عقيل بن أي طالب عبد مناف
ابن هاشم بن عبد مناف أبو يزيد ويقال: أبو عيسى الهاشمي أخو علي وجعفر، وكان أكبر منهما، أسلم قبل سنة ثمان، وشهد غزوة مؤتة من أرض البلقاء. وفد على معاوية.
روى عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا، فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل ائتني بمحمد؛ فذهبت فأتيته به، فقال: يا بن
أخي إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم، فانته عن ذلك، قال: فلحظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببصره إلى السماء، فقال: " أترون هذه الشمس؟ " قالوا: نعم، قال: " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تستشعلوا لي منها شعلة "، قال: فقال أبو طالب: ما كذب ابن أخي، فارجعوا.
قال الحسن البصري: قدم عقيل بن أبي طالب البصرة، فتزوج امرأة من بني جشم، فلما خرج قالوا: بالرّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقول: بالرفاء والبنين، وأمرنا أن نقول: " بارك الله لك، وبارك عليك ".
وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وقد أسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أتى عقيل البصرة والكوفة والشام، ومات في خلافة معاوية.
وعقيل وجعفر وعلي كل واحد منهم أسنّ من صاحبه بعشر سنين على الولاء، وأخوهم طالب لا عقب له. وهو الذي يقول حين استكرهه مشركو قريش على الخروج إلى بدر: من الرجز
يا ربّ إمّا خرجوا بطالب ... في مقنبٍ من هذه المقانب
فاجعلهم المغلوب غير الغالب ... والرجل المسلوب غير السالب
وكان علي أصغر بني أبي طالب سناً، وأولهم إسلاماً، وكان عقيل فيمن أخرج من بني هاشم كرهاً مع المشركين إلى بدر، فشهدها، وأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه
العباس بن عبد المطلب، ورجع عقيل إلى مكة، فلم يزل بها حتى خرج إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً في أول سنة ثمانٍ، فشهد غزوة مؤتة، ورجع، فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا الطائف ولا خيبر ولا حنين، وقد أطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مئة وأربعين وسقاً كل سنة، ومات عقيل بن أبي طالب بعدما عمي في خلافة معاوية، وله عقب، وله دار بالبقيع ربّة يعني كثيرة الأهل والجماعة واسعة.
وروي أن عقيلاً بارز رجلاً يوم مؤتة فقتله، فنفّله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتمه. وقيل: نفّله سيفه وترسه، وكان إسلام عقيل قبل يوم مؤتة، وكان ورث أبا طالب هو وطالب دون علي وجعفر، لأنهما كانا مسلمين.
وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " يا أيها النبيّ قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم " نزلت في الأسارى يوم بدر، ومنهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب.
وقال عقيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتلت من أشرافهن أثخن فيهم! فقال: قتل أبو جهل، فقال: " الآن صفا لك الوادي ".
وقال له عقيل: إنه لم يبق من أهل بيتك أحد إلا وقد أسلم، قال: " فقل لهم فليلحقوا بي، فلما أتاهم عقيل بهذه المقالة خرجوا ".
وذكر أن العباس ونوفلاً وعقيلاً رجعوا إلى مكة، أمروا بذلك ليقيموا ما كانوا يقيمون من أمر السقاية والرفادة يعني والرياسة، وذلك بعد موت أبي لهب، وكانت السقاية والرفادة والرياسة في الجاهلية في بني هاشم، ثم هاجروا بعد إلى المدينة، فقدموها بأهاليهم وأولادهم.
قال علي كرم الله وجهه: لما كان ليلة بدر أصابنا وعك من حمى وشيء من مطر، فافترق الناس يستترون تحت الشجر، وما رأيت أحداً يصلي غير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انفجرا لصبح، فصاح: " عباد الل " هـ، فأقبل الناس من تحت الشجر، فصلى بهم، ثم أقبل على القتال، ورغبهم فيه، فقال: " إن بين عبد المطلب قوم أخرجوا كرهاً، لم يريدوا قتالكم، فمن لقي منكم أحداً منهم فر يقتله، وليأسره أسراً ". ثم قال لهم: " إن جمع قريش عند ذلك الضلع من الجبل ".
