Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151714&book=5516#d2db0f
عبد الله السفاح بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو العابس، أمير المؤمنين ويقال له: المرتضى والقائم ولد بالحميمة من أرض الشراة من ناحية البلقاء، فكان بها إلى أن جاءته الخلافة، وبويع به بالكوفة، وأمه الحارثية، وهي ريطة - ويقال: رائطة - بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان، وكانت قبل أن يتزوجها محمد عند عبد الله بن عبد الملك بن مروان.
حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد، بسنده عن علي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أنه يفد عليه وفدان في يومٍ واحدٍ من السند وإفريقية بسمعهم وطاعتهم، وتلك علامة وفاته.
ولا يعلم أن السفاح روي عنه حديث مسند غير هذا الحديث.
بويع أبو العباس السفاح بالكوفة ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات بالجدري بالأنبار سنة خمس وثلاثين ومائة، وكان مولده سنة ثمان ومائة، وموته في سنة خمس وثلاثين ومائة يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، وصلى عليه عيسى بن علي، وكانت ولايته أربع سنين وتسعة أشهر وفي تاريخ مولده ووفاته ومدة خلافته خلاف، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله وكان أبو العباس طوالاً، أبيض، أقنى، ذا شعرة جعدةٍ، حسن اللحية جعدها.
عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يخرج عند انقطاعٍ من الزمان، وظهورٍ من الفتن رجل يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثياً ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ".
وعن ابن عباس قال: " والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لأدال الله من بني أمية، ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي ".
عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفةٍ، لا تصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونكم مقتلةً لم تروا مثلها - ثم ذكروا شيئاً - فإذا كان ذلك فأتوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله - وفي رواية: ثم تجيء الرايات السود، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنه خليفة الله المهدي ".
عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجر الأسود من حجارة الجنة، وزمزم خطفة مقام جبريل عليه السلام، وسيكون لبني العباس رايةً، فمن تبعها رشد، ومن تخلف عنها هلك، ولن يخرج الأمر منهم إلى غيرهم ".
عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تخرج رايات سود من قبل خراسان، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء ".
عن ابن عباس قال: إني لأرجو ألا تذهب الأيام والليالي حتى يبعث الله منا غلاماً شاباً، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، لم يلبس الفتن، ولم تلبسه الفتن، وإني لأرجو أن يختم الله بنا هذا الأمر كما فتحه، فقال له رجل: يا أبا عباس، عجزت عنها شيوخكم وترجوها لشبابكم؟ قال: إن الله يفعل ما يشاء.
وعن ابن عباس قال: قال حذيفة وكعب: إذا ولي بنوك - يعني الخلافة - لم تخرج منهم حتى يدفعوها إلى عيسى عليه السلام.
عن محمد بن علي بن عبد الله قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، وعنده رجل من النصارى، فقال له عمر بن عبد العزيز: من تجدون الخليفة بعد سليمان؟ قال له النصراني: أنت، قال: فأقبل عمر بن عبد العزيز عليّ، فقال: دمي في ثيابك يا أبا عبد الله! قال محمد بن علي: فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني من بالي، فرأيته يوماً، فأمرت غلامي أن يحبسه عليّ، وذهبت به إلى منزلي، وسألته عما يكون، وقلت له: خلفاء بني مروان واحداً واحداً؟ فعد لي خلفاء بني مروان واحداً واحداً، وتجاوز عن مروان بن محمد، قال محمد بن علي: فقلت له: ثم من؟ قال: ثم ابنك ابن الحارثية، وهو اليوم حمل.
حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: رأيت أبا العباس حين الجمعة على برذونٍ أشهب قريبٍ من الأرض بين عمه داود بن علي وأخيه أبي جعفر، شاباً جميلاً تعلوه صفرة، فأتى المسجد فصعد المنبر، فتكلم فصعد داود بن علي فقام عتبتين من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، والله ما علا منبركم هذا خليفة بعد علي بن أبي طالب غير ابن أخي هذا، ووعد الناس، ومناهم.
قال: فقال أبي: ثم إني رأيته الجمعة الثانية كأن وجهه ترس، وكأن عنقه إبريق فضةٍ، وقد ذهبت الصفرة، والله ما كان بينهما إلا أسبوع.
عن سعيد بن سلم الباهلي قال: حدثني من حضر مجلس السفاح، وهو أحشد ما كان ببني هاشم، والشيعة، ووجوه الناس. فدخل عبد الله بن حسن بن حسن ومعه مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف، قال: فأشفق الناس من أن يعجل السفاح بشيء إليه، فلا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته، أو يعيا بجوابه،
فيكون ذلك نقصاً له، وعاراً عليه، قال: فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعجٍ، فقال: إن جدك علياً - وكان خيراً مني وأعدل - ولي هذا الأمر، فأعطى جديك الحسن والحسين - وكانا خيراً منك - وكان الواجب أن أعطيك مثله؛ فإن كنت فعلت قد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك، قال: فما رد عبد الله جواباً، وانصرف والناس يعجبون من جوابه له.
