25684. الليث بن عاصم بن كليب أبو زرارة القتباني...1 25685. الليث بن علي بن محمد ابو الفتح بن البوراني...1 25686. الليث بن مسافر الكلبي1 25687. الليث بن هارون ابو عتبة العكلي1 25688. الليثي أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى...1 25689. المأمون عبد الله بن هارون الرشيد125690. المأمون يحيى بن إسماعيل بن عبد الرحمن الهواري...1 25691. المأموني أبو طالب عبد السلام بن الحسين...1 25692. المأموني أبو محمد هارون بن العباس بن محمد العباسي...1 25693. المؤتمن بن أحمد بن علي أبو نصر الربعي...1 25694. المؤتمن بن احمد بن علي بن الحسين بن عبيد الله الربعي الساجي الدير...1 25695. المؤتمن بن نصر بن ابي القاسم بن ابي الحسن ابو القاسم بن ابي السعو...1 25696. المؤمل بن أحمد بن المؤمل بن أحمد1 25697. المؤمل بن أحمد بن محمد أبو القاسم الشيباني...1 25698. المؤمل بن احمد بن ابراهيم بن ذر ابو القاسم الصفار...1 25699. المؤمل بن احمد بن محمد ابو القاسم الشيباني البزاز...1 25700. المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس النيسابوري...1 25701. المؤمل بن الفضل بن مجاهد1 25702. المؤمل بن اميل ابو اميل المحاربي الشاعر...1 25703. المؤمل بن اهاب بن عبد العزيز بن قفل بن سدك ابو عبد الرحمن الربعي...1 25704. المؤمل بن جميل بن يحيى بن ابي حفصة1 25705. المؤيد بالله إبراهيم بن المتوكل بن المعتصم...1 25706. المؤيد بن ابي سعد عبد الله بن عبد الرزاق بن عبد الكريم بن هوازن ا...1 25707. المؤيد بن عبد الرحمن بن احمد بن محمد ابن الاخوة ابو مسلم بن ابي ا...1 25708. المؤيد بن عبد الرحيم بن احمد بن محمد ابن الاخوة ابو مسلم الاصبهان...1 25709. المؤيد بن محمد بن علي ابو الحسن الطوسي النيسابوري...1 25710. المؤيد بن محمد بن علي ابو سعيد الالوسي الشاعر...1 25711. الماجشون أبو يوسف يعقوب بن دينار المدني...1 25712. الماجشون بن ابي سلمة المدني1 25713. الماجشون عبد العزيز بن عبد الله التيمي...1 25714. المادرائي أبو بكر محمد بن علي بن أحمد...1 25715. المادرائي علي بن إسحاق بن البختري1 25716. المارستاني أبو العباس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي...1 25717. المازري أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد...1 25718. المازني أبو العباس محمد بن حيان1 25719. المازني أبو الغنائم المسلم بن أحمد بن علي...1 25720. المازني أبو عثمان بكر بن محمد بن عدي1 25721. الماسرجسي أبو الحسن محمد بن علي بن سهل...1 25722. الماسرجسي أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن...1 25723. الماسرجسي أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد...1 25724. الماسرجسي أحمد بن محمد بن الحسين1 25725. الماضى بن محمد بن مسعود الغافقي1 25726. الماضي بن محمد1 25727. الماضي بن محمد ابو مسعود المصري الغافقي...1 25728. الماكسيني أبو الحرم مكي بن ريان1 25729. الماليني أبو جعفر محمد بن معاذ بن فره...1 25730. الماليني أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد...1 25731. الماوردي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب...1 25732. المبارك بن أبي حمزة الزبيدي1 25733. المبارك بن أحمد أبو المعمر الأنصاري1 25734. المبارك بن ابراهيم بن مختار بن السيبي ابو محمد الطحان...1 25735. المبارك بن ابي الازهر بن شعلة1 25736. المبارك بن ابي الفضل بن الطباخ المؤدب...1 25737. المبارك بن ابي القاسم بن السدنك1 25738. المبارك بن ابي طاهر بن الملاح ابو نصر...1 25739. المبارك بن ابي نصر1 25740. المبارك بن احمد بن ابي العز المقرئ ابو الفتح بن الديك الواعظ...1 25741. المبارك بن احمد بن ابي محمد الدينوري ثم البغدادي ابو محمد الشروطي...1 25742. المبارك بن احمد بن بركة الكندي ابو محمد الخباز...1 25743. المبارك بن احمد بن بكري1 25744. المبارك بن احمد بن زريق الحداد ابو الفتح المقرئ...1 25745. المبارك بن احمد بن عبد العزيز بن المعمر بن الحسن بن العباس ابو ال...1 25746. المبارك بن احمد بن محمد بن الطاهري ابو المجد...1 25747. المبارك بن احمد بن منصور التاجر ابو محمد بن ابي السعادات بن الشاط...1 25748. المبارك بن احمد بن هبة الله الهاشمي ابو المظفر بن المكشوط...1 25749. المبارك بن احمد بن وفاء الدقاق بن الشيرجي...1 25750. المبارك بن اسماعيل بن عبد الباقي بن الصواف ابو نصر بن النشف البزا...1 25751. المبارك بن الحسن ابو منصور النعماني1 25752. المبارك بن الحسن بن احمد بن علي بن فتحان بن منصور الشهرزوري ابو ا...1 25753. المبارك بن الزبير المشجعي1 25754. المبارك بن المبارك1 25755. المبارك بن المبارك بن احمد بن زريق الحداد ابو جعفر بن الشيخ ابي ا...1 25756. المبارك بن المبارك بن الحسن بن الحسين بن سكينة الانماطي ابو محمد ...1 25757. المبارك بن المبارك بن المبارك الكرخي ابو طالب الفقيه الشافعي...1 25758. المبارك بن المبارك بن زيد ابو الكرم بن الطبقي المقرئ الكوفي...1 25759. المبارك بن المبارك بن سعيد بن الدهان ابو بكر بن ابي طالب النحوي ا...1 25760. المبارك بن المبارك بن صدقة السمسار ابو الفضل الخباز...1 25761. المبارك بن المبارك بن محمد بن احمد ابو بكر بن الحكيم الخياط...1 25762. المبارك بن المبارك بن هبة الله ابو طاهر بن ابي العلاء العطار بن ا...1 