المُقْتَدِي بِأَمْرِ اللهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيُّ
الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِي بِأَمْرِ اللهِ، أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ ذخيرَةِ الدِّينِ مُحَمَّدِ ابنِ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ عبدِ اللهِ ابنِ القَادِر بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ المُقْتَدِرِ العَبَّاسِيُّ.
تسلَّم الخِلاَفَةَ بعهدٍ مِنْ جدِّه يَوْم ثَالِثِ عشر شَعْبَان سَنَة وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً سِوَى أَشهر، وَأُمُّه أَرْجُوَان أُمُّ وَلَدَ، بقيت بَعْدَهُ دَهْراً، رَأَتِ ابْنَ ابْنِ ابْنهَا المُسْترشد خَلِيْفَة.
وَكَانَ حَسَنَ السّيرَةِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ.
أَمر بنفِي الخوَاطِئ وَالقينَات، وَأَنْ لاَ يَدخُل أَحَدٌ الحَمَّام إِلاَّ بِمئزر، وَأَخرب أَبرَاج الحَمام، وَفِيْهِ ديَانَةٌ وَنجَابَة وَقُوَة وَعُلُوُّ هِمَّة.
وَكَانَ مَلِكْشَاه قَدْ صَمَّمَ عَلَى إِخرَاجه مِنْ بَغْدَادَ، فَحَار،
وَالتَجَأَ إِلَى اللهِ، فَدَفَعَ عَنْهُ، وَهَلك مَلِكْشَاه.وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ بِأَشهر، وَكَانَ فِي اعتِقَالِ القَائِم نَوْبَة البسَاسيرِي صغِيراً، فَأُخفِي، وَحمله ابْنُ المحلبَان إِلَى حرَّان.
وَزَرَ لَهُ فَخْرُ الدَّوْلَة ابْن جَهير بوصيَةٍ مِنْ جَدِّه.
وَفِي سَنَةِ سَارَ أَتسز - الَّذِي أَخَذَ دِمَشْق - إِلَى مِصْرَ، وَحَاصرهَا، وَكَادَ أَنْ يَملكَهَا، فَتضرع أَهْلُهَا إِلَى اللهِ، فَترحَّل بِلاَ سَبَب، وَنَازل القدسَ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَقَتَلَ ثَلاَثَة آلاَف، وَذبحَ القَاضِي وَالشُّهُودَ صَبْراً، وَعَسَفَ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بنُ القلاَنسِي: كَسره بِمِصْرَ أَمِيْرُ الجُيُوْش، فَرُدَّ وَقَدْ قُتل أَخُوْهُ، وَقُطِعت يَدُ أَخِيْهِ الأَخر، فَسُرَّ النَّاس.
وَكَانَتِ الفِتْنَةُ الصّعبَةُ بَيْنَ الحَنْبَلِيَّة وَالقُشيرِية بِسَبَب الاعْتِقَاد، وَقُتِلَ بَيْنهم جَمَاعَةٌ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَتَشَفَّتْ بِهِم الرَّوَافضُ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ المِصْرِيّون مرَّتين.
وَعُزل ابْنُ جَهِير الوَزِيْر لِشِدِّهِ مِنَ الحنَابلَة.
وَفِي سَنَةِ أَقْبَل تَاجُ الدَّوْلَة تُتش أَخُو مَلِكْشَاه، فَاسْتولَى عَلَى دِمَشْقَ، وَقُتِلَ أَتْسِز، وَأَحَبَّه النَّاس.
وَفِي سَنَةِ مَاتَ صَاحِبُ اليَمَن أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الصُّلَيْحِي، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ عَلَى دين العُبَيْدِيَّة، تَحيَّل إِلَى أَنْ تَملَّك جمِيْع اليَمَن.وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ قُضَاة اليَمَن، لَهُ سيرَةٌ فِي (تَارِيخِي الكَبِيْر) .
