26181. المعافى بن عمران بن نفيل بن جابر بن جبلة الأزدي...1 26182. المعافي بن سليمان الجزري1 26183. المعافي بن عمران الموصلي1 26184. المعبر أبو العباس الخضر بن كامل بن سالم الدمشقي...1 26185. المعتصم ابن صمادح التجيبي محمد بن معن...1 26186. المعتصم محمد بن هارون الرشيد126187. المعتضد أحمد بن طلحة أبي أحمد الموفق...1 26188. المعتضد بالله أحمد بن الموفق بالله الخليفة...1 26189. المعتضد عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي...1 26190. المعتلي أبو زكريا يحيى بن علي الإدريسي...1 26191. المعتمد بن عباد محمد ابن المعتضد بالله ابن الظافر بالله...1 26192. المعتمد علي الله الخليفة أحمد بن المتوكل على الله جعفر العباسي...1 26193. المعتمر بن سليمان1 26194. المعتمر بن سليمان بن طرخان1 26195. المعداني أبو القاسم رجاء بن حامد بن رجاء...1 26196. المعرور ابو سويد ابو امية الاسدي الكوفي...1 26197. المعرور بن سويد1 26198. المعرور بن سويد أبو أمية الأسدي الكوفي...1 26199. المعرور بن سويد ابو امية الاسدي الكوفي...1 26200. المعرور بن سويد الأسدي أبو أمية الكوفي...1 26201. المعز أيبك التركماني الصالحي الجاشنكير...1 26202. المعز لدين الله معد ابن المنصور إسماعيل بن القائم...1 26203. المعظم الحلبي أبو المفاخر تورانشاه بن يوسف بن أيوب...1 26204. المعظم تورانشاه بن أيوب ابن الكامل ابن العادل...1 26205. المعظم عيسى بن محمد بن أيوب بن شاذي الدويني...1 26206. المعلى بن أسد1 26207. المعلى بن إسماعيل الحمصي1 26208. المعلى بن زياد1 26209. المعلى بن لوذان1 26210. المعلى بن منصور1 26211. المعلى بن منصور الرازي1 26212. المعلي المالكي1 26213. المعمر أبو العباس محمد بن إسحاق الصبغي...1 26214. المعمري أبو علي الحسن بن علي بن شبيب1 26215. المعير أبو غالب أحمد بن عبيد الله بن أبي الفتح محمد بن أحمد...1 26216. المعين أبو علي الحسن بن صدر الدين1 26217. المغازلي أبو بكر بن المنذر البغدادي1 26218. المغامي أبو عمرو يوسف بن يحيى الأزدي...1 26219. المغربي أبو بكر أحمد بن منصور بن خلف1 26220. المغفلي أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد...1 26221. المغيرة اليشكري1 26222. المغيرة بن أبي بردة3 26223. المغيرة بن أبي بردة حجازي1 26224. المغيرة بن أبي برزة الأسلمي1 26225. المغيرة بن ابي ذئب1 26226. المغيرة بن اسماعيل المخزومي1 26227. المغيرة بن الاخنس1 26228. المغيرة بن الاخنس بن شريق الثقفي1 26229. المغيرة بن الحارث القرشي1 26230. المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم...2 26231. المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي...1 26232. المغيرة بن الحارث بن هشام2 26233. المغيرة بن المغيرة1 26234. المغيرة بن المنتشر1 26235. المغيرة بن المنتشر الهمداني1 26236. المغيرة بن النعمان2 26237. المغيرة بن النعمان النخعي1 26238. المغيرة بن النعمان النخعي الكوفي3 26239. المغيرة بن حبيب أبو صالح الأسدي1 26240. المغيرة بن حذف1 26241. المغيرة بن حكيم3 26242. المغيرة بن حكيم الصنعاني2 26243. المغيرة بن حكيم صنعاني1 26244. المغيرة بن رويبة1 26245. المغيرة بن زياد3 26246. المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي1 26247. المغيرة بن زياد ابو هاشم الموصلي1 26248. المغيرة بن زياد البجلي أبو هاشم الموصلي...2 26249. المغيرة بن زياد الموصلي2 26250. المغيرة بن سبيع2 26251. المغيرة بن سبيل1 26252. المغيرة بن سعد بن الاخرم1 26253. المغيرة بن سعد بن الأخرم الطائي1 26254. المغيرة بن سعيد الرافضي1 26255. المغيرة بن سعيد الكوفي1 26256. المغيرة بن سلمان2 26257. المغيرة بن سلمة أبو هشام المخزومي1 26258. المغيرة بن سلمة ابو هاشم المخزومي البصري...1 26259. المغيرة بن سلمة ابو هشام القرشي المخزومي البصري...1 26260. المغيرة بن شبيل بن عوف1 26261. المغيرة بن شعبة6 26262. المغيرة بن شعبة أبو عيسى الثقفي1 26263. المغيرة بن شعبة ابو عبد الله1 26264. المغيرة بن شعبة ابو عبد الله ويقال ابو عيسى الثقفي الكوفي...1 26265. المغيرة بن شعبة الثقفي1 26266. المغيرة بن شعبة بن أبي عامر2 26267. المغيرة بن شعبة بن أبي عامر أبو عيسى الثقفي...1 26268. المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب...1 26269. المغيرة بن شعبة بن أبي عامر1 26270. المغيرة بن شعبة بن ابي عامر4 26271. المغيرة بن شعبة بن ابي عامر بن مسعود2 26272. المغيرة بن شعبة بن ابي عامر بن معتب1 26273. المغيرة بن شعبة بن مسعود الثقفي1 26274. المغيرة بن عبد الرحمن6 26275. المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي1 26276. المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي المدني...1 26277. المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي المديني...1 26278. المغيرة بن عبد الرحمن المدني الحزامي يلقب قصي...1 26279. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث1 26280. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي...1 Prev. 100
«
Previous

المعتصم محمد بن هارون الرشيد

»
Next
المُعْتَصِمُ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرَّشَيْدِ
الخَلِيْفَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ ابْنُ الرَّشِيْدِ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ المَهْدِيِّ بنِ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأُمُّهُ: مَارِدَةُ، أُمُّ وَلَدٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ المَأْمُوْنِ يَسِيْراً.
رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ، وَحَمْدُوْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
بُوْيِعَ بِعَهدٍ مِنَ المَأْمُوْنِ، فِي رَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، سنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ.
وَكَانَ أَبْيَضَ، أَصهَبَ اللِّحْيَةِ طَوِيْلَهَا، رَبْعَ القَامَةِ، مُشْرَبَ اللَّوْنِ، ذَا قُوَّةٍ، وَبَطْشٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَهَيْبَةٍ، لَكِنَّهُ نَزْرُ العِلْمِ.قِيْلَ: كَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ فِي المَكْتَبِ، فَمَاتَ الغُلاَمُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: يَا مُحَمَّدُ! مَاتَ غُلاَمُكَ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا سَيِّدِي، وَاسْتَرَاحَ مِنَ الكُتَّابِ.
فَقَالَ: أَوَ إِنَّ الكُتَّابَ لَيَبْلُغُ مِنْكَ هَذَا؟ دَعُوهُ.
فَكَانَتْ قِرَاءتُهُ ضَعِيفَةً.
قَالَ خَلِيْفَةُ: حَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ مائَتَيْنِ.
قَالَ الرِّيَاشِيُّ: كَتَبَ طَاغِيَةُ الرُّوْمِ إِلَى المُعْتَصِمِ يَتَهَدَّدُهُ، فَأَمَرَ بِجَوَابِهِ، فَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ، رَمَاهُ، وَقَالَ لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَسَمِعْتُ خِطَابَكَ، وَالجَوَابُ مَا تَرَى، لاَ مَا تَسْمَعُ، وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ.
قُلْتُ: وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الأَمْصَارِ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ المُؤَذِّنِيْنَ، وَفُقَهَاءَ المَكَاتِبِ، وَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى أَزَالَهُ المُتَوَكِّلُ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَاماً.
وَكَانَ فِي سَنَةِ 218: الوَبَاءُ المُفْرِطُ، وَالقَحْطُ بِمِصْرَ، وَمَاتَ أَكْثَرُهُم، وَأَمَرَ المُعْتَصِمُ بِهَدِّ طُوَانَةَ الَّتِي بَذَّرَ المَأْمُوْنُ فِي بِنَائِهَا مِنْ عَامَيْنِ بُيُوْتَ
الأَمْوَالِ، وَاشتَدَّ البَلاَءُ بِبَابَكَ، وَهَزَمَ الجُيُوشَ، وَدَخَلَ فِي دِيْنِهِ خَلاَئِقُ مِنَ العَجَمِ، وَعَسْكَرَ بِهَمَذَانَ، فَبَرَزَ لِقِتَالِهِ إِسْحَاقُ المُصْعَبِيُّ، فَكَانَتْ مَلْحَمَةً عُظْمَى، فَيُقَالُ: قُتِلَ مِنْهُم سِتُّوْنَ أَلْفاً، وَهَرَبَ بَاقِيْهِم إِلَى الرُّوْمِ.وَظَهَرَ سَنَةَ 219: مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ العَلَوِيُّ، يَدْعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَتَمَّتْ لَهُ حُرُوبٌ، إِلَى أَنْ قَيَّدَهُ ابْنُ طَاهِرٍ، ثُمَّ هَرَبَ مِنَ السِّجْنِ، وَأَضمَرَتْهُ البِلاَدُ.
وَفِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ: عَقَدَ المُعْتَصِمُ لِلأَفْشِيْنِ فِي جَيْشٍ لَجِبٍ لِقِتَالِ بَابَكَ، فَتَمَّتْ مَلْحَمَةٌ انْهَزَمَ فِيْهَا بَابَكُ إِلَى مُوَغَانَ، وَمِنْهَا إِلَى مَدِيْنَةٍ تُسَمَّى البَذُّ.
وَفِي رَمَضَانَ: كَانَتْ مِحْنَةُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي القُرْآنِ، وضُرِبَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى زَالَ عَقْلُهُ، وَلَمْ يُجِبْ، فَأَطْلَقُوهُ، وَأَمَرَ المُعْتَصِمُ بِإِنشَاءِ مَدِيْنَةِ
سَامَرَّا، اشتَرَى أَرْضَهَا مِنْ رُهبَانَ بِالقَاطُوْلِ، وَغَضِبَ عَلَى وَزِيرِهِ الفَضْلِ بنِ مَرْوَانَ، وَأَخَذَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَنَفَاهُ، وَاسْتَوْزَرَ مُحَمَّدَ بنَ الزَّيَّاتِ، وَاعْتَنَى بِاقْتِنَاءِ المَمَالِيْكِ التُّرْكِ، وَبَعَثَ إِلَى النَّوَاحِي فِي شِرَائِهِم، وَأَلبَسَهُمُ الحَرِيْرَ وَالذَّهَبَ.وَفِي سَنَةِ 221: كَانَتْ وَقعَةٌ بَيْنَ العَسْكَرِ وَبَابَكَ.
