أَبُو بكر بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب روى عَن عَم أَبِيه سَالم بن عبد الله وَنَافِع وَهِشَام بن عُرْوَة وعدة وَعنهُ مَالك وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَآخَرُونَ وَثَّقَهُ اللالكاني وَغَيره
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
النعمان بن ثابت، أبو حنيفة التيمي :
إمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق رأى أنس بن مالك. وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبا إسحاق السبيعي، ومحارب بن دثار، وحماد بن أبي سلمان، والهيثم بن حبيب الصّوّاف، وقيس بن مسلم، وَمُحَمَّد بن المنكدر، ونافعا مولى ابن عمر، وهشام ابن عروة، ويزيد الفقير، وسماك بن رحب، وعلقمة بن مرثد، وعطية العوفي، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم أبا أمية، وغيرهم. روى عنه أبو يحيى الحماني، وهشيم ابن بشير، وعباد بن العوام، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وعلي بن عاصم، ويحيى بن نصر بن حاجب، وأبو يوسف القاضي، ومحمّد ابن الحسن الشيباني، وعمرو بن مُحَمَّد العنقزي، وهوذة بن خليفة، وأبو عَبْد الرَّحْمَن المقرئ، وعبد الرزاق بن همام، في آخرين.
وهو من أهل الكوفة نقله أَبُو جعفر المنصور إلى بغداد فأقام بها حتى مات ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران، وقبره هناك ظاهر معروف.
أخبرنا حمزة بن محمّد بن طاهر، حدّثنا الوليد بن بكر، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي، حَدَّثَنِي أبي قال: أَبُو حنيفة النعمان بن ثابت كوفي تيمي من رهط حمزة الزيات، وكان خزازا يبيع الخز.
أنبأنا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، أخبرنا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن أَبِي ذهل الهرويّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يونس الْحَافِظ، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدارمي قَالَ:
سمعت محبوب بن موسى يقول: سمعت ابن أسباط يقول: ولد أَبُو حنيفة وأبوه نصراني.
أَخْبَرَنَا الحسن بن محمّد الخلّال، أَخْبَرَنَا علي بن عمرو الحريري أن أبا القاسم علي ابن محمد بن كاس النخعي أخبرهم قال: حدثنا محمّد بن علي بن عفّان، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسحاق البكائي عن عُمَر بن حماد بن أبي حنيفة قال: أَبُو حنيفة النّعمان ابن ثابت بن زوطى، فأما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد ثابت على الإسلام، وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق، فولاؤه لبني تيم الله بن ثعلبة، ثم لبني قفل.
وكان أَبُو حنيفة خزازا ودكانه معروف في دار عمرو بن حريث .
قَالَ مُحَمَّد بن علي بن عفان: وسَمِعْتُ أَبَا نعيم الْفَضْل بْن دكين يَقُولُ: أَبُو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى أصله من كابل.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الغطريفي قَالَ: سمعت الساجي يَقُولُ:
سمعت مُحَمَّد بن معاوية الزيادي يقول: سمعت أبا جعفر يقول: كان أَبُو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة، فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن مُحَمَّد بْن سلم الختلي، حدّثنا أحمد بن علي الأبار، حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد العتكي البصري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أيوب الذارع قال: سمعت يزيد بن زريع يقول: كان أَبُو حنيفة نبطيا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عُمَر بن روح النهرواني، أخبرنا المعافى بن زكريا، حدّثنا أحمد
ابن نصر بن طالب، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: سمعت أبا عَبْد الرَّحْمَن المقرئ يقول: كان أَبُو حنيفة من أهل بابل، وربما قال في قول البابلي كذا .
أَخْبَرَنَا الخلال، أخبرنا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن كاس النخعي حدثهم قال: حدّثنا أبو بكر المروزيّ، حدّثنا النّضر بن محمّد، حَدَّثَنَا يحيى بن النضر القرشي قال: كان والد أبي حنيفة من نسا.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن الربيع قَالَ: سمعت الحارث بن إدريس يقول:
أَبُو حنيفة أصله من ترمذ .
وقال النخعي أيضا: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ البهلول الْقَاضِي قَالَ:
سمعت أبي يقول عن جدي. قال: ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار .
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ علي الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أَحْمَد بن عبيد الله بن شاذان المروزي قال: حَدَّثَنِي أبي عن جدي قال: سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة يقول: أنا إسماعيل بن حمّاد ابن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا رق قط، ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب وهو صغير فدعا له بالبركة فيه، وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون قد استجاب الله ذلك لعلي بن أبي طالب فينا.
قال: والنعمان بن المرزبان أَبُو ثابت هو الذي أهدى لعلي بن أبي طالب الفالوذج في يوم النّيروز فقال: نوروزنا كل يوم. وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال:
مهر جونا كل يوم .
ذكر إرادة ابن هبيرة أبا حنيفة على ولاية القضاء وامتناع أبي حنيفة من ذلك:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء محمد بن علي الواسطيّ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن حمّاد بن سفيان- بالكوفة- حَدَّثَنَا الحسين بن مُحَمَّد بن الفرزدق الفزاري، حدّثنا
أَبُو عَبْد اللَّه عَمْرو بْن أَحْمَد بْن عَمْرو بن السرح- بمصر- حدّثنا يحيى بن سليمان الجعفي الكوفيّ، حدّثنا علي بن معبد، حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمرو الرقي قال: كلم ابن هبيرة أبا حنيفة أن يلي له قضاء الكوفة فأبَى عليه فضربه مائة سوط وعشرة أسواط في كل يوم عشرة أسواط وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك خلى سبيله.