وَرَافَعُوا نِظَام المُلك وَزِيْر مَلِكْشَاه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ :فَمَدَّ سِمَاطاً، وَأَقَامَ عَلَيْهِ ممَاليكَه، وَهم أُلوفٌ مِنَ التّرْك بخيلهِم وَسلاَحهِم، وَحضر السُّلْطَان، ثُمَّ قَالَ: إِنِّيْ خَدَمْتُكَ، وَخدمتُ أَبَاك وَجدَّك، وَقَدْ بَلغَك أَخذِي لِلأَمْوَال، وَصَدَقُوا، إِنَّمَا أَصْرِفُهَا عَلَى مِثْل هَؤُلاَءِ الغِلمَان وَهم لَكَ، وَفِي البِرِّ وَالصِّلاَت، وَمُعْظَمُ أَجرِهَا لَكَ، وَكُلُّ مَا أَملِكُه فَبينَ يَديك، وَأَنَا أَقنعُ بِمُرَقَّعَة.
فَصفَا لَهُ السُّلْطَانُ، وَأَحَبَّه، وَسَمَلَ سَيِّد الرُّؤَسَاء أَبَا المَحَاسِن، الَّذِي نَاوَأَه.
وَفِي هَذَا الْقرب تَملَّك سُلَيْمَانُ بنُ قُتُلْمِش السَّلْجُوْقِيّ قونِيَة وَآقصرَا.
ثُمَّ سَارَ، فَأَخَذَ أَنطَاكيَةَ مِنَ الرُّوْم، وَكَانَ لَهَا فِي أَيديهِم مائَة وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
وَبَعَثَ بِالبشَارَةِ إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه، ثُمَّ تحَارب هُوَ وَمُسْلِمُ بنُ قُرَيْش فِي سَنَةِ فَقُتِلَ مُسْلِمٌ.
وَنَازل ابْن قُتُلْمِش حلبَ شَهْراً ثُمَّ ترَحَّل.
وَنَازل الأُذفِيش مدينَة طُلَيْطُلَة أَعْوَاماً، ثُمَّ كَانَتِ المَلْحَمَة الكُبْرَى
بِالأَنْدَلُسِ، وَانتصر المُسْلِمُوْنَ، وَأَسَاء أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْن إِلَى ابْنِ عَبَّاد، وَأَخَذَ بلاَده، وَسَجَنَهُ.وَأَقْبَلَ أَمِيْرُ الجُيُوْش، فَنَازل دِمَشْقَ، وَضيَّق عَلَى تُتْش، ثُمَّ ترحَّل.
وَفِي سَنَةِ التُّقَى تُتْش وَصَاحِبُ قُونِيَة سُلَيْمَانُ، فَقُتل سُلَيْمَانُ، وَاسْتَوْلَى تُتش عَلَى حلب.
وَأَقْبَلَ أَخُوْهُ السُّلْطَانُ مِنْ أَصْبَهَان إِلَى حلب، فَأَخَذَهَا، وَهَرَبَ مِنْهُ أَخُوْهُ، وَنَاب بِحَلَب قَسيمُ الدَّوْلَة؛ جَدُّ نُور الدِّين، فَعمرت بِهِ، وَافتَتَح السُّلْطَانُ الجَزِيْرَةَ، وَقَدِمَ بَغْدَاد، وَقَدِمَ بَعْدَهُ النّظامُ، ثُمَّ تَصيَّد، وَعَمِلَ منَارَةَ القُرُوْنَ، وَجَلَسَ لَهُ المُقتدي، وَخلعَ عَلَيْهِ خِلَعَ السَّلطنَة، وَعَلَى أَمرَائِهِ، وَنظَامُ الْملك يُقَدِّمُهم وَيُتَرْجِمُ عَنْهُم، ثُمَّ كَانَ عُرس المُقتدي عَلَى بِنْتِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جَهَازِهَا وَعُرسهَا؛ دَخَلَ فِي الدعوَة أَرْبَعُوْنَ أَلف مَناً مِنَ السكر.
وَمَاتَ صَاحِبُ غَزنَة وَالهِنْد المُؤَيَّدُ إِبْرَاهِيْم بنُ مَسْعُوْدِ ابْن السُّلْطَانِ مَحْمُوْد، وَتَملَّك بَعْدَهُ ابْنُهُ جَلاَلُ الدِّين، زَوجُ بِنْت مَلِكْشَاه الَّتِي غَرِمَ نَظَامُ الْملك عَلَى عُرسهَا أَلفِي أَلفِ دِرْهَم.
