- عَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل بن هَاشم بن سعيد بن سهم أَبُو عبد الله السَّهْمِي الْقرشِي الْمدنِي نزل مصر وَهُوَ الَّذِي افتتحها فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب أخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب والاعتصام ومناقب أبي بكر عَن قيس بن أبي حَازِم وَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ ومولاه أبي قيس سعد عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ لَيْلَة الْفطر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَهُوَ بن سبعين سنة قَالَ البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ حَدثنِي الْحسن بن رَافع حَدثنَا ضَمرَة قَالَ مَاتَ عَمْرو بن الْعَاصِ فِي ولَايَة يزِيد سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ
Al-Bukhārī (d. 870 CE) - al-Tārikh al-kabīr - البخاري - التاريخ الكبير
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
[
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 13266 1. عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم52. آدم بن الحكم صاحب الكرابيس1 3. آدم بن الزبرقان أبو شيبة الكوفي1 4. آدم بن سليمان3 5. آدم بن عبد الرحمن بن محمد1 6. آدم بن علي العجلي1 7. أبان4 8. أبان أبو مسعر الصريمي1 9. أبان بن أبي عياش6 10. أبان بن إسحاق الأسدي الكوفي النحوي2 11. أبان بن الوليد1 12. أبان بن بشير المكتب1 13. أبان بن تغلب الكوفي1 14. أبان بن جبلة أبو عبد الرحمن الكوفي2 15. أبان بن خالد أبو بكر السعدى البصري1 16. أبان بن سعيد بن العاص3 17. أبان بن صالح بن عمير المدني1 18. أبان بن صمعة البصري الأنصاري2 19. أبان بن عبد الله بن أبي حازم1 20. أبان بن عثمان بن عفان أبو سعيد1 21. أبان بن عمر بن عثمان1 22. أبان بن عمران الطحان1 23. أبان بن يزيد العطار أبو يزيد البصري3 24. أبو آمنة الفزاري صاحب النبي صلى الله...1 25. أبو أرطاة1 26. أبو أسماء1 27. أبو أسيد بن أبي أسيد1 28. أبو أمامة4 29. أبو أمامة بن ثعلبة الحارثي1 30. أبو أمامة بن سهل بن حنيف2 31. أبو أمية ابن الأخنس1 32. أبو أمية الأنصاري1 33. أبو أمية الثقفي1 34. أبو أمية المخزومي1 35. أبو أمية بن الأخنس1 36. أبو أمين2 37. أبو أويس2 38. أبو أيوب الأزدي العتكي1 39. أبو أيوب الأنصاري2 40. أبو أيوب الإفريقي1 41. أبو أيوب والد سعيد بن أبي أيوب1 42. أبو إبراهيم الأشهلي الأنصاري1 43. أبو إبراهيم الشيباني أو السنباني1 44. أبو إبراهيم المصري1 45. أبو إدريس الأودي1 46. أبو إدريس الخولاني4 47. أبو إدريس السكوني1 48. أبو إدريس العبدي1 49. أبو إدريس المرهبي1 50. أبو إسحاق2 51. أبو إسحاق الشيباني5 52. أبو إسحاق الكوفي2 53. أبو إسرائيل الخشني1 54. أبو إمامة الباهلي1 55. أبو إياس البجلي1 56. أبو اسحاق السبيعى1 57. أبو اسماء1 58. أبو اسماء الرجى الشامي1 59. أبو اسمعيل السكوني1 60. أبو اسيد ابن ثابت الأنصاري1 61. أبو الأبرد1 62. أبو الأبيض1 63. أبو الأحوص6 64. أبو الأخضر العبدي1 65. أبو الأسود الدؤلي3 66. أبو الأسود الرياضي1 67. أبو الأسود الغفاري1 68. أبو الأشعث1 69. أبو الأشعث الصنعاني4 70. أبو الأشعث العطار1 71. أبو الأشعر العبدي1 72. أبو الأشهب2 73. أبو الأصبغ2 74. أبو الأعسر الخولاني الدمشقي1 75. أبو الاسواد البصري1 76. أبو الاشعث1 77. أبو الافلح الهمداني1 78. أبو البداح بن عاصم بن عدي الأنصاري1 79. أبو البلاد2 80. أبو البياع1 81. أبو الجارود1 82. أبو الجراح2 83. أبو الجراح المهري1 84. أبو الجزل1 85. أبو الجعاد1 86. أبو الجعد الضمري1 87. أبو الجلاس2 88. أبو الجميهر1 89. أبو الجنوب الأسدي2 90. أبو الجنيد1 91. أبو الجهم2 92. أبو الجهم الأيادي1 93. أبو الجودي1 94. أبو الجوزاء البصري1 95. أبو الجون1 96. أبو الحارث1 97. أبو الحارث الأنصاري1 98. أبو الحارث الكرماني1 99. أبو الحسن2 100. أبو الحسن البزاز1 ▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Al-Bukhārī (d. 870 CE) - al-Tārikh al-kabīr - البخاري - التاريخ الكبير are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67432&book=5519#c6cc03
عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص
- عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص. أمه سلمى بنت النابغة, من بني جلان من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. يكنى أبا عبد الله, مات بمصر يوم الفطر سنة اثنتين, ويقال: ثلاث وأربعين.
- عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص. أمه سلمى بنت النابغة, من بني جلان من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. يكنى أبا عبد الله, مات بمصر يوم الفطر سنة اثنتين, ويقال: ثلاث وأربعين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67432&book=5519#995c5c
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم السهمي أبو محمد وقد قيل أبو عبد الله من دهاة قريش كان يسكن مكة مدة فلما ولى مصر استوطنها إلى أن مات بها ليلة الفطر سنة إحدى وستين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67432&book=5519#053dc0
عمرو بن العاص بن وائل
ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، القرشيّ، السّهميّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسلم طوعاً في الهدنة، وهاجر، واستعمله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذات السّلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، وبعثه إلى عمان، وأمرّه عمر في فتوح الشّام ثم ولاّه مصر، وولاّه إيّاها عثمان؛ روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. ودخل دمشق قبل الفتح برسالة من أبي بكر، وشهد فتح دمشق، وكان له بها دار عند سقيفة كرمس في جيرون، ودار في ناحية باب الجابية ما بين دار الشّعّارين وزقاق الهاشميّين، ودار تعرف ببني حجيجة في رحبة الزّبيب، ودار تعرف بالمارستان الأوّل عند عين الحمى. وشهد اليرموك أميراً على كردوس.
حدّث، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهاراً غير سرّ يقول: " إنّ آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين ".
عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال: كنّا مع عمرو بن العاص في حجّ أو في عمرة، وإذا امرأة قد أخرجت يديها عليها حبائرها وخواتيمها، فوضعت يديها على هودجها، فعدل فدخل شعباً، فقال: كنّا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الشّعب فإذا غربان كثيرة، وإذا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرّجلين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنّة من النّساء إلاّ كقدر هذا الغراب في هذه الغربان ".
قال محمد بن سعد: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، ويكنى أبا عبد الله، وأمّه النّابغة بنت خزيمة من عنزة، قدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فأسلموا.
وقال ابن البرقيّ: وكانت وفاته بمصر بعد الفطر، صلّى عليه عبد الله بن عمرو سنة ثلاث وأربعين. وقال محمد بن عبد الله: وكان يوم توفي ابن تسعين سنة.
عن أبي هريرة، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابنا العاصي مؤمنان؛ هشام وعمر ".
قال ابن يونس: قدم مصر في الجاهلية للتّجارة، وشهد الفتح، وكان أمير العرب مدخلهم مصر، وولّي على مصر من سنة عشرين إلى مقتل عمر، وولي بعد عمر لعثمان بن عفّان حين انتقضت الإسكندرية، وولي أيضاً لمعاوية بن أبي سفيان من ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي بمصر ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين.
وقال أبو نعيم الحافظ: كان يخضب بالسّواد، خرج إلى الحبشة، إلى النّجاشيّ، بعد الأحزاب، فأسلم عنده
بالحبشة، فأخذه أصحابه بالحبشة فغمّوه، فأفلت منهم مجرداً ليس عليه قشرة، فأظهر للنّجاشيّ إسلامه، فاسترجع من أصحابه جميع ماله وردّه عليه، فقدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مهاجرين المدينة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقدّم خالد فبايع، ثم تقدّم هو فبايعه على أن يغفر له ما كان قبله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الهجرة، والإسلام يجبّ ما قبله " ثم بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غزوة ذات السّلاسل والياً لعلمه بالحرب والمكيدة؛ وكان يلي مصر من قبل عمر بن الخطّاب، وكان يسرد الصّوم ويباشر الحروب، وشهد الفتنة. توفي بمصر والياً عليها ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين، ودفن يوم الفطر، وصلّى عليه ابنه عبد الله قبل صلاة الفطر، له نحو من مئة سنة. كان أحد دهاة العرب.
قال فيه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسلم النّاس وآمن عمرو ". وقال: " ابنا العاص مؤمنان، عمرو وهشام ". وقال: " نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأمّ عبد الله ".
حدّث عمرو بن العاص من فيه، قال: لمّا انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش، فأتوا يرون رأيي ويسمعون منّي، فقلت لهم: والله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوّاً منكراً وإني قد رأيت رأياً فما ترون فيه؟ قالوا: وما ذاك الذي رأيت؟ قال: قلت: رأيت أن نلحق بالنّجاشيّ فنكون معه، فإن ظهر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومنا كنّا عند النّجاشيّ، فإنّا أن نكون تحت يديه أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلم يأتنا منهم إلاّ خير. قالوا: هذا الرّأي. قلت: فاجمعوا له ما يهدى له وكان أحبّ ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه؛ فوالله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّه الضّمريّ وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده. قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أميّة، ولو قد دخلت على النّجاشيّ فسألته إيّاه فأعطانيه،
فضربت عنقه؛ فإذا فعلت به ذلك رأت قريش أن قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع؛ فقال: مرحباً بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئاً؟ قلت: نعم، قد أهديت لك أدماً كثيراً؛ ثم قرّبته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيّها الملك، قد رأينا رجلاً خرج من عندك، وهو رسول رجل عدوّ لنا، فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا. قال: فغضب، ثم مدّ يده فضرب بها أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره. قال: لو انشقّت الأرض لدخلت فيها فرقاً منه؛ ثم قلت: أيّها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتي موسى؟. قال: قلت: أيّها الملك، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتّبعه، فإنه والله على الحقّ، وليظهرنّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: قلت: أتبايعني على الإسلام؟ قال: نعم. فبسط يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عمّا كان عليه، فكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامداً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إسلامي، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام الميسم، وإن الرّجل لنبيّ، أذهب والله أسلم، حتى متى؟ قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلاّ للإسلام. فقدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدّم من ذنبي. قال: ولا أذكر ماتأخّر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجبّ ما كان قبلها ". قال: فبايعت، ثم انصرفت.
وقال الزّبير: ثم بعث إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني أردت أن أوجّهك وجهاً، وأرغب لك رغبةً " فقال عمرو: أمّا المال فلا حاجة لي فيه، ووجّهني حيث شئت. فقال رسول الله عليه وسلم: " نعمّا بالمال الصّالح للرّجل الصّالح ". ووجّهه قبل الشّام، وأمره أن يدعو أخوال أبيه العاص من بليّ إلى الإسلام ويستنفرهم إلى الجهاد؛ فشخص عمرو إلى ذلك الوجه، ثم كتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمدّه؛ فأمدّه بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة بن الجّراح. فقال عمرو: إنّما أنتم أميركم. فقال له أبو عبيدة: تعلم يا عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إليّ أخالفك. فسلّم له أبو عبيدة، وصلّى خلفه.
عن طلحة بن عبيد الله، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر ".
وعن عليّ بن رباح، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: كان في المدينة فزع، فتفرّقوا، فنظرت إلى سالم مولى أبي حذيفة في المسجد، عليه سيف محتبياً به، فلّما نظرت إلى سالم دعوت بسيفي فاحتبيت به إلى جنبه؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيّها النّاس لا يكون فزعكم إلاّ إلى الله ورسوله، ما هذا؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرّجلان المؤمنان؟ ".
عن علقمة بن رمثة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عمرو بن العاص إلى البحرين، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سريّة وخرجنا معه، فنعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " قال: فتذاكرنا كلّ من اسمه عمرو. فنعس رسول الله صلى الله وسلم، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " ثم نعس الثّالثة فاستيقظ، فقال: " رحم الله عمراً ".قلنا: يا رسول الله، من عمرو هذا؟ قال: " عمرو بن العاص " قلنا: وما شأنه؟ قال: " كنت إذا ندبت النّاس
إلى الصّدقة جاء فأجزل منها، فأقول: أنّى لك هذا؟ فقال: من عند الله " قال: " وصدق عمرو إن له عند الله خيراً كثيراً ".
عن عمرو بن العاص، قال: ما عدل بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبخالد بن الوليد في حربه منذ أسلمنا أحداً من أصحابه.
عن إسماعيل بن قيس، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمراً على جيش ذات السّلاسل، إلى لخم وجذام. قال: وكان في أصحابه قلّة. فقال لهم عمرو: لا يوقدنّ أحد منكم ناراً. قال: فشقّ ذلك عليهم، فكلّموا أبا بكر يكلّم لهم عمراً، فكلّمه، فقال: لا يوقد أحد منكم ناراً إلاّ ألقيته فيها. فقاتل العدوّ فظهر عليهم، فاستباح عسكرهم؛ فقال له النّاس: ألا تتبعهم؟ فقال: لا، إني لأخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين. فشكوه إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رجعوا، فقال: " صدقوا يا عمرو؟ " فقال له: إنه كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرغب العدوّ في قتلهم، فلّما أظهرني الله عليهم قالوا: أنتبعهم؟ فقلت: أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين؛ فكأن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمد أمره؛ فقال عمرو عند ذلك: أيّ النّاس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: " لم؟ " قال: لأحبّ من تحبّ. فقال: " أحبّ النّاس إليّ عائشة " فقال: لست أسألك عن النّساء، إنّما أسألك عن الرّجال. فقال: " أبو بكر ".
وعن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، أنه قال: لّما بعثني رسول الله صلى عليه وسلم عام ذات السّلاسل فاحتلمت في باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت ثم صلّيت بأصحابي صلاة الصّبح. قال: فلّما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت ذلك له، فقال: " يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ " قال: قلت: نعم يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني احتملت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " فتيممّت ثم صلّيت. فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئاً.
قال الحسن: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّه، أليس رجلاً صالحاً؟ قال: بلى. قال: قد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّك، وهو استعملك. فقال: قد استعملني، فوالله ما أدري أحبّاً كان لي منه أو استعانةً بي؛ ولكن سأحدّثك برجلين مات وهو يحبّهما، عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر.
عن مولى لعمرو بن العاص، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: أسلمت عند النّجاشيّ وبايعته على الإسلام، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأعلمته أني قدمت راغباً في الهجرة وفي ظهور الإسلام، وأنا أحبّ أن يرى أثري وغناي عن الإسلام وأهله فقد طال ما كنت عوناً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبّ ما كان قبله، وأنا باعثك في أناس أبعثهم إن شاء الله ". فلمّا كان بعد ذلك بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية نفر سمّاهم، فكنت أنا المبعوث إلى جيفر وعبد ابني الجلندى وكانا من الأزد، والملك منهما جيفر؛ وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معي إليهما كتاباً يدعوهما فيه إلى الإسلام، وكتب أبيّ بن كعب الكتاب وختمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت حتى قدمت عمان، فعمدت إلى عبد بن الجلندى وكان أحلم الرّجلين وأسهلهما خلقاً فقلت: إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليك وإلى أخيك. فقال: أخي المقدّم عليّ بالسّنّ والملك، وأنا أوصلك إليه. فمكثت ببابه أيّاماً ثم وصلت إليه، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففضّ خاتمه ثم قرأه إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه، وقال: يا عمرو أنت ابن سيّد قومك، فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ فقلت: مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدّق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريباً. قال: فسألني أين كان إسلامي؟ فقلت: عند النّجاشيّ، وقد أسلم. قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقرّوه واتّبعوه. قال: والأساقفة والرّهبان تبعوه؟ قال: قلت: نعم. قال: فأبى أن يسلم، فأقمت أيّاماً ثم قلت: إني خارج غداً. فلمّا أيقن بخروجي أرسل إليّ فأجاب إلى الإسلام، فأسلم هو وأخوه، وصدّقا بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلّيا بيني وبين
الصّدقة والحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني، فأخذت الصّدقة من أغنيائهم فرددتها على فقرائهم، وأخذت صدقات ثمارهم وما يجزوا به؛ فلم أزل مقيماً حتى بلغنا وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عمرو عن العاص، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والياً على عمان، فأتيتها، فخرج إليّ أساقفتهم ورهبانهم فقالوا: من أنت؟ فقلت: عمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، رجل من قريش. قالوا: ومن بعثك؟ قلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: ومن هو؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، وهو رجل منّا قد عرفناه وعرفنا نسبه، أمرنا بمكارم الأخلاق ونهانا عن مساوئها، وأمرنا أن نعبد الله وحده. قال: فصيّروا أمرهم إلى رجل منهم، فقال لي: هل به من علامة؟ قلت: نعم، لحماً متراكباً بين كتفيه يقال له: خاتم النّبوّة. فقال: فهل يأكل الصّدقة؟ قلت: لا. قال: فهل يقبل الهديّة؟ قلت: نعم، ويثيب عليها. قال: فكيف الحرب بينه وبين قومه؟ فقلت: سجالاً، مرّةً له ومرّةً عليه. قال: فأسلم وأسلموا. ثم قال لي: والله لئن كنت صدقتني لقد مات في هذه اللّيلة؛ أو: لقد أتى على أجله في هذه اللّيلة. قلت: ما تقول؟ قال: والله، لئن كنت صدقتني لقد صدقتك. قال: فمكثت أيّاماً فإذا راكب قد أناخ يسأل عن عمرو بن العاص؛ فقمت إليه مفزوعاً، فناولني كتاباً فإذا عنوانه: من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص. فأخذت الكتاب ففككته فإذا فيه: " بسم الله الرّحمن الرّحيم "
من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، أمّا بعد: فإن الله عزّ وجلّ بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شاء، وأحياه
ما شاء، ثم توفّاه حين شاء، وقد قال في كتابه الصّادق: " إنك ميّت وإنهم ميّتون " وإن المسلمين قلّدوني أمر هذه الأمّة عن غير إرادة منّي ولا محبّة، فأسأل الله العون والتوفيق. فإذا آتاك كتابي فلا تحلّنّ عقالاً عقله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعقلنّ عقالاً حلّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والسّلام. فبكيت بكاءً طويلاً، ثم خرجت عليهم فأعلمتهم، فبكوا وعزّوني. فقلت: هذا الذي ولينا من بعده، ما تجدونه في كتابكم؟ قال: يعمل بعمل صاحبه اليسير ثم يموت. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يليكم قرن الحديد، فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطاً وعدلاً، لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يقتل. قال: قلت: يقتل؟ قال: إي والله يقتل. قال: قلت: ومن ملأ أم من غيلة؟ قال: بل غيلة. فكانت أهون عليّ. قال: ثم ماذا؟ وانقطع من كتاب الشّيخ.
عن اللّيث بن سعد، قال: نظر عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلاّ أميراً.
عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم، قال: خرج عمرو بن العاص إلى بطريق غزّة في نفر من أصحابه، عليه قباء عليه صدأ الحديد وعمامةً سوداء وفي يده رمح وعلى ظهره ترس: فلمّا طلع عليه ضحك البطريق، وقال: ما كنت تصنع بحمل السّلاح إلينا؟ قال: خفت أن ألقى دونك فأكون قد فرّطت. فالتفت إلى أصحابه فقال بيده عقد الأنملة على إبهامه، ثم قال: مرحباً بك: وأجلسه معه على سريره، وحادثه، فأطال: ثم كلّمه بكلام كثير، وحاجّه عمروّ ودعاه إلى الإسلام. فلمّا سمع البطريق كلامه وبيانه وأداءه قال بالرّوميّة: يا معشر الرّوم، أطيعوني
اليوم واعصوني الدّهر، أمير القوم؛ ألا ترون أني كلّما كلّمته كلمةً أجابني عن نفسه؟ لا يقول: أشاور أصحابي، وأذكر لهم ما عرضت عليّ؛ وليس الرّأي إلاّ أن نقتله قبل أن يخرج من عندنا، فتختلف العرب بينها، وينتهي أمرهم، ويعفون من قتالنا. فقال من حوله من الرّوم: ليس هذا برأي. وقد كان دخل مع عمرو بن العاص رجل من أصحابه يعرف كلام الرّوم، فألقى إلى عمرو ما قال الملك؛ ثم قال الملك: ألا تخبرني هل في أصحابك مثلك يلبس ثيابك ويؤدّي أداءك؟ فقال عمرو: أنا أكلّ أصحابي لساناً، وأدناهم أداء؛ وفي أصحابي من لو كلّمته لعرفت أني لست هناك. قال: فأنا أحبّ أن تبعث إليّ رأسكم في البيان والتّقدّم والأداء حتى أكلّمه. فقال عمرو: أفعل. وخرج عمرو من عنده، فقال البطريق لأصحابه: لأخالفنّكم، لئن دخل فرأيت منه ما يقول لأضربنّ عنقه. فلمّا خرج عمرو من الباب كبّر، وقال: لا أعود لمثل هذا أبداً. وأتى منزله، فاجتمع إليه أصحابه يسألونه، فخبّرهم خبره وخبر البطريق، فأعظم القوم ذلك، وحمدوا الله على ما رزق من السّلامة. وكتب عمرو بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: الحمد لله على إحسانه إلينا، وإيّاك والتّغرير بنفسك أو بأحد من المسلمين في هذا أو شبهه، وبحسب العلج منهم أن يكلّم في مكان سواء بينك وبينه، فتأمن غائلته، ويكون أكسر. فلمّا قرأ عمرو بن العاص كتاب عمر، ترحّم عليه، ثم قال: ليس الأب البرّ بولده بأبرّ من عمر بن الخطّاب برعيّته.
عن موسى بن عمران بن مناح، قال: لمّا رأى عمرو بن العاص يوم اليرموك صاحب الرّاية ينكشف بها، أخذها، ثم جعل يتقدّم وهو يصيح: إليّ يا معاشر المسلمين؛ فجعل يطعن بها قدماً وهو يقول: اصنعوا كما أصنع؛ حتى إنه ليرفعها وكأن عليها ألسنة المطر من العلق.
قال خليفة: وفي هذه السّنة يعني سنة ست عشرة افتتحت حلب وأنطاكية ومنبج.
وقال: إن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين فصالح أهل حلب وكتب لهم كتاباً. وقال: وولّى عمر عمرو بن العاص فلسطين والأردنّ، وكتب إليه عمر، فسار إلى مصر فافتتحها. وقال: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص أن سر إلى مصر، فسار، وبعث عمر الزّبير بن العوّام مدداً له، ومعه عمر بن وهب الجمحيّ وبسر بن أبي أرطاة وخارجة بن حذافة، حتى أتى باب اليون فامتنعوا، فافتتحها عنوة، وصالحه أهل الحصن. وكان الزّبير أوّل من ارتقى سور المدينة ثم اتّبعه النّاس بعد؛ فكلّم الزبير عمرو بن العاص أن يقسمها بين من افتتحها؛ فكتب عمرو إلى عمر فكتب عمر: أكلة وأكلات خير من أكلة، أقرّوها.
عن أبي العالية، قال: سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمّست، إلاّ أهل أنطابلس فإن لهم عهداً نوفي به.
قال يعقوب: ثم كان فتح الإسكندرية الأول، وأميرها عمرو بن العاص سنة ثنتين وعشرين؛ وغزوة عمرو بن العاص أطرابلس الغرب سنة ثلاث وعشرين؛ ثم كان فتح الإسكندرية الأخيرة أميرها عمرو بن العاص سنة خمس وعشرين.
قال عمرو بن العاص: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم من عظمائهم: أخرجوا إلىّ رجلاً أكلّمه ويكلّمني. فقلت: لا يخرج إليه غيري. فخرجت معي ترجمان ومعه ترجمان حتى وضع لنا منبران؛ فقال: ما أنتم؟ قلت: نحن العرب، ومن أهل الشّوك والقرظ، ونحن أهل بيت الله، كنّا أضيق النّاس أرضاً وشرّه عيشاً، نأكل الميتة والدّم، ويغير بعضنا على بعض، كنّا بشر عيش عاش به النّاس، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ولا أكثرنا مالاً، وقال: أنا رسول الله إليكم؛ يأمرنا بما لا نعرف وينهانا عمّا كنّا عليه آباؤنا، فشنفنا له وكذّبناه، ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا: نحن نصدّقك ونؤمن بك ونتّبعك ونقاتل من قاتلك؛ فخرج إليهم، وخرجنا إليه، وقاتلناه فقتلنا وظهر علينا وغلبنا، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم، فلو يعلم من ورائي ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلاّ جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش. فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق، وقد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم، وكنّا عليه حتى ظهرت فينا ملوك فجعلوا يعلمون فينا بأهوائهم ويتركون أمر رسولكم، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيّكم لم يقاتلكم أحد إلاّ غلبتموه، ولم يسارقكم أحد إلاّ ظهرتم عليه؛ فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا فتركتم أمر نبيّكم، وفعلتم بمثل الذي عملوا بأهوائهم، وخلّي بيننا وبينكم، لم تكونوا أكثر عدداً منّا ولا أشدّ منّا قوّةً. قال عمرو بن العاص: فما كلّمت رجلاً قطّ أذكى منه.
