كَعْبُ الأَحْبَارِ كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ
هُوَ: كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، العَلاَّمَةُ، الحَبْرُ، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً، فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَ حَسَنَ الإِسْلاَمِ،
مَتِيْنَ الدّيَانَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ.حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَصُهَيْبٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ، وَهُوَ نَادِرٌ عَزِيزٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، وَتُبَيْعٌ الحِمْيَرِيُّ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلاَّمٍ الأَسْوَدُ.
وَرَوَى عَنْهُ: عِدَّةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ؛ كَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ، مُرْسَلاً.
وَكَانَ خَبِيْراً بِكُتُبِ اليَهُوْدِ، لَهُ ذَوْقٌ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيحِهَا مِنْ بَاطِلِهَا فِي الجُمْلَةِ.
وَقَعَ لَهُ رِوَايَةٌ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (التِّرْمِذِيِّ) ، وَ (النَّسَائِيِّ ) .
سَكَنَ بِالشَّامِ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ يَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ.
رَوَى: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: لأَنْ أَبْكِي مِنْ خَشْيَةٍ،
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِوَزْنِي ذَهَباً.تُوُفِّيَ كَعْبٌ بِحِمْصَ، ذَاهِباً لِلْغَزْوِ، فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبَابِ مُطَرِّفُ بنُ مَالِكٍ القُشَيْرِيُّ، أَحَدُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ تُسْتَرَ.
فَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي الرَّبَابِ، قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - نَعُوْدُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيْرٌ، وَكُنْتُ أَحَدَ خَمْسَةٍ وَلُوا قَبْضَ السُّوْسِ.
فَأَتَانِي رَجُلٌ بِكِتَابٍ، فَقَالَ: بِيْعُوْنِيْهِ، فَإِنَّهُ كِتَابُ اللهِ، أُحْسِنُ أَقْرَؤُهُ وَلاَ تُحْسِنُوْنَ.
فَنَزَعْنَا دُفَّتَيْهِ، فَأَخَذَهُ بِدِرْهَمَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، خَرَجْنَا إِلَى الشَّامِ، وَصَحِبَنَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَؤُهُ، وَيَبْكِي، فَقُلْتُ:
مَا أَشْبَهَ هَذَا المُصْحَفَ بِمُصْحَفٍ شَأْنُهُ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ.
قُلْتُ: فَأَيْنَ تُرِيْدُ؟
قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامَ أَوَّلَ، فَأَتَيْتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَهَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ.
قُلْتُ: فَأَنَا مَعَكَ.
فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ كَعْبٍ، فَجَاءَ عِشْرُوْنَ مِنَ اليَهُوْدِ، فِيْهِم شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ بِحَرِيْرَةٍ، فَقَالُوا: أَوْسِعُوا أَوْسِعُوا.
فَأَوْسَعُوا، وَرَكِبْنَا أَعْنَاقَهُم، فَتَكَلَّمُوا.
فَقَالَ كَعْبٌ: يَا نُعَيْمُ! أَتُجِيْبُ هَؤُلاَءِ، أَوْ أُجِيْبُهُم؟
قَالَ: دَعُوْنِي حَتَّى أُفَقِّهَ هَؤُلاَءِ مَا قَالُوا، إِنَّ هَؤُلاَءِ أَثْنَوْا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا خَيراً، ثُمَّ قَلَبُوا أَلْسِنَتَهُم، فَزَعَمُوا أَنَّا بِعْنَا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، هَلُمَّ فَلنُوَاثِقْكُم، فَإِنْ جِئْتُم بِأَهْدَى مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ، اتَّبَعنَاكُم، وَإِلاَّ فَاتَّبِعُوْنَا إِنْ جِئْنَا بِأَهْدَى مِنْهُ.
قَالَ: فَتَوَاثَقُوا.
فَقَالَ كَعْبٌ: أَرْسِلْ إِلَيَّ ذَلِكَ المُصْحَفَ.
فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا بَيْنَنَا؟
قَالُوا: نَعَمْ، لاَ يُحْسِنُ أَحَدٌ أَنْ يَكْتُبَ مِثْلَهُ
اليَوْمَ.فَدَفَعَ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم، فَقَرَأَ كَأَسْرَعِ قَارِئٍ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهُ، نَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ كَالرَّجُلِ يُؤذِنُ صَاحِبَهُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يه.
فَنَبَذَهُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: آهُ.
وَأَخَذَهُ، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى آيَةٍ مِنْهُ، فَخَرُّوا سُجَّداً، وَبَقِيَ الشَّيْخُ يَبْكِي.
قِيْلَ: وَمَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: وَمَا لِي لاَ أَبْكِي، رَجُلٌ عَمِلَ فِي الضَّلاَلَةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَلَمْ أَعْرِفِ الإِسْلاَمَ حَتَّى كَانَ اليَوْمَ.
وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
أَصَبْنَا دَانِيَالَ بِالسُّوسِ، فِي لَحْدٍ مِنْ صُفْرٍ، وَكَانَ أَهْلُ السُّوسِ إِذَا أَسْنَتُوا، اسْتَخْرَجُوهُ، فَاسْتَسْقَوْا بِهِ؛ وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْطَتَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ وَسِتِّيْنَ جَرَّةً مَخْتُوْمَةً، فَفَتَحْنَا وَاحِدَةً، فَإِذَا فِيْهَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْعَةً فِيْهَا كِتَابٌ، وَكَانَ مَعَنَا أَجِيْرٌ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمٌ، فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ حُرْقُوْصٌ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوْسَى الرَّبْطَتَيْنِ، وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ إِنَّهُ طَلَبَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّبْطَتَيْنِ، فَأَبَى، فَشَققَهَا عَمَائِمَ، وَكَتَبَ أَبُو مُوْسَى فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَعَا أَنْ لاَ يَرِثَهُ إِلاَّ المُسْلِمُوْنَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ، وَادْفِنْهُ.
قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا فَرْقَدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيْمَةَ:
أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ جَاءَ: أَنِ اغْسِلْهُ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيْثِ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
فَبَدَا لِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطَّرِيْقِ، إِذَا أَنَا بِرَاكِبٍ شَبَّهْتُهُ بِذَلِكَ الأَجِيْرِ
النَّصْرَانِيِّ، فَقُلْتُ: نُعَيْمُ؟قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: مَا فَعَلْتَ بِنَصْرَانِيَّتِكَ؟
قَالَ: تَحَنَّفْتُ بَعْدَكَ.
ثُمَّ أَتَيْنَا دِمَشْقَ، فَلَقِيْتُ كَعْباً، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُم بَيْتَ المَقْدِسِ، فَاجْعَلُوا الصَّخْرَةَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ القِبْلَةِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا ثَلاَثَتُنَا حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ.
فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِكَعْبٍ: أَلاَ تُعْدِنِي عَلَى أَخِيْكَ؟ يَقُوْمُ اللَّيْلَ وَيَصُوْمُ النَّهَارَ.
قَالَ: فَجَعَلَ لَهَا مِنْ كُلِّ ثَلاَثِ لَيَالٍ لَيْلَةً.
ثُمَّ أَتَيْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَمِعَتْ يَهُوْدُ بِنُعَيْمٍ وَكَعْبٍ، فَاجْتَمَعُوا.
فَقَالَ كَعْبٌ: هَذَا كِتَابٌ قَدِيْمٌ، وَإِنَّهُ بِلُغَتِكُمْ، فَاقْرَؤُوهُ.
فَقَرَأَهُ قَارِئُهُم حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيْناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ) [آلُ عِمْرَانَ: 85] .
فَأَسْلَمَ مِنْهُم اثْنَانِ وَأَرْبَعُوْنَ حَبْراً، فَفَرَضَ لَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَعْطَاهُم.
ثُمَّ قَالَ هَمَّامٌ: وَحَدَّثَنِي بِسْطَامُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ:
أَنَّهُم تَذَاكَرُوا ذَلِكَ الكِتَابَ، فَمَرَّ بِهِم شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، فَقَالَ: عَلَى الخَبِيْرِ سَقَطْتُم؛ إِنَّ كَعْباً لَمَّا احتُضِرَ، قَالَ: أَلاَ رَجُلٌ أَأْتَمِنُهُ عَلَى أَمَانَةٍ؟
فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا.
فَدَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الكِتَابَ، وَقَالَ: ارْكَبِ البُحَيْرَةَ، فَإِذَا بَلَغْتَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَاقْذِفْهُ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ كَعْبٍ، فَقَالَ: كِتَابٌ فِيْهِ عِلْمٌ، وَيَمُوْتُ كَعْبٌ لاَ أُفَرِّطُ بِهِ.
فَأَتَى كَعْباً، وَقَالَ: فَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ.
قَالَ: فَمَا رَأَيْتَ؟
قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئاً.
فَعَلِمَ كَذِبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ يُؤَدِّي أَمَانَةً؟
قَالَ رَجُلٌ: أَنَا.
فَرَكِبَ سَفِيْنَةً، فَلَمَّا أَتَى ذَلِكَ المَكَانَ، ذَهَبَ لِيَقْذِفَهُ، فَانْفَرَجَ لَهُ البَحْرُ، حَتَّى رَأَى الأَرْضَ، فَقَذَفَهُ، وَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى،
مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَلَكِنْ خَشِيْتُ أَنْ يُتَّكَلَ عَلَى مَا فِيْهَا، وَلَكِن قُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَقِّنُوْهَا مَوْتَاكُم.هَكَذَا رَوَاهُ: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ.
وَشَهْرٌ لَمْ يَلْحَقْ كَعْباً.
وَهَذَا القَوْلُ مِنْ كَعْبٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِيْكَ النُّسْخَةَ مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ.
فَمَنِ الَّذِي يَسْتَحِلُّ أَنْ يُورِدَ اليَوْمَ مِنَ التَّوْرَاةِ شَيْئاً عَلَى وَجْهِ الاحْتِجَاجِ مُعْتَقِداً أَنَّهَا التَّوْرَاةُ المُنْزَلَةُ؟ كَلاَّ وَاللهِ.
هُوَ: كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، العَلاَّمَةُ، الحَبْرُ، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً، فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَ حَسَنَ الإِسْلاَمِ،
مَتِيْنَ الدّيَانَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ.حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَصُهَيْبٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ، وَهُوَ نَادِرٌ عَزِيزٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، وَتُبَيْعٌ الحِمْيَرِيُّ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلاَّمٍ الأَسْوَدُ.
وَرَوَى عَنْهُ: عِدَّةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ؛ كَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ، مُرْسَلاً.
وَكَانَ خَبِيْراً بِكُتُبِ اليَهُوْدِ، لَهُ ذَوْقٌ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيحِهَا مِنْ بَاطِلِهَا فِي الجُمْلَةِ.
وَقَعَ لَهُ رِوَايَةٌ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (التِّرْمِذِيِّ) ، وَ (النَّسَائِيِّ ) .
سَكَنَ بِالشَّامِ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ يَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ.
رَوَى: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: لأَنْ أَبْكِي مِنْ خَشْيَةٍ،
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِوَزْنِي ذَهَباً.تُوُفِّيَ كَعْبٌ بِحِمْصَ، ذَاهِباً لِلْغَزْوِ، فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبَابِ مُطَرِّفُ بنُ مَالِكٍ القُشَيْرِيُّ، أَحَدُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ تُسْتَرَ.
فَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي الرَّبَابِ، قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - نَعُوْدُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيْرٌ، وَكُنْتُ أَحَدَ خَمْسَةٍ وَلُوا قَبْضَ السُّوْسِ.
فَأَتَانِي رَجُلٌ بِكِتَابٍ، فَقَالَ: بِيْعُوْنِيْهِ، فَإِنَّهُ كِتَابُ اللهِ، أُحْسِنُ أَقْرَؤُهُ وَلاَ تُحْسِنُوْنَ.