وَسَارَ مَلِكْشَاه لِيملك سَمَرْقَنْد، وَافتَتَح مَا وَرَاء النَّهْر، وَتَضوَّرت بِنْتُ مَلِكْشَاه مِنِ اطِّرَاح الخَلِيْفَة لَهَا، فَأَذن لَهَا فِي
الذّهَاب إِلَى أَصْبَهَانَ مَعَ ابْنِهَا جَعْفَر، وَأَقْبَلَ جَيْشُ مِصْر فَأَخذُوا صُوْرَ وَعكَا وَجُبَيْل.وَفِتَنُ السّنَة وَالشِّيْعَة مُتتَاليَةٌ بِبَغْدَادَ لاَ يُعبَّر عَنْهَا.
وَفِي سَنَةِ اسْتولَى ابْنُ الصَّبَّاحِ؛ رَأْس الإِسْمَاعِيليَّة عَلَى قَلْعَة أَصْبَهَان، فَهَذَا أَوّلُ ظُهُوْرهم.
وَاسْتولتِ النَّصَارَى عَلَى سَائِر جَزِيْرَة صَقَلِية، وَهِيَ إِقْلِيْمٌ كَبِيْر.
وَكَانَتْ ملحمَة جَيَّان بِالأَنْدَلُسِ بَيْنَ الفِرَنْج وَالمُسْلِمِيْنَ، وَنَصرَ اللهِ، وَحُصِدَتِ الفِرَنْج.
وَافتَتَح ملكشَاه اليَمَن عَلَى يَد جَنَقَ أَمِيْر التركمَان، وَاسْتبَاحت خفَاجَة رَكْبَ العِرَاق، فَذَهَبَ وَرَاءهم عَسْكَرٌ، فَقتلُوا مِنْهم خلقاً كَثِيْراً، وَلَمْ تَقم لَهم شوكَةٌ بَعْد.
وَمَاتَ نَظَام الْملك: فِي سَنَةِ ، ثُمَّ مَاتَ السُّلْطَان، فَسَارَ مِنَ الشَّام أَخُوْهُ تُتش ليتسلطنَ، وَفِي خِدمته قَسِيمُ الدَّوْلَة، وَصَاحِب أَنطَاكيَة، وَجَمَاعَة خطبُوا لَهُ بِمَدَائِنهُم.
وَسَارَ، وَأَنفق الأَمْوَالَ، وَأَخَذَ الرّحبَة ثُمَّ نصِيْبين عَنْوَةً، وَقَتَلَ وَعَسَفَ.
وَقصد المَوْصِل، فَعمل مَعَهُ صَاحِبُهَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ قُرَيْش
مَصَافّاً، فَأُسِرَ إِبْرَاهِيْمُ، وَتَمَزَّقَ جَمعُهُ، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ عَشْرَةُ آلاَف، وَذُبح إِبْرَاهِيْم صَبْراً.وَأُبِيْعَتْ مِنَ النَّهْبِ مائَةُ شَاة بدِيْنَار.
ثُمَّ بَعَثَ تُتش يَطلب مِنَ الخَلِيْفَة تَقليدَ السّلطنَة.
وَافتَتَح مَيَّافَارِقين وَديَار بكر وَبَعْض أَذْرَبِيْجَان، فَبَادر بَرْكيَارُوْق ابْنُ أَخِيْهِ، فَالتَقَوا، فَخَامر قسيم الدَّوْلَة وَبوزَانُ، وَصَارَا مَعَ بَرْكيَارُوْق، فَضعُف تُتش، وَوَلَّى إِلَى الشَّامِ.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ خُطبَ بِبَغْدَادَ لِلسُلْطَان بركيَارُوْق ركن الدَّوْلَة، وَعلَّم المُقتدي عَلَى تَقليده، ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً مِنَ الغَدِ، تغدَّى وَغسل يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ فَتَاتهُ شَمْسُ النَّهَار، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأَشخَاص دَخَلُوا بِلاَ إِذن؟
فَارتَابَت، وَتغَيَّر، وَارتخت يَدَاهُ، وَسقط، فَظنُّوهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَطَلبتِ الجَارِيَةُ وَزِيْرَه، وَمَاتَ، فَأَخذُوا فِي البَيْعَةِ لابْنِهِ أَحْمَد المُسْتظهِر بِاللهِ فِي ثَامن عشر المُحَرَّم.
تُوُفِّيَ: وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ خِلاَفَتُه عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَخَّرُوا دَفنه ثَلاَث لَيَالٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ فَجْأَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: اسْم أُمّه عَلم.
