محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس
أبو الحسين البغدادي الواعظ الصوفي، المعروف بابن سمعون روى عن أبي بكر أحمد بن سليمان الكندي بسنده عن عائشة قالت: من حدثك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال قائماً فلا تصدقه، ما بال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً منذ أنزل عليه الفرقان.
قال أبو عبد الرحمن السلمي في " تاريخ الصوفية ": أبو الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الذي هو لسان الوقت، والمعبر عن الأحوال بألطف بيان مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد، وصحبة الفقراء.
قال الخطيب: كان واحد دهره، وفرد عصره في الكلام على علم الخواطر والإشارات، ولسان الوعظ. دون الناس حكمه، وجمعوا كلامه. وكان من بعض شيوخنا إذا حدث عنه قال: حدثنا الشيخ الجليل المنطق بالحكمة أبو الحسين بن سمعون.
قال ابن ماكولا: سمعون - بسين مهملة - وقال الأزجي: قال لي ابن سمعون: إسماعيل جدي كسر اسمه، فقيل سمعون.
قال أبو بكر الأصبهاني - وكان خادم الشبلي: كنت بين يدي الشبلي في الجامع يوم الجمعة، فدخل أبو الحسين بن سمعون، وهو صبي، وعلى رأسه قلنسوة بشفاشك مطلس بفوطة، فجاز علينا وما سلم، فنظر الشبلي إلى ظهره وقال: يا أبا بكر، تدري إيش لله في هذا الفتى من الذخائر؟!
كان ابن سمعون في أول عمره ينسخ بالأجرة ويعود بأجرة نسخه على نفسه وعلى أمه، وكان كثير البر لها. فجلس يوماً ينسخ، وهي جالسة بقربه، فقال لها: أحب أن أحج، قالت له: يا ولدي، كيف يمكنك الحج وما معك نفقة، ولا لي ما أنفقه، إنما عيشنا من أجرة هذا النسخ. وغلب عليها النوم، فنامت، وانتبهت بعد ساعة، وقالت بل ولدي حج، فقال لها: منعت قبل النوم وأذنت بعده! قالت: رأيت الساعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: دعيه يحج، فإن الخير له في حجه في الآخرة والأولى. ففرح، وباع من دفاتره ما له قيمة، ودفع إليها من ثمنها نفقة لها، وخرج مع الحجاج. وأخذ العرب الحجاج، وأخذوه في الجملة.
قال ابن سمعون: فبقيت عريان، ووجدت مع رجل عباءة كانت على عدل، فقلت له: هب لي هذه
العباءة أستر نفسي بها، فقال: خذها. فجعلت نصفها على كتفي، ونصفها على وسطي. وكان عليها مكتوب: يا رب سلم وبلغ برحمتك، يا أرحم الراحمين. وكنت إذا غلب علي الجوع، ووجدت قوماً يأكلون وقفت أنظر إليهم، فيدفعون لي الكسرة، فأقتنع بها ذلك اليوم. ووصلت إلى مكة، فغسلت العباءة، وأحرمت بها، وسألت أحد بني شيب أن يدخلني البيت، وعرفته فقري، فأدخلني بعد خروج الناس، وغلق الباب، فقلت: اللهم إنك بعلمك غني عن إعلامي بحالي، اللهم ارزقني معيشة أستغني بها عن سؤال الناس. فسمعت قائلاً يقول من ورائي: اللهم إنه ما يحسن أن يدعوك، اللهم ارزقه عيشاً بلا معيشة. فالتفت، فلم أر أحداً، فقلت هذا الخضر، أو أحد الملائكة. فأعدت القول، فأعاد الدعاء، فأعدت، فأعاد ثلاث مرات. وعدت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية من جواريه، وأراد إخراجها من الدار، فكره ذلك إشفاقاً عليها، فقال: اطلبوا رجلاً مستوراً يصلح أن يزوج هذه الجارية، فقال: من حضر: وصل ابن سمعون من الحج، وهو يصلح لها، فاستصوب الخليفة قوله، وتقدم بإحضاره وحضور الشهود، فأحضروا، وزوج الجارية، ونقل معها من المال والثياب والجواهر ما يحمل الملوك. فكان ابن سمعون يجلس على الكرسي للوعظ، فيقول: أيها الناس، خرجت حاجاً، فكان من حالي كذا وكذا، ويشرح حاله جميعها، وها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون.
