حبابة بالتخفيف وهو لقب
واسمها العالية، وتكنى أم داود مولاة يزيد بن عبد الملك، شبب بها وضاح اليمن بالحجاز، قبل أن تصير إلى يزيد، وهي من مولدات المدينة.
كانت لرجل يعرف بابن مينا، ويقال: لآل لاحق المكيين، أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد وغيرهما، وكانت أحسن أهل عصرها وجهاً وغناءً، وأحلاهم منظراً وشمائل وأشكلهم.
قال أبو الحسن الدارقطني: حبابة قينة، كانت لسليمان بن عبد الملك بن مروان.
قالوا: ووهم في ذلك، وإنما كانت ليزيد بن عبد الملك، وهي التي ردته بعد النسك إلى الفتك، وكانت شاعرة متأدبة، ولها فيه مرتبة، ولها مع الأحوص أخبار.
وقال ابن ماكولا: حبابة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء التي تليها المعجمة بواحدة.
حدث سلام الجمحي قال: بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين: ببابك وفود الناس، ويقف ببابك أشراف العرب، فلا تجلس لهم، وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء؟! قال: إني لأرجو ألا تعاتبني على هذا بعد اليوم.
فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها، فقالت: ما دهاك؟ فأخبرها بما قال مسلمة، وقال: تنحي عني حتى أفرغ للناس، قالت: فأمتعني منك يوماً واحداً، ثم اصنع ما بدا لك، قال: نعم، فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتاً، وتغني فيها! قالت: نعم، فقال الأحوص: من الطويل
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
إذا كنت عزهاةً عن اللهو والصّبا ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تحبّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا
فغنى به معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى، وهم يقرؤون بصوت شجٍ فحاكيته في هذا الصوت، فلما غنته حبابة قال: فعل الله بمسلمة، صدقت، والله لا أطعتهم أبداً.
وقيل: إن يزيد قال لجاريته حبابة وكان عاشقاً لها شديد الوجد بها، فقال لها يوماً: إني قد وليت فلاناً الخادم ما حوته يدي شهراً لأخلو أنا وأنت فلا يشغلنا أحد.
فقالت: إن كنت وليته فقد عزلته أنا، فغضب لذلك وخرج من المجلس الذي كان فيه.
فلما أضحى النهار ولم يرها ضاق صدره، وقل صبره، فدعا بعض خدمه وقال: اذهب فانظر ما الذي تصنع حبابة؟ فمضى الخادم ثم رجع فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي مرتدية برداء أصفر، وهي تلعب بلعبها.
فقال: احتل في أن تجيز علي، فذهب الخادم فلاعبها، ثم استل لعبة من لعبها وعدا بين يديها فتبعته تعدو وراءه، فمرت على يزيد، فلما بصر بها، قام إليها فاعتنقها وقال لها: فإني قد وليته، قال: فولي الخادم وعزل وهو لا يدري.
ثم إنه خلا معها أياماً وتشاغل عن النظر في أمور الناس، فدخل عليه مسلمة وعذله على ذلك، فأخذت العود وغنته:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا
قال أبو إسحاق: غنت جارية بين يدي يزيد بن عبد الملك: من الطويل.
وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا
فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل
علاقة حبٍّ كان في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجلّدا
فغنت حبابة: من الطويل
كريم قريشٍ حين ينسب والذي ... أقر له بالفضل كهلاً وأمردا
فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل
تردّى بمجدٍ من أبيه وجدّه ... وقد أورثا بنيان مجدٍ مشيّدا
فطرب يزيد، وشق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض، ثم قال: أحسنتما أفتأذنان لي أن أطير؟ قالت له حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك.
قال يزيد بن عبد الملك لحبابة ذات يوم: أتعرفين أحداً هو أطرب مني؟ قالت: نعم مولاي الذي باعني، فأمر بإشخاصه،
فأشخص إليه مقيداً، فأدخل وحبابة وسلامة تغنيان، فغنته سلامة لحن الغريض: من المتقارب
تشطّ غداً دار جيراننا
فطرب وتحرك في قيوده.
ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل في قيده، ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني به حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فأحرقت، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد وقال: هذا والله أطرب الناس حقاً، ووصله وسرحه إلى بلده.
قال أبو أويس: قال يزيد بن عبد الملك: ما تقر عيني بما وليت من أمر الدنيا حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن زهير الزهري وحبابة جارية لاحق، فأرسل فاشتريتا له، فلما اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قيل: من الطويل
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
وعن الزبير بن بكار قال: قال يزيد بن عبد الملك: زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوماً واحداً، فإني أريد ألا تخبروني غداً بشيء، فإني أريد أن أتخلى نظري ولذتي، فلعلها تدوم لي، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا وشربا وطربا، وكان بين يدي حبابة رمان، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها، ثم غسلت بعد ثلاث وأخرجت، فمر يزيد في جنازتها.
وقيل: إن يزيد بن عبد الملك نزل مكاناً بالأردن يقال له، بيت راس ومعه حبابة، فتوفيت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها، فكلمه قراباته في ذلك، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، فحملوها في نطع، وخرج معهم حتى أجنها في حفرتها، فلما فرغوا قال: إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة: من الطويل
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد
وكلّ حبيبٍ زارني فهو قائلٌ ... من أجلك هذا هالك اليوم أو غد
فما مكث بعدها إلا خمس عشرة حتى دفن.
دخل يزيد بن عبد الملك يوماً بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها، فتمثلت الجارية من الطويل
كفى حزناً بالواله الصّبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطّلةً قفرا
فصاح صيحة وخر مغشياً عليه، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويٌ فلم يزل بقية ليله باكياً ومن غده، فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها، جاؤوا إليه فوجدوه ميتاً.
توفيت حبابة في رجب سنة خمس ومئة، ولم يلبث بعدها يزيد إلا أربعين يوماً حتى هلك.
واسمها العالية، وتكنى أم داود مولاة يزيد بن عبد الملك، شبب بها وضاح اليمن بالحجاز، قبل أن تصير إلى يزيد، وهي من مولدات المدينة.
كانت لرجل يعرف بابن مينا، ويقال: لآل لاحق المكيين، أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد وغيرهما، وكانت أحسن أهل عصرها وجهاً وغناءً، وأحلاهم منظراً وشمائل وأشكلهم.
قال أبو الحسن الدارقطني: حبابة قينة، كانت لسليمان بن عبد الملك بن مروان.
قالوا: ووهم في ذلك، وإنما كانت ليزيد بن عبد الملك، وهي التي ردته بعد النسك إلى الفتك، وكانت شاعرة متأدبة، ولها فيه مرتبة، ولها مع الأحوص أخبار.
وقال ابن ماكولا: حبابة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء التي تليها المعجمة بواحدة.
حدث سلام الجمحي قال: بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين: ببابك وفود الناس، ويقف ببابك أشراف العرب، فلا تجلس لهم، وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء؟! قال: إني لأرجو ألا تعاتبني على هذا بعد اليوم.
فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها، فقالت: ما دهاك؟ فأخبرها بما قال مسلمة، وقال: تنحي عني حتى أفرغ للناس، قالت: فأمتعني منك يوماً واحداً، ثم اصنع ما بدا لك، قال: نعم، فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتاً، وتغني فيها! قالت: نعم، فقال الأحوص: من الطويل
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
إذا كنت عزهاةً عن اللهو والصّبا ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تحبّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا
فغنى به معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى، وهم يقرؤون بصوت شجٍ فحاكيته في هذا الصوت، فلما غنته حبابة قال: فعل الله بمسلمة، صدقت، والله لا أطعتهم أبداً.
