Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150085#b4bf63
إسحاق بن حسان بن قوهي
ويقال: قوهي لقب حسان أبو يعقوب الخريمي مولاهم المري شاعر متقدم، مطبوع مشهور، له ديوان معروف، وأصله من مرو الشاهجان، صغدي؛ ثم نزل الجزيرة والشام وسكن بغداد، وبلغني أنه قيل له: ما بال شعرك لا يسمعه أحد إلا استحسنه وقبله طبع؟ قال: لأني لا أجاذب الكلام إلا أن يساهلني عفواً، فإذا سمعه إنسان سهل عليه استحسانه.
وبلغني عن أبي العباس المبرد، قال: كان أبو يعقوب الخزيمي، واسمه إسحاق بن حسان، جميل الشعر مقبولاً عند الكتاب، له كلام قوي، ومذهب مبسوط، وكان يرجع إلى بيت في العجم كريم، وكان رجلاً من أبناء الصغد، وكان له ولاء في العرب، في غطفان؛ وكان اتصاله بمولاه ابن خريم المري الذي يقال له: خريم الناعم، وكان أبو يعقوب على ظرفه يرجع إلى إسلام وإلى وقار؛ وذهبت عيناه بعد أن طلع من السبعين، وله فيهما مراثٍِ جيدة، يتجاوز أهل عصر، وأمثاله مضروبة، وقناعة واعتصام.
سمع أبو يعقوب الخريمي يوم مات أبو يوسف رجلاً يقول: اليوم مات الفقه، فقال: من السريع
يا ناعي الفقه إلى أهله ... أن مات يعقوب وما يدري
لم يمت الفقه ولكنه ... حول من صدر إلى صدر
ألقاه يعقوب إلى يوسف ... فزال من طيب إلى طهر
فهو مقيم فإذا ما ثوى ... حل وحل الفقه في قبر
يعني يوسف بن أبي يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة.
أنشد عون بن محمد لأبي يعقوب الخزيمي: من مجزوء الكامل
باحت ببلواه جفونه ... وجرت بأدمعه شؤونه
لما رأى شيباً علا ... هـ ولم يحن في العد حينه
فعلا على فقد الشبا ... ب وفقد من يهوى أنينه
ما كان أنجح سعيه ... وشبابه فيه معينه
واللهو يحسن بالفتى ... ما لم يكن شيب يشينه
وله: من الخفيف
لم ترعني دار عفت بالجناب ... دارس آيها كخط الكتاب
أوحشت بعد أهلٍ وأنيس ... من جوارٍ خرائدٍ أتراب
واضحات الخدود كالبقر الخن ... نس عين الحمى فروض الروابي
إنما راعني لذكراي حالي ... بسجستان خادم الحجاب
قل عني عناء عقلي وديني ... ودخولي في العلم من كل باب
أدركتني وذاك أعظم ما بي ... بسجستان حرفة الآداب
وله: من البسيط
قد كنت أحسبني رأساً فقد جعلت ... أذنابهم تعتييني بالولايات
الحمد لله كم في الدهر من عجبٍ ... ومن تصرف أحوالٍ وحالات
بينا ترى المرء في عيطاء مشرفةٍ ... إذ زال عنها إلى دحض ومومات
لا تنظرن إلى عقلٍ ولا أدبٍ ... إن الجدود قرينات الحماقات
أصيب الخريمي بمصيبة في ابنه، وكان يميل إليه، فرثاه فقال: من الطويل
ألم ترني أبني على الليث بيته ... وأحثي عليه الترب لا أتخشع
ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته ... عليك ولكن ساحة الصبر أوسع
وأعددته ذخراً لكل عظيمةٍ ... وسهم المنايا بالذخائر مولع
وإني ون أظهرت مني جلادةً ... وصانعت أعدائي عليك لموجع
وقال في ابن له: من الطويل
أعاذل كم من منفس قد رزئته ... وفارقني شخص علي كريم
وقاسيت من بلوى زمانٍ وكربةٍ ... وودعني من أقربي حميم
فعزيت نفسي غير أني بأحمدٍ ... بني مسلوب العزاء سقيم
أرى الصبر عنه جمرةً مستكنةً ... لها لهب في القلب ليس يريم
وخط خيال منه يعتاد مضجعي ... له كرب ما تنجلي وغموم
وآثاره في البيت حيث توجهت ... بي العين حزنٌ في الفؤاد مقيم
إذا رمت عنه الصبر أرجو ثوابه ... أبى الصبر قلبٌ بالحميم يهيم
لعمرك إني يوم أدفن مهجتي ... وأرجع عنه صابراً لكظيم
وإن فؤادي بعده لمفجعٌ ... وإن دموعي بعده لسجوم
خططت له في الترب بيت إقامةٍ ... إلى الحشر فيه والنشور مقيم
وكان سروراً لم يدم لي وغبطة ... وأي سرور في الحياة يدوم
وروحاً وريحاناً أتى دون شمه ... من الدهر يوم بالفراق عظيم
على حين أمضيت الشباب وقاربت ... خطاي قيود الشيب حين أقوم
وفارقت حلو العيش إلا صبابةٌ ... عليها خطوب الحادثات تحوم
فجعت بشق النفس والهم والهوى ... عذاب لعمري في الحياة أليم
ألا كل عيش بعد فرقة أحمدٍ ... وكل سرور ما بقيت ذميم
يعيب علي الأخلياء صبابتي ... وحزني وكل يا بني يلوم
فهل كان يعقوب النبي بحزنه ... سليماً وما يزري علي حكيم
كوى قلبه حزن كأن لهيبه ... توقد نيران لهن ضريم
فما غير الله النبي بحزنه ... أبى ذاك رب العالمين رحيم
فلولا رجاء الأجر فيك وأنه ... ثواب وإن عز المصاب عظيم
وأنك قربان لدى الله نافعٌ ... وحظ لنا يوم الحساب جسيم
لأضعف حزني يا بني وأوشكت ... علي البواكي بالرنين تقوم
وقال في أخيه: من الطويل
أقول لعيني إن يكن كل مسعدي ... فأيتها العين السخينة أسعدي
ولا تبخلي عيني بدمعك إنه ... متى تسلبي لي يرق دمعي وتجمدي
وكيف سلوي عن حبيب خياله ... أمامي وخلفي في مقامي ومقعدي
نظرت إليه فوق أعواد نعشه ... بمطروقةٍ حيرى تحور وتهتدي
فجاشت إلي النفس ثم رددتها ... إلى الصبر فعل الحازم المتجلد
ولو يفتدى ميت بشيء فديته ... بنفسي وما لي من طريفٍ ومتلد
ولكن رأيت الموت يمسي رسوله ... ويصبح للنفس اللجوج بمرصد