قال ربيعة بن لقيط: سمعت عمرو بن العاص وهو يصلّي باللّيل، وهو يبكي ويقول: أللهم إنك آتيت عمراً مالاً فإن كان أحبّ إليك إن تسلب عمراً ماله ولا تعذّبه بالنّار فاسلبه ماله؛ وإنك آتيت عمراً أولاداً فإن كان أحبّ إليك أن تثكل عمراً ولده ولا تعذّبه بالنّار فأثكله ولده؛ وإنك آتيت عمراً سلطاناً فإن كان أحبّ إليك أن تنتزع منه سلطانه ولا تعذّبه بالنّار فانزع منه سلطانه.
عن الزّهريّ، قال: توفّى الله عمر، واستخلف عثمان، فنزع عمرو بن العاص عن مصر وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وعن عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله الزّبير، عن أشياخه: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمامها من عمرو بن العاص. قال: ومازال معتصماً بمكة ليس في شيء ممّا فيه النّاس، حتى كانت وقعة الجمل؛ فلّما حانت وقعة الجمل بعث إلى ابنيه عبد الله ومحمد ابني عمرو فقال لهما: إني قد رأيت رأياً، ولستما باللّذين تردّاني ولكن أشيراً عليّ؛ إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزّاري مكة، ولست أرضي بهذه المنزلة، فإلى أيّ الفريقين أعمد؟ فقال له عبد الله ابنه: إن كنت لا بدّ فاعلاً فإلى عليّ. فقال عمرو: ثكلتك أمّك، إني إن أتيت عليّاً قال لي: إنّما أنت رجل من المسلمين؛ وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره. فأتى معاوية.
عن الوليد البلخيّ، قال: فلّما انتهى كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص استشار ابنيه عبد الله ومحمداً ابني عمرو فقال: إنه قد كانت مني في عثمان هنات لم أستقلّها بعد، وقد كان منّي نفسي حيث ظننت أنه مقتول ماقد أحتمله؛ وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلّي، وقد
كتب إليّ معاوية يسألني أن أقدم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فأقم في منزلك فلست مجعولاً خليفة، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية. فقال محمد: يا أبه، أنت شيخ قريش وصاحب أمرها، وإن تصرّم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت، فالحق بجماعة أهل الشام والطلب بدم عثمان. فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي. فلّما جنّ عليه اللّيل أرق في فراشه ذلك، وجعل يتفكر فيما يريد، أي الأمرين يأتي؟ ثم أنشأ يقول: من الطويل
تطاول ليلي للهموم الطّوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العوائق
وإن ابن هند سألني أن أزوره ... وتلك التي فيها عظام البوائق
أتاه جرير من عليّ بخطّة ... أمرّت عليها العيش، ذات مضايق
فوالله ما أدري وما كنت هكذا ... أكون ومهما أن أرى فهو سابقي
أخادعه والخدع فيه دنيّة ... أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم اقعد في بيتي وفي ذاك راحة ... لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق
وقد قال عبد الله قولاً تعلّقت ... وإني لصلب الرّأي عند الحقائق
فلّما أصبح عمرو دعا غلامه وردان فقال: ارحل يا وردان، حطّ يا وردان مرتين أو ثلاثاً فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، أما إنك إن شئت أنباتك بما في نفسك. قال: هات. قال: اعترضت الدّنيا والآخرة على قلبك فقلت: عليّ معه الآخرة، وفي الآخرة عوض من الدّنيا، ومعاوية معه الدّنيا بلا آخرة، وليس في الدّنيا عوض من الآخرة، فأنت متحّير بينهما. فقال له عمرو: قاتلك الله، يا وردان والله ما أخطأت، فما ترى؟ قال: أرى أن تقيم في منزلك؛ فإن ظهر أهل الدّين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدّنيا لم يستغنوا عنك. فقال له عمرو: الآن حين شهرني النّاس بمسيري أقيم؟ فارتحل إلى معاوية.
عن عبد الله بن معقل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي، لا تتّخذهم غرضاً من بعدي؛ فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم؛ ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن الله يوشك أن يأخذه ".
عن أبي هشام الرّماني، عن من حدّثه، قال: كتب عليّ بن أبي طالب عمرو بن العاص، فلّما أتى الكتاب أقرأه معاوية وقال: قد ترى ما كتب إليّ عليّ بن أبي طالب، فإمّا أن ترضني وإمّا أن ألحق به. فقال له معاوية: فما تريد؟ قال: أريد مصر مأكلةً. فجعلها له معاوية كما أراد.
عن سويد عن غفلة، قال: إني لأمشي مع عليّ بشطّ الفرات، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بني إسرائيل اختلفوا، فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلاً وأضلاّ، وإن هذه الأمّة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين؛ ضلاّ وضلّ من اتّبعهما.
عن عمرو بن محمد، عن رجل، قال: دعا معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص، وهو متحزّم عليه ثيابه وسيفه، وحوله إخواته وأناس من قريش؛ يا عمرو، إن أهل الكوفة أكرهوا عليّاً على أبي موسى وهو لا يريده، ونحن بك راضون، وقد ضمّ إليك رجل طويل اللّسان كليل المدية، وله بعد حظّ من دين؛ فإذا قال فدعه فليقل، ثم قل وأوجز واقطع المفصل، ولا تلقه بكلّ رأيك، واعلم أن خفيّ الرّأي زيادة في العقل؛ فإن خوّفك بأهل العراق فخوّفه بأهل الشّام، وإن خوّفك بعليّ فخوّفه بمعاوية، وإن خوّفك بمصر فخوّفه باليمن، وإن أتاك بالتفسير فأته بالحمل. قال له عمرو: يا أمير المؤمنين، أنت وعليّ رجلا قريش، ولم يقل في حربك ما رجوت ولم تأمن ما خفت؛ ذكرت أن لعبد الله ديناً، وصاحب الدّين منصور، وايم الله لأفنينّ علله ولأستخرجن خبيئه، ولكن إن جاءني بالإيمان والهجرة ومناقب عليّ فما عسيت أن أقول؟ فقال معاوية: قل ما ترى. فقال عمرو: فهل تدعني وما ترى؟ وخرج مغضباً، فقال لأصحابه: إنّما أراد معاوية أن يصغّر أبا موسى لأنه علم أني خادعه غداً،
فأحبّ أن يقول: لم يخدع أريباً؛ فقد كذّبته بالخلاف عليه. وقال في ذلك شعراً: من الوافر
يشجّعني معاوية بن حرب ... كأنّي للحوادث مستكين
وأني عن معاوية غنيّ ... بحمد الله والله المعين
وهوّن أمر عبد الله عمرو ... وقال له على ما ذاك دين
فقلت له ولم أردد عليه ... مقالته وللشّكوى أنين
ترى أهل العراق يدبّ عنهم ... وعن حرماتهم رجل مهين
فإن جهلوه لم يجهل عليّ ... وغبّ القول يحمله السّمين
ولكن خطبه فيهم عظيم ... وفضل المرء فيهم مستبين
فإن أظفر فلم أظفر بوغد ... وإن يظفر فقد قطع الوتين
قال: فلمّا بلغ معاوية شعره غضب من ذلك، وقال: لولا مسيره كان لي فيه رأي. فقال عبد الرّحمن بن أم الحكم: أما والله إن أمثاله من قريش لكثير، ولكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغنى عنه. فقال معاوية: فأجبه. فقال عبد الرّحمن: من الوافر
ألا يا عمرو عمرو قبيل سهم ... أمن طبّ أصابك ذا الجنون؟
دع البغي الذي أصبحت فيه ... فإن البغي صاحبه لعين
ألم تهرب بنفسك من عليّ ... بصفّين وأنت بها ضنين
حذاراً أن تلاقيك المنايا ... وكل فتى سيدركه المنون
ولسنا عاتبين عليك إلاّ ... لقولك: إنني لا أستكين
عن عمرو بن الحكم، قال: لمّا التقى النّاس بدومة الجندل قال ابن عبّاس للأشعريّ: احذر عمراً فإنّما يريد أن يقدّمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي؛ فكن متدبّراً لكلامه.
فكان إذا التقيا يقول عمرو: إنك صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي وأنت أسنّ منّي فتكلّم ثم أتكلّم. وإنّما يريد عمرو أن يقدّم أبا موسى في الكلام ليخلع عليّاً، فاجتمعا على أمرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى، وقال أبو موسى: عبد الله بن عمرو. فقال عمرو: أخبرني عن رأيك. فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرّجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختاروا لأنفسهم من أحبّوا. قال عمرو: الرّأي ما رأيت. فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون، فقال له عمرو: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع. فتكلّم أبو موسى: إنّ رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمّة. فقال عمرو: صدق وبرّ، ونعم النّاظر للإسلام وأهله، فتكلّم يا أبا موسى. فأتاه ابن عبّاس فخلا به فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً ثم نزع عنه على ملأ من النّاس واجتماعهم. فقال الأشعريّ: لاتخشى ذلك، قد اجتمعنا واصطلحنا. فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، قد نظرنا في أمر هذه الأمّة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن لا نبتزّ أمورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضىً منها وتشاور، وقد اجتمعنا أنا وصاحبي على أمر واحد، على خلع عليّ ومعاوية، وتستقبل هذه الأمّة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولّون منهم من أحبّوا عليهم، وإنّي قد خلعت عليّاً ومعاوية، فولّوا أمركم من رأيتم. ثم تنحّى. وأقبل عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما قد سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه وليّ ابن عفّان والطّالب بدمه وأحقّ النّاس بمقامه. فقال سعد بن أبي وقّاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده. فقال أبو موسى: فما أصنع؟ جامعني على أمر ثم نزع عنه. فقال ابن عبّاس: لاذنب لك يا أبا موسى، الذّنب لغيرك، للّذي قدّمك في هذا المقام. فقال أبو موسى: رحمك الله، غدرني، فما أصنع؟
وقال أبو موسى لعمرو: إنّما مثلك كالكلب " إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ". فقال عمرو: إنّما مثلك مثل " الحمار يحمل أسفاراً ". فقال ابن عمر: إلام صيّرت هذه الأمّة؟ إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. وقال عبد الرّحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعريّ من قبل هذا كان خيراً له.
وعن عبد الواحد بن أبي عوف، قال: لمّا صار الأمر في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو بن العاص ما عاش؛ ورأى عمرو أن الأمر كلّه قد صلح به وبتدبيره وعنائه وسعيه فيه، وظنّ أن معاوية سيزيده الشّام مع مصر، فلم يفعل معاوية؛ فتنكّر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وتميّز النّاس وظنّوا أنه لا يجتمع أمرهما، فدخل بينهما معاوية بن خديج فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتاباً، وشرط فيه شروطاً لمعاوية وعمرو خاصّة وللنّاس عامّة، وأن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وعلى أن على عمرو السّمع والطّاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهوداً؛ ثم مضى عمرو بن العاص على مصر والياً عليها وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين، فوالله ما مكث بها إلاّ سنتين أو ثلاثاً حتى مات.
عن عبد الله بن عمرو، قال وذكر معاوية: والله لأبي أقدم صحبةً، وكان أحبّ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن كرهنا الفرقة.
وعن عبد الكريم بن راشد، أن عمر بن الخطّاب قال: يا أصحاب محمد تناصحوا، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية.
قال شعيب بن يعقوب: اجتمع معاوية وعمرو بن العاص، فقال معاوية: من النّاس؟ قال: أنا وأنت ومغيرة وزياد. قال: وكيف ذلك؟ فقال: أنت للتّأنّي، وأمّا أنا فللبديهة، وأما مغيرة
فللمعضلات، وأما زياد فللصّغير والكبير. قال له معاوية: أما ذانك فقد غابا، فهات قولك: أنا للبديهة؛ وأما أنا فللأناة، فهات بديهتك. قال: وتريد ذاك؟ قال: نعم. قال: فأخرج من عندك. فأمرهم فخرجوا حتى لم يبق في البيت غيرهما. قال: فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارّك. قال: فأدنى رأسه منه. قال: هذا من ذلك، ومن معنا في البيت حتى أسارّك؟ عن محمد بن سلاّم الجمحيّ، قال: كان عمر بن الخطّاب إذا رأى الرّجل يتلجلج في كلامه، قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.
عن قبيصة بن جابر، قال: صحبت عمر بن الخطّاب فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مداراةً منه؛ وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل عن غير مسألة منه؛ وصحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيت رجلاً أثقل حلماً منه؛ وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين أو قال: أنصع طرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه؛ وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلاّ بالمكر لخرج من أبوابها كلّها.
وعن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: كان عمرو بن العاص يسرد الصّوم، وقلّ ما يصيب من العشاء، وأكثر ذلك كان يصيب من السّحر؛ فسمعته يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر ".
وعن أبي عمران الفلسطينيّ، قال: بينما امرأة عمرو بن العاص تفلي رأسه إذ نادت جارية لها فأبطأت عنها، فقالت: يا زانية. فقال عمرو: رأيتها تزني؟ قالت: لا. قال: والله لتضربنّ لها يوم القيامة ثمانين سوطاً. فقالت لجاريتها وسألتها تعفو، فعفت عنها، فقالت: هل يجزيء عنّي؟ فقال لها: وما لها ألاّ تعفو وهي تحت يدك؟ فأعتقتها. فقالت: هل يجزيء عنّي ذلك؟ قال: فلعلّ.
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام في الوهط، فسبّه المغيرة؛ فقال عمرو بن العاص: يال هصيص، يسبّني المغيرة! فقال له عبد الله ابنه: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " أدعوة القبائل وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها؟ فأعتق يعني عمرو بن العاص ثلاثين رقبة.
وعن عمرو بن دينار، قال: كان عمرو بن العاص يقيم كروم الوهط بألف ألف خشبة، كلّ خشبة بدرهم.
وعن المدائنيّ، قال: قال عمرو بن العاص: أربعة لا أملّهم أبداً؛ جليسي ما فهم عنّي، وثوبي ما سترني، ودابّتي ما حملتني، وامرأتي ما أحسنت عشرتي.
عن ابن الأعرابيّ، قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بنيّ، سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم؛ يا بنيّ، زلّة الرّجل عظم يجبر؛ وزلّة اللّسان لا تبقي ولا تذر؛ يا بنيّ، استراح من لا عقل له. فأرسلها مثلاً.
قال الأصمعيّ: قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين، لا تكوننّ لشيء من أمر رعيّتك أشدّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها، ولطغيان اللّئيم حتى تعمل في قمعه؛ واستوحش من الكريم الجائع ومن اللّئيم الشّبعان؛ فإن الكريم يصول إذا جاع، واللّئيم يصول إذا شبع.
وقال الأصمعيّ: قال معاوية لعمرو بن العاص: ما البلاغة؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على
الإيجاز. قال: فمن أصبر النّاس؟ قال: من كان في رأيه رادّاً لهواه. قال: فمن أسخى النّاس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمن أشبع النّاس؟ قال: من ردّ جهله بحلمه.
أنشد الحربيّ يعني إبراهيم بن إسحاق لعمرو بن العاص: من الطويل
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّه ... ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّما
قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
قال هلال بن لاحق: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشرّ، ولكنه الذي يعرف خير الشّرّين؛ وليس الواصل الذي يصل من وصله، ولكنه الذي يصل من قطعه.
عن عليّ بن عبد الله بن سفيان، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو بن العاص: ما السّرور يا أبا عبد الله؟ قال: الغمرات ثم تنجلي.
وقال عمرو بن العاص: نكح العجز التّواني فولد منه النّدامة. وقال: عجبت من الرّجل يفرّ من القدر وهو مواقعه، ومن الرّجل يرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه، ومن الرّجل يخرج الضّغن من نفس أخيه ويدع الضّغن في نفسه، وما تقدّمت على أمر فلمت نفسي على تقدّمي عليه، وما وضعت سرّي عند أحد فلمته على أن أفشاه، وكيف ألومه وقد ضقت به؟ وقال وهو في الموت: اللهم لا ذو قوّة فأنتصر، ولا ذو براءة فأعتذر، اللهم إنّي مقرّ يذنبي مستغفر.
عن الحسن، قال: لمّا احتضر عمرو بن العاص نظر إلى صناديق، فقال: من يأخذها بما فيها؟
ياليته كان بعراً؛ ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره، فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: ما ترون هذا يغني عنّي شيئاً.
عن عوانة بن الحكم، قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه! ؛ فلما نزل به قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبت، إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت وعقلك معك. فقال: يا بنيّ، الموت أجل من أن يوصف، ولكنّي سأصف لك منه شيئاً؛ أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي شوك السّلاّء، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرة.
حدّث محمد بن زياد: أن عمرو بن العاص حين حضره الموت، قال: اللهم إنك أمرتنا بأشياء فتركناها، ونهيتنا عن أشياء فأتيناها؛ ثم قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله ثم قبض عليها بيده اليمنى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم قبض عليها بيده اليسرى قال: فقبض وإن يداه لمقبوضتان.
عن الحسن، قال: بلغني أن عمرو بن العاص لمّا كان عند الموت دعا حرسه فقال: أيّ صاحب كنت لكم؟ قالوا: كنت لنا صاحب صدق، تكرمنا، وتعطينا، وتفعل، وتفعل. قال: إنّما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، ها هو ذا قد نزل بي، فاغنوه عنّي. فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: والله ما كنّا نحسبك تكلّم بالعوراء؛ يا أبا عبد الله، قد علمت أنّا لا نغني عنك من الموت شيئاً. فقال: أما والله لقد قلتها، وإني لأعلم أنكم لا تغنون عنّي من الموت شيئاً، ولكن والله لأن أكون لم أتّخذ منكم رجلاً قطّ
يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا؛ فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: حرس امرءاً أجله. ثم قال عمرو: اللهم، لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإلاّ تدركني منك برحمة أكن من الهالكين.
وعن عبد الله بن عمرو: أنه حدّث أن أباه أوصاه، قال: يا بنيّ، إذا متّ فاغسلني غسلةً بالماء، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّانية بماء قراح، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّالثة بماء فيه شيء من كافور، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم إذا ألبستني الثّياب فأزرّ عليّ فإني مخاصم؛ ثم إذا حملتني على السّرير فامش بي مشياً بين المشيتين، وكن خلف الجنازة فإن مقدّمها للملائكة وخلفها لبني آدم، فإذا أنت وضعتني في القبر فسنّ عليّ التراب سنّاً؛ ثم قال: اللهم إنك أمرتنا فأطعنا، ونهيتنا فركبنا، فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلاّ أنت. ما زال يقولها حتى مات.
توفي عمرو بن العاص يوم الفطر بمصر سنة ثلاث وأربعين وهو وال عليها.
وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثمان وخمسين.
ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، القرشيّ، السّهميّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسلم طوعاً في الهدنة، وهاجر، واستعمله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذات السّلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، وبعثه إلى عمان، وأمرّه عمر في فتوح الشّام ثم ولاّه مصر، وولاّه إيّاها عثمان؛ روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. ودخل دمشق قبل الفتح برسالة من أبي بكر، وشهد فتح دمشق، وكان له بها دار عند سقيفة كرمس في جيرون، ودار في ناحية باب الجابية ما بين دار الشّعّارين وزقاق الهاشميّين، ودار تعرف ببني حجيجة في رحبة الزّبيب، ودار تعرف بالمارستان الأوّل عند عين الحمى. وشهد اليرموك أميراً على كردوس.
حدّث، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهاراً غير سرّ يقول: " إنّ آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين ".
عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال: كنّا مع عمرو بن العاص في حجّ أو في عمرة، وإذا امرأة قد أخرجت يديها عليها حبائرها وخواتيمها، فوضعت يديها على هودجها، فعدل فدخل شعباً، فقال: كنّا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الشّعب فإذا غربان كثيرة، وإذا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرّجلين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنّة من النّساء إلاّ كقدر هذا الغراب في هذه الغربان ".
قال محمد بن سعد: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، ويكنى أبا عبد الله، وأمّه النّابغة بنت خزيمة من عنزة، قدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فأسلموا.
وقال ابن البرقيّ: وكانت وفاته بمصر بعد الفطر، صلّى عليه عبد الله بن عمرو سنة ثلاث وأربعين. وقال محمد بن عبد الله: وكان يوم توفي ابن تسعين سنة.
عن أبي هريرة، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابنا العاصي مؤمنان؛ هشام وعمر ".
قال ابن يونس: قدم مصر في الجاهلية للتّجارة، وشهد الفتح، وكان أمير العرب مدخلهم مصر، وولّي على مصر من سنة عشرين إلى مقتل عمر، وولي بعد عمر لعثمان بن عفّان حين انتقضت الإسكندرية، وولي أيضاً لمعاوية بن أبي سفيان من ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي بمصر ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين.
وقال أبو نعيم الحافظ: كان يخضب بالسّواد، خرج إلى الحبشة، إلى النّجاشيّ، بعد الأحزاب، فأسلم عنده
بالحبشة، فأخذه أصحابه بالحبشة فغمّوه، فأفلت منهم مجرداً ليس عليه قشرة، فأظهر للنّجاشيّ إسلامه، فاسترجع من أصحابه جميع ماله وردّه عليه، فقدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مهاجرين المدينة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقدّم خالد فبايع، ثم تقدّم هو فبايعه على أن يغفر له ما كان قبله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الهجرة، والإسلام يجبّ ما قبله " ثم بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غزوة ذات السّلاسل والياً لعلمه بالحرب والمكيدة؛ وكان يلي مصر من قبل عمر بن الخطّاب، وكان يسرد الصّوم ويباشر الحروب، وشهد الفتنة. توفي بمصر والياً عليها ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين، ودفن يوم الفطر، وصلّى عليه ابنه عبد الله قبل صلاة الفطر، له نحو من مئة سنة. كان أحد دهاة العرب.
قال فيه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسلم النّاس وآمن عمرو ". وقال: " ابنا العاص مؤمنان، عمرو وهشام ". وقال: " نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأمّ عبد الله ".
حدّث عمرو بن العاص من فيه، قال: لمّا انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش، فأتوا يرون رأيي ويسمعون منّي، فقلت لهم: والله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوّاً منكراً وإني قد رأيت رأياً فما ترون فيه؟ قالوا: وما ذاك الذي رأيت؟ قال: قلت: رأيت أن نلحق بالنّجاشيّ فنكون معه، فإن ظهر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومنا كنّا عند النّجاشيّ، فإنّا أن نكون تحت يديه أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلم يأتنا منهم إلاّ خير. قالوا: هذا الرّأي. قلت: فاجمعوا له ما يهدى له وكان أحبّ ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه؛ فوالله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّه الضّمريّ وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده. قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أميّة، ولو قد دخلت على النّجاشيّ فسألته إيّاه فأعطانيه،
فضربت عنقه؛ فإذا فعلت به ذلك رأت قريش أن قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع؛ فقال: مرحباً بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئاً؟ قلت: نعم، قد أهديت لك أدماً كثيراً؛ ثم قرّبته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيّها الملك، قد رأينا رجلاً خرج من عندك، وهو رسول رجل عدوّ لنا، فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا. قال: فغضب، ثم مدّ يده فضرب بها أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره. قال: لو انشقّت الأرض لدخلت فيها فرقاً منه؛ ثم قلت: أيّها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتي موسى؟. قال: قلت: أيّها الملك، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتّبعه، فإنه والله على الحقّ، وليظهرنّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: قلت: أتبايعني على الإسلام؟ قال: نعم. فبسط يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عمّا كان عليه، فكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامداً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إسلامي، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام الميسم، وإن الرّجل لنبيّ، أذهب والله أسلم، حتى متى؟ قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلاّ للإسلام. فقدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدّم من ذنبي. قال: ولا أذكر ماتأخّر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجبّ ما كان قبلها ". قال: فبايعت، ثم انصرفت.
وقال الزّبير: ثم بعث إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني أردت أن أوجّهك وجهاً، وأرغب لك رغبةً " فقال عمرو: أمّا المال فلا حاجة لي فيه، ووجّهني حيث شئت. فقال رسول الله عليه وسلم: " نعمّا بالمال الصّالح للرّجل الصّالح ". ووجّهه قبل الشّام، وأمره أن يدعو أخوال أبيه العاص من بليّ إلى الإسلام ويستنفرهم إلى الجهاد؛ فشخص عمرو إلى ذلك الوجه، ثم كتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمدّه؛ فأمدّه بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة بن الجّراح. فقال عمرو: إنّما أنتم أميركم. فقال له أبو عبيدة: تعلم يا عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إليّ أخالفك. فسلّم له أبو عبيدة، وصلّى خلفه.
عن طلحة بن عبيد الله، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر ".
وعن عليّ بن رباح، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: كان في المدينة فزع، فتفرّقوا، فنظرت إلى سالم مولى أبي حذيفة في المسجد، عليه سيف محتبياً به، فلّما نظرت إلى سالم دعوت بسيفي فاحتبيت به إلى جنبه؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيّها النّاس لا يكون فزعكم إلاّ إلى الله ورسوله، ما هذا؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرّجلان المؤمنان؟ ".
