Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=149625#594d46
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد
ابن مهدي أبو بكر بن أبي الحسن الخطيب البغدادي الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين، والمصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين. سمع جماعة ببغداد والبصرة والكوفة ونيسابور وأصبهان والري ودينور. قدم دمشق سنة خمس وأربعين وأربع مئة حاجاً وسمع بها وحج وعاد، فسكن دمشق وحدث بها بعامة مصنفاته.
حدث عن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي البزاز بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان. فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه فقال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليل ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر، قال أبو سعيد: فأمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف فأبصرت عينان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصرف علينا وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين.
كان أبو بكر الخطيب يذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات أخذاً بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء زمزم لما شرب له: فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد ببغداد، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي. فلما عاد إلى بغداد حدث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزءٌ من سماع الخليفة القائم بأمر الله فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث وليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته؟ فسئل، فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك، فحضر النقيب وأملى الخطيب في جامع المنصور، ولما مات أرادوا دفنه عند قبر بشرٍ، وكان الموضع الذي إلى جانب قبر بشرٍ قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قبراً لنفسه،
وكان يمضي إلى ذلك الموضع، ويختم فيه القرآن ويدعو. ومضى على ذلك عدة سنين. فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فامتنع. وقال: هذا قبر حفرته وفتحت فيه عدة فتحات لا أمكن أحداً من الدفن فيه. فقيل له: يا شيخ، لو كان بشر الحافي في الأحياء ودخلت أنت والخطيب عليه أيكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب؟ قال: لا بل الخطيب فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الممات فإنه أحق به منك، فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع فدفن فيه.
قال أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر الحافظ: إن أبا بكر أحمد بن علي كان آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفةً وإتقاناً وحفظاً، وضبطاً لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفنناً في علله وأسانيده، وخبرةً برواته وناقليه، وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه. ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله من يجري مجراه ولا قام بعده منهم بهذا الشأن سواه.
قال أبو الفرج الأسفراييني: كان الشيخ أبو بكر الحافظ معنا في طريق الحج فكان يختم كل يوم ختم إلى قرب الغياب قراءةً بترتيل، ثم يجتمع الناس وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم. أو كما قال.
قال أبو بكر الخطيب:
كتب معي أبو بكر البرقاني إلى أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ كتاباً يقول في فصل منه: وقد نفذ إلى ما عندك عمداً متعمداً أخونا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أيده الله وسلمه ليقتبس من علومك ويستفيد من حديثك، وهو بحمد الله ممن له في هذا البيان سابقة حسنة وقدم ثابت وفهمٌ به حسن، وقد رحل فيه وفي طلبه، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ وصحة التحصيل ما يحسن لديك موقعه، ويجمل عندك منزلته، وأنا أرجو إذا صحت لديك منه هذه الصفة أن يلين له جانبك وأن تتوفر، وتحتمل منه ما عساه يورده من تثقيل في الاستكثار أو زيادة في الاصطبار، فقدماً حمل السلف من الخلف ما ربما ثقل، وتوفروا على المستحق منهم بالتخصيص والتقديم والتفضيل ما لم ينله الكل منهم.
قال أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني: أنشدني الحافظ أبو بكر أحمد الخطيب لنفسه في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة: من البسيط
لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها ... ولا للذ وقتٍ عجلت فرحا
فالدهر أسرع شيءٍ في تقلبه ... وفعله بينٌ للخلق قد وضحا
كم شاربٍ عسلاً فيه منيته ... وكم تقلد سيفاً من به ذبحا
قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي: كنت نائماً في منزل الشيخ أبي الحسن بن الزعفراني ببغداد ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مئة، فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة، فكأن الشيخ الخطيب جالس والشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لم أعرفه فسألت عنه فقلت: من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا؟ فقيل لي هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء ليسمع التاريخ، فقلت في نفسي: هذه جلالة الشيخ أبي بكر إذ يحضر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه، وقلت في نفسي: وهذا أيضاً ردٌّ لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملاً على أقوامٍ، وشغلني التفكير في هذا عن النهوض إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسؤاله عن أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها، فانتبهت في الحال ولم أكلمه.
مرض الخطيب رحمه الله في نصف رمضان واشتد الحال في غرة ذي الحجة وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون، ووقف كتبه على يده، وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث. وتوفي يوم الاثنين السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مئة وأخرج الغد يوم الثلاثاء طلوع الشمس وعبروا به من الجانب الشرقي على الجسر إلى الجانب الغربي وحضر عليه خلق كثير، وتقدم الشريف القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله وكبر عليه أربعاً وحمل إلى باب حرب فصلى عليه ثانياً أبو سعد بن أبي عمامة ودفن إلى جانب قبر بشر بن الحارث الحافي بالقرب من قبر أحمد بن حنبل.
قال ابن خيرون: وتصدق بجميع ماله وهو مئتا دينار، فرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء
والفقراء في مرضه، ووصى أن يتصدق بجميع ما يخلفه من ثياب وغيرها، وأوقف جميع كتبه على المسلمين، وأخرجت جنازته من حجرة تلي المدرسة النظامية، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كان ينفي الكذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان مولده سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة وذكر هو أنه ولد يوم الخميس لستٍ بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة. رحمه الله وكان أحد من حمل جنازته الفقيه إبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري.
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسين النهرمنهالي المصري الفقيه الصالح رحمه الله: رأيت الشيخ أبا بكر الخطيب رحمه الله في المنام وعليه ثياب بيض حسان وعمامة بيضاء حسنة، وهو فرحان يبتسم فلا أدري قلت له ما فعل الله بك أو هو بدأني فقال لي: غفر الله لي أو رحمني وكل من يجيء به، فوقع له أنه يعني بالتوحيد، الله يرحمه أو يغفر له فأبشروا، وحدثني في هذا المعنى بأسماء لا أتحققها الآن. وانتبهت فرحاناً بذلك فرحاً شديداً، وذلك بعد وفاته رحمه الله بأيام.