قال الحسن بن محمد الخلال: قال لي أبو الحسين بن سمعون: ما اسمك؟ فقلت: حسن، فقال: قد أعطاك الله الاسم، فسله أن يعطيك المعنى.
وقال ابن سمعون: رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة، فاستحالت ديانة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت محمد بن أحمد بن سمعون - وكان سئل عن الرضا: الرضا بالحق، والرضا عنه، والرضا له فقال -: الرضا به مدبراً مختاراً، والرضا عنه قاسماً ومعطياً، والرضا له إلهاً ورباً.
وسأله رجل عن التصوف؟ فقال: إن له اسماً وحقيقة، فعن أيهما تسأل؟ فقال: عنهما جميعاً. فقال: أما اسمه فنسيان الدنيا، ونسيان أهلها، وأما حقيقته فالمداراة مع الخلق، واحتمال الأذى منهم من جهة الحق.
قال أبو بكر محمد بن محمد الطاهري: سمعت أبا الحسين ين سمعون يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاصداً بيت المقدس، وحمل في صحبته تمراً صيحانياً، فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه، ثم طالبته نفسه بأكل الرطب، فأقبل عليها باللائمة، وقال: من أين لنا في هذا الموضع رطب!؟ فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطباً صيحانياً، فلم يأكل منه شيئاً. ثم عاد إليه من الغد عشية فوجده تمراً على حالته الأولى، فأكل منه.
قال أبو طاهر محمد بن علي العلاف: حضرت أبا الحسين بن سمعون يوماً في مجلس الوعظ، وهو جالس على كرسيه يتكلم. وكان أبو الفتح القواس جالساً إلى جنب الكرسي، فغشيه النعاس، ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح، ورفع رأسه، فقال له أبو الحسين: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومك؟ قال: نعم، قال أبو الحسين: لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج، وتنقطع عما كنت فيه.
حكى دجى مولى الطائع لله قال:
أمرني الطائع لله بأن أوجه إلى ابن سمعون، فأحضره دار الخلافة، ورأيت الطائع على صفة من الغضب، وكان يتقى في تلك الحال؛ لأنه كان ذا حدة، فبعثت إلى ابن سمعون وأنا مشغول القلب لأجله، فلما حضر أعلمت الطائع حضوره فجلس مجلسه، وأذن له في الدخول، فدخل، وسلم عليه بالخلافة، ثم أخذ في وعظه، فأول ما ابتدأ به أن
قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - وذكر خبراً وأحاديث بعده - ثم قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وذكر عنه خبراً. ولم يزل يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع، وسمع شهيقه، وابتل منديل بين يديه بدموعه، فأمسك ابن سمعون حينئذ. ودفع إلي الطائع درجاً فيه طيب وغيره، فدفعته إليه، فانصرف. وعدت إلى حضرة الطائع، فقلت: يا مولاي، رأيتك على صفة من شدة الغضب على ابن سمعون، ثم انتقلت عن تلك الصفة عند حضوره، فما السبب؟ فقال: رفع إلي عنه أنه ينتقص علي بن أبي طالب، فأحببت أن أتيقن ذلك لأقابله عليه إن صح ذلك منه، فلما حضر بين يدي افتتح كلامه بذكر علي بن أبي طالب والصلاة عليه، فعلمت أنه وفق لما تزول به الظنة، ويبرئ ساحته عندي، ولعله كوشف بذلك.
