سلمان ابن الإسلام أبو عبد الله الفارسي
سابق أهل فارس إلى الإسلام صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخدمه وقدم دمشق غازياً ومرابطاً.
حدث سلمان قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجراد فقال: أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرّمه.
وعن القاسم أبي عبد الرحمن أنه قال:
زارنا سلمان الفارسي فصلى الإمام الظهر، ثم خرج وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر، وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: أني جعلت نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، فلما قدم سأل عن أبي الدرداء فقالوا: هو مرابط، فقال: وأين مرابطكم؟ فقالوا: في بيروت، فتوجه قبله، فقال لهم سلمان: يا أهل بيروت، ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله به عنكم غرض الرباط؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من عذاب القبر، وجرى له صالح ما كان يعمل إلى يوم القيامة ".
كان سلمان الفارسي من أهل رامهرمز من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ، وكان أبوه دهقان (أرضه، وكان على المجوسية، ثم لحق بالنصارى ورغب عن المجوس ثم صار إلى المدينة وكان عبداً لرجل من يهود، فلما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً المدينة أتاه سلمان فأسلم، وكاتب مولاه اليهودي فأعانه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون حتى عتق، وتوفي في ولاية عثمان رحمة الله عليه بالمدائ.
قيل: إنه مات سنة ست وثلاثين، وأول مشاهده الخندق، وكان قبل إسلامه يقرأ الكتب، ويطلب الدين، وكان اسم سلمان ما به بن يوذخشان بن مورسلا بن بهبوذان بن
فيروز بن شهرك من ولد آب الملك، عاش مئتين وخمسين سنة، ويقال أكثر. وقيل: إنه أدرك وصيّ عيسى عليه السلام.
ولم يزل بالمدينة حتى غزا المسلمون العراق، فخرج معهم وحضر فتح المدائن، ونزلها حتى مات بها، وقبره ظاهر معروف بقرب إيوان كسرى، وعليه بناء، وهناك خادم مقيم لحفظ الموضع وعمارته والنظر في أمر مصالح.
قال ابن مأكولا: هو سلمان الخي.
قال سلمان الفارس: كنت رجلاً من أهل جيّ وكان أهل جيّ يعبدون الخيل البلق، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء، فقيل لي: إن الدين الذي تطلب هو قبل المغرب فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل، فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة " أو في صومعة " فأتيته فقلت: أني رجل من أهل المشرق وقد جئت في طلب الخير، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك تعلمني مما علمك الله، قال: نعم، فصحبته فأجرى علي مثل الذي يجري عليه من الحبوب والخل والزيت، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه، ثم نزل به الموت. فلما نزل به الموت جلستند رأسه أبكي قال: ما يبكيك؟ قلت: انقطعت عن بلادي في طلب الخير فرزقني الله صحبتك فأحسنت صحبتي وعلمتني ما علمك الله، وقد نزل بك الموت، فلا أدري أين أذهب؟ قال: بلى، أخ لي بمكان كذا وكذا فأته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أوصيت بك إليه وأصحبه فإنه على حق.
فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي. قلت: إن فلاناً أخاك يقرئك السلام، قال: وعليه السلام، ما فعل؟ قلت: هلك، وقصصت عليه قصتي، ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته، فقبلني وأحسن صحبتي، وأجرى علي مثل ما كان يجري علي عند الآخر، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: أقبلت من بلادي فرزقني الله صحبة فلان، فأحسن صحبتي وعلمني مما علمه الله. فلما نزل به الموت أوصى بي إليك فأحسنت صحبتي وعلمتني ما علمك الله، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه؟ قال: بلى، لي أخ على درب الروم ائته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أمرتك بصحبته، فاصحبه فإنه على الحق.
فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي فقلت: إن فلاناً أخاك يقرئك السلام. قال: ما فعل؟ قلت هلك، وقصصت عليه قصتي، وأخبرته أنه أمرني بصحبتك، فقبلني وأحسن صحبتي، وعلمني مما علمه الله، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت: رزقني الله صحبتك وقد نزل لك الموت فلا أدري إلى أين أذهب؟ قال: لا أين، إنه لم يبق على دين عيسى عليه السلام أحد من الناس أعرفه، ولكن هذا أوان " أو زمان " مخرج نبي، ويخرج " أو قد يكون خرج " بأرض تهامة فالزم قبتي وسل من مر بك من التجار " وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم " وسل من قدم عليك من أهل الحجاز: هل خرج فيكم أحد تنبأ؟ فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته، فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. قال: فقبض الرجل. ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته من أي بلاد أنتم؟ حتى مر بي ناس من أهل مكة فسألتهم من أي بلاد أنتم؟ قالوا من الحجاز، قلت هل خرج فيكم أحد يزعم إنه نبي قالوا: نعم قلت هل لكم إلا أن أكون عبداً لبعضكم على أن يحملني عقبة ويطعمني كسرة حتى يقدم بي مكة، فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك؟ قال رجلاً من القوم: أنا، فصرت عبداً له، فجعل يحملني عقبة، ويطعمني كسرة حتى قدمت مكة.
فلما قدمت مكة جعلني في بستان له مع حبشان فخرجت حرجة، فطفت بمكة، فإذا امرأة من أهل بلادي فسألتها فكلمتها فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم، فسألتها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يجلس في الحجر إذا صاح عصفور مكة مع أصحابه حتى إذا أضاء له الفجر تفرقوا. قال: فرجعت اختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي، قالوا: مالك؟ قلت: اشتكي بطني. فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه، فجئته من خلفه فعرف الذي أريد، فأرسل حبوته فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فقلت في نفسي الله أكبر، هذه واحدة.
فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثلما صنعت في الليلة التي قبلها لا ينكرني
أصحابي، فجمعت شيئاً من تمر، فلما كانت الساعة التي جلس فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيته، فوضعت التمر بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال لأصحابه: كلوا ولم يمد يده. قلت في نفسي: الله أكبر هذه اثنتان. فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئاً من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه قال: ما هذا؟ قلت: هدية، فأكل وأكل القوم. قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فسألني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قصتي فأخبرته، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق فاشتر نفسك. فأتيت صاحبي فقلت: بعني نفسي قال: نعم أبيعك نفسك بأن تغرس لي مئة نخلة إذا نبتت وتبين نباتها، وثبتت وتبين ثباتها جئتني بوزن نواة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، قال: فأعطه الذي سألك وجئني بدلو من ماء البئر الذي يسقي " أو تسقي " به ذلك النخل. قال: فانطلقت إلى الرجل فابتعت نفسي منه، فشرطت له الذي سألني، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقي به ذلك النخل به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فانطلقت فغرست به ذلك النخل، فوالله ما غدرت منه نخلة واحدة. فلما تبين نبات النخل " أو ثبات النخل " فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوزن نواة من ذهب فأعطانيها، فذهبت بها إلى الرجل فوضعها في كفة الميزان ووضع نواة في الجانب الآخر، فوالله ما قلت من الأرض، فأتيت بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه " قال: فانطلقت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت معه.
قال سلمان الفارسي:
كنت فيمن ولد برامهرمز، وبها نشأت، وأما أبي فمن أصبهان، وكانت أمي لها غنى وعيش، فأسلمتني أمي إلى الكتاب، فكنت أنطلق مع غلمان من قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من كتاب الفارسية، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل طويل عليه ثياب شعر، ونعلان من شعر، فأشار إلي فدنوت منه، فقال: يا غلام، تعرف عيسى بن مريم؟ فقلت: لا، ولا سمعت به، قال: أتدري من عيسى بن مريم؟ هو رسول الله، آمن بعيسى، إنه
رسول الله، وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيمها لا يفنى، فلما قال إنها لا تفنى، فرأيت الحلاوة النور يخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي، ففارقت أصحابي، وقلت: لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي، وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فأنقطع دونه، وكان أول من علمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن عيسى بن مريم رسول الله، ومحمد بعده رسول الله، والإيمان بالبعث بعد الموت، فأعطيته ذلك، وعلمني القيام في الصلاة، وكان يقول: إذا قمت في الصلاة فاستقبل القبلة فإن احتوشتك النار فلا تلتفت، وإن دعتك أمك وأبوك في صلاة الفريضة فلا تلتفت إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وكنت في فريضة فاقطعها، فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله. وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول القنوت الأمان على الصراط، وأمرني بطول السجود، وزعم أن طول السجود الأمان من عذاب القبر. وقال: لا تكذبنّ مازحاً ولا جاداً حتى يسلّم عليك ملائكة الله أجمعين. وقال: لا تعصين في طمع ولا عنت، حتى لا تحجب عن الجنة طرفة عين. ثم قال: إذا أدركت محمداً الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني. وذكر إسلامه بطوله.
ومن حديث آخر مختصراً أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد بن صوحان أتياه أن يكلم لهما سلمان أن يحدثهما بحديثه كيف كان أول إسلامه، فأتوا سلمان وهو على المدائن أمير، فإذا هو على كرسي قاعد وبين يديه خوص يسفه فقال سلمان: كنت يتيماً في رامهرمز، وكان ابن دهقان من رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته، وكان لي أخ أكبر مني، وكان مستغنياً في نفسه، وكنت غلاماً فقيراً، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه، فإذا تفرقوا خرج فتقبع في ثوبه ثم يصعد الجبل، فقلت: لم لا تذهب بي معك؟ قال: أنت غلام، وأخاف أن يظهر منك شيء. قال: قلت لا تخف، قال: في هذا الجبل قوم في برطيل، لهم
عبادة، يذكرون الله والآخرة، ويزعمون أنّا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على غير دين فقلت: فاذهب بي معك إليهم، قال: حتى أستأمرهم، وأنا أخاف أن يظهر من ذلك شيء، فيعلم أبي، فيجري هلاكهم على يدي. قال: قلت لن يظهر من ذلك شيء، فاستأمرهم، فانتهينا إليهم، فإذا هم في برطيلهم وهم ستة أو سبعة، وكأن الروح قد خرجت منهم من العبادة، يصومون النهار، ويقومون الليل، يأكلون من الشجر وما وجدوا. فقعدنا إليهم، فتكلموا، فحمدوا الله وأثنوا عليه، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء، حتى خلصوا إلى عيسى بن مريم فقالوا: ولد لغير ذكر، وبعثه الله رسولاً، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأعمى والأبرص، فكفر به قوم، وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه، قال: فقالوا له قبل ذلك: يا غلام إن لك رباً، وإن لك معاداً، وإن بين يديك جنة ونار إليها تصير، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون وليسوا على دين.
ثم انصرفنا، وغدونا إليهم، فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم، فقالوا لي: يا سلمان، إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع ما نصنع، فصل ونم وكل واشرب، قال: فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب الخيل حتى أتاهم في برطيلهم، فقال: يا هؤلاء، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً، فعمدتم إلى ابني، فأفسدتموه عليّ، وقد أجلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا، فالحقوا ببلادكم، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء، قالوا: نعم، ما أردنا مساءتك، ولا أردنا إلا الخير، فكف أبنه عن إتيانهم، فقلت له: اتق الله، فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن أباك ونحن على غير دين، قال: يا سلمان، هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بقياً عليهم، ثم لقيت أخي فعرضت عليه، فقال: أنا مشتغل بنفسي في طلب المعيشة. فأتيهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقلت: ما أنا بمفارقكم، قالوا: إنك لا تقدر أن تكون معنا، نحن نصوم النهار، ونقوم الليل، ونأكل الشجر وما أصبنا، وأنت لا تستطيع ذلك قال: قلت: لا أفارقكم، قالوا: أنت أعلم، وإذا أبيت فاطلب حذاء يكون معك، واحمل معك شيئاً تأكله، فإنك لن تستطيع ما نستطيع نحن، قال: ففعلت.
وقدمنا الموصل، فأتينا بيعة الموصل، فلما دخلوا حفّوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله، بها عبدة نيران، فطردونا فقدمنا عليكم.
فلما كان بعد قالوا: يا سلمان، إن ها هنا قوماَ في هذه الجبال هم أهل دين، وإنا نريد لقاءهم، فكن أنت ها هنا، فقلت: ما أنا بمفارقكم، فخرجوا، وأنا معهم، فأصبحنا بين جبال، وإذا صخرة وماء كثير وخير كثير، فقعدنا تحت الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال، خرج كل رجل من مكانه كأن الأرواح انتزعت منهم، فرحبوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا تذكر الله، فيها عبدة للنيران، وكنا نعبد الله فيها فطردونا، فقالوا: ما هذا الغلام؟ فطفقوا يثنون عليّ، قال: فإنهم لكذلك إذا طلع عليهم رجل من الكهف، رجل طوال فجاء حتى سلم، وجلس، فحفوا به وعظموه وأحدقوا به، فقال لهم: أين كنتم؟ فأخبروه، قال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليّ خيراً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر من أرسل الله من رسله وأنبيائه، وما لقوا وما صنع بهم، حتى ذكر مولد عيسى بن مريم وأنه ولد لغير ذكر، فبعثه الله رسولاً، وأجرى على يديه إحياء الموتى، وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بأذن الله، وأنزل عليه الإنجيل، وعلمه التوراة، وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل، فكفر به قوم، وآمن به قوم، وذكر بعض ما لقي عيسى، وأنه لما كان عبداً أنعم عليه، فشكر ذلك، ورضي الله عنه، حتى قبضه الله، وهو يعظهم. ويقول: اتقوا الله وألزموا ما جاء به عيسى، ولا تخالفوا فيخالف بكم. ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً فليأخذ. فجعل الرجل يقوم فيأخذ الحرّة من الماء والطعام والشيء، فقام أصحابي الذين جئت معهم، فسلموا عليه، وعظموه، فقال لهم: ألزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا، واستوصوا بهذا الغلام خيراً، فقال لي: يا غلام، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله، وما سواه كفر. قال: قلت: ما أفارقك. قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي، لأني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد، وأقبل علي أصحابي وقالوا: يا غلام لا تستطيع أن تكون معه، قلت: ما أنا بمفارقك، فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي، فقال: خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر، وخذ
من هذا الماء ما تكتفي به، ففعلت. وتفرقوا، وذهب كل إنسان على مكانه، وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل وانفتل وقال: ضع ما معك وكل واشرب، وقام يصلي فقمت خلفه أصلي فانفتل إليّ وقال: إنك لا تستطيع هذا، ولكن صل ونم وكل واشرب، ففعلت، فما رأيته نائماً ولا طاعماً إلا راكعاً ساجداً إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا قال: خذ جرتك هذه وانطلق، فخرجت معه حتى انتهينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال، فقعدوا، وعاد في حديثه نحو المرة الأولى، وإذا خبز كثير وماء، فأخذوا، وتفرقوا في تلك الجبال، ورجع إلى كهف فرجعت معه، فلبثنا كذلك إلى ما شاء الله، فخرج في أحد. فلما اجتمعوا حمد الله، ووعظهم، وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك: أني كبر سني ورق عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد لي من إتيانه، فاستوصوا بهذا الغلام خيراً. قال: فجزع القوم وقالوا: أنت كبير، وأنت وحدك، ولا نأمن أن يصيبك الشيء، قال: لا تراجعوني، لا بد من إتيانه. قال: قلت: ما أنا بمفارقك. قال: يا سلمان، قد رأيت حالي وما كنت عليه، أنا أمشي وأصوم النهار وأقوم الليل، ولا أستطيع أن أحمل معي زاداً ولا غيره، ولا تقدر أنت على هذا، قلت: ما أنا بمفارقك. قال: فبكوا وودعوه.
فخرج، وخرجت معه، وقال لي: احمل معك من هذا الخبز شيئاً تأكله، فمشى واتبعته، يذكر الله ولا يلتفت، ولا يقف على شيء، حتى إذا أمسى قال: يا سلمان، صل أنت ونم وكل واشرب، ثم قام هو يصلي إلى أن انتهى إلى بيت المقدس، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء إذا مشى حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وإذا على الباب مقعد، قال: يا عبد الله، قد ترى حالي، فتصدق عليّ بشيء، فلم يلتفت إليه، ودخل المسجد، ودخلت معه فجعل يتبع أمكنة من المسجد يصلي فيها، ثم قال: يا سلمان، إني لم أنم منذ كذا وكذا، فإن أنت جعلت لي أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد، وإلا لم أنم، فقلت: إني أفعل. فنام، فقلت في نفسي: هذا لم ينم منذ كذا وكذا، وقد رأيت بعض ذلك، لأدعنّه ينام حتى يشتفي من النوم، وكان فيما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني، ويخبرني أن لي ربّا، وأن بين يديّ جنة وناراً وحساباً، ويعلمني ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول لي: يا سلمان، إن الله سوف يبعث رسولاً اسمه أحمد يخرج بتهامة، وكان رجلاً أعجمياً لا يحسن أن يقول تهامة
ولا محمد، علامته أنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب، وأما أنا فأني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه، فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه، قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه. قال وإن أمرك، فإن الحق بما يجيء به ورضي الرحمن فيما قال. قال: فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعاً يذكر الله، فقال: يا سلمان، مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله، أين ما جعلت على نفسك؟ قلت: أخبرتني إنك لم تنم منذ كذا وكذا، ورأيت بعض ذلك، فأحببت أن تشتفي من النوم، فحمد الله وقام.
فخرج وتبعته فمر بالمقعد فقال المقعد: يا عبد الله، دخلت فسألتك فلم تعطني. وخرجت فسألتك فلم تعطني، فقام ينظر هل يرى أحداً فلم يره، فدنا منه فقال: ناولني يدك فناوله فقال: قم بسم الله، فقام كأنه نشط من عقال، صحيحاً لا عيب به، فخلى عن يده، فانطلق ذاهباً، وكان لا يلوي على أحد، ولا يقوم عليه، فقال لي المقعد: يا غلام، احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي، فحملت عليه ثيابه، وانطلق لا يلوي على أحد، فخرجت في أثره أطلبه، وكلما سألت عنه قالوا أمامك، حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم. فلما سمعوا لغتي أناخ رجل بعيره، فحملني خلفه حتى أتوا بي بلادهم، فباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها. وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرت به، فأخذت شيئاًً من تمر حائطي فجعلته على يدي ثم أتيته، فوجدت عنده أناساً، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال للقوم: كلوا، ولم يأكل هو، ثم لبثت ما شاء الله، ثم أخذت مثل ذلك وأتيته، فوجدت عنده أناساً، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا قلت هدية. قال: بسم الله، فأكل وأكل القوم، قال: قلت في نفسي: هذه من آياته، كان صاحبي رجلاً أعجمياً فلم يحسن يقول تهامة فقال: تهمة، وقال: أحمد، فدرت خلفه ففطن لي فأرخى ثوبه، فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر، فتبينته، ثم درت حتى
جلست بين يديه، فقلت: اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: من أنت؟ قلت: مملوك فحدثته حديثي وحديث الرجل الذي كنت معه، وما أمرني به، قال: لمن أنت؟ قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني حائطاً لها، قال: يا أبا بكر، قال: لبيك قال: اشتره. قال: فاشتراني أبو بكر، فأعتقني. فلبثت ما شاء الله أن ألبث، ثم أتيته، فسلمت عليه، وقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النصارى؟ قال: لا خير فيهم ولا في دينهم. فدخلني أمر عظيم، فقلت في نفسي: هذا الذي كنت معه، ورأيت ما رأيت ثم رأيت أخذ بيده المقعد، فأقامه الله على يديه لا خير في هؤلاء ولا في دينهم، فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله عزّ وجلّ، فأنزل الله عزّ وجلّ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذلك أن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " إلى أخر القصة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علي بسلمان، فأتاني الرسول، فدعاني وأنا خائف، فجئت فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " إلى آخر الآية، فقال: يا سلمان، أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين، فقلت: يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك، فقلت له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه فأتركه؟ قال: نعم، فاتركه، فإن الحق وما يحبّ الله فيما يأمرك.
وفي حديث أخر: وكان ليهود فاشتراه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكذا وكذا درهماً، وعلى أن يغرس نخلاً، فيعمل بها سلمان حتى تطعم، فغرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل نخلة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما شأن هذه؟ قال عمر: يا رسول الله، أنا غرستها قال: فنزعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم غرسها فحملت من عامها.
وعن سلمان الفارسي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أملى الكتاب على علي بن أبي طالب: هذا ما فادى محمد بن عبد الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي ثم القرظي بغرس ثلاث مئة نخلة وأربعين أوقية ذهباً، فقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن الفارسي، وولاؤه لمحمد بن عبد الله رسول الله وأهل بيته، وليس
لأحد على سلمان سبيل. شهد على ذلك أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، بلال مولى أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وكتب علي بن أبي طالب يوم الاثنين في جمادي الأولى مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله.
وعن سلمان الفارسي قال: تداولني بضعة عشر من رب إلى ربّ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سابق ولد آدم، وسلمان سابق أهل فارس " وعن سلمان قال:
جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون أبا ذر وسلمان وفقراء المسلمين " وكانت عليهم جباب صوف، ولم يكن عليهم غيرها " جلسنا إليك، وحادثناك، وأخذنا عنك، فأنزل الله عزّ وجلّ " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله " اعتدنا للظالمين ناراً " يتهددهم بالنار، فقام نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات.
وعن الكلبي قال: قال عيينة بن حصن: ما يمنعني من مجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ريح سلمان تؤذيني قال: فنزلت " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ونزلت " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله تعالى: " وكان أمره فرطاً " يعني عيينة بن حصن.
وعن الربيع قال: كان رجال يسعون إلى مجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم بلال وصهيب وسلمان، فيجيء أشراف قومهم وساداتهم، وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون إليه، فقالوا: صهيب رومي، وسلمان فارسي، وبلال حبشي يجلسون عنده، ونحن نجيء ونجلس ناحية، فذكروا ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا، فهم أن يفعل فأنزل الله تعالى هذه الآية يعني قوله عزّ وجلّ: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم ".
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذه الرجل فما بال هؤلاء فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ تلبيبه، ثم أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره مقالته، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجر رداءه حتى دخل المسجد، ثم نودي الصلاة جامعة، وقال: أيها الناس، إن الربّ واحد والأب أبّ واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي، فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبه قال: فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله؟ قال: دعه، إلى النار، فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل.
وعن أبي هريرة قال: تخطّى سلمان الفارسي رضي الله عنه حلقة قريش وهم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلسه، فالتفت إليه رجل منهم فقال: ما حسبك ونسبك، وبم اجترأت أن تتخطى حلقة قريش؟! قال: فنظر إليه سلمان الفارسي فأرسل عينيه وبكى وقال: سألتني عن حسبي ونسبي، خلقت من نطفة قذرة، فأما اليوم ففكرة وعبرة، وغداً جيفة منتنة، فإذا نشرت الدوافن، ونصبت الموازين، ودعي الناس لفصل القضاء فوضعت في الميزان فإن أرجح الميزان فأنا شريف كريم، وإن أنقص الميزان فأنا اللئيم الذليل، فهذا حسبي وحسب الجميع، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق سلمان، صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر قلبه فلينظر إلى سلمان.
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خط الخندق عام الأحزاب، فاحتج المهاجرون والأنصار أن سلمان الفارسي، كان رجلاً قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سلمان منا أهل البيت.
قال الواقدي: أول غزوة غزاها سلمان رضي الله عنه الخندق: وعن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عزّ وجلّ يحب في أصحابي أربعة، أخبرني أنه يحبهم وأمرني أن أحبهم، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: إن علياً منهم، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي " وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان " وفي حديث أخر عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي، وسلمان، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، رضي الله عنهم. " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هذا جبريل يخبرني عن الله تبارك وتعالى: ما أحبّ أبا بكر وعمر إلا مؤمن تقي ولا أبغضهما إلا منافق شقي، وإن الجنة لأشوق إلى سلمان الفارسي من سلمان إليها. " وعن أبي جعفر بن علي عن أبيه عن جده قال: أتى جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إن الله عزّ وجلّ يحب من أصحابك ثلاثة فأحبّهم: علي بن أبي طالب، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، قال: فأتاه جبريل فقال له: يا محمد، إن الجنة لتشتاق لثلاثة من أصحابك، وعنده أنس بن مالك، فرجا أن يكون
لبعض الأنصار. قال: فأراد أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم فهابه، فخرج فلقي أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، إني كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنفاً فأتاه جبريل فقال: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فرجوت أن يكون لبعض الأنصار فهبته أن أسأله، فهل لك أن تدخل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتسأله؟ فقال: إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم ويشمت بي قومي، ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل قول أبي بكر، قال: فلقي علياً فقال له علي: نعم، إن كنت منهم فأحمد الله، وإن لم أكن منهم فحمدت الله، فدخل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أن أنساً حدثني أنه كان عندك آنفاً وإن جبريل أتاك فقال: يا محمد: أن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فمن هم يا نبي الله؟ قال: أنت منهم يا علي، وعمار بن ياسر، وسيشهد معك مشاهد بيناً فضلها عظيما خيرها، وسلمان وهو منا أهل البيت، وهو ناصح فاتخذه لنفسك.
وعن أبي البحتري قال: قيل لعلي عليه السلام: أخبرنا عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عن أيهم تسألون؟ قالوا: عن عبد الله، قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى به علماً، قالوا: عمار، قال: مؤمن نسي، فإن ذكرته ذكر. قالوا: أبو ذر، قال: وعي علماً عجز فيه، قالوا: أبو موسى، قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. قالوا: حذيفة، قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا: سلمان، قال: أدرك علم الأول وعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: فأنت يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم هذه الأمة بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقضاهم عليّ، وأصدقهم حياء عثمان، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأقرأهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأبو هريرة وعاء من العلم، وسلمان علم لا يدرك، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وعن يزيد بن أبي أوفى قال:
دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده فقال: أين فلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم، ويبعث إليهم حتى توافوا عنده، فلما توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أني محدثكم حديثاً فاحفظوه وعوه، وحدثوا به من بعدكم: إن الله عزّ وجلّ أصطفى من خلقه خلقاً ثم تلا: " والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس " خلقاً، يدخلهم الجنة، وأني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخى الله عزّ وجلّ بين ملائكته، قم يا أبا بكر فاجث بين يدي فإن لك عندي يداً، الله يجزيك بها، لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتك خليلاً، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي، ثم تنحى أبو بكر، ثم قال: أدن مني يا عمر فدنا منه فقال: لقد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل بن هشام ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبهم إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة، ثم تنحى عمر، ثم آخى بينه وبين أبي بكر ثم دعا عثمان فقال: ادن أبا عمرو، ادن أبا عمرو، فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماء فقال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرّها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده ثم قال: اجمع عطفي ردائك على نحرك، ثم قال: إن لك شأناً في أهل السماء، أنت ممن يرد على حوضي وأوداجك تشخب دماً، فأقول من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان وفلان، وذلك كلام جبريل إذا هاتف يهتف من السماء فقال: ألا إن عثمان أمير كل مخذول، ثم تنحى عثمان، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: ادن يا أمين الله، أنت أمي الله، وتسمى في السماء الأمين، يسلطك الله على مالك بالحق، أما إن لك عندي دعوة قد وعدتكها وقد أخرتها، قال: خرّ لي يا رسول الله، قال: حملتني يا عبد الرحمن أمانة ثم قال: إن لك لشأناً يا عبد الرحمن، أما أنه أكثر الله مالك، وجعل يقول بيده هكذا وهكذا، ثم تنحى عبد الرحمن، ثم آخى بينه وبين عثمان، ثم دعا طلحة والزبير ثم قال لهما: ادنوا مني فدنوا منه فقال لهما: أنتما حواري كحواري عيسى بن مريم، ثم آخى بينهما، ثم دعا عمار بن ياسر وسعداً وقال: يا عمار، تقتلك الفئة الباغية، ثم آخى بينه وبين سعد، ثم دعا عويمر بن
زيداً أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال: يا سلمان، أنت منا أهل البيت، وقد أتاك الله العلم الأول والآخر، والكتاب الأول والآخر ثم قال: ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن تنتقدهم ينتقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك، وإن تهرب منهم يدركوك، فاقرضهم عرضك ليوم فقرك، وأعلم أن الجزاء أمامك، ثم آخى بينه وبين سلمان، ثم نظر في وجوه أصحابه فقال ابشروا وأقروا عيناً، أنتم أول من يرد عليّ حوضي، وأنتم في أعلى الغرف، ثم نظر عبد الله بن عمر فقال: الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ويلبس من الضلالة على من يحب، فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا نبي الله: قال: ما ورث الأنبياء من قبلي. قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إخواناً على سرر متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا هذه الآية: " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس.
وروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغة قول سلمان لأبي الدرداء: إن لأهلك عليك حقاً، ولبصرك عليك حقاً فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم.
وعن أبي أمامة قال: أشخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصره إلى السماء فقلنا: ما هذه يا رسول الله؟ قال: رأيت ملكاً عرج بعمل سلمان.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: فقد رسول الله سلمان فسأل عنه، فأخبر أنه عليل، فأتاه يعوده ثم قال: عظم الله أجرك، ورزقك العافية في دينك وجسمك إلى منتهى أجلك، إن لك من وجعك خلالاً ثلاثاً: أما واحدة فتذكرة من ربك تذكر بها، وأما الثانية فتمحيص لما سلف من ذنوبك، وأما الثالثة فادع بما شئت فإن دعاء المبتلي مجاب.
هذا منقطع.
وعن قتادة في قوله: " قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: منهم سلمان، وعبد الله بن سلام.
وعن الربيع بن أنس في قوله عزّ وجلّ: " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً " قال: هم قوماً يفرون إلى الله عزّ وجلّ، فيعطون ويحبون ويكرمون ويشفعون، منهم سلمان الفارسي.
وعن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التفسير: " إن الذي أمنوا الله وهادوا " الآية قال: نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي، وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم.
وعن أنس قال: قيل يا رسول الله، عمن نكتب العلم بعدك؟ قال: عن علي وسلمان.
وعن محمد بن سيرين قال: دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم الجمعة فقيل له: هو نائم. فقال: ماله؟ قالوا: إنه إذا كان ليلة الجمعة أحياها، ويصوم يوم الجمعة. قال: فأمرهم فصنعوا طعاماً في
يوم الجمعة ثم أتاهم فقال: كل، قال: إني صائم. فلم يزل به حتى أكل، ثم أتيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرا له ذلك فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عويمر، سلمان أعلم منك " وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء " عويمر، سلمان أعلم منك، ثلاث مرات، لا تخص ليلة الجمعة بقيام الليالي، ولا تخص يوم الجمعة بصيام بين الأيام.
وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قالوا يعني لعلي: يا أمير المؤمنين، فحدثنا عن سلمان الفارسي قال: ذلك رجل منا أهل البيت، أدرك علم الأولين والآخرين، من لكم بلقمان الحكيم.
قال عمرو بن ميمون: لما حضر لمعاذ الموت بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قال: أما إنه ليس عليك أبكي إنما أبكي على العلم الذي يذهب معك، قال: إن العلم والإيمان ثابتان إلى يوم القيامة، فالتمس العلم عند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإنه عاشر عشرة في الجنة، وسلمان الفارسي، وعويمر أبي الدرداء، فلحقت بعبد الله بن مسعود فأمرني بما أمره به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصلي الصلاة لوقتها، وأجعل صلاتهم تسبيحاً.
وعن المدائني قال: قال سلمان: لو حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا: رحم الله قاتل سلمان.
وعن قتادة وعلي بن زيد بن جدعان قالا: كان بين سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي شيء، فقال سعد وهم في مجلس: انتسب يا فلان فانتسب، ثم قال للآخر: انتسب، ثم قال للآخر حتى بلغ سلمان، فقال: انتسب يا سلمان، فقال: ما أعرف لي أبا في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام، فنمي ذلك إلى عمر، فقال لسعد ولقيه: انتسب يا سعد فقال أنشدك بالله يا أمير المؤمنين، قال: وكأنه عرف فأبى أن يدعه حتى أنتسب، ثم قال للآخر حتى بلغ سلمان فقال: انتسب يا سلمان، فقال: أنعم الله عليّ بالإسلام، فأنا سلمان ابن الإسلام، فقال عمر: لقد علمت قريش أن الخطّاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان ابن الإسلام، أما والله لولا شيء لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار، أما علمت أو ما سمعت أن رجلاً
انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية، فكان عاشرهم في النار، وانتمى رجل إلى رجل في الإسلام وترك ما فوق ذلك فكان معه في الجنة.
وعن عمرو بن قيس قال: قيل لسلمان الفارسي: ما حسبك؟ قال: كرمي ديني، وحسبي التراب، ومن التراب خلقت، وإلى التراب أصير، ثم أبعث وأصير إلى الموازين، فإن ثقلت موازيني فما أكرم حسبي وما أكرمني على ربي يدخلني الجنة، وإن خفت موازيني فما ألأم حسبي وما أهونني على ربي ويعذبني إلا أن يعود بالمغفرة والرحمة على ذنوبي.
ومن شعر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: من الطويل
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على الحسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد هجن الشرك الشريف أبا لهب
وعن قتادة كره أن يقول سلمان الفارسي ولكن سلمان المسلم.
وعن مسلم البطين. أن عمر رضي الله عنه جعل عطاء سلمان رضي الله عنه أربعة آلاف.
قال ثابت البناني:
كتب عمر بن الخطاب إلى سلمان أن زرني، قال فخرج سلمان إليه، فلما بلغ عمر قدومه قال لأصحابه: هذا سلمان قد قدم، فانطلقوا نتلقاه قال: فلقيه عمر فالتزمه وساءله، ثم رجعا إلى المدينة سلمان وعمر، فقال له عمر: يا أخي، أبلغك عن شيء تكرهه؟ لما أخبرتني به، قال: لولا أنك عزمت ما أخبرتك، بلغني عنك شيء كرهته: بلغني عنك أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم، وبلغني أن لك حلتين، حلة تلبسها في أهلك، وحلة تخرج فيها، قال: هل غير ذا؟ قال: لا، قال: كفيت هذا. أظنه قال: لن أعود إليه أبداً.
والحلة: إزار ورداء.
وعن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال: أرضاك الله عبداً. قال: فزوجني. قال: فسكت عنه. قال: أترضاني لله عبداً ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر فقال: حاجة؟ قالوا: نعم. قال: وما هي إذاً تقضى؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر، يعنون خطبته إلى عمر فقال: أما والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة. قال: فتزوج في كندة " الحديث.
وفي حديث غيره عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فبنى بها في بيتها، فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته. فلما بلغ البيت قال: ارجعوا أجركم الله، ولم يدخلهم عليها كما فعل السفهاء، فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟؟ قالوا: ما بيتنا بمحموم ولا تحولت الكعبة في كندة، فلم يدخل البيت حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب، فلما دخل رأى متاعاً كثيراً فقال: لمن هذا المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك، قال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي ألا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب، ورأى خدماًن فقال: لمن هذا الخدم؟ قالوا: خدمك وخدم امرأتك فقال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي ألا أمسك إلا من أنكح أو أنكح، فإن فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيء، ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته: هل أنتن مخرجات عني مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن: نعم، فخرجن، فذهب إلى الباب حتى أجافه وأرخى الستر، ثم جاء جلس عند امرأته، فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء أمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطاع. قال: فإن خليلي أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن اجتمع على طاعة الله، فقام وقامت إلى المسجد فصليا لما بدا لهما، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غداً عليه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال: إنما جعل الله الستور والجدر والأبواب ليوارى ما فيها، حسب كل امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له فأما ما غاب عنه فلا
يسألن عن ذلك. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق.
وعن عبد الله بن فيروز قال: كانت امرأة سلمان الفارسي بالمدائن فحزن عليها، فبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم. بلغني يا أبا عبد الله سلمان مصيبتك بأهلك، وأوجعني ما أوجعك، ولعمري لمصيبة تقدم أجرها خير نعمة تسأل عن شكرها، ولعلك لا تقوم بها، والسلام عليك.
قال أبو الدرداء: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشياً وعليه كساء وأندرورد يعني سراويل مشمرة.
قال ابن شوذب: رئي سلمان وعليه كساء، مطموم الرأس ساقط الأذنين، يعني أنه كان أرقش، فقيل له: شوهت بنفسك فقال: أن الخير خير الآخرة.
وعن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله، خشعت لله.
وعن خليفة بن سعيد المرادي عن عمه قال: رأيت سلمان الفارسي بالمدائن في بعض طرقها يمشي، فزحمته حملة من قصب، فأوجعته فتأخر إلى صاحبها الذي يسوقها، فأخذ بعضده فحركه، ثم قال: لا متّ حتى تدرك إمارة الشباب.
وعن علي بن أبي طلحة قال:
اشترى رجل علفاً لفرسه فقال لسلمان: يا فارسي، تعال فاحمل. فحمل وأتبعه،
فجهل الناس يسلمون على سلمان فقال: من هذا؟ قالوا: سلمان الفارسي، فقال: والله ما عرفتك، أعطني. قال سلمان: لا، أني أحتسب بما صنعت خصالاً ثلاثاً: أما إحداهن فإني ألقيت عني الكبر، وأما الثانية فإني أعين رجل من المسلمين على حاجته، وأما الثالثة فلو لم تسخرني لسخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي.
قيل لسلمان: ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها.
وعن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفاً من الناس، يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده وكان عطاؤه أربعة آلاف، كان من ثياب فيتصدق بها ويعمل الخوص.
قال النعمان بن حميد: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن ((وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: اشتري خوصاً بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهي.
قال مالك: كان سلمان الفارسي يعمل الخوص بيده، ولا يقبل من أحد شيئاً، وكان يعيش به، ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بظل الجدر والشجر، وأن رجلاً قال له: أنا أبني لك بيتاً قال: مالي به حاجة، فما زال الرجل يردد عليه ذلك ويأبى سلمان حتى قال الرجل: إني أعرف البيت الذي يوافقك قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتاً إذا أنت قمت به أصاب رأسك سقفه، وإذا مددت رجلك أصابتا الجدار. قال: نعم، قال فبنى له.
قال فضيل بن عياض: لبس جبة صوف فقيل له: لو لبست ألين من هذا فقال: إنما أنا عبد ألبس ما يلبس العبيد، فإذا مت لبست جبة لا تبلى حواشيها
وعن جرير بن عبد الله قال: نزلت الصفاح في يوم صائف شديد الحر، فإذا رجل نائم في حر الشمس، مستظل بشجرة معه شيء من طعام ومزود له تحت رأسه، ملتف بعباءة قال جرير: فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا فإذا قد انتبه الرجل وإذا هو سلمان الفارسي، قال: فقلت له: ظللنا عليك وما نعرفك فقال: يا جرير، تواضع في الدنيا، فإن من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة، يا جرير، لو حرصت على أن تجد عوداً يابساً في الجنة لم تجده. قال: قلت: وكيف يا سلمان وفيها الثمار؟؟ قال: فقال: أصول الشجر الذهب والفضة وأعلاها الثمار، يا جرير، ري ما ظلمة النار؟ قال: لا. قال: فإنه ظلم الناس بعضهم بعضاً في الأرض.
وعن عبد الله بن سلمة قال: كان سلمان إذا أصاب شاة من الغنم ذبحت أو ذبحوها عمد إلى جلدها فيعمل منه جراباً، وإلى شعرها فيجعل منه حبلاً، وإلى لحمها فيقدده، ويستنفع بجلدها، ويعمد إلى الحبل فينظر رجلاً معه قوس قد صدع به فيعطيه، ويعمد إلى اللحم فيأكله في الأيام، وإذا سئل عن ذلك يقول: أن أستغني بالله في الأيام أحب إليّ من أن أفسده ثم أحتاج إلى ما في أيدي الناس.
قال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً، ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه.
كتب سلمان إلى أبي الدرداء أن العلم كالينابيع يغشاهن الناس، فيختلجه هذا وهذا فينفع الله به غير واحد، وإن حكمة لا يتكلم بها كجسد لا روح فيه، وإن علماً لا يخرج ككنز لا ينفق منه، وإنما مثل العالم كمثل رجل حمل سراجاً في طريق مظلم يستضيء به من مرّ به، وكل يدعو له بالخير.
قال حميد بن هلال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء بالشام، وسكن سلمان الكوفة، قال: فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك، أما بعد فإن الله رزقني بعدك مالاً وولداً، ونزلت الأرض المقدسة، قال: فكتب إليه سلمان: سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إليّ أنّ الله عزّ وجلّ رزقك مالاً وولداً، واعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظم حلمك، أن ينفعك علمك، وكتبت إليّ أنك نزلت الأرض المقدسة وأن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى واعدد نفسك من الموتى.
قال يحيى بن سعد:
كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدّس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيباً، فإن كنت تبرئ فنعماً لك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً، فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إليّ أعيدا علي قصتكما.
قال أبو البختري: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي على سلمان، فدخلا عليه في خصّ في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه، وحيياه، ثم قالا: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أدري، فارتابا، وقالا: لعله ليس الذي نريد، فقال لهما: أنا صاحبكما الذي تريدان، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة فما جاء بكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام قال: من هو؟ قالا: أبو الدرداء، قال: فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهدية، قال: اتقيا الله، وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية، قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالاً فاحتكم فيها، قال: ما أريد أموالكما ولكن أريد الهدية التي بعث بها معكما قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا به لم يبغ أحداً غيره، فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام، قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟ وأي هدية أفضل من السلام، تحية من عند الله مباركة طيبة؟
قال ميمون بن مهران: جاء رجل على سلمان فقال: يا أبا عبد الله، أوصني. قال: لا تتكلم، قال: ما يستطيع من عاش بين الناس ألا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت. قال: زدني قال: لا تغضب قال: أمرتني ألا أغضب، وأنه ليغشاني ما لا أملك، قال: فأن غضبت فاملك لسانك ويدك، قال: زدني قال: لا تلابس الناس قال: ما يستطيع من عاش في الناس ألا يلابسهم قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأدّ الأمانة.
وعن سلمان قال: الناس ثلاثة: سامع فعاقل، وسامع فتارك، وسامع فعارف، ومن الناس حامل داء، ومنهم حامل شقاء، ومن الناس من إذا ذكرت الله عنده أعانك وأحبّ ذلك، وإن نسيت ذكرك، ومن الناس من إن ذكرت الله عنده لم يعنك، وإن نسيته لم يذكرك، فتواضع لله وتخشع، وخف الله يرفعك الله، وقل سلاماً للقريب والبعيد، فإن سلام الله لا يناله الظالمون، فإن رزقك الله علماً فابتغ إليه كي تعلم مما علمك الله، فإن مثل العلم الذي كمثل رجل حامل سراج على ظهر الطريق فكل من مر به يستبصر به، ويدعو له بالبركة والخير، وإن مثل علم لا يقال به كصنم نائم لا يأكل ولا يشرب.
وعن سفيان الثوري قال: قال سلمان الفارسي: إذا أظهرتم العلم وخزنتم العمل، وتحاببتم بالألسن وتباغضتم بالقلوب لعنكم الله فأصمتكم وأعمى أبصاركم.
وعن سلمان قال: مثل الرجل يلقى أخاه فيشكو إليه فيفرج عنه مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى.
وعن سلمان الفارسي قال: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك لا يدري أساخط عليه رب العالمين أم راض، وثلاث أحزنني حتى أبكينني:
فراق محمد وحزبه، وهو المطلع، والوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ، لا أدري إلى جنة يؤمر بي أم إلى نار.
وعن طارق شهاب الأحمسي عن سلمان الفارسي قال:
إذا كان الليل كان الناس منه على ثلاث منازل: فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له. قال طارق: فعجبت لحداثة سني وقلة فهمي فقلت: يا أبا عبد الله، وكيف ذلك؟ قال: أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى، فذلك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل يمشي في معاصي الله عزّ وجلّ فذلك عليه ولا له، ورجل نام حتى أصبح فذلك لا له ولا عليه. قال طارق: فقلت: لأصحبن هذا فلا أفارقه، فضرب على الناس بعث، فخرج فيه فصحبته، فكنت لا أفضله في عمل، إن أنا عجنت خبز، وإن خبزت طبخ، فنزلنا منزلاً فبتنا فيه، وكانت لي ساعة من الليل أقومها، فكنت أتيقظ لها فأجده نائماً فأنام، فأقول: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مني نائم، فأنام، ثم أقوم فأجده نائماً فأنام، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ، ثم ركع ركعات، فلما صلينا الفجر، قلت يا أبا عبد الله، كانت لي ساعة من الليل أقومها، وكنت أتيقظ لها فأجدك نائماً، فأقول: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مني نائم، فأنام، قال: يا بن أخي فأيش كنت تسمعني أقول؟ فأخبرته. فقال: يا بن أخي، تلك الصلاة، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتل، يا بن أخي عليك القصد فإنه أبلغ.
قال سعيد بن وهب: دخلت مع سلمان على صديق له يعوده فقال: إن الله إذا أبتلى عبده المؤمن بشيء من البلاء، ثم عافاه كان كفارة لما مضى، ومستعيناً فيما بقي، وإن الفاجر إذا أصابه الله
بشيء من البلاء ثم عافاه كان كالبعير عقله أهله، ثم أطلقوه، لا يدري فيم عقلوه لا فيم أطلقوه.
قال أبو قلابة: إن رجلاً دخل على سلمان وهو يعجن فقال: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين.
قال سلمان: أني لأعد عراق قدري مخافة الظن بخادمي.
قال شقيق: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانها عن التكلف لتكلفت لكم، قال: فجاءنا بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها فجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة.
وعن أبي البحتري أن سلمان دعا رجل إلى طعامه، فجاء مسكين فأخذ كسرة فناوله، فقال سلمان: ضعها حيث أخذتها، فإنما دعونا لتأكل، فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك الوزر عليك؟ وعن أنس قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ ألست قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألست؟ ألست؟ فقال: ما أبكاني واحدة من اثنين، ما أبكاني صبابة بالدنيا، ولا كراهية الآخرة، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلينا أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، فلا أراني إلا قد تعديته، وأما أنت يا سعد فاتق الله وحده عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت.
قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهماً نفيقة كانت عنده.
وعن الحسن قال: أمر سعد بن أبي وقاص على الكوفة وبها سلمان الخير. قال: فخرج سعد يوماً يسير على حمار له في السوق وعليه قميص سنبلاني، فلقي سلمان، فلما رآه مقبلاً إليه بكى، فانتهى إليه سعد فسلم عليه وقال: ما يبكيك أبا عبد الله؟ قال: ما لي ألا أبكي وقد سمعت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكفيك من الدنيا كزاد الراكب وأرى عليك قميصاً سنبلانياً وأنت على حمار؟ فقال له سعد: أوصني يا أبا عبد الله قال: اذكر ربك عند حكمك إذا حكمت، واذكر الله عند قسمك إذا أقسمت، واتق الله في همك إذا هممت. قال: بم، قال الحسن: حلما حكماً، ثم قال: اتق الله يا ابن آدم في همك، فإن كان هم خير فأمضه، وإن كان هم شر فدعه.
وعن سعيد بن سوقة قال:
دخلنا على سلمان الفارسي نعوده وهو مبطون فأطلنا الجلوس عنده، فشق عليه فقال لامرأته: ما فعلت بالمسك الذي جئنا به من بلنجر؟ فقالت: هو ذا. قال: ألقيه في الماء ثم اضربي بعضه ببعض ثم أنضخي حول فراشي فإنه الآن يأتينا قوم ليسوا بإنس ولا جنّ. ففعلت، وخرجنا عنه، ثم أتيناه، فوجدناه قد قبض.
قال الشعبي: حدَّثني الحارث عن امرأة سلمان بقيرة أنها قالت لما حضره الموت: دعاني وهو في علية لها أربعة أبواب فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإن لي اليوم زواراً لا أدري من أي الأبواب يدخلون عليّ ثم دعا بمسك، فقال: أوخفيه في تور ففعلت،
قال: ثم أنضحيه حول فراشي، ثم أنزلي، فامكثي، فسوف تطلعين عليّ فتريني على فراشي، فاطلعت إليه، فإذا هو قد أخذ روحه، فكأنه نائم في فراشه، أو نحو من هذا.
توفي سلمان بالمدائن وقبره هناك.
قال ابن زنجويه: بلغني أن سلمان توفي سنة ست وثلاثين قبل الجمل.
وقيل: إنه توفي في خلافة عثمان. فعلى قول ابن زنجويه تكون وفاته في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل: توفي سنة سبع وثلاثين.
قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاث مئة سنة وخمسين سنة، فأما مئتين وخمسين فلا يشكون فيه.
وعن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه، فقال أحدهما لصاحبه: أو يلقى الأحياء الأموات؟ قال: نعم، أما المؤمنون فإن أرواحهم بالجنة، وهي تذهب حيث شاءت. قال: فتوفي أحدهما قبل صاحبه، فلقيه الحيّ في المنام، فكأنه سأله فقال الميت: توكل وأبشر. فلم أر مثل التوكل قط. سلمان مات قبل ابن سلام.
سابق أهل فارس إلى الإسلام صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخدمه وقدم دمشق غازياً ومرابطاً.
حدث سلمان قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجراد فقال: أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرّمه.
وعن القاسم أبي عبد الرحمن أنه قال:
زارنا سلمان الفارسي فصلى الإمام الظهر، ثم خرج وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر، وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: أني جعلت نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، فلما قدم سأل عن أبي الدرداء فقالوا: هو مرابط، فقال: وأين مرابطكم؟ فقالوا: في بيروت، فتوجه قبله، فقال لهم سلمان: يا أهل بيروت، ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله به عنكم غرض الرباط؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من عذاب القبر، وجرى له صالح ما كان يعمل إلى يوم القيامة ".
كان سلمان الفارسي من أهل رامهرمز من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ، وكان أبوه دهقان (أرضه، وكان على المجوسية، ثم لحق بالنصارى ورغب عن المجوس ثم صار إلى المدينة وكان عبداً لرجل من يهود، فلما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً المدينة أتاه سلمان فأسلم، وكاتب مولاه اليهودي فأعانه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون حتى عتق، وتوفي في ولاية عثمان رحمة الله عليه بالمدائ.
قيل: إنه مات سنة ست وثلاثين، وأول مشاهده الخندق، وكان قبل إسلامه يقرأ الكتب، ويطلب الدين، وكان اسم سلمان ما به بن يوذخشان بن مورسلا بن بهبوذان بن
فيروز بن شهرك من ولد آب الملك، عاش مئتين وخمسين سنة، ويقال أكثر. وقيل: إنه أدرك وصيّ عيسى عليه السلام.
ولم يزل بالمدينة حتى غزا المسلمون العراق، فخرج معهم وحضر فتح المدائن، ونزلها حتى مات بها، وقبره ظاهر معروف بقرب إيوان كسرى، وعليه بناء، وهناك خادم مقيم لحفظ الموضع وعمارته والنظر في أمر مصالح.
قال ابن مأكولا: هو سلمان الخي.
قال سلمان الفارس: كنت رجلاً من أهل جيّ وكان أهل جيّ يعبدون الخيل البلق، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء، فقيل لي: إن الدين الذي تطلب هو قبل المغرب فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل، فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة " أو في صومعة " فأتيته فقلت: أني رجل من أهل المشرق وقد جئت في طلب الخير، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك تعلمني مما علمك الله، قال: نعم، فصحبته فأجرى علي مثل الذي يجري عليه من الحبوب والخل والزيت، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه، ثم نزل به الموت. فلما نزل به الموت جلستند رأسه أبكي قال: ما يبكيك؟ قلت: انقطعت عن بلادي في طلب الخير فرزقني الله صحبتك فأحسنت صحبتي وعلمتني ما علمك الله، وقد نزل بك الموت، فلا أدري أين أذهب؟ قال: بلى، أخ لي بمكان كذا وكذا فأته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أوصيت بك إليه وأصحبه فإنه على حق.
فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي. قلت: إن فلاناً أخاك يقرئك السلام، قال: وعليه السلام، ما فعل؟ قلت: هلك، وقصصت عليه قصتي، ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته، فقبلني وأحسن صحبتي، وأجرى علي مثل ما كان يجري علي عند الآخر، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: أقبلت من بلادي فرزقني الله صحبة فلان، فأحسن صحبتي وعلمني مما علمه الله. فلما نزل به الموت أوصى بي إليك فأحسنت صحبتي وعلمتني ما علمك الله، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه؟ قال: بلى، لي أخ على درب الروم ائته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أمرتك بصحبته، فاصحبه فإنه على الحق.
فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي فقلت: إن فلاناً أخاك يقرئك السلام. قال: ما فعل؟ قلت هلك، وقصصت عليه قصتي، وأخبرته أنه أمرني بصحبتك، فقبلني وأحسن صحبتي، وعلمني مما علمه الله، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت: رزقني الله صحبتك وقد نزل لك الموت فلا أدري إلى أين أذهب؟ قال: لا أين، إنه لم يبق على دين عيسى عليه السلام أحد من الناس أعرفه، ولكن هذا أوان " أو زمان " مخرج نبي، ويخرج " أو قد يكون خرج " بأرض تهامة فالزم قبتي وسل من مر بك من التجار " وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم " وسل من قدم عليك من أهل الحجاز: هل خرج فيكم أحد تنبأ؟ فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته، فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. قال: فقبض الرجل. ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته من أي بلاد أنتم؟ حتى مر بي ناس من أهل مكة فسألتهم من أي بلاد أنتم؟ قالوا من الحجاز، قلت هل خرج فيكم أحد يزعم إنه نبي قالوا: نعم قلت هل لكم إلا أن أكون عبداً لبعضكم على أن يحملني عقبة ويطعمني كسرة حتى يقدم بي مكة، فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك؟ قال رجلاً من القوم: أنا، فصرت عبداً له، فجعل يحملني عقبة، ويطعمني كسرة حتى قدمت مكة.
فلما قدمت مكة جعلني في بستان له مع حبشان فخرجت حرجة، فطفت بمكة، فإذا امرأة من أهل بلادي فسألتها فكلمتها فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم، فسألتها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يجلس في الحجر إذا صاح عصفور مكة مع أصحابه حتى إذا أضاء له الفجر تفرقوا. قال: فرجعت اختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي، قالوا: مالك؟ قلت: اشتكي بطني. فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه، فجئته من خلفه فعرف الذي أريد، فأرسل حبوته فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فقلت في نفسي الله أكبر، هذه واحدة.
فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثلما صنعت في الليلة التي قبلها لا ينكرني
أصحابي، فجمعت شيئاً من تمر، فلما كانت الساعة التي جلس فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيته، فوضعت التمر بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال لأصحابه: كلوا ولم يمد يده. قلت في نفسي: الله أكبر هذه اثنتان. فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئاً من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه قال: ما هذا؟ قلت: هدية، فأكل وأكل القوم. قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فسألني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قصتي فأخبرته، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق فاشتر نفسك. فأتيت صاحبي فقلت: بعني نفسي قال: نعم أبيعك نفسك بأن تغرس لي مئة نخلة إذا نبتت وتبين نباتها، وثبتت وتبين ثباتها جئتني بوزن نواة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، قال: فأعطه الذي سألك وجئني بدلو من ماء البئر الذي يسقي " أو تسقي " به ذلك النخل. قال: فانطلقت إلى الرجل فابتعت نفسي منه، فشرطت له الذي سألني، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقي به ذلك النخل به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فانطلقت فغرست به ذلك النخل، فوالله ما غدرت منه نخلة واحدة. فلما تبين نبات النخل " أو ثبات النخل " فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوزن نواة من ذهب فأعطانيها، فذهبت بها إلى الرجل فوضعها في كفة الميزان ووضع نواة في الجانب الآخر، فوالله ما قلت من الأرض، فأتيت بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه " قال: فانطلقت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت معه.
قال سلمان الفارسي:
كنت فيمن ولد برامهرمز، وبها نشأت، وأما أبي فمن أصبهان، وكانت أمي لها غنى وعيش، فأسلمتني أمي إلى الكتاب، فكنت أنطلق مع غلمان من قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من كتاب الفارسية، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل طويل عليه ثياب شعر، ونعلان من شعر، فأشار إلي فدنوت منه، فقال: يا غلام، تعرف عيسى بن مريم؟ فقلت: لا، ولا سمعت به، قال: أتدري من عيسى بن مريم؟ هو رسول الله، آمن بعيسى، إنه
رسول الله، وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيمها لا يفنى، فلما قال إنها لا تفنى، فرأيت الحلاوة النور يخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي، ففارقت أصحابي، وقلت: لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي، وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فأنقطع دونه، وكان أول من علمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن عيسى بن مريم رسول الله، ومحمد بعده رسول الله، والإيمان بالبعث بعد الموت، فأعطيته ذلك، وعلمني القيام في الصلاة، وكان يقول: إذا قمت في الصلاة فاستقبل القبلة فإن احتوشتك النار فلا تلتفت، وإن دعتك أمك وأبوك في صلاة الفريضة فلا تلتفت إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وكنت في فريضة فاقطعها، فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله. وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول القنوت الأمان على الصراط، وأمرني بطول السجود، وزعم أن طول السجود الأمان من عذاب القبر. وقال: لا تكذبنّ مازحاً ولا جاداً حتى يسلّم عليك ملائكة الله أجمعين. وقال: لا تعصين في طمع ولا عنت، حتى لا تحجب عن الجنة طرفة عين. ثم قال: إذا أدركت محمداً الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني. وذكر إسلامه بطوله.
ومن حديث آخر مختصراً أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد بن صوحان أتياه أن يكلم لهما سلمان أن يحدثهما بحديثه كيف كان أول إسلامه، فأتوا سلمان وهو على المدائن أمير، فإذا هو على كرسي قاعد وبين يديه خوص يسفه فقال سلمان: كنت يتيماً في رامهرمز، وكان ابن دهقان من رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته، وكان لي أخ أكبر مني، وكان مستغنياً في نفسه، وكنت غلاماً فقيراً، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه، فإذا تفرقوا خرج فتقبع في ثوبه ثم يصعد الجبل، فقلت: لم لا تذهب بي معك؟ قال: أنت غلام، وأخاف أن يظهر منك شيء. قال: قلت لا تخف، قال: في هذا الجبل قوم في برطيل، لهم
عبادة، يذكرون الله والآخرة، ويزعمون أنّا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على غير دين فقلت: فاذهب بي معك إليهم، قال: حتى أستأمرهم، وأنا أخاف أن يظهر من ذلك شيء، فيعلم أبي، فيجري هلاكهم على يدي. قال: قلت لن يظهر من ذلك شيء، فاستأمرهم، فانتهينا إليهم، فإذا هم في برطيلهم وهم ستة أو سبعة، وكأن الروح قد خرجت منهم من العبادة، يصومون النهار، ويقومون الليل، يأكلون من الشجر وما وجدوا. فقعدنا إليهم، فتكلموا، فحمدوا الله وأثنوا عليه، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء، حتى خلصوا إلى عيسى بن مريم فقالوا: ولد لغير ذكر، وبعثه الله رسولاً، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأعمى والأبرص، فكفر به قوم، وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه، قال: فقالوا له قبل ذلك: يا غلام إن لك رباً، وإن لك معاداً، وإن بين يديك جنة ونار إليها تصير، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون وليسوا على دين.
ثم انصرفنا، وغدونا إليهم، فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم، فقالوا لي: يا سلمان، إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع ما نصنع، فصل ونم وكل واشرب، قال: فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب الخيل حتى أتاهم في برطيلهم، فقال: يا هؤلاء، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً، فعمدتم إلى ابني، فأفسدتموه عليّ، وقد أجلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا، فالحقوا ببلادكم، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء، قالوا: نعم، ما أردنا مساءتك، ولا أردنا إلا الخير، فكف أبنه عن إتيانهم، فقلت له: اتق الله، فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن أباك ونحن على غير دين، قال: يا سلمان، هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بقياً عليهم، ثم لقيت أخي فعرضت عليه، فقال: أنا مشتغل بنفسي في طلب المعيشة. فأتيهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقلت: ما أنا بمفارقكم، قالوا: إنك لا تقدر أن تكون معنا، نحن نصوم النهار، ونقوم الليل، ونأكل الشجر وما أصبنا، وأنت لا تستطيع ذلك قال: قلت: لا أفارقكم، قالوا: أنت أعلم، وإذا أبيت فاطلب حذاء يكون معك، واحمل معك شيئاً تأكله، فإنك لن تستطيع ما نستطيع نحن، قال: ففعلت.
وقدمنا الموصل، فأتينا بيعة الموصل، فلما دخلوا حفّوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله، بها عبدة نيران، فطردونا فقدمنا عليكم.
فلما كان بعد قالوا: يا سلمان، إن ها هنا قوماَ في هذه الجبال هم أهل دين، وإنا نريد لقاءهم، فكن أنت ها هنا، فقلت: ما أنا بمفارقكم، فخرجوا، وأنا معهم، فأصبحنا بين جبال، وإذا صخرة وماء كثير وخير كثير، فقعدنا تحت الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال، خرج كل رجل من مكانه كأن الأرواح انتزعت منهم، فرحبوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا تذكر الله، فيها عبدة للنيران، وكنا نعبد الله فيها فطردونا، فقالوا: ما هذا الغلام؟ فطفقوا يثنون عليّ، قال: فإنهم لكذلك إذا طلع عليهم رجل من الكهف، رجل طوال فجاء حتى سلم، وجلس، فحفوا به وعظموه وأحدقوا به، فقال لهم: أين كنتم؟ فأخبروه، قال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليّ خيراً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر من أرسل الله من رسله وأنبيائه، وما لقوا وما صنع بهم، حتى ذكر مولد عيسى بن مريم وأنه ولد لغير ذكر، فبعثه الله رسولاً، وأجرى على يديه إحياء الموتى، وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بأذن الله، وأنزل عليه الإنجيل، وعلمه التوراة، وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل، فكفر به قوم، وآمن به قوم، وذكر بعض ما لقي عيسى، وأنه لما كان عبداً أنعم عليه، فشكر ذلك، ورضي الله عنه، حتى قبضه الله، وهو يعظهم. ويقول: اتقوا الله وألزموا ما جاء به عيسى، ولا تخالفوا فيخالف بكم. ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً فليأخذ. فجعل الرجل يقوم فيأخذ الحرّة من الماء والطعام والشيء، فقام أصحابي الذين جئت معهم، فسلموا عليه، وعظموه، فقال لهم: ألزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا، واستوصوا بهذا الغلام خيراً، فقال لي: يا غلام، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله، وما سواه كفر. قال: قلت: ما أفارقك. قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي، لأني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد، وأقبل علي أصحابي وقالوا: يا غلام لا تستطيع أن تكون معه، قلت: ما أنا بمفارقك، فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي، فقال: خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر، وخذ
من هذا الماء ما تكتفي به، ففعلت. وتفرقوا، وذهب كل إنسان على مكانه، وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل وانفتل وقال: ضع ما معك وكل واشرب، وقام يصلي فقمت خلفه أصلي فانفتل إليّ وقال: إنك لا تستطيع هذا، ولكن صل ونم وكل واشرب، ففعلت، فما رأيته نائماً ولا طاعماً إلا راكعاً ساجداً إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا قال: خذ جرتك هذه وانطلق، فخرجت معه حتى انتهينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال، فقعدوا، وعاد في حديثه نحو المرة الأولى، وإذا خبز كثير وماء، فأخذوا، وتفرقوا في تلك الجبال، ورجع إلى كهف فرجعت معه، فلبثنا كذلك إلى ما شاء الله، فخرج في أحد. فلما اجتمعوا حمد الله، ووعظهم، وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك: أني كبر سني ورق عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد لي من إتيانه، فاستوصوا بهذا الغلام خيراً. قال: فجزع القوم وقالوا: أنت كبير، وأنت وحدك، ولا نأمن أن يصيبك الشيء، قال: لا تراجعوني، لا بد من إتيانه. قال: قلت: ما أنا بمفارقك. قال: يا سلمان، قد رأيت حالي وما كنت عليه، أنا أمشي وأصوم النهار وأقوم الليل، ولا أستطيع أن أحمل معي زاداً ولا غيره، ولا تقدر أنت على هذا، قلت: ما أنا بمفارقك. قال: فبكوا وودعوه.
فخرج، وخرجت معه، وقال لي: احمل معك من هذا الخبز شيئاً تأكله، فمشى واتبعته، يذكر الله ولا يلتفت، ولا يقف على شيء، حتى إذا أمسى قال: يا سلمان، صل أنت ونم وكل واشرب، ثم قام هو يصلي إلى أن انتهى إلى بيت المقدس، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء إذا مشى حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وإذا على الباب مقعد، قال: يا عبد الله، قد ترى حالي، فتصدق عليّ بشيء، فلم يلتفت إليه، ودخل المسجد، ودخلت معه فجعل يتبع أمكنة من المسجد يصلي فيها، ثم قال: يا سلمان، إني لم أنم منذ كذا وكذا، فإن أنت جعلت لي أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد، وإلا لم أنم، فقلت: إني أفعل. فنام، فقلت في نفسي: هذا لم ينم منذ كذا وكذا، وقد رأيت بعض ذلك، لأدعنّه ينام حتى يشتفي من النوم، وكان فيما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني، ويخبرني أن لي ربّا، وأن بين يديّ جنة وناراً وحساباً، ويعلمني ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول لي: يا سلمان، إن الله سوف يبعث رسولاً اسمه أحمد يخرج بتهامة، وكان رجلاً أعجمياً لا يحسن أن يقول تهامة
ولا محمد، علامته أنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب، وأما أنا فأني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه، فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه، قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه. قال وإن أمرك، فإن الحق بما يجيء به ورضي الرحمن فيما قال. قال: فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعاً يذكر الله، فقال: يا سلمان، مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله، أين ما جعلت على نفسك؟ قلت: أخبرتني إنك لم تنم منذ كذا وكذا، ورأيت بعض ذلك، فأحببت أن تشتفي من النوم، فحمد الله وقام.
فخرج وتبعته فمر بالمقعد فقال المقعد: يا عبد الله، دخلت فسألتك فلم تعطني. وخرجت فسألتك فلم تعطني، فقام ينظر هل يرى أحداً فلم يره، فدنا منه فقال: ناولني يدك فناوله فقال: قم بسم الله، فقام كأنه نشط من عقال، صحيحاً لا عيب به، فخلى عن يده، فانطلق ذاهباً، وكان لا يلوي على أحد، ولا يقوم عليه، فقال لي المقعد: يا غلام، احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي، فحملت عليه ثيابه، وانطلق لا يلوي على أحد، فخرجت في أثره أطلبه، وكلما سألت عنه قالوا أمامك، حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم. فلما سمعوا لغتي أناخ رجل بعيره، فحملني خلفه حتى أتوا بي بلادهم، فباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها. وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرت به، فأخذت شيئاًً من تمر حائطي فجعلته على يدي ثم أتيته، فوجدت عنده أناساً، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال للقوم: كلوا، ولم يأكل هو، ثم لبثت ما شاء الله، ثم أخذت مثل ذلك وأتيته، فوجدت عنده أناساً، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا قلت هدية. قال: بسم الله، فأكل وأكل القوم، قال: قلت في نفسي: هذه من آياته، كان صاحبي رجلاً أعجمياً فلم يحسن يقول تهامة فقال: تهمة، وقال: أحمد، فدرت خلفه ففطن لي فأرخى ثوبه، فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر، فتبينته، ثم درت حتى
جلست بين يديه، فقلت: اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: من أنت؟ قلت: مملوك فحدثته حديثي وحديث الرجل الذي كنت معه، وما أمرني به، قال: لمن أنت؟ قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني حائطاً لها، قال: يا أبا بكر، قال: لبيك قال: اشتره. قال: فاشتراني أبو بكر، فأعتقني. فلبثت ما شاء الله أن ألبث، ثم أتيته، فسلمت عليه، وقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النصارى؟ قال: لا خير فيهم ولا في دينهم. فدخلني أمر عظيم، فقلت في نفسي: هذا الذي كنت معه، ورأيت ما رأيت ثم رأيت أخذ بيده المقعد، فأقامه الله على يديه لا خير في هؤلاء ولا في دينهم، فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله عزّ وجلّ، فأنزل الله عزّ وجلّ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذلك أن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " إلى أخر القصة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علي بسلمان، فأتاني الرسول، فدعاني وأنا خائف، فجئت فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " إلى آخر الآية، فقال: يا سلمان، أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين، فقلت: يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك، فقلت له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه فأتركه؟ قال: نعم، فاتركه، فإن الحق وما يحبّ الله فيما يأمرك.
وفي حديث أخر: وكان ليهود فاشتراه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكذا وكذا درهماً، وعلى أن يغرس نخلاً، فيعمل بها سلمان حتى تطعم، فغرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل نخلة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما شأن هذه؟ قال عمر: يا رسول الله، أنا غرستها قال: فنزعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم غرسها فحملت من عامها.
وعن سلمان الفارسي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أملى الكتاب على علي بن أبي طالب: هذا ما فادى محمد بن عبد الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي ثم القرظي بغرس ثلاث مئة نخلة وأربعين أوقية ذهباً، فقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن الفارسي، وولاؤه لمحمد بن عبد الله رسول الله وأهل بيته، وليس
لأحد على سلمان سبيل. شهد على ذلك أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، بلال مولى أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وكتب علي بن أبي طالب يوم الاثنين في جمادي الأولى مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله.
وعن سلمان الفارسي قال: تداولني بضعة عشر من رب إلى ربّ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سابق ولد آدم، وسلمان سابق أهل فارس " وعن سلمان قال:
جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون أبا ذر وسلمان وفقراء المسلمين " وكانت عليهم جباب صوف، ولم يكن عليهم غيرها " جلسنا إليك، وحادثناك، وأخذنا عنك، فأنزل الله عزّ وجلّ " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله " اعتدنا للظالمين ناراً " يتهددهم بالنار، فقام نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات.
وعن الكلبي قال: قال عيينة بن حصن: ما يمنعني من مجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ريح سلمان تؤذيني قال: فنزلت " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ونزلت " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله تعالى: " وكان أمره فرطاً " يعني عيينة بن حصن.
وعن الربيع قال: كان رجال يسعون إلى مجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم بلال وصهيب وسلمان، فيجيء أشراف قومهم وساداتهم، وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون إليه، فقالوا: صهيب رومي، وسلمان فارسي، وبلال حبشي يجلسون عنده، ونحن نجيء ونجلس ناحية، فذكروا ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا، فهم أن يفعل فأنزل الله تعالى هذه الآية يعني قوله عزّ وجلّ: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم ".
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذه الرجل فما بال هؤلاء فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ تلبيبه، ثم أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره مقالته، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجر رداءه حتى دخل المسجد، ثم نودي الصلاة جامعة، وقال: أيها الناس، إن الربّ واحد والأب أبّ واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي، فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبه قال: فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله؟ قال: دعه، إلى النار، فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل.
وعن أبي هريرة قال: تخطّى سلمان الفارسي رضي الله عنه حلقة قريش وهم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلسه، فالتفت إليه رجل منهم فقال: ما حسبك ونسبك، وبم اجترأت أن تتخطى حلقة قريش؟! قال: فنظر إليه سلمان الفارسي فأرسل عينيه وبكى وقال: سألتني عن حسبي ونسبي، خلقت من نطفة قذرة، فأما اليوم ففكرة وعبرة، وغداً جيفة منتنة، فإذا نشرت الدوافن، ونصبت الموازين، ودعي الناس لفصل القضاء فوضعت في الميزان فإن أرجح الميزان فأنا شريف كريم، وإن أنقص الميزان فأنا اللئيم الذليل، فهذا حسبي وحسب الجميع، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق سلمان، صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر قلبه فلينظر إلى سلمان.
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خط الخندق عام الأحزاب، فاحتج المهاجرون والأنصار أن سلمان الفارسي، كان رجلاً قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سلمان منا أهل البيت.
قال الواقدي: أول غزوة غزاها سلمان رضي الله عنه الخندق: وعن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عزّ وجلّ يحب في أصحابي أربعة، أخبرني أنه يحبهم وأمرني أن أحبهم، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: إن علياً منهم، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي " وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان " وفي حديث أخر عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي، وسلمان، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، رضي الله عنهم. " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هذا جبريل يخبرني عن الله تبارك وتعالى: ما أحبّ أبا بكر وعمر إلا مؤمن تقي ولا أبغضهما إلا منافق شقي، وإن الجنة لأشوق إلى سلمان الفارسي من سلمان إليها. " وعن أبي جعفر بن علي عن أبيه عن جده قال: أتى جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إن الله عزّ وجلّ يحب من أصحابك ثلاثة فأحبّهم: علي بن أبي طالب، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، قال: فأتاه جبريل فقال له: يا محمد، إن الجنة لتشتاق لثلاثة من أصحابك، وعنده أنس بن مالك، فرجا أن يكون
لبعض الأنصار. قال: فأراد أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم فهابه، فخرج فلقي أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، إني كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنفاً فأتاه جبريل فقال: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فرجوت أن يكون لبعض الأنصار فهبته أن أسأله، فهل لك أن تدخل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتسأله؟ فقال: إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم ويشمت بي قومي، ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل قول أبي بكر، قال: فلقي علياً فقال له علي: نعم، إن كنت منهم فأحمد الله، وإن لم أكن منهم فحمدت الله، فدخل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أن أنساً حدثني أنه كان عندك آنفاً وإن جبريل أتاك فقال: يا محمد: أن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فمن هم يا نبي الله؟ قال: أنت منهم يا علي، وعمار بن ياسر، وسيشهد معك مشاهد بيناً فضلها عظيما خيرها، وسلمان وهو منا أهل البيت، وهو ناصح فاتخذه لنفسك.
وعن أبي البحتري قال: قيل لعلي عليه السلام: أخبرنا عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عن أيهم تسألون؟ قالوا: عن عبد الله، قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى به علماً، قالوا: عمار، قال: مؤمن نسي، فإن ذكرته ذكر. قالوا: أبو ذر، قال: وعي علماً عجز فيه، قالوا: أبو موسى، قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. قالوا: حذيفة، قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا: سلمان، قال: أدرك علم الأول وعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: فأنت يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم هذه الأمة بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقضاهم عليّ، وأصدقهم حياء عثمان، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأقرأهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأبو هريرة وعاء من العلم، وسلمان علم لا يدرك، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وعن يزيد بن أبي أوفى قال:
دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده فقال: أين فلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم، ويبعث إليهم حتى توافوا عنده، فلما توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أني محدثكم حديثاً فاحفظوه وعوه، وحدثوا به من بعدكم: إن الله عزّ وجلّ أصطفى من خلقه خلقاً ثم تلا: " والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس " خلقاً، يدخلهم الجنة، وأني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخى الله عزّ وجلّ بين ملائكته، قم يا أبا بكر فاجث بين يدي فإن لك عندي يداً، الله يجزيك بها، لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتك خليلاً، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي، ثم تنحى أبو بكر، ثم قال: أدن مني يا عمر فدنا منه فقال: لقد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل بن هشام ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبهم إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة، ثم تنحى عمر، ثم آخى بينه وبين أبي بكر ثم دعا عثمان فقال: ادن أبا عمرو، ادن أبا عمرو، فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماء فقال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرّها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده ثم قال: اجمع عطفي ردائك على نحرك، ثم قال: إن لك شأناً في أهل السماء، أنت ممن يرد على حوضي وأوداجك تشخب دماً، فأقول من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان وفلان، وذلك كلام جبريل إذا هاتف يهتف من السماء فقال: ألا إن عثمان أمير كل مخذول، ثم تنحى عثمان، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: ادن يا أمين الله، أنت أمي الله، وتسمى في السماء الأمين، يسلطك الله على مالك بالحق، أما إن لك عندي دعوة قد وعدتكها وقد أخرتها، قال: خرّ لي يا رسول الله، قال: حملتني يا عبد الرحمن أمانة ثم قال: إن لك لشأناً يا عبد الرحمن، أما أنه أكثر الله مالك، وجعل يقول بيده هكذا وهكذا، ثم تنحى عبد الرحمن، ثم آخى بينه وبين عثمان، ثم دعا طلحة والزبير ثم قال لهما: ادنوا مني فدنوا منه فقال لهما: أنتما حواري كحواري عيسى بن مريم، ثم آخى بينهما، ثم دعا عمار بن ياسر وسعداً وقال: يا عمار، تقتلك الفئة الباغية، ثم آخى بينه وبين سعد، ثم دعا عويمر بن
زيداً أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال: يا سلمان، أنت منا أهل البيت، وقد أتاك الله العلم الأول والآخر، والكتاب الأول والآخر ثم قال: ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن تنتقدهم ينتقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك، وإن تهرب منهم يدركوك، فاقرضهم عرضك ليوم فقرك، وأعلم أن الجزاء أمامك، ثم آخى بينه وبين سلمان، ثم نظر في وجوه أصحابه فقال ابشروا وأقروا عيناً، أنتم أول من يرد عليّ حوضي، وأنتم في أعلى الغرف، ثم نظر عبد الله بن عمر فقال: الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ويلبس من الضلالة على من يحب، فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا نبي الله: قال: ما ورث الأنبياء من قبلي. قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إخواناً على سرر متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا هذه الآية: " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس.
وروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغة قول سلمان لأبي الدرداء: إن لأهلك عليك حقاً، ولبصرك عليك حقاً فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم.
وعن أبي أمامة قال: أشخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصره إلى السماء فقلنا: ما هذه يا رسول الله؟ قال: رأيت ملكاً عرج بعمل سلمان.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: فقد رسول الله سلمان فسأل عنه، فأخبر أنه عليل، فأتاه يعوده ثم قال: عظم الله أجرك، ورزقك العافية في دينك وجسمك إلى منتهى أجلك، إن لك من وجعك خلالاً ثلاثاً: أما واحدة فتذكرة من ربك تذكر بها، وأما الثانية فتمحيص لما سلف من ذنوبك، وأما الثالثة فادع بما شئت فإن دعاء المبتلي مجاب.
هذا منقطع.
وعن قتادة في قوله: " قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: منهم سلمان، وعبد الله بن سلام.
وعن الربيع بن أنس في قوله عزّ وجلّ: " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً " قال: هم قوماً يفرون إلى الله عزّ وجلّ، فيعطون ويحبون ويكرمون ويشفعون، منهم سلمان الفارسي.
وعن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التفسير: " إن الذي أمنوا الله وهادوا " الآية قال: نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي، وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم.
وعن أنس قال: قيل يا رسول الله، عمن نكتب العلم بعدك؟ قال: عن علي وسلمان.
وعن محمد بن سيرين قال: دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم الجمعة فقيل له: هو نائم. فقال: ماله؟ قالوا: إنه إذا كان ليلة الجمعة أحياها، ويصوم يوم الجمعة. قال: فأمرهم فصنعوا طعاماً في
يوم الجمعة ثم أتاهم فقال: كل، قال: إني صائم. فلم يزل به حتى أكل، ثم أتيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرا له ذلك فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عويمر، سلمان أعلم منك " وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء " عويمر، سلمان أعلم منك، ثلاث مرات، لا تخص ليلة الجمعة بقيام الليالي، ولا تخص يوم الجمعة بصيام بين الأيام.
وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قالوا يعني لعلي: يا أمير المؤمنين، فحدثنا عن سلمان الفارسي قال: ذلك رجل منا أهل البيت، أدرك علم الأولين والآخرين، من لكم بلقمان الحكيم.
قال عمرو بن ميمون: لما حضر لمعاذ الموت بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قال: أما إنه ليس عليك أبكي إنما أبكي على العلم الذي يذهب معك، قال: إن العلم والإيمان ثابتان إلى يوم القيامة، فالتمس العلم عند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإنه عاشر عشرة في الجنة، وسلمان الفارسي، وعويمر أبي الدرداء، فلحقت بعبد الله بن مسعود فأمرني بما أمره به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصلي الصلاة لوقتها، وأجعل صلاتهم تسبيحاً.
وعن المدائني قال: قال سلمان: لو حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا: رحم الله قاتل سلمان.
وعن قتادة وعلي بن زيد بن جدعان قالا: كان بين سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي شيء، فقال سعد وهم في مجلس: انتسب يا فلان فانتسب، ثم قال للآخر: انتسب، ثم قال للآخر حتى بلغ سلمان، فقال: انتسب يا سلمان، فقال: ما أعرف لي أبا في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام، فنمي ذلك إلى عمر، فقال لسعد ولقيه: انتسب يا سعد فقال أنشدك بالله يا أمير المؤمنين، قال: وكأنه عرف فأبى أن يدعه حتى أنتسب، ثم قال للآخر حتى بلغ سلمان فقال: انتسب يا سلمان، فقال: أنعم الله عليّ بالإسلام، فأنا سلمان ابن الإسلام، فقال عمر: لقد علمت قريش أن الخطّاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان ابن الإسلام، أما والله لولا شيء لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار، أما علمت أو ما سمعت أن رجلاً
انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية، فكان عاشرهم في النار، وانتمى رجل إلى رجل في الإسلام وترك ما فوق ذلك فكان معه في الجنة.
وعن عمرو بن قيس قال: قيل لسلمان الفارسي: ما حسبك؟ قال: كرمي ديني، وحسبي التراب، ومن التراب خلقت، وإلى التراب أصير، ثم أبعث وأصير إلى الموازين، فإن ثقلت موازيني فما أكرم حسبي وما أكرمني على ربي يدخلني الجنة، وإن خفت موازيني فما ألأم حسبي وما أهونني على ربي ويعذبني إلا أن يعود بالمغفرة والرحمة على ذنوبي.
ومن شعر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: من الطويل
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على الحسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد هجن الشرك الشريف أبا لهب
وعن قتادة كره أن يقول سلمان الفارسي ولكن سلمان المسلم.
وعن مسلم البطين. أن عمر رضي الله عنه جعل عطاء سلمان رضي الله عنه أربعة آلاف.
قال ثابت البناني:
كتب عمر بن الخطاب إلى سلمان أن زرني، قال فخرج سلمان إليه، فلما بلغ عمر قدومه قال لأصحابه: هذا سلمان قد قدم، فانطلقوا نتلقاه قال: فلقيه عمر فالتزمه وساءله، ثم رجعا إلى المدينة سلمان وعمر، فقال له عمر: يا أخي، أبلغك عن شيء تكرهه؟ لما أخبرتني به، قال: لولا أنك عزمت ما أخبرتك، بلغني عنك شيء كرهته: بلغني عنك أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم، وبلغني أن لك حلتين، حلة تلبسها في أهلك، وحلة تخرج فيها، قال: هل غير ذا؟ قال: لا، قال: كفيت هذا. أظنه قال: لن أعود إليه أبداً.
والحلة: إزار ورداء.
وعن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال: أرضاك الله عبداً. قال: فزوجني. قال: فسكت عنه. قال: أترضاني لله عبداً ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر فقال: حاجة؟ قالوا: نعم. قال: وما هي إذاً تقضى؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر، يعنون خطبته إلى عمر فقال: أما والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة. قال: فتزوج في كندة " الحديث.
وفي حديث غيره عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فبنى بها في بيتها، فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته. فلما بلغ البيت قال: ارجعوا أجركم الله، ولم يدخلهم عليها كما فعل السفهاء، فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟؟ قالوا: ما بيتنا بمحموم ولا تحولت الكعبة في كندة، فلم يدخل البيت حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب، فلما دخل رأى متاعاً كثيراً فقال: لمن هذا المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك، قال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي ألا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب، ورأى خدماًن فقال: لمن هذا الخدم؟ قالوا: خدمك وخدم امرأتك فقال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي ألا أمسك إلا من أنكح أو أنكح، فإن فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيء، ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته: هل أنتن مخرجات عني مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن: نعم، فخرجن، فذهب إلى الباب حتى أجافه وأرخى الستر، ثم جاء جلس عند امرأته، فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء أمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطاع. قال: فإن خليلي أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن اجتمع على طاعة الله، فقام وقامت إلى المسجد فصليا لما بدا لهما، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غداً عليه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال: إنما جعل الله الستور والجدر والأبواب ليوارى ما فيها، حسب كل امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له فأما ما غاب عنه فلا
يسألن عن ذلك. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق.
وعن عبد الله بن فيروز قال: كانت امرأة سلمان الفارسي بالمدائن فحزن عليها، فبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم. بلغني يا أبا عبد الله سلمان مصيبتك بأهلك، وأوجعني ما أوجعك، ولعمري لمصيبة تقدم أجرها خير نعمة تسأل عن شكرها، ولعلك لا تقوم بها، والسلام عليك.
قال أبو الدرداء: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشياً وعليه كساء وأندرورد يعني سراويل مشمرة.
قال ابن شوذب: رئي سلمان وعليه كساء، مطموم الرأس ساقط الأذنين، يعني أنه كان أرقش، فقيل له: شوهت بنفسك فقال: أن الخير خير الآخرة.
وعن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله، خشعت لله.
وعن خليفة بن سعيد المرادي عن عمه قال: رأيت سلمان الفارسي بالمدائن في بعض طرقها يمشي، فزحمته حملة من قصب، فأوجعته فتأخر إلى صاحبها الذي يسوقها، فأخذ بعضده فحركه، ثم قال: لا متّ حتى تدرك إمارة الشباب.
وعن علي بن أبي طلحة قال:
اشترى رجل علفاً لفرسه فقال لسلمان: يا فارسي، تعال فاحمل. فحمل وأتبعه،
فجهل الناس يسلمون على سلمان فقال: من هذا؟ قالوا: سلمان الفارسي، فقال: والله ما عرفتك، أعطني. قال سلمان: لا، أني أحتسب بما صنعت خصالاً ثلاثاً: أما إحداهن فإني ألقيت عني الكبر، وأما الثانية فإني أعين رجل من المسلمين على حاجته، وأما الثالثة فلو لم تسخرني لسخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي.
قيل لسلمان: ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها.
وعن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفاً من الناس، يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده وكان عطاؤه أربعة آلاف، كان من ثياب فيتصدق بها ويعمل الخوص.
قال النعمان بن حميد: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن ((وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: اشتري خوصاً بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهي.
قال مالك: كان سلمان الفارسي يعمل الخوص بيده، ولا يقبل من أحد شيئاً، وكان يعيش به، ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بظل الجدر والشجر، وأن رجلاً قال له: أنا أبني لك بيتاً قال: مالي به حاجة، فما زال الرجل يردد عليه ذلك ويأبى سلمان حتى قال الرجل: إني أعرف البيت الذي يوافقك قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتاً إذا أنت قمت به أصاب رأسك سقفه، وإذا مددت رجلك أصابتا الجدار. قال: نعم، قال فبنى له.
قال فضيل بن عياض: لبس جبة صوف فقيل له: لو لبست ألين من هذا فقال: إنما أنا عبد ألبس ما يلبس العبيد، فإذا مت لبست جبة لا تبلى حواشيها
وعن جرير بن عبد الله قال: نزلت الصفاح في يوم صائف شديد الحر، فإذا رجل نائم في حر الشمس، مستظل بشجرة معه شيء من طعام ومزود له تحت رأسه، ملتف بعباءة قال جرير: فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا فإذا قد انتبه الرجل وإذا هو سلمان الفارسي، قال: فقلت له: ظللنا عليك وما نعرفك فقال: يا جرير، تواضع في الدنيا، فإن من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة، يا جرير، لو حرصت على أن تجد عوداً يابساً في الجنة لم تجده. قال: قلت: وكيف يا سلمان وفيها الثمار؟؟ قال: فقال: أصول الشجر الذهب والفضة وأعلاها الثمار، يا جرير، ري ما ظلمة النار؟ قال: لا. قال: فإنه ظلم الناس بعضهم بعضاً في الأرض.
وعن عبد الله بن سلمة قال: كان سلمان إذا أصاب شاة من الغنم ذبحت أو ذبحوها عمد إلى جلدها فيعمل منه جراباً، وإلى شعرها فيجعل منه حبلاً، وإلى لحمها فيقدده، ويستنفع بجلدها، ويعمد إلى الحبل فينظر رجلاً معه قوس قد صدع به فيعطيه، ويعمد إلى اللحم فيأكله في الأيام، وإذا سئل عن ذلك يقول: أن أستغني بالله في الأيام أحب إليّ من أن أفسده ثم أحتاج إلى ما في أيدي الناس.
قال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً، ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه.
كتب سلمان إلى أبي الدرداء أن العلم كالينابيع يغشاهن الناس، فيختلجه هذا وهذا فينفع الله به غير واحد، وإن حكمة لا يتكلم بها كجسد لا روح فيه، وإن علماً لا يخرج ككنز لا ينفق منه، وإنما مثل العالم كمثل رجل حمل سراجاً في طريق مظلم يستضيء به من مرّ به، وكل يدعو له بالخير.
قال حميد بن هلال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء بالشام، وسكن سلمان الكوفة، قال: فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك، أما بعد فإن الله رزقني بعدك مالاً وولداً، ونزلت الأرض المقدسة، قال: فكتب إليه سلمان: سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إليّ أنّ الله عزّ وجلّ رزقك مالاً وولداً، واعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظم حلمك، أن ينفعك علمك، وكتبت إليّ أنك نزلت الأرض المقدسة وأن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى واعدد نفسك من الموتى.
قال يحيى بن سعد:
كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدّس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيباً، فإن كنت تبرئ فنعماً لك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً، فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إليّ أعيدا علي قصتكما.
قال أبو البختري: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي على سلمان، فدخلا عليه في خصّ في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه، وحيياه، ثم قالا: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أدري، فارتابا، وقالا: لعله ليس الذي نريد، فقال لهما: أنا صاحبكما الذي تريدان، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة فما جاء بكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام قال: من هو؟ قالا: أبو الدرداء، قال: فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهدية، قال: اتقيا الله، وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية، قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالاً فاحتكم فيها، قال: ما أريد أموالكما ولكن أريد الهدية التي بعث بها معكما قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا به لم يبغ أحداً غيره، فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام، قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟ وأي هدية أفضل من السلام، تحية من عند الله مباركة طيبة؟
قال ميمون بن مهران: جاء رجل على سلمان فقال: يا أبا عبد الله، أوصني. قال: لا تتكلم، قال: ما يستطيع من عاش بين الناس ألا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت. قال: زدني قال: لا تغضب قال: أمرتني ألا أغضب، وأنه ليغشاني ما لا أملك، قال: فأن غضبت فاملك لسانك ويدك، قال: زدني قال: لا تلابس الناس قال: ما يستطيع من عاش في الناس ألا يلابسهم قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأدّ الأمانة.
وعن سلمان قال: الناس ثلاثة: سامع فعاقل، وسامع فتارك، وسامع فعارف، ومن الناس حامل داء، ومنهم حامل شقاء، ومن الناس من إذا ذكرت الله عنده أعانك وأحبّ ذلك، وإن نسيت ذكرك، ومن الناس من إن ذكرت الله عنده لم يعنك، وإن نسيته لم يذكرك، فتواضع لله وتخشع، وخف الله يرفعك الله، وقل سلاماً للقريب والبعيد، فإن سلام الله لا يناله الظالمون، فإن رزقك الله علماً فابتغ إليه كي تعلم مما علمك الله، فإن مثل العلم الذي كمثل رجل حامل سراج على ظهر الطريق فكل من مر به يستبصر به، ويدعو له بالبركة والخير، وإن مثل علم لا يقال به كصنم نائم لا يأكل ولا يشرب.
وعن سفيان الثوري قال: قال سلمان الفارسي: إذا أظهرتم العلم وخزنتم العمل، وتحاببتم بالألسن وتباغضتم بالقلوب لعنكم الله فأصمتكم وأعمى أبصاركم.
وعن سلمان قال: مثل الرجل يلقى أخاه فيشكو إليه فيفرج عنه مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى.
وعن سلمان الفارسي قال: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك لا يدري أساخط عليه رب العالمين أم راض، وثلاث أحزنني حتى أبكينني:
فراق محمد وحزبه، وهو المطلع، والوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ، لا أدري إلى جنة يؤمر بي أم إلى نار.
وعن طارق شهاب الأحمسي عن سلمان الفارسي قال:
إذا كان الليل كان الناس منه على ثلاث منازل: فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له. قال طارق: فعجبت لحداثة سني وقلة فهمي فقلت: يا أبا عبد الله، وكيف ذلك؟ قال: أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى، فذلك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل يمشي في معاصي الله عزّ وجلّ فذلك عليه ولا له، ورجل نام حتى أصبح فذلك لا له ولا عليه. قال طارق: فقلت: لأصحبن هذا فلا أفارقه، فضرب على الناس بعث، فخرج فيه فصحبته، فكنت لا أفضله في عمل، إن أنا عجنت خبز، وإن خبزت طبخ، فنزلنا منزلاً فبتنا فيه، وكانت لي ساعة من الليل أقومها، فكنت أتيقظ لها فأجده نائماً فأنام، فأقول: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مني نائم، فأنام، ثم أقوم فأجده نائماً فأنام، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ، ثم ركع ركعات، فلما صلينا الفجر، قلت يا أبا عبد الله، كانت لي ساعة من الليل أقومها، وكنت أتيقظ لها فأجدك نائماً، فأقول: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مني نائم، فأنام، قال: يا بن أخي فأيش كنت تسمعني أقول؟ فأخبرته. فقال: يا بن أخي، تلك الصلاة، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتل، يا بن أخي عليك القصد فإنه أبلغ.
قال سعيد بن وهب: دخلت مع سلمان على صديق له يعوده فقال: إن الله إذا أبتلى عبده المؤمن بشيء من البلاء، ثم عافاه كان كفارة لما مضى، ومستعيناً فيما بقي، وإن الفاجر إذا أصابه الله
بشيء من البلاء ثم عافاه كان كالبعير عقله أهله، ثم أطلقوه، لا يدري فيم عقلوه لا فيم أطلقوه.
قال أبو قلابة: إن رجلاً دخل على سلمان وهو يعجن فقال: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين.
قال سلمان: أني لأعد عراق قدري مخافة الظن بخادمي.
قال شقيق: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانها عن التكلف لتكلفت لكم، قال: فجاءنا بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها فجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة.
وعن أبي البحتري أن سلمان دعا رجل إلى طعامه، فجاء مسكين فأخذ كسرة فناوله، فقال سلمان: ضعها حيث أخذتها، فإنما دعونا لتأكل، فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك الوزر عليك؟ وعن أنس قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ ألست قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألست؟ ألست؟ فقال: ما أبكاني واحدة من اثنين، ما أبكاني صبابة بالدنيا، ولا كراهية الآخرة، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلينا أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، فلا أراني إلا قد تعديته، وأما أنت يا سعد فاتق الله وحده عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت.
قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهماً نفيقة كانت عنده.
وعن الحسن قال: أمر سعد بن أبي وقاص على الكوفة وبها سلمان الخير. قال: فخرج سعد يوماً يسير على حمار له في السوق وعليه قميص سنبلاني، فلقي سلمان، فلما رآه مقبلاً إليه بكى، فانتهى إليه سعد فسلم عليه وقال: ما يبكيك أبا عبد الله؟ قال: ما لي ألا أبكي وقد سمعت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكفيك من الدنيا كزاد الراكب وأرى عليك قميصاً سنبلانياً وأنت على حمار؟ فقال له سعد: أوصني يا أبا عبد الله قال: اذكر ربك عند حكمك إذا حكمت، واذكر الله عند قسمك إذا أقسمت، واتق الله في همك إذا هممت. قال: بم، قال الحسن: حلما حكماً، ثم قال: اتق الله يا ابن آدم في همك، فإن كان هم خير فأمضه، وإن كان هم شر فدعه.
وعن سعيد بن سوقة قال:
دخلنا على سلمان الفارسي نعوده وهو مبطون فأطلنا الجلوس عنده، فشق عليه فقال لامرأته: ما فعلت بالمسك الذي جئنا به من بلنجر؟ فقالت: هو ذا. قال: ألقيه في الماء ثم اضربي بعضه ببعض ثم أنضخي حول فراشي فإنه الآن يأتينا قوم ليسوا بإنس ولا جنّ. ففعلت، وخرجنا عنه، ثم أتيناه، فوجدناه قد قبض.
قال الشعبي: حدَّثني الحارث عن امرأة سلمان بقيرة أنها قالت لما حضره الموت: دعاني وهو في علية لها أربعة أبواب فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإن لي اليوم زواراً لا أدري من أي الأبواب يدخلون عليّ ثم دعا بمسك، فقال: أوخفيه في تور ففعلت،
قال: ثم أنضحيه حول فراشي، ثم أنزلي، فامكثي، فسوف تطلعين عليّ فتريني على فراشي، فاطلعت إليه، فإذا هو قد أخذ روحه، فكأنه نائم في فراشه، أو نحو من هذا.
توفي سلمان بالمدائن وقبره هناك.
قال ابن زنجويه: بلغني أن سلمان توفي سنة ست وثلاثين قبل الجمل.
وقيل: إنه توفي في خلافة عثمان. فعلى قول ابن زنجويه تكون وفاته في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل: توفي سنة سبع وثلاثين.
قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاث مئة سنة وخمسين سنة، فأما مئتين وخمسين فلا يشكون فيه.
وعن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه، فقال أحدهما لصاحبه: أو يلقى الأحياء الأموات؟ قال: نعم، أما المؤمنون فإن أرواحهم بالجنة، وهي تذهب حيث شاءت. قال: فتوفي أحدهما قبل صاحبه، فلقيه الحيّ في المنام، فكأنه سأله فقال الميت: توكل وأبشر. فلم أر مثل التوكل قط. سلمان مات قبل ابن سلام.