25763. المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي ابو طاهر ابن المعطوش...1 25764. المبارك بن المبارك بن هبة الله بن علي ابو القاسم بن ابي المعالي ا...1 25765. المبارك بن الوليد بن عبد الملك1 25766. المبارك بن انوشتكين ابو القاسم العدل...1 25767. المبارك بن انوشتكين بن عبد الله ابو القاسم النجمي السيدي...1 25768. المبارك بن بختيار الحذاء المقرئ ابو الفائز...1 25769. المبارك بن سعد الله بن المبارك بن بركة الواسطي ثم البغدادي بن الط...1 25770. المبارك بن سعيد1 25771. المبارك بن سعيد المبارك1 25772. المبارك بن سعيد بن إبراهيم بن العباس...1 25773. المبارك بن سعيد بن مسروق ابو عبد الرحمن الثوري...1 25774. المبارك بن سلمان بن جروان بن حسين الماكسيني الاصل البغدادي...1 25775. المبارك بن صدقة بن الحسين بن يوسف المقرئ ابو بكر بن الباخرزي...1 25776. المبارك بن صدقة بن يوسف ابو بكر بن الباخرزي...1 25777. المبارك بن طاهر الخزاعي الصوفي البغدادي...1 25778. المبارك بن عبد الجبار بن أحمد أبو الحسين بن الطيوري...1 25779. المبارك بن عبد الجبار بن احمد بن القاسم ابو الحسين الصيرفي ابن ال...1 25780. المبارك بن عبد الجبار بن احمد بن القاسم بن احمد بن عبد الله بن ال...1 25781. المبارك بن عبد الجبار بن محمد ابو عبد الله بن البردغولي...1 25782. المبارك بن عبد السلام بن المبارك1 25783. المبارك بن عبد الله بن محمد ابو منصور البغدادي...1 Prev. 100
«
Previous

المأمون عبد الله بن هارون الرشيد

»
Next
المَأْمُوْنُ عَبْدُ اللهِ بنُ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ
الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ، عَبْدُ اللهِ بنُ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المَهْدِيِّ
ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ.وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ
وَقَرَأَ العِلْمَ، وَالأَدَبَ، وَالأَخْبَارَ، وَالعَقْلِيَّاتِ، وَعُلُوْمَ الأَوَائِلِ، وَأَمَرَ بِتَعْرِيْبِ كُتُبِهِم، وَبَالَغَ، وَعَمِلَ الرَّصَدَ فَوْقَ جَبَلِ دِمَشْقَ، وَدَعَا إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ وَبَالَغَ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ: هُشَيْمٍ، وَعُبَيْدِ بنِ العَوَّامِ، وَيُوْسُفَ بنِ عَطِيَّةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ الفَضْلُ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ، وَدِعْبِلٌ الشَّاعِرُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَارِثِ الشِّيْعِيُّ.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ بَنِي العَبَّاسِ حَزْماً، وَعَزْماً، وَرَأْياً، وَعَقْلاً، وَهَيْبَةً، وَحِلْماً، وَمَحَاسِنُهُ كَثِيْرَةٌ فِي الجُمْلَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ أَبْيَضَ رَبعَةً، حَسَنَ الوَجْهِ، تَعلُوهُ صُفْرَةٌ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ، أَعْيَنَ، ضَيِقَ الجبينِ، عَلَى خَدِّهِ شَامَةٌ.
أَتَتْهُ وَفَاةُ أَبِيْهِ وَهُوَ بِمَرْوَ سَائِراً لغَزْوِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَبايعَ مَنْ قِبَلَهُ لأَخِيهِ الأَمِيْنِ، ثُمَّ جَرَتْ بينهُمَا أُمُورٌ، وَخُطُوبٌ، وَبلاَءٌ، وَحُرُوبٌ تُشَيِّبُ النَّوَاصِي،
إِلَى أَنْ قُتِلَ الأَمِيْنُ، وَبَايعَ النَّاسُ المَأْمُوْنَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.قَالَ الخُطَبِيُّ : كُنْيَتُهُ أَبُو العَبَّاسِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، اكتنَى بِأَبِي جَعْفَرٍ، وَاسمُ أُمِّهِ: مرَاجلُ، مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا بِهِ.
قَالَ: وَدُعِيَ لَهُ بِالخِلاَفَةِ، فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، إِلَى أَنْ قُتِلَ الأَمِيْنُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَاسْتعملَ عَلَى العِرَاقِ الحَسَنَ بنَ سَهْلٍ، ثُمَّ بايعَ بِالعهدِ لِعَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَنَبَذَ السَّوَادَ، وَأَبدَلَهُ بِالخُضْرَةِ، فَهَاجَتْ بَنو العَبَّاسِ، وَخلعُوا المَأْمُوْنَ، ثُمَّ بايعُوا عَمَّهُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ المَهْدِيِّ، وَلَقَّبُوهُ المُبَارَكَ، وَعَسْكَرُوا، فَحَارَبَهُم الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ، فَهَزمُوهُ، فَتَحَيَّزَ إِلَى وَاسِطٍ، ثُمَّ سَارَ جَيْشُ المَأْمُوْنِ، عَلَيْهِم حُمَيْدٌ الطُّوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ هِشَامٍ، فَالتَقَوا إِبْرَاهِيْمَ، فَهَزمُوهُ، فَاخْتَفَى زَمَاناً، وَانقطعَ خبرُهُ، إِلَى أَنْ ظُفِرَ بِهِ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِيْنَ، فَعَفَا عَنْهُ المَأْمُوْنُ.
وَكَانَ المَأْمُوْنُ عَالِماً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، وَكَانَ يَقُوْلُ: مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي
سُفْيَانَ بِعَمْرِهِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بِحَجَّاجِهِ، وَأَنَا بنفسِي.وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ، أَنَّ المَنْصُوْرَ قَالَهَا.
وَعَنِ المَأْمُوْنِ أَنَّهُ تَلاَ فِي رَمَضَانَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ خَتْمَةً.
الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: أُرِيْدُ أَنْ أُحَدِّثَ.
قُلْتُ: وَمَنْ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكَ؟
قَالَ: ضَعُوا لِي مِنْبَراً، ثُمَّ صَعِدَ.
قَالَ: فَأَوَّلُ مَا حَدَّثَنَا عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي الجَهْمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً: (امرُؤُ القيسِ صَاحِبُ لوَاءِ الشُّعرَاءِ إِلَى النَّارِ ) .
ثُمَّ حَدَّثَ بنحوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَنَزَلَ.
فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ أَبَا يَحْيَى مَجْلِسَنَا؟
قُلْتُ: أَجلُّ مَجْلِسٍ، تَفَقَّهَ الخَاصَّةُ وَالعَامَّةُ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ لَهُ حَلاَوَةً، إِنَّمَا المَجْلِسُ لأَصْحَابِ الخُلْقَانِ وَالمحَابرِ.
أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: تَقَدَّمَ
رَجُلٌ غَرِيْبٌ بِيَدِهِ مِحْبَرَةٌ إِلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! صَاحِبُ حَدِيْثٍ، مُنْقَطِعٌ بِهِ.فَقَالَ: مَا تَحْفَظُ فِي بَابِ كَذَا وَكَذَا؟
فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً.
فَقَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ حتَّى ذَكَرَ البَابَ، ثُمَّ سأَلَهُ عَنْ بَابٍ آخرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً.
فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ، ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: يَطْلُبُ أَحَدُهُم الحَدِيْثَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَقُوْلُ:
أَنَا مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، أَعْطُوْهُ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمٍ.
قُلْتُ: وَكَانَ جَوَاَداً، مُمَدَّحاً، مِعَطَاءً، وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي جلسَةٍ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ يَشْرَبُ نَبِيْذَ الكُوْفَةِ.
وَقِيْلَ: بَلْ يَشْرَبُ الخَمْرَ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَعْطَى أَعْرَابِيّاً مَدَحَهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
مَسْرُوْقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ الكِنْدِيُّ، جَارٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، قَالَ:
حَجَّ الرَّشِيْدُ، فَدَخَلَ الكُوْفَةَ، فَلَمْ يتَخَلَّفْ إِلاَّ ابْنُ إِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا الأَمِيْنَ وَالمَأْمُوْنَ، فَحَدَّثَهُمَا ابْنُ إِدْرِيْسَ بِمائَةِ حَدِيْثٍ.
فَقَالَ المَأْمُوْنُ: يَا عمّ! أَتَأَذنُ لِي أَنْ أُعِيْدَهَا حِفْظاً؟
قَالَ: افعلْ.
فَأَعَادَهَا، فَعَجِبَ مِنْ حِفْظِهِ، وَمَضَيَا إِلَى عِيْسَى، فَحَدَّثَهُمَا.
فَأَمَرَ لَهُ المَأْمُوْنُ بشعرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَبَى، وَقَالَ: وَلاَ شربَةَ مَاءٍ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَنَّ المَأْمُوْنَ جلسَ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: مَاتَ أَخِي، وَخَلَّفَ سِتَّ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَأَعْطَوْنِي دِيْنَاراً وَاحِداً، وَقَالُوا: هَذَا مِيرَاثُكِ.فَحَسَبَ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: هَذَا خَلَّفَ أَرْبَعَ بنَاتٍ.
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: لَهُنَّ أَرْبَعُ مائَةِ دِيْنَارٍ.
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: وَخَلَّفَ أُمّاً، فلهَا مائَةُ دِيْنَارٍ، وَزَوْجَةً لَهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ دِيْنَاراً، بِاللهِ أَلَكِ اثْنَا عَشرَ أَخاً؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ دِيْنَارَان، وَلكِ دِيْنَارٌ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: خَبِّرْنِي عَنْ قَوْلِ هندٍ بِنْتِ عُتْبَةَ:
نَحْنُ بنَاتُ طَارِق ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
مَنْ هُوَ طَارِقٌ؟
فَنَظَرْتُ فِي نَسَبِهَا فلَمْ أَجِدْهُ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ.
قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَتْ النَّجْمَ، انتسَبَتْ إِلَيْهِ لِحُسْنِهَا، ثُمَّ دَحَا إِلَيَّ بِعَنْبَرَةٍ بِعْتُهَا بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
عَنِ المَأْمُوْنِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكتبَ كِتَاباً سِرّاً، فَلْيَكْتُبْ بِلَبَنٍ حُلِبَ لِوَقْتِهِ، وَيُرْسِلُهُ، فَيَعمَدُ إِلَى قِرْطَاسٍ فَيُحْرِقُهُ، وَيَذُرُّ رَمَادَهُ عَلَى الكِتَابَةِ، فَيُقرَأُ لَهُ.قَالَ الصُّوْلِيُّ: اقتَرَحَ المَأْمُوْنُ فِي الشِّطْرَنْجِ أَشْيَاءَ، وَكَانَ يُحِبُّ اللَّعِبَ بِهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يَقُوْلُ: نَلعَبُ بِهَا، بَلْ نَتَنَاقَلُ بِهَا.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، قَالَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يَجْلِسُ لِلْمُنَاظَرَةِ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَدْ شَمَّرَ ثِيَابَهُ، وَنَعلُهُ فِي يَدِهِ، فَوَقَفَ عَلَى طَرَفِ البِسَاطِ، وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم.
فَرَدَّ المَأْمُوْنُ.
فَقَالَ: أَتَاذَنُ لِي فِي الدُّنُوِّ.
قَالَ: ادْنُ، وَتَكَلَّمْ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا المَجْلِسِ الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ، جَلَستَهُ بِاجْتِمَاعِ الأُمَّةِ، أَمْ بِالغَلَبَةِ وَالقَهْرِ؟
قَالَ: لاَ بِهَذَا وَلاَ بِهَذَا، بَلْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرَ الأُمَّةِ مَنْ عَقَدَ لِي وَلأَخِي، فَلَمَّا صَارَ الأَمْرُ إِلَيَّ، عَلِمْتُ أَنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى اجْتِمَاعِ كَلمَةِ المُسْلِمِيْنَ عَلَى الرِّضَى بِي، فَرَأَيْتُ أَنِّي مَتَى خَلَّيتُ الأَمْرَ، اضْطَرَبَ حَبْلُ الإِسْلاَمِ، وَمَرِجَ عَهْدُهُم، وَتَنَازَعُوا، وَبَطَلَ الحَجُّ وَالجِهَادُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَقُمْتُ حِيَاطَةً لِلْمُسْلِمِيْنَ، إِلَى أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى مَنْ يَرْضَوْنَهُ، فَأُسْلِمُ إِلَيْهِ.
فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَذَهَبَ.
فَوَجَّهَ المَأْمُوْنُ مَنْ يَكْشِفُ خَبَرَهُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ: مَضَى إِلَى مَسْجِدٍ فِيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِي هَيْئَتِهِ، فَقَالُوا: لَقِيتَ الرَّجُلَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَخْبَرَهُم بِمَا جَرَى.
فَقَالُوا: مَا نَرَى بِمَا قَالَ بَأْساً، وَافْتَرَقُوا.
فَقَالَ المَأْمُوْنُ: كُفِيْنَا مُؤْنَةَ هَؤُلاَءِ بِأَيسَرِ الخَطْبِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ اسْتَخْرَجَ كُتُبَ الفَلاَسِفَةِ وَاليُونَانِ مِنْ جَزِيْرَةِ
قُبْرُسَ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ مَرَّتَينِ.قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ المُنَجِّمُ: كَانَ أَمَّاراً بِالعَدْلِ، مَحْمُوْدَ السِّيْرَةِ، مَيْمُوْنَ النَّقِيْبَةِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، يُعَدُّ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ.
وَرُوِيَ عَنِ الرَّشِيْدِ، قَالَ: إِنِّيْ لأَعْرِفُ فِي عَبْدِ اللهِ ابْنِي حَزْمَ المَنْصُوْرِ، وَنُسُكَ المَهْدِيِّ، وَعِزَّةَ الهَادِي، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَنْسِبَهُ إِلَى الرَّابِعِ -يَعْنِي: نَفْسَه- لَفَعَلتُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ مُحَمَّداً عَلَيْهِ، وَإِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّهُ مُنْقَادٌ إِلَى هَوَاهُ، مُبَذِّرٌ لِمَا حَوَتْهُ يَدَاهُ، يُشَارِكُ فِي رَأْيِهِ الإِمَاءُ، وَلَوْلاَ أُمُّ جَعْفَرٍ، وَمَيلُ الهَاشِمِيِّينَ إِلَيْهِ، لَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ عَبْدَ اللهِ.
عَنِ المَأْمُوْنِ، قَالَ: لَوْ عَرَفَ النَّاسُ حُبِّي لِلْعفْوِ، لَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِالجَرَائِمِ، وَأَخَافُ أَنْ لاَ أُوجَرَ فِيْهِ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يَحْلُمُ حَتَّى يُغِيْظَنَا.
قِيْلَ: مَرَّ مَلاَّحٌ، فَقَالَ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا يَنْبُلُ عِنْدِي وَقَدْ قَتَلَ أَخَاهُ الأَمِيْنَ؟!
فَسَمِعَهَا المَأْمُوْنُ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: مَا الحِيلَةُ حَتَّى أَنْبُلَ فِي عَينِ هَذَا السَّيِّدِ الجَلِيْلِ ؟
قِيْلَ: أَهدَى مَلِكُ الرُّوْمِ لِلْمَأْمُوْنِ نَفَائِسَ، مِنْهَا مائَةُ رَطْلِ مِسْكٍ، وَمائَةُ حُلَّةٍ سَمُّورٍ.
فَقَالَ المَأْمُوْنُ: أَضْعِفُوهَا لَهُ لِيَعْلَمَ عِزَّ الإِسْلاَمِ.
وَقِيْلَ: أُدْخِلَ خَارِجِيٌّ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الخِلاَفِ؟قَالَ: قَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلِئَكَ هُمُ الكَافِرُوْنَ} .
قَالَ: أَلَكَ عِلْمٌ بِأَنَّهَا مُنْزَلَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمَا دَلِيْلُكَ؟
قَالَ: إِجْمَاعُ الأُمَّةِ.
قَالَ: فَكَمَا رَضِيتَ بِإِجْمَاعِهِم فِي التَّنْزِيلِ، فَارْضَ بِإِجْمَاعِهِم فِي التَّأْوِيْلِ.
قَالَ: صَدَقْتَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ !
الغَلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ سَابِقٍ، قَالَ:
دَخَلَ المَأْمُوْنُ دِيوَانَ الخَرَاجِ، فَرَأَى غُلاَماً جَمِيْلاً، عَلَى أُذُنِهِ قَلَمٌ، فَأَعْجَبَهُ جَمَالُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: النَّاشِئُ فِي دَوْلَتِكَ، وَخِرِّيجُ أَدَبِكَ، وَالمُتَقَلِّبُ فِي نِعْمَتِكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، حَسَنُ بنُ رَجَاءَ.
فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! بِالإِحْسَانِ فِي البَدِيْهَةِ تَفَاضَلَتِ العُقُوْلُ.
ثُمَّ أَمَرَ بِرَفْعِ رُتْبَتِهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفٍ.
وَعَنِ المَأْمُوْنِ، قَالَ: أَعْيَانِي جَوَابُ ثَلاَثَةٍ:
صِرْتُ إِلَى أُمِّ ذِي الرِّيَاسَتَينِ الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ أُعَزِّيهَا فِيْهِ، وَقُلْتُ: لاَ تَأْسَيْ عَلَيْهِ، فَإِنِّي عِوَضُهُ لَكِ.
قَالَتْ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَكَيْفَ لاَ أَحزَنُ عَلَى وَلَدٍ أَكْسَبَنِي مِثْلَكَ.
قَالَ: وَأُتِيْتُ بِمُتَنَبِّئٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا مُوْسَى بنُ عِمْرَانَ.
قُلْتُ: وَيْحَكَ! مُوْسَى كَانَتْ لَهُ آيَاتٌ، فَائْتِنِي بِهَا حَتَّى أُومِنَ بِكَ.