وقيل: إن يزيد قال لجاريته حبابة وكان عاشقاً لها شديد الوجد بها، فقال لها يوماً: إني قد وليت فلاناً الخادم ما حوته يدي شهراً لأخلو أنا وأنت فلا يشغلنا أحد.
فقالت: إن كنت وليته فقد عزلته أنا، فغضب لذلك وخرج من المجلس الذي كان فيه.
فلما أضحى النهار ولم يرها ضاق صدره، وقل صبره، فدعا بعض خدمه وقال: اذهب فانظر ما الذي تصنع حبابة؟ فمضى الخادم ثم رجع فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي مرتدية برداء أصفر، وهي تلعب بلعبها.
فقال: احتل في أن تجيز علي، فذهب الخادم فلاعبها، ثم استل لعبة من لعبها وعدا بين يديها فتبعته تعدو وراءه، فمرت على يزيد، فلما بصر بها، قام إليها فاعتنقها وقال لها: فإني قد وليته، قال: فولي الخادم وعزل وهو لا يدري.
ثم إنه خلا معها أياماً وتشاغل عن النظر في أمور الناس، فدخل عليه مسلمة وعذله على ذلك، فأخذت العود وغنته:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا
قال أبو إسحاق: غنت جارية بين يدي يزيد بن عبد الملك: من الطويل.
وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا
فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل
علاقة حبٍّ كان في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجلّدا
فغنت حبابة: من الطويل
كريم قريشٍ حين ينسب والذي ... أقر له بالفضل كهلاً وأمردا
فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل
تردّى بمجدٍ من أبيه وجدّه ... وقد أورثا بنيان مجدٍ مشيّدا
فطرب يزيد، وشق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض، ثم قال: أحسنتما أفتأذنان لي أن أطير؟ قالت له حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك.
قال يزيد بن عبد الملك لحبابة ذات يوم: أتعرفين أحداً هو أطرب مني؟ قالت: نعم مولاي الذي باعني، فأمر بإشخاصه،
فأشخص إليه مقيداً، فأدخل وحبابة وسلامة تغنيان، فغنته سلامة لحن الغريض: من المتقارب
تشطّ غداً دار جيراننا
فطرب وتحرك في قيوده.
ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل في قيده، ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني به حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فأحرقت، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد وقال: هذا والله أطرب الناس حقاً، ووصله وسرحه إلى بلده.
قال أبو أويس: قال يزيد بن عبد الملك: ما تقر عيني بما وليت من أمر الدنيا حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن زهير الزهري وحبابة جارية لاحق، فأرسل فاشتريتا له، فلما اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قيل: من الطويل
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
وعن الزبير بن بكار قال: قال يزيد بن عبد الملك: زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوماً واحداً، فإني أريد ألا تخبروني غداً بشيء، فإني أريد أن أتخلى نظري ولذتي، فلعلها تدوم لي، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا وشربا وطربا، وكان بين يدي حبابة رمان، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها، ثم غسلت بعد ثلاث وأخرجت، فمر يزيد في جنازتها.
وقيل: إن يزيد بن عبد الملك نزل مكاناً بالأردن يقال له، بيت راس ومعه حبابة، فتوفيت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها، فكلمه قراباته في ذلك، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، فحملوها في نطع، وخرج معهم حتى أجنها في حفرتها، فلما فرغوا قال: إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة: من الطويل
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد
وكلّ حبيبٍ زارني فهو قائلٌ ... من أجلك هذا هالك اليوم أو غد
فما مكث بعدها إلا خمس عشرة حتى دفن.
دخل يزيد بن عبد الملك يوماً بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها، فتمثلت الجارية من الطويل
كفى حزناً بالواله الصّبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطّلةً قفرا
فصاح صيحة وخر مغشياً عليه، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويٌ فلم يزل بقية ليله باكياً ومن غده، فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها، جاؤوا إليه فوجدوه ميتاً.
توفيت حبابة في رجب سنة خمس ومئة، ولم يلبث بعدها يزيد إلا أربعين يوماً حتى هلك.