فلما تصافّ القوم، رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يسير على جمل أحمر، فقال: " عن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر "، ثم قال: " يا علي انطلق إلى حمزة، وكان حمزة أدنى القوم من القوم، فسله عن صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول "؛ فسأله، فقال: هذا عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال.
قال علي: وكان الشجاع منا يومئذ الذي يقوم بإزاء رسول الله صلى عليه وسلم، فلما هزم الله القوم التفت فإذا عقيل مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة، قال: فصددت عنه، فصاح بي: يا بن أم علي، وأما والله لقد رأيت مكاني، ولكن عمداً تصدّ عنّي.
فقال علي: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة؟ فقال: " انطلق بنا إليه " فمضينا إليه نمشي، فلما رآنا عقيل قال:
يا رسول الله، إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم، وإلا فأدركوا القوم ما داموا بحدثان قرحهم، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد قتله الله عز وجل ".
وعن حسن بن علي عليهما السلام قال: كان ممن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين العباس وعلي وأبو سفيان بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، والزبير بن العوام وأسامة بن زيد.
وزاد في حديث آخر: وأيمن بن عبيد أخو أسامة بن زيد.
وروي عن أنس: أن زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجارت أبا العاص بن عبد شمس، فأجاز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها، وأن أم هانئ بنت أي طالب أجارت أخاها عقيل بن أي طالب يوم الفتح، فأجاز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها.
قال: وهذا الحديث غير محفوظ، إنما أجارت رجلين من أحمائها من بني مخزوم، فأما عقيل فتقدم إسلامه قبل الفتح، والله أعلم.
وعن زيد بن أسلم: أن عقيلاً دخل على امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وسيفه متلطخ بالدماء، فقالت: إني قد عرفت أنك قد قاتلت، فما أصبت من غنائم المشركين؟ فقال: دونك هذه الإبرة فخيطي بها ثيابك، ودفعها إليها. فسمع منادي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أصاب شيئاً فليرده، وإن كانت إبرة، فرجع عقيل إلى امرأته فقال: ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت منك. فأخذ عقيل الإبرة فألقاها في الغنائم.
وعن علي عليه السلام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أعطي كل نبيّ سبة رفقاء، وأنا أعطيت أربعة عشر "، قيل لعلي: من هم؟ قال: أنا وابناي الحسن والحسين وحمزة وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير.
وعن عقيل بن أبي طالب قال: نازعت علياً وجعفر بن أبي طالب في شيء، فقلت: والله ما أنتما بأحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، إن قرابتنا لواحدة، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أحب أسامة بن زيد " 0 قلت: إني ليس عن أسامة أسألك، إنما أسألك عن نفسي. فقال: " يا عقيل: إني والله لأحبك لخصلتين: لقرابتك ولحب أبي طالب إياك وكان أحبهم إلى أبي طالب وأما أنت يا جعفر فإن خلقك يشبه خلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ".
وفي رواية أنه قال لعقيل: " إني أحبك حبين: حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك ".
وعن جابر: أن عقيلاً دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مرحباً بك أبا يزيد، كيف أصبحت؟ " قال: بخير صبّحك الله يا أبا القاسم.
حدث يزيد بن حبّان عن زيد بن أرقم قال:
دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصليت خلفه، قال: لقد رأيته وقد خشيت أن يكون إنما أخرت لشرٍّ، ما حدثتكم به فاقبلوه، وما سكتّ عنه فدعوه.
قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوادٍ بين مكة والمدينة يدعى: خمّ، فخطب، فقال:
إنما أنا بشر أوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله، حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة، ثم أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرات.
قال: فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، لأن المرأة تكون مع الرجل برهة من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها. وأهل بيته: أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. آل علي والعباس وآل جعفر وآل عقيل.
جاء علي بن أبي طالب إلى عثمان بن عفان، فقال له: يا أمير المؤمنين، لي إليك حاجة، لابد أن تسعفني بها، قال: ما هي؟ قال: فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، خطبتها، فأبتني، وتزوجت عقيل بن أبي طالب، فسلها: لم ذاك؟ فقال عثمان: ما نصنع بذلك؟ النساء يأخذن ويدعن، قال: إني أحب ذلك، أقسمت إلا سألتها عن ذلك.