عن علقمة بن رمثة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عمرو بن العاص إلى البحرين، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سريّة وخرجنا معه، فنعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " قال: فتذاكرنا كلّ من اسمه عمرو. فنعس رسول الله صلى الله وسلم، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " ثم نعس الثّالثة فاستيقظ، فقال: " رحم الله عمراً ".قلنا: يا رسول الله، من عمرو هذا؟ قال: " عمرو بن العاص " قلنا: وما شأنه؟ قال: " كنت إذا ندبت النّاس
إلى الصّدقة جاء فأجزل منها، فأقول: أنّى لك هذا؟ فقال: من عند الله " قال: " وصدق عمرو إن له عند الله خيراً كثيراً ".
عن عمرو بن العاص، قال: ما عدل بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبخالد بن الوليد في حربه منذ أسلمنا أحداً من أصحابه.
عن إسماعيل بن قيس، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمراً على جيش ذات السّلاسل، إلى لخم وجذام. قال: وكان في أصحابه قلّة. فقال لهم عمرو: لا يوقدنّ أحد منكم ناراً. قال: فشقّ ذلك عليهم، فكلّموا أبا بكر يكلّم لهم عمراً، فكلّمه، فقال: لا يوقد أحد منكم ناراً إلاّ ألقيته فيها. فقاتل العدوّ فظهر عليهم، فاستباح عسكرهم؛ فقال له النّاس: ألا تتبعهم؟ فقال: لا، إني لأخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين. فشكوه إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رجعوا، فقال: " صدقوا يا عمرو؟ " فقال له: إنه كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرغب العدوّ في قتلهم، فلّما أظهرني الله عليهم قالوا: أنتبعهم؟ فقلت: أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين؛ فكأن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمد أمره؛ فقال عمرو عند ذلك: أيّ النّاس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: " لم؟ " قال: لأحبّ من تحبّ. فقال: " أحبّ النّاس إليّ عائشة " فقال: لست أسألك عن النّساء، إنّما أسألك عن الرّجال. فقال: " أبو بكر ".
وعن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، أنه قال: لّما بعثني رسول الله صلى عليه وسلم عام ذات السّلاسل فاحتلمت في باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت ثم صلّيت بأصحابي صلاة الصّبح. قال: فلّما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت ذلك له، فقال: " يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ " قال: قلت: نعم يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني احتملت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " فتيممّت ثم صلّيت. فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئاً.
قال الحسن: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّه، أليس رجلاً صالحاً؟ قال: بلى. قال: قد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّك، وهو استعملك. فقال: قد استعملني، فوالله ما أدري أحبّاً كان لي منه أو استعانةً بي؛ ولكن سأحدّثك برجلين مات وهو يحبّهما، عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر.
عن مولى لعمرو بن العاص، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: أسلمت عند النّجاشيّ وبايعته على الإسلام، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأعلمته أني قدمت راغباً في الهجرة وفي ظهور الإسلام، وأنا أحبّ أن يرى أثري وغناي عن الإسلام وأهله فقد طال ما كنت عوناً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبّ ما كان قبله، وأنا باعثك في أناس أبعثهم إن شاء الله ". فلمّا كان بعد ذلك بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية نفر سمّاهم، فكنت أنا المبعوث إلى جيفر وعبد ابني الجلندى وكانا من الأزد، والملك منهما جيفر؛ وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معي إليهما كتاباً يدعوهما فيه إلى الإسلام، وكتب أبيّ بن كعب الكتاب وختمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت حتى قدمت عمان، فعمدت إلى عبد بن الجلندى وكان أحلم الرّجلين وأسهلهما خلقاً فقلت: إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليك وإلى أخيك. فقال: أخي المقدّم عليّ بالسّنّ والملك، وأنا أوصلك إليه. فمكثت ببابه أيّاماً ثم وصلت إليه، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففضّ خاتمه ثم قرأه إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه، وقال: يا عمرو أنت ابن سيّد قومك، فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ فقلت: مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدّق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريباً. قال: فسألني أين كان إسلامي؟ فقلت: عند النّجاشيّ، وقد أسلم. قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقرّوه واتّبعوه. قال: والأساقفة والرّهبان تبعوه؟ قال: قلت: نعم. قال: فأبى أن يسلم، فأقمت أيّاماً ثم قلت: إني خارج غداً. فلمّا أيقن بخروجي أرسل إليّ فأجاب إلى الإسلام، فأسلم هو وأخوه، وصدّقا بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلّيا بيني وبين
الصّدقة والحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني، فأخذت الصّدقة من أغنيائهم فرددتها على فقرائهم، وأخذت صدقات ثمارهم وما يجزوا به؛ فلم أزل مقيماً حتى بلغنا وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عمرو عن العاص، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والياً على عمان، فأتيتها، فخرج إليّ أساقفتهم ورهبانهم فقالوا: من أنت؟ فقلت: عمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، رجل من قريش. قالوا: ومن بعثك؟ قلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: ومن هو؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، وهو رجل منّا قد عرفناه وعرفنا نسبه، أمرنا بمكارم الأخلاق ونهانا عن مساوئها، وأمرنا أن نعبد الله وحده. قال: فصيّروا أمرهم إلى رجل منهم، فقال لي: هل به من علامة؟ قلت: نعم، لحماً متراكباً بين كتفيه يقال له: خاتم النّبوّة. فقال: فهل يأكل الصّدقة؟ قلت: لا. قال: فهل يقبل الهديّة؟ قلت: نعم، ويثيب عليها. قال: فكيف الحرب بينه وبين قومه؟ فقلت: سجالاً، مرّةً له ومرّةً عليه. قال: فأسلم وأسلموا. ثم قال لي: والله لئن كنت صدقتني لقد مات في هذه اللّيلة؛ أو: لقد أتى على أجله في هذه اللّيلة. قلت: ما تقول؟ قال: والله، لئن كنت صدقتني لقد صدقتك. قال: فمكثت أيّاماً فإذا راكب قد أناخ يسأل عن عمرو بن العاص؛ فقمت إليه مفزوعاً، فناولني كتاباً فإذا عنوانه: من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص. فأخذت الكتاب ففككته فإذا فيه: " بسم الله الرّحمن الرّحيم "
من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، أمّا بعد: فإن الله عزّ وجلّ بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شاء، وأحياه
ما شاء، ثم توفّاه حين شاء، وقد قال في كتابه الصّادق: " إنك ميّت وإنهم ميّتون " وإن المسلمين قلّدوني أمر هذه الأمّة عن غير إرادة منّي ولا محبّة، فأسأل الله العون والتوفيق. فإذا آتاك كتابي فلا تحلّنّ عقالاً عقله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعقلنّ عقالاً حلّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والسّلام. فبكيت بكاءً طويلاً، ثم خرجت عليهم فأعلمتهم، فبكوا وعزّوني. فقلت: هذا الذي ولينا من بعده، ما تجدونه في كتابكم؟ قال: يعمل بعمل صاحبه اليسير ثم يموت. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يليكم قرن الحديد، فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطاً وعدلاً، لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يقتل. قال: قلت: يقتل؟ قال: إي والله يقتل. قال: قلت: ومن ملأ أم من غيلة؟ قال: بل غيلة. فكانت أهون عليّ. قال: ثم ماذا؟ وانقطع من كتاب الشّيخ.
عن اللّيث بن سعد، قال: نظر عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلاّ أميراً.
عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم، قال: خرج عمرو بن العاص إلى بطريق غزّة في نفر من أصحابه، عليه قباء عليه صدأ الحديد وعمامةً سوداء وفي يده رمح وعلى ظهره ترس: فلمّا طلع عليه ضحك البطريق، وقال: ما كنت تصنع بحمل السّلاح إلينا؟ قال: خفت أن ألقى دونك فأكون قد فرّطت. فالتفت إلى أصحابه فقال بيده عقد الأنملة على إبهامه، ثم قال: مرحباً بك: وأجلسه معه على سريره، وحادثه، فأطال: ثم كلّمه بكلام كثير، وحاجّه عمروّ ودعاه إلى الإسلام. فلمّا سمع البطريق كلامه وبيانه وأداءه قال بالرّوميّة: يا معشر الرّوم، أطيعوني
اليوم واعصوني الدّهر، أمير القوم؛ ألا ترون أني كلّما كلّمته كلمةً أجابني عن نفسه؟ لا يقول: أشاور أصحابي، وأذكر لهم ما عرضت عليّ؛ وليس الرّأي إلاّ أن نقتله قبل أن يخرج من عندنا، فتختلف العرب بينها، وينتهي أمرهم، ويعفون من قتالنا. فقال من حوله من الرّوم: ليس هذا برأي. وقد كان دخل مع عمرو بن العاص رجل من أصحابه يعرف كلام الرّوم، فألقى إلى عمرو ما قال الملك؛ ثم قال الملك: ألا تخبرني هل في أصحابك مثلك يلبس ثيابك ويؤدّي أداءك؟ فقال عمرو: أنا أكلّ أصحابي لساناً، وأدناهم أداء؛ وفي أصحابي من لو كلّمته لعرفت أني لست هناك. قال: فأنا أحبّ أن تبعث إليّ رأسكم في البيان والتّقدّم والأداء حتى أكلّمه. فقال عمرو: أفعل. وخرج عمرو من عنده، فقال البطريق لأصحابه: لأخالفنّكم، لئن دخل فرأيت منه ما يقول لأضربنّ عنقه. فلمّا خرج عمرو من الباب كبّر، وقال: لا أعود لمثل هذا أبداً. وأتى منزله، فاجتمع إليه أصحابه يسألونه، فخبّرهم خبره وخبر البطريق، فأعظم القوم ذلك، وحمدوا الله على ما رزق من السّلامة. وكتب عمرو بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: الحمد لله على إحسانه إلينا، وإيّاك والتّغرير بنفسك أو بأحد من المسلمين في هذا أو شبهه، وبحسب العلج منهم أن يكلّم في مكان سواء بينك وبينه، فتأمن غائلته، ويكون أكسر. فلمّا قرأ عمرو بن العاص كتاب عمر، ترحّم عليه، ثم قال: ليس الأب البرّ بولده بأبرّ من عمر بن الخطّاب برعيّته.
عن موسى بن عمران بن مناح، قال: لمّا رأى عمرو بن العاص يوم اليرموك صاحب الرّاية ينكشف بها، أخذها، ثم جعل يتقدّم وهو يصيح: إليّ يا معاشر المسلمين؛ فجعل يطعن بها قدماً وهو يقول: اصنعوا كما أصنع؛ حتى إنه ليرفعها وكأن عليها ألسنة المطر من العلق.
قال خليفة: وفي هذه السّنة يعني سنة ست عشرة افتتحت حلب وأنطاكية ومنبج.
وقال: إن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين فصالح أهل حلب وكتب لهم كتاباً. وقال: وولّى عمر عمرو بن العاص فلسطين والأردنّ، وكتب إليه عمر، فسار إلى مصر فافتتحها. وقال: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص أن سر إلى مصر، فسار، وبعث عمر الزّبير بن العوّام مدداً له، ومعه عمر بن وهب الجمحيّ وبسر بن أبي أرطاة وخارجة بن حذافة، حتى أتى باب اليون فامتنعوا، فافتتحها عنوة، وصالحه أهل الحصن. وكان الزّبير أوّل من ارتقى سور المدينة ثم اتّبعه النّاس بعد؛ فكلّم الزبير عمرو بن العاص أن يقسمها بين من افتتحها؛ فكتب عمرو إلى عمر فكتب عمر: أكلة وأكلات خير من أكلة، أقرّوها.
عن أبي العالية، قال: سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمّست، إلاّ أهل أنطابلس فإن لهم عهداً نوفي به.
قال يعقوب: ثم كان فتح الإسكندرية الأول، وأميرها عمرو بن العاص سنة ثنتين وعشرين؛ وغزوة عمرو بن العاص أطرابلس الغرب سنة ثلاث وعشرين؛ ثم كان فتح الإسكندرية الأخيرة أميرها عمرو بن العاص سنة خمس وعشرين.
قال عمرو بن العاص: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم من عظمائهم: أخرجوا إلىّ رجلاً أكلّمه ويكلّمني. فقلت: لا يخرج إليه غيري. فخرجت معي ترجمان ومعه ترجمان حتى وضع لنا منبران؛ فقال: ما أنتم؟ قلت: نحن العرب، ومن أهل الشّوك والقرظ، ونحن أهل بيت الله، كنّا أضيق النّاس أرضاً وشرّه عيشاً، نأكل الميتة والدّم، ويغير بعضنا على بعض، كنّا بشر عيش عاش به النّاس، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ولا أكثرنا مالاً، وقال: أنا رسول الله إليكم؛ يأمرنا بما لا نعرف وينهانا عمّا كنّا عليه آباؤنا، فشنفنا له وكذّبناه، ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا: نحن نصدّقك ونؤمن بك ونتّبعك ونقاتل من قاتلك؛ فخرج إليهم، وخرجنا إليه، وقاتلناه فقتلنا وظهر علينا وغلبنا، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم، فلو يعلم من ورائي ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلاّ جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش. فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق، وقد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم، وكنّا عليه حتى ظهرت فينا ملوك فجعلوا يعلمون فينا بأهوائهم ويتركون أمر رسولكم، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيّكم لم يقاتلكم أحد إلاّ غلبتموه، ولم يسارقكم أحد إلاّ ظهرتم عليه؛ فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا فتركتم أمر نبيّكم، وفعلتم بمثل الذي عملوا بأهوائهم، وخلّي بيننا وبينكم، لم تكونوا أكثر عدداً منّا ولا أشدّ منّا قوّةً. قال عمرو بن العاص: فما كلّمت رجلاً قطّ أذكى منه.
قال ربيعة بن لقيط: سمعت عمرو بن العاص وهو يصلّي باللّيل، وهو يبكي ويقول: أللهم إنك آتيت عمراً مالاً فإن كان أحبّ إليك إن تسلب عمراً ماله ولا تعذّبه بالنّار فاسلبه ماله؛ وإنك آتيت عمراً أولاداً فإن كان أحبّ إليك أن تثكل عمراً ولده ولا تعذّبه بالنّار فأثكله ولده؛ وإنك آتيت عمراً سلطاناً فإن كان أحبّ إليك أن تنتزع منه سلطانه ولا تعذّبه بالنّار فانزع منه سلطانه.
عن الزّهريّ، قال: توفّى الله عمر، واستخلف عثمان، فنزع عمرو بن العاص عن مصر وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وعن عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله الزّبير، عن أشياخه: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمامها من عمرو بن العاص. قال: ومازال معتصماً بمكة ليس في شيء ممّا فيه النّاس، حتى كانت وقعة الجمل؛ فلّما حانت وقعة الجمل بعث إلى ابنيه عبد الله ومحمد ابني عمرو فقال لهما: إني قد رأيت رأياً، ولستما باللّذين تردّاني ولكن أشيراً عليّ؛ إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزّاري مكة، ولست أرضي بهذه المنزلة، فإلى أيّ الفريقين أعمد؟ فقال له عبد الله ابنه: إن كنت لا بدّ فاعلاً فإلى عليّ. فقال عمرو: ثكلتك أمّك، إني إن أتيت عليّاً قال لي: إنّما أنت رجل من المسلمين؛ وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره. فأتى معاوية.
عن الوليد البلخيّ، قال: فلّما انتهى كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص استشار ابنيه عبد الله ومحمداً ابني عمرو فقال: إنه قد كانت مني في عثمان هنات لم أستقلّها بعد، وقد كان منّي نفسي حيث ظننت أنه مقتول ماقد أحتمله؛ وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلّي، وقد
كتب إليّ معاوية يسألني أن أقدم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فأقم في منزلك فلست مجعولاً خليفة، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية. فقال محمد: يا أبه، أنت شيخ قريش وصاحب أمرها، وإن تصرّم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت، فالحق بجماعة أهل الشام والطلب بدم عثمان. فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي. فلّما جنّ عليه اللّيل أرق في فراشه ذلك، وجعل يتفكر فيما يريد، أي الأمرين يأتي؟ ثم أنشأ يقول: من الطويل
تطاول ليلي للهموم الطّوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العوائق
وإن ابن هند سألني أن أزوره ... وتلك التي فيها عظام البوائق
أتاه جرير من عليّ بخطّة ... أمرّت عليها العيش، ذات مضايق
فوالله ما أدري وما كنت هكذا ... أكون ومهما أن أرى فهو سابقي
أخادعه والخدع فيه دنيّة ... أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم اقعد في بيتي وفي ذاك راحة ... لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق
وقد قال عبد الله قولاً تعلّقت ... وإني لصلب الرّأي عند الحقائق
فلّما أصبح عمرو دعا غلامه وردان فقال: ارحل يا وردان، حطّ يا وردان مرتين أو ثلاثاً فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، أما إنك إن شئت أنباتك بما في نفسك. قال: هات. قال: اعترضت الدّنيا والآخرة على قلبك فقلت: عليّ معه الآخرة، وفي الآخرة عوض من الدّنيا، ومعاوية معه الدّنيا بلا آخرة، وليس في الدّنيا عوض من الآخرة، فأنت متحّير بينهما. فقال له عمرو: قاتلك الله، يا وردان والله ما أخطأت، فما ترى؟ قال: أرى أن تقيم في منزلك؛ فإن ظهر أهل الدّين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدّنيا لم يستغنوا عنك. فقال له عمرو: الآن حين شهرني النّاس بمسيري أقيم؟ فارتحل إلى معاوية.
عن عبد الله بن معقل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي، لا تتّخذهم غرضاً من بعدي؛ فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم؛ ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن الله يوشك أن يأخذه ".
عن أبي هشام الرّماني، عن من حدّثه، قال: كتب عليّ بن أبي طالب عمرو بن العاص، فلّما أتى الكتاب أقرأه معاوية وقال: قد ترى ما كتب إليّ عليّ بن أبي طالب، فإمّا أن ترضني وإمّا أن ألحق به. فقال له معاوية: فما تريد؟ قال: أريد مصر مأكلةً. فجعلها له معاوية كما أراد.
عن سويد عن غفلة، قال: إني لأمشي مع عليّ بشطّ الفرات، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بني إسرائيل اختلفوا، فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلاً وأضلاّ، وإن هذه الأمّة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين؛ ضلاّ وضلّ من اتّبعهما.
عن عمرو بن محمد، عن رجل، قال: دعا معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص، وهو متحزّم عليه ثيابه وسيفه، وحوله إخواته وأناس من قريش؛ يا عمرو، إن أهل الكوفة أكرهوا عليّاً على أبي موسى وهو لا يريده، ونحن بك راضون، وقد ضمّ إليك رجل طويل اللّسان كليل المدية، وله بعد حظّ من دين؛ فإذا قال فدعه فليقل، ثم قل وأوجز واقطع المفصل، ولا تلقه بكلّ رأيك، واعلم أن خفيّ الرّأي زيادة في العقل؛ فإن خوّفك بأهل العراق فخوّفه بأهل الشّام، وإن خوّفك بعليّ فخوّفه بمعاوية، وإن خوّفك بمصر فخوّفه باليمن، وإن أتاك بالتفسير فأته بالحمل. قال له عمرو: يا أمير المؤمنين، أنت وعليّ رجلا قريش، ولم يقل في حربك ما رجوت ولم تأمن ما خفت؛ ذكرت أن لعبد الله ديناً، وصاحب الدّين منصور، وايم الله لأفنينّ علله ولأستخرجن خبيئه، ولكن إن جاءني بالإيمان والهجرة ومناقب عليّ فما عسيت أن أقول؟ فقال معاوية: قل ما ترى. فقال عمرو: فهل تدعني وما ترى؟ وخرج مغضباً، فقال لأصحابه: إنّما أراد معاوية أن يصغّر أبا موسى لأنه علم أني خادعه غداً،
فأحبّ أن يقول: لم يخدع أريباً؛ فقد كذّبته بالخلاف عليه. وقال في ذلك شعراً: من الوافر
يشجّعني معاوية بن حرب ... كأنّي للحوادث مستكين
وأني عن معاوية غنيّ ... بحمد الله والله المعين
وهوّن أمر عبد الله عمرو ... وقال له على ما ذاك دين
فقلت له ولم أردد عليه ... مقالته وللشّكوى أنين
ترى أهل العراق يدبّ عنهم ... وعن حرماتهم رجل مهين
فإن جهلوه لم يجهل عليّ ... وغبّ القول يحمله السّمين
ولكن خطبه فيهم عظيم ... وفضل المرء فيهم مستبين
فإن أظفر فلم أظفر بوغد ... وإن يظفر فقد قطع الوتين
قال: فلمّا بلغ معاوية شعره غضب من ذلك، وقال: لولا مسيره كان لي فيه رأي. فقال عبد الرّحمن بن أم الحكم: أما والله إن أمثاله من قريش لكثير، ولكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغنى عنه. فقال معاوية: فأجبه. فقال عبد الرّحمن: من الوافر
ألا يا عمرو عمرو قبيل سهم ... أمن طبّ أصابك ذا الجنون؟
دع البغي الذي أصبحت فيه ... فإن البغي صاحبه لعين
ألم تهرب بنفسك من عليّ ... بصفّين وأنت بها ضنين
حذاراً أن تلاقيك المنايا ... وكل فتى سيدركه المنون
ولسنا عاتبين عليك إلاّ ... لقولك: إنني لا أستكين
عن عمرو بن الحكم، قال: لمّا التقى النّاس بدومة الجندل قال ابن عبّاس للأشعريّ: احذر عمراً فإنّما يريد أن يقدّمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي؛ فكن متدبّراً لكلامه.
فكان إذا التقيا يقول عمرو: إنك صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي وأنت أسنّ منّي فتكلّم ثم أتكلّم. وإنّما يريد عمرو أن يقدّم أبا موسى في الكلام ليخلع عليّاً، فاجتمعا على أمرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى، وقال أبو موسى: عبد الله بن عمرو. فقال عمرو: أخبرني عن رأيك. فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرّجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختاروا لأنفسهم من أحبّوا. قال عمرو: الرّأي ما رأيت. فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون، فقال له عمرو: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع. فتكلّم أبو موسى: إنّ رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمّة. فقال عمرو: صدق وبرّ، ونعم النّاظر للإسلام وأهله، فتكلّم يا أبا موسى. فأتاه ابن عبّاس فخلا به فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً ثم نزع عنه على ملأ من النّاس واجتماعهم. فقال الأشعريّ: لاتخشى ذلك، قد اجتمعنا واصطلحنا. فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، قد نظرنا في أمر هذه الأمّة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن لا نبتزّ أمورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضىً منها وتشاور، وقد اجتمعنا أنا وصاحبي على أمر واحد، على خلع عليّ ومعاوية، وتستقبل هذه الأمّة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولّون منهم من أحبّوا عليهم، وإنّي قد خلعت عليّاً ومعاوية، فولّوا أمركم من رأيتم. ثم تنحّى. وأقبل عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما قد سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه وليّ ابن عفّان والطّالب بدمه وأحقّ النّاس بمقامه. فقال سعد بن أبي وقّاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده. فقال أبو موسى: فما أصنع؟ جامعني على أمر ثم نزع عنه. فقال ابن عبّاس: لاذنب لك يا أبا موسى، الذّنب لغيرك، للّذي قدّمك في هذا المقام. فقال أبو موسى: رحمك الله، غدرني، فما أصنع؟
وقال أبو موسى لعمرو: إنّما مثلك كالكلب " إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ". فقال عمرو: إنّما مثلك مثل " الحمار يحمل أسفاراً ". فقال ابن عمر: إلام صيّرت هذه الأمّة؟ إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. وقال عبد الرّحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعريّ من قبل هذا كان خيراً له.
وعن عبد الواحد بن أبي عوف، قال: لمّا صار الأمر في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو بن العاص ما عاش؛ ورأى عمرو أن الأمر كلّه قد صلح به وبتدبيره وعنائه وسعيه فيه، وظنّ أن معاوية سيزيده الشّام مع مصر، فلم يفعل معاوية؛ فتنكّر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وتميّز النّاس وظنّوا أنه لا يجتمع أمرهما، فدخل بينهما معاوية بن خديج فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتاباً، وشرط فيه شروطاً لمعاوية وعمرو خاصّة وللنّاس عامّة، وأن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وعلى أن على عمرو السّمع والطّاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهوداً؛ ثم مضى عمرو بن العاص على مصر والياً عليها وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين، فوالله ما مكث بها إلاّ سنتين أو ثلاثاً حتى مات.
عن عبد الله بن عمرو، قال وذكر معاوية: والله لأبي أقدم صحبةً، وكان أحبّ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن كرهنا الفرقة.
وعن عبد الكريم بن راشد، أن عمر بن الخطّاب قال: يا أصحاب محمد تناصحوا، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية.
قال شعيب بن يعقوب: اجتمع معاوية وعمرو بن العاص، فقال معاوية: من النّاس؟ قال: أنا وأنت ومغيرة وزياد. قال: وكيف ذلك؟ فقال: أنت للتّأنّي، وأمّا أنا فللبديهة، وأما مغيرة
فللمعضلات، وأما زياد فللصّغير والكبير. قال له معاوية: أما ذانك فقد غابا، فهات قولك: أنا للبديهة؛ وأما أنا فللأناة، فهات بديهتك. قال: وتريد ذاك؟ قال: نعم. قال: فأخرج من عندك. فأمرهم فخرجوا حتى لم يبق في البيت غيرهما. قال: فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارّك. قال: فأدنى رأسه منه. قال: هذا من ذلك، ومن معنا في البيت حتى أسارّك؟ عن محمد بن سلاّم الجمحيّ، قال: كان عمر بن الخطّاب إذا رأى الرّجل يتلجلج في كلامه، قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.
