مع علي بن أبي طالب عليه السلام يوم القيامة فسيعلم الروافض من هو أشدّ حبّاً له: نحن أو هم.
ومن شعر أبي حفص عمر بن عبد الله بن خليل: المتقارب
يقولون لي لا تحبّ الوصيّ ... فقلت الثرى بفم الكاذب
أحبّ النّبيّ وآل النّبيّ ... وأختصّ آل أبي طالب
وأعطي الصحابة حقّ الولاء ... وأجري على السّنن الواجب
فإن كان نصباً ولاء الجميع ... فإنّي كما زعموا ناصبي
وإن كان رضاً ولاء الجميع ... فلا برح الرفض من جانبي
وأنشد إسحاق بن خلف الشاعر: البسيط
إني رضيت عليّاً قدوةً علماً ... كما رضيت عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفصٍ وشيعته ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدّار
إن كنت تعلم أني لا أحبّهم ... إلاّ لوجهك فأعتقني من النّار
قال أبو إسحاق السّبيعي: حججت، وأنا غلام، فمررت بالمدينة، فرأيت الناس عنقاً واحداً، فاتّبعتهم، فأتوا
أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم فسمعتها وهي تقول: يا شبث بن ربعي، فأجابها رجل خلف حجاب: لبيك يا أمه، فقالت: أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناديكم؟ فقال: إنا نقول شيئاً، يريد: عرض هذه الحياة الدّنيا فقالت: سمعت رسول الله يقول: " من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني سبّه الله تعالى ".
حدّث شيخ من بني هاشم قال: رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه، وهو يغطيه، فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد جعلت لله عليّ ألاّ يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته: كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب، كثير الذكر له بالمكروه، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آتٍ في منامي، فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي، وضرب شقّ وجهي، فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى.
وعن علي بن أبي طالب قال: والله، ما ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت الذي قيل لي، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، تبعني من تبعني، وتركني من تركني.
وعن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليّاً، وقد وطئ الناس على عقبيه حتى أدموهما، وهو يقول: اللهم، إني قد مللتهم، وملّوني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني، قال: فما كان إلا ذلك اليوم حتى ضرب على رأسه.
قال أبو صالح الحنفي: رأيت علي بن أبي طالب آخذاً بمصحف فوضعه على رأسه حتى غني لأرى فرقه يتقعقع، ثم قال: اللهم، إنهم منعوني ما فيه فأعطين ما فيه، ثم قال: اللهم، إني قد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي، وخلقي، وأخلاقٍ لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني. اللهم، مث قلوبهم ميث الملح في الماء. قال إبراهيم: يعني أهل الكوفة.
قال زهير بن الأقمر الزّبيدي: خطبنا علي فقال: أنبئت بسراً قد اطلع اليمن وإني والله قد خشيت أن يدخل هؤلاء القوم عليكم وما بي إن يكونوا أولى بالحقّ منكم، ولن تطيعوني في الحقّ كما يطيعون إمامهم في الباطل ما ظهروا عليكم، ولكن بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وطواعيتهم إمامهم، وعصيانكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم. استعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلى معاوية. فوالله، لو أني أمنت أحدكم على قدح لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم، قد كرهتهم وكرهوني، وسئمتهم وسئموني، اللهم، فأرحني منهم وأرحهم مني. قال: فما جمّع.
وعن أنس بن مالك قال: مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فتحولت عن مجلسي، فجلس النّبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كنت جالساً، وذكر كلاماً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً ".
وعن أبي رافع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت تقتل على سنّتي ".
وعن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليّاً يقول: لتخضبنّ هذه من هذه، قالوا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا به، والله لنبيرنّ عترته،
قال: أنشد الله أن يقتل فيّ غير قاتلي، قالوا: استخلف عليا، قال: لا، أدعكم إلى ما ودعكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: فماذا تقول لربّك وفي حديث غيره: إذا لقيته وقد تركتنا هملاً؟ قال: أقول: اللهم، ربّ تركتني فيهم ما بدا لك، فلما قبضتين تركتك فيهم. فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.
حدث أبو سنان الدؤلي أنه عاد عليّاً في شكوى اشتكاها، قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذا، فقال: ولكنني والله ما تخوّفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصادق المصدوق يقول: " إنك ستضرب ضربه هاهنا وأشار إلى صدغه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود ".
وفي حديث آخر بمعناه: كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود، نسبه إلى جده الأدنى.