قَالَ: إِنَّمَا أَتَيْتُ بِالمُعجِزَاتِ فِرْعَوْنَ، فَإِنْ قُلْتَ: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى كَمَا قَالَ، أَتَيْتُكَ بِالآيَاتِ.
وَأَتَى أَهْلُ الكُوْفَةِ يَشْكُوْنَ عَامِلَهُم، فَقَالَ خَطِيْبُهُم: هُوَ شَرُّ عَامِلٍ،
أَمَّا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، فَبِعْنَا الأَثَاثَ وَالعَقَارَ، وَفِي الثَّانِيَة بِعْنَا الضِّيَاعَ، وَفِي الثَّالِثَةِ نَزَحْنَا وَأَتَيْنَاكَ.قَالَ: كَذَبْتَ، بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ، وَعَرَفْتُ سَخَطَكُمْ عَلَى العُمَّالِ.
قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَكَذَبْتُ، قَدْ خَصَصْتَنَا بِهِ مُدَّةً دُوْنَ بَاقِي البِلاَدِ، فَاسْتَعْمِلْهُ عَلَى بَلَدٍ آخَرَ، لِيَشْمَلَهُم مِنْ عَدْلِهِ وَإِنصَافِهِ مَا شَمِلَنَا.
فَقُلْتُ: قُمْ فِي غَيْرِ حِفْظِ اللهِ، قَدْ عَزَلْتُهُ.
أَوَّلُ قُدُومِ المَأْمُوْنِ مِنْ خُرَاسَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ، فَدَخَلَ بَغْدَادَ فِي مَحْمِلٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَكَى دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، وَعِنْدَهُ قُوَّادُ خُرَاسَانَ، وَقَدْ دَعَا إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَقَالَ لَهُم: مَا تَقُولُوْنَ فِي القُرْآنِ؟
فَقَالُوا: كَانَ شُيُوْخُنَا يَقُوْلُوْنَ: مَا كَانَ فِيْهِ مِنْ ذِكْرِ الحَمِيرِ، وَالجِمَالِ، وَالبَقَرِ، فَهُوَ مَخْلُوْقٌ، فَأَمَّا إِذْ قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: هُوَ مَخْلُوْقٌ، فَنَحْنُ نَقُوْلُ: كُلُّهُ مَخْلُوْقٌ.
فَقُلْتُ لِلْمَأْمُوْنِ: أَتَفرَحُ بِمُوَافَقَةِ هَؤُلاَءِ ؟
قُلْتُ: وَكَانَ شِيْعِيّاً.
قَالَ نِفْطَوَيْه: بَعَثَ المَأْمُوْنُ مُنَادِياً، فَنَادَى فِي النَّاسِ بِبَرَاءةِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ تَرَحَّمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَوْ ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ، وَكَانَ كَلاَمُهُ فِي القُرْآنِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَاضْطَربُوا، وَلَمْ يَنَلْ مَقْصُودَهُ، فَفَتَرَ إِلَى وَقْتٍ.
وَعَنِ المَأْمُوْنِ، قَالَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ مِنْهُم مِثْلُ الغِذَاءِ، لاَبُدَّ مِنْهُ،
وَمِنْهُم كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي حَالِ المَرَضِ، وَمِنْهُم كَالدَّاءِ مَكْرُوهٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ نُزْهَةَ أَلَذُّ مِنَ النَّظَرِ فِي عُقُوْلِ الرِّجَالِ.
وَعَنْهُ: غَلَبَةُ الحُجَّةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ غَلَبَةِ القُدْرَةِ.
وَعَنْهُ: المَلِكُ يَغتَفِرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ القَدْحَ فِي المُلْكِ، وَإِفشَاءَ السِّرِّ، وَالتَّعَرُّضَ لِلْحُرَمِ.
وَعَنْهُ: أَعْيَتِ الحِيلَةُ فِي الأَمْرِ إِذَا أَقبَلَ أَنْ يُدْبِرَ، وَإِذَا أَدْبَرَ أَنْ يُقْبِلَ.
وَقِيْلَ لَهُ: أَيُّ المَجَالِسِ أَحسَنُ؟
قَالَ: مَا نُظِرَ فِيْهِ إِلَى النَّاسِ، فَلاَ مَنْظَرَ أَحسَنُ مِنَ النَّاسِ.
أَبُو دَاوُدَ المَصَاحِفِيُّ : حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَقَلْتُ: إِنِّيْ قُلْتُ اليَوْمَ هَذَا:
أَصْبَحَ دِيْنِي الَّذِي أَدِيْنُ بِهِ ... وَلَسْتُ مِنْهُ الغَدَاةَ مُعْتَذِرَا
حُبُّ عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبِيِّ وَلاَ ... أَشْتُمُ صِدِّيقَهُ وَلاَ عُمَرَا
وَابْنُ عَفَّانَ فِي الجِنَانِ مَعَ الـ ... أَبْرَارِ ذَاكَ القَتِيلُ مُصْطَبِرَا
وَعَائِشُ الأُمُّ لَسْتُ أَشْتُمُهَا ... مَنْ يَفْتَرِيهَا فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَا
قِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ لِتَشَيُّعِهِ أَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِإِبَاحَةِ المُتْعَةِ - مُتْعَةِ النِّسَاءِ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، فَذَكَرَ لَهُ حَدِيْثَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِتَحْرِيْمِهَا، فَلَمَّا عَلِمَ بِصِحَّةِ الحَدِيْثِ، رَجَعَ إِلَى الحَقِّ، وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِتَحْرِيْمِهَا.أَمَا مَسْأَلَةُ القُرْآنِ، فَمَا رَجَعَ عَنْهَا، وَصَمَّمَ عَلَى امْتِحَانِ العُلَمَاءِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِم، فَأَخَذَهُ اللهُ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الغَزْوِ.
وَفِي ثَانِي سَنَةٍ مِنْ خِلاَفتِهِ: خَرَجَ عَلَيْهِ بِالكُوْفَةِ مُحَمَّدُ بنُ طَبَاطَبَا العَلَوِيُّ، يَدعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَالعَمَلِ بِالسُّنَّةِ، وَكَانَ مُدِيرَ دَولَتِهِ أَبُو السَّرَايَا الشَّيْبَانِيُّ، وَيُسْرِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَبَادَرَ إِلَيْهِ الأَعرَابُ.