قال يعقوب بن إبراهيم بن سعد: دخل عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي على أبي العباس في أول وفدٍ وفد عليه من المدينة، فأمروا بتقبيل يده، فتبادروها، وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة وهنأه، وذكر حسبه ونسبه، ثم قال: يا أمير المؤمنين إنها والله لو كانت تزيدك رفعةً، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد؛ وإني لغني عما لا أجر لنا فيه، وعلينا فيه ضعة، قال: ثم جلس. قال: فوالله ما نقص من حظّ أصحابه.
قال ابن النطاح: روينا أن السفاح عمل بيتين ووجه برجلٍ إلى عسكر مروان ليقوم على الجبل ليلاً فيصيح بهما، وينغمس، فلا يوجد، وهما هذان البيتان: من البسيط
يا آل مروان إن الله مهلككم ... ومبدل أمنكم خوفاً وتشريدا
لا عمّر الله من أنسالكم أحداً ... وبثكم في بلاد الخوف تطريدا
قال: ففعل ذلك، فدخلت قلوبهم مخافة.
قال جعفر بن يحيى: نظر أمير المؤمنين السفاح في المرآة، وكان من أجمل الناس وجهاً، فقال: اللهم إني لا أقول كما قال عبد الملك: أنا الملك الشاب، ولكني أقول: اللهم عمرني طويلاً في يطاعتك مُمتّعاً بالعافية، فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلامٍ آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيامٍ، فتطير من كلامه، وقال: حسبي الله، ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وبه أستعين، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل بيوم إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام.
عن أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى قال: قال أبو العباس في علته التي مات فيها، وجسه الطبيب: من مجزوء الكامل
انظر إلى ضعف الحرا ... ك وذله بيد السكون
ينبئك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون
وله - وقال له الطبيب: إنك صالح: من الوافر
يبشرني بأني ذو صلاحٍ ... يبين له وبي داء دفين
لقد أيقنت أني غير باقٍ ... ولا شك إذا وضح اليقين
حدث إسحاق بن عيسى بن علي عن أبيه: أنه دخل في أول النهار من يوم عرفة على أبي العباس، وهو في مدينته بالأنبار، قال إسحاق: قال أبي: وكنت قد تخلفت عنه أياماً لم أركب إليه فيها، فعابتني على تخلفي عنه، فأعلمته أني كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر، فقبل عذري، وقال لي: أنا في يومي هذا صائم، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك إياي ما فاتني من محادثتك
في الأيام التي تخلفت عني فيها، ثم تختم ذلك بإفطارك عندي، فأعلمته أني أفعل ذلك، فأقمت إلى أن تبينت النعاس في عينيه، قد غلب عليه، فنهضت عنه، واستمر به النوم، فميّلت بين القائلة في داره، وبين القائلة في داري، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي، لأقيل في الموضع الذي اعتدت القائلة فيه، فصرت إلى منزلي، وقلت إلى وقت الزوال، ثم ركبت إلى دار أمير المؤمنين، فوافيت باب الرحبة الخارج، فإذا برجلٍ دحداحٍ، حسن الوجه، مؤتزر بإزارٍ، متردٍّ بآخر، فسلم علي، فقال: هنأ الله الأمير هذه النعمة، وكل نعمة البشرى، أنا وافد أهل السند، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم، وبيعتهم، فما تمالكت سروراً أن حمدت الله عز وجل على توفيقه إياي في الانصراف رغبةً في أن أبشر أمير المؤمنين بهذه البشرى، فما توسطت الرحبة حتى وافى رجل في مثل لونه وهيئته، وقريب الصورة من صورته، فسلم علي كما سلم الآخر، وهنأني بمثل تهنئته، وذكر أنه وافد أهل إفريقية إلى أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم، فتضاعف سروري، وأكثرت من حمدي على ما وفقني له من الانصراف، ثم دخلت الدار، فسألت عن أمير المؤمنين، فأخبرت أنه في موضع كان يتهيأ فيه للصلاة، وكان يكون فيه سواكه، وتسريح لحيته، فدخلت إليه وهو يسرح لحيته، فابتدأت بتهنئته، وأعلمته أني رأيت ببابه رجلين، فسقط عليه زمع، وقال: الآخر وافد أهل إفريقية بسمعهم وطاعتهم؟ فقلت: نعم، فوقع المشط من يده، ثم قال: سبحان الله، كل شيءٍ بائد سواه! نعيت والله نفسي.