قَالَ: وَكَانَ مُحِباً لِلعلُوْم، مُكْرِماً لأَهْلهَا، لَمْ يَزَلْ فِي دَوْلَةٍ قَاهِرَة وَصَوْلَة باهرَة، وَكَانَ غزِيْر الفَضْل، كَامِل العَقْل، بَلِيْغَ النَّثْر، فَمِنْهُ:
وَعْدُ الكُرَمَاء أَلْزَمُ مِنْ دُيُون الغُرَمَاء.
الأَلْسُنُ الفصيحَة أَنفعُ مِنَ الوُجُوه الصَّبِيْحَة، وَالضَّمَائِر الصَّحيحَة أَبلغُ مِنَ الأَلْسُن الفصيحَة.
حَقُّ الرَّعِيَّة لاَزمٌ
لِلرّعَاة، وَيَقبحُ بِالوُلاَة الإِقبالُ عَلَى السُّعَاة.وَمِنْ نَظمه:
أَرَدْتُ صَفَاءَ العَيْشِ مَعَ مَنْ أُحبُّهُ ... فَحَاوَلنِي عَمَّا أَرُوم مَرِيْدُ
وَمَا اخْتَرْتُ بَتَّ الشَّمْلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ ... وَلَكِنَّهُ مَهْمَا يُرِيْد أُرِيْدُ
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة مِنْ دَوْلَته جُدِّدت قُبَّةُ النَّسر، فَاسمه عَلَى القُبَّة.
وَكَانَ هُوَ خَلِيْفَةَ الإِسْلاَم فِي زَمَانِهِ، لَكِن يُزَاحمُه صَاحِبُ مِصْر المُسْتنصر وَابْنُه، فَكَانَ العُبيديُّ وَالعَبَّاسِيُّ مَقهورَيْنَ مِنْ وُجُوه.
وَكَانَ الدَّسْتُ لوزِيْر مِصْر أَمِيْر الجُيُوْش.
وَكَانَ حُكم العِرَاق وَالمَشْرِق إِلَى السَّلجوقيَّة.
وَحُكْمُ المَغْرِب إِلَى تَاشفِيْن وَابْنه.
وَحُكْمُ اليَمَن إِلَى طَائِفَة.
وَالأَمْر كُلُّه للهِ.
الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِي بِأَمْرِ اللهِ، أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ ذخيرَةِ الدِّينِ مُحَمَّدِ ابنِ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ عبدِ اللهِ ابنِ القَادِر بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ المُقْتَدِرِ العَبَّاسِيُّ.
تسلَّم الخِلاَفَةَ بعهدٍ مِنْ جدِّه يَوْم ثَالِثِ عشر شَعْبَان سَنَة وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً سِوَى أَشهر، وَأُمُّه أَرْجُوَان أُمُّ وَلَدَ، بقيت بَعْدَهُ دَهْراً، رَأَتِ ابْنَ ابْنِ ابْنهَا المُسْترشد خَلِيْفَة.
وَكَانَ حَسَنَ السّيرَةِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ.
أَمر بنفِي الخوَاطِئ وَالقينَات، وَأَنْ لاَ يَدخُل أَحَدٌ الحَمَّام إِلاَّ بِمئزر، وَأَخرب أَبرَاج الحَمام، وَفِيْهِ ديَانَةٌ وَنجَابَة وَقُوَة وَعُلُوُّ هِمَّة.
وَكَانَ مَلِكْشَاه قَدْ صَمَّمَ عَلَى إِخرَاجه مِنْ بَغْدَادَ، فَحَار،
وَالتَجَأَ إِلَى اللهِ، فَدَفَعَ عَنْهُ، وَهَلك مَلِكْشَاه.وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ بِأَشهر، وَكَانَ فِي اعتِقَالِ القَائِم نَوْبَة البسَاسيرِي صغِيراً، فَأُخفِي، وَحمله ابْنُ المحلبَان إِلَى حرَّان.
وَزَرَ لَهُ فَخْرُ الدَّوْلَة ابْن جَهير بوصيَةٍ مِنْ جَدِّه.