وَحَجَّ فِيْهَا حَنْبَلٌ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كِسْوَةَ الكَعْبَةِ وَقَدْ كُتِبَ فِيْهَا فِي الدَّارَاتِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ، فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ الخَبِيْثَ، عَمَدَ إِلَى كَلاَمِ اللهِ فَغَيَّرَهُ - عَنَى ابْنَ أَبِي دَاوُدَ -.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ: كَانَ المَصَافُّ بَيْنَ بَابَكَ الخُرَّمِيِّ، وَبَيْنَ الأَفْشِيْنِ، فَطَحَنَهُ الأَفْشِيْنُ، وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُ، وَهَرَبَ، ثُمَّ إِنَّهُ أُسِرَ بَعْدَ فُصُولٍ طَوِيْلَةٍ، وَكَانَ أَحَدَ الأَبطَالِ، أَخَافَ الإِسْلاَمَ وَأَهلَهُ، وَهَزَمَ الجُيُوشَ
عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَغَلَبَ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ وَغَيْرِهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيْمَ المِلَّةَ المَجُوْسِيَّةَ، وَظَهَرَ فِي أَيَّامِهِ المَازَيَارُ أَيْضاً بِالمَجُوْسِيَّةِ بِطَبَرِسْتَانَ، وَعَظُمَ البَلاَءُ.وَكَانَ المُعْتَصِمُ وَالمَأْمُوْنُ قَدْ أَنفَقُوا عَلَى حَرْبِ بَابَكَ قنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ المُعْتَصِمُ نَفَقَاتٍ إِلَى جَيْشِهِ مَعَ الأَفْشِيْنِ، فَكَانَتْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَأُخِذَتِ البَذُّ؛ مَدِيْنَةُ بَابَكَ اللَّعِينِ، وَاخْتَفَى فِي غَيْضَةٍ، وَأُسِرَ أَهلُهُ وَأَوْلاَدُهُ، وَقُطِعَ دَابِرُ الخُرَّمِيَّةِ.
ثُمَّ وَرَدَ أَمَانٌ مِنَ المُعْتَصِمِ لِبَابَكَ، فَبَعَثَ بِهِ الأَفْشِينُ إِلَيْهِ مَعَ اثْنَيْنِ، وَكَتَبَ ابْنُه إِلَيْهِ يُشِيْرُ عَلَيْهِ بِقَبُولِ الأَمَانِ، فَلَمَّا دَخَلاَ إِلَى الشَّعْرَاءِ الَّتِي فِيْهَا بَابَكُ، قَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ لِلآخَرِ: امضِ إِلَى ابْنِ الفَاعِلَةِ ابْنِي، فَقُلْ: لَوْ كَانَ ابْنِي، لَلَحِقَ بِي، ثُمَّ مَزَّقَ الأَمَانَ، وَفَارَقَ الغَيْضَةَ، وَصَعِدَ الجَبَلَ فِي
طُرُقٍ يَعْرِفُهَا، لاَ تُسْلَكُ.وَكَانَ الأَفْشِينُ قَدْ رَتَّبَ الكُمَنَاءَ فِي المَضَايِقِ، فَنَجَا بَابَكُ، وَلَجَأَ إِلَى جِبَالِ أَرْمِيْنِيَةَ، فَلَقِيَهُ سَهْلٌ البَطْرِيْقُ، فَقَالَ: الطَّلَبُ وَرَاءَكَ، فَانزِلْ عِنْدِي.
فَنَزَلَ، وَرَكَنَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ البَطْرِيقُ إِلَى الأَفْشِيْنِ بِذَلِكَ، فَجَاءَ فُرْسَانٌ، فَأَحَاطُوا بِهِ، وَأَخَذُوهُ.
وَكَانَ المُعْتَصِمُ قَدْ جَعَلَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حَيّاً أَلفَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَلِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ أَلفَ أَلفٍ، فَأُعْطِيَ البَطْرِيقُ أَلفَ أَلفٍ، وَأُطْلِقَ لَهُ خَرَاجُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ المَسْعُوْدِيُّ: هَرَبَ بَابَكُ بِأَخِيْهِ وَأَهلِهِ وَخَوَاصِّهِ فِي زِيِّ التُّجَّارِ، فَنَزَلَ بِأَرْضِ أَرْمِيْنِيَةَ بِعَمَلِ سَهْلِ بنِ سُنْبَاطٍ، فَابْتَاعُوا شَاةً مِنْ رَاعٍ، فَنَكِرَهُم، فَأَتَى سَهْلاً، فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابَكُ بِلاَ شَكٍّ.
فَرَكِبَ فِي أَجْنَادِهِ، حَتَّى أَتَى بَابَكَ، فَتَرَجَّلَ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالمُلْكِ، وَقَالَ: قُمْ إِلَى قَصْرِكَ، فَأَنَا عَبْدُكَ.
فَمَضَى مَعَهُ، وَمَدَّ السِّمَاطَ لَهُ، وَأَكَلَ مَعَهُ، فَقَالَ بَابَكُ: أَمِثْلُكَ يَأْكلُ مَعِي؟!
فَوَقَفَ، وَاعْتَذَرَ، ثُمَّ أَحْضَرَ حَدَّاداً لِيُقَيِّدَهُ، فَقَالَ: أَغَدْراً يَا سَهْلُ؟
قَالَ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ، إِنَّمَا أَنْتَ رَاعِي بَقَرٍ.