فدعا عثمان مولاه معتّباً فقال له: اذهب إلى فاطمة بنت عتبة فأقرها السلام ورحمة الله، وقل: إن عمك أرسلني إليك يسألك: لم رددت علياً وتزوجت عقيلاً؟ فلما جاءها استأذن عليها، فقالت: من هذا؟ قال: معتّب مولى عثمان، فقالت: ادخل، مرحباً، فدخل، فأبلغها رسالة عثمان، فقالت له: نعم، أمر معروف، إني وجدت علياً قتل الأحبة، ووجدت عقيلاً قاتل معهم. اخرج أبا زيد، فخرج عليّ شيخ أعقف في ملحفة مورّسة.
فجاء عقيل بن أبي طالب إلى علي بن أبي طالب بالعراق ليعطيه. فأبى أن يعطيه شيئاً، فقال: إذاً أذهب إلى رجل هو أوصل منك، فذهب إلى معاوية، فغرف له معاوية.
قال حميد بن هلال: أتى عقيل علياً، فقال: يا أمير المؤمنين إني محتاج، وإني فقير فأعطني، قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم، فألح عليه، فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دقّ هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت.
قال: يريد عليٌّ أن يتخذني سارقاً، فرجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين: أردت أن تتخذني سارقاً! قال: أنت والله أردت أن تتخذني سارقاً، أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم، قال: لآتينّ معاوية، قال؛ أنت وذاك، فأتى معاوية فسأله فأعطاه مئة ألف ثم قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك عليٌّ من نفسه، وما أوليتك من نفسي.
قال: فصعد فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه، فاختار دينه، وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق، وأنها أعقل منه! وقيل: إن عقيلاً لما أتى معاوية قال له: كيف أنت أبا يزيد؟ كيف تركت علياً وأصحابه؟ قال: كأنهم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، إلا أني لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، وكأنك وأصحابك أبو سفيان يوم أحد، إلا أني لم أر أبا سفيان معكم، فكره معاوية أن يراجعه، فيأتي بأشد مما جاء به.
فلما كان الغد قعد معاوية على سريره، وأمر بكرسي يوضع إلى جنب السرير، ثم أذن للناس فدخلوا، وأجلس الضحاك بن قيس معه، ثم أذن لعقيل، فدخل عليه، فقال: يا معاوية من هذا معك؟ قال: هذا الضحاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة، وتمم النقيصة، هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بالأبطح، لقد كان
بخصائها رفيقاً. فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش، وإن عقيلاً لعالم بمساوئها. ثم قال: ومن هذا الشيخ؟ فقال: أبو موسى الأشعري، قال: ابن المرّاقة، لقد كانت أمه طيبة المرق، فقال له معاوية: أبا يزيد: على رسلك، فقد علمنا مقصدك ومرادك. فأمر له بخمسين ألف درهم، وقال له: كيف رأيتني من أخيك؟ قال: أخي خير لنفسه منك، وأنت خير لي منك لنفسك، فأخذها ورجع إلى أخيه، فقال: اخترت الدنيا على الآخرة.
وقيل: إن عقيلاً لما أتى علياً ومنعه، قال له: أكتب لك إلى مالي بالينبع فتعطى؟ فقال عقيل: لأذهبن إلى رجل يعطيني. فأتى معاوية فقال: مرحباً بأبي يزيد، هذا أخو علي وعمه أبو لهب. فقال له عقيل: هذا معاوية، وعمته حمالة الحطب.
وقال معاوية لعقيل: أين ترى عمك أبا لهب من النار؟ فقال له عقيل: إذا دخلتها فهو على يسارك مفترشٌ عمتك حمالة الحطب، والركب خير من المركوب.
قال معاوية لعقيل: أي النساء أشهى إليك؟ قال: المواتية لما نهوى. قال: فأي النساء أسوأ؟ قال: المجانبة لما نرضى، فقال معاوية: هذا النقد العاجل، فقال له عقيل: بالميزان العادل.
قال عبد الله بن عبد الله بن يسار: كنت عند عبد الله بن عمر بالمدينة، فجاءه عباس بن سهل الأنصاري، قال: إن عقيل بن أبي طالب قد وضع بباب المسجد، فصلي عليه، وابن الزبير حينئذ بمكة.