كتب إليَّ الْقَاضِي أَبُو القاسم الحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن إبراهيم المعروف بالأنباري- من مصر- وحَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن أَبِي الصقر إمام الجامع بالأنبار عنه قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن المسور البزّاز، حَدَّثَنَا أَبُو عمرو المقدام بن داود الرعيني، حدّثنا علي بن معبد، حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمرو أن ابن هبيرة ضرب أبا حنيفة مائة سوط وعشرة أسواط في أن يلي القضاء فأبَى، وكان ابن هبيرة عامل مَرْوَان على العراق في زمن بني أمية.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الحسن الشاهد- بالبصرة- حدثنا علي بن إسحاق المادرائي قال: سمعت إبراهيم بن عُمَر الدهقان يقول: سمعت أبا معمر يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إن أبا حنيفة ضرب على القضاء.
أخبرنا التنوخي، حدّثنا أحمد بن عبد الله الدّوريّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْقَاسِم بْن نَصْرٍ- أَخُو أَبِي اللّيث الفرائضيّ- حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني الربيع بن عاصم- مولى بني فزارة- قال: أرسلني يزيد بن عُمَر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة فأراده على بيت المال فأبَى، فضربه أسواطا.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا محمّد بن علي بن عفّان، حَدَّثَنَا يحيى بن عبد الحميد عن أبيه قال: كان أَبُو حنيفة يخرج كل يوم- أو قال بين الأيام- فيضرب ليدخل في القضاء فأبى، ولقد بكى في بعض الأيام فلما أطلق. قال لي: كان غم والدتي أشد علي من الضرب.
وقال النخعي: حَدَّثَنَا إبراهيم بن مخلد البلخيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سهل بن أبي منصور المروزيّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن النضر قال: سمعت إِسْمَاعِيل بن سالم البغدادي يقول: ضرب أَبُو حنيفة على الدخول في القضاء، فلم يقبل القضاء.
قال: وكان أَحْمَد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضرب أَحْمَد.
أَخْبَرَنِي عَبْد الباقي بْن عَبْد الكريم بْن عمر المؤدّب، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الخلال، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حدّثنا جدي، أخبرني عبد الله
ابن الحسن بن المبارك عن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أَبِي حنيفة قال: مررت مع أبي بالكناسة فبكى فقلت له: يا أبت ما يبكيك؟ قال: يا بني في هذا الموضع ضرب ابن هبيرة أبي عشرة أيام في كل يوم عشرة أسواط على أن يلي القضاء فلم يفعل. وقيل إن أبا جعفر المنصور أشخص أبا حنيفة من الكوفة إلى بغداد ليوليه القضاء.
ذكر قدوم أبي حنيفة بغداد وموته بها:
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر الحسن بن عثمان الواعظ، أخبرنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الحكم الواسطي. وأَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي، حَدَّثَنَا طلحة بن مُحَمَّد بن جعفر المعدل قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، حدّثنا جدي، حَدَّثَنَا بشر بن الوليد الكندي قال: أشخص أَبُو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة، فأراده على أن يوليه القضاء فأبَى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أَبُو حنيفة أن لا يفعل، فحلف المنصور ليفعلن، فحلف أَبُو حنيفة أن لا يفعل، فقال الربيع الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف! فقال أَبُو حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني، وأبَى أن يلي، فأمر به إلى الحبس في الوقت.
هذا لفظ أبي العلاء وانتهى حديث الواعظ. وزاد أَبُو العلاء، والعوام يدعون أنه تولى عدد اللبن أياما ليكفر بذلك عن يمينه، ولم يصح هذا من جهة النقل، والصحيح أنه توفي وهو في السجن.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا سليمان بن الرّبيع، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: سمعت مغيث بن بديل يقول قال خارجة:
دعا أَبُو جعفر أبا حنيفة إلى القضاء فأبَى عليه فحبسه، ثم دعا به يوما فقال: أترغب عما نحن فيه؟ قال: أصلح الله أمير المؤمنين لا أصلح للقضاء، فقال له كذبت، قال: ثم عرض عليه الثانية، فقال أَبُو حنيفة قد حكم علي أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء لأنه ينسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذبا فلا أصلح، وإن كنت صادقا فقد أخبرت أمير المؤمنين أني لا أصلح. قال: فرده إلى الحبس.
أَخْبَرَنِي أبو بشر محمد بن عمر الوكيل وأَبُو الفتح عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الضبي المحاملي قالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد الحماني قال: سمعت إِسْمَاعِيل بن أبي أويس يقول: سمعت الربيع بن يونس يقول: رأيت أمير المؤمنين المنصور ينازل أبا حنيفة في أمر القضاء وهو
يقول: اتق الله ولا ترعي أمانتك إلا من يخاف الله، والله ما أنا بمأمون الرضى، فكيف أكون مأمون الغضب؟! ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو أن تلي الحكم لا اخترت أن أغرق، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك فلا أصلح لذلك. فقال له: كذبت أنت تصلح، فقال: قد حكمت لي على نفسك كيف يحل لك أن تولي قاضيا على أمانتك وهو كذاب.