ثُمَّ قَيَّدَ أَتْبَاعَهُ، وَكَاتَبَ الأَفْشِيْنَ، فَجَهَّزَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَتَسَلَّمُوهُ، وَجَاءَ سَهْلٌ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ الأَفْشِيْنُ، وَبُعِثَتْ بِطَاقَةٌ بِذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ، فَضَجَّ النَّاسُ بِالتَّكْبِيْرِ وَالشُّكْرِ للهِ، ثُمَّ قَدِمُوا بِبَابَكَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ.
وَكَانَ المُعْتَصِمُ يَبْعَثُ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلْعَةٍ وَفَرَسٍ لِلأَفْشِيْنِ، وَمِنْ سُرُوْرِهِ بِذَلِكَ، رَتَّبَ البَرِيْدَ مِنْهُ إِلَى الأَفْشِيْنَ، فَكَانَ يَجِيْئُهُ الخَبَرُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ
مَسِيْرَةُ شَهْرٍ.ثُمَّ أَتى أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ مُتَنَكِّراً فِي اللَّيْلِ، فَشَاهدَ بَابَكَ، ثُمَّ أَعْلَمَ المُعْتَصِمَ، فَمَا صَبَرَ، وَأَتَاهُ مُتَنَكِّراً، فَتَأَمَّلَهُ.
وَكَانَ هَذَا الشَّقِيُّ ثِنْوِيّاً، عَلَى دِيْنِ مَانِي وَمَزْدَكَ، يَقُوْلُ بِتَنَاسُخِ الأَروَاحِ، وَيَستَحِلُّ البِنْتَ وَأُمَّهَا.
وَقِيْلَ: كَانَ وَلَدَ زِنَىً، وَكَانَتْ أُمُّهُ عَوْرَاءَ، يُقَالُ لَهَا: رُوْمِيَّةُ العِلْجَةُ، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ مَزْدَكَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ زَنَى بِهَا، وَبَابَكُ مِنْهُ.
وَقِيْلَ: كَانَتْ صُعْلُوكَةً مِنْ قُرَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَزَنَى بِهَا نَبَطِيٌّ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِبَابَكَ، فَرُبِّيَ بَابَكُ أَجِيْراً فِي القَريَةِ.
وَكَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مِنَ الخُرَّمِيَّةِ لَهُم كَبِيْرَانِ: جَاوَنْدَانُ وَعِمْرَانُ، فَتَفَرَّسَ جَاوَنْدَانُ النَّجَابَةَ فِي بَابَكَ، فَاكْتَرَاهُ مِنْ أُمِّهِ، فَهَوِيَتْهُ زَوْجَةُ جَاوَنْدَانَ، وَأَطلَعَتْهُ عَلَى الأَسْرَارِ.
ثُمَّ قُتِلَ زَوْجُهَا فِي مُحَاربَةٍ لابْنِ عَمِّهِ، فَزَعَمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا اسْتَخلَفَ بَابَكَ، فَصَدَّقَهَا الجَمِيْعُ.
فَأَمرَهُم أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ وَجَدُوهُ فِي اللَّيْلِ، فَأَصبَحَ عِدَّةُ قَتْلَى، وَانضَافَ إِلَيْهِم كُلَّ شِرِّيرٍ وَقَاطعِ طَرِيْقٍ، وَصَارَ أَمرُ بَابَكَ إِلَى مَا صَارَ، وَكَانَتْ دَولَتُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، بَلْ أَزْيَدَ، وَكَانَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ فَارِغِيْنَ مِنَ الدِّيْنِ، وَبَعْضُهُم زَنَادِقَةٌ، وَقَتَلُوا، وَسَبَوْا، وَأَخَذُوا الحُصُونَ.
نَعَمْ، وَأَمَرَ المُعْتَصِمُ، فَأُرْكِبَ بَابَكُ فِيلاً، وَأَلبَسَهُ الدِّيبَاجَ، وَقَلَنْسُوَةً كَبِيْرَةً مِنْ سَمُّورٍ، وَطَافُوا بِهِ، ثُمَّ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ، ثُمَّ ذُبِحَ، وَطِيفَ بِرَأْسِهِ بِسَامَرَّاءَ، ثُمَّ بُعِثَ بِأَخِيْهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَعُمِلَ بِهِ كَذَلِكَ.وَيُقَالُ: كَانَ أَشْجَعَ مِنْ بَابَكَ، فَقَالَ: يَا بَابَكُ! قَدْ عَمِلْتَ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ أَحَدٌ، فَاصْبِرْ صَبراً لَمْ يَصْبِرْهُ أَحَدٌ.
قَالَ: سَوفَ تَرَى.
فَلَمَّا قَطَعُوا يَدَهُ، خَضَبَ صُوْرَتَهُ بِالدَّمِ، فَقَالَ المُعْتَصِمُ: لِمَ فَعَلْتَ؟
قَالَ: إِنَّكَ أَمَرْتَ بِقَطعِ أَطْرَافِي، وَفِي نَفْسِكَ أَنْ لاَ تَكْوِيَهَا، فَيَنْزِفُ الدَّمُ، فَيَصْفَرُّ لَوْنِي، فَتَظُنُّونَهُ جَزَعاً مِنِّي.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ أَفْعَالَهُ لاَ تُسَوِّغُ الصَّنِيعَةَ وَالعَفْوَ، لاَسْتَبْقَيْتُهُ، ثُمَّ أُحْرِقَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَبَادَ مِنَ الأُمَّةِ خَلاَئِقَ.
