العَزِيْز بِاللهِ نزَار ابْن المُعِزِّ معد بنِ إِسْمَاعِيْلَ
صَاحِب مِصْر أَبُو مَنْصُوْرٍ نزَار بن المُعِزِّ معد بن إِسْمَاعِيْلَ العبيدِي المهدوِي المَغْرِبِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَام بَعْد أَبِيْهِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ
وَكَانَ كَرِيْماً شُجَاعاً صفوحاً، أَسمر أَصهب الشّعر أَعْيَن أَشهل بعيد مَا بَيْنَ المَنْكِبين، حسن الأَخلاَق قَرِيْباً مِنَ الرَّعِيَّةِ مغرَى بِالصيد وَيكثر مِنْ صيد السِّبَاع وَلاَ يُؤثر سفك الدِّمَاء وَلَهُ نَظْمٌ وَمَعْرِفَة.
تُوُفِّيَ فِي العِيْد وَلدٌ لَهُ، فَقَالَ:
نَحْنُ بَنو المصطفَى ذَوُو مِحَن ... أَولنَا مبتلَى وَخَاتمنَا
عجييَة فِي الأَنَام محنتنَا ... يجرعهَا فِي الحَيَاة كَاظمنَايفرح هَذَا الورَى بعيدهُم ... طُرّاً وَأَعيَادنَا مآتمنَا
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ الثعَالبِي فِي اليتيمَة، سَمِعْتُ الشَّيْخ أَبَا الطّيب يَحْكِي أَنَّ الأُمَوِيّ صَاحِب الأَنْدَلُس كتب إِلَيْهِ نزَار صَاحِب مِصْر كِتَاباً سَبه فِيْهِ وَهجَاهُ فَكَتَبَ إِليه الأُمَوِيّ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنك عرفتنَا فَهجوتنَا وَلَوْ عرفنَاك لأَجبنَاك فَاشْتَدَّ هَذَا عَلَى العَزِيْز وَأَفحمه، عَنِ الجَوَاب يُشِير أَنَّك دَعِيٌّ لاَ نَعْرِف قَبِيلَتك.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ العَزِيْز قَدْ وَلَّى عِيْسَى بن نُسْطُورِس النَّصْرَانِيّ أَمر مِصْر وَاسْتنَاب مُنَشَّا اليَهودِي بِالشَّامِ فَكتبت إِلَيْهِ امْرَأَة بِالَّذِي أَعزّ اليَهُوْد وَالنَّصَارَى بِمُنَشَّا وَابْن نُسْطُورِس وَأَذلّ المُسْلِمِيْنَ بِك إِلاَّ مَا نظرت فِي أَمرِي فَقبض عَلَى الاثْنَيْن وَأَخَذَ مِنْ عِيْسَى ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرهُ: أَكْثَر أَهْل العِلْمِ لاَ يصححُوْنَ نسب المَهْدِيّ عُبَيْد اللهِ جد خلفَاء مِصْر حَتَّى إِنَّ العَزِيْز فِي أَوَّلِ وَلاَيته صعد المِنْبَر يَوْم جُمُعَة فَوَجَد هُنَاكَ رقعَة فِيْهَا:
إِذَا سمِعنَا نسباً مُنْكراً ... نبكِي عَلَى المِنْبَر وَالجَامِع
إِنْ كُنْتَ فِيْمَا تَدَّعِي صَادِقاً ... فَاذْكُرْ أَباً بَعْدَ الأَبِ الرَّابِع وَإِنْ تُرِدْ تَحْقِيْقَ مَا قُلْتَه ... فَانسُبْ لَنَا نَفْسَكَ كَالطَّائِعِ
أَوْلا دَع الأَنسَابَ مَسْتورَةً ... وَادْخُلْ بنَا فِي النَّسَبِ الوَاسِعِ
فَإِنَّ أَنسَابَ بَنِي هَاشِمٍ ... يَقْصُرُ عَنْهَا طَمَعُ الطَّامع
وصَعِدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَرَأَى وَرَقَةً فِيْهَا:
بِالظُّلمِ وَالجُوْرِ قَدْ رَضِينَا ... وَلَيْسَ بِالكُفْرِ وَالحمَاقه
إِنْ كُنْتَ أُعْطِيتَ عِلمَ غَيْبٍ ... فَقُلْ لَنَا كَاتِبَ البِطَاقَهْ
ثُمَّ قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ:
وَذَلِكَ لأَنَّهُم ادَّعُوا عِلْمَ المغيَّبَاتِ.