حدثني إبراهيم الإمام، عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه يقدم عليّ في يومٍ واحدٍ في مدينتي هذه وافدان، وافد السند، والآخر وافد إفريقية بسمعهم وطاعتهم، وبيعتهم، فلا تمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت " وقد أتاني الوافدان، فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيكّ فقلت له: كلا يا أمير المؤمنين -
إن شاء الله - قال: بلى - إن شاء الله - لئن كانت الدنيا حبيبةً إليّ فصحة الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إليّ منها، والله ما كذبت، ولا كُذبت، ثم نهض، وقال لي: من مكانك حتى أخرج إليك، فما غاب حيناً حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فخرج إلي خادم له، فأمرني بالخروج إلى المسجد، والصلاة بالناس، ففعلت ذلك، ورجعت إلى موضعي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر، فخرج إلي الخادم، فأمرني بالصلاة بالناس، والرجوع إلى موضعي، ففعلت، ثم آذنه المؤذنون بصلاة المغرب، فخرج الخادم، فأمرني بمثل ما كان أمرني به في صلاة الظهر والعصر، ففعلت ذلك، ثم عدت إلى مكاني، ثم آذنه المؤذنون بصلاة العشاء، فخرج إلي الخادم، فأمرني بمثل ما كان يأمرني به، ففعلت مثل ما كنت أفعل، ولم أزل مقيماً بمكاني إلى أن مر الليل، ووجبت صلاته، فقمت، فتنفلت حتى فرغت من صلاة الليل والوتر إلا بقية بقيت من القنوت، فخرج عند ذلك ومعه كتاب، فدفعه إليّ حين سلمت، فإذا هو معنون مختوم:
" من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين، إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين " وقال: يا عم، اركب في غدٍ، فصل بالناس في المصلى، وانحر، وأخبر بعلة أمير المؤمنين، وأكثر لزومك داره، فإذا قضى نحبه فاكتم وفاته حتى تقرأ هذا الكتاب على الناس، وتأخذ عليهم البيعة للمسمى في هذا الكتاب، فإذا أخذتها، واستحلفت الناس عليها بمؤكدات الأيمان فانعَ إليهم أمير المؤمنين، وجهزه وتول الصلاة عليه، ثم انصرف في حفظ الله، فتأهب لركوبك، فقتل: يا أمير المؤمنين، هل وجدت علة؟ فقال: يا عم، وأي عِلَّةٍ هي أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأخذت الكتاب ونهضت، فما مشيت إلا خطىً حتى هتف بي يأمرني بالرجوع، فرجعت وقال لي: إن الله عز وجل قد ألبسك كمالاً أكره أن يُحظّك الناس فيه، وكتابي الذي في يديك مختوم، وسيقول من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل: إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب؛ لأن الكتاب كان مختوماً وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك، فوالله لتفين للمسمى في هذا
الكتاب، وليَلِيَنَّ الخلافة ما كذبت ولا كُذبت، وانصرف. وتأهبت للركوب فركبت وركب معي الناس حتى صليت بأهل العسكر، ونحرت وانصرفت إليه، فسألته عن خبره، فقال: خبر ما، به الموت لا محالة! فقلت: يا أمير المؤمنين، هل وجدت شيئاً؟ فأنكر عليّ قولي، وكشر في وجهي وقال: يا سبحان الله! أقول لك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه يموت " فتسألني عما أجد؟! لا تعد لمثل هذا الذي كان منك! ثم دخلت إليه عشية يوم العيد، وكان من أحسن من عاينته عيناي وجهاً، فرأيته في تلك العشية وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعرفها، فزادت وجهه كمالاً، ثم بصرت بإحدى وجنتيه في الحمرة مثل حبة الخردل بيضاء، فارتبت بها، ثم صوبت بطرفي إلى الوجنة الأخرى، فوجدت فيها حبةً أخرى، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بدياً فرأيت الحبة قد صارت ثنتين، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مقدار الدينار حباً أبيض صغاراً، فانصرفت وهو على هذه الحال.
وغَلّست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق فوجدته قد هجر، وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري، فرحت إليه بالعشي، فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق، فسجيّته كما أمرني، وخرجت إلى الناس فقرأت عليهم الكتاب وكان فيه: سلام عليكم، أما بعد فقد قلّد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد قلد الخلافة بعد عبد الله: عيسى بن موسى - إن كان.
ثم أخذت البيعة على الناس، وجهزته، وصليت عليه، ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة.
وقيل: كان آخر ما تكلم به عند موته: " الملك لله الحي القيوم، ملك الملوك، وجبار الجبابرة ".