فَالتَقَاهُ عَسْكَرُ المَأْمُوْنِ، عَلَيْهِم زُهَيْرُ بنُ المُسَيَّبِ، فَانهَزَمُوا، وَقَوِيَ أَمرُ العَلَوِيِّ، ثُمَّ أَصْبَحَ مَيتاً فَجأَةً، فَقِيْلَ: سَمَّهُ أَبُو السَّرَايَا، وَأَقَامَ فِي الحَالِ مكَانَهُ أَمرَدَ عَلَوِيّاً، ثُمَّ تَجَهَّزَ لِحَرْبِهِم جَيْشٌ، فَكُسِرُوا، وَقُتِلَ مُقَدَّمُهُم عَبْدُوْسٌ المَرْوَرُّوْذِيُّ، وَقَوِيَ الطَّالِبِيُّونَ، وَأَخَذُوا وَاسِطاً وَالبَصْرَةَ، وَعَظُمَ الخَطْبُ.
ثُمَّ حُشِدَ الجَيْشُ، عَلَيْهِم هَرْثَمَةُ، وَجَرَتْ فُصُولٌ طَوِيْلَةٌ، وَالتَقَوْا غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ هَرَبَ أَبُو السَّرَايَا وَالطَّالِبِيُّونَ مِنَ الكُوْفَةِ، ثُمَّ قُتِلَ أَبُو السَّرَايَا سَنَة مائَتَيْنِ، وَهَاجَتِ العَلَوِيَّةُ بِمَكَّةَ، وَحَارَبُوا، وَعَظُمَ هَرْثَمَةُ بنُ أَعْيَنَ، وَأُعْطِيَ إِمْرَةَ الشَّامِ، فَلَمْ يَرْضَ بِهَا، وَذَهَبَ إِلَى مَرْوَ، فَقَتَلُوهُ.
ثُمَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ: جَعَلَ المَأْمُوْنُ وَلِيَّ عَهْدِهِ عَلِيّاً الرِّضَى، وَلَبِسَ الخُضْرَةَ، وَثَارَتِ العَبَّاسِيَّةُ، فَخَلَعُوهُ، وَفِيْهَا تَحَرَّكَ بَابَكُ الخُرَّمِيُّ بِأَذْرَبِيْجَانَ، وَقَتَلَ، وَسَبَى، وَذَكَرَ الرِّضَى لِلْمَأْمُوْنِ مَا النَّاسُ فِيْهِ مِنَ الحَرْبِ وَالفِتَنِ مُنْذُ قَتْلِ الأَمِيْنِ، وَبِمَا كَانَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ يُخْفِيهِ عَنْهُ مِنَ الأَخْبَارِ، وَأَنَّ أَهْلَ بيتِهِ قَدْ خَرَجُوا وَنَقَمُوا أَشْيَاءَ، وَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ مَسْحُوْرٌ، وَهُوَ مَجْنُوْنٌ.قَالَ: وَمَنْ يَعْرِفُ هَذَا؟
قَالَ: عِدَّةٌ مِنْ أُمَرَائِكَ، فَاسْأَلْهُم.
فَأَبَوْا أَنْ يَنطِقُوا إِلاَّ بِأَمَانٍ مِنَ الفَضْلِ، فَضَمِنَ ذَلِكَ، فَبَيَّنُوا لَهُ، وَأَنَّ طَاهِرَ بنَ الحُسَيْنِ قَدْ أَبلَى فِي طَاعَتِكَ، وَفَتَحَ الأَمصَارَ، وَقَادَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الخِلاَفَةَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصُيِّرَ فِي الرَّقَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى العِرَاقِ حَاكماً، لَضَبَطَهَا، بِخلاَف الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ.
وَقَالُوا لَهُ: فَسِرْ إِلَى العِرَاقِ، فَلَو رَآكَ القُوَّادُ، لأَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ.
فَقَالَ: سِيْرُوا.
فَلَمَّا عَلِمَ الفَضْلُ، ضَرَبَ بَعْضَهُم، وَحَبَسَ آخَرِيْنَ، وَمَا أَمكَنَ المَأْمُوْنَ مُبَادَرَتُهُ، فَسَارَ مِنْ مَرْوَ إِلَى سَرْخَسَ، فَشَدَّ قَوْمٌ عَلَى الفَضْلِ، فَقَتَلُوهُ فِي حَمَّامٍ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سِتِّيْنَ سَنَةً، فَجَعَلَ المَأْمُوْنُ لِمَنْ جَاءَ بِقَاتِلِيهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَكَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ مَمَالِيْكِ المَأْمُوْنِ، فَقَالُوا: أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِهِ.
فَأَنْكَرَ، وضَرَبَ أَعْنَاقَهُم.
وَضَعُفَ أَمرُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ بَعْدَ مُحَاربَةٍ وَبَلاَءٍ.
وَفِي سَنَةِ 203: مَاتَ الرِّضَى فَجْأَةً.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: وَصَلَ المَأْمُوْنُ، فَتَلَقَّاهُ إِلَى النَّهْرَوَانِ بَنُوَ العَبَّاسِ، وَبَنُو أَبِي طَالِبٍ، وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فِي لُبْسِ الخُضْرَةِ، فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ أَعَادَ السَّوَادَ.وَفِيْهَا: التَقَى يَحْيَى بنُ مُعَاذٍ أَمِيْرُ الجَزِيْرَةِ بَابَكَ الخُرَّمِيَّ، وَوَلِيَ طَاهِرٌ جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ.
وَفِيْهَا - أَعْنِي: سَنَةَ 205 -: نُصِرَ المُسْلِمُوْنَ عَلَى بَابَكَ، وَبَيَّتُوهُ.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: خَرَجَ بِاليَمَنِ عَلَوِيٌّ، فَأَمَّنَهُ المَأْمُوْنُ، وَقَدِمَ.