ابن هاشم بن عبد مناف أبو يزيد ويقال: أبو عيسى الهاشمي أخو علي وجعفر، وكان أكبر منهما، أسلم قبل سنة ثمان، وشهد غزوة مؤتة من أرض البلقاء. وفد على معاوية.
روى عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا، فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل ائتني بمحمد؛ فذهبت فأتيته به، فقال: يا بن
أخي إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم، فانته عن ذلك، قال: فلحظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببصره إلى السماء، فقال: " أترون هذه الشمس؟ " قالوا: نعم، قال: " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تستشعلوا لي منها شعلة "، قال: فقال أبو طالب: ما كذب ابن أخي، فارجعوا.
قال الحسن البصري: قدم عقيل بن أبي طالب البصرة، فتزوج امرأة من بني جشم، فلما خرج قالوا: بالرّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقول: بالرفاء والبنين، وأمرنا أن نقول: " بارك الله لك، وبارك عليك ".
وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وقد أسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أتى عقيل البصرة والكوفة والشام، ومات في خلافة معاوية.
وعقيل وجعفر وعلي كل واحد منهم أسنّ من صاحبه بعشر سنين على الولاء، وأخوهم طالب لا عقب له. وهو الذي يقول حين استكرهه مشركو قريش على الخروج إلى بدر: من الرجز
يا ربّ إمّا خرجوا بطالب ... في مقنبٍ من هذه المقانب
فاجعلهم المغلوب غير الغالب ... والرجل المسلوب غير السالب
وكان علي أصغر بني أبي طالب سناً، وأولهم إسلاماً، وكان عقيل فيمن أخرج من بني هاشم كرهاً مع المشركين إلى بدر، فشهدها، وأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه
العباس بن عبد المطلب، ورجع عقيل إلى مكة، فلم يزل بها حتى خرج إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً في أول سنة ثمانٍ، فشهد غزوة مؤتة، ورجع، فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا الطائف ولا خيبر ولا حنين، وقد أطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مئة وأربعين وسقاً كل سنة، ومات عقيل بن أبي طالب بعدما عمي في خلافة معاوية، وله عقب، وله دار بالبقيع ربّة يعني كثيرة الأهل والجماعة واسعة.
وروي أن عقيلاً بارز رجلاً يوم مؤتة فقتله، فنفّله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتمه. وقيل: نفّله سيفه وترسه، وكان إسلام عقيل قبل يوم مؤتة، وكان ورث أبا طالب هو وطالب دون علي وجعفر، لأنهما كانا مسلمين.
وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " يا أيها النبيّ قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم " نزلت في الأسارى يوم بدر، ومنهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب.
وقال عقيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتلت من أشرافهن أثخن فيهم! فقال: قتل أبو جهل، فقال: " الآن صفا لك الوادي ".
وقال له عقيل: إنه لم يبق من أهل بيتك أحد إلا وقد أسلم، قال: " فقل لهم فليلحقوا بي، فلما أتاهم عقيل بهذه المقالة خرجوا ".
وذكر أن العباس ونوفلاً وعقيلاً رجعوا إلى مكة، أمروا بذلك ليقيموا ما كانوا يقيمون من أمر السقاية والرفادة يعني والرياسة، وذلك بعد موت أبي لهب، وكانت السقاية والرفادة والرياسة في الجاهلية في بني هاشم، ثم هاجروا بعد إلى المدينة، فقدموها بأهاليهم وأولادهم.
قال علي كرم الله وجهه: لما كان ليلة بدر أصابنا وعك من حمى وشيء من مطر، فافترق الناس يستترون تحت الشجر، وما رأيت أحداً يصلي غير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انفجرا لصبح، فصاح: " عباد الل " هـ، فأقبل الناس من تحت الشجر، فصلى بهم، ثم أقبل على القتال، ورغبهم فيه، فقال: " إن بين عبد المطلب قوم أخرجوا كرهاً، لم يريدوا قتالكم، فمن لقي منكم أحداً منهم فر يقتله، وليأسره أسراً ". ثم قال لهم: " إن جمع قريش عند ذلك الضلع من الجبل ".
