منصور بن عمار بن كثير، أبو السري السلمي الواعظ :
من أهل خراسان- وقيل من أَهْل الْبَصْرَة- سكن بَغْدَاد وَحدث بها عن معروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع، وعن ليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، ومنكدر بن محمد بن المنكدر، وبشير بن طلحة. روى عنه ابنه سليم، وعلي ابن خشرم، ومحمد بن جعفر لقلوق، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الحيري، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي. قَالَ: منصور بن عمار من أهل مرو من قرية يقال لها دندانقان، ويقال من أهل أبيورد. ويقال من أهل بوشنج.
أخبرني الحسن بن علي الجوهريّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الصُّوفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْرُوفٌ الْخَيَّاطُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ. فَقَالَ لِي: «اذْهَبْ فَاحْلِقْ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» .
أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلافُ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، حدّثنا أحمد بن بشر المرثدي، حدّثنا سليم بن منصور، حدّثنا أبي، حَدَّثَنِي مَعْرُوفٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي. قَالَ مَعْرُوفٌ: وَمَسَحَ وَاثِلَةُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي. قَالَ أَبِي: وَمَسَحَ مَعْرُوفٌ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي.
أَخْبَرَنَا الأزهري، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا ابن نفيع، حدّثنا شجاع ابن مخلد. قَالَ: مر بي بشر بن الحارث وأنا جالس في مجلس منصور بن عمار القاص، وأنا في آخر الناس، فمر بشر مطرقا، فنظر إلي فمضى وهو يقول: وأنت أيضا يا أبا الفضل؟ وأنت أيضا يا أبا الفضل؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ، أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن الأزديّ، حدثنا عبد الواحد بن محمد بن مسرور، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ. قَالَ: مَنْصُورُ بن عمار ابن كَثِيرٍ السُّلَمِيُّ الْقَاصُّ يُكْنَى أَبَا السَّرِيِّ، قَدِمَ مِصْرَ وَجَلَسَ يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ فسمع كلامه الليث بن سعد فاستحسن قصصه وفصاحته، فذكر أن الليث قَالَ له: يا هذا ما الذي أقدمك إلى بلدنا؟ قَالَ: طلبت أكتسب بها ألف دينار، فقال له الليث: فهي لك على رصين كلامك هذا الحسن، ولا تتبذل، فأقام بمصر في جملة الليث بن سعد وفي جرايته إلى أن خرج عن مصر، فدفع إليه الليث ألف دينار، ودفع إليه بنو الليث أيضا ألف دينار، فخرج فسكن بغداد وبها توفي. وكان في قصصه وكلامه شيئا عجبا لم يقص على الناس مثله.
حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا يوسف بن عمر القواس، حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بن سليمان السلمي، حدّثنا أبو شعيب الحرّانيّ، حَدَّثَنَا علي بن خشرم.
قَالَ: قَالَ منصور- يعني ابن عمار- قلت: سمعته؟ قَالَ: نعم! قَالَ: لما قدمت مصر وكان الناس قد قحطوا، فلما صلوا الجمعة رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء،
فحضرتني النية فصرت إلى صحن المسجد، فقلت: يا قوم تقربوا إلى الله بالصدقة فإنه ما تقرب إليه بشيء أفضل منها، ثم رميت بكسائي ثم قلت: اللهم هذا كسائي وهو جهدي وفوق طاقتي، فجعل الناس يتصدقون ويعطوني ويلقون علي الكساء حتى جعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها حتى فاض الكساء من أطرافه، ثم هطلت السماء فخرج الناس في الطين والمطر، فلما صليت العصر، قلت: يا أهل مصر أنا رجل غريب ولا علم لي بفقرائكم، فأين فقهاؤكم؟ فدفعت إلى الليث بن سعد، وابن لهيعة، فنظر إلى كثرة المال فقال أحدهما لصاحبه: لا تحرك، ووكلوا به الثقات حتى أصبحوا، فرحت- أو قَالَ: فأدلجت- إلى الإسكندرية وأقمت بها شهرين، فبينا أنا أطوف على حصنها وأكبر، فإذا أنا برجل يرمقني، فقلت: مالك؟ قَالَ: يا هذا أنت قدمت مصر؟ قلت: نعم! قَالَ: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قَالَ: قلت: نعم! قَالَ: فإنك صرت فتنة على أهل مصر، قلت: وما ذاك؟ قَالَ: قالوا: كان ذاك الخضر دعا فاستجيب له، قَالَ: قلت: ما كان الخضر بل أنا العبد الخاطئ قَالَ: فأدلجت فقدمت مصر، فلقيت الليث بن سعد، فلما نظر إلي قَالَ: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قَالَ: قلت:
نعم، قَالَ: فهل لك في المقام عندنا؟ قَالَ: قلت: وكيف أقيم وما أملك إلا جبتي وسراويلي؟ قال: قد أقطعتك خمسة عشر فدانا. ثم صرت إلى ابن لهيعة فقال لي مثل مقالته وأقطعني خمسة فدادين، فأقام بمصر.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا عبد الله بن سليمان، حَدَّثَنَا علي بن خشرم قَالَ: سمعت منصور بن عمار قَالَ- وبعضه حَدَّثَنِي به أبي عن قتيبة، عن منصور- قَالَ: قدمت مصر وبها قحط، فتكلمت فأخرج الناس صدقات كثيرة، فأخذت فأتي بي إلى الليث بن سعد، فقال:
ما حملك على أن تكلمت في بلدنا بغير أمرنا؟ قَالَ: قلت أصلحك الله أعرض عليك، فإن كان مكروها نهيتني فانتهيت، وإلا لم ينلني مكروه. فقال: تكلم، فتكلمت، فقال: قم، لا يحل لي أن أسمع هذا الكلام وحدي، فقال لي: ما أقدمك؟ قلت:
قدمت عليك وعلى ابن لهيعة، فلما قدمت عليه بعد ذلك أخرج إلي جارية قيمتها ثلاثمائة دينار، فقال: خذها. فقلت: أصلحك الله معي أهل، قال: تخدمكم. قلت:
جارية بثلاثمائة دينار تخدمنا؟ قَالَ: خذها. فدخلت عليه بعد ذلك، فسكت حتى
خرج الناس، ثم أخرج من تحت مصلاه كيسا فيه ألف دينار فألقاه إلي فقال: خذها ولا تعلم بها ابني الحارث فتهون عليه.
حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ- لَفْظًا بِحُلْوَانَ- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ- بأصبهان- حدّثنا أحمد بن موسى القزّاز القاسباني، حدّثنا إبراهيم بن الحسن الأصبهانيّ، حَدَّثَنَا عامر. قَالَ: كتب بشر الحافي إلى منصور بن عمار، اكتب إلي بما من الله علينا فكتب إليه منصور: أما بعد يا أخي فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه في كثرة ما نعصيه. ولقد بقيت متحيرا فيما بين هذين، لا أدري كيف أشكره لجميل ما نشر، أو قبيح ما ستر؟
أَخْبَرَنِي الحسن بن علي التميمي، حَدَّثَنَا عمر بن أحمد الواعظ.
وأَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي طالب، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن محمّد بن غرزة الكاتب. قالا:
حَدَّثَنَا عبد الله بن سليمان، حَدَّثَنَا علي بن خشرم قَالَ: سمعت منصور بن عمار يقول: المتكلمون ثلاثة، الحسن بن أبي الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وعون بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عتبة. قَالَ: قلت: وأنت الرابع.
وأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن سُلَيْمَانَ بْن عَلِيٍّ المقرئ، حَدَّثَنَا عبيد الله بن مُحمد بن أحْمَد بن هشام بن عيسى المروروذي، حَدَّثَنَا جدي محمد بن هشام. قَالَ: قَالَ منصور بن عمار قَالَ لي هارون: كيف تعلمت هذا الكلام؟ قَالَ: قلت يا أمير المؤمنين رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منامي، وكأنه تفل في في، وَقَالَ لي: يا منصور قل، فأنطقت بإذن الله.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّهِ بْن بخيت الدقاق، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بن شجاع الصّفّار البخاريّ، أخبرنا خلف بن محمّد الخيام، حدّثنا سهل بن شادويه قَالَ: سَمِعْتُ علي بْن خشرم يَقُول سَمِعْتُ منصور بن عمار يقول: رأيت كأني دنوت من جحر، فخرج على عشر نحلات فلدغتني، فقصصتها على أبي المثنى المعبر البصري فقال: الجد ما تقول؟ أعطني شيئا.
قَالَ: إن صدقت رؤياك تصلك امرأة بعشرة آلاف، لكل نحلة ألف. قَالَ منصور:
فقلت لأبي المثنى: من أين قلت: هذا؟ قَالَ: لأنه ليس شيء من الخلق ينتفع ببطنه من ولد آدم إلا النساء، فإنهن ولدن الصديقين، والأنبياء. والطير ليس فيها شيء ينتفع ببطنه إلا النحل، فلما كان من الغد وجهت إلي زبيدة بعشرة آلاف درهم.
أخبرنا الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد. قَالَ: قَالَ محمد بن موسى:
شهدت منصور بن عمار القاص وقد كلمه قوم فقالوا هذا رجل غريب يريد الخروج إلى عياله، فقال لابنه أحمد بن منصور، يا أحمد امض معهم إلى أبي العوّام البزّاز، فقال له أعطه ثيابا بألف درهم، بل بأكثر من ذلك، حتى إذا باعها صح له ألف درهم.
أَخْبَرَنَا علي بن الحسين- صاحب العبّاسي- أَخبرنا إسماعيل بْن سعيد بْن سويد المعدل، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، حدّثنا جرير بْن أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد أَبُو مَالِك قَالَ: حَدَّثَنِي سلمويه بن عاصم- قاضي هجر وقد قضى بالجزيرة والشام- قَالَ: كتب بشر بن غياث المريسي- ويكنى أبا عبد الرحمن- إلى منصور بن عمار: بلغني اجتماع الناس عليك، وما حكى من العلم، فأَخْبَرَنِي عن القرآن خالق أو مخلوق فكتب إليه منصور: بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياك من كل فتنة، فإنه إن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لم يفعل فتلك أسباب الهلكة، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة، نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وما أعلم خالقا إلا الله، وما دون الله مخلوق. والقرآن كلام الله، ولو كان القرآن خالقا لم يكن للذين وعوه إلى الله شافعا، ولا بالذين ضيعوه ماحلا، فانته بنفسك وبالمختلفين في القرآن إلى أسمائه التي سماه الله بها تكن من المهتدين: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ
[الأعراف 180] ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين؛ جعلنا الله وإياك من الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
[الأنبياء 49] . وكتب بشر أيضا إلى منصور يسأله عن قول الله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
[طه 5] كيف استوى؟ فكتب إليه منصور:
استواؤه غير محدود، والجواب فيه تكلف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والايمان بجملة ذلك واجب، قَالَ الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
[آل عمران 7] وحده. ثم استأنف الكلام فقال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ
[آل عمران 7] فنسبهم إلى الرسوخ في العلم بان قالوا لما تشابه منه عليهم:
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا
[آل عمران 7] فهؤلاء هم الذين أغناهم الرسوخ في
العلم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب، بما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب. فمدح اعترافهم بالعجز عن تأول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم رسوخا في العلم. فانته رحمك الله من العلم إلى حيث انتهي بك إليه، ولا تجاوز ذلك إلى ما حظر عنك علمه فتكون من المتكلفين وتهلك مع الهالكين، والسلام عليك.
أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا محمّد بن العبّاس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ المرزبان قَالَ: أنشدت لأبي العتاهية في منصور بن عمار:
إن يوم الحساب يوم عسير ... ليس للظالمين فيه مجير
فاتخذ عدة المطلع القبر ... وهول الصراط يا منصور
أَخْبَرَنِي الأزهري، حدّثنا إسماعيل بن سويد، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حَدَّثَنِي علي بن سليم قَالَ: سمعت ابن وشاح المتكلم يقول: قَالَ منصور بن عمار- في- مجلس له وقد فرغ من كلامه- لي: إليكم حاجة، أريد حبة لم يزنها المطففون، ولم تخرج من أكياس المرابين. ولم تجر عليها أحكام الظالمين، قالوا ما عندنا هذه.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أحمد بن عمرو بن البراء، حَدَّثَنَا أحمد بن عمرو الضرير قَالَ: قَالَ منصور بن عمار.
وأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم الْخَفَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا رواد وكرموت ابنا جراح بن صفوة بن صالح قالا: حَدَّثَنَا حفص بن عمر بن الخليل الحافظ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي- بالري- قَالَ: سمعت إبراهيم بن منصور بن عمار قَالَ: سمعت أبي يقول: قَالَ لي رجل بالشام: يا أبا السري، عندنا رجل من العباد من أهل واسط العراق، رجل لا يأكل إلا من كد يديه، وقد دبرت من سف الخوص والاعتمال صفحة يديه، ولو رأيته لوقذك النظر إليه فهل لك أن تمضي بنا إليه؟
قَالَ: قلت: نعم! فأتيناه فدققنا عليه بابه فخرج إلى الباب، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عما أتلذذ به من مناجاتك، ثم فتح الباب فدخلنا، وإذا رجل يرى به الآخرة، وإذا قبر محفور، ووصية قد كتبها في الحائط، وكساؤه قد أعدت لكفنه، فقلت: أي موقف لهذا الخلق؟ قَالَ: بين يدي من؟ قَالَ فصاح وخر بوجهه ثم أفاق من غشيته، فقال له صاحبي: يا أبا عباد هذا أبو السري منصور بن
عمار، فقال لي: مرحبا يا أخي ما زلت إليك مشتاقا، قَالَ وأراه صافحني، أعلمك أن بي داء قد أعيى المتطببين قبلك قديما فهل لك أن تتأتى له برفقك وتلصق عليه بعض مراهمك، لعل الله أن ينفع بك؟ قَالَ: قلت: وكيف يعالج مثلي مثلك، وجرحي أثقل من جرحك؟ قَالَ: فقال: وإن كان ذاك كذلك. فاني مشتاق منك إلى ذلك قَالَ: قلت أما إذ أبيت فلئن كنت تمسكت باحتفار قبرك في بيتك وبوصية رسمتها بعد وفاتك، وبكفن أعددته ليوم منيتك، فإن لله عبادا اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قَالَ:
فصاح صيحة ووقع في قبره، وجعل يفحص رجليه وبال، قَالَ: فعرفت بالبول ذهاب عقله، فخرجت إلى طحان على بابه فقلت: ادخل فأعنا على هذا الشيخ، فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته، فقال لي الطحان: ويحك ما أردت إلى ما صنعت بهذا الشيخ، والله لا يغفر الله لك ما صنعت. فخرجت وتركته صريع فترته. فلما كان الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه، وإذا بشريط قد شد به رأسه لصداع وجده. فلما رآني قَالَ: يا أبا السري المعاودة، قَالَ: قلت يكون من ذلك ما قدر. وخرجت وتركته. هذا آخر حديث ابن رزق، وسياق الخبر له. وَقَالَ الخفاف: ثم قَالَ لي المعاودة يرحمك الله، فقلت له فأين بلغت أيها المتعبد من أحزانك، وهل بلغ الخوف ليلة من منامك؟ فتالله لكأني أنظر إلى آكل الفطير، والصابر على خبز الشعير، يأكل ما اشتهى، وسعى عليه بلحم طير، وسقي من الرحيق المختوم، قَالَ: فشهق شهقة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا.
أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن محمّد الأصبهانيّ- إجازة- أخبرنا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بْنِ أحمد بن إسحاق الحافظ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن الْمُؤَمِّلِ الصّيرفيّ- ببغداد- حَدَّثَنَا إسحاق بن أحمد بن سلمان المؤدب قَالَ: حَدَّثَنِي أبو جعفر محمد الصفار قَالَ: رأيت منصور بن عمار في منامي، فقلت له: يا منصور بن عمار ما صنع بك ربك؟ قَالَ: لا تقل ما صنع بك ربك، ولكن قل يا منصور كيف نجوت.
قَالَ: لقيت ربي فقال لي يا منصور أصبت فيك تخليطا كثيرا غير أني وجدتك تحببني إلى خلفي، يا منصور قل لبشر بن الحارث لو سجدت لي على الجمر ما أديت شكري! وأخبر بشر بذلك فبكى بشر ثم قَالَ: وكيف أؤدي شكر ربي.
أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن عبد الله المعدل قال: أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حدثني أبو عبد الله التّميميّ، حدثني محمّد
ابن مفضل قَالَ: رأيت منصور بن عمار في المنام، فقلت: يا أبا السري ما فعل بك ربك؟ قَالَ: خيرا، قلت: بماذا؟ قَالَ: قال لي بما كنت تحببني إلى عبادي.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن بطة العكبري- بها- قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن جعفر التستري قَالَ: سمعت أبا الحسن علي بن الحسن الواعظ يقول: سمعت أبا بكر الصيدلاني- بجرجان- يقول: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ يَقُولُ: رأيت أبي منصورا في المنام. فقلت: ما فعل بك ربك؟ فقال: إن الرب تعالى قربني وأدناني وَقَالَ لي يا شيخ السوء تدري لم غفرت لك؟ قَالَ: قلت لا يا إلهي، قَالَ: إنك جلست للناس يوما مجلسا فبكيتهم؟ فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط، فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له، ووهبتك فيمن وهبت له.
قَالَ لي محمد بن علي بن مخلد الوراق: رأيت قبر منصور بن عمار بباب حرب وعليه لوح منقوش فيه اسمه، وإلى جانبه قبر ابنه سليم.
من أهل خراسان- وقيل من أَهْل الْبَصْرَة- سكن بَغْدَاد وَحدث بها عن معروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع، وعن ليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، ومنكدر بن محمد بن المنكدر، وبشير بن طلحة. روى عنه ابنه سليم، وعلي ابن خشرم، ومحمد بن جعفر لقلوق، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الحيري، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي. قَالَ: منصور بن عمار من أهل مرو من قرية يقال لها دندانقان، ويقال من أهل أبيورد. ويقال من أهل بوشنج.
أخبرني الحسن بن علي الجوهريّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الصُّوفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْرُوفٌ الْخَيَّاطُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ. فَقَالَ لِي: «اذْهَبْ فَاحْلِقْ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» .
أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلافُ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، حدّثنا أحمد بن بشر المرثدي، حدّثنا سليم بن منصور، حدّثنا أبي، حَدَّثَنِي مَعْرُوفٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي. قَالَ مَعْرُوفٌ: وَمَسَحَ وَاثِلَةُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي. قَالَ أَبِي: وَمَسَحَ مَعْرُوفٌ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي.
أَخْبَرَنَا الأزهري، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا ابن نفيع، حدّثنا شجاع ابن مخلد. قَالَ: مر بي بشر بن الحارث وأنا جالس في مجلس منصور بن عمار القاص، وأنا في آخر الناس، فمر بشر مطرقا، فنظر إلي فمضى وهو يقول: وأنت أيضا يا أبا الفضل؟ وأنت أيضا يا أبا الفضل؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ، أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن الأزديّ، حدثنا عبد الواحد بن محمد بن مسرور، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ. قَالَ: مَنْصُورُ بن عمار ابن كَثِيرٍ السُّلَمِيُّ الْقَاصُّ يُكْنَى أَبَا السَّرِيِّ، قَدِمَ مِصْرَ وَجَلَسَ يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ فسمع كلامه الليث بن سعد فاستحسن قصصه وفصاحته، فذكر أن الليث قَالَ له: يا هذا ما الذي أقدمك إلى بلدنا؟ قَالَ: طلبت أكتسب بها ألف دينار، فقال له الليث: فهي لك على رصين كلامك هذا الحسن، ولا تتبذل، فأقام بمصر في جملة الليث بن سعد وفي جرايته إلى أن خرج عن مصر، فدفع إليه الليث ألف دينار، ودفع إليه بنو الليث أيضا ألف دينار، فخرج فسكن بغداد وبها توفي. وكان في قصصه وكلامه شيئا عجبا لم يقص على الناس مثله.
حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا يوسف بن عمر القواس، حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بن سليمان السلمي، حدّثنا أبو شعيب الحرّانيّ، حَدَّثَنَا علي بن خشرم.
قَالَ: قَالَ منصور- يعني ابن عمار- قلت: سمعته؟ قَالَ: نعم! قَالَ: لما قدمت مصر وكان الناس قد قحطوا، فلما صلوا الجمعة رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء،
فحضرتني النية فصرت إلى صحن المسجد، فقلت: يا قوم تقربوا إلى الله بالصدقة فإنه ما تقرب إليه بشيء أفضل منها، ثم رميت بكسائي ثم قلت: اللهم هذا كسائي وهو جهدي وفوق طاقتي، فجعل الناس يتصدقون ويعطوني ويلقون علي الكساء حتى جعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها حتى فاض الكساء من أطرافه، ثم هطلت السماء فخرج الناس في الطين والمطر، فلما صليت العصر، قلت: يا أهل مصر أنا رجل غريب ولا علم لي بفقرائكم، فأين فقهاؤكم؟ فدفعت إلى الليث بن سعد، وابن لهيعة، فنظر إلى كثرة المال فقال أحدهما لصاحبه: لا تحرك، ووكلوا به الثقات حتى أصبحوا، فرحت- أو قَالَ: فأدلجت- إلى الإسكندرية وأقمت بها شهرين، فبينا أنا أطوف على حصنها وأكبر، فإذا أنا برجل يرمقني، فقلت: مالك؟ قَالَ: يا هذا أنت قدمت مصر؟ قلت: نعم! قَالَ: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قَالَ: قلت: نعم! قَالَ: فإنك صرت فتنة على أهل مصر، قلت: وما ذاك؟ قَالَ: قالوا: كان ذاك الخضر دعا فاستجيب له، قَالَ: قلت: ما كان الخضر بل أنا العبد الخاطئ قَالَ: فأدلجت فقدمت مصر، فلقيت الليث بن سعد، فلما نظر إلي قَالَ: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قَالَ: قلت:
نعم، قَالَ: فهل لك في المقام عندنا؟ قَالَ: قلت: وكيف أقيم وما أملك إلا جبتي وسراويلي؟ قال: قد أقطعتك خمسة عشر فدانا. ثم صرت إلى ابن لهيعة فقال لي مثل مقالته وأقطعني خمسة فدادين، فأقام بمصر.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا عبد الله بن سليمان، حَدَّثَنَا علي بن خشرم قَالَ: سمعت منصور بن عمار قَالَ- وبعضه حَدَّثَنِي به أبي عن قتيبة، عن منصور- قَالَ: قدمت مصر وبها قحط، فتكلمت فأخرج الناس صدقات كثيرة، فأخذت فأتي بي إلى الليث بن سعد، فقال:
ما حملك على أن تكلمت في بلدنا بغير أمرنا؟ قَالَ: قلت أصلحك الله أعرض عليك، فإن كان مكروها نهيتني فانتهيت، وإلا لم ينلني مكروه. فقال: تكلم، فتكلمت، فقال: قم، لا يحل لي أن أسمع هذا الكلام وحدي، فقال لي: ما أقدمك؟ قلت:
قدمت عليك وعلى ابن لهيعة، فلما قدمت عليه بعد ذلك أخرج إلي جارية قيمتها ثلاثمائة دينار، فقال: خذها. فقلت: أصلحك الله معي أهل، قال: تخدمكم. قلت:
جارية بثلاثمائة دينار تخدمنا؟ قَالَ: خذها. فدخلت عليه بعد ذلك، فسكت حتى
خرج الناس، ثم أخرج من تحت مصلاه كيسا فيه ألف دينار فألقاه إلي فقال: خذها ولا تعلم بها ابني الحارث فتهون عليه.
حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ- لَفْظًا بِحُلْوَانَ- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ- بأصبهان- حدّثنا أحمد بن موسى القزّاز القاسباني، حدّثنا إبراهيم بن الحسن الأصبهانيّ، حَدَّثَنَا عامر. قَالَ: كتب بشر الحافي إلى منصور بن عمار، اكتب إلي بما من الله علينا فكتب إليه منصور: أما بعد يا أخي فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه في كثرة ما نعصيه. ولقد بقيت متحيرا فيما بين هذين، لا أدري كيف أشكره لجميل ما نشر، أو قبيح ما ستر؟
أَخْبَرَنِي الحسن بن علي التميمي، حَدَّثَنَا عمر بن أحمد الواعظ.
وأَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي طالب، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن محمّد بن غرزة الكاتب. قالا:
حَدَّثَنَا عبد الله بن سليمان، حَدَّثَنَا علي بن خشرم قَالَ: سمعت منصور بن عمار يقول: المتكلمون ثلاثة، الحسن بن أبي الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وعون بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عتبة. قَالَ: قلت: وأنت الرابع.
وأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن سُلَيْمَانَ بْن عَلِيٍّ المقرئ، حَدَّثَنَا عبيد الله بن مُحمد بن أحْمَد بن هشام بن عيسى المروروذي، حَدَّثَنَا جدي محمد بن هشام. قَالَ: قَالَ منصور بن عمار قَالَ لي هارون: كيف تعلمت هذا الكلام؟ قَالَ: قلت يا أمير المؤمنين رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منامي، وكأنه تفل في في، وَقَالَ لي: يا منصور قل، فأنطقت بإذن الله.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّهِ بْن بخيت الدقاق، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بن شجاع الصّفّار البخاريّ، أخبرنا خلف بن محمّد الخيام، حدّثنا سهل بن شادويه قَالَ: سَمِعْتُ علي بْن خشرم يَقُول سَمِعْتُ منصور بن عمار يقول: رأيت كأني دنوت من جحر، فخرج على عشر نحلات فلدغتني، فقصصتها على أبي المثنى المعبر البصري فقال: الجد ما تقول؟ أعطني شيئا.
قَالَ: إن صدقت رؤياك تصلك امرأة بعشرة آلاف، لكل نحلة ألف. قَالَ منصور:
فقلت لأبي المثنى: من أين قلت: هذا؟ قَالَ: لأنه ليس شيء من الخلق ينتفع ببطنه من ولد آدم إلا النساء، فإنهن ولدن الصديقين، والأنبياء. والطير ليس فيها شيء ينتفع ببطنه إلا النحل، فلما كان من الغد وجهت إلي زبيدة بعشرة آلاف درهم.
أخبرنا الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد. قَالَ: قَالَ محمد بن موسى:
شهدت منصور بن عمار القاص وقد كلمه قوم فقالوا هذا رجل غريب يريد الخروج إلى عياله، فقال لابنه أحمد بن منصور، يا أحمد امض معهم إلى أبي العوّام البزّاز، فقال له أعطه ثيابا بألف درهم، بل بأكثر من ذلك، حتى إذا باعها صح له ألف درهم.
أَخْبَرَنَا علي بن الحسين- صاحب العبّاسي- أَخبرنا إسماعيل بْن سعيد بْن سويد المعدل، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، حدّثنا جرير بْن أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد أَبُو مَالِك قَالَ: حَدَّثَنِي سلمويه بن عاصم- قاضي هجر وقد قضى بالجزيرة والشام- قَالَ: كتب بشر بن غياث المريسي- ويكنى أبا عبد الرحمن- إلى منصور بن عمار: بلغني اجتماع الناس عليك، وما حكى من العلم، فأَخْبَرَنِي عن القرآن خالق أو مخلوق فكتب إليه منصور: بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياك من كل فتنة، فإنه إن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لم يفعل فتلك أسباب الهلكة، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة، نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وما أعلم خالقا إلا الله، وما دون الله مخلوق. والقرآن كلام الله، ولو كان القرآن خالقا لم يكن للذين وعوه إلى الله شافعا، ولا بالذين ضيعوه ماحلا، فانته بنفسك وبالمختلفين في القرآن إلى أسمائه التي سماه الله بها تكن من المهتدين: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ
[الأعراف 180] ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين؛ جعلنا الله وإياك من الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
[الأنبياء 49] . وكتب بشر أيضا إلى منصور يسأله عن قول الله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
[طه 5] كيف استوى؟ فكتب إليه منصور:
استواؤه غير محدود، والجواب فيه تكلف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والايمان بجملة ذلك واجب، قَالَ الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
[آل عمران 7] وحده. ثم استأنف الكلام فقال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ
[آل عمران 7] فنسبهم إلى الرسوخ في العلم بان قالوا لما تشابه منه عليهم:
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا
[آل عمران 7] فهؤلاء هم الذين أغناهم الرسوخ في
العلم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب، بما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب. فمدح اعترافهم بالعجز عن تأول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم رسوخا في العلم. فانته رحمك الله من العلم إلى حيث انتهي بك إليه، ولا تجاوز ذلك إلى ما حظر عنك علمه فتكون من المتكلفين وتهلك مع الهالكين، والسلام عليك.
أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا محمّد بن العبّاس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ المرزبان قَالَ: أنشدت لأبي العتاهية في منصور بن عمار:
إن يوم الحساب يوم عسير ... ليس للظالمين فيه مجير
فاتخذ عدة المطلع القبر ... وهول الصراط يا منصور
أَخْبَرَنِي الأزهري، حدّثنا إسماعيل بن سويد، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حَدَّثَنِي علي بن سليم قَالَ: سمعت ابن وشاح المتكلم يقول: قَالَ منصور بن عمار- في- مجلس له وقد فرغ من كلامه- لي: إليكم حاجة، أريد حبة لم يزنها المطففون، ولم تخرج من أكياس المرابين. ولم تجر عليها أحكام الظالمين، قالوا ما عندنا هذه.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أحمد بن عمرو بن البراء، حَدَّثَنَا أحمد بن عمرو الضرير قَالَ: قَالَ منصور بن عمار.
وأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم الْخَفَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا رواد وكرموت ابنا جراح بن صفوة بن صالح قالا: حَدَّثَنَا حفص بن عمر بن الخليل الحافظ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي- بالري- قَالَ: سمعت إبراهيم بن منصور بن عمار قَالَ: سمعت أبي يقول: قَالَ لي رجل بالشام: يا أبا السري، عندنا رجل من العباد من أهل واسط العراق، رجل لا يأكل إلا من كد يديه، وقد دبرت من سف الخوص والاعتمال صفحة يديه، ولو رأيته لوقذك النظر إليه فهل لك أن تمضي بنا إليه؟
قَالَ: قلت: نعم! فأتيناه فدققنا عليه بابه فخرج إلى الباب، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عما أتلذذ به من مناجاتك، ثم فتح الباب فدخلنا، وإذا رجل يرى به الآخرة، وإذا قبر محفور، ووصية قد كتبها في الحائط، وكساؤه قد أعدت لكفنه، فقلت: أي موقف لهذا الخلق؟ قَالَ: بين يدي من؟ قَالَ فصاح وخر بوجهه ثم أفاق من غشيته، فقال له صاحبي: يا أبا عباد هذا أبو السري منصور بن
عمار، فقال لي: مرحبا يا أخي ما زلت إليك مشتاقا، قَالَ وأراه صافحني، أعلمك أن بي داء قد أعيى المتطببين قبلك قديما فهل لك أن تتأتى له برفقك وتلصق عليه بعض مراهمك، لعل الله أن ينفع بك؟ قَالَ: قلت: وكيف يعالج مثلي مثلك، وجرحي أثقل من جرحك؟ قَالَ: فقال: وإن كان ذاك كذلك. فاني مشتاق منك إلى ذلك قَالَ: قلت أما إذ أبيت فلئن كنت تمسكت باحتفار قبرك في بيتك وبوصية رسمتها بعد وفاتك، وبكفن أعددته ليوم منيتك، فإن لله عبادا اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قَالَ:
فصاح صيحة ووقع في قبره، وجعل يفحص رجليه وبال، قَالَ: فعرفت بالبول ذهاب عقله، فخرجت إلى طحان على بابه فقلت: ادخل فأعنا على هذا الشيخ، فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته، فقال لي الطحان: ويحك ما أردت إلى ما صنعت بهذا الشيخ، والله لا يغفر الله لك ما صنعت. فخرجت وتركته صريع فترته. فلما كان الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه، وإذا بشريط قد شد به رأسه لصداع وجده. فلما رآني قَالَ: يا أبا السري المعاودة، قَالَ: قلت يكون من ذلك ما قدر. وخرجت وتركته. هذا آخر حديث ابن رزق، وسياق الخبر له. وَقَالَ الخفاف: ثم قَالَ لي المعاودة يرحمك الله، فقلت له فأين بلغت أيها المتعبد من أحزانك، وهل بلغ الخوف ليلة من منامك؟ فتالله لكأني أنظر إلى آكل الفطير، والصابر على خبز الشعير، يأكل ما اشتهى، وسعى عليه بلحم طير، وسقي من الرحيق المختوم، قَالَ: فشهق شهقة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا.
أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن محمّد الأصبهانيّ- إجازة- أخبرنا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بْنِ أحمد بن إسحاق الحافظ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن الْمُؤَمِّلِ الصّيرفيّ- ببغداد- حَدَّثَنَا إسحاق بن أحمد بن سلمان المؤدب قَالَ: حَدَّثَنِي أبو جعفر محمد الصفار قَالَ: رأيت منصور بن عمار في منامي، فقلت له: يا منصور بن عمار ما صنع بك ربك؟ قَالَ: لا تقل ما صنع بك ربك، ولكن قل يا منصور كيف نجوت.
قَالَ: لقيت ربي فقال لي يا منصور أصبت فيك تخليطا كثيرا غير أني وجدتك تحببني إلى خلفي، يا منصور قل لبشر بن الحارث لو سجدت لي على الجمر ما أديت شكري! وأخبر بشر بذلك فبكى بشر ثم قَالَ: وكيف أؤدي شكر ربي.
أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن عبد الله المعدل قال: أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا، حدثني أبو عبد الله التّميميّ، حدثني محمّد
ابن مفضل قَالَ: رأيت منصور بن عمار في المنام، فقلت: يا أبا السري ما فعل بك ربك؟ قَالَ: خيرا، قلت: بماذا؟ قَالَ: قال لي بما كنت تحببني إلى عبادي.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن بطة العكبري- بها- قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن جعفر التستري قَالَ: سمعت أبا الحسن علي بن الحسن الواعظ يقول: سمعت أبا بكر الصيدلاني- بجرجان- يقول: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ يَقُولُ: رأيت أبي منصورا في المنام. فقلت: ما فعل بك ربك؟ فقال: إن الرب تعالى قربني وأدناني وَقَالَ لي يا شيخ السوء تدري لم غفرت لك؟ قَالَ: قلت لا يا إلهي، قَالَ: إنك جلست للناس يوما مجلسا فبكيتهم؟ فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط، فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له، ووهبتك فيمن وهبت له.
قَالَ لي محمد بن علي بن مخلد الوراق: رأيت قبر منصور بن عمار بباب حرب وعليه لوح منقوش فيه اسمه، وإلى جانبه قبر ابنه سليم.