وَفِي سَنَةِ سَارَ أَتسز - الَّذِي أَخَذَ دِمَشْق - إِلَى مِصْرَ، وَحَاصرهَا، وَكَادَ أَنْ يَملكَهَا، فَتضرع أَهْلُهَا إِلَى اللهِ، فَترحَّل بِلاَ سَبَب، وَنَازل القدسَ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَقَتَلَ ثَلاَثَة آلاَف، وَذبحَ القَاضِي وَالشُّهُودَ صَبْراً، وَعَسَفَ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بنُ القلاَنسِي: كَسره بِمِصْرَ أَمِيْرُ الجُيُوْش، فَرُدَّ وَقَدْ قُتل أَخُوْهُ، وَقُطِعت يَدُ أَخِيْهِ الأَخر، فَسُرَّ النَّاس.
وَكَانَتِ الفِتْنَةُ الصّعبَةُ بَيْنَ الحَنْبَلِيَّة وَالقُشيرِية بِسَبَب الاعْتِقَاد، وَقُتِلَ بَيْنهم جَمَاعَةٌ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَتَشَفَّتْ بِهِم الرَّوَافضُ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ المِصْرِيّون مرَّتين.
وَعُزل ابْنُ جَهِير الوَزِيْر لِشِدِّهِ مِنَ الحنَابلَة.
وَفِي سَنَةِ أَقْبَل تَاجُ الدَّوْلَة تُتش أَخُو مَلِكْشَاه، فَاسْتولَى عَلَى دِمَشْقَ، وَقُتِلَ أَتْسِز، وَأَحَبَّه النَّاس.
وَفِي سَنَةِ مَاتَ صَاحِبُ اليَمَن أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الصُّلَيْحِي، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ عَلَى دين العُبَيْدِيَّة، تَحيَّل إِلَى أَنْ تَملَّك جمِيْع اليَمَن.وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ قُضَاة اليَمَن، لَهُ سيرَةٌ فِي (تَارِيخِي الكَبِيْر) .
وَرَافَعُوا نِظَام المُلك وَزِيْر مَلِكْشَاه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ :فَمَدَّ سِمَاطاً، وَأَقَامَ عَلَيْهِ ممَاليكَه، وَهم أُلوفٌ مِنَ التّرْك بخيلهِم وَسلاَحهِم، وَحضر السُّلْطَان، ثُمَّ قَالَ: إِنِّيْ خَدَمْتُكَ، وَخدمتُ أَبَاك وَجدَّك، وَقَدْ بَلغَك أَخذِي لِلأَمْوَال، وَصَدَقُوا، إِنَّمَا أَصْرِفُهَا عَلَى مِثْل هَؤُلاَءِ الغِلمَان وَهم لَكَ، وَفِي البِرِّ وَالصِّلاَت، وَمُعْظَمُ أَجرِهَا لَكَ، وَكُلُّ مَا أَملِكُه فَبينَ يَديك، وَأَنَا أَقنعُ بِمُرَقَّعَة.
فَصفَا لَهُ السُّلْطَانُ، وَأَحَبَّه، وَسَمَلَ سَيِّد الرُّؤَسَاء أَبَا المَحَاسِن، الَّذِي نَاوَأَه.
وَفِي هَذَا الْقرب تَملَّك سُلَيْمَانُ بنُ قُتُلْمِش السَّلْجُوْقِيّ قونِيَة وَآقصرَا.
ثُمَّ سَارَ، فَأَخَذَ أَنطَاكيَةَ مِنَ الرُّوْم، وَكَانَ لَهَا فِي أَيديهِم مائَة وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
وَبَعَثَ بِالبشَارَةِ إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه، ثُمَّ تحَارب هُوَ وَمُسْلِمُ بنُ قُرَيْش فِي سَنَةِ فَقُتِلَ مُسْلِمٌ.
وَنَازل ابْن قُتُلْمِش حلبَ شَهْراً ثُمَّ ترَحَّل.
وَنَازل الأُذفِيش مدينَة طُلَيْطُلَة أَعْوَاماً، ثُمَّ كَانَتِ المَلْحَمَة الكُبْرَى
بِالأَنْدَلُسِ، وَانتصر المُسْلِمُوْنَ، وَأَسَاء أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْن إِلَى ابْنِ عَبَّاد، وَأَخَذَ بلاَده، وَسَجَنَهُ.وَأَقْبَلَ أَمِيْرُ الجُيُوْش، فَنَازل دِمَشْقَ، وَضيَّق عَلَى تُتْش، ثُمَّ ترحَّل.