وَبِخَطِّ الإِمَامِ ابْنِ الصَّلاَحِ: أَنَّ قَتْلَى بَابَكَ بَلَغُوا أَلفَ أَلفٍ وَخَمْسَ مائَةِ أَلْفٍ، وَأُحْصِيَ قَتْلَى أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ فَبَلَغُوا أَلفَيْ أَلفٍ.
وَفِيْهَا: التَقَى طَاغيَةُ الرُّوْمِ وَالأَفْشِيْنُ، فَهَزَمَهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَيَّامٍ.
وَخَرَّبَ المُعْتَصِمُ أَنْقِرَةَ، وَأَنْكَى فِي الرُّوْمِ.
وَأَخَذَ عَمُّوْرِيَّةَ عَنْوَةً، وَأَوطَأَ الرُّوْمَ خَوْفاً وَذُلاًّ، وَأَخَذَ بِثَأْرِ الإِسْلاَمِ مِنَ الطَّاغِيَةِ تُوفِيلَ بنِ مِيْخَائِيْلَ، الَّذِي أَغَارَ عَلَى زِبَطْرَةَ وَمَلَطْيَةَ، فَدَخَلَ المُعْتَصِمُ الرُّوْمَ فِي مائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ وَأَزْيَدَ، حَتَّى لَقِيْلَ: كَانَ فِي خَمْسِ مائَةِ أَلْفٍ، وَصَمَّمَ عَلَى مُحَاصَرَةِ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ،
فَأَتَاهُ مَا أَزْعَجَهُ مِنْ خُرُوجِ العَبَّاسِ بنِ المَأْمُوْنِ عَلَيْهِ، فَظَفِرَ بِالعَبَّاسِ.وَكَانَ العَبَّاسُ بَدِيْعَ الحُسْنِ، وَكَانَ بَلِيْداً، غَزَا فِي أَيَّامِ أَبِيْهِ الرُّوْمَ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ، وَذَهَبَتْ مِنْهُ الخِلاَفَةُ بِغَيْبَتِهِ، ثُمَّ نَخَّاهُ عُجَيْفٌ، وَشَجَّعَهُ عَلَى الخُرُوجِ، وَوَافَقَهُ عِدَّةُ أُمرَاءَ، وَعَرَفَ المُعْتَصِمُ، فَأَخَذَ العَبَّاسَ.
فَقِيْلَ: غَمَّهُ بِكِسَاءٍ حَتَّى تَلِفَ بِمَنْبِجَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ المَأْمُوْنُ، فَرَوَى يَحْيَى حَدِيْثاً فِي النَّظَرِ إِلَى الوَجْهِ الحَسَنِ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: اتَّقِ اللهَ، فَهَذَا الحَدِيْثُ كَذِبٌ.
وَلَمَّا عَظُمَ الأَفْشِيْنُ بِاسْتِئْصَالِهِ لِبَابَكَ، طَلَبَ نِيَابَةَ خُرَاسَانَ، وَبَلَغَهُ خُرُوْجُ المَازَيَارَ، وَمُحَارَبَتُهُ لابْنِ طَاهِرٍ، فَدَسَّ مَنِ اسْتَمَالَهُ لَهُ، وَقَوَّى عَزْمَهُ، وَخَرَّبَ المَازَيَارُ البِلاَدَ، وَقَتَلَ، وَعَسَفَ.
ثُمَّ جَهَّزَ المُعْتَصِمُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ الأَفْشِيْنَ لِحَرْبِهِ، وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ جَيْشاً، عَلَيْهِم عَمُّهُ لِحَرْبِهِ أَيْضاً، وَجَرَتْ حُرُوْبٌ يَطُوْلُ بَسْطُهَا، وَقُتِلَ المَازَيَارُ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ: قَبَضَ المُعْتَصِمُ عَلَى الأَفْشِيْنِ، وَكَانَ عَدُوّاً لابْنِ طَاهِرٍ، وَابْنِ أَبِي دُوَادَ، فَعَقَرَاهُ، وَأَلْقَيَا فِي ذِهْنِ المُعْتَصِمِ أَنَّهُ يُرِيْدُ قَتْلَكَ، فَتَهَدَّدَ كَاتِبَهُ، فَاعْتَرَفَ، وَقَالَ:
أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَى المَازَيَارِ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ، وَجَيْشُ الخَلِيْفَةِ عِنْدَ ابْنِ طَاهِرٍ، وَمَا عِنْدَ الخَلِيْفَةِ سِوَايَ، فَإِنْ هَزَمْتَ ابْنَ طَاهِرٍ، كَفَيْتُكَ المُعْتَصِمَ، وَيَخْلُصُ لَنَا الدِّينُ الأَبْيَضُ -يَعْنِي:
المَجُوْسِيَّةَ- وَكَانَ يُتَّهَمُ بِهَا.فَوَهَبَ المُعْتَصِمُ لِلْكَاتِبِ ذَهَباً، وَقَالَ: إِنْ نَطَقْتَ، قَتَلْتُكَ.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقْلَقُ، وَقَالَ لِي:
رَجُلٌ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ أَلْفَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَيُرِيْدُ قَتْلِي؟! قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَخُذْهَا، فَفَرِّقْهَا.
وَكَانَ الأَفْشِيْنُ قَدْ بَعَثَ أَمْوَالاً لَهُ إِلَى أُشْرُوْسَنَةَ، وَهَمَّ بِالهَرَبِ إِلَيْهَا، ثُمَّ هَيَّأَ دَعْوَةً لِيَسُمَّ فِيْهَا المُعْتَصِمَ وَقُوَّادَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِئْ، سَمَّ القُوَّادَ، وَيَذْهَبُ إِلَى أَرْمِيْنِيَةَ، وَمِنْهَا إِلَى أُشْرُوْسَنَةَ، فَمَا تَهَيَّأَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ المُعْتَصِمُ، وَعَلَى ابْنِهِ حَسَنٍ، وَأُتِيَ بِالمَازَيَارِ أَسِيْراً.