توفي أبو الحسين بن سمعون سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
أبو الحسين البغدادي الواعظ الصوفي، المعروف بابن سمعون روى عن أبي بكر أحمد بن سليمان الكندي بسنده عن عائشة قالت: من حدثك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال قائماً فلا تصدقه، ما بال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً منذ أنزل عليه الفرقان.
قال أبو عبد الرحمن السلمي في " تاريخ الصوفية ": أبو الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الذي هو لسان الوقت، والمعبر عن الأحوال بألطف بيان مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد، وصحبة الفقراء.
قال الخطيب: كان واحد دهره، وفرد عصره في الكلام على علم الخواطر والإشارات، ولسان الوعظ. دون الناس حكمه، وجمعوا كلامه. وكان من بعض شيوخنا إذا حدث عنه قال: حدثنا الشيخ الجليل المنطق بالحكمة أبو الحسين بن سمعون.
قال ابن ماكولا: سمعون - بسين مهملة - وقال الأزجي: قال لي ابن سمعون: إسماعيل جدي كسر اسمه، فقيل سمعون.
قال أبو بكر الأصبهاني - وكان خادم الشبلي: كنت بين يدي الشبلي في الجامع يوم الجمعة، فدخل أبو الحسين بن سمعون، وهو صبي، وعلى رأسه قلنسوة بشفاشك مطلس بفوطة، فجاز علينا وما سلم، فنظر الشبلي إلى ظهره وقال: يا أبا بكر، تدري إيش لله في هذا الفتى من الذخائر؟!
كان ابن سمعون في أول عمره ينسخ بالأجرة ويعود بأجرة نسخه على نفسه وعلى أمه، وكان كثير البر لها. فجلس يوماً ينسخ، وهي جالسة بقربه، فقال لها: أحب أن أحج، قالت له: يا ولدي، كيف يمكنك الحج وما معك نفقة، ولا لي ما أنفقه، إنما عيشنا من أجرة هذا النسخ. وغلب عليها النوم، فنامت، وانتبهت بعد ساعة، وقالت بل ولدي حج، فقال لها: منعت قبل النوم وأذنت بعده! قالت: رأيت الساعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: دعيه يحج، فإن الخير له في حجه في الآخرة والأولى. ففرح، وباع من دفاتره ما له قيمة، ودفع إليها من ثمنها نفقة لها، وخرج مع الحجاج. وأخذ العرب الحجاج، وأخذوه في الجملة.
قال ابن سمعون: فبقيت عريان، ووجدت مع رجل عباءة كانت على عدل، فقلت له: هب لي هذه
العباءة أستر نفسي بها، فقال: خذها. فجعلت نصفها على كتفي، ونصفها على وسطي. وكان عليها مكتوب: يا رب سلم وبلغ برحمتك، يا أرحم الراحمين. وكنت إذا غلب علي الجوع، ووجدت قوماً يأكلون وقفت أنظر إليهم، فيدفعون لي الكسرة، فأقتنع بها ذلك اليوم. ووصلت إلى مكة، فغسلت العباءة، وأحرمت بها، وسألت أحد بني شيب أن يدخلني البيت، وعرفته فقري، فأدخلني بعد خروج الناس، وغلق الباب، فقلت: اللهم إنك بعلمك غني عن إعلامي بحالي، اللهم ارزقني معيشة أستغني بها عن سؤال الناس. فسمعت قائلاً يقول من ورائي: اللهم إنه ما يحسن أن يدعوك، اللهم ارزقه عيشاً بلا معيشة. فالتفت، فلم أر أحداً، فقلت هذا الخضر، أو أحد الملائكة. فأعدت القول، فأعاد الدعاء، فأعدت، فأعاد ثلاث مرات. وعدت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية من جواريه، وأراد إخراجها من الدار، فكره ذلك إشفاقاً عليها، فقال: اطلبوا رجلاً مستوراً يصلح أن يزوج هذه الجارية، فقال: من حضر: وصل ابن سمعون من الحج، وهو يصلح لها، فاستصوب الخليفة قوله، وتقدم بإحضاره وحضور الشهود، فأحضروا، وزوج الجارية، ونقل معها من المال والثياب والجواهر ما يحمل الملوك. فكان ابن سمعون يجلس على الكرسي للوعظ، فيقول: أيها الناس، خرجت حاجاً، فكان من حالي كذا وكذا، ويشرح حاله جميعها، وها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون.