وَفِي سَنَةِ التُّقَى تُتْش وَصَاحِبُ قُونِيَة سُلَيْمَانُ، فَقُتل سُلَيْمَانُ، وَاسْتَوْلَى تُتش عَلَى حلب.
وَأَقْبَلَ أَخُوْهُ السُّلْطَانُ مِنْ أَصْبَهَان إِلَى حلب، فَأَخَذَهَا، وَهَرَبَ مِنْهُ أَخُوْهُ، وَنَاب بِحَلَب قَسيمُ الدَّوْلَة؛ جَدُّ نُور الدِّين، فَعمرت بِهِ، وَافتَتَح السُّلْطَانُ الجَزِيْرَةَ، وَقَدِمَ بَغْدَاد، وَقَدِمَ بَعْدَهُ النّظامُ، ثُمَّ تَصيَّد، وَعَمِلَ منَارَةَ القُرُوْنَ، وَجَلَسَ لَهُ المُقتدي، وَخلعَ عَلَيْهِ خِلَعَ السَّلطنَة، وَعَلَى أَمرَائِهِ، وَنظَامُ الْملك يُقَدِّمُهم وَيُتَرْجِمُ عَنْهُم، ثُمَّ كَانَ عُرس المُقتدي عَلَى بِنْتِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جَهَازِهَا وَعُرسهَا؛ دَخَلَ فِي الدعوَة أَرْبَعُوْنَ أَلف مَناً مِنَ السكر.
وَمَاتَ صَاحِبُ غَزنَة وَالهِنْد المُؤَيَّدُ إِبْرَاهِيْم بنُ مَسْعُوْدِ ابْن السُّلْطَانِ مَحْمُوْد، وَتَملَّك بَعْدَهُ ابْنُهُ جَلاَلُ الدِّين، زَوجُ بِنْت مَلِكْشَاه الَّتِي غَرِمَ نَظَامُ الْملك عَلَى عُرسهَا أَلفِي أَلفِ دِرْهَم.
وَسَارَ مَلِكْشَاه لِيملك سَمَرْقَنْد، وَافتَتَح مَا وَرَاء النَّهْر، وَتَضوَّرت بِنْتُ مَلِكْشَاه مِنِ اطِّرَاح الخَلِيْفَة لَهَا، فَأَذن لَهَا فِي
الذّهَاب إِلَى أَصْبَهَانَ مَعَ ابْنِهَا جَعْفَر، وَأَقْبَلَ جَيْشُ مِصْر فَأَخذُوا صُوْرَ وَعكَا وَجُبَيْل.وَفِتَنُ السّنَة وَالشِّيْعَة مُتتَاليَةٌ بِبَغْدَادَ لاَ يُعبَّر عَنْهَا.
وَفِي سَنَةِ اسْتولَى ابْنُ الصَّبَّاحِ؛ رَأْس الإِسْمَاعِيليَّة عَلَى قَلْعَة أَصْبَهَان، فَهَذَا أَوّلُ ظُهُوْرهم.
وَاسْتولتِ النَّصَارَى عَلَى سَائِر جَزِيْرَة صَقَلِية، وَهِيَ إِقْلِيْمٌ كَبِيْر.
وَكَانَتْ ملحمَة جَيَّان بِالأَنْدَلُسِ بَيْنَ الفِرَنْج وَالمُسْلِمِيْنَ، وَنَصرَ اللهِ، وَحُصِدَتِ الفِرَنْج.
وَافتَتَح ملكشَاه اليَمَن عَلَى يَد جَنَقَ أَمِيْر التركمَان، وَاسْتبَاحت خفَاجَة رَكْبَ العِرَاق، فَذَهَبَ وَرَاءهم عَسْكَرٌ، فَقتلُوا مِنْهم خلقاً كَثِيْراً، وَلَمْ تَقم لَهم شوكَةٌ بَعْد.
وَمَاتَ نَظَام الْملك: فِي سَنَةِ ، ثُمَّ مَاتَ السُّلْطَان، فَسَارَ مِنَ الشَّام أَخُوْهُ تُتش ليتسلطنَ، وَفِي خِدمته قَسِيمُ الدَّوْلَة، وَصَاحِب أَنطَاكيَة، وَجَمَاعَة خطبُوا لَهُ بِمَدَائِنهُم.
وَسَارَ، وَأَنفق الأَمْوَالَ، وَأَخَذَ الرّحبَة ثُمَّ نصِيْبين عَنْوَةً، وَقَتَلَ وَعَسَفَ.
