إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزآبادي الشيرازي ، أبو إسحاق :
إمام أصحاب الشافعي ومن انتشر فضله في البلاد، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد والسداد، وأقر بعلمه وورعه الموافق والمخالف والمعادي والمحالف، وحاز قصب السبق في جميع الفضائل وتعزى بالدين والنزاهة على كل الرذائل، وكان سخي النفس، شديد التواضع، طلق الوجه، لطيفا ظريفا، كريم العشرة، سهل الأخلاق، كثير المحفوظ للحكايات والأشعار.
ولد بفيروزآباد بليدة بفارس، ونشأ بها، ودخل شيراز، وقرأ الفقه على أبي عبد الله الأنصاري، وقرأ على أبي القاسم الداركي، وقرأ الداركي على المروزي، وقرأ المروزي علي ابن سريج، وقرأ ابن سريج على ابن الأنماطي، وقرأ ابن الأنماطي على المزني والربيع بن سليمان، وقرء على الشافعي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري، ولازمه حتى برع في العلم وصار من أنظر أصحابه، وامتدت إليه الأعين وتقدم على أقرانه.
وكان يدرس بمسجده بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك أبو علي المدرسة على شاطئ دجلة فانتقل إليها، ودّرس بها بعد امتناع شديد، ولم يزل يدّرس بها إلى حين وفاته.
سمع ببغداد من أبي بكر أحمد بن مُحَمَّد بن غالب البرقاني وأبي علي الحسن بن شاذان وأبي الطيب الطبري، روي عنه الخطيب الحافظ في بعض مصنفاته شيئا من شعره؛ وكان عارفا بالأدب.
ومن شعره:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا ... وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة ... ومن عليه لكشف الضر أعتمد
وقد مددت يدي والضر مشتمل ... إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة ... فبحر جودك يروي كل من يرد
أنشدني شهاب الحاتمي بهراة قال: أنشدنا أبو سعد بن السمعاني قال: أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي، أنشدني أبو إسحاق- يعني الشيرازي- لنفسه:
جاء الربيع وحسن ورده ... ومضى الشتاء وقبح برده
فاشرب على وجه الحبيب ... ووجنتيه وحسن خده
قال ابن السمعاني: قال لي شبيب: ثم جاء بعد [أن] أنشدني هذين البيتين بمدة: كنت جالسا عند الشيخ، فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي يمين الدولة حاكم صور، بلدة على ساحل بحر الروم، فقال لغلامه: احضر ذاك الشأن- يعني الشراب- فقد أفتانا به الإمام أبو إسحاق، فبكى الإمام ودعا على نفسه، وقال: ليتني لم أقل هذين البيتين قط. ثم قال لي: كيف نردها من أفواه الناس؟ فقلت:
يا سيدي هيهات! قد سارت به الركبان. كان أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا صعد إلى النصرية في أعلى بغداد وكان له فيها صديق باقلاني، فكان يثرد له رغيفا ويشربه بماء الباقلاء فربما صعد إليه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء ويغلق الباب، فيقف أبو إسحاق ويقرأ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ
ويرجّع.
كان القاضي أبو الطيب يسمى الشيخ أبا إسحاق «حمامة المسجد» للزومه واشتغاله بالعلم طول ليله ونهاره. كان الشيخ أبو إسحاق يمشي في الطريق ومعه بعض أصحابه فعرض لهما كلب، فقال ذلك الفقيه للكلب: اخسأ! وزجره، فنهاه الشيخ أبو إسحاق عن ذلك وقال: لم طردته عن الطريق؟ أما عرفت أن الطريق بيني وبينه مشترك.
قال ابن الخاضبة: سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول: لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته- وهو المهذب- على النبي صلّى الله عليه وسلّم [لقال] هذا هو شريعتي [التي] أمرت بها أمتي.
قال الحافظ السلفي: سألت أبا غالب شجاع بن فارس الذهلي عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعا صالحا عالما بمعرفة الخلاف علما لا يشاركه فيه أحد، سمعت منه شيئا من حديثه ومصنفاته.
مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الأحد. ودفن يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة، وقيل: إن مولده سنة خمس وتسعين.