وَمَاتَ طَاهِرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ قَطَعَ دَعْوَةَ المَأْمُوْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَخَرَجَ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ؛ طَلْحَةُ، فَوَلاَّهُ المَأْمُوْنُ خُرَاسَانَ، فَبَقِيَ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ، وَمَاتَ، فَوَلِيَهَا أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ.
وَكَانَتِ الحُرُوبُ شَدِيْدَةً بَيْنَ عَسْكَرِ الإِسْلاَمِ وَبَيْنَ بَابَكَ.
وَظَهَرَ بِاليَمَنِ الصَّنَادِيْقِيُّ، وَقَتَلَ، وَسَبَى، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ، ثُمَّ هَلَكَ بِالطَّاعُونِ.
وَخَرَجَ حَسَنٌ أَخُو طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ بِكَرْمَانَ، فَظَفِرَ بِهِ المَأْمُوْنُ، وَعَفَا عَنْهُ.
وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُجِلُّ أَهْلَ الكَلاَمِ، وَيَتَنَاظرُوْنَ فِي مَجْلِسِهِ، وَسَارَ صَدَقَةُ بنُ عَلِيٍّ لِحَرْبِ بَابَكَ، فَأَسَرَهُ بَابَكُ، وَتَمَرَّدَ، وَعَتَا.
وَفِي سَنَةِ عشرٍ: دَخَلَ المَأْمُوْنُ بِبُوْرَانَ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ بِوَاسِطَ، وَأَقَامَ عِنْدَهَا بِجَيْشِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَكَانَتْ نَفَقَةُ الحَسَنِ عَلَى العُرْسِ وَتَوَابِعِهِ خَمْسِيْنَ أَلفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَمَلَّكَهُ المَأْمُوْنُ مَدِينَةً، وَأَعْطَاهُ مِنَ المَالِ خَمْسَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.وَفِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ: قَهَرَ ابْنُ طَاهِرٍ المُتَغَلِّبِيْنَ عَلَى مِصْرَ، وَأَسَرَ جَمَاعَةً.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ: سَارَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الطُّوْسِيُّ لِمُحَاربَةِ بَابَكَ، وَأَظهَرَ المَأْمُوْنُ تَفْضِيْلَ عَلِيٍّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ، وَأَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، وَاسْتَعمَلَ عَلَى مِصْرَ وَالشَّامِ أَخَاهُ المُعْتَصِمَ، فَقَتَلَ طَائِفَةً، وَهَذَّبَ مِصْرَ، وَوَقَعَ المَصَافُّ مَعَ بَابَكَ مَرَّاتٍ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ: سَارَ المَأْمُوْنُ لِغَزْوِ الرُّوْمِ، وَمِنْ غَزْوَتِهِ عَطَفَ إِلَى دِمَشْقَ.
وَفِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ: كَرَّ غَازياً فِي الرُّوْمِ، وَجَهَّزَ أَخَاهُ المُعْتَصِمَ، فَفَتَحَ حُصُوناً.
وَدَخَلَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِصْرَ، وَقَتَلَ المُتَغَلِّبُ عَلَيْهَا عَبْدُوْساً الفِهْرِيَّ، ثُمَّ كَرَّ إِلَى أَذَنَةَ، وَسَارَ، فَنَازَلَ لُؤْلُؤَةً، وَحَاصَرَهَا مائَةَ يَوْمٍ، وَتَرَحَّلَ.
وَأَقبَلَ تُوفِيلُ طَاغيَةُ الرُّوْمِ، ثُمَّ وَقَعَتِ الهُدْنَةُ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ تُوفِيلُ، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ، وَأَغلَظَ فِي المُكَاتِبَةِ، فَغَضِبَ المَأْمُوْنُ، وَعَزَمَ عَلَى المَسِيْرِ إِلَى قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَهَجَمَ الشِّتَاءُ.وَفِيْهَا: وَقَعَ حَرِيْقٌ عَظِيْمٌ بِالبَصْرَةِ، أَذهَبَ أَكْثَرَهَا.
وَفِي سَنَةِ : اهتَمَّ المَأْمُوْنُ بِبِنَاءِ طُوَانَةَ، وَحَشَدَ لَهَا الصُّنَّاعَ، وَبنَاهَا مِيْلاً فِي مِيْلٍ، وَهِيَ وَرَاءَ طَرَسُوْسَ، وَافتَتَحَ عِدَّةَ حُصُوْنٍ، وَبَالَغَ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ، وَحَبَسَ إِمَامَ الدِّمَشْقِيِّينَ أَبَا مُسْهِرٍ، بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ فِي النِّطْعِ لِلْقَتلِ، فَتَلَفَّظَ مُكْرَهاً.
وَكَتَبَ المَأْمُوْنُ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى العِرَاقِ؛ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخُزَاعِيِّ كِتَاباً يَمتَحِنُ العُلَمَاءَ، يَقُوْلُ فِيْهِ:
وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الجُمْهُوْرَ الأَعْظَمَ، وَالسَّوَادَ مِنْ حَشوِ الرَّعِيَةِ وَسَفِلَةِ العَامَّةِ، مِمَّنْ لاَ نَظَرَ لَهُم وَلاَ رَوِيَّةَ، أَهْلُ جَهَالَةٍ وَعَمَىً عَنْ أَنْ يَعْرِفُوا اللهَ كُنْهَ مَعْرِفَتِهِ، وَيَقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِه، وَيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَسَاوَوْا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَطبَقُوا عَلَى أَنَّ القُرْآنَ قَدِيْمٌ لَمْ يَخْتَرِعْهُ اللهُ، وَقَدْ قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً} ، فُكُلُّ مَا جَعَلَهُ، فَقَدْ خَلَقَهُ، كَمَا قَالَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرَ} ، وَقَالَ: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} ، فَأَخبَرَ أَنَّهُ قَصَصٌ لأُمُورٍ أَحَدَثَهُ بعدَهَا،
وَقَالَ: {وَأُحْكِمَتْ آيَاتُه ثُمَّ فُصِّلَتْ} وَاللهُ مُحْكِمٌ لَهُ، فَهُوَ خَالِقُهُ وَمُبْدِعُهُ.إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَاتَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السَّمْتِ الكَاذِبِ، وَالتَّخَشُّعِ لِغَيرِ اللهِ، إِلَى مُوَافَقَتِهِم، فَرَأَى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّهُم شَرُّ الأُمَّةِ، وَلَعَمْرُو أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ أَكذَبَ النَّاسِ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَوَحْيِهِ، وَلَمْ يَعْرِفِ اللهَ حقَّ مَعْرِفَتِهِ، فَاجمَعِ القُضَاةَ وَامتَحِنْهُم فِيْمَا يَقُوْلُوْنَ، وَأَعْلِمْهُم أَنِّي غَيْرُ مُسْتَعِينٌ فِي عَمَلٍ، وَلاَ وَاثِقٌ بِمَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِيْنِهِ، فَإِنْ وَافقُوا، فَمُرْهُم بِنَصِّ مَنْ بِحَضْرَتِهِم مِنَ الشُّهُودِ، وَمَسْأَلَتِهِم عَنْ عِلْمِهِم فِي القُرْآنِ، وَرَدِّ شَهَادَةَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ.