فلما تصافّ القوم، رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يسير على جمل أحمر، فقال: " عن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر "، ثم قال: " يا علي انطلق إلى حمزة، وكان حمزة أدنى القوم من القوم، فسله عن صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول "؛ فسأله، فقال: هذا عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال.
قال علي: وكان الشجاع منا يومئذ الذي يقوم بإزاء رسول الله صلى عليه وسلم، فلما هزم الله القوم التفت فإذا عقيل مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة، قال: فصددت عنه، فصاح بي: يا بن أم علي، وأما والله لقد رأيت مكاني، ولكن عمداً تصدّ عنّي.
فقال علي: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة؟ فقال: " انطلق بنا إليه " فمضينا إليه نمشي، فلما رآنا عقيل قال:
يا رسول الله، إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم، وإلا فأدركوا القوم ما داموا بحدثان قرحهم، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد قتله الله عز وجل ".
وعن حسن بن علي عليهما السلام قال: كان ممن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين العباس وعلي وأبو سفيان بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، والزبير بن العوام وأسامة بن زيد.
وزاد في حديث آخر: وأيمن بن عبيد أخو أسامة بن زيد.
وروي عن أنس: أن زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجارت أبا العاص بن عبد شمس، فأجاز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها، وأن أم هانئ بنت أي طالب أجارت أخاها عقيل بن أي طالب يوم الفتح، فأجاز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها.
قال: وهذا الحديث غير محفوظ، إنما أجارت رجلين من أحمائها من بني مخزوم، فأما عقيل فتقدم إسلامه قبل الفتح، والله أعلم.
وعن زيد بن أسلم: أن عقيلاً دخل على امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وسيفه متلطخ بالدماء، فقالت: إني قد عرفت أنك قد قاتلت، فما أصبت من غنائم المشركين؟ فقال: دونك هذه الإبرة فخيطي بها ثيابك، ودفعها إليها. فسمع منادي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أصاب شيئاً فليرده، وإن كانت إبرة، فرجع عقيل إلى امرأته فقال: ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت منك. فأخذ عقيل الإبرة فألقاها في الغنائم.
وعن علي عليه السلام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أعطي كل نبيّ سبة رفقاء، وأنا أعطيت أربعة عشر "، قيل لعلي: من هم؟ قال: أنا وابناي الحسن والحسين وحمزة وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير.
وعن عقيل بن أبي طالب قال: نازعت علياً وجعفر بن أبي طالب في شيء، فقلت: والله ما أنتما بأحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، إن قرابتنا لواحدة، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أحب أسامة بن زيد " 0 قلت: إني ليس عن أسامة أسألك، إنما أسألك عن نفسي. فقال: " يا عقيل: إني والله لأحبك لخصلتين: لقرابتك ولحب أبي طالب إياك وكان أحبهم إلى أبي طالب وأما أنت يا جعفر فإن خلقك يشبه خلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ".
وفي رواية أنه قال لعقيل: " إني أحبك حبين: حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك ".
وعن جابر: أن عقيلاً دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مرحباً بك أبا يزيد، كيف أصبحت؟ " قال: بخير صبّحك الله يا أبا القاسم.
حدث يزيد بن حبّان عن زيد بن أرقم قال:
دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصليت خلفه، قال: لقد رأيته وقد خشيت أن يكون إنما أخرت لشرٍّ، ما حدثتكم به فاقبلوه، وما سكتّ عنه فدعوه.
قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوادٍ بين مكة والمدينة يدعى: خمّ، فخطب، فقال:
إنما أنا بشر أوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله، حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة، ثم أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرات.
قال: فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، لأن المرأة تكون مع الرجل برهة من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها. وأهل بيته: أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. آل علي والعباس وآل جعفر وآل عقيل.
جاء علي بن أبي طالب إلى عثمان بن عفان، فقال له: يا أمير المؤمنين، لي إليك حاجة، لابد أن تسعفني بها، قال: ما هي؟ قال: فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، خطبتها، فأبتني، وتزوجت عقيل بن أبي طالب، فسلها: لم ذاك؟ فقال عثمان: ما نصنع بذلك؟ النساء يأخذن ويدعن، قال: إني أحب ذلك، أقسمت إلا سألتها عن ذلك.