وَلهُم فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ مَشْهُوْرَة.
وفُتحت للعَزِيْز حلَب وَحمَاهُ وَحِمْص.
وَخَطَبَ أَبُو الذَّوَّاد مُحَمَّدُ بنُ المسَّيب بِالمَوْصِل لَهُ، وَرقَم اسْمَه عَلَى الأَعلاَمِ وَالسِّكَّةِ سنَةَ 383، وَخُطِبَ لَهُ أَيْضاً بِاليَمَنِ وَبَالشَّام وَمدَائِنِ المَغْرِب.
وكَانَتْ دَوْلَةُ هَذَا الرَّافِضيّ أَعظَمَ بكَثِيْرٍ مِنْ دَوْلَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الطَّائِعِ ابْنِ المُطِيعِ العَبَّاسِيّ.
قَالَ المُسَبِّحِيُّ :وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، أُسِّس جَامِعُ القَاهرَة. وَفِي
أَيَّام العَزِيْز بُنِي قصرُ البَحْرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مثلُه فِي شَرْقٍ وَلاَ غَرْبٍ، وَجَامِعُ القَرَافَة وَقصرُ الذَّهَب.وفِي أَيَّامه أُظهر سبُّ الصَّحَابَةِ جِهَاراً.
وفِي سنَة 366 حَجَّت جَمِيْلَةُ بنْتُ نَاصِر الدَّوْلَة، صَاحِبِ المَوْصِل.
فممّا كَانَ مَعَهَا أَرْبَع مائَة محمل، فَكَانَتْ لاَ يُدْرَى فِي أَي محمل هِيَ.
وَأَعْتقت خَمْس مائَة نَفْسٍ.
وَنثَرَتْ عَلَى الكَعْبَة عَشْرَة آلاَفِ مِثقَالٍ.
وَسَقَت جَمِيْعَ الوَفد سَوِيْقَ السُّكَّر وَالثَّلْجِ، كَذَا قَالَ الثَّعَالبِي، وَخَلَعَتْ وَكَسَتْ خَمْسِيْنَ أَلْفاً.
وَلَقَدْ خَطَبَهَا السُّلْطَان عضُدُ الدَّوْلَة، فَأَبتْ فَحَنِقَ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ مِنْهَا، فَأَفْقَرهَا وَعذَّبهَا، ثُمَّ أَلزمهَا أَنْ تقعُد فِي الحَانَة لتحصلَ مِنَ الفَاحشَة مَا تُؤدِّي، فَمَرَّتْ مَعَ الأَعوَانِ، فَقَذَفَتْ نَفْسهَا فِي دِجْلَةَ، فغرِقَتْ، عفَا الله عَنْهَا.
وَفِي سَنَةِ 67 جَرَتْ وَقعَات بَيْنَ المِصْرِيّين، وَهِفتكين الأَمِيْر، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وضُرِبَ المَثَل بشجَاعَةِ هِفْتكين.
وَهَزَمَ الجُيُوشَ، وَفَرَّ مِنْهُ جَوْهَرُ القَائِدُ.
فَسَارَ لِحَرْبِهِ صَاحِبُ مِصْر العَزِيْزُ بنَفْسِهِ، فَالتَقَوا بِالرَّمْلَة.