قال زيد بن وهب: قدم علي على قوم من البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له: الجعد بن بعجة، فقال له: اتقّ الله يا علي، فإنك ميّت، فقال علي: بل مقتول: ضربةٌ على هذا تخضب هذه يعني: لحيته من رأسه عهد معهود، وقضاء مقضيّ " وقد خاب من افترى ".
وعاتبه في لباسه فقال: ما لكم ولباسي؟ هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بين المسلم.
وعن أبي الطّفيل أن عليّاً جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم فردّه مرتين، ثم قال علي: ما يحبس أشقاها؛ فواله لخضبنّ هذه من هذا ثم تمثّل: الهزج
اشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيك
ولا تجزع من القتل ... إذا حلّ بواديك
وعن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز فقال لي: لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وايم الله، لقد أخبرني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو الأٍسود: فما رأيت كاليوم قطّ محارباً يخبر بهذا عن نفسه.
وعن صهيب قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أشقى الأولين؟ " قال: عاقر الناقة، " قال: فمن أشقى الآخرين؟ " قال: لا علم لي يا رسول الله، قال: " الذي يضربك على هذه وأشار بيده إلى يافوخه يخضب هذه من هذه يعني: لحيته " فكان علي يقول: ألا يخرج الأشقى الذي يخضب هذه يعني: مفرق رأسه.
وعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وكان أبو فضالة من أهل بدر قال: خرجت مع أبي عائداً لعلي من مرض أصابه ثقل منه، قال: فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم تك إلا أعراب جهينة تحمل لك المنية، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلّوا عليك، فقال علي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ ألا أموت حتى أؤمّر، ثم تخضب هذه يعني: لحيته من هذه يعني: هامته فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين.
قال سعيد بن المسيّب: رأيت عليّاً على المنبر، وهو يقول: لتخضبنّ هذه من هذه وأشار بيده إلى لحيته وجبينه فما يحبس أشقاها؟ قال: فقلت: لقد ادعى علي علم الغيب. فلما قتل علمت لأنه قد كان عهد إليه.
وعن عائشة قالت: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم التزم عليّاً، وقبّله، ويقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد.
وعن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، من بطن ينبع. فلما نزلها
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقام بها شهراً، فصالح بها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة، فوادعهم، فقال له علي بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء نفر من بني مدلج، يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم، فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض، فنمنا فيه، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقدمه، فجلسنا وقد تترّبنا من تبك الدقعاء فيومئذٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا أبا تراب "، لما عليه من التراب. فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركما بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا: بلى، يا رسول الله، فقال: " أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على رأسه حتى يبلّ منها هذه، ووضع يده على ليحته ".
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أشقى ثمود؟ " قالوا: عاقر الناقة، قال: " فمن أشقى هذه الأمة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " قاتلك يا علي ".
وعن عمرو بن أبي جندب قال: مرّ بنا علي بصفين وليس معه أحد، فقال له سعيد: أما تخشى أن يغتالك عدو، فإني لا أرى معك أحداً؟ قال: إن لكل عبدٍ حفظة يحفظونه، لا يخرّ عليه حائط، أو يتردّى في بئر حتى إذا جاء القدر الذي قدّر له خلت عنه الحفظة، فأصابه ما شاء الله أن يصيبه.
وعن أبي نصر قال: كنا جلوساً حول سيدنا الأشعث بن قيس إذ جاء رجل بيده عنزة، فلم نعرفه، وعرفه. قال: أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قال: تخرج هذه الساعة، وأنت رجل محارب؟! قال: إن عليّ من الله جنّة حصينة، إذا جاء القدر لم تغن شيئاً. إنه ليس من الناس أحد إلاّ وقد وكّل به ملك، ولا تريده دابة ولا شيء إلاّ قال: اتّقه، اتّقه، فإذا جاء القدر خلا عنه.
وعن يعلي بن مرّة قال:
كان علي يخرج بالليل إلى المسجد ليصلي تطوعاً، وكان الناس يفعلون ذلك، حتى كان شبث الحروري، فقال بعضنا لبعض: لو جعلنا علينا عقباً يحضر كل ليلة منا عشرة، فكنت في أول من حضر، فألقى درّته ثم قام يصلي. فلما فرغ أتانا، فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: نحرسك، فقال: من أهل السماء؟ قال: فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء، وإنّ عليّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عني، وإنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
دخل الحسن بن علي على معاوية فقال معاوية: أبوك الذي كان يقاتل أهل البصرة، فإذا كان آخر النهار مشى في طرقها! قال: علم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه. فقال معاوية: صدقت.