أَخْبَرَنَا الصيمري، أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني، حدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب، حَدَّثَنَا عباس الدوري قال: حدثونا عن المنصور أنه لما بنَى مدينته ونزلها، ونزل المهدي في الجانب الشرقي، وبنَى مسجد الرصافة، أرسل إلى أبي حنيفة، فجيء به فعرض عليه قضاء الرصافة، فأبَى فقال له: إن لم تفعل ضربتك بالسياط، قال: أو تفعل؟ قال:
نعم، فقعد في القضاء يومين فلم يأته أحد، فلما كان في اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر. فقال الصفار: لي على هذا درهمان وأربعة دوانيق بقية ثمن تور صفر، فقال أَبُو حنيفة: اتق الله وانظر فيما يقول الصفار. قال: ليس له علي شيء، فقال أَبُو حنيفة للصفار: ما تقول؟ قال: استحلفه لي، فقال أَبُو حنيفة للرجل: قل والله الذي لا إله إلا هو فجعل يقول، فلما رآه أَبُو حنيفة معزما على أن يحلف، قطع عليه وضرب بيده إلى كمه فحل صرة وأخرج درهمين ثقيلين، فقال للصفار: هذان الدرهمان عوض من باقي تورك، فنظر الصفار إليهما وقال نعم! فأخذ الدرهمين، فلما كان بعد يومين اشتكى أَبُو حنيفة. فمرض ستة أيام ثم مات. قال أبو الفضل- يعني عبّاسا- فهذا قبره في مقام الخيزران، إذا دخلت من باب القطانين يسرة، بعد قبرين- أو ثلاثة-.
وقيل: إن المنصور أقدمه بغداد لأمر آخر غير القضاء.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوب بن شيبة عن جده يَعْقُوب قال: حَدَّثَنِي عبد الله بن الحسن قال: سمعت الواقدي يقول: كنت بالكوفة وقد أشخص أَبُو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة إِلَى بغداد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رزق، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، حدّثنا محمّد ابن عثمان، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بن دكين، حَدَّثَنِي زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْهَرُ بِالْكَلامِ أَيَّامَ إِبْرَاهِيمَ جِهَارًا شَدِيدًا فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ حَتَّى تُوضَعَ الْحِبَالُ فِي أَعْنَاقِنَا، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ كِتَابُ الْمَنْصُورُ إِلَى
عِيسَى بْنِ مُوسَى أَنِ احْمِلْ أَبَا حَنِيفَةَ. قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ وَوَجْهَهُ كَأَنَّهُ مُسِحَ، قَالَ فَحَمَلَهُ إِلَى بَغْدَادَ فَعَاشَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ سَقَاهُ فَمَاتَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ، وَمَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً.
صفة أبي حنيفة وذكر السنة التي ولد فيها:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عبد الله الصيمري قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بن هارون الضبي عن أبي العباس بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبراهيم بن قتيبة، حدّثنا حسن بن الخلّال قال: سمعت مزاحم بن داود بن علية يذكر عن أبيه- أو غيره- قال: ولد أَبُو حنيفة سنة إحدى وستين، ومات سنة خمسين ومائة لا أعلم لصاحب هذا القول متابعا.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني- بنيسابور- حدّثنا محمّد بن إسحاق الثّقفيّ، حدّثنا يوسف بن موسى، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم قال: ولد أَبُو حنيفة سنة ثمانين وكان له يوم مات سبعون سنة، ومات في سنة خمسين ومائة. وهو النّعمان بن ثابت.
أخبرنا التنوخي، حدثني أبي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن حَمْدَانَ بْن الصّبّاح النّيسابوريّ- بالبصرة- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ الْمُغَلِّسِ الْحِمَّانِيُّ قَالَ: سمعت أبا نعيم يقول: ولد أَبُو حنيفة سنة ثمانين بلا مائة، ومات سنة خمسين ومائة، وعاش سبعين سنة. قال أَبُو نعيم: وكان أَبُو حنيفة حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، حسن المجلس، شديد الكرم، حسن المواساة لإخوانه.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا مُحَمَّد بن علي بن عفان قال: سمعت نمر بن جدار يقول: سمعت أبا يوسف يقول: كان أبو حنيفة ربعا من الرجال ليس بالقصير، ولا بالطويل، وكان أحسن الناس منطقا، وأحلاهم نغمة، وأنبههم على ما يريده.
وقال النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جعفر بن إسحاق عن عُمَر بن حماد بن أبي حنيفة أن أبا حنيفة كان طوالا تعلوه سمرة، وكان لباسا حسن الهيئة كثير التعطر، يعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن تراه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بكر أحمد بن الحسن الحرشي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمّد بن الجهم، حَدَّثَنَا إبراهيم بن عُمَر بن حماد بن أبي
حنيفة قال: قال أَبُو حنيفة: لا يكتنى بكنيتي بعدي إلا مجنون. قال: فرأينا عدة اكتنوا بها فكان في عقولهم ضعف.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، حدّثنا عثمان ابن عبيد الله الطلحي، حدّثنا إسماعيل بن محمّد الطلحي، حَدَّثَنَا سعيد بن سالم البصري قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الكوفة، قال: أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا؟ قلت: نعم! قال: فمن أي الأصناف أنت؟ قلت: ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر ولا يكفر أحدا بذنب، قال: فقال لي عطاء: عرفت فالزم.
