عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر
أبو مسهر الغساني الفقيه يعرف بابن أبي درامة شيخ الشام في وقته.
حدث عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة، مولاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: ائتوه، فصلوا فيه، قالت: وكيف الروم إذ ذاك فيه؟ قال: فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج في قناديله.
وحدث عن هيثم بن حميد بسنده إلى أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مس فرجه فليوضأ.
قال العلاء: قال مكحول: من مسه متعمداً.
ولد أبو مسهر سنة أربعين ومئة.
قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين - وذكر أبا مسهر - فقال: كان يبغض الموالي، وقال لي يوماً: عندك حديث في الموالي في عيبهم؟ قلت ليحيى: فمن كان أبو مسهرٍ؟ قال: كان عربياً غسانياً.
كان عبد الأعلى راوية لسعيد بن عبد العزيز التنوخي وغيره من الشاميين وكان أشخص من دمشق إلى عبد الله بن هارون وهو بالرقة، فسأله عن القرآن فقال: هو كلام الله، وأبى أن يقول مخلوق، فدعا له بالسيف والنطع ليضرب عنقه. فلما رأى ذلك قال: مخلوق، فتركه من القتل، وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو لك بالسياف لقبلت منك، ورددتك إلى بلادك وأهلك، ولكنك تخرج الآن فتقول: قلت ذلك فرقاً من القتل أشخصوه إلى بغداد، فاحبسوه بها حتى يموت، فأشخص من الرقة إلى بغداد في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومئتين، فحبس، فلم يلبث في الحبس إلا يسيراً حتى
مات في غرة رجب سنة ثمان عشرة ومئتين، فاخرج ليدفن فشهده قوم كثير من أهل بغداد، رحمه الله تعالى.
قال أبو زرعة: سمعت محمد بن عثمان التنوخي يقول، وقد جئنا إليه: من أين جئتم؟ فقلنا: من عند أبي مسهر قال: تركتم أبا مسهر وجئتموني، ما بالشام مثل أبي مسهر.
وقال يحيى بن معين: ما رأيت منذ خرجت من بلادي أحداً أشبه بالمشيخة الذين أدركتهم من ابي مسهر، والذي يحدث وفي البلاد أولى بالتحديث منه فهو أحمق.
قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق ذكروا له أبا مسهر الدمشقي، ووصفوه بالعلم والفقه، فوجه من جاءه به. فلما دخل إليه قال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال الله عز وجل " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " قال: أمخلوق أوغير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: يقول أمير المؤمنين: إنه مخلوق، قال: يخبر عن رسول الله أو عن الصحابة أو عن التابعين أو عن أحد من الفقهاء؟ قال: بالنظر، واحتج عليه، قال له: يا أمير المؤمنين، نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم، والقرآنكلام الله غير مخلوق، قال: يا شيخ، أخبرني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل اختتن؟ قال: لا أدري، وما سمعت في هذا شيئاً، قال: فأخبرني عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكان يشهد إذا تزوج أو زوج؟ قال: ولا أدري. قال اخرج قبحك الله، وقبح من قلدك دينه، وجعلك قدوة.
خرج السفياني المعروف بأبي العميطر وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وأمه نفيسة بنة عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، فولى القضاء بدمشق عبد الأعلى بن مسهر الغساني كرهاً، ثم تنحى أبو مسهر عن القضاء لما خلع على بن عبد الله، فلم يل القضاء أحد بدمشق بعد ذلك حتى قدم المأمون.
قال المأمون لأبي مسهر: والله لأحبسنك في أقصى عملي أو تقول: القرآن مخلوق، تريد تعمل للسفياني! فقال أبو مسهر: يا أمير المؤمنين، القرآن كلام الله غير مخلوق.
قال أبو داود سليمان بن الأشعث - وقيل له: إن أبا مسهر كان متكبراً في نفسه فقال: كان من ثقات الناس، ورحم الله أبا مسهر، لقد كان من الإسلام بمكان، حمل على المحنة فأبى، وحمل على السيف، فمد رأسه، وجرد السيف فأبى أن يجيب. فلما رأوا ذلك منه حمل إلى السجن، فمات.
قال علي بن عثمان النفيلي: كنا بدمشق على باب أبي مسهر عبد الأعلى جماعةً من أصحاب الحديث نسمع منه، فمرض أبو مسهر أياماً، ثم دخلنا عليه نعوده، فقلنا له: إيش خبرك يا أبا مسهر؟ كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والحمد الله في عافية، راضياً عن الله، ساخطاً على ذي القرنين حيث لم يجعل السد بيننا وبين أهل العراق كما جعل بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج، قال: فما كان بعد هذا إلا يسيراً حتى وافى المأمون دمشق، ونزل سفح جبل دير المران وبني القبيبة التي فوق الجبل، فكان يأمر بالليل بجمر عظيم، فيوقد ويجعل في طسوس كبار، وتدلى من فوق الجبل من عند القبيبة بالسلاسل والحبال، فتضيء له الغوطة، فيبصرها بالليل.