وَكَتَبَ المَأْمُوْنُ أَيْضاً فِي أَشْخَاصٍ سَبْعَةٍ: مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ مَعِيْنٍ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ دَاوُدَ، وَأَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ، فَامْتُحِنُوا، فَأَجَابُوا - قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: جَبُنَّا خَوْفاً مِنَ السَّيْفِ -.
وَكَتَبَ بِإِحضَارِ مَنِ امتَنَعَ مِنْهُم: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي حَسَّانٍ الزِّيَادِيِّ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَسَجَّادَةَ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي مُقَاتِلٍ، وَذَيَّالِ بنِ الهَيْثَمِ، وَقُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَسَعْدُوَيْه، فِي عِدَّةٍ، فَتَلَكَّأَ طَائِفَةٌ، وَصَمَّمَ أَحْمَدُ وَابْنُ نُوْحٍ، فَقُيِّدَا، وَبَعَثَ بِهِمَا، فَلَمَّا بَلَغَا الرَّقَّةَ، تَلَقَّاهُم مَوْتُ المَأْمُوْنِ، وَكَانَ مَرِضَ بِأَرْضِ الثَّغْرِ.
فَلَمَّا احْتُضِرَ، طَلَبَ ابْنَهُ العَبَّاسَ لِيَقْدَمَ، فَوَافَاهُ بآخِرِ رَمَقٍ، وَقَدْ نُفِّذَتِ الكُتُبُ إِلَى البُلْدَانِ، فِيْهَا:
مِنَ المَأْمُوْنِ وَأَخِيْهِ أَبِي إِسْحَاقَ الخَلِيْفَةِ
مِنْ بَعْدِهِ.فَقِيْلَ: وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ المَأْمُوْنِ.
وَقِيْلَ: بَلْ بِأَمرِهِ.
وَأَشهَدَ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ المَوْتِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ هَارُوْنَ أَشهَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللهَ وَحدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّهُ خَالِقٌ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوْقٌ، وَلاَ يَخلُو القُرْآنُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ شَيْئاً لَهُ مِثْلٌ، وَاللهُ لاَ مِثْلَ لَهُ، وَالبَعْثُ حَقٌّ، وَإِنِّيْ مُذْنِبٌ، أَرْجُو وَأَخَافُ.
وَلْيُصَلِّ عَلَيَّ أَقرَبُكُم، وَلْيُكَبِّرْ خَمْساً، فَرَحِمَ اللهُ عَبداً اتَّعَظَ وَفَكَّرَ فِيْمَا حَتَمَ اللهُ علَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ مِنَ الفَنَاءِ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي تَوَحَّدَ بِالبَقَاءِ.
ثُمَّ لْيَنْظُرِ امْرُؤٌ مَا كُنْتُ فِيْهِ مِنْ عِزِّ الخِلاَفَةِ، هَلْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئاً إِذْ نَزَلَ أَمْرُ اللهُِ بِي؟ لاَ وَاللهِ، لَكِنْ أُضْعِفَ بِهِ عَلَيَّ الحِسَابُ، فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً.
يَا أَخِي! ادْنُ مِنِّي، وَاتَّعِظْ بِمَا تَرَى، وَخُذْ بِسِيْرَةِ أَخِيْكَ فِي القُرْآنِ، وَاعْمَلْ فِي الخِلاَفَةِ إِذْ طَوَّقَكَهَا اللهُ عَمَلَ المُرِيْدِ للهِ، الخَائِفِ مِنْ عِقَابِهِ، وَلاَ تَغْتَرَّ، فَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكَ المَوْتُ.
وَلاَ تُغْفِلْ أَمرَ الرَّعِيَّةِ، الرَّعِيَّةَ الرَّعِيَّةَ، فَإِنَّ المُلْكَ بِهِم، اللهَ اللهَ فِيْهِم وَفِي غَيْرِهِم.
يَا أَبَا إِسْحَاقَ، عَلَيْكَ عَهْدُ اللهِ، لَتَقُومَنَّ بِحَقِّهِ فِي عِبَادِهِ، وَلَتُؤْثِرَنَّ طَاعَتَهُ علَى مَعْصِيَتِهِ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
هَؤُلاَءِ بَنُو عَمِّكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحْسِنْ صُحْبَتَهُم، وَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيْئِهِم.
ثُمَّ مَاتَ فِي رَجَبٍ، فِي ثَانِي عَشَرِهِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: بِالبَذَنْدُوْنَ، فَنَقَلَهُ ابْنُه العَبَّاسُ، وَدَفَنَهُ بِطَرَسُوْسَ، فِي دَارِ خَاقَانَ خَادِمِ أَبِيْهِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ نَقَشَ خَاتَمَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ.وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَدِ: مُحَمَّدٌ الكَبِيْرُ، وَالعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَالحَسَنُ، وَأَحْمَدُ، وَعِيْسَى، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَالفَضْلُ، وَمُوْسَى، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَيَعْقُوْبُ، وَحَسَنٌ، وَسُلَيْمَانُ، وَهَارُوْنُ، وَجَعْفَرٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعِدَّةُ بَنَاتٍ.