وَقصد المَوْصِل، فَعمل مَعَهُ صَاحِبُهَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ قُرَيْش
مَصَافّاً، فَأُسِرَ إِبْرَاهِيْمُ، وَتَمَزَّقَ جَمعُهُ، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ عَشْرَةُ آلاَف، وَذُبح إِبْرَاهِيْم صَبْراً.وَأُبِيْعَتْ مِنَ النَّهْبِ مائَةُ شَاة بدِيْنَار.
ثُمَّ بَعَثَ تُتش يَطلب مِنَ الخَلِيْفَة تَقليدَ السّلطنَة.
وَافتَتَح مَيَّافَارِقين وَديَار بكر وَبَعْض أَذْرَبِيْجَان، فَبَادر بَرْكيَارُوْق ابْنُ أَخِيْهِ، فَالتَقَوا، فَخَامر قسيم الدَّوْلَة وَبوزَانُ، وَصَارَا مَعَ بَرْكيَارُوْق، فَضعُف تُتش، وَوَلَّى إِلَى الشَّامِ.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ خُطبَ بِبَغْدَادَ لِلسُلْطَان بركيَارُوْق ركن الدَّوْلَة، وَعلَّم المُقتدي عَلَى تَقليده، ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً مِنَ الغَدِ، تغدَّى وَغسل يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ فَتَاتهُ شَمْسُ النَّهَار، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأَشخَاص دَخَلُوا بِلاَ إِذن؟
فَارتَابَت، وَتغَيَّر، وَارتخت يَدَاهُ، وَسقط، فَظنُّوهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَطَلبتِ الجَارِيَةُ وَزِيْرَه، وَمَاتَ، فَأَخذُوا فِي البَيْعَةِ لابْنِهِ أَحْمَد المُسْتظهِر بِاللهِ فِي ثَامن عشر المُحَرَّم.
تُوُفِّيَ: وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ خِلاَفَتُه عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَخَّرُوا دَفنه ثَلاَث لَيَالٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ فَجْأَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: اسْم أُمّه عَلم.
قَالَ: وَكَانَ مُحِباً لِلعلُوْم، مُكْرِماً لأَهْلهَا، لَمْ يَزَلْ فِي دَوْلَةٍ قَاهِرَة وَصَوْلَة باهرَة، وَكَانَ غزِيْر الفَضْل، كَامِل العَقْل، بَلِيْغَ النَّثْر، فَمِنْهُ:
وَعْدُ الكُرَمَاء أَلْزَمُ مِنْ دُيُون الغُرَمَاء.
الأَلْسُنُ الفصيحَة أَنفعُ مِنَ الوُجُوه الصَّبِيْحَة، وَالضَّمَائِر الصَّحيحَة أَبلغُ مِنَ الأَلْسُن الفصيحَة.
حَقُّ الرَّعِيَّة لاَزمٌ
لِلرّعَاة، وَيَقبحُ بِالوُلاَة الإِقبالُ عَلَى السُّعَاة.وَمِنْ نَظمه:
أَرَدْتُ صَفَاءَ العَيْشِ مَعَ مَنْ أُحبُّهُ ... فَحَاوَلنِي عَمَّا أَرُوم مَرِيْدُ
وَمَا اخْتَرْتُ بَتَّ الشَّمْلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ ... وَلَكِنَّهُ مَهْمَا يُرِيْد أُرِيْدُ
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة مِنْ دَوْلَته جُدِّدت قُبَّةُ النَّسر، فَاسمه عَلَى القُبَّة.
وَكَانَ هُوَ خَلِيْفَةَ الإِسْلاَم فِي زَمَانِهِ، لَكِن يُزَاحمُه صَاحِبُ مِصْر المُسْتنصر وَابْنُه، فَكَانَ العُبيديُّ وَالعَبَّاسِيُّ مَقهورَيْنَ مِنْ وُجُوه.
وَكَانَ الدَّسْتُ لوزِيْر مِصْر أَمِيْر الجُيُوْش.
وَكَانَ حُكم العِرَاق وَالمَشْرِق إِلَى السَّلجوقيَّة.
وَحُكْمُ المَغْرِب إِلَى تَاشفِيْن وَابْنه.
وَحُكْمُ اليَمَن إِلَى طَائِفَة.
وَالأَمْر كُلُّه للهِ.