محمد بن المبارك أبو عبد الله الصوري
حدث بدمشق عن الفضل بن سعيد الأزرق؛ قال: أتيت راهباً في جبل الأسود فناديته فأشرف علي فقلت له: يا راهب؛ بأي شيء تستخرج الأحزان؟ قال: بطول الانفراد، وتذكر الذنوب، وأخبرك أني ما رأيت شيئاً أجلب لدواعي الحزن من أوكارها من الوحدة؛ قال: فقلت له: وما ترى في المكتسب؟ قال: ذاك زاد المتقين؛ قال: قلت: إنما أعني الطلب؛ قال: وأنا أيضاً أعني الطلب؛ قال: قلت: الرجل يلزم سوقاً من الأسواق ويكتسب الشيء يعود به على نفسه؛ قال: من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال: قلت: من أمر الدنيا، قال: ذلك شيء قد كفيه الصديقون، وهل ينبغي للمتقي أن يتشاغل عن الله عز وجل بشيءٍ؟.
قال الفضل: فلقيت رشد بن سعد فحدثته حديث الراهب، فقال: صدق، قرأت في كتب الحكمة: لا ينبغي للصديق أن يكون صاحب حانوتٍ.
قال محمد بن المبارك: حدثني علي بن محمد النصري قال: انتهيت إلى راهبٍ في صومعته فناديته: يا راهب متى ترحل الدنيا من القلب؟ فصاح صيحةً خر مغشياً عليه، فارتقبته حتى أحسست إفاقته فقلت: يا راهب أجبني؛ قال: وسألتني عن شيء؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قال: قلت لك: متى ترحل الدنيا عن القلب؟ فصاح صيحة أكبر من ذلك، وغشي عليه أكثر من تلك، فلما أفاق قلت له: يا راهب أنا منذ اليوم منتظرك؛ قال: يا هذا وسألتني عن شيءٍ؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قلت: متى ترحل الدنيا من القلب؟ قال: يا هذا والله لا ترحل الدنيا أبداً من القلب، والعين تنظر إلى أهلها، والأذن تسمع كلامهم، وهو والله ما أقول لك، حتى يأوي مريد الله إلى أكناف الجبال وبطون الغيران مع الوحش، يرد مواردها ويرعى مراعيها، لا يرى أن النعمة على أحدٍ أسبغ منها عليه، وكيف وأنى له بالنجاة والتخلص وقد بقيت بين يديه عقبةٌ صعودٌ كدودٌ؟ قال: قلت: وما هي؟ قال: إبليس متصدياً على باب الله يريد أن يقطع ظهره بالغلبة حتى يقف من الله مواقف العابدين.
قال محمد بن المبارك: حدثني إسماعيل بن زياد قال: قدم علينا راهب ونحن بعبادان وكان من الشام، فنزل دير ابن أبي كبشة فذكر لي من حسن كلامه ما شوقني إلى لقائه، فأتيته وحوله أناسٌ، وهو يقول: إن لله عباداً سمت بهم هممهم نحو عظيم الذخائر، فاحتقروا ما دون ذلك من الأخطار والتمسوا من فضل سيدهم توفيقاً يبلغهم، فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريبٍ أن تأخذوا ببعض هيئتهم فإنهم قومٌ ملأت الآخرة قلوبهم، فلم تجد الدنيا فيها مكيداً؛ فالحزن بثهم، والدموع راحتهم، والإشفاق سبيلهم، وحسن الظن بالله قربانهم، يحزنون لطول المكث في الدنيا، إذا فرح أهلها فهم مسجونون، وإلى الآخرة متطلعون؛ قال: فما سمعت موعظةً كانت أخف لقلبي منها.
حدث محمد بن المبارك، بسنده إلى عبد الواحد بن زيد، قال:
نزلنا على راهبٍ بعبادان فأحسن قرانا، فلما هدأت العيون وثب فأخرج مصباحاً فعلقه تجاه القبلة، ثم قام يبكي وينادي: سيدي لك ترهب المترهبون، وإليك أخلص المبتهلون، رهبةً منك ورجاءً لعفوك فيا إله الحق ارحم دعاء المستصرخين، واعف عن جرائم الغافلين، وزد في إحسان المنيبين يوم الوفود عليك، رحمتك يا كريم؛ فلم يزل كذلك حتى أصبح.
وحدث محمد بن المبارك، بسنده إلى يزيد الحميري، قال: ما لقيني حسان الزاهد قط إلا قال لي: يا يزيد احذر لا تطفئ المصباح من بيتك فيدخل عليك اللصوص فيحزنوك؛ قلت ليزيد: ما أراد بذلك حسان؟ قال: أراد أن لا تخل قلبك من ذكر الله فيدخل عليك الشيطان فيفسد عليك أمر دينك.