ذكر خبر ابتداء أبي حنيفة بالنظر في العلم:
أخبرنا الخلّال، أَخْبَرَنَا عَليُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ أَنَّ عَليَّ بن مُحَمَّد النخعي حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن محمود الصيدناني، حدّثنا محمّد بن شجاع بن الثلجي ، حَدَّثَنَا الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال: قال أَبُو حنيفة: لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها، فقيل لي: تعلم القرآن، فقلت إذا تعلمت القرآن وحفظته فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث ثم لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك- أو يساويك- في الحفظ فتذهب رياستك. قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت حدثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان ثم لا تأمن أن تغلط فيرمونك بالكذب فيصير عارا عليك في عقبك. فقلت: لا حاجة لي في هذا ثم قلت: أتعلم النحو فقلت إذا حفظت النحو والعربية ما يكون آخر أمري؟ قالوا تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة قلت وهذا لا عاقبة له قلت فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني ما يكون أمري؟ قال: تمدح هذا فيهب لك، أو يحملك على دابة، أو يخلع عليك خلعة، وإن حرمك هجوته فصرت تقذف المحصنات قلت: لا حاجة لي في هذا. قلت: فإن نظرت في الكلام ما يكون آخره؟ قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام فيرمى بالزندقة، فإما أن تؤخذ فتقتل، وإما أن تسلم فتكون مذموما ملوما. قلت فإن تعلمت الفقه؟ قالوا تسأل وتفتي الناس وتطلب
للقضاء، وإن كنت شابا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا. فلزمت الفقه وتعلمته.
أخبرنا العتيقي، حدّثنا محمّد بن العبّاس ، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَلابُ قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول: كان أَبُو حنيفة طلب النحو في أول أمره، فذهب يقيس فلم يجئ، وأراد أن يكون فيه أستاذا، فقال: قلب وقلوب، وكلب وكلوب. فقيل له: كلب وكلاب. فتركه ووقع في الفقه فكان يقيس، ولم يكن له علم بالنحو. فسأله رجل بمكة فقال له رجل شج رجلا بحجر، فقال هذا خطأ ليس عليه شيء، لو أنه حتى يرميه بأبا قبيس لم يكن عليه شيء.
أخبرني البرقاني، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا عمر بن سعد، حدّثنا عبد الله بن محمّد، أَبُو مالك بن أبي بهز البجلي عن عبد الله بن صالح عن أبي يوسف قال: قال لي أبو حنيفة: إنهم يقرؤن حرفا في يوسف يلحنون فيه؟ قلت: ما هو؟ قال:
قوله: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ
[يوسف 37] فقلت فكيف هو؟ قال: ترزقانه.
أَخْبَرَنَا الخلال، أَخْبَرَنَا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حَدَّثَنِي جعفر بن محمّد ابن حازم، حَدَّثَنَا الوليد بن حماد عن الحسن بن زياد عن زفر بن الهذيل قال:
سمعت أبا حنيفة يقول: كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان فجاءتني امرأة يوما فقالت لي : رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حمادا ثم ترجع فتخبرني. فسألت حمادا فقال يطلقها. وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج فرجعت فأخبرتني. فقلت: لا حاجة لي في الكلام. وأخذت نعلي فجلست إلى حماد فكنت أسمع مسائله فأحفظ قوله ثم يعيدها من الغد، فأحفظها ويخطئ أصحابه، فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة. فصحبته عشر سنين ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي، فخرجت يوما بالعشي وعزمي أن أفعل فلما دخلت المسجد فرأيته لم تطب نفسي أن
اعتزله فجئت وجلست معه، فجاءه في تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة.
وترك مالا وليس له وارث غيره فأمرني أن أجلس مكانه. فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه، فكنت أجيب وأكتب جوابي فغاب شهرين. ثم قدم فعرضت عليه المسائل- وكانت نحوا من ستين مسألة- فوافقني في أربعين وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت فلم أفارقه حتى مات .
أخبرنا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي، حَدَّثَنِي أبي قال: قال أَبُو حنيفة: قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه. فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت فصحبته ثماني عشرة سنة.
أَخْبَرَنِي الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ الضبي عن أبي العباس أحمد ابن مُحَمَّد بن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ، حدّثنا محمّد بن الحسين- أبو بشير- حَدَّثَنَا إبراهيم بن سماعة- مولى بني ضبة- قال: سمعت أبا حنيفة يقول:
ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما أو علمته علما.
وأخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا ابن مغلس، حَدَّثَنَا هناد بن السري قال: سمعت يونس بن بكير يقول: سمعت إِسْمَاعِيل بن حماد بن أبي سليمان يقول: غاب أبي غيبة في سفر له ثم قدم فقلت له:
يا أبت إلى أي شيء كنت أشوق؟ قال وأنا أرى أنه يقول إلى ابني. فقال: إلى أبي حنيفة، ولو أمكنني ألا أرفع طرفي عنه فعلت.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن عبد الملك القرشيّ، أنبأنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الرازي، حدّثنا علي بن أحمد الفارسيّ، أخبرنا محمّد بن فضيل- هو البلخيّ العابد- أنبأنا أَبُو مطيع قال: قال أَبُو حنيفة: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين فقال لي يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم؟ قال: قلت عن حماد عن إبراهيم عن عُمَر بن
الخطاب، وَعلي بْن أَبِي طَالِبٍ، وَعبد اللَّه بن مسعود، وعبد الله بن عباس، قال: فقال أَبُو جعفر بخ بخ استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين صلوات الله عليهم.