فَقِيْلَ: أُحْضِرَ هُوَ، وَالأَفْشِيْنُ، وَمُوْبِذُ مَلِكُ السُّغْدِ، وَمَرْزُبَانُ عِنْدَ المُعْتَصِمِ، فَأُحْضِرَ اثْنَانِ، فَعُرِّيَا، فَإِذَا أَجْنَابُهُمَا عَرِيَّةٌ مِنَ اللَّحْمِ.
فَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلأَفْشِيْنِ: يَا حَيْدَرُ، تَعْرِفُهُمَا؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا مُؤَذِّنٌ وَهَذَا إِمَامٌ، بَنَيَا مَسْجِداً بِأُشْرُوْسَنَةَ، ضَرَبْتُهُمَا أَلْفَ سَوْطٍ، لأَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ مُلُوْكِ السُّغْدِ عَهْداً أَنْ أَتْرُكَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى دِيْنِهِم، فَوَثَبَ هَذَانِ عَلَى بَيْتِ أَصْنَامِ أُشْرُوْسَنَةَ، فَرَمَيَا الأَصْنَامَ، وَعَمِلاَهُ مَسْجِداً، فَضَرَبْتُهُمَا.
قَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: فَمَا كِتَابٌ قَدْ زَيَّنْتَهُ بِالذَّهَبِ وَالجَوَاهِرِ فِيْهِ الكُفْرُ؟
قَالَ: كِتَابٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي، فِيْهِ آدَابٌ وَحِكَمٌ لِلأَكَاسِرَةِ، فَآخُذُ مِنْهُ الأَدَبَ،
وَأَدَعُ مَا سِوَاهُ، مِثْلَ كِتَابِ (كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ) .فَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلْمُوْبِذِ: مَا تَقُوْلُ؟
قَالَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ المَخْنُوْقَةَ، وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَكْلِهَا، وَيَقُوْلُ: لَحْمُهَا أَرْطَبُ.
وَقَالَ لِي: إِنِّيْ دَخَلْتُ لِهَؤُلاَءِ فِي كُلِّ مَا أَكْرَهُ حَتَّى أَكَلْتُ الزَّيْتَ، وَرَكِبْتُ الجَمَلَ، وَلَبِسْتُ النَّعْلَ، غَيْرَ أَنِّي مَا حَلَقْتُ عَانَتِي قَطُّ، وَلَمْ يَخْتَتِنْ - وَكَانَ المُوْبِذُ مَجُوْسِيّاً، وَأَسْلَمَ بَعْدُ -.
قَالَ الأَفْشِيْنُ: خَبِّرُوْنِي عَنْ هَذَا المُتَكَلِّمِ، أَثِقَةٌ هُوَ فِي دِيْنِهِ؟
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَكَيْفَ تُصَدِّقُوْنَهُ؟
فَقَامَ المَرْزُبَانُ، فَقَالَ: يَا أَفْشِيْنُ، كَيْفَ يَكْتُبُ إِلَيْكَ أَهْلُ مَمْلَكَتِكَ؟
قَالَ: كَمَا يَكْتُبُوْنَ إِلَى آبَائِي: إِلَى الإِلِهِ مِنْ عَبْدِهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: فَمَا أَبْقَيْتَ لِفِرْعَوْنَ؟
قَالَ: خِفْتُ فَسَادَهُمْ بِتَغْيِيْرِ العَادَةِ.
قَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُصْعَبِيُّ: كَيْفَ تَحْلِفُ فَنُصَدِّقَكَ، وَأَنْتَ تَدَّعِي مَا يَدَّعِي فِرْعَوْنُ؟
قَالَ: يَا إِسْحَاقُ، هَذِهِ سُوْرَةٌ قَرَأَهَا عُجَيْفٌ عَلَى عَلِيِّ بنِ هِشَامٍ، وَأَنْتَ تَقْرَؤُهَا عَلَيَّ، فَانْظُرْ مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ مَازَيَارُ، فَقِيْلَ: أَتَعرِفُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالُوا: هَلْ كَاتَبْتَهُ؟
قَالَ: لاَ.
فَقَالُوا لِلْمَازَيَارِ: أَكَتَبَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَخُوْهُ عَلَى لِسَانِه: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْصُرُ هَذَا الدِّيْنَ الأَبْيَضَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ وَغَيْرُ بَابَكَ، فَأَمَّا بَابَكُ فَبِحُمْقِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَإِنْ خَالَفْتَ، لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيْفَةِ مَنْ يَرَى لِقِتَالِكَ غَيْرِي وَمَعِيَ الفُرْسَانُ وَأَهْلُ النَّجْدَةِ وَالبَأْسِ، فَإِنْ وُجِّهْتُ إِلَيْكَ، لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُحَارِبُنَا إِلاَّ العَرَبُ وَالمَغَارِبَةُ وَالأَترَاكُ، فَأَمَّا العَرَبِيُّ فَمَنْزِلتُهُ كَكَلْبٍ أَطْرَحُ لَهُ كِسْرَةً، ثُمَّ أَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالدَّبُّوسِ، وَهَؤُلاَءِ الذِّئَابُ -يَعْنِي: المَغَارِبَةَ- فَأَكْلَةُ رَأْسٍ، وَأَمَّا التُّرْكِيُّ فإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ وَتَنْفَدُ سِهَامُهُم، ثُمَّ تَجُولُ عَلَيْهِمُ الخَيْلُ جَولَةً، وَيَعُودُ الدِّيْنُ إِلَى مَا كَانَ.