وعن حكيم بن سعد أنه قيل لعلي: لو علمنا قاتلك لأبرنا عترته، فقال: مه، ذكم الظلم. النفس بالنفس، ولكن اصنعوا ما صنع فقال: النبي قتل، ثم أحرق بالنار.
وعن معاوية بن جوين الحضرمي قال: عرض عليّ الخيل، فمرّ عليه ابن ملجم، فسأله عن اسمه أو قال: نسبه فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت، حتى انتسبت إلى أبيه، فقال: صدقت. أما إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثني أن قاتلي شبه اليهود، هو يهودي، فامضه.
قال عثمان بن المغيرة: لما أن دخل رمضان كان علي يتعشى ليلة عند الحسن والحسين وابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ، إنما هي ليلة أو ليلتين، فأصيب من الليل.
حدّث الحين بن كثير عن أبيه وكان أدرك عليّاً قال: خرج علي إلى الفجر، فأقبل الوز يصحن في وجهه، فطردوهن عنه، فقال:
ذروهنّ فإنهنّ نوائح، فضربه ابن ملجم، فقيل: يا أمير المؤمنين، خلّ بيننا وبين مراد، فلا نقوم لهم راعية أو راغبة أبداً، قال: لا، ولكن احبسوا الرجل، فإن أمت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص.
وعن الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النّبّاح حين طلع الفجر يؤذن بالصلاة، وهو مضطجع، فتثاقل فعاد إليه ثانية، وهو كذلك، ثم عاد الثالثة، فقام علي يمشي وهو يقول:
شدّ حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت ... إذا حلّ بواديكا
فلما بلغ الباب الصغير شدّ عليه عبد الرّحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة.
قال أبو عون الثقفي: كنت اقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه. قال أبو عبد الرّحمن: فاستعمل أمير المؤمنين عليٌّ رجلاً من بني تميم يقال له: حبيب بن مرّة على السّواد، وأمره أن يدخل الكوفة من بالسواد من المسلمين، فقلت للحسن بن علي: إن لي ابن عم في السواد يحب أن يقوم مكانه، فقال لي: تغدو غداً على كتابك وقد ختم، فغدوت من الغد فإذا الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، فقلت للغلام: أنفذ بي إلى القصر، فدخلت القصر، فإذا الحسن بن علي قاعد في مسجد في الحجرة، وإذا صوائح، فقال: ادن إلي يا أبا عبد الرّحمن، فجلست إلى جنبه، فقال لي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بنيّ، إنّي بتّ البارحة أوقظ أهلي، لأنها ليلة الجمعة، صبيحة بدر لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللّدد
قال: والأود: العوج، واللّدد: الخصومات، فقال لي: " ادع عليهم "، قال: قلت: اللهم أبدل لي بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ مني، فجاء ابن النّبّاح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطّاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. قال أبو هشام: قال لي أبو أسامة: إني أغار عليه كما يغار الرجل على المرأة الحسناء، لا تحدّثن به ما دمت حيّاً.
قال أبو أسامة
في هذا الحديث ثلاثة عشر حديثاً: فيه أن الحسن بن علي قرأ علي أبي عبد الرحمن، وأن أبا عبد الرحمن سأل الحسن بن علي حاجة، وهو يقرأ عليه، وأن عليّاً كره أن يدخل المسلمون السواد، وأن الحسن شفع في أن ينزل رجل بالسواد من المسلمين وأن علي بن أبي طالب كان إذا كتب ختم كتابه، وأنه اتّخذ مسجداً في حجره، وأنه صيح عليه، فلم ينكره الحسن، وأنا علياً نام وهو جالس، فلم يتوضأ، وأنه قال: الأود: العوج، واللّدد: الخصومات، وأنه كان له مؤذّن يؤذنه بالصلاة، وأنه كان لباب داره طاق، وأنه قتل فيه.
وعن الليث بن سعد: أن عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليّاً في صلاة الصبح على دهس، بسيفٍ كان سمّه بالسّمّ، ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلاً.
وعن ابن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام، وأنا وحسن جلوس في الحمام. فلما دخل كأنّهما اشمأزّا منه، وقالا: ما جرّأك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه منكما، فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا. فلما كان يوم أتي به أسيراً قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام، فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه، قتلتي " ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ".