وَكَانَ هِفتكين عَلَى فَرَس أَدْهَم يجولُ فِي النَّاس، فَبَعَثَ إِلَيْهِ العَزِيْزُ رَسُوْلاً، يَقُوْلُ:
أَزعجتَنِي وَأَحْوَجتَنِي لمبَاشرَة الحَرْب، وَأَنَا طَالبٌ لِلصُّلْح، وَأَهَب لَكَ الشَّامَ كُلَّه.
قَالَ: فَنَزَلَ وَبَاسَ الأَرْضَ، وَاعْتَذَرَ وَوقَعَ الحَرْبُ.
وَقَالَ: فَاتَ الأَمْرُ، ثُمَّ حَمَل عَلَى المَيْسَرَة، فَهَزَمَهَا، فَحْمل العَزِيْزُ بنَفْسِهِ عَلَيْهِ فِي
الأَبطَال فَاْنَهَزَمَ هِفتكين، وَمَنْ مَعَهُ وَالقَرَامِطَة، وَاسْتَحَرَّ بِهِم القَتْلُ.وَنُودِي: مَنْ أَسَرَ هِفتكين فَلَهُ مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَذهَبَ هِفتكين جريحاً فِي ثَلاَثَة، فَظَفِرَ بِهِ مُفْرِج بنُ دَغْفَل.
ثُمَّ أَتَى بِهِ العَزِيْزَ، فَلَمْ يُؤْذِهِ بَلْ بَلَّغَه أَعْلَى الرُّتَب مُديدَةً ثُمَّ سقَاهُ ابْنُ كِلِّس الوَزِيْر، فَأَنكَرَ العَزِيْزُ ذَلِكَ.
فَدَارَاهُ ابْنُ كِلِّس بِخَمْسِ مائَة أَلْف دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ 368 توثَّب عَلَى دِمَشْق قسّام الجُبَيْلِي التَّرَّاب، وَالتفَّ عَلَيْهِ أَحَدَاثُ البَلَد وَشُطَّارُهَا.
وَلَمْ يَبْقَ لأَمِيْرهَا مَعَهُ أَمْر.
وَجَاءَ رَسُوْلُ العَزِيْز إِلَى أَمِيْرِ الوَقْت عَضُد الدَّوْلَة ليَخْطُبَ لَهُ، فَأَجَابَهُ بتلطُّفٍ وَودٍّ وَإِتحَافٍ، وَلَمْ يتَهَيَّأَ ذَلِكَ.
وَفِيْهَا - أَي سنَة 69 -:سَلْطَنَ الطَّائِعُ عَضُدَ الدَّوْلَة.
وَبَلَّغَهُ أَقصَى الرُّتَب، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أُمُورَ الرَّعيّة شَرْقاً وَغَرْباً، وَعَقَدَ بِيَدِهِ لَهُ لوَاءْين، وَزَادَ فِي أَلقَابه تَاج الملَة.
وَتَزَوَّجَ الطَّائِعُ بِبِنْتِهِ عَلَى مائَةِ أَلْفِ دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ رَجَعَ عضُد الدَّوْلَة مِنْ هَمَذَان، فَخَرَجَ الطَّائِع لِتَلَقِّيه، أُكره عَلَى ذَا، وَمَا جَرَتَ عَادَةٌ لخَلِيْفَةٍ بِهَذَا.وَفِي سَنَةِ إِحْدَى، وَقَعَ حَرِيْق عَظِيْمٌ بِبَغْدَادَ.
وَذهبتِ الأَمْوَال.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مَاتَ السُّلْطَانُ عَضُدُ الدَّوْلَة، وَالسيِّدَةُ المحُجَّبَة سَارَة أُخْت المُقْتَدِر، وَقَدْ قَاربت التِّسْعِيْنَ.
وَلَطمُوا أَيَّاماً فِي الأَسوَاق عَلَى العَضُد، وَتَمَلَّكَ ابْنُهُ صَمصَامُ الدَّوْلَة.
وَفِي سَنَةِ 377 تَهَيَّأَ العَزِيْزُ لِغَزْو الرُّوْمِ، فَأُحْرِقَتْ مرَاكبُهُ فَغَضِبَ، وَقَتَلَ مَائَتَي نَفْس اتَّهمهُم.
ثُمَّ وَصَلَت رسُل طَاغيَةِ الرُّوْمِ بهديَّةٍ، تطلُبُ الهُدنَة، فَأَجَابَ بِشَرْط أَنْ لاَ يبقَى فِي مَمْلَكَتهمْ أَسيرٌ، وَبأَن يخطبُوا للعَزِيْزِ بِقُسْطَنْطِينِيَّة فِي جَامِعِهَا.
وَعُقِدَت سَبْعَة أَعْوَام.
وَمَاتَ مُتَوَلِّي إِفْرِيْقِيَة يُوْسُفُ بُلّكِين، وَقَامَ ابْنُهُ المَنْصُوْر، وَبَعَثَ تقَادم إِلَى العَزِيْز قيمتُها أَلف أَلف دِيْنَار.
واشْتَدَّ القَحْطُ بِبَغْدَادَ.
وَابتيعت كَارَة الدقيقِ بِمئتين وَسِتِّيْنَ دِرْهَماً.
وَغلَبَ شَرَفُ الدَّوْلَة عَلَى بَغْدَادَ، وَقَبَضَ عَلَى أَخِيْهِ الصَّمْصَام.وَفِي سَنَةِ 381 عُزِلَ مِنَ الخِلاَفَة الطَّائِعُ، وَوَلِيَ القَادِرُ.
وفِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ فِي رَمَضَانَ مَاتَ العَزِيْز بِبِلْبِيس فِي حمَّام مِنَ القُولَنج، وَعمره اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً وَأَشهر.
وَقَامَ ابْنُهُ الحَاكِمُ الزِنْدِيْق.
صَاحِب مِصْر أَبُو مَنْصُوْرٍ نزَار بن المُعِزِّ معد بن إِسْمَاعِيْلَ العبيدِي المهدوِي المَغْرِبِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَام بَعْد أَبِيْهِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ
وَكَانَ كَرِيْماً شُجَاعاً صفوحاً، أَسمر أَصهب الشّعر أَعْيَن أَشهل بعيد مَا بَيْنَ المَنْكِبين، حسن الأَخلاَق قَرِيْباً مِنَ الرَّعِيَّةِ مغرَى بِالصيد وَيكثر مِنْ صيد السِّبَاع وَلاَ يُؤثر سفك الدِّمَاء وَلَهُ نَظْمٌ وَمَعْرِفَة.
تُوُفِّيَ فِي العِيْد وَلدٌ لَهُ، فَقَالَ:
نَحْنُ بَنو المصطفَى ذَوُو مِحَن ... أَولنَا مبتلَى وَخَاتمنَا
عجييَة فِي الأَنَام محنتنَا ... يجرعهَا فِي الحَيَاة كَاظمنَايفرح هَذَا الورَى بعيدهُم ... طُرّاً وَأَعيَادنَا مآتمنَا
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ الثعَالبِي فِي اليتيمَة، سَمِعْتُ الشَّيْخ أَبَا الطّيب يَحْكِي أَنَّ الأُمَوِيّ صَاحِب الأَنْدَلُس كتب إِلَيْهِ نزَار صَاحِب مِصْر كِتَاباً سَبه فِيْهِ وَهجَاهُ فَكَتَبَ إِليه الأُمَوِيّ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنك عرفتنَا فَهجوتنَا وَلَوْ عرفنَاك لأَجبنَاك فَاشْتَدَّ هَذَا عَلَى العَزِيْز وَأَفحمه، عَنِ الجَوَاب يُشِير أَنَّك دَعِيٌّ لاَ نَعْرِف قَبِيلَتك.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ العَزِيْز قَدْ وَلَّى عِيْسَى بن نُسْطُورِس النَّصْرَانِيّ أَمر مِصْر وَاسْتنَاب مُنَشَّا اليَهودِي بِالشَّامِ فَكتبت إِلَيْهِ امْرَأَة بِالَّذِي أَعزّ اليَهُوْد وَالنَّصَارَى بِمُنَشَّا وَابْن نُسْطُورِس وَأَذلّ المُسْلِمِيْنَ بِك إِلاَّ مَا نظرت فِي أَمرِي فَقبض عَلَى الاثْنَيْن وَأَخَذَ مِنْ عِيْسَى ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرهُ: أَكْثَر أَهْل العِلْمِ لاَ يصححُوْنَ نسب المَهْدِيّ عُبَيْد اللهِ جد خلفَاء مِصْر حَتَّى إِنَّ العَزِيْز فِي أَوَّلِ وَلاَيته صعد المِنْبَر يَوْم جُمُعَة فَوَجَد هُنَاكَ رقعَة فِيْهَا:
إِذَا سمِعنَا نسباً مُنْكراً ... نبكِي عَلَى المِنْبَر وَالجَامِع
إِنْ كُنْتَ فِيْمَا تَدَّعِي صَادِقاً ... فَاذْكُرْ أَباً بَعْدَ الأَبِ الرَّابِع وَإِنْ تُرِدْ تَحْقِيْقَ مَا قُلْتَه ... فَانسُبْ لَنَا نَفْسَكَ كَالطَّائِعِ
أَوْلا دَع الأَنسَابَ مَسْتورَةً ... وَادْخُلْ بنَا فِي النَّسَبِ الوَاسِعِ
فَإِنَّ أَنسَابَ بَنِي هَاشِمٍ ... يَقْصُرُ عَنْهَا طَمَعُ الطَّامع
وصَعِدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَرَأَى وَرَقَةً فِيْهَا:
بِالظُّلمِ وَالجُوْرِ قَدْ رَضِينَا ... وَلَيْسَ بِالكُفْرِ وَالحمَاقه
إِنْ كُنْتَ أُعْطِيتَ عِلمَ غَيْبٍ ... فَقُلْ لَنَا كَاتِبَ البِطَاقَهْ
ثُمَّ قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ:
وَذَلِكَ لأَنَّهُم ادَّعُوا عِلْمَ المغيَّبَاتِ.
وَلهُم فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ مَشْهُوْرَة.
وفُتحت للعَزِيْز حلَب وَحمَاهُ وَحِمْص.
وَخَطَبَ أَبُو الذَّوَّاد مُحَمَّدُ بنُ المسَّيب بِالمَوْصِل لَهُ، وَرقَم اسْمَه عَلَى الأَعلاَمِ وَالسِّكَّةِ سنَةَ 383، وَخُطِبَ لَهُ أَيْضاً بِاليَمَنِ وَبَالشَّام وَمدَائِنِ المَغْرِب.
وكَانَتْ دَوْلَةُ هَذَا الرَّافِضيّ أَعظَمَ بكَثِيْرٍ مِنْ دَوْلَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الطَّائِعِ ابْنِ المُطِيعِ العَبَّاسِيّ.
قَالَ المُسَبِّحِيُّ :وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، أُسِّس جَامِعُ القَاهرَة. وَفِي
أَيَّام العَزِيْز بُنِي قصرُ البَحْرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مثلُه فِي شَرْقٍ وَلاَ غَرْبٍ، وَجَامِعُ القَرَافَة وَقصرُ الذَّهَب.وفِي أَيَّامه أُظهر سبُّ الصَّحَابَةِ جِهَاراً.
وفِي سنَة 366 حَجَّت جَمِيْلَةُ بنْتُ نَاصِر الدَّوْلَة، صَاحِبِ المَوْصِل.
فممّا كَانَ مَعَهَا أَرْبَع مائَة محمل، فَكَانَتْ لاَ يُدْرَى فِي أَي محمل هِيَ.
وَأَعْتقت خَمْس مائَة نَفْسٍ.
وَنثَرَتْ عَلَى الكَعْبَة عَشْرَة آلاَفِ مِثقَالٍ.
وَسَقَت جَمِيْعَ الوَفد سَوِيْقَ السُّكَّر وَالثَّلْجِ، كَذَا قَالَ الثَّعَالبِي، وَخَلَعَتْ وَكَسَتْ خَمْسِيْنَ أَلْفاً.
وَلَقَدْ خَطَبَهَا السُّلْطَان عضُدُ الدَّوْلَة، فَأَبتْ فَحَنِقَ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ مِنْهَا، فَأَفْقَرهَا وَعذَّبهَا، ثُمَّ أَلزمهَا أَنْ تقعُد فِي الحَانَة لتحصلَ مِنَ الفَاحشَة مَا تُؤدِّي، فَمَرَّتْ مَعَ الأَعوَانِ، فَقَذَفَتْ نَفْسهَا فِي دِجْلَةَ، فغرِقَتْ، عفَا الله عَنْهَا.
وَفِي سَنَةِ 67 جَرَتْ وَقعَات بَيْنَ المِصْرِيّين، وَهِفتكين الأَمِيْر، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وضُرِبَ المَثَل بشجَاعَةِ هِفْتكين.
وَهَزَمَ الجُيُوشَ، وَفَرَّ مِنْهُ جَوْهَرُ القَائِدُ.
فَسَارَ لِحَرْبِهِ صَاحِبُ مِصْر العَزِيْزُ بنَفْسِهِ، فَالتَقَوا بِالرَّمْلَة.
وَكَانَ هِفتكين عَلَى فَرَس أَدْهَم يجولُ فِي النَّاس، فَبَعَثَ إِلَيْهِ العَزِيْزُ رَسُوْلاً، يَقُوْلُ:
أَزعجتَنِي وَأَحْوَجتَنِي لمبَاشرَة الحَرْب، وَأَنَا طَالبٌ لِلصُّلْح، وَأَهَب لَكَ الشَّامَ كُلَّه.
قَالَ: فَنَزَلَ وَبَاسَ الأَرْضَ، وَاعْتَذَرَ وَوقَعَ الحَرْبُ.
وَقَالَ: فَاتَ الأَمْرُ، ثُمَّ حَمَل عَلَى المَيْسَرَة، فَهَزَمَهَا، فَحْمل العَزِيْزُ بنَفْسِهِ عَلَيْهِ فِي
الأَبطَال فَاْنَهَزَمَ هِفتكين، وَمَنْ مَعَهُ وَالقَرَامِطَة، وَاسْتَحَرَّ بِهِم القَتْلُ.وَنُودِي: مَنْ أَسَرَ هِفتكين فَلَهُ مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَذهَبَ هِفتكين جريحاً فِي ثَلاَثَة، فَظَفِرَ بِهِ مُفْرِج بنُ دَغْفَل.
ثُمَّ أَتَى بِهِ العَزِيْزَ، فَلَمْ يُؤْذِهِ بَلْ بَلَّغَه أَعْلَى الرُّتَب مُديدَةً ثُمَّ سقَاهُ ابْنُ كِلِّس الوَزِيْر، فَأَنكَرَ العَزِيْزُ ذَلِكَ.
فَدَارَاهُ ابْنُ كِلِّس بِخَمْسِ مائَة أَلْف دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ 368 توثَّب عَلَى دِمَشْق قسّام الجُبَيْلِي التَّرَّاب، وَالتفَّ عَلَيْهِ أَحَدَاثُ البَلَد وَشُطَّارُهَا.
وَلَمْ يَبْقَ لأَمِيْرهَا مَعَهُ أَمْر.
وَجَاءَ رَسُوْلُ العَزِيْز إِلَى أَمِيْرِ الوَقْت عَضُد الدَّوْلَة ليَخْطُبَ لَهُ، فَأَجَابَهُ بتلطُّفٍ وَودٍّ وَإِتحَافٍ، وَلَمْ يتَهَيَّأَ ذَلِكَ.
وَفِيْهَا - أَي سنَة 69 -:سَلْطَنَ الطَّائِعُ عَضُدَ الدَّوْلَة.
وَبَلَّغَهُ أَقصَى الرُّتَب، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أُمُورَ الرَّعيّة شَرْقاً وَغَرْباً، وَعَقَدَ بِيَدِهِ لَهُ لوَاءْين، وَزَادَ فِي أَلقَابه تَاج الملَة.
وَتَزَوَّجَ الطَّائِعُ بِبِنْتِهِ عَلَى مائَةِ أَلْفِ دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ رَجَعَ عضُد الدَّوْلَة مِنْ هَمَذَان، فَخَرَجَ الطَّائِع لِتَلَقِّيه، أُكره عَلَى ذَا، وَمَا جَرَتَ عَادَةٌ لخَلِيْفَةٍ بِهَذَا.وَفِي سَنَةِ إِحْدَى، وَقَعَ حَرِيْق عَظِيْمٌ بِبَغْدَادَ.
وَذهبتِ الأَمْوَال.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مَاتَ السُّلْطَانُ عَضُدُ الدَّوْلَة، وَالسيِّدَةُ المحُجَّبَة سَارَة أُخْت المُقْتَدِر، وَقَدْ قَاربت التِّسْعِيْنَ.
وَلَطمُوا أَيَّاماً فِي الأَسوَاق عَلَى العَضُد، وَتَمَلَّكَ ابْنُهُ صَمصَامُ الدَّوْلَة.
وَفِي سَنَةِ 377 تَهَيَّأَ العَزِيْزُ لِغَزْو الرُّوْمِ، فَأُحْرِقَتْ مرَاكبُهُ فَغَضِبَ، وَقَتَلَ مَائَتَي نَفْس اتَّهمهُم.
ثُمَّ وَصَلَت رسُل طَاغيَةِ الرُّوْمِ بهديَّةٍ، تطلُبُ الهُدنَة، فَأَجَابَ بِشَرْط أَنْ لاَ يبقَى فِي مَمْلَكَتهمْ أَسيرٌ، وَبأَن يخطبُوا للعَزِيْزِ بِقُسْطَنْطِينِيَّة فِي جَامِعِهَا.
وَعُقِدَت سَبْعَة أَعْوَام.
وَمَاتَ مُتَوَلِّي إِفْرِيْقِيَة يُوْسُفُ بُلّكِين، وَقَامَ ابْنُهُ المَنْصُوْر، وَبَعَثَ تقَادم إِلَى العَزِيْز قيمتُها أَلف أَلف دِيْنَار.
واشْتَدَّ القَحْطُ بِبَغْدَادَ.
وَابتيعت كَارَة الدقيقِ بِمئتين وَسِتِّيْنَ دِرْهَماً.
وَغلَبَ شَرَفُ الدَّوْلَة عَلَى بَغْدَادَ، وَقَبَضَ عَلَى أَخِيْهِ الصَّمْصَام.وَفِي سَنَةِ 381 عُزِلَ مِنَ الخِلاَفَة الطَّائِعُ، وَوَلِيَ القَادِرُ.
وفِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ فِي رَمَضَانَ مَاتَ العَزِيْز بِبِلْبِيس فِي حمَّام مِنَ القُولَنج، وَعمره اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً وَأَشهر.
وَقَامَ ابْنُهُ الحَاكِمُ الزِنْدِيْق.