Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154451&book=5549#dd6d6c
واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل
أبو الخطاب، ويقال: أبو الأسقع، ويقال: أبو شداد ويقال: أبو قرصافة الليثي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل الصفة.
شهد فتح دمشق، وسكنها إلى أن توفي بها.
حدث وائلة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ".
قال واثلة: لما نزل خالد بن الوليد مرج الصفر ركبت فرسي حتى انتهيت إلى باب الجابية، فخرجت خيل عظيمة، فأمهلتها حتى إذا كانت بيني وبين دير ابن أبي أوفى حملت عليهم من خلفهم، وكررت، فظنوا أنهم قد أحيط بمدينتهم، فانصرفوا راجعين، وشددت على عظيمهم، فدعسته بالرمح، فوقع، فضربت يدي إلى برذونه، فأخذت بلجامه، فركضت. فلما رأوني وحدي أقبلوا علي، فالتفت فإذا رجل قد بدر بين أيديهم، فرميت بالعنان على قربوس السرج، ثم عطفت عليه، فدعسته بالرمح، فقتلته، ثم عدت إلى البرذون، فاتبعوني، ثم كتلك حتى واليت بين ثلاثة، فلما رأوا ما أصنع انطلقوا راجعين.
وأتيت الصفر، ثم أتيت خالد بن الوليد، فذكرت له ما صنعت، وعنده عظيم الروم قد خرج إليه يلتمس منه الأمان لأهل المدينة، فقال له خالد: هل علمت أن الله قتل فلاناً؟ يعني خليفته، فقال بالرومية: مثانوس، يعني: معاذ الله.
فأقبل واثلة إليه بالبرذون، فلما رآه عظيم الروم عرفه، فقال: أتبيع السرج؟ قال: نعم، قال: لك عشرة آلاف، فقال خالد لواثلة: بعه، فقال واثلة لخالد: بعه أنت أيها الأمير، فباعه وسلم لي سلبه كله، ولم يأخذ منه شيئاً.
وفي آخر بمعناه: أتيت البيت، فربطت البرذون، ونزعت عنه سرجه، ثم أتيت خالداً. وفيه: أنه باعه البرذون وسرجه بعشرة آلاف.
فلما جئت إلى منزلي إذا النساء قد أتين امرأتي فقلن لها: احذينا مما أصاب زوجك، قالت: هذا السرج، دونكن إياه. فجعلن يقلعن الفصوص بأسنانهن، فقلت: ما صنعتن؟ الخرزة خير من إحداكن.
فلما أتيت بالبرذون والسرج قال: إنما أغليت لمكان السرج، فأما إذ ذهبت فصوصه فلا حاجة لي به، فسلم خالد السلب كله لي.
وعن واثلة قال: لما أسلمت أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت على يديه، فقال لي: " اذهب فاحلق عنك شعر الكفر واغتسل بماء وسدر ".
قالوا: وأقبل واثلة بن الأسقع، وكان ينزل ناحية المدينة حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى الصبح معه، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الصبح انصرف فتصفح وجوه أصحابه ينظر إليهم، فلما دنا من واثلة أنكره، فقال: من أنت؟ فأخبره، فقال: ما جاء بك؟ قال:
أبايع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على ما أحببت وكرهت؟ قال واثلة: نعم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيما أطقت؟ فقال واثلة: نعم. فبايعه.
وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ يجهز إلى تبوك.
فخرج الرجل إلى أهله، فلقي أباه الأسقع، فلما رأى حاله قال: قد فعلتها؟ قال واثلة: نعم، قال أبوه: والله، لا أكلمك أبداً.
فأتى عمه وهو مول ظهره إلى الشمس، فسلم عليه فقال: قد فعلتها؟ قال: نعم، ولامه لائمة أيسر من لائمة أبيه، وقال: لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر.
فسمعت أخت واثلة كلامه، فخرجت إليه، فسلمت عليه بتحية الإسلام، قال واثلة: أنى لك هذا يا أخية؟ قالت: سمعت كلامك وكلام عمك. وكان واثلة ذكر الإسلام، ووصفه لعمه، فأعجب أخته الإسلام، فأسلمت، فقال واثلة: لقد أراد الله بك يا أخية خيراً، جهزي أخاك جهاز غادٍ؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جناح السفر.
فأعطته مداً من دقيق، فعجن الدقيق في الدلو، وأعطته تمراً، فأخذه، فأقبل إلى المدينة، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تحمل إلى تبوك، وبقي غرات من الناس، وهم على الشخوص، وإنما رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك بيومين، فجعل ينادي بسوق قينقاع: من يحملني وله سهمي؟ قال: وكنت رجلاً لا رحلة بي، فدعاني كعب بن عجرة، فقال: أنا أحملك عقبةً بالليل، ويدك أسوة يدي، ولي سهمك، قال واثلة: نعم.
فقال واثلة بعد ذلك: جزاه الله خيراً، لقد كان يحملني عقبتي ويزيدني، وآكل معه، ويرفع لي حتى إذا بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد إلى أكيدر الكندي بدومة الجندل، خرج كعب بن عجرة في جيش خالد، وخرجت معه، فأصبنا فيئاً كثيراً، فقسمه خالد بيننا، فأصابني ست قلائص، فأقبلت أسوقها حتى جئت بها إلى جن كعب بن عجرة، فقلت: اخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك، فاقسمها.
فخرج إلي وهو يبتسم ويقول: بارك الله لك فيها، ما حملتك وأنا أريد أن آخذ منك شيئاً.
وفي رواية: ما حملتك إلا لله.
قال واثلة بن الأسقع: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في نفر من أصحابه يحدثهم، فجلست وسط الحلقة، فقال بعضهم: يا واثلة، قم عن هذا المجلس، فإنا قد نهينا عنه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا واثلة، فإني أعلم ما الذي أخرجه من منزله، قلت: يا رسول الله، وما الذي أخرجني؟ قال: خرجت من منزلك تسأل عن اليقين والشك، قلت: والذي بعثك بالحق، ما أخرجني غيره.
قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن البر ما استقر في الصدر واطمأن إليه القلب، والشك ما لم يستقر في الصدر ولم يطمئن إليه القلب، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون ".
وعن واثلة قال:
رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمسجد الخيف، فقال لي أصحابه: إليك يا واثلة، أي تنح عن وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوه، فإنما جاء يسأل. قال: فدنوت، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لتفتنا عن أمر نأخذه عنك من بعدك، قال: لتفتك نفسك، قال: وكيف لي بذلك؟ قال: " تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون "، قلت: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال: " تضع يدك على فؤادك، فإن القلب يسكن للحلال ولا يسكن للحرام، وإن الورع المسلم يدع الصغير مخافة أن يقع في الكبير "، قلت: - بأبي أنت وأمي - ما العصبية؟ قال: " الذي يعين قومه على الظلم ". قلت: فمن الحريص: قال: " الذي يطلب المكسبة من غير حلها ". قلت: فمن الورع؟ قال: " الذي يقف عند الشبهة ". قلت: فمن المؤمن؟ قال: " من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم ".
قلت: فمن المسلم؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده ". قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: " كلمة حكم عند إمام جائر ".
وعن واثلة بن الأسقع قال: كنا أصحاب الصفة، وما منا رجل له ثوب تام، ولقد اتخذ العرق في جلودنا طرقاً من الغبار، إذ أقبل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم فقال: " ليبشر فقراء المهاجرين، ليبشر فقراء المهاجرين "، إذ جاء رجل عليه شارة حسنة ما أدري من رأيت رجلاً أمثل في عيني منه، فقرأ على نبي الله السلام، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتكلم بكلام إلا غلبته نفسه أن يأتي بكلام يعلو به كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أدبر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يحب هذا وضربه، يلوون ألسنتهم للناس لي البقرة لسانها بالرعي، كذلك يلوي الله ألسنتهم ووجوههم في جهنم ".
قال واثلة بن الأسقع: جئت أريد علياً فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه، فاجلس، قال: فجاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخلا، ودخلت معهما، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسناً وحسيناً، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه وأنا منتبذ، فقال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ".
" اللهم هؤلاء أهلي، اللهم أهلي أحق ".
قال واثلة: قلت: يا رسول الله، وأنا من أهلك، قال: وأنت من أهلي. قال: واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو.
قال يونس بن ميسرة: قلت لواثلة بن الأسقع أيام الطاعون الجارف: كيف أنت؟ قال: بخير يا بن أخي. قلت: جعلك الله بخير، قال: أما إني فعل الله ذلك بي، لقد هداني لدينه، واجتباني إلى رسوله.
قال مكحول: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع، فقلنا: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه وهم، ولا تزيد ولا نسيان، فقال: هل قرأتم من القرآن الليلة شيئاً؟ قال: فقلنا: نعم، قال: فهل زدتم واواً أو ألفاً أو مثلها؟ قال: فقلنا: ما نحن له بحافظين جداً، إنا لنزيد الواو والألف وننقص، قال: فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألون حفظه وأنتم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسى ألا نكون سمعناها منه إلا مرة واحدة، حسبكم إذا جئناكم بالحديث على معناه.
وفي حديث آخر بمعناه: إنا كنا قد أمسكنا عن الأحاديث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سمعناه يقول: " إنه لا بأس بالحديث قدمت فيه أو أخرت إذا أصبت معناه ".
توفي واثلة بن الأسقع سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مئة وخمس سنين.
وقيل: توفي سنة خمس وثمانين وهو ابن ثمان وتسعين سنة، اغتيل ما بين حمص ودمشق، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدمشق.
وكان آخرهم موتاً بمكة عبد الله بن عمر.
وكان آخرهم موتاً بالمدينة جابر بن عبد الله.
وكان آخرهم موتاً بمصر سهل بن سعد بن ساعدة.
وكان آخرهم موتاً بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى.
وكان آخرهم موتاً بالبصرة أنس بن مالك.
وكان آخر من مات بحمص عبد الله بن بسر.