أَخْبَرَنِي أبو بشر محمد بن عمر الوكيل، وأبو الفتح عبد الكريم بن محمد الضبي قالا: حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد القاضي، حدّثنا أحمد بن عطية الكوفيّ، حَدَّثَنَا ابن أبي أويس قال: سمعت الربيع بن يونس يقول: دخل أَبُو حنيفة يوما على المنصور وعنده عيسى بن موسى، فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم. فقال له: يا نعمان عمن أخذت العلم؟ قال: عن أصحاب عُمَر، عن عُمَر، وعن أصحاب علي عن علي، وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله. وما كان في وقت ابن عباس على وجه الأرض أعلم منه. قال: لقد استوثقت لنفسك.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الدّاودي، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ المقرئ، حَدَّثَنَا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، حدثني شعيب بن أيّوب، حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الحماني قال: سمعت أبا حنيفة يقول: رأيت رؤيا أفزعتني حتى رأيت كأني أنبش قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتيت البصرة فأمرت رجلا يسأل مُحَمَّد بن سيرين. فسأله فقال: هذا رجل ينبش أخبار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَخْبَرَنِي الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عن أبي العباس بن سعيد قال: أخبرنا مُحَمَّد بن عبد الله بن سالم قال: سمعت أبي يقول: سمعت هشام بن مهران يقول: رأى أَبُو حنيفة في النوم كأنه ينبش قَبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث من سأل له مُحَمَّد بن سيرين، فقال مُحَمَّد بن سيرين: من صاحب هذه الرؤيا؟ فلم يجبه عنها ثم سأله الثانية، فقال مثل ذلك، ثم سأله الثالثة فقال: صاحب هذه الرؤيا يثير علما لم يسبقه إليه أحد قبله. قال: هشام فنظر أَبُو حنيفة وتكلم حينئذ.
مناقب أبي حنيفة:
أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بن أحمد ابن عَلِيٍّ الْقَصْرِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو زَيْدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَامِرٍ الْكِنْدِيُّ- بالكوفة- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الدورقي المروزيّ، حدّثنا سليمان بن
جَابِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَاسِرِ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى السِّينَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي رَجُلا- وَفِي حَدِيثِ الْقَصْرِيِّ- يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ اسْمُهُ النُّعْمَانُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، هُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي، هُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي، هُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي» .
قَالَ لِي أَبُو العلاء: كَتَبَ عَنِّي هَذَا الْحَدِيثَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ.
قُلْتُ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ الْبُورَقِيُّ وَقَدْ شَرَحْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَمْرَهُ وبينا حاله.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم أخبرنا سليمان ابن الرّبيع الخزّاز، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حفص عن الحسن بن سليمان أنه قال في تفسير الحديث:
«لا تقوم الساعة حتى يظهر العلم» . قال: هو علم أبي حنيفة وتفسيره الآثار.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو نصر أَحْمَد بْن نصر بن محمد بن إشكاب البخاري قال: سمعت محمد بن خلف بن رجاء يقول: سمعت مُحَمَّد بن سلمة يقول: قال خلف بن أيوب: صار العلم من اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم صار إلى أصحابه، ثم صار إلى التابعين، ثم صار إلى أبي حنيفة وأصحابه فمن شاء فليرض، ومن شاء فليسخط.
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، حَدَّثَنَا محمد بن عمر الجعابي، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بن سليمان القطّان، حدّثنا إسحاق بن البهلول. سمعت ابن عيينة يقول: ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يعقوب، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سمعت أبا الفضل مُحَمَّد بن الحسين قاضي نيسابور سمعت حماد بن أَحْمَد الْقَاضِي المروزي يقول: سمعت إبراهيم بن عبد الله الخلال يقول: سمعت ابن المبارك يقول: كان أَبُو حنيفة آية. فقال له قائل: في الشر يا أبا عَبْد الرَّحْمَن أو في الخير؟ فقال: اسكت يا هذا فإنه يقال: غاية في الشر، وآية في الخير، ثم تلا هذه الآية: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً
[المؤمنون 50] .
أخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مغلس، حدثنا الحماني قال: سمعت ابن المبارك يقول: ما كان أوقر مجلس أبي حنيفة، كان يشبه الفقهاء، وكان حسن السمت، حسن الوجه، حسن الثوب، ولقد كنا يوما في مسجد الجامع، فوقعت حية، فسقطت في حجر أبي حنيفة، وهرب الناس غيره فما رأيته زاد على أن نفض الحية وجلس مكانه.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ، أخبرنا محمّد بن محمّد المروزيّ، حدّثنا حامد بن آدم، حَدَّثَنَا أَبُو وهب مُحَمَّد بن مزاحم قَالَ: سمعت عَبْد الله بْن المبارك يقول: لولا أن الله أغاثني بأبي حنيفة، وسفيان، كنت كسائر الناس.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، أخبرنا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ أَبِي غسان الدقيقي البصريّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى النَّيْسَابُورِيُّ الحافظ قال: سمعت علي بن سالم العامري يقول: سمعت أبا يحيى الحماني يقول: ما رأيت رجلا قط خيرا من أبي حنيفة.
أخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: أَخْبَرَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن عطية العوفي، حَدَّثَنَا منجاب قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ يَقُولُ: أَبُو حنيفة أفضل أهل زمانه.
أَخْبَرَنِي الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عن أبي العباس بن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن أبي حكيمة، حَدَّثَنَا إبراهيم بن أَحْمَد الخزاعي قال:
سمعت أبي يقول: سمعت سهل بن مزاحم يقول: بذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يردها. وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها.
أَخْبَرَنَا علي بن القاسم الشّاهد- بالبصرة- حدّثنا علي بن إسحاق المادراني، أخبرنا أحمد بن زهير- إجازة- أَخْبَرَنِي سليمان بن أبي شيخ.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: أَخْبَرَنَا عُمَر بن أَحْمَد، حَدَّثَنَا الحسين بن أَحْمَد بن صدقة الفرائضي- وهذا لفظ حديثه- حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة ، حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، حَدَّثَنِي حجر بن عبد الجبار قال: قيل
للقاسم بْنُ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله بن مسعود: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة. قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة. وقال له القاسم:
تعال معي إليه، فجاء فلما جلس إليه لزمه. وقال: ما رأيت مثل هذا. زاد الفرائضي:
قال سليمان: وكان أَبُو حنيفة ورعا سخيا.
ما قيل في فقه أبي حنيفة:
أخبرنا البرقاني، حدّثنا أبو العبّاس بن حمّاد لفظا، حدّثنا محمّد بن أيّوب، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن الصباح قال: سمعت الشافعي- مُحَمَّد بن إدريس- قال: قيل لمالك بن أنس: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
حَدَّثَنِي الصوري، أَخْبَرَنَا الخصيب بْن عَبْد اللَّه الْقَاضِي- بمصر- حَدَّثَنَا أَحْمَد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي، حَدَّثَنَا عبد الله بن جابر البزاز قَالَ: سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بن نوح يقول: سمعت محمد بن عيسى بن الطباع يقول: سمعت روح بن عبادة يقول: كنت عند ابن جريج سنة خمسين- وأتاه موت أبي حنيفة- فاسترجع وتوجع، وقال: أي علم ذهب؟ قال: ومات فيها ابن جريج.
أَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عصمة الخراساني، حدّثنا أحمد بن بسطام، حدّثنا الفضل ابن عبد الجبار قال: سمعت أبا عثمان حمدون بن أبي الطوسي يقول: سمعت عبد الله ابن المبارك يقول: قدمت الشام على الأوزاعي فرأيته ببيروت، فقال لي: يا خراساني من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة يكنى أبا حنيفة؟ فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئت يوم الثالث، وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: أي شيء هذا الكتاب؟ فناولته فنظر في مسألة منها وقعت عليها قال النّعمان: فما زال قائما بعد ما أذن حتى قرأ صدرا من الكتاب. ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصلى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال لي: يا خراساني من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق. فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه. قلت: هذا أَبُو حنيفة الذي نهيت عنه.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا سليمان بن الرّبيع، حَدَّثَنَا همام بن مسلم قال: سمعت مسعر بن كدام يقول: ما أحسد أحدا بالكوفة إلا رجلين: أَبُو حنيفة في فقهه، والحسن بن صالح في زهده.
أَخْبَرَنِي الصيمري قال: قرأت على الحسين بن هارون عن أبي العباس بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد بن مسرور، حدّثنا علي بن مكنف، حَدَّثَنِي أبي عن إبراهيم بن الزبرقان قال: كنت يوما عند مسعر، فمر بنا أَبُو حنيفة، فسلم ووقف عليه ثم مضى، فقال بعض القوم لمسعر: ما أكثر خصوم أبي حنيفة؟ فاستوى مسعر منتصبا. ثم قال: إليك فما رأيته خاصم أحدا قط إلا فلج عليه.
أَخْبَرَنَا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مغلس، أخبرنا أَبُو غسان قال: سمعت إسرائيل يقول: كان نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكل حديث فيه فقه. وأشد فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه. وكان قد ضبط عن حماد فأحسن الضبط عنه. فأكرمه الخلفاء والأمراء والوزراء. وكان إذا ناظره رجل في شيء من الفقه همته نفسه. ولقد كان مسعر يقول: من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف ولا يكون فرط في الاحتياط لنفسه.
أَخْبَرَنَا التنوخي، حدثني أبي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حمدان بن الصباح النيسابوري، حدّثنا أحمد بن الصّلت الحماني، حدّثنا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرزاق يقول: كنت عند معمر فأتاه ابن المبارك فسمعنا معمرا يقول: ما أعرف رجلا يحسن يتكلم في الفقه أو يسعه أن يقيس ويشرح لمخلوق النجاة في الفقه، أحسن معرفة من أبي حنيفة، ولا أشفق على نفسه من أن يدخل في دين الله شيئا من الشك من أبي حنيفة.