قال الحسن بن محمد الخلال: قال لي أبو الحسين بن سمعون: ما اسمك؟ فقلت: حسن، فقال: قد أعطاك الله الاسم، فسله أن يعطيك المعنى.
وقال ابن سمعون: رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة، فاستحالت ديانة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت محمد بن أحمد بن سمعون - وكان سئل عن الرضا: الرضا بالحق، والرضا عنه، والرضا له فقال -: الرضا به مدبراً مختاراً، والرضا عنه قاسماً ومعطياً، والرضا له إلهاً ورباً.
وسأله رجل عن التصوف؟ فقال: إن له اسماً وحقيقة، فعن أيهما تسأل؟ فقال: عنهما جميعاً. فقال: أما اسمه فنسيان الدنيا، ونسيان أهلها، وأما حقيقته فالمداراة مع الخلق، واحتمال الأذى منهم من جهة الحق.
قال أبو بكر محمد بن محمد الطاهري: سمعت أبا الحسين ين سمعون يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاصداً بيت المقدس، وحمل في صحبته تمراً صيحانياً، فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه، ثم طالبته نفسه بأكل الرطب، فأقبل عليها باللائمة، وقال: من أين لنا في هذا الموضع رطب!؟ فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطباً صيحانياً، فلم يأكل منه شيئاً. ثم عاد إليه من الغد عشية فوجده تمراً على حالته الأولى، فأكل منه.
قال أبو طاهر محمد بن علي العلاف: حضرت أبا الحسين بن سمعون يوماً في مجلس الوعظ، وهو جالس على كرسيه يتكلم. وكان أبو الفتح القواس جالساً إلى جنب الكرسي، فغشيه النعاس، ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح، ورفع رأسه، فقال له أبو الحسين: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومك؟ قال: نعم، قال أبو الحسين: لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج، وتنقطع عما كنت فيه.
حكى دجى مولى الطائع لله قال:
أمرني الطائع لله بأن أوجه إلى ابن سمعون، فأحضره دار الخلافة، ورأيت الطائع على صفة من الغضب، وكان يتقى في تلك الحال؛ لأنه كان ذا حدة، فبعثت إلى ابن سمعون وأنا مشغول القلب لأجله، فلما حضر أعلمت الطائع حضوره فجلس مجلسه، وأذن له في الدخول، فدخل، وسلم عليه بالخلافة، ثم أخذ في وعظه، فأول ما ابتدأ به أن
قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - وذكر خبراً وأحاديث بعده - ثم قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وذكر عنه خبراً. ولم يزل يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع، وسمع شهيقه، وابتل منديل بين يديه بدموعه، فأمسك ابن سمعون حينئذ. ودفع إلي الطائع درجاً فيه طيب وغيره، فدفعته إليه، فانصرف. وعدت إلى حضرة الطائع، فقلت: يا مولاي، رأيتك على صفة من شدة الغضب على ابن سمعون، ثم انتقلت عن تلك الصفة عند حضوره، فما السبب؟ فقال: رفع إلي عنه أنه ينتقص علي بن أبي طالب، فأحببت أن أتيقن ذلك لأقابله عليه إن صح ذلك منه، فلما حضر بين يدي افتتح كلامه بذكر علي بن أبي طالب والصلاة عليه، فعلمت أنه وفق لما تزول به الظنة، ويبرئ ساحته عندي، ولعله كوشف بذلك.
توفي أبو الحسين بن سمعون سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.