أيوب بن هلال وهلال أبو عقال
ابن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي.
حدث أبو زيد يحيى بن أيوب بن أبي عقال هلال أن أباه حدثه وكان صغيراً فلم يع عنه، قال: فحدثني عمي زيد بن أبي عقال عن أبيه أن أباه حدثه أن حارثة تزوج إلى طيئ بامرأة من بني نبهان فأولدها جبلة وأسماء، وقيل: وأسامة وزيداً، وتوفيت أمهم وبقوا في حجر جدهم لأمهم وأراد حارثة حملهم فأبى جدهم لأمهم فقال: ما عندنا خير لهم، فتراضوا إلى أن حمل جبلة وأسماء، وقيل: وأسامة وخلف زيداً، فجاءت خيل من تهامة من فزارة فأغارت على طيئ فسبت زيداً فصاروا به إلى عكاظ، فرآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أن يبعث فقال: " يا خديجة رأيت في السوق غلاماً من صفته كيت وكيت، يصف عقلاً وأدباً وجمالاً ولو أن لي مالاً لاشتريته ".
فأمرت خديجة ورقة بن نوفل فاشتراه من مالها، فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا خديجة هبي لي هذا الغلام بطيبةٍ من نفسك "، فقالت: يا محمد إني أرى غلاماً وضيئاً وأحب أن أتبناه وأخاف أن تبيعه أو تهبه، فقال: " يا موفقة ما أردت إلا أن أتبناه "، فقالت: به فديت يا محمد، فرباه وتبناه، إلى أن جاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه فقال له: أنت زيد بن حارثة؟ قال: لا أنا زيد بن محمد، فقال: بل أنت زيد بن حارثة، إن أباك وعمومتك وإخوتك قد أتعبوا الأبدان، وأنفقوا الأموال في سببك فقال: " من الطويل "
ألكني إلى قومي وإن كنت نائياً ... فإني قطين البيت عند المشاعر
وكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... خيار معدٍّ كابراً بعد كابر
فمضى الرجل فخبر حارثة، ولحارثة فيه أشعار منها: " من الطويل "
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيٌّ يرجى أم أتى دونه الأجل
ووالله ما أدري وإني لسائل ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرينه الشمس عند طلوعها ... ويعرض ذكراه إذا عسعس الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول أحزاني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيش في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطوف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فانٍ وإن غره الأمل
ثم إن حارثة أقبل إلى مكة في إخوته وولده وبعض عشيرته، فأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة في نفر من أصحابه وزيداً فيهم، فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم، فقالوا له: يا زيد، فلم يجبهم إجلالاً منه لسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتظاراً منه لرأيه.
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هؤلاء؟ " قال: يا رسول الله، هذا أبي وهذان عماي، وهذا أخي، وهؤلاء عشيرتي.
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قم فسلم عليهم يا زيد ".
فقام فسلم عليهم، وسلموا عليه، وقالوا: امض معنا يا زيد.
قال: ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، فقالوا له: يا محمد إنا معطوك بهذا الغلام ديات، فسم ما شئت فإنا حاملوها إليك.
قال: أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني خاتم أنبيائه ورسله.
فأبوا وتلكؤوا وتلجلجوا، وقالوا: تقبل ما عرضنا عليك يا محمد؟ فقال: " هاهنا خصلة غير هذه، قد جعلت أمره إليه، إن شاء فليقم وإن شاء فليرحل ".
قالوا: قضيت ما عليك يا محمد، وظنوا أنهم قد صاروا من زيد إلى حاجتهم، قالوا: يا زيد قم قد أذن لك محمد فانطلق معنا.
قال: هيهات هيهات، ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، ولا أوثر عليه والداً ولا ولداً، فأداروه وألاصوه واستعطفوه وذكروا وجد من وراءهم به، فأبى وحلف أن لا يصحبهم، فقال حارثة: يا بني أما أنا فإني مؤنسك بنفسي، فآمن حارثة وأبى الباقون، فرجعوا إلى البرية، ثم إن أخاه جبلة رجع فآمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأول لواء عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشام لزيد، وأول شهيد كان بمؤتة زيد وثانيه جعفر الطيار، وآخر لواء عقده بيده لأسامة على اثني عشر ألفاً من الناس فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: إلى أين يا رسول الله؟ قال: " عليك
بأبنى فصبحها صباحاً فقطع وحرق وخذ بثأر أبيك ".
واعتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة ".
فجهز إلى أن صار إلى الجرف واشتدت علة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث إلى أسامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدك، فرجع، فدخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أغمي عليه، ثم أفاق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى أسامة فأقبل فرفع يديه إلى السماء ويفرغها عليه.
قالوا: فعرفنا أنه إنما يدعو له، ثم قبض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان فيمن غسله الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب، وأسامة يصب عليه الماء، فلما دفن عليه السلام.
قال عمر لأبي بكر: ما ترى في لواء أسامة؟ قال: ما أحل عقداً عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يحل من عسكره رجل إلا أن تكون أنت يا عمر، ولولا حاجتي إلى مشورتك لما حللتك من عسكره.
يا أسامة عليك بالمياه يعني بالبوادي وكان يمر بالبوادي ينظرون إلى جيش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيثبتوا على أديانهم، إلى أن صاروا إلى عشيرته كلب فكانت تحت لوائه إلى أن قدم الشام على معاوية، فقال له معاوية: اختر لك منزلاً فاختار المزة واقتطع فيها هو وعشيرته.
وقال الشاعر أعور كلب: " من الطويل "
إذا ذكرت أرض لقوم بنعمةٍ ... فبلدة قومي تزدهي وتطيب
بها الدين والإفضال والخير والندى ... فمن ينتجعها للرشاد يصيب
ومن ينتجع أرضاً سواها فإنه ... سيندم يوماً بعدها ويخيب
تأتى لها خالي أسامة منزلاً ... وكان لخير العالمين حبيب
حبيب رسول الله وابن رديفه ... له ألفةٌ معروفة ونصيب
فأسكنها كلباً وأضحت ببلدة ... لها منزل رحب الجناب خصيب
فنصف على بر فسيح ونزهة ... ونصف على بحر أغر رطيب
ثم أن أسامة خرج إلى وادي القرى إلى ضيعة فتوفي بها، وخلف في المزة ابنة له يقال
لها: فاطمة، فلم تزل مقيمة إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز، فجاءت، فدخلت عليه، فقام من مجلسه وأقعدها فيه، وقال لها: حوائجك يا فاطمة؟ قالت: تحملني إلى أخي، فجهزها وحملها.
ابن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي.
حدث أبو زيد يحيى بن أيوب بن أبي عقال هلال أن أباه حدثه وكان صغيراً فلم يع عنه، قال: فحدثني عمي زيد بن أبي عقال عن أبيه أن أباه حدثه أن حارثة تزوج إلى طيئ بامرأة من بني نبهان فأولدها جبلة وأسماء، وقيل: وأسامة وزيداً، وتوفيت أمهم وبقوا في حجر جدهم لأمهم وأراد حارثة حملهم فأبى جدهم لأمهم فقال: ما عندنا خير لهم، فتراضوا إلى أن حمل جبلة وأسماء، وقيل: وأسامة وخلف زيداً، فجاءت خيل من تهامة من فزارة فأغارت على طيئ فسبت زيداً فصاروا به إلى عكاظ، فرآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أن يبعث فقال: " يا خديجة رأيت في السوق غلاماً من صفته كيت وكيت، يصف عقلاً وأدباً وجمالاً ولو أن لي مالاً لاشتريته ".
فأمرت خديجة ورقة بن نوفل فاشتراه من مالها، فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا خديجة هبي لي هذا الغلام بطيبةٍ من نفسك "، فقالت: يا محمد إني أرى غلاماً وضيئاً وأحب أن أتبناه وأخاف أن تبيعه أو تهبه، فقال: " يا موفقة ما أردت إلا أن أتبناه "، فقالت: به فديت يا محمد، فرباه وتبناه، إلى أن جاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه فقال له: أنت زيد بن حارثة؟ قال: لا أنا زيد بن محمد، فقال: بل أنت زيد بن حارثة، إن أباك وعمومتك وإخوتك قد أتعبوا الأبدان، وأنفقوا الأموال في سببك فقال: " من الطويل "
ألكني إلى قومي وإن كنت نائياً ... فإني قطين البيت عند المشاعر
وكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... خيار معدٍّ كابراً بعد كابر
فمضى الرجل فخبر حارثة، ولحارثة فيه أشعار منها: " من الطويل "
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيٌّ يرجى أم أتى دونه الأجل
ووالله ما أدري وإني لسائل ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرينه الشمس عند طلوعها ... ويعرض ذكراه إذا عسعس الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول أحزاني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيش في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطوف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فانٍ وإن غره الأمل
ثم إن حارثة أقبل إلى مكة في إخوته وولده وبعض عشيرته، فأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة في نفر من أصحابه وزيداً فيهم، فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم، فقالوا له: يا زيد، فلم يجبهم إجلالاً منه لسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتظاراً منه لرأيه.
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هؤلاء؟ " قال: يا رسول الله، هذا أبي وهذان عماي، وهذا أخي، وهؤلاء عشيرتي.
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قم فسلم عليهم يا زيد ".
فقام فسلم عليهم، وسلموا عليه، وقالوا: امض معنا يا زيد.
قال: ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، فقالوا له: يا محمد إنا معطوك بهذا الغلام ديات، فسم ما شئت فإنا حاملوها إليك.
قال: أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني خاتم أنبيائه ورسله.
فأبوا وتلكؤوا وتلجلجوا، وقالوا: تقبل ما عرضنا عليك يا محمد؟ فقال: " هاهنا خصلة غير هذه، قد جعلت أمره إليه، إن شاء فليقم وإن شاء فليرحل ".
قالوا: قضيت ما عليك يا محمد، وظنوا أنهم قد صاروا من زيد إلى حاجتهم، قالوا: يا زيد قم قد أذن لك محمد فانطلق معنا.
قال: هيهات هيهات، ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، ولا أوثر عليه والداً ولا ولداً، فأداروه وألاصوه واستعطفوه وذكروا وجد من وراءهم به، فأبى وحلف أن لا يصحبهم، فقال حارثة: يا بني أما أنا فإني مؤنسك بنفسي، فآمن حارثة وأبى الباقون، فرجعوا إلى البرية، ثم إن أخاه جبلة رجع فآمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأول لواء عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشام لزيد، وأول شهيد كان بمؤتة زيد وثانيه جعفر الطيار، وآخر لواء عقده بيده لأسامة على اثني عشر ألفاً من الناس فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: إلى أين يا رسول الله؟ قال: " عليك
بأبنى فصبحها صباحاً فقطع وحرق وخذ بثأر أبيك ".
واعتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة ".
فجهز إلى أن صار إلى الجرف واشتدت علة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث إلى أسامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدك، فرجع، فدخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أغمي عليه، ثم أفاق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى أسامة فأقبل فرفع يديه إلى السماء ويفرغها عليه.
قالوا: فعرفنا أنه إنما يدعو له، ثم قبض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان فيمن غسله الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب، وأسامة يصب عليه الماء، فلما دفن عليه السلام.
قال عمر لأبي بكر: ما ترى في لواء أسامة؟ قال: ما أحل عقداً عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يحل من عسكره رجل إلا أن تكون أنت يا عمر، ولولا حاجتي إلى مشورتك لما حللتك من عسكره.
يا أسامة عليك بالمياه يعني بالبوادي وكان يمر بالبوادي ينظرون إلى جيش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيثبتوا على أديانهم، إلى أن صاروا إلى عشيرته كلب فكانت تحت لوائه إلى أن قدم الشام على معاوية، فقال له معاوية: اختر لك منزلاً فاختار المزة واقتطع فيها هو وعشيرته.
وقال الشاعر أعور كلب: " من الطويل "
إذا ذكرت أرض لقوم بنعمةٍ ... فبلدة قومي تزدهي وتطيب
بها الدين والإفضال والخير والندى ... فمن ينتجعها للرشاد يصيب
ومن ينتجع أرضاً سواها فإنه ... سيندم يوماً بعدها ويخيب
تأتى لها خالي أسامة منزلاً ... وكان لخير العالمين حبيب
حبيب رسول الله وابن رديفه ... له ألفةٌ معروفة ونصيب
فأسكنها كلباً وأضحت ببلدة ... لها منزل رحب الجناب خصيب
فنصف على بر فسيح ونزهة ... ونصف على بحر أغر رطيب
ثم أن أسامة خرج إلى وادي القرى إلى ضيعة فتوفي بها، وخلف في المزة ابنة له يقال
لها: فاطمة، فلم تزل مقيمة إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز، فجاءت، فدخلت عليه، فقام من مجلسه وأقعدها فيه، وقال لها: حوائجك يا فاطمة؟ قالت: تحملني إلى أخي، فجهزها وحملها.