فدعا عثمان مولاه معتّباً فقال له: اذهب إلى فاطمة بنت عتبة فأقرها السلام ورحمة الله، وقل: إن عمك أرسلني إليك يسألك: لم رددت علياً وتزوجت عقيلاً؟ فلما جاءها استأذن عليها، فقالت: من هذا؟ قال: معتّب مولى عثمان، فقالت: ادخل، مرحباً، فدخل، فأبلغها رسالة عثمان، فقالت له: نعم، أمر معروف، إني وجدت علياً قتل الأحبة، ووجدت عقيلاً قاتل معهم. اخرج أبا زيد، فخرج عليّ شيخ أعقف في ملحفة مورّسة.
فجاء عقيل بن أبي طالب إلى علي بن أبي طالب بالعراق ليعطيه. فأبى أن يعطيه شيئاً، فقال: إذاً أذهب إلى رجل هو أوصل منك، فذهب إلى معاوية، فغرف له معاوية.
قال حميد بن هلال: أتى عقيل علياً، فقال: يا أمير المؤمنين إني محتاج، وإني فقير فأعطني، قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم، فألح عليه، فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دقّ هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت.
قال: يريد عليٌّ أن يتخذني سارقاً، فرجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين: أردت أن تتخذني سارقاً! قال: أنت والله أردت أن تتخذني سارقاً، أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم، قال: لآتينّ معاوية، قال؛ أنت وذاك، فأتى معاوية فسأله فأعطاه مئة ألف ثم قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك عليٌّ من نفسه، وما أوليتك من نفسي.
قال: فصعد فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه، فاختار دينه، وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق، وأنها أعقل منه! وقيل: إن عقيلاً لما أتى معاوية قال له: كيف أنت أبا يزيد؟ كيف تركت علياً وأصحابه؟ قال: كأنهم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، إلا أني لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، وكأنك وأصحابك أبو سفيان يوم أحد، إلا أني لم أر أبا سفيان معكم، فكره معاوية أن يراجعه، فيأتي بأشد مما جاء به.
فلما كان الغد قعد معاوية على سريره، وأمر بكرسي يوضع إلى جنب السرير، ثم أذن للناس فدخلوا، وأجلس الضحاك بن قيس معه، ثم أذن لعقيل، فدخل عليه، فقال: يا معاوية من هذا معك؟ قال: هذا الضحاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة، وتمم النقيصة، هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بالأبطح، لقد كان
بخصائها رفيقاً. فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش، وإن عقيلاً لعالم بمساوئها. ثم قال: ومن هذا الشيخ؟ فقال: أبو موسى الأشعري، قال: ابن المرّاقة، لقد كانت أمه طيبة المرق، فقال له معاوية: أبا يزيد: على رسلك، فقد علمنا مقصدك ومرادك. فأمر له بخمسين ألف درهم، وقال له: كيف رأيتني من أخيك؟ قال: أخي خير لنفسه منك، وأنت خير لي منك لنفسك، فأخذها ورجع إلى أخيه، فقال: اخترت الدنيا على الآخرة.
وقيل: إن عقيلاً لما أتى علياً ومنعه، قال له: أكتب لك إلى مالي بالينبع فتعطى؟ فقال عقيل: لأذهبن إلى رجل يعطيني. فأتى معاوية فقال: مرحباً بأبي يزيد، هذا أخو علي وعمه أبو لهب. فقال له عقيل: هذا معاوية، وعمته حمالة الحطب.
وقال معاوية لعقيل: أين ترى عمك أبا لهب من النار؟ فقال له عقيل: إذا دخلتها فهو على يسارك مفترشٌ عمتك حمالة الحطب، والركب خير من المركوب.
قال معاوية لعقيل: أي النساء أشهى إليك؟ قال: المواتية لما نهوى. قال: فأي النساء أسوأ؟ قال: المجانبة لما نرضى، فقال معاوية: هذا النقد العاجل، فقال له عقيل: بالميزان العادل.
قال عبد الله بن عبد الله بن يسار: كنت عند عبد الله بن عمر بالمدينة، فجاءه عباس بن سهل الأنصاري، قال: إن عقيل بن أبي طالب قد وضع بباب المسجد، فصلي عليه، وابن الزبير حينئذ بمكة.