عن قبيصة بن جابر، قال: صحبت عمر بن الخطّاب فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مداراةً منه؛ وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل عن غير مسألة منه؛ وصحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيت رجلاً أثقل حلماً منه؛ وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين أو قال: أنصع طرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه؛ وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلاّ بالمكر لخرج من أبوابها كلّها.
وعن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: كان عمرو بن العاص يسرد الصّوم، وقلّ ما يصيب من العشاء، وأكثر ذلك كان يصيب من السّحر؛ فسمعته يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر ".
وعن أبي عمران الفلسطينيّ، قال: بينما امرأة عمرو بن العاص تفلي رأسه إذ نادت جارية لها فأبطأت عنها، فقالت: يا زانية. فقال عمرو: رأيتها تزني؟ قالت: لا. قال: والله لتضربنّ لها يوم القيامة ثمانين سوطاً. فقالت لجاريتها وسألتها تعفو، فعفت عنها، فقالت: هل يجزيء عنّي؟ فقال لها: وما لها ألاّ تعفو وهي تحت يدك؟ فأعتقتها. فقالت: هل يجزيء عنّي ذلك؟ قال: فلعلّ.
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام في الوهط، فسبّه المغيرة؛ فقال عمرو بن العاص: يال هصيص، يسبّني المغيرة! فقال له عبد الله ابنه: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " أدعوة القبائل وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها؟ فأعتق يعني عمرو بن العاص ثلاثين رقبة.
وعن عمرو بن دينار، قال: كان عمرو بن العاص يقيم كروم الوهط بألف ألف خشبة، كلّ خشبة بدرهم.
وعن المدائنيّ، قال: قال عمرو بن العاص: أربعة لا أملّهم أبداً؛ جليسي ما فهم عنّي، وثوبي ما سترني، ودابّتي ما حملتني، وامرأتي ما أحسنت عشرتي.
عن ابن الأعرابيّ، قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بنيّ، سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم؛ يا بنيّ، زلّة الرّجل عظم يجبر؛ وزلّة اللّسان لا تبقي ولا تذر؛ يا بنيّ، استراح من لا عقل له. فأرسلها مثلاً.
قال الأصمعيّ: قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين، لا تكوننّ لشيء من أمر رعيّتك أشدّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها، ولطغيان اللّئيم حتى تعمل في قمعه؛ واستوحش من الكريم الجائع ومن اللّئيم الشّبعان؛ فإن الكريم يصول إذا جاع، واللّئيم يصول إذا شبع.
وقال الأصمعيّ: قال معاوية لعمرو بن العاص: ما البلاغة؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على
الإيجاز. قال: فمن أصبر النّاس؟ قال: من كان في رأيه رادّاً لهواه. قال: فمن أسخى النّاس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمن أشبع النّاس؟ قال: من ردّ جهله بحلمه.
أنشد الحربيّ يعني إبراهيم بن إسحاق لعمرو بن العاص: من الطويل
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّه ... ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّما
قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
قال هلال بن لاحق: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشرّ، ولكنه الذي يعرف خير الشّرّين؛ وليس الواصل الذي يصل من وصله، ولكنه الذي يصل من قطعه.
عن عليّ بن عبد الله بن سفيان، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو بن العاص: ما السّرور يا أبا عبد الله؟ قال: الغمرات ثم تنجلي.
وقال عمرو بن العاص: نكح العجز التّواني فولد منه النّدامة. وقال: عجبت من الرّجل يفرّ من القدر وهو مواقعه، ومن الرّجل يرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه، ومن الرّجل يخرج الضّغن من نفس أخيه ويدع الضّغن في نفسه، وما تقدّمت على أمر فلمت نفسي على تقدّمي عليه، وما وضعت سرّي عند أحد فلمته على أن أفشاه، وكيف ألومه وقد ضقت به؟ وقال وهو في الموت: اللهم لا ذو قوّة فأنتصر، ولا ذو براءة فأعتذر، اللهم إنّي مقرّ يذنبي مستغفر.
عن الحسن، قال: لمّا احتضر عمرو بن العاص نظر إلى صناديق، فقال: من يأخذها بما فيها؟
ياليته كان بعراً؛ ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره، فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: ما ترون هذا يغني عنّي شيئاً.
عن عوانة بن الحكم، قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه! ؛ فلما نزل به قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبت، إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت وعقلك معك. فقال: يا بنيّ، الموت أجل من أن يوصف، ولكنّي سأصف لك منه شيئاً؛ أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي شوك السّلاّء، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرة.
حدّث محمد بن زياد: أن عمرو بن العاص حين حضره الموت، قال: اللهم إنك أمرتنا بأشياء فتركناها، ونهيتنا عن أشياء فأتيناها؛ ثم قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله ثم قبض عليها بيده اليمنى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم قبض عليها بيده اليسرى قال: فقبض وإن يداه لمقبوضتان.
عن الحسن، قال: بلغني أن عمرو بن العاص لمّا كان عند الموت دعا حرسه فقال: أيّ صاحب كنت لكم؟ قالوا: كنت لنا صاحب صدق، تكرمنا، وتعطينا، وتفعل، وتفعل. قال: إنّما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، ها هو ذا قد نزل بي، فاغنوه عنّي. فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: والله ما كنّا نحسبك تكلّم بالعوراء؛ يا أبا عبد الله، قد علمت أنّا لا نغني عنك من الموت شيئاً. فقال: أما والله لقد قلتها، وإني لأعلم أنكم لا تغنون عنّي من الموت شيئاً، ولكن والله لأن أكون لم أتّخذ منكم رجلاً قطّ
يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا؛ فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: حرس امرءاً أجله. ثم قال عمرو: اللهم، لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإلاّ تدركني منك برحمة أكن من الهالكين.
وعن عبد الله بن عمرو: أنه حدّث أن أباه أوصاه، قال: يا بنيّ، إذا متّ فاغسلني غسلةً بالماء، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّانية بماء قراح، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّالثة بماء فيه شيء من كافور، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم إذا ألبستني الثّياب فأزرّ عليّ فإني مخاصم؛ ثم إذا حملتني على السّرير فامش بي مشياً بين المشيتين، وكن خلف الجنازة فإن مقدّمها للملائكة وخلفها لبني آدم، فإذا أنت وضعتني في القبر فسنّ عليّ التراب سنّاً؛ ثم قال: اللهم إنك أمرتنا فأطعنا، ونهيتنا فركبنا، فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلاّ أنت. ما زال يقولها حتى مات.
توفي عمرو بن العاص يوم الفطر بمصر سنة ثلاث وأربعين وهو وال عليها.
وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثمان وخمسين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67432&book=5519#a6fef3
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ
- عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ. بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ. ويكنى أبا عبد الله. أسلم بأرض الحبشة عند النجاشي ثم قدم المدينة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - مهاجرًا في هلال صفر سنة ثمان من الهجرة. وصحب رسول الله ص. واستعمله على غزوة ذات السلاسل. وبعثه يوم فتح مكة إلى سواع صنم هذيل فهدمه. وبعثة أيضًا إلى جيفر وعبد ابني الجلندا وكانا من الأزد بعمان يدعوهما إلى الإسلام فقبض رسول الله ص. وعمرو بعمان فخرج منها فقدم المدينة فبعثه أبو بكر الصديق أحد الأمراء إلى الشام فتولى ما تولى من فتحها وشهد اليرموك. وولاه عمر بن الخطاب فلسطين وما والاها. ثم كتب إليه أن يسير إلى مصر فسار إليها في المسلمين وهم ثلاثة آلاف وخمس مائة ففتح مصر و. ولاه عمر بن الخطاب مصر إلى أن مات. وولاه عثمان بن عفان مصر سنين ثم عزله واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. فقدم عمرو المدينة فأقام بها. فلما نشب الناس في أمر عثمان خرج إلى الشام فنزل بها في أرض له بالسبع من أرض فلسطين حتى قتل عثمان. رحمه الله. فصار إلى معاوية فلم يزل معه يظهر الطلب بدم عثمان. وشهد معه صفين. ثم ولاه معاوية مصر فخرج إليها فلم يزل بها واليًا وابتنى بها دارًا ونزلها إلى أن مات بها يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين في خلافة معاوية. ودفن بالمقطم مقبرة أهل مصر وهو سفح الجبل. وقال حين حضرته الوفاة: أجلسوني. فأجلسوه. فأوصى: إذا رأيتموني قد قبضت فخذوا في جهازي وكفنوني في ثلاثة أثواب وشدوا إزاري فإني مخاصم وألحدوا لي وشنوا علي التراب وأسرعوا بي إلى حفرتي. ثم قال: اللهم إنك أمرت عمرو بن العاص بأشياء فتركها ونهيته عن أشياء فارتكبها. فلا إله إلا أنت. لا إله إلا أنت. ثلاثًا. جامعًا يديه معتصما بهما حتى قبض. قال عبد الله بن صلح الْبِصْرِيُّ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ تُوُفِّيَ فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ فَغَدَا بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى إِذَا بَرَزَ بِهِ وَضَعَهُ فِي الْجَبَّانَةِ حَتَّى انْقَطَعَتِ الأَزِقَّةُ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ. ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلاةَ الْعِيدِ. قَالَ: أَحْسَبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ شَهِدَ الْعِيدَ إِلا صَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ.
- عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ. بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ. ويكنى أبا عبد الله. أسلم بأرض الحبشة عند النجاشي ثم قدم المدينة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - مهاجرًا في هلال صفر سنة ثمان من الهجرة. وصحب رسول الله ص. واستعمله على غزوة ذات السلاسل. وبعثه يوم فتح مكة إلى سواع صنم هذيل فهدمه. وبعثة أيضًا إلى جيفر وعبد ابني الجلندا وكانا من الأزد بعمان يدعوهما إلى الإسلام فقبض رسول الله ص. وعمرو بعمان فخرج منها فقدم المدينة فبعثه أبو بكر الصديق أحد الأمراء إلى الشام فتولى ما تولى من فتحها وشهد اليرموك. وولاه عمر بن الخطاب فلسطين وما والاها. ثم كتب إليه أن يسير إلى مصر فسار إليها في المسلمين وهم ثلاثة آلاف وخمس مائة ففتح مصر و. ولاه عمر بن الخطاب مصر إلى أن مات. وولاه عثمان بن عفان مصر سنين ثم عزله واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. فقدم عمرو المدينة فأقام بها. فلما نشب الناس في أمر عثمان خرج إلى الشام فنزل بها في أرض له بالسبع من أرض فلسطين حتى قتل عثمان. رحمه الله. فصار إلى معاوية فلم يزل معه يظهر الطلب بدم عثمان. وشهد معه صفين. ثم ولاه معاوية مصر فخرج إليها فلم يزل بها واليًا وابتنى بها دارًا ونزلها إلى أن مات بها يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين في خلافة معاوية. ودفن بالمقطم مقبرة أهل مصر وهو سفح الجبل. وقال حين حضرته الوفاة: أجلسوني. فأجلسوه. فأوصى: إذا رأيتموني قد قبضت فخذوا في جهازي وكفنوني في ثلاثة أثواب وشدوا إزاري فإني مخاصم وألحدوا لي وشنوا علي التراب وأسرعوا بي إلى حفرتي. ثم قال: اللهم إنك أمرت عمرو بن العاص بأشياء فتركها ونهيته عن أشياء فارتكبها. فلا إله إلا أنت. لا إله إلا أنت. ثلاثًا. جامعًا يديه معتصما بهما حتى قبض. قال عبد الله بن صلح الْبِصْرِيُّ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ تُوُفِّيَ فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ فَغَدَا بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى إِذَا بَرَزَ بِهِ وَضَعَهُ فِي الْجَبَّانَةِ حَتَّى انْقَطَعَتِ الأَزِقَّةُ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ. ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلاةَ الْعِيدِ. قَالَ: أَحْسَبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ شَهِدَ الْعِيدَ إِلا صَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155347&book=5519#d290de
عَمْرُو بنُ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ
الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ - السَّهْمِيُّ.
دَاهِيَةُ قُرَيْشٍ، وَرَجُلُ العَالَمِ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الفِطْنَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَالحَزْمِ.هَاجَرَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِماً فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، مُرَافِقاً لِخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحَاجِبِ الكَعْبَةِ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُوْمِهِمْ وَإِسْلاَمِهِم، وَأَمَّرَ عَمْراً عَلَى بَعْضِ الجَيْشِ، وَجَهَّزَهُ لِلْغَزْوِ.
لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ كَثِيْرَةً؛ تَبْلُغُ بِالمُكَرَّرِ نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ.
اتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ مِنْهَا.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَائِشَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَمَوْلاَهُ؛ أَبُو قَيْسٍ، وَقَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعْفَرُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْنٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ مُرْسَلاً، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَخُو عُرْوَةَ بنِ أُثَاثَةَ لأُمِّهِ.وَكَانَ عُرْوَةُ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ عَمْرٌو قَصِيْراً، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقِيْلَ: قَدِمَ هُوَ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ طَلْحَةَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ مِنْهَا.
قَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ.
نَزَلَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ سَكَنَ مِصْرَ، وَبِهَا مَاتَ.
رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ، عَمْرٌو وَهِشَامٌ ) .
وَرَوَى: عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ الوَرْدِ؛ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ طَلْحَةُ:
أَلاَ أُحَدِّثُكُم عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ؟ إِنِّيْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ؛ نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ ) .
الثَّوْرِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
عَقَدَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاءً لِعَمْرٍو عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَسَرَاةِ أَصْحَابِهِ.قَالَ الثَّوْرِيُّ: أُرَاهُ، قَالَ: فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ.
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بنِ جَابِرٍ:
قَدْ صَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ، أَوْ أَنْصَعَ رَأْياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى الرَّجُلَ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: خَالِقُ هَذَا وَخَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ وَاحِدٌ !
رَوَى: مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ؛ سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ:
لاَ أَمَلُّ ثَوْبِي مَا وَسِعَنِي، وَلاَ أَمَلُّ زَوْجَتِي مَا أَحْسَنَتْ عِشْرَتِي، وَلاَ أَمَلُّ دَابَّتِي مَا حَمَلَتْنِي، إِنَّ المَلاَلَ مِنْ سَيِّئِ الأَخْلاَقِ.
وَرَوَى: أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ:
قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: صِفْ لِيَ الأَمْصَارَ.
قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ: أَطْوَعُ النَّاسِ لِمَخْلُوْقٍ، وَأَعْصَاهُ لِلْخَالِقِ، وَأَهْلُ مِصْرَ: أَكْيَسُهُم صِغَاراً، وَأَحْمَقُهُم كِبَاراً، وَأَهْلُ الحِجَازِ: أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَى الفِتْنَةِ، وَأَعْجَزُهُم عَنْهَا، وَأَهْلُ العِرَاقِ: أَطْلَبُ النَّاسِ لِلْعِلْمِ، وَأَبْعَدُهُم مِنْهُ.
رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:دُهَاةُ العَرَبِ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَالمُغِيْرَةُ، وَزِيَادٌ، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَلِلأَنَاةِ وَالحِلْمِ؛ وَأَمَّا عَمْرٌو: فَلِلْمُعْضِلاَتِ؛ وَالمُغِيْرَةُ: لِلمُبَادَهَةِ؛ وَأَمَّا زِيَادٌ: فَلِلصَّغِيْرِ وَالكَبِيْرِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ : كَانَ عَمْرٌو مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ وَأَبْطَالِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ، مَذْكُوْراً بِذَلِكَ فِيْهِم.
وَكَانَ شَاعِراً، حَسَنَ الشِّعْرِ، حُفِظَ عَنْهُ مِنْهُ الكَثِيْرُ فِي مَشَاهِدَ شَتَّى، وَهُوَ القَائِلُ:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَتْرُكْ طَعَاماً يُحِبُّهُ ... وَلَمْ يَنْهَ قَلْباً غَاوِياً حَيْثُ يَمَّمَا
قَضَى وَطَراً مِنْهُ وَغَادَرَ سُبَّةً ... إِذَا ذُكِرَتْ أَمْثَالُهَا تَمْلأُ الفَمَا
وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ سُقْنَا مِنْ أَخْبَارِ عَمْرٍو فِي (المَغَازِي) وَفِي مَسِيْرِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَفِي سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَفِي الحَوَادِثِ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ إِقْلِيْمَ مِصْرَ، وَوَلِيَ إِمْرَتَهُ زَمَنَ عُمَرَ، وَصَدْراً مِنْ دَوْلَةِ عُثْمَانَ.
ثُمَّ أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ الإِقْلِيْمَ، وَأَطْلَقَ لَهُ مَغَلَّهُ سِتَّ سِنِيْنَ لِكَوْنِهِ قَامَ بِنُصْرَتِهِ، فَلَمْ يَلِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ سَنَتَيْنِ وَنَيِّفاً.
وَلَقَدْ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً.
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ ) جُمْلَةً، وَطَوَّلَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ رَأْياً، وَدَهَاءً، وَحَزْماً، وَكَفَاءةً، وَبَصَراً بِالحُرُوْبِ، وَمِنْ أَشْرَافِ مُلُوْكِ العَرَبِ، وَمِنْ أَعْيَانِ المُهَاجِرِيْنَ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَعفُو عَنْهُ، وَلَوْلاَ حُبُّهُ لِلدُّنْيَا، وَدُخُوْلُهُ فِي أُمُوْرٍ، لَصَلُحَ لِلْخِلاَفَةِ، فَإِنَّ لَهُ سَابِقَةً لَيْسَتْ لِمُعَاوِيَةَ.وَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَى مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ لِبَصَرِهِ بِالأُمُوْرِ وَدَهَائِهِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيْبٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الخَنْدَقِ، جَمَعْتُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ:
وَاللهِ إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوّاً مُنْكَراً، وَاللهِ مَا يَقُوْمُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْياً.
قَالُوا: وَمَا هُوَ؟
قُلْتُ: أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ عَلَى حَامِيَتِنَا، فَإِنْ ظَفِرَ قَوْمُنَا، فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا نَرْجِعُ إِلَيْهِم، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ، فَنَكُوْنُ تَحْتَ يَدَيِ النَّجَاشِيِّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُوْنَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ.
قَالُوا: أَصَبْتَ.
قُلْتُ: فَابْتَاعُوا لَهُ هَدَايَا، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأَدَمُ، فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَماً كَثِيْراً، وَقَدِمْنَا عَلَيْهِ، فَوَافَقْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ.
فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، قُلْتُ: لَعَلِّي أَقْتُلُهُ.
وَأَدْخَلْتُ الهَدَايَا، فَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِصَدِيْقِي.
وَعَجِبَ بِالهَدِيَّةِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ مُحَمَّدٍ عِنْدَكَ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ وَتَرَنَا، وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا، فَأَعْطِنِيْهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ.
فَغَضِبَ، وَضَرَبَ أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَو انْشَقَّتْ لِيَ الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيْهَا، وَقُلْتُ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا لَمْ أَسْأَلْكَهُ.
فَقَالَ: سَأَلْتَنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُوْلَ رَجُلٍ يَأْتِيْهِ النَّامُوْسُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوْسَى الأَكْبَرَ تَقْتُلَهُ؟!
فَقُلْتُ: وَإِنَّ ذَاكَ لَكَذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ فَاتَّبِعْهُ، فَوَاللهِ
لَيَظْهَرَنَّ كَمَا ظَهَرَ مُوْسَى وَجُنُوْدُهُ.قُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! فَبَايِعْنِي أَنْتَ لَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الإِسْلاَمِ، وَخَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيٌ.
فَقَالُوا: مَا وَرَاءكَ؟
فَقُلْتُ: خَيْرٌ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، جَلَسْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، وَانْطَلَقْتُ، وَتَرَكْتُهُم، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَهْوِي إِذْ لَقِيْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَقَلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟
قَالَ: أَذْهَبُ -وَاللهِ - أُسْلِمُ، إِنَّهُ -وَاللهِ - قَدِ اسْتَقَامَ المِيْسَمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مَا أَشُكُّ فِيْهِ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا وَاللهِ.
فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ.
فَقَالَ لِي: (يَا عَمْرُو! بَايِعْ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) .
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ سُمَيٍّ :
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ
لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي؟قَالَ: (إِنَّ الإِسْلاَمَ وَالهِجْرَةَ يَجُبَّانِ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا) .
قَالَ: فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَشَدُّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا مَلأْتُ عَيْنِي مِنْهُ وَلاَ رَاجَعْتُهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
لَمَّا رَأَى عَمْرُو بنُ العَاصِ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظْهَرُ، خَرَجَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَأَهْدَى لَهُ، فَوَافَقَ عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ فِي تَزْوِيْجِ أُمِّ حَبِيْبَةَ، فَلَقِيَ عَمْرٌو عَمْراً، فَضَرَبَهُ، وَخَنَقَهُ.
ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لَوْ قَتَلْتَهُ مَا أَبْقَيْتُ مِنْكُم أَحَداً، أَتَقْتُلَ رَسُوْلَ رَسُوْلِ اللهِ؟
فَقُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا أَشْهَدُ؛ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.
ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، فَعَانَقْتُهُ، وَعَانَقَنِي، وَانْطَلَقْتُ سَرِيْعاً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِي.
النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ:
اسْتَأْذَنَ جَعْفَرٌ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَرْضاً أَعَبْدُ اللهَ فِيْهَا لاَ أَخَافُ أَحَداً.
فَأَذِنَ لَهُ؛ فَأَتَى النَّجَاشِيَّ.
قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ مَكَانَهُ، حَسَدْتُهُ، فَقُلْتُ لِلنَّجَاشيِّ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلاً ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ - وَاللهِ - إِنْ لَمْ
تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ، لاَ أَقْطَعْ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَيْكَ أَبَداً.قَالَ: ادْعُهُ.
قُلْتُ: إِنَّهُ لاَ يَجِيْءُ مَعِي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعِي رَسُوْلاً، فَجَاءَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى البَابِ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ.
وَنَادَى هُوَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ.
فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَلأَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ جِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلْتُهُ خَلْفِي.
قَالَ: وَأَقْعَدْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي.
فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَخِّرُوا.
فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّ هَذَا بِأَرْضِنَا يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: فَتَشَهَّدَ، فَإِنِّي أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ التَّشَهُّدَ لَيَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ: صَدَقَ، هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَنَا عَلَى دِيْنِهِ.
قَالَ: فَصَاحَ صِيَاحاً، وَقَالَ: أَوَّه.
حَتَّى قُلْتُ: مَا لابْنِ الحَبَشِيَّةِ؟
فَقَالَ: نَامُوْسٌ مِثْلُ نَامُوْسِ مُوْسَى، مَا يَقُوْلُ فِي عِيْسَى؟
قَالَ: يَقُوْلُ: هُوَ رُوْحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ.
فَتَنَاوَلَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ.
وَقَالَ: لَوْلاَ مُلْكِي لاتَّبَعْتُكُم.
وَقَالَ لِعَمْرٍو: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لاَ تَأْتِيَنِي أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَبَداً.
وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: اذْهَبْ، فَأَنْتَ آمِنٌ بِأَرْضِي، مَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ.
قَالَ: فَلَقِيْتُ جَعْفَراً خَالِياً، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، إِنِّيْ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ وَعَبْدُهُ.
فَقَالَ: هَدَاكَ اللهُ.
فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي، فَكَأَنَّمَا
شَهِدُوْهُ مَعِي، فَأَخَذُوْنِي، فَأَلْقَوْا عَلَيَّ قَطِيْفَةً، وَجَعَلُوا يَغُمُّوْنِي، وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، حَتَّى أَفْلَتُّ وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةٌ.فَلَقِيْتُ حَبَشِيَّةً، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَقَالَتْ كَذَا وَكَذَا.
وَأَتَيْتُ جَعْفَراً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: ذُهِبَ بِكُلِّ شَيْءٍ لِي.
فَانْطَلَقَ مَعِي إِلَى بَابِ المَلِكِ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ.
فَقَالَ آذِنُهُ: إِنَّهُ مَعَ أَهْلِهِ.
قَالَ: اسْتَأْذِنْ لِي.
فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَمْراً قَدْ بَايَعَنِي عَلَى دِيْنِي.
فَقَالَ: كَلاَّ.
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ لإِنْسَانٍ: اذْهَبْ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ، فَلاَ يَقُوْلَنَّ لَكَ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتَهُ.
قَالَ: فَجَاءَ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مَا أَقُوْلُ حَتَّى مَا تَرَكْنَا شَيْئاً حَتَّى القَدَحَ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي لَفَعَلْتُ.
وَعَنْ عَمْرٍو، قَالَ: حَضَرْتُ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُداً،
فَنَجَوْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: كَمْ أَوْضَعُ؟فَلَحِقْتُ بِالوَهْطِ، وَلَمْ أَحْضُرْ صُلْحَ الحُدَيْبِيَةِ.
سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ الطَّلْحِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ لَرَشِيْدُ الأَمْرِ ) .
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنِي مِشْرَحٌ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ العَاصِ ) .
عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمِّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ).
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ
العَاصِ، قَالَ:كَانَ فَزَعٌ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ، فَأَخَذْتُ سَيْفاً، فَاحْتَبَيْتُ بِحَمَائِلِهِ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ كَانَ مَفْزَعُكُم إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ؟ أَلاَ فَعَلْتُم كَمَا فَعَلَ هَذَانِ المُؤْمِنَانِ ؟) .
اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنِ ابْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ رَسُوْلَكَ ) .
مُنْقَطِعٌ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ قَيْسٍ البَلَوِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ رَمْثَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ إِلَى البَحْرَيْنِ، فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ فِي سَرِيَّةٍ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَنَعَسَ، وَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عَمْراً) .
فَتَذَاكَرْنَا كُلَّ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٌو.
قَالَ: فَنَعَسَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً) .
ثُمَّ نَعَسَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً) .
قُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ عَمْرٌو هَذَا؟
قَالَ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ) .
قُلْنَا: وَمَا شَأْنُهُ؟
قَالَ: (كُنْتُ إِذَا نَدَبْتُ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ، جَاءَ فَأَجْزَلَ مِنْهَا.
فَأَقُوْلُ: يَا عَمْرُو! أَنَّى لَكَ هَذَا؟
فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ اللهِ.
قَالَ: وَصَدَقَ عَمْرٌو؛ إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْراً كَثِيْراً).
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حِبَّانَ بنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ:مَا عَدَلَ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخَالِدٍ مُنْذُ أَسْلَمْنَا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَرْبِهِ.
مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ:
بَعَثَ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلاَحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي) .
فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ البَصَرَ، وَصَوَّبَهُ، فَقَالَ: (إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ، فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً صَالِحَةً مِنَ المَالِ) .
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ المَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الإِسْلاَمِ، وَلأَنْ أَكُوْنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ: (يَا عَمْرُو! نِعِمَّا بِالمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ ) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْراً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ.
فَقَالَ لَهُم عَمْرٌو: لاَ يُوْقِدَنَّ أَحَدٌ نَاراً.
فَلَمَّا قَدِمَ شَكَوْهُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَانَ فِيْهِم قِلَّةٌ، فَخَشِيْتُ أَنْ يَرَى العَدُوُّ قِلَّتَهُم، وَنَهَيْتُهُم أَنْ يَتَّبِعُوا العَدُوَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُم كَمِيْنٌ.
فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكِيْعٌ: عَنْ مُنْذْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ:قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: لَمْ يَدَعْ عَمْرُو بنُ العَاصِ النَّاسَ أَنْ يُوْقِدُوا نَاراً، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَ بِالنَّاسِ، يَمْنَعُهْم مَنَافِعَهُم؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْهُ، فَإِنَّمَا وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ.
وَكَذَا رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُنْذِرٍ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرٍو:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، وَفِيْهِم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ شَدِيْدٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، فَخَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ:
احْتَلَمْتُ البَارِحَةَ، وَلَكِنِّي -وَاللهِ - مَا رَأَيْتُ بَرْداً مِثْلَ هَذَا.
فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِم.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ: (كَيْفَ وَجَدْتُم عَمْراً وَصَحَابَتَهُ؟) .
فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! صَلَّى بِنَا وَهُوَ جُنُبٌ.
فَأَرْسَلَ إِلَى عَمْرٍو، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَبِالَّذِي لَقِيَ مِنَ البَرْدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَالَ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم، إِنَّ اللهَ كَانَ بكُم رَحِيْماً} [النِّسَاءُ: 28] ، وَلَوِ اغْتَسَلْتُ مِتُّ.
فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ:قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلاً صَالِحاً؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: قَدْ مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ.
قَالَ: بَلَى، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبّاً كَانَ لِي مِنْهُ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٌ، فَقَالَ: ذَاكَ قَتِيْلُكُم بِصِفِّيْنَ.
قَالَ: قَدْ -وَاللهِ - فَعَلْنَا.
مُعْتَمِرٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ شُقَّةَ خَمِيْصَةٍ سَوْدَاءَ، فَعَقَدَهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ، فَقَالَ: (مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا؟) .
فَهَابَهَا المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟
قَالَ: (لاَ تُقَاتِلُ بِهَا مُسْلِماً، وَلاَ تَفِرُّ بِهَا عَنْ كَافِرٍ) .
قَالَ: فَأَخَذَهَا، فَنَصَبَهَا عَلَيْنَا يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَمَا رَأَيْتُ رَايَةً كَانَتْ أَكْسَرَ أَوْ أَقْصَمَ لِظُهُوْرِ الرِّجَالِ مِنْهَا؛ وَهُوَ عَمْرُو بنُ العَاصِ.
سَمِعَهُ مِنْهُ: أُمَيَّةُ بنُ بِسطَامَ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَمْرٌو عَلَى عُمَانَ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِوَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.اللَّيْثُ: عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ نُشَيْطٍ:
أَنَّ قُرَّةَ بنَ هُبَيْرَةَ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَبَعَثَ عَمْراً عَلَى البَحْرَيْنِ، فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ثَمَّ.
قَالَ عَمْرٌو: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَأَعْطَانِي الأَمَانَ، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ مُحَمَّداً أُرْسِلَ فِي جَسِيْمِ الأُمُوْرِ، وَأُرْسِلْتُ فِي المُحَقَّرَاتِ.
قُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُوْلُ.
فَقَالَ: يَا ضِفْدَعُ نُقِّي، فَإِنَّكِ نِعْمَ مَا تَنُقِّيْنَ، لاَ زَاداً تُنَقِّرِيْنَ، وَلاَ مَاءً تُكَدِّرِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا وَبْرُ يَا وَبْرُ؛ وَيَدَانِ وَصَدْرُ، وَبَيَانُ خَلْقِهِ حَفْرُ.
ثُمَّ أُتِيَ بِأُنَاسٍ يَخْتَصِمُوْنَ فِي نَخْلاَتٍ قَطَعَهَا بَعْضُهُم لِبَعْضٍ، فَتَسَجَّى قَطِيْفَةً، ثُمَّ كَشَفَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ:
وَاللَّيْلِ الأَدْهَمِ، وَالذِّئْبِ الأَسْحَمِ، مَا جَاءَ ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ مِنْ مُجْرِمٍ.
ثُمَّ تَسَجَّى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: وَاللَّيْلِ الدَّامِسِ، وَالذِّئْبِ الهَامِسِ، مَا حُرْمَتُهُ رَطْباً إِلاَّ كَحُرْمَتِهِ يَابِسٌ، قَوْمُوا فَلاَ أَرَى عَلَيْكُم فِيْمَا صَنَعْتُمْ بَأْساً.
قَالَ عَمْرٌو: أَمَا -وَاللهِ - إِنَّكَ كَاذِبٌ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ إِنَّكَ لَمِنَ الكَاذِبِيْنَ.
فَتَوَعَّدَنِي.
رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:نَظَرَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ أَمِيْراً.
وَشَهِدَ عَمْرٌو يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ بَلاَءً حَسَناً.
وَقِيْلَ: بَعَثَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَصَالَحَ أَهْلَ حَلَبَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَافْتَتَحَ سَائِرَ قِنَّسْرِيْنَ عَنْوَةً.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: وَلَّى عُمَرُ عَمْراً فِلَسْطِيْنَ وَالأُرْدُنَّ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَافْتَتَحَهَا، وَبَعَثَ عُمَرُ الزُّبَيْرَ مَدَداً لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: فَتَحَ عَمْرُو بنُ العَاصِ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ انَتَقَضُوا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: كَانَ فَتْحُ لُيُوْنَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَأَمِيْرُهَا عَمْرٌو.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: افْتَتَحَ عَمْرٌو طَرَابُلْسَ الغَرْبِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ.
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَا أَمِيْرُهُم حَتَّى نَزَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَقَالَ عَظِيْمٌ مِنْهُم: أَخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلاً أُكَلِّمْهُ وَيُكَلِّمْنِي.
فَقُلْتُ: لاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ غَيْرِي.
فَخَرَجْتُ مَعِي تَرْجُمَانِي، وَمَعَهُ تَرْجُمَانٌ، حَتَّى وُضِعَ لَنَا مِنْبَرَانِ، فَقَالَ: مَا أَنْتُم؟ قُلْتُ: نَحْنُ العَرَبُ، وَمِنْ أَهْلِ
الشَّوْكِ وَالقُرْظِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اللهِ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضاً، وَشَرَّهُ عَيْشاً، نَأْكُلُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَيُغِيْرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، كُنَّا بِشَرِّ عَيْشٍ عَاشَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى خَرَجَ فِيْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا يَوْمَئِذٍ شَرَفاً وَلاَ أَكْثَرِنَا مَالاً، قَالَ: أَنَا رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُم، يَأْمُرُنَا بِمَا لاَ نَعْرِفُ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ.فَشَنِفْنَا لَهُ، وَكَذَّبْنَاهُ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُصَدِّقُكَ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، وَقَاتَلْنَاهُ، فَظَهَرَ عَلَيْنَا، وَقَاتَلَ مَنْ يَلِيْهِ مِنَ العَرَبِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِم، فَلَو تَعْلَمُ مَا وَرَائِي مِنَ العَرَبِ مَا أَنْتُم فِيْهِ مِنَ العَيْشِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ جَاءكُم.
فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَكُم قَدْ صَدَقَ، وَقَدْ جَاءتْنَا رُسُلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِيْنَا مُلُوْكٌ، فَعَمِلُوا فِيْنَا بِأَهْوَائِهِم، وَتَرَكُوا أَمْرَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُم أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ، لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبْتُمُوْهُ، وَإِذَا فَعَلْتُم مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، فَتَرَكْتُمْ أَمَرَ نَبِيِّكُم، لَمْ تَكُوْنُوا أَكْثَرَ عَدَداً مِنَّا، وَلاَ أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَنَزَعَ عَنْ مِصْرَ عَمْراً، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي سَرْحٍ.
جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَشْيَاخُنَا:
أَنَّ الفِتْنَةَ لَمَّا وَقَعَتْ، مَا زَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مُعْتَصِماً بِمَكَّةَ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الجَمَلِ، فَلَمَّا كَانَتْ، بَعَثَ إِلَى وَلَدَيْهِ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، فَقَالَ:
قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً، وَلَسْتُمَا بِاللَّذَيْنِ تَرُدَّانِي عَنْهُ، وَلَكِنْ أَشِيْرَا عَلَيَّ، إِنِّيْ رَأَيْتُ العَرَبَ صَارُوا غَارَيْنِ يَضْطَرِبَانِ، فَأَنَا طَارِحٌ نَفْسِي بَيْنَ
جَزَّارِي مَكَّةَ، وَلَسْتُ أَرْضَى بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، فَإِلَى أَيِّ الفَرِيْقَيْنِ أَعْمَدُ؟قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَإِلَى عَلِيٍّ.
قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنِّيْ إِنْ أَتَيْتُهُ، قَالَ لِي: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَإِنْ أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ، خَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِهِ.
فَأَتَى مُعَاوِيَةَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنَّكَ أَشَرْتَ عَلَيَّ بِالقُعُوْدِ، وَهُوَ خَيْرٌ لِي فِي آخِرَتِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَشَرْتَ عَلَيَّ بِمَا هُوَ أَنْبَهُ لِذِكْرِي، ارْتَحِلاَ.
فَأَتَى مُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَهُ يَقُصُّ، وَيُذَكِّرُ أَهْلَ الشَّامِ فِي دَمِ الشَّهِيْدِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ، قَدْ أَحْرَقْتَ كَبِدِي بِقَصَصِكَ، أَتُرَى إِنْ خَالَفْنَا عَلِيّاً لِفَضْلٍ مِنَّا عَلَيْهِ، لاَ وَاللهِ! إِنْ هِيَ إِلاَّ الدُّنْيَا نَتَكَالَبُ عَلَيْهَا، أَمَا وَاللهِ لَتَقْطَعَنَّ لِي مِنْ دُنْيَاكَ أَوْ لأُنَابِذَنَّكَ.
فَأَعْطَاهُ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوا بِطَاعَتِهِم إِلَى عَلِيٍّ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ مَعَهُ، فَجَلَسَ شَدَّادٌ بَيْنهُمَا، وَقَالَ:
هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُجْلِسُنِي بَيْنَكُمَا؟
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِذَا رَأَيْتُمُوْهُمَا جَمِيْعاً، فَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَوَاللهِ مَا اجْتَمَعَا إِلاَّ عَلَى غَدْرَةٍ ) .
وَقِيْلَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَمْرٍو، فَأَقْرَأَهُ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: قَدْ تَرَى مَا كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِهِ.
قَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: مِصْرَ.
فَجَعَلهَا لَهُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ.وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالاَ:
لَمَّا صَارَ الأَمْرُ فِي يَدِ مُعَاوِيَةَ، اسْتَكْثَرَ مِصْرَ طُعْمَةً لِعَمْرٍو مَا عَاشَ، وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيْرِهِ، وَظنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيْدُهُ الشَّامَ، فَلَمْ يَفْعَلْ.
فَتَنَكَّرَ لَهُ عَمْرٌو، فَاخْتَلَفَا، وَتَغَالَظَا، فَأَصْلَحَ بَيْنهُمَا مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، وَكَتَبَ بَيْنهُمَا كِتَاباً بِأَنَّ: لِعَمْرٍو وِلاَيَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِيْنَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا شُهُوداً.
وَسَارَ عَمْرٌو إِلَى مِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَمَكَثَ نَحْوَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَمَاتَ.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ:
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ بِقَتْلِ عُثْمَانَ فَرَمَ الإِمَاءِ العَوَارِكِ، أَطَعْتُم فُسَّاقَ العِرَاقِ فِي عَيْبِهِ، وَأَجْزَرْتُمُوْهُ مُرَّاقَ أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُم قَتَلَتَهُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا تَكَلَّمُ لِمُعَاوِيَةَ، إِنَّمَا تَكَلَّمُ عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ لأَنْتُمَا.
أَمَّا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا كَانَ يَصْنَعُ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ، وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ، وَتَرَبَّصْتَ بِهِ.
وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو، فَأَضْرَمْتَ عَلَيْهِ المَدِيْنَةَ، وَهَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِيْنَ تَسْأَلُ عَنْ أَنْبَائِهِ، فَلَمَّا أَتَاكَ قَتْلُهُ، أَضَافَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِيْنَكَ بِمِصْرَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ، عَرَّضَنِي لَكَ عَمْرٌو، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مَنْ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: هَذَا خَالِقُهُ خَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ ؟!
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ:
صَحِبْتُ عُمَرَ: فَمَا رَأَيْتُ
أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللهِ مِنْهُ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَحْسَنَ مُدَارَاةً مِنْهُ.وَصَحِبْتُ طَلْحَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيْلٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَحْلَمَ مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ -أَوْ قَالَ: أَنْصَعَ - طَرَفاً مِنْهُ، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ المُغِيْرَةَ: فَلَو أَنَّ مَدِيْنَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ لاَ يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلاَّ بِمَكْرٍ، لَخَرَجَ مِنْ أَبوَابِهَا كُلِّهَا.
مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَقَلَّمَا كَانَ يُصِيْبُ مِنَ العِشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ فَصْلاً بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ: أَكْلَةُ السَّحَرِ ) .
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَخْبَرَنِي مَوْلَىً لِعَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً أَدْخَلَ فِي تَعْرِيْشِ الوَهْطِ - بُسْتَانٍ بِالطَّائِفِ - أَلْفَ أَلْفِ عُوْدٍ، كُلُّ عُوْدٍ بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ:
لَيْسَ العَاقِلُ مَنْ يَعْرِفُ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ.
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: كِيْلُوا مَالِي.
فَكَالُوْهُ، فَوَجَدُوْهُ اثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ مُدّاً، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا فِيْهِ؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً.
قَالَ: وَالمُدُّ: سِتَّ عَشْرَةَ أُوْقِيَّةَ، الأُوْقِيَّةُ: مَكُّوْكَانِ.
أَشْعَثُ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، نَظَرَ إِلَى
صَنَادِيْقَ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيْهَا؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً.ثُمَّ أَمَرَ الحَرَسَ، فَأَحَاطُوا بِقَصْرِهِ.
فَقَالَ بَنُوْهُ: مَا هَذَا؟
فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا يُغْنِي عَنِّي شَيْئاً.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: عَجَباً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ، كَيْفَ لاَ يَصِفُهُ؟
فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، ذَكَّرَهُ ابْنُهُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ: صِفْهُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! المَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوْصَفَ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ؛ أَجِدُنِي كَأَنَّ جِبَالَ رَضْوَى عَلَى عُنُقِي، وَكَأَنَّ فِي جَوْفِي الشَّوْكَ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ إِبْرَةٍ.
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِيْنَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِأُمُوْرٍ، وَنَهَيْتَ عَنْ أُمُوْرٍ، تَرَكْنَا كَثِيْراً مِمَّا أَمَرْتَ، وَرَتَعْنَا فِي كَثِيْرٍ مِمَّا نَهَيْتَ، اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.
ثُمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتَّى فَاضَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ:
جَزِعَ عَمْرُو بنُ العَاصِ عِنْدَ المَوْتِ جَزَعاً شَدِيْداً، فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ:
مَا هَذَا الجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِيْكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟!
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ، إِيْ وَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبُّاً كَانَ أَمْ تَأَلُّفاً، وَلَكِنْ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ.
فَلَمَّا جَدَّ بِهِ، وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الأَغْلاَلِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ.
فَكَانَتْ تِلْكَ هَجِّيْرَاهُ حَتَّى مَاتَ.
وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ:كَانَ عَمْرٌو عَلَى مِصْرَ، فَثَقُلَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: أَدْخِلْ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ.
فَلَمَّا دَخَلُوا، نَظَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: هَا قَدْ بَلَغْتُ هَذِهِ الحَالَ، رُدُّوْهَا عَنِّي.
فَقَالُوا: مِثْلُكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ يَقُوْلُ هَذَا؟ هَذَا أَمْرُ اللهِ الَّذِي لاَ مَرَدَّ لَهُ.
قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَتَّعِظُوا، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ.
رَوْحٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ دَعَا حَرَسَهُ عِنْدَ المَوْتِ، فَقَالَ: امْنَعُوْنِي مِنَ المَوْتِ.
قَالُوا: مَا كُنَّا نَحْسِبُكَ تَكَلَّمُ بِهَذَا.
قَالَ: قَدْ قُلْتُهَا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ ذَلِكَ؛ وَلأَنْ أَكُوْنَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُم رَجُلاً قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ المَوْتِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُوْلُ: حَرَسَ امْرَءاً أَجَلُهُ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَإِنْ لاَ تُدْرِكْنِي مِنْكَ رَحْمَةٌ، أَكُنْ مِنَ الهَالِكِيْنَ.
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُخْتَارِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ: إِذَا مِتُّ، فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالمَاءِ، ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قَرَاحٍ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيْهِ كَافُوْرٌ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، وَأَلْبِسْنِي الثِّيَابَ، وَزِرَّ عَلَيَّ، فَإِنِّي مُخَاصَمٌ.
ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيْرِ، فَامْشِ بِي مَشْياً بَيْنَ المِشْيَتَيْنِ، وَكُنْ خَلْفَ الجَنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلاَئِكَةِ، وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ، فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي القَبْرِ، فَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنّاً.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَأَضَعْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، فَلاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ
عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.وَمَا زَالَ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ عَمْرٌو لَيْلَةَ عِيْدِ الفِطْرِ.
فَقَالَ اللَّيْثُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: وَسِنُّهُ تِسْعٌ وَتِسْعُوْنَ.
وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ، فَرَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ:
أَنَّ عَمْراً مَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً؛ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَيُرْوَى عَنِ الهَيْثَمِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا خَطَأٌ.
وَعَنْ طَلْحَةَ القَنَّادِ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا لاَ شَيْءَ.
قُلْتُ: كَانَ أَكْبَرَ مِنْ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِيْنَ.
كَانَ يَقُوْلُ: أَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ عُمَرَ عِشْرِيْنَ عَاماً، فَيُنْتِجُ هَذَا: أَنَّ مَجْمُوْعَ عُمُرِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَ التِّسْعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَخَلَّفَ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً، وَعَبِيْداً، وَعَقَاراً.
يُقَالُ: خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ سَبْعِيْنَ رَقَبَةَ جَمَلٍ مَمْلُوْءةً ذَهَباً.
الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ - السَّهْمِيُّ.
دَاهِيَةُ قُرَيْشٍ، وَرَجُلُ العَالَمِ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الفِطْنَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَالحَزْمِ.هَاجَرَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِماً فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، مُرَافِقاً لِخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحَاجِبِ الكَعْبَةِ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُوْمِهِمْ وَإِسْلاَمِهِم، وَأَمَّرَ عَمْراً عَلَى بَعْضِ الجَيْشِ، وَجَهَّزَهُ لِلْغَزْوِ.
لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ كَثِيْرَةً؛ تَبْلُغُ بِالمُكَرَّرِ نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ.
اتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ مِنْهَا.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَائِشَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَمَوْلاَهُ؛ أَبُو قَيْسٍ، وَقَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعْفَرُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْنٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ مُرْسَلاً، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَخُو عُرْوَةَ بنِ أُثَاثَةَ لأُمِّهِ.وَكَانَ عُرْوَةُ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ عَمْرٌو قَصِيْراً، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقِيْلَ: قَدِمَ هُوَ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ طَلْحَةَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ مِنْهَا.
قَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ.
نَزَلَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ سَكَنَ مِصْرَ، وَبِهَا مَاتَ.
رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ، عَمْرٌو وَهِشَامٌ ) .
وَرَوَى: عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ الوَرْدِ؛ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ طَلْحَةُ:
أَلاَ أُحَدِّثُكُم عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ؟ إِنِّيْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ؛ نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ ) .
الثَّوْرِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
عَقَدَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاءً لِعَمْرٍو عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَسَرَاةِ أَصْحَابِهِ.قَالَ الثَّوْرِيُّ: أُرَاهُ، قَالَ: فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ.
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بنِ جَابِرٍ:
قَدْ صَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ، أَوْ أَنْصَعَ رَأْياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى الرَّجُلَ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: خَالِقُ هَذَا وَخَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ وَاحِدٌ !
رَوَى: مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ؛ سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ:
لاَ أَمَلُّ ثَوْبِي مَا وَسِعَنِي، وَلاَ أَمَلُّ زَوْجَتِي مَا أَحْسَنَتْ عِشْرَتِي، وَلاَ أَمَلُّ دَابَّتِي مَا حَمَلَتْنِي، إِنَّ المَلاَلَ مِنْ سَيِّئِ الأَخْلاَقِ.
وَرَوَى: أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ:
قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: صِفْ لِيَ الأَمْصَارَ.
قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ: أَطْوَعُ النَّاسِ لِمَخْلُوْقٍ، وَأَعْصَاهُ لِلْخَالِقِ، وَأَهْلُ مِصْرَ: أَكْيَسُهُم صِغَاراً، وَأَحْمَقُهُم كِبَاراً، وَأَهْلُ الحِجَازِ: أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَى الفِتْنَةِ، وَأَعْجَزُهُم عَنْهَا، وَأَهْلُ العِرَاقِ: أَطْلَبُ النَّاسِ لِلْعِلْمِ، وَأَبْعَدُهُم مِنْهُ.
رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:دُهَاةُ العَرَبِ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَالمُغِيْرَةُ، وَزِيَادٌ، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَلِلأَنَاةِ وَالحِلْمِ؛ وَأَمَّا عَمْرٌو: فَلِلْمُعْضِلاَتِ؛ وَالمُغِيْرَةُ: لِلمُبَادَهَةِ؛ وَأَمَّا زِيَادٌ: فَلِلصَّغِيْرِ وَالكَبِيْرِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ : كَانَ عَمْرٌو مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ وَأَبْطَالِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ، مَذْكُوْراً بِذَلِكَ فِيْهِم.
وَكَانَ شَاعِراً، حَسَنَ الشِّعْرِ، حُفِظَ عَنْهُ مِنْهُ الكَثِيْرُ فِي مَشَاهِدَ شَتَّى، وَهُوَ القَائِلُ:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَتْرُكْ طَعَاماً يُحِبُّهُ ... وَلَمْ يَنْهَ قَلْباً غَاوِياً حَيْثُ يَمَّمَا
قَضَى وَطَراً مِنْهُ وَغَادَرَ سُبَّةً ... إِذَا ذُكِرَتْ أَمْثَالُهَا تَمْلأُ الفَمَا
وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ سُقْنَا مِنْ أَخْبَارِ عَمْرٍو فِي (المَغَازِي) وَفِي مَسِيْرِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَفِي سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَفِي الحَوَادِثِ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ إِقْلِيْمَ مِصْرَ، وَوَلِيَ إِمْرَتَهُ زَمَنَ عُمَرَ، وَصَدْراً مِنْ دَوْلَةِ عُثْمَانَ.
ثُمَّ أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ الإِقْلِيْمَ، وَأَطْلَقَ لَهُ مَغَلَّهُ سِتَّ سِنِيْنَ لِكَوْنِهِ قَامَ بِنُصْرَتِهِ، فَلَمْ يَلِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ سَنَتَيْنِ وَنَيِّفاً.
وَلَقَدْ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً.
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ ) جُمْلَةً، وَطَوَّلَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ رَأْياً، وَدَهَاءً، وَحَزْماً، وَكَفَاءةً، وَبَصَراً بِالحُرُوْبِ، وَمِنْ أَشْرَافِ مُلُوْكِ العَرَبِ، وَمِنْ أَعْيَانِ المُهَاجِرِيْنَ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَعفُو عَنْهُ، وَلَوْلاَ حُبُّهُ لِلدُّنْيَا، وَدُخُوْلُهُ فِي أُمُوْرٍ، لَصَلُحَ لِلْخِلاَفَةِ، فَإِنَّ لَهُ سَابِقَةً لَيْسَتْ لِمُعَاوِيَةَ.وَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَى مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ لِبَصَرِهِ بِالأُمُوْرِ وَدَهَائِهِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيْبٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الخَنْدَقِ، جَمَعْتُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ:
وَاللهِ إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوّاً مُنْكَراً، وَاللهِ مَا يَقُوْمُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْياً.
قَالُوا: وَمَا هُوَ؟
قُلْتُ: أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ عَلَى حَامِيَتِنَا، فَإِنْ ظَفِرَ قَوْمُنَا، فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا نَرْجِعُ إِلَيْهِم، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ، فَنَكُوْنُ تَحْتَ يَدَيِ النَّجَاشِيِّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُوْنَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ.
قَالُوا: أَصَبْتَ.
قُلْتُ: فَابْتَاعُوا لَهُ هَدَايَا، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأَدَمُ، فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَماً كَثِيْراً، وَقَدِمْنَا عَلَيْهِ، فَوَافَقْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ.
فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، قُلْتُ: لَعَلِّي أَقْتُلُهُ.
وَأَدْخَلْتُ الهَدَايَا، فَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِصَدِيْقِي.
وَعَجِبَ بِالهَدِيَّةِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ مُحَمَّدٍ عِنْدَكَ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ وَتَرَنَا، وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا، فَأَعْطِنِيْهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ.
فَغَضِبَ، وَضَرَبَ أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَو انْشَقَّتْ لِيَ الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيْهَا، وَقُلْتُ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا لَمْ أَسْأَلْكَهُ.
فَقَالَ: سَأَلْتَنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُوْلَ رَجُلٍ يَأْتِيْهِ النَّامُوْسُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوْسَى الأَكْبَرَ تَقْتُلَهُ؟!
فَقُلْتُ: وَإِنَّ ذَاكَ لَكَذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ فَاتَّبِعْهُ، فَوَاللهِ
لَيَظْهَرَنَّ كَمَا ظَهَرَ مُوْسَى وَجُنُوْدُهُ.قُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! فَبَايِعْنِي أَنْتَ لَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الإِسْلاَمِ، وَخَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيٌ.
فَقَالُوا: مَا وَرَاءكَ؟
فَقُلْتُ: خَيْرٌ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، جَلَسْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، وَانْطَلَقْتُ، وَتَرَكْتُهُم، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَهْوِي إِذْ لَقِيْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَقَلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟
قَالَ: أَذْهَبُ -وَاللهِ - أُسْلِمُ، إِنَّهُ -وَاللهِ - قَدِ اسْتَقَامَ المِيْسَمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مَا أَشُكُّ فِيْهِ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا وَاللهِ.
فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ.
فَقَالَ لِي: (يَا عَمْرُو! بَايِعْ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) .
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ سُمَيٍّ :
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ
لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي؟قَالَ: (إِنَّ الإِسْلاَمَ وَالهِجْرَةَ يَجُبَّانِ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا) .
قَالَ: فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَشَدُّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا مَلأْتُ عَيْنِي مِنْهُ وَلاَ رَاجَعْتُهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
لَمَّا رَأَى عَمْرُو بنُ العَاصِ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظْهَرُ، خَرَجَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَأَهْدَى لَهُ، فَوَافَقَ عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ فِي تَزْوِيْجِ أُمِّ حَبِيْبَةَ، فَلَقِيَ عَمْرٌو عَمْراً، فَضَرَبَهُ، وَخَنَقَهُ.
ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لَوْ قَتَلْتَهُ مَا أَبْقَيْتُ مِنْكُم أَحَداً، أَتَقْتُلَ رَسُوْلَ رَسُوْلِ اللهِ؟
فَقُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا أَشْهَدُ؛ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.
ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، فَعَانَقْتُهُ، وَعَانَقَنِي، وَانْطَلَقْتُ سَرِيْعاً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِي.
النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ:
اسْتَأْذَنَ جَعْفَرٌ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَرْضاً أَعَبْدُ اللهَ فِيْهَا لاَ أَخَافُ أَحَداً.
فَأَذِنَ لَهُ؛ فَأَتَى النَّجَاشِيَّ.
قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ مَكَانَهُ، حَسَدْتُهُ، فَقُلْتُ لِلنَّجَاشيِّ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلاً ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ - وَاللهِ - إِنْ لَمْ
تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ، لاَ أَقْطَعْ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَيْكَ أَبَداً.قَالَ: ادْعُهُ.
قُلْتُ: إِنَّهُ لاَ يَجِيْءُ مَعِي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعِي رَسُوْلاً، فَجَاءَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى البَابِ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ.
وَنَادَى هُوَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ.
فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَلأَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ جِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلْتُهُ خَلْفِي.
قَالَ: وَأَقْعَدْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي.
فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَخِّرُوا.
فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّ هَذَا بِأَرْضِنَا يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: فَتَشَهَّدَ، فَإِنِّي أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ التَّشَهُّدَ لَيَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ: صَدَقَ، هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَنَا عَلَى دِيْنِهِ.
قَالَ: فَصَاحَ صِيَاحاً، وَقَالَ: أَوَّه.
حَتَّى قُلْتُ: مَا لابْنِ الحَبَشِيَّةِ؟
فَقَالَ: نَامُوْسٌ مِثْلُ نَامُوْسِ مُوْسَى، مَا يَقُوْلُ فِي عِيْسَى؟
قَالَ: يَقُوْلُ: هُوَ رُوْحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ.
فَتَنَاوَلَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ.
وَقَالَ: لَوْلاَ مُلْكِي لاتَّبَعْتُكُم.
وَقَالَ لِعَمْرٍو: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لاَ تَأْتِيَنِي أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَبَداً.
وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: اذْهَبْ، فَأَنْتَ آمِنٌ بِأَرْضِي، مَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ.
قَالَ: فَلَقِيْتُ جَعْفَراً خَالِياً، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، إِنِّيْ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ وَعَبْدُهُ.
فَقَالَ: هَدَاكَ اللهُ.
فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي، فَكَأَنَّمَا
شَهِدُوْهُ مَعِي، فَأَخَذُوْنِي، فَأَلْقَوْا عَلَيَّ قَطِيْفَةً، وَجَعَلُوا يَغُمُّوْنِي، وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، حَتَّى أَفْلَتُّ وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةٌ.فَلَقِيْتُ حَبَشِيَّةً، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَقَالَتْ كَذَا وَكَذَا.
وَأَتَيْتُ جَعْفَراً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: ذُهِبَ بِكُلِّ شَيْءٍ لِي.
فَانْطَلَقَ مَعِي إِلَى بَابِ المَلِكِ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ.
فَقَالَ آذِنُهُ: إِنَّهُ مَعَ أَهْلِهِ.
قَالَ: اسْتَأْذِنْ لِي.
فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَمْراً قَدْ بَايَعَنِي عَلَى دِيْنِي.
فَقَالَ: كَلاَّ.
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ لإِنْسَانٍ: اذْهَبْ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ، فَلاَ يَقُوْلَنَّ لَكَ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتَهُ.
قَالَ: فَجَاءَ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مَا أَقُوْلُ حَتَّى مَا تَرَكْنَا شَيْئاً حَتَّى القَدَحَ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي لَفَعَلْتُ.
وَعَنْ عَمْرٍو، قَالَ: حَضَرْتُ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُداً،
فَنَجَوْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: كَمْ أَوْضَعُ؟فَلَحِقْتُ بِالوَهْطِ، وَلَمْ أَحْضُرْ صُلْحَ الحُدَيْبِيَةِ.
سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ الطَّلْحِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ لَرَشِيْدُ الأَمْرِ ) .
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنِي مِشْرَحٌ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ العَاصِ ) .
عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمِّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ).
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ
العَاصِ، قَالَ:كَانَ فَزَعٌ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ، فَأَخَذْتُ سَيْفاً، فَاحْتَبَيْتُ بِحَمَائِلِهِ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ كَانَ مَفْزَعُكُم إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ؟ أَلاَ فَعَلْتُم كَمَا فَعَلَ هَذَانِ المُؤْمِنَانِ ؟) .
اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنِ ابْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ رَسُوْلَكَ ) .
مُنْقَطِعٌ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ قَيْسٍ البَلَوِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ رَمْثَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ إِلَى البَحْرَيْنِ، فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ فِي سَرِيَّةٍ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَنَعَسَ، وَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عَمْراً) .
فَتَذَاكَرْنَا كُلَّ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٌو.
قَالَ: فَنَعَسَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً) .
ثُمَّ نَعَسَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً) .
قُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ عَمْرٌو هَذَا؟
قَالَ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ) .
قُلْنَا: وَمَا شَأْنُهُ؟
قَالَ: (كُنْتُ إِذَا نَدَبْتُ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ، جَاءَ فَأَجْزَلَ مِنْهَا.
فَأَقُوْلُ: يَا عَمْرُو! أَنَّى لَكَ هَذَا؟
فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ اللهِ.
قَالَ: وَصَدَقَ عَمْرٌو؛ إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْراً كَثِيْراً).
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حِبَّانَ بنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ:مَا عَدَلَ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخَالِدٍ مُنْذُ أَسْلَمْنَا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَرْبِهِ.
مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ:
بَعَثَ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلاَحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي) .
فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ البَصَرَ، وَصَوَّبَهُ، فَقَالَ: (إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ، فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً صَالِحَةً مِنَ المَالِ) .
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ المَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الإِسْلاَمِ، وَلأَنْ أَكُوْنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ: (يَا عَمْرُو! نِعِمَّا بِالمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ ) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْراً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ.
فَقَالَ لَهُم عَمْرٌو: لاَ يُوْقِدَنَّ أَحَدٌ نَاراً.
فَلَمَّا قَدِمَ شَكَوْهُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَانَ فِيْهِم قِلَّةٌ، فَخَشِيْتُ أَنْ يَرَى العَدُوُّ قِلَّتَهُم، وَنَهَيْتُهُم أَنْ يَتَّبِعُوا العَدُوَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُم كَمِيْنٌ.
فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكِيْعٌ: عَنْ مُنْذْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ:قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: لَمْ يَدَعْ عَمْرُو بنُ العَاصِ النَّاسَ أَنْ يُوْقِدُوا نَاراً، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَ بِالنَّاسِ، يَمْنَعُهْم مَنَافِعَهُم؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْهُ، فَإِنَّمَا وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ.
وَكَذَا رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُنْذِرٍ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرٍو:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، وَفِيْهِم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ شَدِيْدٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، فَخَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ:
احْتَلَمْتُ البَارِحَةَ، وَلَكِنِّي -وَاللهِ - مَا رَأَيْتُ بَرْداً مِثْلَ هَذَا.
فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِم.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ: (كَيْفَ وَجَدْتُم عَمْراً وَصَحَابَتَهُ؟) .
فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! صَلَّى بِنَا وَهُوَ جُنُبٌ.
فَأَرْسَلَ إِلَى عَمْرٍو، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَبِالَّذِي لَقِيَ مِنَ البَرْدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَالَ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم، إِنَّ اللهَ كَانَ بكُم رَحِيْماً} [النِّسَاءُ: 28] ، وَلَوِ اغْتَسَلْتُ مِتُّ.
فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ:قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلاً صَالِحاً؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: قَدْ مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ.
قَالَ: بَلَى، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبّاً كَانَ لِي مِنْهُ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٌ، فَقَالَ: ذَاكَ قَتِيْلُكُم بِصِفِّيْنَ.
قَالَ: قَدْ -وَاللهِ - فَعَلْنَا.
مُعْتَمِرٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ شُقَّةَ خَمِيْصَةٍ سَوْدَاءَ، فَعَقَدَهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ، فَقَالَ: (مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا؟) .
فَهَابَهَا المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟
قَالَ: (لاَ تُقَاتِلُ بِهَا مُسْلِماً، وَلاَ تَفِرُّ بِهَا عَنْ كَافِرٍ) .
قَالَ: فَأَخَذَهَا، فَنَصَبَهَا عَلَيْنَا يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَمَا رَأَيْتُ رَايَةً كَانَتْ أَكْسَرَ أَوْ أَقْصَمَ لِظُهُوْرِ الرِّجَالِ مِنْهَا؛ وَهُوَ عَمْرُو بنُ العَاصِ.
سَمِعَهُ مِنْهُ: أُمَيَّةُ بنُ بِسطَامَ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَمْرٌو عَلَى عُمَانَ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِوَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.اللَّيْثُ: عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ نُشَيْطٍ:
أَنَّ قُرَّةَ بنَ هُبَيْرَةَ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَبَعَثَ عَمْراً عَلَى البَحْرَيْنِ، فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ثَمَّ.
قَالَ عَمْرٌو: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَأَعْطَانِي الأَمَانَ، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ مُحَمَّداً أُرْسِلَ فِي جَسِيْمِ الأُمُوْرِ، وَأُرْسِلْتُ فِي المُحَقَّرَاتِ.
قُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُوْلُ.
فَقَالَ: يَا ضِفْدَعُ نُقِّي، فَإِنَّكِ نِعْمَ مَا تَنُقِّيْنَ، لاَ زَاداً تُنَقِّرِيْنَ، وَلاَ مَاءً تُكَدِّرِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا وَبْرُ يَا وَبْرُ؛ وَيَدَانِ وَصَدْرُ، وَبَيَانُ خَلْقِهِ حَفْرُ.
ثُمَّ أُتِيَ بِأُنَاسٍ يَخْتَصِمُوْنَ فِي نَخْلاَتٍ قَطَعَهَا بَعْضُهُم لِبَعْضٍ، فَتَسَجَّى قَطِيْفَةً، ثُمَّ كَشَفَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ:
وَاللَّيْلِ الأَدْهَمِ، وَالذِّئْبِ الأَسْحَمِ، مَا جَاءَ ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ مِنْ مُجْرِمٍ.
ثُمَّ تَسَجَّى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: وَاللَّيْلِ الدَّامِسِ، وَالذِّئْبِ الهَامِسِ، مَا حُرْمَتُهُ رَطْباً إِلاَّ كَحُرْمَتِهِ يَابِسٌ، قَوْمُوا فَلاَ أَرَى عَلَيْكُم فِيْمَا صَنَعْتُمْ بَأْساً.
قَالَ عَمْرٌو: أَمَا -وَاللهِ - إِنَّكَ كَاذِبٌ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ إِنَّكَ لَمِنَ الكَاذِبِيْنَ.
فَتَوَعَّدَنِي.
رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:نَظَرَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ أَمِيْراً.
وَشَهِدَ عَمْرٌو يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ بَلاَءً حَسَناً.
وَقِيْلَ: بَعَثَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَصَالَحَ أَهْلَ حَلَبَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَافْتَتَحَ سَائِرَ قِنَّسْرِيْنَ عَنْوَةً.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: وَلَّى عُمَرُ عَمْراً فِلَسْطِيْنَ وَالأُرْدُنَّ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَافْتَتَحَهَا، وَبَعَثَ عُمَرُ الزُّبَيْرَ مَدَداً لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: فَتَحَ عَمْرُو بنُ العَاصِ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ انَتَقَضُوا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: كَانَ فَتْحُ لُيُوْنَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَأَمِيْرُهَا عَمْرٌو.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: افْتَتَحَ عَمْرٌو طَرَابُلْسَ الغَرْبِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ.
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَا أَمِيْرُهُم حَتَّى نَزَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَقَالَ عَظِيْمٌ مِنْهُم: أَخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلاً أُكَلِّمْهُ وَيُكَلِّمْنِي.
فَقُلْتُ: لاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ غَيْرِي.
فَخَرَجْتُ مَعِي تَرْجُمَانِي، وَمَعَهُ تَرْجُمَانٌ، حَتَّى وُضِعَ لَنَا مِنْبَرَانِ، فَقَالَ: مَا أَنْتُم؟ قُلْتُ: نَحْنُ العَرَبُ، وَمِنْ أَهْلِ
الشَّوْكِ وَالقُرْظِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اللهِ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضاً، وَشَرَّهُ عَيْشاً، نَأْكُلُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَيُغِيْرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، كُنَّا بِشَرِّ عَيْشٍ عَاشَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى خَرَجَ فِيْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا يَوْمَئِذٍ شَرَفاً وَلاَ أَكْثَرِنَا مَالاً، قَالَ: أَنَا رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُم، يَأْمُرُنَا بِمَا لاَ نَعْرِفُ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ.فَشَنِفْنَا لَهُ، وَكَذَّبْنَاهُ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُصَدِّقُكَ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، وَقَاتَلْنَاهُ، فَظَهَرَ عَلَيْنَا، وَقَاتَلَ مَنْ يَلِيْهِ مِنَ العَرَبِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِم، فَلَو تَعْلَمُ مَا وَرَائِي مِنَ العَرَبِ مَا أَنْتُم فِيْهِ مِنَ العَيْشِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ جَاءكُم.
فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَكُم قَدْ صَدَقَ، وَقَدْ جَاءتْنَا رُسُلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِيْنَا مُلُوْكٌ، فَعَمِلُوا فِيْنَا بِأَهْوَائِهِم، وَتَرَكُوا أَمْرَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُم أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ، لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبْتُمُوْهُ، وَإِذَا فَعَلْتُم مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، فَتَرَكْتُمْ أَمَرَ نَبِيِّكُم، لَمْ تَكُوْنُوا أَكْثَرَ عَدَداً مِنَّا، وَلاَ أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَنَزَعَ عَنْ مِصْرَ عَمْراً، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي سَرْحٍ.
جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَشْيَاخُنَا:
أَنَّ الفِتْنَةَ لَمَّا وَقَعَتْ، مَا زَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مُعْتَصِماً بِمَكَّةَ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الجَمَلِ، فَلَمَّا كَانَتْ، بَعَثَ إِلَى وَلَدَيْهِ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، فَقَالَ:
قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً، وَلَسْتُمَا بِاللَّذَيْنِ تَرُدَّانِي عَنْهُ، وَلَكِنْ أَشِيْرَا عَلَيَّ، إِنِّيْ رَأَيْتُ العَرَبَ صَارُوا غَارَيْنِ يَضْطَرِبَانِ، فَأَنَا طَارِحٌ نَفْسِي بَيْنَ
جَزَّارِي مَكَّةَ، وَلَسْتُ أَرْضَى بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، فَإِلَى أَيِّ الفَرِيْقَيْنِ أَعْمَدُ؟قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَإِلَى عَلِيٍّ.
قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنِّيْ إِنْ أَتَيْتُهُ، قَالَ لِي: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَإِنْ أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ، خَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِهِ.
فَأَتَى مُعَاوِيَةَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنَّكَ أَشَرْتَ عَلَيَّ بِالقُعُوْدِ، وَهُوَ خَيْرٌ لِي فِي آخِرَتِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَشَرْتَ عَلَيَّ بِمَا هُوَ أَنْبَهُ لِذِكْرِي، ارْتَحِلاَ.
فَأَتَى مُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَهُ يَقُصُّ، وَيُذَكِّرُ أَهْلَ الشَّامِ فِي دَمِ الشَّهِيْدِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ، قَدْ أَحْرَقْتَ كَبِدِي بِقَصَصِكَ، أَتُرَى إِنْ خَالَفْنَا عَلِيّاً لِفَضْلٍ مِنَّا عَلَيْهِ، لاَ وَاللهِ! إِنْ هِيَ إِلاَّ الدُّنْيَا نَتَكَالَبُ عَلَيْهَا، أَمَا وَاللهِ لَتَقْطَعَنَّ لِي مِنْ دُنْيَاكَ أَوْ لأُنَابِذَنَّكَ.
فَأَعْطَاهُ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوا بِطَاعَتِهِم إِلَى عَلِيٍّ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ مَعَهُ، فَجَلَسَ شَدَّادٌ بَيْنهُمَا، وَقَالَ:
هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُجْلِسُنِي بَيْنَكُمَا؟
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِذَا رَأَيْتُمُوْهُمَا جَمِيْعاً، فَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَوَاللهِ مَا اجْتَمَعَا إِلاَّ عَلَى غَدْرَةٍ ) .
وَقِيْلَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَمْرٍو، فَأَقْرَأَهُ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: قَدْ تَرَى مَا كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِهِ.
قَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: مِصْرَ.
فَجَعَلهَا لَهُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ.وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالاَ:
لَمَّا صَارَ الأَمْرُ فِي يَدِ مُعَاوِيَةَ، اسْتَكْثَرَ مِصْرَ طُعْمَةً لِعَمْرٍو مَا عَاشَ، وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيْرِهِ، وَظنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيْدُهُ الشَّامَ، فَلَمْ يَفْعَلْ.
فَتَنَكَّرَ لَهُ عَمْرٌو، فَاخْتَلَفَا، وَتَغَالَظَا، فَأَصْلَحَ بَيْنهُمَا مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، وَكَتَبَ بَيْنهُمَا كِتَاباً بِأَنَّ: لِعَمْرٍو وِلاَيَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِيْنَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا شُهُوداً.
وَسَارَ عَمْرٌو إِلَى مِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَمَكَثَ نَحْوَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَمَاتَ.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ:
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ بِقَتْلِ عُثْمَانَ فَرَمَ الإِمَاءِ العَوَارِكِ، أَطَعْتُم فُسَّاقَ العِرَاقِ فِي عَيْبِهِ، وَأَجْزَرْتُمُوْهُ مُرَّاقَ أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُم قَتَلَتَهُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا تَكَلَّمُ لِمُعَاوِيَةَ، إِنَّمَا تَكَلَّمُ عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ لأَنْتُمَا.
أَمَّا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا كَانَ يَصْنَعُ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ، وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ، وَتَرَبَّصْتَ بِهِ.
وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو، فَأَضْرَمْتَ عَلَيْهِ المَدِيْنَةَ، وَهَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِيْنَ تَسْأَلُ عَنْ أَنْبَائِهِ، فَلَمَّا أَتَاكَ قَتْلُهُ، أَضَافَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِيْنَكَ بِمِصْرَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ، عَرَّضَنِي لَكَ عَمْرٌو، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مَنْ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: هَذَا خَالِقُهُ خَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ ؟!
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ:
صَحِبْتُ عُمَرَ: فَمَا رَأَيْتُ
أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللهِ مِنْهُ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَحْسَنَ مُدَارَاةً مِنْهُ.وَصَحِبْتُ طَلْحَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيْلٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَحْلَمَ مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ -أَوْ قَالَ: أَنْصَعَ - طَرَفاً مِنْهُ، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ المُغِيْرَةَ: فَلَو أَنَّ مَدِيْنَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ لاَ يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلاَّ بِمَكْرٍ، لَخَرَجَ مِنْ أَبوَابِهَا كُلِّهَا.
مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَقَلَّمَا كَانَ يُصِيْبُ مِنَ العِشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ فَصْلاً بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ: أَكْلَةُ السَّحَرِ ) .
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَخْبَرَنِي مَوْلَىً لِعَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً أَدْخَلَ فِي تَعْرِيْشِ الوَهْطِ - بُسْتَانٍ بِالطَّائِفِ - أَلْفَ أَلْفِ عُوْدٍ، كُلُّ عُوْدٍ بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ:
لَيْسَ العَاقِلُ مَنْ يَعْرِفُ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ.
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: كِيْلُوا مَالِي.
فَكَالُوْهُ، فَوَجَدُوْهُ اثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ مُدّاً، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا فِيْهِ؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً.
قَالَ: وَالمُدُّ: سِتَّ عَشْرَةَ أُوْقِيَّةَ، الأُوْقِيَّةُ: مَكُّوْكَانِ.
أَشْعَثُ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، نَظَرَ إِلَى
صَنَادِيْقَ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيْهَا؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً.ثُمَّ أَمَرَ الحَرَسَ، فَأَحَاطُوا بِقَصْرِهِ.
فَقَالَ بَنُوْهُ: مَا هَذَا؟
فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا يُغْنِي عَنِّي شَيْئاً.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: عَجَباً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ، كَيْفَ لاَ يَصِفُهُ؟
فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، ذَكَّرَهُ ابْنُهُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ: صِفْهُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! المَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوْصَفَ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ؛ أَجِدُنِي كَأَنَّ جِبَالَ رَضْوَى عَلَى عُنُقِي، وَكَأَنَّ فِي جَوْفِي الشَّوْكَ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ إِبْرَةٍ.
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِيْنَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِأُمُوْرٍ، وَنَهَيْتَ عَنْ أُمُوْرٍ، تَرَكْنَا كَثِيْراً مِمَّا أَمَرْتَ، وَرَتَعْنَا فِي كَثِيْرٍ مِمَّا نَهَيْتَ، اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.
ثُمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتَّى فَاضَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ:
جَزِعَ عَمْرُو بنُ العَاصِ عِنْدَ المَوْتِ جَزَعاً شَدِيْداً، فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ:
مَا هَذَا الجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِيْكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟!
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ، إِيْ وَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبُّاً كَانَ أَمْ تَأَلُّفاً، وَلَكِنْ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ.
فَلَمَّا جَدَّ بِهِ، وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الأَغْلاَلِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ.
فَكَانَتْ تِلْكَ هَجِّيْرَاهُ حَتَّى مَاتَ.
وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ:كَانَ عَمْرٌو عَلَى مِصْرَ، فَثَقُلَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: أَدْخِلْ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ.
فَلَمَّا دَخَلُوا، نَظَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: هَا قَدْ بَلَغْتُ هَذِهِ الحَالَ، رُدُّوْهَا عَنِّي.
فَقَالُوا: مِثْلُكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ يَقُوْلُ هَذَا؟ هَذَا أَمْرُ اللهِ الَّذِي لاَ مَرَدَّ لَهُ.
قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَتَّعِظُوا، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ.
رَوْحٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ دَعَا حَرَسَهُ عِنْدَ المَوْتِ، فَقَالَ: امْنَعُوْنِي مِنَ المَوْتِ.
قَالُوا: مَا كُنَّا نَحْسِبُكَ تَكَلَّمُ بِهَذَا.
قَالَ: قَدْ قُلْتُهَا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ ذَلِكَ؛ وَلأَنْ أَكُوْنَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُم رَجُلاً قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ المَوْتِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُوْلُ: حَرَسَ امْرَءاً أَجَلُهُ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَإِنْ لاَ تُدْرِكْنِي مِنْكَ رَحْمَةٌ، أَكُنْ مِنَ الهَالِكِيْنَ.
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُخْتَارِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ: إِذَا مِتُّ، فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالمَاءِ، ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قَرَاحٍ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيْهِ كَافُوْرٌ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، وَأَلْبِسْنِي الثِّيَابَ، وَزِرَّ عَلَيَّ، فَإِنِّي مُخَاصَمٌ.
ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيْرِ، فَامْشِ بِي مَشْياً بَيْنَ المِشْيَتَيْنِ، وَكُنْ خَلْفَ الجَنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلاَئِكَةِ، وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ، فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي القَبْرِ، فَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنّاً.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَأَضَعْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، فَلاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ
عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.وَمَا زَالَ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ عَمْرٌو لَيْلَةَ عِيْدِ الفِطْرِ.
فَقَالَ اللَّيْثُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: وَسِنُّهُ تِسْعٌ وَتِسْعُوْنَ.
وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ، فَرَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ:
أَنَّ عَمْراً مَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً؛ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَيُرْوَى عَنِ الهَيْثَمِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا خَطَأٌ.
وَعَنْ طَلْحَةَ القَنَّادِ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا لاَ شَيْءَ.
قُلْتُ: كَانَ أَكْبَرَ مِنْ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِيْنَ.
كَانَ يَقُوْلُ: أَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ عُمَرَ عِشْرِيْنَ عَاماً، فَيُنْتِجُ هَذَا: أَنَّ مَجْمُوْعَ عُمُرِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَ التِّسْعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَخَلَّفَ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً، وَعَبِيْداً، وَعَقَاراً.
يُقَالُ: خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ سَبْعِيْنَ رَقَبَةَ جَمَلٍ مَمْلُوْءةً ذَهَباً.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64255&book=5519#a8881e
عمرو بن العاص: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، مات وهو ابن تسع وسبعين سنة، ومات سنة ثلاث وأربعين بمصر وصلى عليه ابنه عبد الله.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64255&book=5519#26665a
عمرو بن العاص
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا داود، عن عامر قال: دهاة هذِه الأمة أربعة: معاوية، وعمرو بن
العاص، ومغيرة بن شعبة، وزياد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1772)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا داود، عن عامر قال: دهاة هذِه الأمة أربعة: معاوية، وعمرو بن
العاص، ومغيرة بن شعبة، وزياد.
"العلل" رواية عبد اللَّه (1772)
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64255&book=5519#6e1772
عمرو بن العاص
ب د ع: عَمْرو بْن العاص بْن وائل بْن هاشم بْن سَعِيد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بْن لؤي بْن غالب الْقُرَشِيّ السهمي يكنى أبا عَبْد اللَّه، وقيل: أَبُو مُحَمَّد.
وأمه النابغة بِنْت حرملة، سبية من بني جلان بْن عتيك بْن أسلم بْن يذكر بْن عنزة، وأخوه لأمه عَمْرو بْن أثاثة العدوي، وعقبة بْن نافع بْن عَبْد قيس الفهري.
وسأل رَجُل عَمْرو بْن العاص، عَنْ أمه، فَقَالَ: سلمى بِنْت حرملة، تلقب النابغة من بني عنزة، أصابتها رماح العرب، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكه بْن المغيرة، ثُمَّ اشتراها مِنْهُ عَبْد اللَّه بْن جدعان، ثُمَّ صارت إِلَى العاص بْن وائل، فولدت لَهُ، فأنجبت، فإن كَانَ جعل لَكَ شيء فخذه.
وهو الَّذِي أرسلته قريش إِلَى النجاشي ليسلم إليهم من عنده من المسلمين: جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب ومن معه، فلم يفعل، وقَالَ لَهُ: يا عَمْرو، وكيف يعزب عنك أمر ابْن عمك، فوالله إنه لرسول اللَّه حقًا! قَالَ: أنت تَقُولُ ذَلِكَ؟ ! قَالَ: إي والله، فأطعني، فخرج من عنده مهاجرًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم عام خيبر، وقيل: أسلم عند النجاشي، وهاجر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: كَانَ إسلامه فِي صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، وكان قَدْ هُمْ بالانصراف إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند النجاشي، ثُمَّ توقف إِلَى هَذَا الوقت، وقدم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وخالد بْن الْوَلِيد، وعثمان بْن طلحة العبدري، فتقدم خَالِد، وأسلم وبايع، ثُمَّ تقدم عَمْرو فأسلم وبايع عَلَى أن يغفر لَهُ ما كَانَ قبله، فَقَالَ له رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِسْلَام والهجرة يجب ما قبله ".
ثُمَّ بعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميرًا عَلَى سرية إِلَى ذات السلاسل إِلَى أخوال أَبِيهِ العاص بْن وائل، وكانت أمه من بلي بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة يدعوهم إِلَى الإسلام، ويستنفرهم إِلَى الجهاد، فسار فِي ذَلِكَ الجيش وهم ثلاثمائة، فلما دخل بلادهم استمد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمده.
& أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ مِنْ أَرْضِ بُلَيٍّ وَعَذَرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَسْتَنْفِرَ الأَعْرَابَ إِلَى الشَّامِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ امْرَأَةٌ مِنْ بُلَيٍّ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْلِفَهُمْ بِذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ، يُقَالُ لَهُ: السَّلاسِلُ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزَاةُ ذَاتَ السَّلاسِلِ، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِدَّهُ، فَبَعَثَ إِلَيْه أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فِيهِمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: " لا تَخْتَلِفَا "، فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حتَّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا جِئْتَ مَدَدًا لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لا، وَلَكِنِّي أَنَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلا سَهْلا لَيِّنًا هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا عَمْرُو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: " لا تَخْتَلِفَا "، وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: فَإِنِّي أَمِيرٌ عَلَيْكَ، قَالَ: فَدُونَكَ، فَصَلَّى عَمْرٌو بِالنَّاسِ.
وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَانَ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1294) أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ، وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْن لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ "
(1295) قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ " ثُمَّ إن عمرًا سيره أَبُو بَكْر أميرًا إِلَى الشام، فشهد فتوجه، وولي فلسطين لعمر بْن الخطاب، ثُمَّ سيره عُمَر فِي جيش إِلَى مصر، فافتتحها، ولم يزل واليًا عليها إِلَى أن مات عُمَر، فأمره عليها عثمان أربع سنين، أَوْ نحوها، ثُمَّ عزله عَنْهَا، واستعمل عَبْد اللَّه بْن سعد بْن أَبِي سرح، فاعتزل عَمْرو بفلسطين، وكان يأتي المدينة أحيانًا، وكان يطعن عَلَى عثمان، فلما قتل عثمان سار إِلَى معاوية، وعاضده، وشهد معه صفين، ومقامه فيها مشهور.
وهو أحد الحكمين، والقصة مشهورة، ثُمَّ سيره معاوية إِلَى مصر فاستنقذها من يد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وهو عامل لعلي عليها، واستعمله معاوية عليها إِلَى أن مات سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقيل: سنة ثمان وأربعين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، والأول أصح.
وكان يخضب بالسواد، وكان من شجعان العرب وأبطالهم ودهاتهم، وكان موته بمصر ليلة عيد الفطر، فصلى عَلَيْهِ ابنه عَبْد اللَّه، ودفن بالمقطم، ثُمَّ صلى العيد، وولى بعده ابنه، ثُمَّ عزله معاوية، واستعمل بعده أخاه عتبة بْن أَبِي سُفْيَان.
ولعمرو شعر حسن، فمنه ما يخاطب بِهِ عمارة بْن الْوَلِيد عند النجاشي، وكان بَيْنَهُما شر قَدْ ذكرناه فِي الكامل فِي التاريخ:
إِذَا المرء لم يترك طعامًا يحبه ولم ينه قلبًا غاويًا حيث يمما
قضى وطرًا مِنْهُ وغادر سبةً إِذَا ذكرت أمثالها تملأ الفما
ولما حضرته الوفاة، قَالَ: اللهم إنك أمرتني فلم أأتمر، وزجرتني فلم أنزجر، ووضع يده عَلَى موضع الغل، وقَالَ: اللهم لا قوي فانتصر، ولا بريء فاعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت، فلم يزل يرددها حتَّى مات.
وروى يزيد بْن أَبِي حبيب، أن عَبْد الرَّحْمَن بْن شماسة، حدثه، قَالَ: لما حضرت عَمْرو بْن العاص الوفاة بكى، فَقَالَ ابنه عَبْد اللَّه: لم تبكي، أجزعًا من الموت؟ قَالَ: لا والله، ولكن لما بعد الموت، فَقَالَ لَهُ: كنت عَلَى خير، وجعل يذكر صحبته لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفتوحه الشام ومصر، فَقَالَ عَمْرو: تركت أفضل من ذَلِكَ، شهادة أن لا إله إلا اللَّه، إني كنت عَلَى أطباق ثلاث، كنت أول شيء كافرًا، فكنت أشد النَّاس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلو مت حينئذ وجبت لي النار، فلما بايعت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أشد النَّاس حياء مِنْهُ، فلو مت لقال النَّاس: هنيئًا لعمرو، أسلم وكان عَلَى خير، ومات فترجى لَهُ الجنة، ثُمَّ تلبست بالسلطان وأشياء، فلا أدري أعلي أم لي، فإذا مت فلا تبكين عَلَى باكية، ولا تتبعني نائحة ولا نار، وشدوا عليّ إزاري، فإني مخاصم وسنوا عليّ التراب، فإن جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر، ولا تجعلن فِي قبري خشبة ولا حجرًا، وَإِذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعه، أستأنس بكم، وأنظر ماذا أوامر رسل ربي.
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد اللَّه، وَأَبُو عثمان النهدي، وقبيصة بْن ذؤيب، وغيرهم.
(1296) أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَطِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَاهِينَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ "، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. وَكَانَ عَمْرٌو قَصِيرًا.
ب د ع: عَمْرو بْن العاص بْن وائل بْن هاشم بْن سَعِيد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بْن لؤي بْن غالب الْقُرَشِيّ السهمي يكنى أبا عَبْد اللَّه، وقيل: أَبُو مُحَمَّد.
وأمه النابغة بِنْت حرملة، سبية من بني جلان بْن عتيك بْن أسلم بْن يذكر بْن عنزة، وأخوه لأمه عَمْرو بْن أثاثة العدوي، وعقبة بْن نافع بْن عَبْد قيس الفهري.
وسأل رَجُل عَمْرو بْن العاص، عَنْ أمه، فَقَالَ: سلمى بِنْت حرملة، تلقب النابغة من بني عنزة، أصابتها رماح العرب، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكه بْن المغيرة، ثُمَّ اشتراها مِنْهُ عَبْد اللَّه بْن جدعان، ثُمَّ صارت إِلَى العاص بْن وائل، فولدت لَهُ، فأنجبت، فإن كَانَ جعل لَكَ شيء فخذه.
وهو الَّذِي أرسلته قريش إِلَى النجاشي ليسلم إليهم من عنده من المسلمين: جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب ومن معه، فلم يفعل، وقَالَ لَهُ: يا عَمْرو، وكيف يعزب عنك أمر ابْن عمك، فوالله إنه لرسول اللَّه حقًا! قَالَ: أنت تَقُولُ ذَلِكَ؟ ! قَالَ: إي والله، فأطعني، فخرج من عنده مهاجرًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم عام خيبر، وقيل: أسلم عند النجاشي، وهاجر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: كَانَ إسلامه فِي صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، وكان قَدْ هُمْ بالانصراف إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند النجاشي، ثُمَّ توقف إِلَى هَذَا الوقت، وقدم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وخالد بْن الْوَلِيد، وعثمان بْن طلحة العبدري، فتقدم خَالِد، وأسلم وبايع، ثُمَّ تقدم عَمْرو فأسلم وبايع عَلَى أن يغفر لَهُ ما كَانَ قبله، فَقَالَ له رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِسْلَام والهجرة يجب ما قبله ".
ثُمَّ بعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميرًا عَلَى سرية إِلَى ذات السلاسل إِلَى أخوال أَبِيهِ العاص بْن وائل، وكانت أمه من بلي بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة يدعوهم إِلَى الإسلام، ويستنفرهم إِلَى الجهاد، فسار فِي ذَلِكَ الجيش وهم ثلاثمائة، فلما دخل بلادهم استمد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمده.
& أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ مِنْ أَرْضِ بُلَيٍّ وَعَذَرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَسْتَنْفِرَ الأَعْرَابَ إِلَى الشَّامِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ امْرَأَةٌ مِنْ بُلَيٍّ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْلِفَهُمْ بِذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ، يُقَالُ لَهُ: السَّلاسِلُ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزَاةُ ذَاتَ السَّلاسِلِ، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِدَّهُ، فَبَعَثَ إِلَيْه أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فِيهِمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: " لا تَخْتَلِفَا "، فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حتَّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا جِئْتَ مَدَدًا لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لا، وَلَكِنِّي أَنَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلا سَهْلا لَيِّنًا هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا عَمْرُو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: " لا تَخْتَلِفَا "، وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: فَإِنِّي أَمِيرٌ عَلَيْكَ، قَالَ: فَدُونَكَ، فَصَلَّى عَمْرٌو بِالنَّاسِ.
وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَانَ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1294) أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ، وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْن لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ "
(1295) قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ " ثُمَّ إن عمرًا سيره أَبُو بَكْر أميرًا إِلَى الشام، فشهد فتوجه، وولي فلسطين لعمر بْن الخطاب، ثُمَّ سيره عُمَر فِي جيش إِلَى مصر، فافتتحها، ولم يزل واليًا عليها إِلَى أن مات عُمَر، فأمره عليها عثمان أربع سنين، أَوْ نحوها، ثُمَّ عزله عَنْهَا، واستعمل عَبْد اللَّه بْن سعد بْن أَبِي سرح، فاعتزل عَمْرو بفلسطين، وكان يأتي المدينة أحيانًا، وكان يطعن عَلَى عثمان، فلما قتل عثمان سار إِلَى معاوية، وعاضده، وشهد معه صفين، ومقامه فيها مشهور.
وهو أحد الحكمين، والقصة مشهورة، ثُمَّ سيره معاوية إِلَى مصر فاستنقذها من يد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وهو عامل لعلي عليها، واستعمله معاوية عليها إِلَى أن مات سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقيل: سنة ثمان وأربعين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، والأول أصح.
وكان يخضب بالسواد، وكان من شجعان العرب وأبطالهم ودهاتهم، وكان موته بمصر ليلة عيد الفطر، فصلى عَلَيْهِ ابنه عَبْد اللَّه، ودفن بالمقطم، ثُمَّ صلى العيد، وولى بعده ابنه، ثُمَّ عزله معاوية، واستعمل بعده أخاه عتبة بْن أَبِي سُفْيَان.
ولعمرو شعر حسن، فمنه ما يخاطب بِهِ عمارة بْن الْوَلِيد عند النجاشي، وكان بَيْنَهُما شر قَدْ ذكرناه فِي الكامل فِي التاريخ:
إِذَا المرء لم يترك طعامًا يحبه ولم ينه قلبًا غاويًا حيث يمما
قضى وطرًا مِنْهُ وغادر سبةً إِذَا ذكرت أمثالها تملأ الفما
ولما حضرته الوفاة، قَالَ: اللهم إنك أمرتني فلم أأتمر، وزجرتني فلم أنزجر، ووضع يده عَلَى موضع الغل، وقَالَ: اللهم لا قوي فانتصر، ولا بريء فاعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت، فلم يزل يرددها حتَّى مات.
وروى يزيد بْن أَبِي حبيب، أن عَبْد الرَّحْمَن بْن شماسة، حدثه، قَالَ: لما حضرت عَمْرو بْن العاص الوفاة بكى، فَقَالَ ابنه عَبْد اللَّه: لم تبكي، أجزعًا من الموت؟ قَالَ: لا والله، ولكن لما بعد الموت، فَقَالَ لَهُ: كنت عَلَى خير، وجعل يذكر صحبته لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفتوحه الشام ومصر، فَقَالَ عَمْرو: تركت أفضل من ذَلِكَ، شهادة أن لا إله إلا اللَّه، إني كنت عَلَى أطباق ثلاث، كنت أول شيء كافرًا، فكنت أشد النَّاس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلو مت حينئذ وجبت لي النار، فلما بايعت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أشد النَّاس حياء مِنْهُ، فلو مت لقال النَّاس: هنيئًا لعمرو، أسلم وكان عَلَى خير، ومات فترجى لَهُ الجنة، ثُمَّ تلبست بالسلطان وأشياء، فلا أدري أعلي أم لي، فإذا مت فلا تبكين عَلَى باكية، ولا تتبعني نائحة ولا نار، وشدوا عليّ إزاري، فإني مخاصم وسنوا عليّ التراب، فإن جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر، ولا تجعلن فِي قبري خشبة ولا حجرًا، وَإِذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعه، أستأنس بكم، وأنظر ماذا أوامر رسل ربي.
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد اللَّه، وَأَبُو عثمان النهدي، وقبيصة بْن ذؤيب، وغيرهم.
(1296) أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَطِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَاهِينَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ "، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. وَكَانَ عَمْرٌو قَصِيرًا.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64255&book=5519#da3503
عمرو بن العاص
- عمرو بن العاص. .. ... و «» أسلم لي فِي ديني وأما أنت يا مُحَمَّد فأمرتني بالذي أنبه لي فِي دنياي وأشر لي فِي آخرتي. وإن عليًا قد بويع له وهو يدل بسابقته. وهو غير مشركي فِي شيء من أمره. ارحل يا وردان. ثُمَّ خرج ومعه ابناه حتى قدم على مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان فبايعه على الطلب بدم عُثْمَان وكتبا بينهما كتابًا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تعاهد عليه مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان وعمرو بْن العاص ببيت المقدس من بعد قُتِلَ عُثْمَان بْن عفّان وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة. إنّ بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيء ولا يتخذ من دونه وليجة. ولا يحول بيننا ولد ولا والد أبدًا ما حيينا فيما استطعنا فإذا فتحت مصر فَإِن عُمَرًا على أرضها وإمارته التي أمره عليها أمير المؤمنين. وبيننا التناصح والتوازر والتعاون على ما نابنا من الأمور. ومعاوية أمير على عَمْرو بْن العاص فِي النّاس وَفِي عامة الأمر حَتَّى يجمع الله الأُمّة فإذا اجتمعت الأُمّة فإنهما يدخلان فِي أحسن أمرها على أحسن الَّذِي بينهما فِي أمر الله الَّذِي بينهما من الشرط فِي هَذِهِ الصحيفة. وكتب وردان سنة ثمانٍ وثلاثين. قَالَ: وبلغ ذلك عليًا فقام فخطب أَهْل الكوفة فقال: أما بعد فإنه قد بلغني أن عَمْرو بن العاص الأبتر ابن الأبتر بايع مُعَاوِيَة على الطلب بدم عُثْمَان وحضهم عليه فالعضد والله الشلاء عَمْرو ونصرته. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ فِي الْقَلْبِ أَيَّامَ صِفِّينَ بِنَفْسِهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنْ تِلْكَ الأَيَّامِ اقْتَتَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَإِذَا كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ مِنْ خَلْفِ صُفُوفِنَا أَرَاهُمْ خَمْسَمِائَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. ويقبل علي في كتيبة أخرى نحو مِنْ عَدَدِ الَّذِي مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَهُمْ ثُمَّ صَاحَ عَمْرٌو بِأَصْحَابِهِ: الأَرْضَ يَا أَهْلَ الشَّامَ. فَتَرَجَّلُوا وَدَبَّ بِهِمْ وَتَرَجَّلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ. فَنَظَرْتُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَهُوَ يَقُولُ: وَصَبَرْنَا عَلَى مَوَاطِنِ ضَنْكٍ ... وَخُطُوبٍ تُرِي الْبَيَاضَ الْوَلِيدَا وَيُقْبِلُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَخَلُصَ إِلَى عَمْرٍو وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً جَرَحَهُ عَلَى الْعَاتِقِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَبُو السَّمْرَاءِ. وَيُدْرِكُهُ عَمْرٌو فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَثْبَتَهُ وَانْحَازَ عمرو في أصحابه وانحاز أصحابه. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَوْمَ صِفِّينَ وَقَدْ وُضِعَتْ لَهُ الْكَرَاسِيُّ يَصِفُّ النَّاسَ بِنَفْسِهِ صُفُوفًا وَيَقُولُ كَقَصِّ الشَّارِبِ. وَهُوَ حَاسِرٌ. وَأَسْمَعُهُ وَأَنَا مِنْهُ قَرِيبٌ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالشَّيْخِ الأَزْدِيِّ أَوِ الدَّجَّالِ. يَعْنِي هاشم بن عتبة. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: اقْتَتَلَ النَّاسُ بِصِفِّينَ قِتَالا شَدِيدًا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مِثْلَهُ قَطُّ حَتَّى كَرِهَ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الْقِتَالَ وَمَلُّوهُ مِنْ طُولِ تَبَاذُلِهِمُ السَّيْفَ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْقِتَالِ. لِمُعَاوِيَةَ: هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي فَتَأْمُرَ رِجَالا بِنَشْرِ الْمَصَاحِفِ ثُمَّ يَقُولُونَ يَا أهل العراق ندعوكم إلى القرآن وَلا يَزِيدُ ذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشَّامِ إِلا اسْتِجْمَاعًا. فَأَطَاعَهُ مُعَاوِيَةُ فَفَعَلَ وَأَمَرَ عَمْرٌو رِجَالا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقُرِئَ الْمُصْحَفُ ثُمَّ نَادَى: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ نَدْعُوكُمْ إِلَى الْقُرْآنِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَوَلَسْنَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَبَيْعَتِنَا؟ وَقَالَ آخَرُونَ كَرِهُوا الْقِتَالَ: أَجَبْنَا إلى كتاب الله. فلما رأى علي. ع. وَهَنَهُمْ وَكَرَاهَتَهُمُ لِلْقِتَالِ قَارَبَ مُعَاوِيَةَ فِيمَا يَدْعُوهُ إليه واختلف بينهم الرسل فَاخْتَارَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَاخْتَارَ عَلِيٌّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ أَنَّ عليا. ع. بَعَثَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَمَعَهُ أَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِمْ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ وَمَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي بِهِمْ وَيْلِي أَمْرَهُمْ. وَبَعَثَ معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتى توافوا بدومة الجندل. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: لما التقى الناس بدومة الجندل قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلأَشْعَرِيّ: احْذَرْ عَمْرًا فَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُقَدِّمَكَ وَيَقُولُ أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَنُّ مِنِّي. فَكُنْ مُتَدَبِّرًا لَكَلامِهِ. فَكَانَا إِذَا الْتَقَيَا يَقُولُ عَمْرٌو إِنَّكَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلِي وَأَنْتَ أَسَنُّ مِنِّي فَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَتَكَلَّمُ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ عَمْرٌو أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا مُوسَى فِي الْكَلامِ لِيَخْلَعَ عَلِيًّا. فَاجْتَمَعَا عَلَى أَمْرِهِمَا فَأَدَارَهُ عَمْرٌو عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَبَى. وقال أَبُو مُوسَى: أَرَى أَنْ نَخْلَعَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَنَجْعَلَ هَذَا الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْتَارُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَنْ أَحَبُّوا. قَالَ عَمْرٌو: الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ. فَأَقْبَلا عَلَى النَّاسِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: يَا أَبَا مُوسَى أَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ رَأَيْنَا قَدِ اجْتَمَعَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّ رَأَيْنَا قَدِ اتَّفَقَ عَلَى أَمْرٍ نَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَقَالَ عَمْرٌو: صَدَقَ وَبَرَّ وَنِعْمَ النَّاظِرُ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ. فَتَكَلَّمْ يَا أَبَا مُوسَى. فَأَتَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَلا بِهِ فَقَالَ: أَنْتَ فِي خُدْعَةٍ. أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تَبْدَأْهُ وَتَعَقَّبْهُ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ أَعْطَاكَ أَمْرًا خَالِيًا ثُمَّ يَنْزِعَ عَنْهُ عَلَى مَلإٍ مِنَ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ. فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: لا تَخْشَ ذَلِكَ. قَدِ اجْتَمَعْنَا وَاصْطَلَحْنَا. فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ نَظَرْنَا فِي أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا هُوَ أَصْلَحُ لأَمْرِهَا وَلا أَلَمُّ لِشَعَثِهَا مِنْ أَنْ لا نَبْتَزَّ أُمُورَهَا وَلا نَعْصِبَهَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَضًى مِنْهَا وَتَشَاورٍ. وَقَدِ اجْتَمَعْتُ أَنَا وَصَاحِبِي عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ. عَلَى خَلْعِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَتَسْتَقْبِلُ هَذِهِ الأُمَّةُ هَذَا الأَمْرَ فَيَكُونُ شُورَى بَيْنَهُمْ يُوَلُّونَ مِنْهُمْ مَنْ أَحَبُّوا عَلَيْهِمْ. وَإِنِّي قَدْ خَلَعْتُ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ فَوَلُّوا أَمْرَكُمْ مَنْ رَأَيْتُمْ. ثُمَّ تَنَحَّى. فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ وَخَلَعَ صَاحِبَهُ وَإِنِّي أَخْلَعُ صَاحِبَهُ كَمَا خَلْعَهُ وَأُثْبِتُ صَاحِبِي معاوية فإنه ولي ابن عَفَّانَ وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: وَيْحَكَ يَا أَبَا مُوسَى مَا أَضْعَفَكَ عَنْ عَمْرٍو وَمَكَائِدِهِ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَا أَصْنَعُ؟ جَامَعَنِي عَلَى أَمْرٍ ثُمَّ نَزَعَ عَنْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا ذَنْبَ لَكَ يَا أَبَا مُوسَى. الذَّنْبُ لِغَيْرِكَ. لِلَّذِي قَدَّمَكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: رَحِمَكَ اللَّهُ غَدَرَنِي فَمَا أَصْنَعُ؟ وَقَالَ أبو موسى لعمرو: إنما مثلك ك الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً. فقال ابن عمر: إلى م صَيَّرْتَ هَذِهِ الأُمَّةَ؟ إِلَى رَجُلٍ لا يُبَالِي مَا صَنَعَ وَآخَرَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَوْ مَاتَ الأَشْعَرِيُّ مِنْ قبل هذا كان خيرا لَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ: كَيْفَ رَأَيْتَ تَدْبِيرِي لَكَ حَيْثُ ضَاقَتْ نَفْسُكَ مُسْتَهْزِئًا عَلَى فَرَسِكَ الْوَرْدُ تَسْتَبْطِئُهُ فَأَشَرْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَعَرَفْتُ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَهْلُ شِبْهٍ وَأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ. فَقَدِ اشْتَغَلَ عَنْكَ عَلِيٌّ بِهِمْ وَهُمْ آخِرُ هَذَا قَاتِلُوهُ. لَيْسَ جُنْدٌ أَوْهَنُ كَيْدًا مِنْهُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالا: لَمَّا صَارَ الأَمْرُ في بدي مُعَاوِيَةَ اسْتَكْثَرَ طُعْمَةَ مِصْرَ لِعَمْرٍو مَا عَاشَ وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيرِهِ وَعَنَائِهِ وَسَعْيِهِ فِيهِ. وَظَنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيدُهُ الشَّامَ مَعَ مِصْرَ فَلَمْ يفعل معاوية. فتنكر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وَتَمَيَّزَ النَّاسُ وَظَنُّوا أَنَّهُ لا يَجْتَمِعُ أَمْرُهُمَا. فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فَأَصْلَحَ أَمْرَهُمَا وَكَتَبَ بَيْنَهُمَا كِتَابًا وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا لِمُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو خَاصَّةً وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ لِعَمْرٍو وِلايَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِينَ. وَعَلَى أَنَّ عَلَى عَمْرٍو السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمُعَاوِيَةَ. وَتَوَاثَقَا وَتَعَاهَدَا عَلَى ذَلِكَ وأشهدا عَلَيْهِمَا بِهِ شُهُودًا. ثُمَّ مَضَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ وَالِيًا عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي آخر سنة تسع وثلاثين. فو الله مَا مَكَثَ بِهَا إِلا سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حتى مات. قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ الشَّيْبَانِيُّ النَّبِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ يَبْكِي طَوِيلا وَابْنُهُ يَقُولُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟ قَالَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَبْكِي وَوَجْهُهُ إِلَى الْحَائِطِ. قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مِمَّا تَعُدُّ عَلَيَّ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاثٍ. قَدْ رَأَيْتُنِي مَا من الناس من أَحَدٌ أَبْغَضُ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَأَقْتُلَهُ. فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُبَايِعَهُ فَقُلْتُ: ابسط يمينك أبايعك يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فَبَسَطَ يَدَهُ ثُمَّ إِنِّي قَبَضْتُ يَدِي فَقَدْ رَأَيْتُنِي مَا مِنَ النَّاسِ أُحُدٌ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلا أَجَلُّ فِي عَيْنِي مِنْهُ. وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَنْعَتَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنِي إِجْلالا لَهُ. فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ رَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ وُلِيِّنَا أَشْيَاءَ بَعْدُ فَلَسْتُ أَدْرِي مَا أَنَا فِيهَا أَوْ مَا حَالِي فِيهَا. فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ. فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا. فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ قَبْرِي فَامْكُثُوا عِنْدَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ حَتَّى أَعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ دَعَا حَرَسَهُ فَقَالَ: أَيُّ صَاحِبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: كُنْتَ لَنَا صَاحِبَ صَدْقٍ تُكْرِمُنَا وَتُعْطِينَا وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. قَالَ: فَإِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَمْنَعُونِي مِنَ الْمَوْتِ. وَإِنَّ الْمَوْتَ هَا هُوَ ذَا قَدْ نَزَلَ بِي فَأَغْنُوهُ عَنِّي. فَنَظَرَ القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: لا نُغْنِي عَنْكَ مِنَ الْمَوْتِ شَيْئًا. فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قُلْتُهَا وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لا تُغْنُونَ عَنِّي مِنَ الْمَوْتِ شَيْئًا وَلَكِنْ الله لأَنْ أَكُونَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُمْ رَجُلا قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ الْمَوْتِ أَحَبَّ إِلَى مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُولُ حَرَسُ أُمَرَاءِ أَجَلِهِ. ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: اللَّهُمَّ لا بَرِيءَ فَأَعْتَذِرُ وَلا عَزِيزَ فَأَنْتَصِرُ وإلا تدركني برحمة أكن من الهالكين. قال: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِذَا مِتُّ فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالْمَاءِ ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قُرَاحٍ ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ من كافور ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ إِذَا أَلْبَسْتَنِي الثِّيَابَ فَأَزِرَّ عَلَيَّ فَإِنِّي مُخَاصِمٌ. ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيرِ فَامْشِ بِي مَشْيًا بَيْنَ الْمَشْيَتَيْنِ وَكُنْ خَلْفَ الْجَنَازَةِ فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلائِكَةِ وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ. فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي الْقَبْرِ فَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَرَكِبْنَا وَنَهَيْتَنَا فَأَضَعْنَا فَلا بَرِيءَ فَأَعْتَذِرُ وَلا عَزِيزَ فَأَنْتَصِرُ وَلَكِنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. مَا زَالَ يَقُولُهَا حتى مات. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ: عُدْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَدْ ثَقُلَ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَذُوبُ وَلا أَثُوبُ وَأَجِدُ نَجْوَى أَكْثَرَ مِنْ رُزْئِي. فَمَا بَقَاءُ الكبير على هذا؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ: عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لا يَصِفُهُ. فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ إِنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لا يَصِفُهُ فَصِفْ لَنَا الْمَوْتَ وَعَقْلُكُ مَعَكَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ. الْمَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوصَفَ وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا. أَجِدُنِي كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبَالُ رَضْوَى. وَأَجِدُنِي كَأَنَّ فِي جَوْفِي شَوْكَ السِّلاءِ. وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نفسي يخرج من ثقب إبرة. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَوْمَ الْفِطْرِ بِمِصْرَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ وال عَلَيْهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَعْتَقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ كُلَّ مَمْلُوكٍ لَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: انْظُرْ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَأَتِمَّ لَهُ مِائَتَيْ دِينَارٍ. وَأَتِمَّ لِنَفْسِكَ بِإِمَارَتِكَ مِائَتَيْ دينار. ولخارجة بن حذافة بِشَجَاعَتِهِ. وَلِقَيْسِ بْنِ الْعَاصِ بِضِيَافَتِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عن عبد الرحمن بن يحيى عن حيان بْنِ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَا الْمُرُوءَةُ؟ فَقَالَ: يُصْلِحُ الرَّجُلُ مَالَهُ وَيُحْسِنُ إِلَى إِخْوَانِهِ.
- عمرو بن العاص. .. ... و «» أسلم لي فِي ديني وأما أنت يا مُحَمَّد فأمرتني بالذي أنبه لي فِي دنياي وأشر لي فِي آخرتي. وإن عليًا قد بويع له وهو يدل بسابقته. وهو غير مشركي فِي شيء من أمره. ارحل يا وردان. ثُمَّ خرج ومعه ابناه حتى قدم على مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان فبايعه على الطلب بدم عُثْمَان وكتبا بينهما كتابًا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تعاهد عليه مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان وعمرو بْن العاص ببيت المقدس من بعد قُتِلَ عُثْمَان بْن عفّان وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة. إنّ بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيء ولا يتخذ من دونه وليجة. ولا يحول بيننا ولد ولا والد أبدًا ما حيينا فيما استطعنا فإذا فتحت مصر فَإِن عُمَرًا على أرضها وإمارته التي أمره عليها أمير المؤمنين. وبيننا التناصح والتوازر والتعاون على ما نابنا من الأمور. ومعاوية أمير على عَمْرو بْن العاص فِي النّاس وَفِي عامة الأمر حَتَّى يجمع الله الأُمّة فإذا اجتمعت الأُمّة فإنهما يدخلان فِي أحسن أمرها على أحسن الَّذِي بينهما فِي أمر الله الَّذِي بينهما من الشرط فِي هَذِهِ الصحيفة. وكتب وردان سنة ثمانٍ وثلاثين. قَالَ: وبلغ ذلك عليًا فقام فخطب أَهْل الكوفة فقال: أما بعد فإنه قد بلغني أن عَمْرو بن العاص الأبتر ابن الأبتر بايع مُعَاوِيَة على الطلب بدم عُثْمَان وحضهم عليه فالعضد والله الشلاء عَمْرو ونصرته. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ فِي الْقَلْبِ أَيَّامَ صِفِّينَ بِنَفْسِهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنْ تِلْكَ الأَيَّامِ اقْتَتَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَإِذَا كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ مِنْ خَلْفِ صُفُوفِنَا أَرَاهُمْ خَمْسَمِائَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. ويقبل علي في كتيبة أخرى نحو مِنْ عَدَدِ الَّذِي مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَهُمْ ثُمَّ صَاحَ عَمْرٌو بِأَصْحَابِهِ: الأَرْضَ يَا أَهْلَ الشَّامَ. فَتَرَجَّلُوا وَدَبَّ بِهِمْ وَتَرَجَّلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ. فَنَظَرْتُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَهُوَ يَقُولُ: وَصَبَرْنَا عَلَى مَوَاطِنِ ضَنْكٍ ... وَخُطُوبٍ تُرِي الْبَيَاضَ الْوَلِيدَا وَيُقْبِلُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَخَلُصَ إِلَى عَمْرٍو وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً جَرَحَهُ عَلَى الْعَاتِقِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَبُو السَّمْرَاءِ. وَيُدْرِكُهُ عَمْرٌو فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَثْبَتَهُ وَانْحَازَ عمرو في أصحابه وانحاز أصحابه. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَوْمَ صِفِّينَ وَقَدْ وُضِعَتْ لَهُ الْكَرَاسِيُّ يَصِفُّ النَّاسَ بِنَفْسِهِ صُفُوفًا وَيَقُولُ كَقَصِّ الشَّارِبِ. وَهُوَ حَاسِرٌ. وَأَسْمَعُهُ وَأَنَا مِنْهُ قَرِيبٌ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالشَّيْخِ الأَزْدِيِّ أَوِ الدَّجَّالِ. يَعْنِي هاشم بن عتبة. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: اقْتَتَلَ النَّاسُ بِصِفِّينَ قِتَالا شَدِيدًا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مِثْلَهُ قَطُّ حَتَّى كَرِهَ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الْقِتَالَ وَمَلُّوهُ مِنْ طُولِ تَبَاذُلِهِمُ السَّيْفَ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْقِتَالِ. لِمُعَاوِيَةَ: هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي فَتَأْمُرَ رِجَالا بِنَشْرِ الْمَصَاحِفِ ثُمَّ يَقُولُونَ يَا أهل العراق ندعوكم إلى القرآن وَلا يَزِيدُ ذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشَّامِ إِلا اسْتِجْمَاعًا. فَأَطَاعَهُ مُعَاوِيَةُ فَفَعَلَ وَأَمَرَ عَمْرٌو رِجَالا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقُرِئَ الْمُصْحَفُ ثُمَّ نَادَى: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ نَدْعُوكُمْ إِلَى الْقُرْآنِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَوَلَسْنَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَبَيْعَتِنَا؟ وَقَالَ آخَرُونَ كَرِهُوا الْقِتَالَ: أَجَبْنَا إلى كتاب الله. فلما رأى علي. ع. وَهَنَهُمْ وَكَرَاهَتَهُمُ لِلْقِتَالِ قَارَبَ مُعَاوِيَةَ فِيمَا يَدْعُوهُ إليه واختلف بينهم الرسل فَاخْتَارَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَاخْتَارَ عَلِيٌّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ أَنَّ عليا. ع. بَعَثَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَمَعَهُ أَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِمْ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ وَمَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي بِهِمْ وَيْلِي أَمْرَهُمْ. وَبَعَثَ معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتى توافوا بدومة الجندل. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: لما التقى الناس بدومة الجندل قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلأَشْعَرِيّ: احْذَرْ عَمْرًا فَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُقَدِّمَكَ وَيَقُولُ أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَنُّ مِنِّي. فَكُنْ مُتَدَبِّرًا لَكَلامِهِ. فَكَانَا إِذَا الْتَقَيَا يَقُولُ عَمْرٌو إِنَّكَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلِي وَأَنْتَ أَسَنُّ مِنِّي فَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَتَكَلَّمُ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ عَمْرٌو أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا مُوسَى فِي الْكَلامِ لِيَخْلَعَ عَلِيًّا. فَاجْتَمَعَا عَلَى أَمْرِهِمَا فَأَدَارَهُ عَمْرٌو عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَبَى. وقال أَبُو مُوسَى: أَرَى أَنْ نَخْلَعَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَنَجْعَلَ هَذَا الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْتَارُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَنْ أَحَبُّوا. قَالَ عَمْرٌو: الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ. فَأَقْبَلا عَلَى النَّاسِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: يَا أَبَا مُوسَى أَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ رَأَيْنَا قَدِ اجْتَمَعَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّ رَأَيْنَا قَدِ اتَّفَقَ عَلَى أَمْرٍ نَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَقَالَ عَمْرٌو: صَدَقَ وَبَرَّ وَنِعْمَ النَّاظِرُ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ. فَتَكَلَّمْ يَا أَبَا مُوسَى. فَأَتَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَلا بِهِ فَقَالَ: أَنْتَ فِي خُدْعَةٍ. أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تَبْدَأْهُ وَتَعَقَّبْهُ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ أَعْطَاكَ أَمْرًا خَالِيًا ثُمَّ يَنْزِعَ عَنْهُ عَلَى مَلإٍ مِنَ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ. فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: لا تَخْشَ ذَلِكَ. قَدِ اجْتَمَعْنَا وَاصْطَلَحْنَا. فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ نَظَرْنَا فِي أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا هُوَ أَصْلَحُ لأَمْرِهَا وَلا أَلَمُّ لِشَعَثِهَا مِنْ أَنْ لا نَبْتَزَّ أُمُورَهَا وَلا نَعْصِبَهَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَضًى مِنْهَا وَتَشَاورٍ. وَقَدِ اجْتَمَعْتُ أَنَا وَصَاحِبِي عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ. عَلَى خَلْعِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَتَسْتَقْبِلُ هَذِهِ الأُمَّةُ هَذَا الأَمْرَ فَيَكُونُ شُورَى بَيْنَهُمْ يُوَلُّونَ مِنْهُمْ مَنْ أَحَبُّوا عَلَيْهِمْ. وَإِنِّي قَدْ خَلَعْتُ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ فَوَلُّوا أَمْرَكُمْ مَنْ رَأَيْتُمْ. ثُمَّ تَنَحَّى. فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ وَخَلَعَ صَاحِبَهُ وَإِنِّي أَخْلَعُ صَاحِبَهُ كَمَا خَلْعَهُ وَأُثْبِتُ صَاحِبِي معاوية فإنه ولي ابن عَفَّانَ وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: وَيْحَكَ يَا أَبَا مُوسَى مَا أَضْعَفَكَ عَنْ عَمْرٍو وَمَكَائِدِهِ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَا أَصْنَعُ؟ جَامَعَنِي عَلَى أَمْرٍ ثُمَّ نَزَعَ عَنْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا ذَنْبَ لَكَ يَا أَبَا مُوسَى. الذَّنْبُ لِغَيْرِكَ. لِلَّذِي قَدَّمَكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: رَحِمَكَ اللَّهُ غَدَرَنِي فَمَا أَصْنَعُ؟ وَقَالَ أبو موسى لعمرو: إنما مثلك ك الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً. فقال ابن عمر: إلى م صَيَّرْتَ هَذِهِ الأُمَّةَ؟ إِلَى رَجُلٍ لا يُبَالِي مَا صَنَعَ وَآخَرَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَوْ مَاتَ الأَشْعَرِيُّ مِنْ قبل هذا كان خيرا لَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ: كَيْفَ رَأَيْتَ تَدْبِيرِي لَكَ حَيْثُ ضَاقَتْ نَفْسُكَ مُسْتَهْزِئًا عَلَى فَرَسِكَ الْوَرْدُ تَسْتَبْطِئُهُ فَأَشَرْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَعَرَفْتُ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَهْلُ شِبْهٍ وَأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ. فَقَدِ اشْتَغَلَ عَنْكَ عَلِيٌّ بِهِمْ وَهُمْ آخِرُ هَذَا قَاتِلُوهُ. لَيْسَ جُنْدٌ أَوْهَنُ كَيْدًا مِنْهُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالا: لَمَّا صَارَ الأَمْرُ في بدي مُعَاوِيَةَ اسْتَكْثَرَ طُعْمَةَ مِصْرَ لِعَمْرٍو مَا عَاشَ وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيرِهِ وَعَنَائِهِ وَسَعْيِهِ فِيهِ. وَظَنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيدُهُ الشَّامَ مَعَ مِصْرَ فَلَمْ يفعل معاوية. فتنكر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وَتَمَيَّزَ النَّاسُ وَظَنُّوا أَنَّهُ لا يَجْتَمِعُ أَمْرُهُمَا. فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فَأَصْلَحَ أَمْرَهُمَا وَكَتَبَ بَيْنَهُمَا كِتَابًا وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا لِمُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو خَاصَّةً وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ لِعَمْرٍو وِلايَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِينَ. وَعَلَى أَنَّ عَلَى عَمْرٍو السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمُعَاوِيَةَ. وَتَوَاثَقَا وَتَعَاهَدَا عَلَى ذَلِكَ وأشهدا عَلَيْهِمَا بِهِ شُهُودًا. ثُمَّ مَضَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ وَالِيًا عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي آخر سنة تسع وثلاثين. فو الله مَا مَكَثَ بِهَا إِلا سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حتى مات. قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ الشَّيْبَانِيُّ النَّبِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ يَبْكِي طَوِيلا وَابْنُهُ يَقُولُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟ قَالَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَبْكِي وَوَجْهُهُ إِلَى الْحَائِطِ. قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مِمَّا تَعُدُّ عَلَيَّ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاثٍ. قَدْ رَأَيْتُنِي مَا من الناس من أَحَدٌ أَبْغَضُ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَأَقْتُلَهُ. فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُبَايِعَهُ فَقُلْتُ: ابسط يمينك أبايعك يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فَبَسَطَ يَدَهُ ثُمَّ إِنِّي قَبَضْتُ يَدِي فَقَدْ رَأَيْتُنِي مَا مِنَ النَّاسِ أُحُدٌ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلا أَجَلُّ فِي عَيْنِي مِنْهُ. وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَنْعَتَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنِي إِجْلالا لَهُ. فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ رَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ وُلِيِّنَا أَشْيَاءَ بَعْدُ فَلَسْتُ أَدْرِي مَا أَنَا فِيهَا أَوْ مَا حَالِي فِيهَا. فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ. فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا. فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ قَبْرِي فَامْكُثُوا عِنْدَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ حَتَّى أَعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ دَعَا حَرَسَهُ فَقَالَ: أَيُّ صَاحِبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: كُنْتَ لَنَا صَاحِبَ صَدْقٍ تُكْرِمُنَا وَتُعْطِينَا وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. قَالَ: فَإِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَمْنَعُونِي مِنَ الْمَوْتِ. وَإِنَّ الْمَوْتَ هَا هُوَ ذَا قَدْ نَزَلَ بِي فَأَغْنُوهُ عَنِّي. فَنَظَرَ القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: لا نُغْنِي عَنْكَ مِنَ الْمَوْتِ شَيْئًا. فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قُلْتُهَا وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لا تُغْنُونَ عَنِّي مِنَ الْمَوْتِ شَيْئًا وَلَكِنْ الله لأَنْ أَكُونَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُمْ رَجُلا قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ الْمَوْتِ أَحَبَّ إِلَى مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُولُ حَرَسُ أُمَرَاءِ أَجَلِهِ. ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: اللَّهُمَّ لا بَرِيءَ فَأَعْتَذِرُ وَلا عَزِيزَ فَأَنْتَصِرُ وإلا تدركني برحمة أكن من الهالكين. قال: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِذَا مِتُّ فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالْمَاءِ ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قُرَاحٍ ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ من كافور ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ إِذَا أَلْبَسْتَنِي الثِّيَابَ فَأَزِرَّ عَلَيَّ فَإِنِّي مُخَاصِمٌ. ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيرِ فَامْشِ بِي مَشْيًا بَيْنَ الْمَشْيَتَيْنِ وَكُنْ خَلْفَ الْجَنَازَةِ فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلائِكَةِ وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ. فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي الْقَبْرِ فَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَرَكِبْنَا وَنَهَيْتَنَا فَأَضَعْنَا فَلا بَرِيءَ فَأَعْتَذِرُ وَلا عَزِيزَ فَأَنْتَصِرُ وَلَكِنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. مَا زَالَ يَقُولُهَا حتى مات. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ: عُدْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَدْ ثَقُلَ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَذُوبُ وَلا أَثُوبُ وَأَجِدُ نَجْوَى أَكْثَرَ مِنْ رُزْئِي. فَمَا بَقَاءُ الكبير على هذا؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ: عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لا يَصِفُهُ. فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ إِنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لا يَصِفُهُ فَصِفْ لَنَا الْمَوْتَ وَعَقْلُكُ مَعَكَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ. الْمَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوصَفَ وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا. أَجِدُنِي كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبَالُ رَضْوَى. وَأَجِدُنِي كَأَنَّ فِي جَوْفِي شَوْكَ السِّلاءِ. وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نفسي يخرج من ثقب إبرة. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَوْمَ الْفِطْرِ بِمِصْرَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ وال عَلَيْهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَعْتَقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ كُلَّ مَمْلُوكٍ لَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: انْظُرْ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَأَتِمَّ لَهُ مِائَتَيْ دِينَارٍ. وَأَتِمَّ لِنَفْسِكَ بِإِمَارَتِكَ مِائَتَيْ دينار. ولخارجة بن حذافة بِشَجَاعَتِهِ. وَلِقَيْسِ بْنِ الْعَاصِ بِضِيَافَتِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عن عبد الرحمن بن يحيى عن حيان بْنِ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَا الْمُرُوءَةُ؟ فَقَالَ: يُصْلِحُ الرَّجُلُ مَالَهُ وَيُحْسِنُ إِلَى إِخْوَانِهِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64255&book=5519#85065e
- عمرو بن العاص. لعمر وعثمان وبعد ذلك لمعاوية, ومات بها يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين, ويقال: ثلاث وأربعين.