فَقَالَ الأَفْشِيْنُ: هَذَا يَدَّعِي عَلَى أَخِي، وَلَوْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ بِهَذَا إِلَيْهِ لأَخْدَعَهُ، لَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ، وَكُنْتُ آخُذُ بِرَقَبَتِهِ.فَزَجَرَهُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَقَالَ: أَخَتِيْنٌ أَنْتَ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: لِمَ؟
قَالَ: خِفْتُ التَّلَفَ.
قَالَ: أَنْتَ تَلْقَى الحُرُوبَ وَتَخَافُ مِنْ قِطْعَةِ قُلْفَةٍ؟
قَالَ: تِلْكَ ضَرُورَةٌ أَصْبِرُ عَلَيْهَا، وَتِلْكَ القُلْفَةُ لاَ أَخْرُجُ بِهَا مِنَ الإِسْلاَمِ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ بَانَ لَكُم أَمرُهُ.
وَفِيْهَا: سَقَطَتْ أَكْثَرُ الأَهْوَازِ مِنَ الزَّلْزَلَةِ، وَدَامَتْ أَيَّاماً.
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ: وَقَعَ بَرَدٌ كَالبَيْضِ مِنَ السَّمَاءِ، قَتَلَ ثَلاَثَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ نَفْساً.
وَمُنِعَ الأَفْشِيْنُ المَذْكُوْرُ مِنَ الطَّعَامِ، حَتَّى هَلَكَ، ثُمَّ صُلِبَ مَيْتاً، وَأُحْرِقَ مَعَ أَصْنَامٍ عِنْدَهُ، وَهُوَ مِنْ أَوْلاَدِ الأَكَاسِرَةِ، وَكَانَ أَكْبَرَ الدَّوْلَةِ.
وَأَمَّا المَازَيَارُ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ قَارِنٍ، فَظَالِمٌ، غَاشِمٌ، جَبَّارٌ، ظَهَرَ بِطَبَرِسْتَانَ، وَحَارَبَ عَسْكَرَ المُعْتَصِمِ، ثُمَّ أُسِرَ، فَضُرِبَ حَتَّى مَاتَ، وَصُلِبَ، وَتَرَكَ أَمْوَالاً لاَ تَنْحَصِرُ.
وَفِي سَنَةِ : ظَهَرَ أَبُو حَرْبٍ المُبَرْقَعُ بِفِلَسْطِيْنَ! وَزَعَمَ أَنَّهُ
السُّفْيَانِيُّ، وَدَعَا إِلَى إِقَامَةِ الحَقِّ، وَكَانَ قَتَلَ جُنْدِيّاً أَذَى زَوْجَتَهُ، ثُمَّ أَلْبَسَ وَجْهَهُ بُرْقُعاً، وَأَقَامَ بِالغَوْرِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ البَرِّ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ أَمِيْرُ دِمَشْقَ رَجَاءُ الحَصَّارِيُّ فِي أَلفِ فَارِسٍ، فَوَجَدَهُ فِي زُهَاءِ مائَةِ أَلْفٍ، فَهَابَهُ، فَلَمَّا جَاءَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ، تَفَرَّقُوا، حَتَّى بَقِيَ فِي نَحْوِ أَلْفَيْنِ، فَالتَقَوْا، وَكَانَ المُبَرْقَعُ شُجَاعاً مِقْدَاماً، فَحَمَلَ عَلَى الجَيْشِ، فَأَفْرَجُوا، فَأَحَاطُوا بِهِ، فَأَسَرُوهُ، وَسُجِنَ، فَمَاتَ.قَالَ ابْنُ عَائِذٍ: وَاقَعَ رَجَاءُ أَهْلَ المَرْجِ، وَجِسْرِيْنَ، وَكَفْرَ بَطْنَا، وَسَقْبَا، وَقُتِلَ خَلْقٌ.
وَقِيْلَ: بَيَّتَ أَهْلَ كَفْرَ بَطْنَا، فَقَتَلَ أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَقَتَلَ الأَطفَالَ، وَقُتِلَ مِنَ الجُنْدِ ثَلاَثُ مائَةٍ.
قَالَ نِفْطَوَيْه: يُقَالُ لِلْمُعْتَصِمِ: المُثَمَّنُ، فَإِنَّهُ ثَامِنُ بَنِي العَبَّاسِ، وَتَمَلَّكَ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ.
وَلَهُ فُتُوْحَاتٌ ثَمَانِيَةٌ: بَابَكُ، وَعَمُّوْرِيَّةُ، وَالزُّطُّ، وَبَحْرُ البَصْرَةِ، وَقَلْعَةُ الأَجْرَافِ، وَعَرَبُ دِيَارِ رَبِيْعَةَ، وَالشَّارِي، وَفَتْحُ مِصْرَ -يَعْنِي: قَهَرَ أَهْلَهَا- قَبْلَ خِلاَفَتِهِ.
وَقَتَلَ ثَمَانِيَةً: بَابَكَ، وَالأَفْشِيْنَ، وَمَازَيَارَ، وَبَاطِيْسَ، وَرَئِيْسَ الزَّنَادِقَةِ، وَعُجَيْفاً، وَقَارُوْنَ، وَأَمِيْرَ الرَّافِضَةِ.