قال: وكان أبو مسهر له حلقة في مسجد دمشق بين العشاء والعتمة عند حائط الشرقي، قال: فبينا أبو مسهر ليلة من الليالي جالس في مجلسه إذا قد دخل المسجد ضوء عظيم، فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: هذه النار التي توقد لأمير المؤمنين من الجبل حتى تضيء له الغوطة، فقال أبو مسهر: " أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " وكان في حلقة أبي مسهر صاحب خبرٍ للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون، فحقدها عليه، وكان قد بلغه أنه كان على قضاء أبي العميطر.
فلما أن رحل المأمون من دمشق أمر أن يحمل أبو مسهر إليه، فحمل وامتحنه بالرقة في القرآن، وأحدر إلى بغداد، فكان آخر العهد به.
قال هاشم: كنت كثيراً ما أسمع أبا مسهر يقول: الهزج
كما أضحك الدهر ... كذاك الدهر يبكيكا
قال: فما مضت الأيام حتى حمل في الامتحان، وهو يبكي ويقول: مأسور والله.
حدث محمود بن خالد أنه ودع أبا مسهر محمولاً إلى المأمون، قال: فسمعته يقول: وما هو إلا القتل أو الكفر.
قال عبد الرحمن: فأدخل على المأمون، فامتحنه في القرآن، فالتوى أبو مسهر بين يديه، لم يلقه بالذي يستحل بها دمه، ولم يلقه بإعطاء ما يوجب عليه الكفر، فقال له المأمون؛ أعلي تلغز؟! علي بالسيف، فلما أحضر ارتعد الشيخ وقاربه فيما أراد منه، فأمر به فأحدرإلى العراق، وأكرمه إسحاق بن إبراهيم أمير بغداد. وتكلم أبو مسهر بالعراق بشيء حمده أهل الحديث، ثم مات بها محموداً مشكوراً.
وقيل: إن أبا مسهر أدخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح بين يديه، فأوقف أبو مسهر بين يديه في تلك الحال فامتحنه، فلم يجبه، فأمر به، فوضع في النطع ليضرب رقبته، فأجاب - يعني إلى خلق القرآن - وهو في النطع. ثم بعد أن أخرج من النطع رجع عن قوله ثم أعيد إلى النطع. فلما صار في النطع أجاب، فأمر به أن يوجه إلى بغداد. الحديث.
وقيل: إن أبا مسهر أقيم ببغداد بباب إسحاق بن إبراهيم ليقول قولاً يبرئ فيه نفسه عن المحنة ويقي المكروه، فقيل: إنه قال في ذلك الموقف؛ جزى الله أمير المؤمنين خيراً، علمنا مالم نكن نعلم، وعلم علماً لم يعلمه من كان قبله، وقال: قل: القرآن مخلوق، وإلا
ضربت رقبتك، ألا فهو مخلوق، وهو مخلوق، قال: فازديد بمقالة أبي مسهر عجباً، وارجو أن تكون له نجاة.
كان أبو مسهر يقول: عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره.
قال أبو زرعة: سئل أبو مسهر عن الرجل يغلط، وبهم ويصحف، فقال: بين أمره، فقلت لأبي مسهر: أترى ذلك من الغيبة؟ قال: لا. قال: ورأيت أبا مسهر يفعل ذلك فيما حمل عن سعيد بن عبد العزيز، ورأيته يكره الرجل أن يحدث إلا أن يكون عالماً بما يحدث، ضابطاً يعني: إذا خفي عليه بعض الحديث واستفهم من غيره فينبغي له أن يبين.
ومن شعر أبي مسهر: الخفيف
هبك عمرت مثل ما عاش نوح ... ثم لاقيت كل ذاك يسارا
هل من الموت لا أبا لك بد ... أي حي إلى سوى الموت صارا؟
ومن شعره: الطويل
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنه ... متاع قليل والزوال قريب
ومن شعره: المنسرح
أفٍ لدنيا ليست تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني
عيني لحيني نذير مقلتها ... تريد ما ساءها لترديني
ومن شعره: الوافر
فلا بعدي يغير حال ودي ... عن العهد القديم ولا اقترابي
ولا عند الرخاء بطرت يوماً ... ولا في فاقتي دنست ثيابي
كماء المزن بالعسل المصفى ... أكون وتارة سلعاً بصاب
أبو مسهر الغساني الفقيه يعرف بابن أبي درامة شيخ الشام في وقته.
حدث عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة، مولاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: ائتوه، فصلوا فيه، قالت: وكيف الروم إذ ذاك فيه؟ قال: فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج في قناديله.
وحدث عن هيثم بن حميد بسنده إلى أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مس فرجه فليوضأ.
قال العلاء: قال مكحول: من مسه متعمداً.
ولد أبو مسهر سنة أربعين ومئة.
قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين - وذكر أبا مسهر - فقال: كان يبغض الموالي، وقال لي يوماً: عندك حديث في الموالي في عيبهم؟ قلت ليحيى: فمن كان أبو مسهرٍ؟ قال: كان عربياً غسانياً.
كان عبد الأعلى راوية لسعيد بن عبد العزيز التنوخي وغيره من الشاميين وكان أشخص من دمشق إلى عبد الله بن هارون وهو بالرقة، فسأله عن القرآن فقال: هو كلام الله، وأبى أن يقول مخلوق، فدعا له بالسيف والنطع ليضرب عنقه. فلما رأى ذلك قال: مخلوق، فتركه من القتل، وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو لك بالسياف لقبلت منك، ورددتك إلى بلادك وأهلك، ولكنك تخرج الآن فتقول: قلت ذلك فرقاً من القتل أشخصوه إلى بغداد، فاحبسوه بها حتى يموت، فأشخص من الرقة إلى بغداد في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومئتين، فحبس، فلم يلبث في الحبس إلا يسيراً حتى
مات في غرة رجب سنة ثمان عشرة ومئتين، فاخرج ليدفن فشهده قوم كثير من أهل بغداد، رحمه الله تعالى.
قال أبو زرعة: سمعت محمد بن عثمان التنوخي يقول، وقد جئنا إليه: من أين جئتم؟ فقلنا: من عند أبي مسهر قال: تركتم أبا مسهر وجئتموني، ما بالشام مثل أبي مسهر.
وقال يحيى بن معين: ما رأيت منذ خرجت من بلادي أحداً أشبه بالمشيخة الذين أدركتهم من ابي مسهر، والذي يحدث وفي البلاد أولى بالتحديث منه فهو أحمق.
قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق ذكروا له أبا مسهر الدمشقي، ووصفوه بالعلم والفقه، فوجه من جاءه به. فلما دخل إليه قال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال الله عز وجل " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " قال: أمخلوق أوغير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: يقول أمير المؤمنين: إنه مخلوق، قال: يخبر عن رسول الله أو عن الصحابة أو عن التابعين أو عن أحد من الفقهاء؟ قال: بالنظر، واحتج عليه، قال له: يا أمير المؤمنين، نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم، والقرآنكلام الله غير مخلوق، قال: يا شيخ، أخبرني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل اختتن؟ قال: لا أدري، وما سمعت في هذا شيئاً، قال: فأخبرني عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكان يشهد إذا تزوج أو زوج؟ قال: ولا أدري. قال اخرج قبحك الله، وقبح من قلدك دينه، وجعلك قدوة.
خرج السفياني المعروف بأبي العميطر وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وأمه نفيسة بنة عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، فولى القضاء بدمشق عبد الأعلى بن مسهر الغساني كرهاً، ثم تنحى أبو مسهر عن القضاء لما خلع على بن عبد الله، فلم يل القضاء أحد بدمشق بعد ذلك حتى قدم المأمون.
قال المأمون لأبي مسهر: والله لأحبسنك في أقصى عملي أو تقول: القرآن مخلوق، تريد تعمل للسفياني! فقال أبو مسهر: يا أمير المؤمنين، القرآن كلام الله غير مخلوق.
قال أبو داود سليمان بن الأشعث - وقيل له: إن أبا مسهر كان متكبراً في نفسه فقال: كان من ثقات الناس، ورحم الله أبا مسهر، لقد كان من الإسلام بمكان، حمل على المحنة فأبى، وحمل على السيف، فمد رأسه، وجرد السيف فأبى أن يجيب. فلما رأوا ذلك منه حمل إلى السجن، فمات.
قال علي بن عثمان النفيلي: كنا بدمشق على باب أبي مسهر عبد الأعلى جماعةً من أصحاب الحديث نسمع منه، فمرض أبو مسهر أياماً، ثم دخلنا عليه نعوده، فقلنا له: إيش خبرك يا أبا مسهر؟ كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والحمد الله في عافية، راضياً عن الله، ساخطاً على ذي القرنين حيث لم يجعل السد بيننا وبين أهل العراق كما جعل بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج، قال: فما كان بعد هذا إلا يسيراً حتى وافى المأمون دمشق، ونزل سفح جبل دير المران وبني القبيبة التي فوق الجبل، فكان يأمر بالليل بجمر عظيم، فيوقد ويجعل في طسوس كبار، وتدلى من فوق الجبل من عند القبيبة بالسلاسل والحبال، فتضيء له الغوطة، فيبصرها بالليل.
قال: وكان أبو مسهر له حلقة في مسجد دمشق بين العشاء والعتمة عند حائط الشرقي، قال: فبينا أبو مسهر ليلة من الليالي جالس في مجلسه إذا قد دخل المسجد ضوء عظيم، فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: هذه النار التي توقد لأمير المؤمنين من الجبل حتى تضيء له الغوطة، فقال أبو مسهر: " أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " وكان في حلقة أبي مسهر صاحب خبرٍ للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون، فحقدها عليه، وكان قد بلغه أنه كان على قضاء أبي العميطر.
فلما أن رحل المأمون من دمشق أمر أن يحمل أبو مسهر إليه، فحمل وامتحنه بالرقة في القرآن، وأحدر إلى بغداد، فكان آخر العهد به.
قال هاشم: كنت كثيراً ما أسمع أبا مسهر يقول: الهزج
كما أضحك الدهر ... كذاك الدهر يبكيكا
قال: فما مضت الأيام حتى حمل في الامتحان، وهو يبكي ويقول: مأسور والله.
حدث محمود بن خالد أنه ودع أبا مسهر محمولاً إلى المأمون، قال: فسمعته يقول: وما هو إلا القتل أو الكفر.
قال عبد الرحمن: فأدخل على المأمون، فامتحنه في القرآن، فالتوى أبو مسهر بين يديه، لم يلقه بالذي يستحل بها دمه، ولم يلقه بإعطاء ما يوجب عليه الكفر، فقال له المأمون؛ أعلي تلغز؟! علي بالسيف، فلما أحضر ارتعد الشيخ وقاربه فيما أراد منه، فأمر به فأحدرإلى العراق، وأكرمه إسحاق بن إبراهيم أمير بغداد. وتكلم أبو مسهر بالعراق بشيء حمده أهل الحديث، ثم مات بها محموداً مشكوراً.
وقيل: إن أبا مسهر أدخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح بين يديه، فأوقف أبو مسهر بين يديه في تلك الحال فامتحنه، فلم يجبه، فأمر به، فوضع في النطع ليضرب رقبته، فأجاب - يعني إلى خلق القرآن - وهو في النطع. ثم بعد أن أخرج من النطع رجع عن قوله ثم أعيد إلى النطع. فلما صار في النطع أجاب، فأمر به أن يوجه إلى بغداد. الحديث.
وقيل: إن أبا مسهر أقيم ببغداد بباب إسحاق بن إبراهيم ليقول قولاً يبرئ فيه نفسه عن المحنة ويقي المكروه، فقيل: إنه قال في ذلك الموقف؛ جزى الله أمير المؤمنين خيراً، علمنا مالم نكن نعلم، وعلم علماً لم يعلمه من كان قبله، وقال: قل: القرآن مخلوق، وإلا
ضربت رقبتك، ألا فهو مخلوق، وهو مخلوق، قال: فازديد بمقالة أبي مسهر عجباً، وارجو أن تكون له نجاة.
كان أبو مسهر يقول: عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره.
قال أبو زرعة: سئل أبو مسهر عن الرجل يغلط، وبهم ويصحف، فقال: بين أمره، فقلت لأبي مسهر: أترى ذلك من الغيبة؟ قال: لا. قال: ورأيت أبا مسهر يفعل ذلك فيما حمل عن سعيد بن عبد العزيز، ورأيته يكره الرجل أن يحدث إلا أن يكون عالماً بما يحدث، ضابطاً يعني: إذا خفي عليه بعض الحديث واستفهم من غيره فينبغي له أن يبين.
ومن شعر أبي مسهر: الخفيف
هبك عمرت مثل ما عاش نوح ... ثم لاقيت كل ذاك يسارا
هل من الموت لا أبا لك بد ... أي حي إلى سوى الموت صارا؟
ومن شعره: الطويل
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنه ... متاع قليل والزوال قريب
ومن شعره: المنسرح
أفٍ لدنيا ليست تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني
عيني لحيني نذير مقلتها ... تريد ما ساءها لترديني
ومن شعره: الوافر
فلا بعدي يغير حال ودي ... عن العهد القديم ولا اقترابي
ولا عند الرخاء بطرت يوماً ... ولا في فاقتي دنست ثيابي
كماء المزن بالعسل المصفى ... أكون وتارة سلعاً بصاب