إمام أصحاب الشافعي ومن انتشر فضله في البلاد، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد والسداد، وأقر بعلمه وورعه الموافق والمخالف والمعادي والمحالف، وحاز قصب السبق في جميع الفضائل وتعزى بالدين والنزاهة على كل الرذائل، وكان سخي النفس، شديد التواضع، طلق الوجه، لطيفا ظريفا، كريم العشرة، سهل الأخلاق، كثير المحفوظ للحكايات والأشعار.
ولد بفيروزآباد بليدة بفارس، ونشأ بها، ودخل شيراز، وقرأ الفقه على أبي عبد الله الأنصاري، وقرأ على أبي القاسم الداركي، وقرأ الداركي على المروزي، وقرأ المروزي علي ابن سريج، وقرأ ابن سريج على ابن الأنماطي، وقرأ ابن الأنماطي على المزني والربيع بن سليمان، وقرء على الشافعي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري، ولازمه حتى برع في العلم وصار من أنظر أصحابه، وامتدت إليه الأعين وتقدم على أقرانه.
وكان يدرس بمسجده بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك أبو علي المدرسة على شاطئ دجلة فانتقل إليها، ودّرس بها بعد امتناع شديد، ولم يزل يدّرس بها إلى حين وفاته.
سمع ببغداد من أبي بكر أحمد بن مُحَمَّد بن غالب البرقاني وأبي علي الحسن بن شاذان وأبي الطيب الطبري، روي عنه الخطيب الحافظ في بعض مصنفاته شيئا من شعره؛ وكان عارفا بالأدب.
ومن شعره:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا ... وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة ... ومن عليه لكشف الضر أعتمد
وقد مددت يدي والضر مشتمل ... إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة ... فبحر جودك يروي كل من يرد
أنشدني شهاب الحاتمي بهراة قال: أنشدنا أبو سعد بن السمعاني قال: أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي، أنشدني أبو إسحاق- يعني الشيرازي- لنفسه:
جاء الربيع وحسن ورده ... ومضى الشتاء وقبح برده
فاشرب على وجه الحبيب ... ووجنتيه وحسن خده
قال ابن السمعاني: قال لي شبيب: ثم جاء بعد [أن] أنشدني هذين البيتين بمدة: كنت جالسا عند الشيخ، فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي يمين الدولة حاكم صور، بلدة على ساحل بحر الروم، فقال لغلامه: احضر ذاك الشأن- يعني الشراب- فقد أفتانا به الإمام أبو إسحاق، فبكى الإمام ودعا على نفسه، وقال: ليتني لم أقل هذين البيتين قط. ثم قال لي: كيف نردها من أفواه الناس؟ فقلت:
يا سيدي هيهات! قد سارت به الركبان. كان أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا صعد إلى النصرية في أعلى بغداد وكان له فيها صديق باقلاني، فكان يثرد له رغيفا ويشربه بماء الباقلاء فربما صعد إليه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء ويغلق الباب، فيقف أبو إسحاق ويقرأ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ
ويرجّع.
كان القاضي أبو الطيب يسمى الشيخ أبا إسحاق «حمامة المسجد» للزومه واشتغاله بالعلم طول ليله ونهاره. كان الشيخ أبو إسحاق يمشي في الطريق ومعه بعض أصحابه فعرض لهما كلب، فقال ذلك الفقيه للكلب: اخسأ! وزجره، فنهاه الشيخ أبو إسحاق عن ذلك وقال: لم طردته عن الطريق؟ أما عرفت أن الطريق بيني وبينه مشترك.
قال ابن الخاضبة: سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول: لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته- وهو المهذب- على النبي صلّى الله عليه وسلّم [لقال] هذا هو شريعتي [التي] أمرت بها أمتي.
قال الحافظ السلفي: سألت أبا غالب شجاع بن فارس الذهلي عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعا صالحا عالما بمعرفة الخلاف علما لا يشاركه فيه أحد، سمعت منه شيئا من حديثه ومصنفاته.
مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الأحد. ودفن يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة، وقيل: إن مولده سنة خمس وتسعين.