فَنَزَعْنَا دُفَّتَيْهِ، فَأَخَذَهُ بِدِرْهَمَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، خَرَجْنَا إِلَى الشَّامِ، وَصَحِبَنَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَؤُهُ، وَيَبْكِي، فَقُلْتُ:
مَا أَشْبَهَ هَذَا المُصْحَفَ بِمُصْحَفٍ شَأْنُهُ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ.
قُلْتُ: فَأَيْنَ تُرِيْدُ؟
قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامَ أَوَّلَ، فَأَتَيْتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَهَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ.
قُلْتُ: فَأَنَا مَعَكَ.
فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ كَعْبٍ، فَجَاءَ عِشْرُوْنَ مِنَ اليَهُوْدِ، فِيْهِم شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ بِحَرِيْرَةٍ، فَقَالُوا: أَوْسِعُوا أَوْسِعُوا.
فَأَوْسَعُوا، وَرَكِبْنَا أَعْنَاقَهُم، فَتَكَلَّمُوا.
فَقَالَ كَعْبٌ: يَا نُعَيْمُ! أَتُجِيْبُ هَؤُلاَءِ، أَوْ أُجِيْبُهُم؟
قَالَ: دَعُوْنِي حَتَّى أُفَقِّهَ هَؤُلاَءِ مَا قَالُوا، إِنَّ هَؤُلاَءِ أَثْنَوْا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا خَيراً، ثُمَّ قَلَبُوا أَلْسِنَتَهُم، فَزَعَمُوا أَنَّا بِعْنَا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، هَلُمَّ فَلنُوَاثِقْكُم، فَإِنْ جِئْتُم بِأَهْدَى مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ، اتَّبَعنَاكُم، وَإِلاَّ فَاتَّبِعُوْنَا إِنْ جِئْنَا بِأَهْدَى مِنْهُ.
قَالَ: فَتَوَاثَقُوا.
فَقَالَ كَعْبٌ: أَرْسِلْ إِلَيَّ ذَلِكَ المُصْحَفَ.
فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا بَيْنَنَا؟
قَالُوا: نَعَمْ، لاَ يُحْسِنُ أَحَدٌ أَنْ يَكْتُبَ مِثْلَهُ
اليَوْمَ.فَدَفَعَ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم، فَقَرَأَ كَأَسْرَعِ قَارِئٍ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهُ، نَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ كَالرَّجُلِ يُؤذِنُ صَاحِبَهُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يه.
فَنَبَذَهُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: آهُ.
وَأَخَذَهُ، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى آيَةٍ مِنْهُ، فَخَرُّوا سُجَّداً، وَبَقِيَ الشَّيْخُ يَبْكِي.
قِيْلَ: وَمَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: وَمَا لِي لاَ أَبْكِي، رَجُلٌ عَمِلَ فِي الضَّلاَلَةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَلَمْ أَعْرِفِ الإِسْلاَمَ حَتَّى كَانَ اليَوْمَ.
وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
أَصَبْنَا دَانِيَالَ بِالسُّوسِ، فِي لَحْدٍ مِنْ صُفْرٍ، وَكَانَ أَهْلُ السُّوسِ إِذَا أَسْنَتُوا، اسْتَخْرَجُوهُ، فَاسْتَسْقَوْا بِهِ؛ وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْطَتَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ وَسِتِّيْنَ جَرَّةً مَخْتُوْمَةً، فَفَتَحْنَا وَاحِدَةً، فَإِذَا فِيْهَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْعَةً فِيْهَا كِتَابٌ، وَكَانَ مَعَنَا أَجِيْرٌ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمٌ، فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ حُرْقُوْصٌ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوْسَى الرَّبْطَتَيْنِ، وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ إِنَّهُ طَلَبَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّبْطَتَيْنِ، فَأَبَى، فَشَققَهَا عَمَائِمَ، وَكَتَبَ أَبُو مُوْسَى فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَعَا أَنْ لاَ يَرِثَهُ إِلاَّ المُسْلِمُوْنَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ، وَادْفِنْهُ.
قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا فَرْقَدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيْمَةَ:
أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ جَاءَ: أَنِ اغْسِلْهُ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيْثِ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
فَبَدَا لِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطَّرِيْقِ، إِذَا أَنَا بِرَاكِبٍ شَبَّهْتُهُ بِذَلِكَ الأَجِيْرِ
النَّصْرَانِيِّ، فَقُلْتُ: نُعَيْمُ؟قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: مَا فَعَلْتَ بِنَصْرَانِيَّتِكَ؟
قَالَ: تَحَنَّفْتُ بَعْدَكَ.
ثُمَّ أَتَيْنَا دِمَشْقَ، فَلَقِيْتُ كَعْباً، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُم بَيْتَ المَقْدِسِ، فَاجْعَلُوا الصَّخْرَةَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ القِبْلَةِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا ثَلاَثَتُنَا حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ.
فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِكَعْبٍ: أَلاَ تُعْدِنِي عَلَى أَخِيْكَ؟ يَقُوْمُ اللَّيْلَ وَيَصُوْمُ النَّهَارَ.
قَالَ: فَجَعَلَ لَهَا مِنْ كُلِّ ثَلاَثِ لَيَالٍ لَيْلَةً.
ثُمَّ أَتَيْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَمِعَتْ يَهُوْدُ بِنُعَيْمٍ وَكَعْبٍ، فَاجْتَمَعُوا.
فَقَالَ كَعْبٌ: هَذَا كِتَابٌ قَدِيْمٌ، وَإِنَّهُ بِلُغَتِكُمْ، فَاقْرَؤُوهُ.
فَقَرَأَهُ قَارِئُهُم حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيْناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ) [آلُ عِمْرَانَ: 85] .
فَأَسْلَمَ مِنْهُم اثْنَانِ وَأَرْبَعُوْنَ حَبْراً، فَفَرَضَ لَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَعْطَاهُم.
ثُمَّ قَالَ هَمَّامٌ: وَحَدَّثَنِي بِسْطَامُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ:
أَنَّهُم تَذَاكَرُوا ذَلِكَ الكِتَابَ، فَمَرَّ بِهِم شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، فَقَالَ: عَلَى الخَبِيْرِ سَقَطْتُم؛ إِنَّ كَعْباً لَمَّا احتُضِرَ، قَالَ: أَلاَ رَجُلٌ أَأْتَمِنُهُ عَلَى أَمَانَةٍ؟
فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا.
فَدَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الكِتَابَ، وَقَالَ: ارْكَبِ البُحَيْرَةَ، فَإِذَا بَلَغْتَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَاقْذِفْهُ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ كَعْبٍ، فَقَالَ: كِتَابٌ فِيْهِ عِلْمٌ، وَيَمُوْتُ كَعْبٌ لاَ أُفَرِّطُ بِهِ.
فَأَتَى كَعْباً، وَقَالَ: فَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ.
قَالَ: فَمَا رَأَيْتَ؟
قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئاً.
فَعَلِمَ كَذِبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ يُؤَدِّي أَمَانَةً؟
قَالَ رَجُلٌ: أَنَا.
فَرَكِبَ سَفِيْنَةً، فَلَمَّا أَتَى ذَلِكَ المَكَانَ، ذَهَبَ لِيَقْذِفَهُ، فَانْفَرَجَ لَهُ البَحْرُ، حَتَّى رَأَى الأَرْضَ، فَقَذَفَهُ، وَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى،
مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَلَكِنْ خَشِيْتُ أَنْ يُتَّكَلَ عَلَى مَا فِيْهَا، وَلَكِن قُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَقِّنُوْهَا مَوْتَاكُم.هَكَذَا رَوَاهُ: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ.
وَشَهْرٌ لَمْ يَلْحَقْ كَعْباً.
وَهَذَا القَوْلُ مِنْ كَعْبٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِيْكَ النُّسْخَةَ مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ.
فَمَنِ الَّذِي يَسْتَحِلُّ أَنْ يُورِدَ اليَوْمَ مِنَ التَّوْرَاةِ شَيْئاً عَلَى وَجْهِ الاحْتِجَاجِ مُعْتَقِداً أَنَّهَا التَّوْرَاةُ المُنْزَلَةُ؟ كَلاَّ وَاللهِ.