قال محمد بن سعد قالوا:
انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من حمير، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، وتعاهدوا، وتعاقدوا ليقتلنّ هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب، وقال البرك، أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك، وتعاقدوا، وتواثقوا ألاّ ينكص رجل منهم على صاحبه الذي سمّى، ويتوجه إليه حتى يقتله، أو يموت دونه، فاّتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من بدر رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد، وكان يزورهم ويزورونه، فزار يوماً نفراً من بني تيّم الرباب، فرأى امرأى منهم يقال لها قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان فأعجبته فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي فقال: لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب، فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب، وقد أعطيتك ما سألت. ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ما يريد، ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك، وظلّ عبد الرحمن تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده، حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث، فضحك الصبح، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدّة التي يخرج منها علي. قال الحسن بن علي: وأتيته سحراً، فجلست إليه فقال: إني بتّ الليلة أوقظ أهلي، فملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمت من الأود واللّدد! فقال لي: " ادع عليهم "، فقلت: اللهم، أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني، ودخل ابن النّبّاح المؤذن على ذلك، فقال: الصلاة، فأخذت بيده فقام يمشي، ابن النّبّاح بين يديه، وأنا خلفه. فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس، الصلاة، الصلاة، كذلك كان يصنع في كل يوم يخرج، ومعه درّته يوقظ
الناس، فاعترضه الرجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف، وسمعت قائلاً يقول: لله الحكم يا علي، لا لك، ثم رأيت سيفاً ثانياً، فضربا جميعاً، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع علياً يقول: لا يفوتنّكم الرجل، وشدّ النسا عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم، فأدخل على عليّ فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش، فأنا وليّ دمي عفو أو قصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين، فقالت أم كلثوم بنت علي: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين؟ قال: ما قتلت إلا أباك، قالت: فوالله إني لأرجو ألاّ يكون على أمير المؤمنين بأس، قال: فلم تبكين إذاً؟ ثم قال: والله لقد سممته شهراً يعني: سيفه فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه، وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي، فقال: أي بني، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين، فذهب، فنظر إليه ثم رجع، فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عيني دميع ورب الكعبة. قال: ونكب علي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد الله وجعفر، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها قميص.
قالوا: وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن. فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن ملجم، فأخرجه من السجن ليقتله، فاجتمع النّاس وجاؤوا بالنّفط والبواري والنار، فقالوا: نحرقه، فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية: دعونا حتى نشفي أنفسنا منه، فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمّى، فلم يجزع وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك بملمول ممضّ، وجعل يقرأ: " اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علقٍ " حتى أتى على آخر السورة كلها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه، فجزع فقيل له، قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك يا عدو الله، فلم
تجزع. فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟! فقال: ما ذاك من جزع، إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم جعلوه في قوصرّة وأحرقوه بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغير فلم يستأن به بلوغه.
وكان عبد الرحمن بن ملجم رجلاً أسمر، أبلج، شعره مع شحمة أذنه، في جبهته أثر السجود.
وعن أبي تحيى قال: لما ضرب ابن ملجم علياً الضربة قال علي: افعلوا به كما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أني فعل برجل أراد قتله، فقال: اقتلوه ثم حرّقوه.
ولما ضرب ابن ملجم علياً عليه السلام قال علي: فزت وربّ الكعبة.
وعن شقيق بن سلمة قال: قيل لعلي بن أبي طالب: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن إن يرد الله بالناس خيراً استجمعهم بعدي علىخيرهم، كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم.
وعن عقبة بن أبي الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم علياً دخل عليه السحن، وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بنيّ؟ قال: وما لي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا؟ فقال: يا بني، احفظ أربعاً وأربعاً لا تضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا أبه؟ قال: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق. قال: قلت: يا أبه، هذه الأربع فأعطني الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة
الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرّب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه.
فلما فرغ علي من وصيته قال: أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم بشيء إلا: لا إله إلا الله حتى قبضه الله، رحمة الله ورضوانه عليه، وصلى عليه الحسن، وكبّر عليه أربعاً، ودفن في السّحر.
قال هارون بن سعد: كان عند علي مسك أوصى أن يحتفظ به، وقال: فضل من حنوط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ون الحسن بن علي قال: دفنت أبي علي بن أبي طالب في حجرة أو قال: في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة.
قال عبد الملك بن عمير: لما حفر خالد بن عبد الله أسا دار يزيد ابنه استخرجوا شيخاً مدفوناً، أبيض الرأس واللحية، فقال: أتحبّ أن أريك علي بن أبي طالب؟ فكشف لي فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس، طري فقال: يا غلام، عليّ بحطبٍ ونار، فقال الهيثم بن العريان: ليس يريد القوم منك هذا كله، قال: يا غلام، عليّ بقباطي، فلفّه فيها وحنّطه، وتركه مكانه، قال أبو زيد بن طريف: هذا الموضع بحذاء باب الوراقين، مما يلي قبلة المسجد بيت إسكاف، وما يكاد يقرّ في ذلك الموضع أحدٌ إلاّ انتقل عنه.
وقيل: إنه لا يعلم أين موضع قبره، وقيل دفن بالكوفة عند قصر بالإمارة ليلاً، وعمّي دفنه. وقيل: دفن عند المسجد الجامع. ويقال: دفن في موضع القصر، ويقال في الرّحبة التي تنسب إليه. ويقال: في الكناسة. ويقال: إن الحسن والحسين وابن الحنفية
وعبد الله بن جعفر وعدّة من أهل بيتهم خرجوا به ليلاً، فدفن في ظاهر الكوفة، فعل به ذلك مخافة أن ينبشه الخوارج وغيرهم.
جاء رجل إلى شريك فقال: أين قبر علي بن أبي طالب، فأعرض عنه، حتى سأله ثلاث مرات، فقال له: في الرابعة، نقله الحسن بن علي إلى المدينة. قال الخطيب: هذا لفظ حديث البغوي. وقال: قال عبد الملك: وكنت عند أبي نعيم فمرّ قوم على حمير، قلت: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون قبر علي بن أبي طالب، فالتفت إليّ أبو نعيم فقال: كذبوا، نقله الحسن بن علي إلى المدينة.
قال محمد بن حبيب: أوّل من حوّل من قبر إلى قبر أمير المؤمنين عليّ. حوّله ابنه الحسن، وقيل حمله الحسن بعد صلحه مع معاوية فدفنه بالمدينة. قول غيره: حمله فدفنه بالثّويّة. ويقال: دفن بالبقيع مع فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال عيس بن داب: عمّي قبر علي. قال: وحدثني الحسن أنه صرّ في صندوق وأكثر عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء أضلوا البعير ليلاً، فأخذته طيء، وهم يظنون أن في الصندوق مالاً. فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا، فدفنوا الصندوق بما فيه، ونحروا البعير، وأكلوه.
وكان أبو جعفر الحضرمي مطيّن ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة قبر علي بن أبي طالب، وكان يقول: لو علمت الرافضة قبر من هذا لرجمته بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة، وقال مطيّن: لو كان هذا قبر علي بن أبي طالب لجعلت منزلي ومقيلي عنده أبداً.
وعن ابن شهاب قال: قدمت دمشق، وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه فوجدته في قبة على
فرس، يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت عليه، وجلست، فقال: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ وقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم. قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يسمعنّ منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي.
قال البيهقي: وروي عن الزهري إسنادي أصح من إسناد هذا الحديث أن ذلك كان في قتل الحسين.
وتوفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة، وكان يوم قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن سبع وعشرين. وقيل: توفي وهو ابن ثمان وخمسين، وولي خمس سنين وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع سنين.
وأسلم علي وهو ابن سبع سنين.
قال الشعبي: أقام علي بعد إسلامه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عشرين سنة، ومع أبي بكر وعمر ثلاث عشرة سنة، ومع عثمان اثنتي عشرة سنة، وولي خمس سنين.
وأهل بيته يقولون: قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة، ويقولون: أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، قالوا: وشهد بدراً وهو ابن عشرين سنة، وشهد الفتح وهو ابن ثمان وعشرين. وكان عظيم البطن، عظيم اللحية، قد ملأت ما بين منكبيه، وكان أصلع رحمه الله. وقيل: إن بن ملجم قتله لستٍ بقين من رمضان سنة أربعين.
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: سمعت ابن الحنفية يقول: سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي. قلت: وكم كانت سنّه يوم قتل؟ قال: ثلاث وستون سنة.
قال محمد بن عمر: وهو الثّبت عندنا.
وأم علي عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسلمت قديماً، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلّى الله عليه وسلّم ويوم ماتت صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، وتمرغ في قبرها، وبكى، وقال: " جزاك الله من أمٍ خيراً، فقد كنت خير أمّ "، وولدت لأبي طالب عقيلاً، وجعفر، وعلياً، وأم هانئ، واسمها فاختة، وحمامة. وكان عقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسنّ من علي بعشر سنين، وجعفر هو ذو الهجرتين، وذو الجناحين.
وقال أبو جعفر: توفي علي وله خمس وستون سنة، وكان عليّ، وطلحة، والزبير في سن واحدة.
قال سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " فقال لي: أمسك يعني: سفينة القائل لسعيد بن جمهان أمسك فذكر خلافة علي ستاً.
كذا قال في هذا الحديث، ولمي بلغ في الخلافة ست سنين.
وولد علي بمكة، في شعب بني هاشم، وقتل بالكوفة.
قال الهيثم بن عمران: بايع لعلي أهل العراق، ومكة، والمدينة، واليمن. فمكث رحمه الله خمس سنين، وقتله ابن ملجم.
ولما قتل بويع الحسن بن علي بن أبي طالب.
وكان بين مقتل عثمان إلى اصطلاح الحسن بن علي ومعاوية خمس سنين وثلاثة أشهر وسبع ليال.
وكان لعليّ تسع عشرة سرّيّة. إنما كان كثرة تسرّي أمير المؤمنين طلباً للنسل، لتكثير العابدين.
ولما قتل علي قام حسن بن علي خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد.
والله لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى، وفيها تيب على بني إسرائيل. والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا لحقه أحد كان بعده، وإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ليبعثه في السّرية، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. والله ما ترك صفراء ولا بيضاء، إلا ثماني مئة درهم، أو سبع مئة درهم أرصدها لخادم يشتريها.
وعن المغيرة قال: لما جيء معاوية بنعي علي، وهو قائل مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم، والحلم، والفضل، والفقه، فقالت امرأته: أنت بالأمس تطعن في غيبته، وتسترجع اليوم عليه؟! قال: ويلك! لا تدرين ماذا فقدوا من علمه، وفضله وسوابقه.
وكانت سودة بنت عمار تبكي علياً، وقالت: البسيط
صلى الإله على جسمٍ تضمّنه ... قبرٌ فأصبح فيه الجود مدفونا
قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً ... فصار بالحقّ والإيمان مقرونا
قال أبو عياض مولى عياض بن ربيعة الأسدي: أتيت علي بن أبي طالب، وأنا مملوك، فقلت: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك. فرفع رأسه إلي، فقال: ما أنت؟ قلت: مملوك، قال: لا، إذاً، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما أقول: إني إذا شهدتك نصرتك، وإن غبت نصحتك، قال: نعم، إذاً، قال: فبسط يده فبايعني.
قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبّي، وإلى البراءة مني، فأما السبّ فإنه لكم نجاة، ولي زكاة، وأما البراءة فلا تبرّؤوا مني، فإني على الفطرة.
وعن عمرو بن الأصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في دار عمرو بن حريث فقلت: إن ناساً يزعمون أن علياً يرجع قبل يوم القيامة! فضحك، وقال: سبحان الله، لو علمنا ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه.
وفي رواية عنه قال: قلت للحسن: إن هذه الشيعة يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة! فقال: كذب، أولئك الكذابون.
وفي حديث: والله ما هؤلاء بالشيعة.
بويع لعلي بالخلافة سنة خمس وثلاثين، فاستقبل المحرم سنة ست وثلاثين، وكان الذي عقد له عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، ولم يبايع خمسة له منهم: محمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمرو، وكانت الحرب بينه وبين معاوية خمس سنين وثلاث أشره واثنتي عشرة ليلة.
علي بن عبد الله بن بعجة بن عبد الله بن بدر الجهني روى عن أبيه عن جده أنه رأى عليا يوم قتل عثمان رضي الله عنهما روى عنه إبراهيم بن علي الرافعي سمعت ابى يقول ذلك.
عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن بعجة بْن بدر 3 الجهني المديني
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده، رأى عليا رضى الله عنه يوم قتل عثمان رضى الله عَنْهُ - قَالَه إِبْرَاهِيم بْن حمزة عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ الرافعي.
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده، رأى عليا رضى الله عنه يوم قتل عثمان رضى الله عَنْهُ - قَالَه إِبْرَاهِيم بْن حمزة عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ الرافعي.