حدث بدمشق عن الفضل بن سعيد الأزرق؛ قال: أتيت راهباً في جبل الأسود فناديته فأشرف علي فقلت له: يا راهب؛ بأي شيء تستخرج الأحزان؟ قال: بطول الانفراد، وتذكر الذنوب، وأخبرك أني ما رأيت شيئاً أجلب لدواعي الحزن من أوكارها من الوحدة؛ قال: فقلت له: وما ترى في المكتسب؟ قال: ذاك زاد المتقين؛ قال: قلت: إنما أعني الطلب؛ قال: وأنا أيضاً أعني الطلب؛ قال: قلت: الرجل يلزم سوقاً من الأسواق ويكتسب الشيء يعود به على نفسه؛ قال: من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال: قلت: من أمر الدنيا، قال: ذلك شيء قد كفيه الصديقون، وهل ينبغي للمتقي أن يتشاغل عن الله عز وجل بشيءٍ؟.
قال الفضل: فلقيت رشد بن سعد فحدثته حديث الراهب، فقال: صدق، قرأت في كتب الحكمة: لا ينبغي للصديق أن يكون صاحب حانوتٍ.
قال محمد بن المبارك: حدثني علي بن محمد النصري قال: انتهيت إلى راهبٍ في صومعته فناديته: يا راهب متى ترحل الدنيا من القلب؟ فصاح صيحةً خر مغشياً عليه، فارتقبته حتى أحسست إفاقته فقلت: يا راهب أجبني؛ قال: وسألتني عن شيء؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قال: قلت لك: متى ترحل الدنيا عن القلب؟ فصاح صيحة أكبر من ذلك، وغشي عليه أكثر من تلك، فلما أفاق قلت له: يا راهب أنا منذ اليوم منتظرك؛ قال: يا هذا وسألتني عن شيءٍ؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قلت: متى ترحل الدنيا من القلب؟ قال: يا هذا والله لا ترحل الدنيا أبداً من القلب، والعين تنظر إلى أهلها، والأذن تسمع كلامهم، وهو والله ما أقول لك، حتى يأوي مريد الله إلى أكناف الجبال وبطون الغيران مع الوحش، يرد مواردها ويرعى مراعيها، لا يرى أن النعمة على أحدٍ أسبغ منها عليه، وكيف وأنى له بالنجاة والتخلص وقد بقيت بين يديه عقبةٌ صعودٌ كدودٌ؟ قال: قلت: وما هي؟ قال: إبليس متصدياً على باب الله يريد أن يقطع ظهره بالغلبة حتى يقف من الله مواقف العابدين.
قال محمد بن المبارك: حدثني إسماعيل بن زياد قال: قدم علينا راهب ونحن بعبادان وكان من الشام، فنزل دير ابن أبي كبشة فذكر لي من حسن كلامه ما شوقني إلى لقائه، فأتيته وحوله أناسٌ، وهو يقول: إن لله عباداً سمت بهم هممهم نحو عظيم الذخائر، فاحتقروا ما دون ذلك من الأخطار والتمسوا من فضل سيدهم توفيقاً يبلغهم، فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريبٍ أن تأخذوا ببعض هيئتهم فإنهم قومٌ ملأت الآخرة قلوبهم، فلم تجد الدنيا فيها مكيداً؛ فالحزن بثهم، والدموع راحتهم، والإشفاق سبيلهم، وحسن الظن بالله قربانهم، يحزنون لطول المكث في الدنيا، إذا فرح أهلها فهم مسجونون، وإلى الآخرة متطلعون؛ قال: فما سمعت موعظةً كانت أخف لقلبي منها.
حدث محمد بن المبارك، بسنده إلى عبد الواحد بن زيد، قال:
نزلنا على راهبٍ بعبادان فأحسن قرانا، فلما هدأت العيون وثب فأخرج مصباحاً فعلقه تجاه القبلة، ثم قام يبكي وينادي: سيدي لك ترهب المترهبون، وإليك أخلص المبتهلون، رهبةً منك ورجاءً لعفوك فيا إله الحق ارحم دعاء المستصرخين، واعف عن جرائم الغافلين، وزد في إحسان المنيبين يوم الوفود عليك، رحمتك يا كريم؛ فلم يزل كذلك حتى أصبح.
وحدث محمد بن المبارك، بسنده إلى يزيد الحميري، قال: ما لقيني حسان الزاهد قط إلا قال لي: يا يزيد احذر لا تطفئ المصباح من بيتك فيدخل عليك اللصوص فيحزنوك؛ قلت ليزيد: ما أراد بذلك حسان؟ قال: أراد أن لا تخل قلبك من ذكر الله فيدخل عليك الشيطان فيفسد عليك أمر دينك.