أَخْبَرَنَا الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عن أبي سعيد قال: حدّثنا أحمد بن تيم بن عباد المروزيّ، حدّثنا حامد بن آدم، حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي جعفر الرازي قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحدا أفقه من أبي حنيفة وما رَأَيْت أحدا أورع من أَبِي حنيفة.
أَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: حدثنا عمر بن أحمد، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن عطية، حدّثنا سعيد بن منصور.
وأخبرني التنوخي، حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن حمدان بن الصّبّاح، حدّثنا أحمد ابن الصلت قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد بْن منصور قَالَ: سمعت الفضيل بن عياض يقول: كان أَبُو حنيفة رجلا فقيها معروفا بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالإفضال على كل من يطيف به، صبورا على تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان. هذا آخر حديث مكرم.
وزاد ابن الصباح، وكان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، وإن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس وأحسن القياس.
أخبرني التنوخي، حدثني أبي، حدثنا محمد بن حمدان قال: حدثنا أحمد بن الصّلت، حدثنا بشر بْن الوليد قَالَ: سمعت أبا يوسف يقول: ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحديث ومواضع النكت التي فيه من الفقه، من أبي حنيفة.
أخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم، حدّثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن مغلس قال: سمعت محمد بن سماعة يقول: سمعت أبا يوسف يقول: ما خالفت أبا حنيفة في شيء قط فتدبرته إلا رأيت مذهبه الذي ذهب إليه أنجى في الآخرة، وكنت ربما ملت إلى الحديث، وكان هو أبصر بالحديث الصحيح مني.
أَخْبَرَنِي أَبُو مَنْصُور عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الدَّقَّاق قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بن هارون الضبي عن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نوفل، حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بن فضل بن موفق، أَخْبَرَنِي إبراهيم بن مسلمة الطيالسي قال:
سمعت أبا يوسف يقول: إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبوي، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول: إني لأدعو لحماد مع أبوي.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي علي بن أبي علي البصريّ، حدّثنا أحمد بن عبد الله الدّوريّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْقَاسِم بْن نَصْرٍ أَخُو أَبِي اللّيث الفرائضيّ، حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عُمَر الحنفي عن أبي عباد- شيخ لهم- قال: قال الأعمش لأبي يوسف: كيف ترك صاحبك أَبُو حنيفة قول عبد الله «عتق الأمة طلاقها؟» قال:
تركه لحديثك الذي حدثته عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بريرة حين أعتقت خيرت، قال الأعمش: إن أبا حنيفة لفطن- قال: وأعجبه ما أخذ به أَبُو حنيفة-.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ السمناني، أخبرنا سليمان بن الحسين بن علي البخاريّ الزّاهد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن سَعْدِ بْن نصر، حدّثنا علي ابن موسى القمي، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعدان قال: سمعت أبا سليمان الجوزجاني يقول: سمعت حماد بن زيد يقول: أردت الحج، فأتيت أيوب أودعه، فقال: بلغني أن الرجل الصالح فقيه أهل الكوفة- يعني أبا حنيفة- يحج العام، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام.
أَخْبَرَنَا الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عن ابن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قتيبة، حدّثنا ابن نمير، حَدَّثَنِي إبراهيم بن البصير عن إِسْمَاعِيل بن حماد عن أبي بكر بن عياش قال: مات عُمَر بن سعيد أخو سفيان فأتيناه نعزيه، فإذا المجلس غاص بأهله، وفيهم عبد الله بن إدريس، إذ أقبل أَبُو حنيفة في جماعة معه، فلما رآه سفيان تحرك من مجلسه، ثم قام فاعتنقه، وأجلسه في موضعه وقعد بين يديه، قال أَبُو بكر: فاغتظت عليه، وقال ابن إدريس: ويحك ألا ترى؟ فجلنا حتى تفرق الناس، فقلت لعبد الله بن إدريس: لا تقم حتى نعلم ما عنده في هذا، فقلت: يا أبا عبد الله رأيتك اليوم فعلت شيئا أنكرته، وأنكره أصحابنا عليك، قال: وما هو؟ قلت جاءك أَبُو حنيفة فقمت إليه وأجلسته في مجلسك وصنعت به صنيعا بليغا، وهذا عند أصحابنا منكر. فقال: وما أنكرت من ذاك! هذا رجل من العلم بمكان. فإن لم أقم لعلمه قمت لسنه، وإن لم أقم لسنه قمت لفقهه، وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه، فأحجمني فلم يكن عندي جواب.
أَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد قال:
سمعت مُحَمَّد بن أَحْمَد بن القاسم النيسابوري- قدم علينا- قال: سمعت أَحْمَد بن حم العفيفي يقول: سمعت محمّد بن الفضيل الزاهد البلخي يقول: سمعت أبا مطيع الحكم بن عبد الله يقول: ما رأيت صاحب- يعني حديث- أفقه من سفيان الثوري، وكان أَبُو حنيفة أفقه منه.
أَخْبَرَنِي عبد الباقي بن عبد الكريم المؤدب، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الخلال، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حدّثنا جدي، حَدَّثَنِي يَعْقُوب بن أَحْمَد قال: سمعت الحسن بن علي قال: سمعت يزيد بن هارون- وسأله إنسان- فقال يا
أبا خالد من أفقه من رأيت؟ قال أَبُو حنيفة. قال الحسن: ولقد قلت لأبي عاصم- يعني النبيل- أَبُو حنيفة أفقه، أو سفيان؟ قال: عبد أبي حنيفة أفقه من سفيان.