وَقَالَ غَيْرُ نِفْطَوَيْه: خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَثَمَانِيْنَ أَلْفَ فَرَسٍ، وثَمَانِيَةَ آلاَفِ مَمْلُوْكٍ، وثَمَانِيَةَ
آلاَفِ جَارِيَةٍ، وَبَنَى ثَمَانِيَةَ قُصُوْرٍ.وَقِيْلَ: بَلَغَ مَمَالِيْكُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَكَانَ ذَا سَطْوَةٍ إِذَا غَضِبَ، لاَ يُبَالِي مَنْ قَتَلَ.
قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ قَيِّنَةٌ تُغَنِّي، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى؟
قُلْتُ: تَقْهَرُ الغِنَاءَ بِرِفْقٍ، وَتُجِيْلُهُ بِرِفْقٍ، وَتَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَفِي صَوْتِهَا شَجاً وَشُذُوْرٌ أَحْسَنُ مِنْ دُرٍّ عَلَى نُحُوْرٍ.
فَقَالَ: وَصْفُكَ لَهَا أَحْسَنُ، خُذْهَا لَكَ.
فَامْتَنَعْتُ لِعِلْمِي بِمَحَبَّتِهِ لَهَا، فَأَعْطَانِي مِقْدَارَ قِيْمَتِهَا.
قِيْلَ: لَمَّا تَجَهَّزَ لِغَزْوِ عَمُّوْرِيَّةَ، زَعَمَ المُنَجِّمُوْنَ أَنَّهُ طَالِعُ نَحْسٍ وَيُكْسَرُ، فَانْتَصَرَ، فَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ تِلْكَ القَصِيْدَةَ :
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ ... فِي حَدِّهِ الحَدُّ بَيْنَ الجَدِّ وَاللَّعِبِ
وَالعِلْمُ فِي شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً ... بَيْنَ الخَمِيْسَيْنِ لاَ فِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الرِّوَايَةُ؟ أَمْ أَيْنَ النُّجُوْمُ وَمَا ... صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فِيْهَا وَمِنْ كَذِبِ ؟تَخَرُّصاً وَأَحَادِيْثاً مُلَفَّقَةً ... لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ وَلاَ غَرَبِ
عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: كَانَ المُعْتَصِمُ يُخْرِجُ إِلَيَّ سَاعِدَهُ، وَيَقُوْلُ: عَضَّهُ بِأَكْبَرِ قُوَّتِكَ.
فَأَقُوْلُ: مَا تَطِيْبُ نَفْسِي.
فَيَقُوْلُ: لاَ يَضُرُّنِي.
فَأَرُوْمُ ذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ لاَ تَعْمَلُ فِيْهِ الأَسِنَّةُ، فَضْلاً عَنِ الأَسنَانِ.
وَقَبَضَ عَلَى جُنْدِيٍّ ظَالِمٍ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ عِظَامِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَسَقَطَ.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَذَكَرَ المُعْتَصِمَ، فَبَالَغَ، وَقَالَ: كُنْتُ أُزَامِلُهُ فِي سَفَرِهِ، وَوَصَفَ سَعَةَ أَخْلاَقِهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَثُرَ عَسْكَرُ المُعْتَصِمِ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم بَغْدَادُ، فَبَنَى مَدِيْنَةَ (سُرَّ مَنْ رَأَى) ، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهَا.وَتُسمَّى أَيْضاً: العَسْكَرَ.
وَقِيْلَ: كَانَ عَلِيْقُ دَوَابِّ المُعْتَصِمِ خَمْسِيْنَ أَلْفَ مِخْلاَةٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوْتُوا، أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} [الأَنْعَامُ: 44] .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: جَعَلَ المُعْتَصِمُ يَقُوْلُ: ذَهَبَتِ الحِيلَةُ، فَلَيْسَ حِيْلَةً حَتَّى صَمَتَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: أُوْخَذُ وَحْدِي مِنْ بَيْنِ هَذَا الخَلْقِ.
وَلَهُ نَظْمٌ وَسَطٌ، وَكَلِمَاتٌ جَيِّدَةٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ جَعَلَ زَنْدَ رَجُلٍ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، فَكَسَرَهُ.
قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: عَاقِلٌ عَاقِلٌ مَرَّتَينِ أَحْمَقُ.
قَالَ إِسْحَاقُ المُصْعَبِيُّ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ المُعْتَصِمِ رَجُلاً، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يُمْلِي كِتَاباً، وَيَقْرَأُ كِتَاباً، وَيعْقِدُ بِيَدِهِ، وَإِنَّهُ لَيُنْشِدُ شِعْراً يَتَمَثَّلُ بِهِ.مَاتَ المُعْتَصِمُ: يَوْمَ الخَمِيْسِ، لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَ (بِسُرَّ مَنْ رَأَى) ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الوَاثِقُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِي، وَلاَ أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِكَ، وَأَرْجُوْكَ مِنْ قِبَلِكَ، وَلاَ أَرْجُوْكَ مِن قِبَلِي.
وَلْنَذْكُرْ مَعَهُ ابْنَهُ الوَاثِقَ.
وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ أَيْضاً: جَعْفَرٌ المُتَوَكِّلُ، وَالعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَسُلَيْمَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَفَاطِمَةُ، وَأُمُّ القَاسِمِ، وَأُمُّ العَبَّاسِ، وَأُمُّ مُوْسَى، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ الفَضْلِ، وَأُمُّ مُحَمَّدٍ، وَأُمُّ عِيْسَى، وَأُمُّ مُوْسَى، وَأُمُّ أَبِيْهَا، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ.