عَبْد الرزاق بْن همام بْن نافع أَبُو بكر مولى حمير اليماني،
سمع الثوري وابْن جريج، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين 3، ما حدث من كتابه فهو أصح.
سمع الثوري وابْن جريج، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين 3، ما حدث من كتابه فهو أصح.
عبد الرزاق بن همام بن نافع
أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الثقات المشهورين، قدم الشام تاجراً.
روى عن معمر، عن همام قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدكم من الليل، واستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فلينصرف، فليضطجع " وروى عن معمر بسنده عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه.
وروى محمد بن عبيد الصنعاني قال: دفع سفيان الثوري إلى عبد الرزاق بن همام أربعمائة درهم ليشتري له بالشام أثواباً، فلم يجد عبد الرازق ما سمى سفيان، فاشترى بردين، فلما قدم عبد الرزاق من الشام، ودخل مكة وجد مشترى لهذين الثوبين، فباعهما بسبعمائة دينار قبل أن يصير إلى سفيان، فلما صار إلى سفيان قال له سفيان: يا عبد الرازق، كأن نفسي تحدثني مع ربح كثير، فهات بضاعتي التي أمرتك. فقال له عبد الرازق: قد أغناك الله، يا أبا عبد الله، خذ سبعمائة دينار. فقال سفيان: هذا من أين؟ فقال عبد الرازق: اشتريت لك ثوبين بردٍ، وبعتها هنا بسبعمائة دينار، والذي أمرتني لم أجد، فقد أغناك الله، وخذ من حيث شئت، فقال سفيان: يا عبد الرازق، أما تعلم أن أبا الزبير حدثني عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ريح ما لم يضمن؟ رد علي رأس مالي، والباقي لك. ففعل عبد الرزاق.
ولد عبد الرزاق سنة ست وعشرين ومائة، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين. وهو مولى لقومٍ من العرب.
قال أحمد: عبد الرازق يماني من الأبناء
وروى عنه أنه قال:
جالست معمراً ما بين الثمان إلى التسع - وفي رواية أخرى: لزمت معمراً ثماني سنين. وقال: صار معمر هليلجة في فمي وقال عبد الرزاق: لما قدم علينا سفيان قال: ائتوني برجل خفيف الكتاب. قال: فأتيناه بهشام بن يوسف، فكان هو يكتب ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختمها، حتى نسخه.
وقال سلمة بن شبيب: قلت لأحمد بن حنبل: عبد الرزاق أعجب إليك أم هشام بن يوسف؟ فقال: لابل عبد الرزاق، قلت: إني سمعت عبد الرزاق يقول: كان هشام بن يوسف يكتب لنا عند الثوري ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختم الكتاب، فقال لأحمد بن حنبل: إن الرجل ربما نظر مع الرجل في الكتاب وهو أعلم بالحديث منه.
وقال يحيى بن معين: كان عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف، وكان هشام بن يوسف أثبت من عبد الرزاق في حديث ابن جريج، وكان أقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق، وكان ألم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق.
وقال أحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق. وقال: عبد الرزاق يشبه رجل أهل العراق.
وقال: كتب عبد الرزاق ثلثي العلم.
وقال يحيى بن معين: عبد الرزاق ثقة لابأس به.
وقال في حديث عبد الرزاق: " إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأس على عمر قميصاً "، هو حديث منكر، ليس يرويه أحد غير عبد الرزاق. قيل له: إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله عن عبد الله بن عمر، ثم حدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله، ولكنها كانت منكرة، وسئل أبو حاتم عن عبد الرزاق فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال معمر: يختلف إلينا في طلب العلم من أهل اليمن أربعة: رباح بن زيد، ومحمد بن ثور، وهشام بن يوسف، وعبد الرزاق بن همام، فأما رباح بن زيد فخليق أن يتكلم، تغلب عليه العبادة، فينتفع بنفسه، ولا ينتفع به الناس، وأما هشام بن يوسف فخليق أن يغلب عليه السلطان، وأما محمد بن ثور فكثير النسيان قليل الحفظ، وأما ابن همام، فإن عاش، فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل.
وقال أحمد: لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر، فسألنا عن منزل عبد الرزاق، فقيل لنا: بقريةٍ يقال لها الرمادة، فمضيت لشهوتي للقائه - وفي رواية: إلى لقائه - وتخلف يحيى بن معين، وبينها وبين صنعاء قريب حتى سألت - وفي رواية إذا سألت - عن منزله، قيل لي: هذا منزله. فلما ذهبت أدق الباب قال لي قائل تجاه داره: مه! لا تدق، فإن الشيخ مهيب - وفي رواية: مهوب - فجلست، حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج لصلاة المغرب، فوثبت إليه، وفي يدي أحاديث قد انتقيتها، فقلت له: سلام عليكم، تحدثني بهذه - رحمك الله - فإني رجل غريب. فقال لي: ومن
أنت؟ ورحب بي، فقلت: أنا أحمد بن حنبل. قال: فتقاصر، ورجع، وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟! ثم أخذ الأحاديث، فلم يزل يقرؤها حتى أشكل عليه الظلام، فقال للنقال: هلم للمصباح، حتى خرج وقت المغرب - وفي رواية: صلاة المغرب - وكان يؤخرها.
قال عبد الله: فكان أبي إذا ذكر أنه نوه باسمه عند عبد الرزاق بكى.
وقال يحيى بن معين: كنت أنا وأحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكنت أكتب الشعر والحديث، وكان أحمد يكتب الحديث وحده، فخرج إلينا يوماً عبد الرزاق وهو يقول: من السريع
كن موسراً إن شئت أو معسراً ... لابد في الدنيا من الهم
وكلما زادك من نعمةٍ ... زاد الذي زادك من غم
فقال له أحمد: كيف قلت؟ فأعاده عليه، فكتبها.
وقال محمد بن رافع: كنت مع أحمد بن حنبل، وإسحاق عند عبد الرزاق، فجاءنا يوم الفطر، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى ومعنا ناس كثير، فلما رجعنا من المصلى دعانا عبد الرزاق إلى الغداء، فجعلنا نتغدى معه، فقال عبد الرزاق لأحمد وإسحاق: رأيت اليوم منكما عجباً؛ لم تكبرا! قال أحمد وإسحاق: يا أبا بكر، نحن كنا ننظر إليك هل تكبر فنكبر، فلما رأيناك لم تكبر أمسكنا عن التكبير. قال: وأنا كنت أنظر إليكما هل تكبران، فأكبر.
وقال أبو خثيمة زهير بن حرب:
لما خرجت أنا وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين نريد عبد الرزاق، فلما وصلنا مكة كتب أصحاب الحديث إلى صنعاء، إلى عبد الرزاق: قد أتاك حفاظ الحديث، فانظر كيف يكون: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خثيمة زهير بن حرب. فلما قدمنا صنعاء غلق الباب عبد الرزاق، ولم يفتحه إلا لأحمد بن حنبل، لديانته، فدخل، فحدثه بخمسة وعشرين حديثاً، ويحيى بن معين بين البابين جالس، فلما خرج قال يحيى
لأحمد: أرني ماحدثك؟ فنظر فيها، فخطأ الشيخ في ثمانية عشر حديثاً، فلما سمع أحمد بالخطأ رجع، فأراه موضع الخطأ، وأخرج عبد الرزاق الأصول، فوجده كما قال يحيى، ففتح الباب، فقال: ادخلوا، وأخذ مفتاح بيت، فسلمه إلى أحمد بن حنبل، وقال: هذا البيت ماد خلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلمه إليكم بأمانة الله على أنكم لا تقولون مالم أقل، ولاتدخلون علي حديثاً من حديث غيري. ثم أومأ لأحمد، فقال: أنت أمين الله على نفسك وعليهم. قال: فأقاموا عنده حولاً، فلما انصرفوا بلغهم أن بالمدينة شيخاً بدوياً عنده خمسون حديثاً في صحيفة، فجاء يحيى، فأخذ الصحيفة، وجلس يكتب حديثاً من حديثه، وحديثين من حديث غيره. ثم مزجها كلها، ثم جاء ليقرأ، فكان إذا مر على الشيخ حديثه عده، فإذا مر على أذنه حديث غيره قال بيده هكذا، وأشار بيده: لا. قال: فلم يزل حتى انتقاها، فما مر عليه حرف. ثم أجال نظره في وجوه القوم، وهو يومئذ لا يعرفهم، فوقعت عيناه على أحمد بن حنبل، فقال: أما أنت فلا تستحل أن تفعل مثل هذا، ثم وقعت عينه علي - يقول زهير - فقال: أما أنت فلا تحسن أن تفعل مثل هذا. وأومأ بيده إلى يحيى بن معين، ثم رفع رجله، فصك بها صدره، فأقلبه على قفاه، فقال: لاتعد لمثل هذا! وقال عبد الرزاق: كتب عني ثلاثة لا أبالي ألا يكتب عني غيرهم؛ كتب عني ابن الشاذكوني، وهو من أحفظ الناس، وكتب عني يحيى بن معين، وهو من أعرف الناس بالرجال، وكتب عني أحمد بن حنبل وهو من أزهد الناس.
وقال ابن زهير النسائي: تشفعنا بأمرأة عبد الرزاق على عبد الرزاق، فدخلنا على عبد الرزاق، فقال: هاتوا، تشفعتم إلى بمن يتقلب على فراشي. ثم أنشأ يقول: من البسيط
ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وقال أحمد بن الحسن الخلال: أتينا في الرحلة جماعة مسافرين إلى عبد الرزاق بن همام بصنعاء، فامتنع أن
يحدثنا، فقلنا: أيها الشيخ، رق لنا، وتعطف علينا، ارحمنا. فحرك رأسه، وأنشأ يقول: من الكامل
فتركتني حتى إذا ... ما صرت أبيض كالشطن
ألقيت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
ثم قال لنا: أتدرون ما قال عمرو بن معدي كرب؟ فقلنا: وما قال؟ فقال: إنه يقول: من الوافر
إذا لم تستطع أمراً فدعه ... وجاوره إلى ما تستطيع
وقال عبد الرزاق: حججت، فصرت إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرمت الدخول إلى مالك بن أنس، فحجبني ثلاثة أيام، ثم دخلت إليه وهو جالس في فرش خز، فلما أن نظرت إليه قلت: حدثني معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في جهنم رحى تطحن جبابرة العلماء طحنا "، فقال لي: يا أبا بكر، وإنك لهو الله، وما علمت بقدومك، ولو علمت لتلقيتك. فأخرج إلي كتبه، فكتبت منها، ورحلت.
وقال عبد الرزاق: قدمت مكة، فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فمضيت، فطفت،
وتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يارب، مالي؟ أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ قال: فرجعت إلى البيت، فجاؤوني.
وقال: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف، حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنةٍ كتب عنه، فإما أن يقال: كذاب، فيبطلون علمه، وإما أن يقال: مبتدع، فيبطلون علمه، فما أقل من ينجو من ذلك.
وقال: قال لي وكيع: أنت، رجل عندك حديث، وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث فلا تقل: ليس هو عندي، ولكن قل: لا أحفظه.
قال يحيى بن معين: قال عبد الرزاق: اكتب عني ولو حديث واحد من غير كتاب، فقلت: لا، ولاحرف.
وقال أبو عبد الله: من سمع عبد الرزاق بعد ذهاب بصره فهو ضعيف السماع. أتيناه نحن قبل المائتين.
قال يحيى:
أخبرني أبو جعفر السويدي أن قوماً من الخراسانية من أصحاب الحديث جاؤوا إلى عبد الرزاق بأحاديث للقاضي هشام بن يوسف، فتلقطوا أحاديث من معمر من حديث هشام وابن ثور - قال يحيى: وكان ابن ثور هذا ثقة - فجاؤوا بها إلى عبد الرزاق، فنظر فيها، فقال: هذه بعضها سمعتها، وبعضها لا أعرفها، ولم أسمعها. قال: فلم يفارقوه حتى قرأها، ولم يقل لهم: حدثنا، ولا أخبرنا.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرزاق بن همام فيه نظر لمن كتب عنه بآخره - وفي رواية أخرى:
عبد الرزاق بن همام من لم يكتب عنه من كتاب ففيه نظر، ومن كتب عنه بآخره جاء عنه بأحاديث مناكير.
وقال الدارقطني: ثقة يخطىء على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب وقال أبو عبد الله: حديث زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: " ائتدموا بالزيت " هو عندنا مرسل. عبد الرزاق حدثناه.
وقال أبوعبد الله في حديث أبي هريرة: حديث عبد الرزاق، يحدث به: " النار جبار "، ليس بشيء، لم يكن في الكتب، باطل، ليس بصحيح.
قال أحمد بن محمد بن أبي هانىء: قلت لأبي عبد الله: سمعت الحلواني يحدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، عن أبي مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "، فعجب منه. قيل له: وعن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينا، عن ابن عباس، في اليمين مع الشاهد، قال: لم أسمعه.
قلت لأبي عبد الله: سمعت رجلاً حدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،
عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما زوج علياً فاطمةً كلاماً عجباً، فسمعته منه؟ قال: لا، ماأعرف هذا.
وقيل لأبي عبد الله: فحديث أنس بن مالك: " دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وابن رواحة آخذ بغرزة ". فقال: وهذا أيضاً، قيل: ياأبا عبد الله، ليس له أصل؟ قال: ما أدري كيف أقول لك، فأنكره.
وقال عبد الرزاق لعلي بن المديني حيث ودعه: إذا ورد حديث عني لا تعرفه، فلا تنكره، فإنه ريما لم أحدث به.
وحكم يحيى بن جعفر البيكندي قال: كنت مرجئاً، فخرجت إلى الحج، فدخلت الكوفة، فسألت وكيع بن الجراح عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه، ثم دخلت مكة، فسألت سفيان بن عيينة عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه. ثم دخلت اليمن، وجلست في مجلس عبد الرزاق، فلم أسأله عنه، فأخبر بمذهبي، فلما جلس أصحابي قال لي: ياخراساني، والله لو علمت أنك على هذا المذهب ما حدثتك، اخرج عني. قال: فقلت في نفسي: صدق عبد الرزاق، لقيت وكيع بن الجراح، فقال: الإيمان قول وعمل، ولقيت سفيان بن عيينة، فقال: الإيمان قول وعمل، فرجعت عن مذهبي، وكتبت عنهما بعد رجوعي من اليمن.
وقال عبد الرزاق: قال لي إبراهيم بن يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيراً. قال: قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم، قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وأن الدين ليس لمن غلب.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي قلت: عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع، فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئاً، ولكن كان رجلاً تعجبه أخبار الناس، والإخبار عنه.
وقال يحيى بن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوماً فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب، فقلت له: إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات كلهم أصحاب سنة: معمر، ومالك بن أنس، وابن جريج، وسفيان، والأوزاعي، فعمن أخذت هذه المذاهب؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً، حسن الهدي، فأخذت هذا عنه.
وقال مخلد الشعيري: كنا عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال: لا تقذروا مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان " قال أبو الأزهر: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي إزراء أن أحب علياً، ثم أخالف قوله.
وقال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن همام أصناف، وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم، وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات. وأما في باب الصدق فإني أرجو أنه لابأس به إلا أنه سيق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير.
قال سلمة بن شبيب: أقمت على عبد الرزاق بصنعاء أربعين سنة "، فلما أردت الرجوع إلى نيسابور دنوت منه وهو خارج من منزله، فسلمت عليه، وقلت: كيف أصبح الشيخ؟ فقال: بخير منذ لم أر وجهك؛ ثم قال: لعن الله صنعة لا تروج إلا بعد ثمانين سنة.
أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الثقات المشهورين، قدم الشام تاجراً.
روى عن معمر، عن همام قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدكم من الليل، واستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فلينصرف، فليضطجع " وروى عن معمر بسنده عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه.
وروى محمد بن عبيد الصنعاني قال: دفع سفيان الثوري إلى عبد الرزاق بن همام أربعمائة درهم ليشتري له بالشام أثواباً، فلم يجد عبد الرازق ما سمى سفيان، فاشترى بردين، فلما قدم عبد الرزاق من الشام، ودخل مكة وجد مشترى لهذين الثوبين، فباعهما بسبعمائة دينار قبل أن يصير إلى سفيان، فلما صار إلى سفيان قال له سفيان: يا عبد الرازق، كأن نفسي تحدثني مع ربح كثير، فهات بضاعتي التي أمرتك. فقال له عبد الرازق: قد أغناك الله، يا أبا عبد الله، خذ سبعمائة دينار. فقال سفيان: هذا من أين؟ فقال عبد الرازق: اشتريت لك ثوبين بردٍ، وبعتها هنا بسبعمائة دينار، والذي أمرتني لم أجد، فقد أغناك الله، وخذ من حيث شئت، فقال سفيان: يا عبد الرازق، أما تعلم أن أبا الزبير حدثني عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ريح ما لم يضمن؟ رد علي رأس مالي، والباقي لك. ففعل عبد الرزاق.
ولد عبد الرزاق سنة ست وعشرين ومائة، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين. وهو مولى لقومٍ من العرب.
قال أحمد: عبد الرازق يماني من الأبناء
وروى عنه أنه قال:
جالست معمراً ما بين الثمان إلى التسع - وفي رواية أخرى: لزمت معمراً ثماني سنين. وقال: صار معمر هليلجة في فمي وقال عبد الرزاق: لما قدم علينا سفيان قال: ائتوني برجل خفيف الكتاب. قال: فأتيناه بهشام بن يوسف، فكان هو يكتب ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختمها، حتى نسخه.
وقال سلمة بن شبيب: قلت لأحمد بن حنبل: عبد الرزاق أعجب إليك أم هشام بن يوسف؟ فقال: لابل عبد الرزاق، قلت: إني سمعت عبد الرزاق يقول: كان هشام بن يوسف يكتب لنا عند الثوري ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختم الكتاب، فقال لأحمد بن حنبل: إن الرجل ربما نظر مع الرجل في الكتاب وهو أعلم بالحديث منه.
وقال يحيى بن معين: كان عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف، وكان هشام بن يوسف أثبت من عبد الرزاق في حديث ابن جريج، وكان أقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق، وكان ألم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق.
وقال أحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق. وقال: عبد الرزاق يشبه رجل أهل العراق.
وقال: كتب عبد الرزاق ثلثي العلم.
وقال يحيى بن معين: عبد الرزاق ثقة لابأس به.
وقال في حديث عبد الرزاق: " إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأس على عمر قميصاً "، هو حديث منكر، ليس يرويه أحد غير عبد الرزاق. قيل له: إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله عن عبد الله بن عمر، ثم حدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله، ولكنها كانت منكرة، وسئل أبو حاتم عن عبد الرزاق فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال معمر: يختلف إلينا في طلب العلم من أهل اليمن أربعة: رباح بن زيد، ومحمد بن ثور، وهشام بن يوسف، وعبد الرزاق بن همام، فأما رباح بن زيد فخليق أن يتكلم، تغلب عليه العبادة، فينتفع بنفسه، ولا ينتفع به الناس، وأما هشام بن يوسف فخليق أن يغلب عليه السلطان، وأما محمد بن ثور فكثير النسيان قليل الحفظ، وأما ابن همام، فإن عاش، فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل.
وقال أحمد: لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر، فسألنا عن منزل عبد الرزاق، فقيل لنا: بقريةٍ يقال لها الرمادة، فمضيت لشهوتي للقائه - وفي رواية: إلى لقائه - وتخلف يحيى بن معين، وبينها وبين صنعاء قريب حتى سألت - وفي رواية إذا سألت - عن منزله، قيل لي: هذا منزله. فلما ذهبت أدق الباب قال لي قائل تجاه داره: مه! لا تدق، فإن الشيخ مهيب - وفي رواية: مهوب - فجلست، حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج لصلاة المغرب، فوثبت إليه، وفي يدي أحاديث قد انتقيتها، فقلت له: سلام عليكم، تحدثني بهذه - رحمك الله - فإني رجل غريب. فقال لي: ومن
أنت؟ ورحب بي، فقلت: أنا أحمد بن حنبل. قال: فتقاصر، ورجع، وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟! ثم أخذ الأحاديث، فلم يزل يقرؤها حتى أشكل عليه الظلام، فقال للنقال: هلم للمصباح، حتى خرج وقت المغرب - وفي رواية: صلاة المغرب - وكان يؤخرها.
قال عبد الله: فكان أبي إذا ذكر أنه نوه باسمه عند عبد الرزاق بكى.
وقال يحيى بن معين: كنت أنا وأحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكنت أكتب الشعر والحديث، وكان أحمد يكتب الحديث وحده، فخرج إلينا يوماً عبد الرزاق وهو يقول: من السريع
كن موسراً إن شئت أو معسراً ... لابد في الدنيا من الهم
وكلما زادك من نعمةٍ ... زاد الذي زادك من غم
فقال له أحمد: كيف قلت؟ فأعاده عليه، فكتبها.
وقال محمد بن رافع: كنت مع أحمد بن حنبل، وإسحاق عند عبد الرزاق، فجاءنا يوم الفطر، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى ومعنا ناس كثير، فلما رجعنا من المصلى دعانا عبد الرزاق إلى الغداء، فجعلنا نتغدى معه، فقال عبد الرزاق لأحمد وإسحاق: رأيت اليوم منكما عجباً؛ لم تكبرا! قال أحمد وإسحاق: يا أبا بكر، نحن كنا ننظر إليك هل تكبر فنكبر، فلما رأيناك لم تكبر أمسكنا عن التكبير. قال: وأنا كنت أنظر إليكما هل تكبران، فأكبر.
وقال أبو خثيمة زهير بن حرب:
لما خرجت أنا وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين نريد عبد الرزاق، فلما وصلنا مكة كتب أصحاب الحديث إلى صنعاء، إلى عبد الرزاق: قد أتاك حفاظ الحديث، فانظر كيف يكون: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خثيمة زهير بن حرب. فلما قدمنا صنعاء غلق الباب عبد الرزاق، ولم يفتحه إلا لأحمد بن حنبل، لديانته، فدخل، فحدثه بخمسة وعشرين حديثاً، ويحيى بن معين بين البابين جالس، فلما خرج قال يحيى
لأحمد: أرني ماحدثك؟ فنظر فيها، فخطأ الشيخ في ثمانية عشر حديثاً، فلما سمع أحمد بالخطأ رجع، فأراه موضع الخطأ، وأخرج عبد الرزاق الأصول، فوجده كما قال يحيى، ففتح الباب، فقال: ادخلوا، وأخذ مفتاح بيت، فسلمه إلى أحمد بن حنبل، وقال: هذا البيت ماد خلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلمه إليكم بأمانة الله على أنكم لا تقولون مالم أقل، ولاتدخلون علي حديثاً من حديث غيري. ثم أومأ لأحمد، فقال: أنت أمين الله على نفسك وعليهم. قال: فأقاموا عنده حولاً، فلما انصرفوا بلغهم أن بالمدينة شيخاً بدوياً عنده خمسون حديثاً في صحيفة، فجاء يحيى، فأخذ الصحيفة، وجلس يكتب حديثاً من حديثه، وحديثين من حديث غيره. ثم مزجها كلها، ثم جاء ليقرأ، فكان إذا مر على الشيخ حديثه عده، فإذا مر على أذنه حديث غيره قال بيده هكذا، وأشار بيده: لا. قال: فلم يزل حتى انتقاها، فما مر عليه حرف. ثم أجال نظره في وجوه القوم، وهو يومئذ لا يعرفهم، فوقعت عيناه على أحمد بن حنبل، فقال: أما أنت فلا تستحل أن تفعل مثل هذا، ثم وقعت عينه علي - يقول زهير - فقال: أما أنت فلا تحسن أن تفعل مثل هذا. وأومأ بيده إلى يحيى بن معين، ثم رفع رجله، فصك بها صدره، فأقلبه على قفاه، فقال: لاتعد لمثل هذا! وقال عبد الرزاق: كتب عني ثلاثة لا أبالي ألا يكتب عني غيرهم؛ كتب عني ابن الشاذكوني، وهو من أحفظ الناس، وكتب عني يحيى بن معين، وهو من أعرف الناس بالرجال، وكتب عني أحمد بن حنبل وهو من أزهد الناس.
وقال ابن زهير النسائي: تشفعنا بأمرأة عبد الرزاق على عبد الرزاق، فدخلنا على عبد الرزاق، فقال: هاتوا، تشفعتم إلى بمن يتقلب على فراشي. ثم أنشأ يقول: من البسيط
ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وقال أحمد بن الحسن الخلال: أتينا في الرحلة جماعة مسافرين إلى عبد الرزاق بن همام بصنعاء، فامتنع أن
يحدثنا، فقلنا: أيها الشيخ، رق لنا، وتعطف علينا، ارحمنا. فحرك رأسه، وأنشأ يقول: من الكامل
فتركتني حتى إذا ... ما صرت أبيض كالشطن
ألقيت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
ثم قال لنا: أتدرون ما قال عمرو بن معدي كرب؟ فقلنا: وما قال؟ فقال: إنه يقول: من الوافر
إذا لم تستطع أمراً فدعه ... وجاوره إلى ما تستطيع
وقال عبد الرزاق: حججت، فصرت إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرمت الدخول إلى مالك بن أنس، فحجبني ثلاثة أيام، ثم دخلت إليه وهو جالس في فرش خز، فلما أن نظرت إليه قلت: حدثني معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في جهنم رحى تطحن جبابرة العلماء طحنا "، فقال لي: يا أبا بكر، وإنك لهو الله، وما علمت بقدومك، ولو علمت لتلقيتك. فأخرج إلي كتبه، فكتبت منها، ورحلت.
وقال عبد الرزاق: قدمت مكة، فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فمضيت، فطفت،
وتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يارب، مالي؟ أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ قال: فرجعت إلى البيت، فجاؤوني.
وقال: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف، حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنةٍ كتب عنه، فإما أن يقال: كذاب، فيبطلون علمه، وإما أن يقال: مبتدع، فيبطلون علمه، فما أقل من ينجو من ذلك.
وقال: قال لي وكيع: أنت، رجل عندك حديث، وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث فلا تقل: ليس هو عندي، ولكن قل: لا أحفظه.
قال يحيى بن معين: قال عبد الرزاق: اكتب عني ولو حديث واحد من غير كتاب، فقلت: لا، ولاحرف.
وقال أبو عبد الله: من سمع عبد الرزاق بعد ذهاب بصره فهو ضعيف السماع. أتيناه نحن قبل المائتين.
قال يحيى:
أخبرني أبو جعفر السويدي أن قوماً من الخراسانية من أصحاب الحديث جاؤوا إلى عبد الرزاق بأحاديث للقاضي هشام بن يوسف، فتلقطوا أحاديث من معمر من حديث هشام وابن ثور - قال يحيى: وكان ابن ثور هذا ثقة - فجاؤوا بها إلى عبد الرزاق، فنظر فيها، فقال: هذه بعضها سمعتها، وبعضها لا أعرفها، ولم أسمعها. قال: فلم يفارقوه حتى قرأها، ولم يقل لهم: حدثنا، ولا أخبرنا.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرزاق بن همام فيه نظر لمن كتب عنه بآخره - وفي رواية أخرى:
عبد الرزاق بن همام من لم يكتب عنه من كتاب ففيه نظر، ومن كتب عنه بآخره جاء عنه بأحاديث مناكير.
وقال الدارقطني: ثقة يخطىء على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب وقال أبو عبد الله: حديث زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: " ائتدموا بالزيت " هو عندنا مرسل. عبد الرزاق حدثناه.
وقال أبوعبد الله في حديث أبي هريرة: حديث عبد الرزاق، يحدث به: " النار جبار "، ليس بشيء، لم يكن في الكتب، باطل، ليس بصحيح.
قال أحمد بن محمد بن أبي هانىء: قلت لأبي عبد الله: سمعت الحلواني يحدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، عن أبي مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "، فعجب منه. قيل له: وعن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينا، عن ابن عباس، في اليمين مع الشاهد، قال: لم أسمعه.
قلت لأبي عبد الله: سمعت رجلاً حدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،
عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما زوج علياً فاطمةً كلاماً عجباً، فسمعته منه؟ قال: لا، ماأعرف هذا.
وقيل لأبي عبد الله: فحديث أنس بن مالك: " دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وابن رواحة آخذ بغرزة ". فقال: وهذا أيضاً، قيل: ياأبا عبد الله، ليس له أصل؟ قال: ما أدري كيف أقول لك، فأنكره.
وقال عبد الرزاق لعلي بن المديني حيث ودعه: إذا ورد حديث عني لا تعرفه، فلا تنكره، فإنه ريما لم أحدث به.
وحكم يحيى بن جعفر البيكندي قال: كنت مرجئاً، فخرجت إلى الحج، فدخلت الكوفة، فسألت وكيع بن الجراح عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه، ثم دخلت مكة، فسألت سفيان بن عيينة عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه. ثم دخلت اليمن، وجلست في مجلس عبد الرزاق، فلم أسأله عنه، فأخبر بمذهبي، فلما جلس أصحابي قال لي: ياخراساني، والله لو علمت أنك على هذا المذهب ما حدثتك، اخرج عني. قال: فقلت في نفسي: صدق عبد الرزاق، لقيت وكيع بن الجراح، فقال: الإيمان قول وعمل، ولقيت سفيان بن عيينة، فقال: الإيمان قول وعمل، فرجعت عن مذهبي، وكتبت عنهما بعد رجوعي من اليمن.
وقال عبد الرزاق: قال لي إبراهيم بن يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيراً. قال: قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم، قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وأن الدين ليس لمن غلب.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي قلت: عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع، فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئاً، ولكن كان رجلاً تعجبه أخبار الناس، والإخبار عنه.
وقال يحيى بن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوماً فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب، فقلت له: إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات كلهم أصحاب سنة: معمر، ومالك بن أنس، وابن جريج، وسفيان، والأوزاعي، فعمن أخذت هذه المذاهب؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً، حسن الهدي، فأخذت هذا عنه.
وقال مخلد الشعيري: كنا عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال: لا تقذروا مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان " قال أبو الأزهر: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي إزراء أن أحب علياً، ثم أخالف قوله.
وقال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن همام أصناف، وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم، وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات. وأما في باب الصدق فإني أرجو أنه لابأس به إلا أنه سيق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير.
قال سلمة بن شبيب: أقمت على عبد الرزاق بصنعاء أربعين سنة "، فلما أردت الرجوع إلى نيسابور دنوت منه وهو خارج من منزله، فسلمت عليه، وقلت: كيف أصبح الشيخ؟ فقال: بخير منذ لم أر وجهك؛ ثم قال: لعن الله صنعة لا تروج إلا بعد ثمانين سنة.