أَخْبَرَنَا الحسين بن علي، أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال:
حدثنا محمّد بن علي بن عفّان، حَدَّثَنَا ضرار بن صرد قال: سئل يزيد بن هارون: أيما أفقه، أَبُو حنيفة أو سفيان؟ قال سفيان أحفظ للحديث، وأبو حنيفة أفقه. قال:
وسألت أبا عاصم النبيل فقلت: أيما أفقه، سفيان أو أَبُو حنيفة؟ قال: غلام من غلمان أبي حنيفة أفقه من سفيان.
أَخْبَرَنَا الحسين بن علي الحنيفي، أخبرنا عبد الله بن محمّد الحلواني، حدّثنا مكرم ابن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد- يَعْنِي الحماني- قَالَ: سمعت سجادة يقول:
دخلت أنا وأبو مسلم المستملي على يزيد بن هارون- وهو نازل ببغداد على منصور ابن المهدي- فصعدنا إلى غرفة هو فيها فقال له أَبُو مسلم: ما تقول يا أبا خالد في أبي حنيفة والنظر في كتبه؟ قال: انظروا فيها إن كنتم تريدون أن تفقهوا فإني ما رأيت أحدا من الفقهاء يكره النظر في قوله، ولقد احتال الثوري في كتاب الرهن حتى نسخه.
أَخْبَرَنَا الخلال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا محمّد بن علي بن عفّان، حَدَّثَنَا أَبُو كريب قَالَ: سمعت عَبْد الله بْن المبارك يقول:
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ، حَدَّثَنَا أَبُو سعيد مُحَمَّد بن الفضل المذكر، حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد المروزيّ، حدّثنا أبو حمزة- يعني ابن حمزة- قال: سمعت أبا وهب مُحَمَّد بن مزاحم يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يَقُول: رأيت أعبد الناس، ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس، فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي رواد، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة، ثم قال: ما رأيت في الفقه مثله.
أخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مغلس، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مقاتل قال: سمعت ابن المبارك قال: إن كان الأثر قد عرف واحتيج إلى الرأي، فرأي مالك، وسفيان وأبي حنيفة، وأبو حنيفة أحسنهم وأدقهم فطنة، وأغوصهم على الفقه، وهو أفقه الثلاثة.
وقال أَحْمَد بن مُحَمَّد: حَدَّثَنَا نصر بن علي قال: سمعت أبا عاصم النبيل سئل:
أيما أفقه سفيان أو أَبُو حنيفة؟ فقال: إنما يقاس الشيء إلى شكله، أَبُو حنيفة فقيه تام الفقه، وسفيان رجل متفقه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدَّقَّاق، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إبراهيم- أَبُو حمزة المروزي- قال: سمعت ابن أعين أبا الوزير المروزي قَالَ: قَالَ عبد الله: - يعني ابن المبارك- إذا اجتمع سفيان وأبو حنيفة! فمن يقوم لهما على فتيا؟
أَخْبَرَنَا الحسين بن علي بن محمّد المعدل، حدّثنا علي بن الحسن الرّازيّ، حدّثنا محمّد بن الحسين الزّعفرانيّ، حدّثنا أحمد بن زهير، حدّثنا الوليد بن شجاع، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: كان عبد الله بن المبارك يقول: إذا اجتمع هذان على شيء فذاك قوي- يعني الثوري وأبا حنيفة-.
أخبرنا التنوخي، حدثني أبي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن حَمْدَانَ بْن الصّبّاح، حدّثنا أحمد بن الصّلت بن المغلس، حدّثنا الحماني، حَدَّثَنَا ابن المبارك قال: رأيت مسعرا في حلقة أبي حنيفة جالسا بين يديه، يسأله ويستفيد منه، وما رأيت أحدا قط تكلم في الفقه أحسن من أبي حنيفة.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن علي، حَدَّثَنَا أَبُو عروبة الحراني قال: سمعت سلمة بن شبيب يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: سمعت ابن المبارك يقول: إن كان أحد ينبغي له أن يقول برأيه، فأبو حنيفة ينبغي له أن يقول برأيه.
أَخْبَرَنِي عبد الباقي بن عبد الكريم، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الخلال، حَدَّثَنَا محمّد بن أحمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا جدي قال: حَدَّثَنِي علي بن أبي الربيع قال:
سمعت بشر بن الحارث يقول: سمعت عبد الله بن داود. قال جدي: وَحَدَّثَنِيه إبراهيم بن هاشم قال: بشر حَدَّثَنِيه عن ابن داود- قال: إذا أردت الآثار- أو قال الحديث، وأحسبه قال والورع- فسفيان، وإذا أردت تلك الدقائق، فأبو حنيفة.
أَخْبَرَنَا الخلال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا عمر بن شهاب العبدي، حدّثنا جندل بن والق، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن بشر قال: كنت أختلف إلى أبي حنيفة وإلى سفيان فآتي أبا حنيفة فيقول لي من أين جئت؟ فأقول من عند سفيان.
فيقول لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة والأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله، فآتي سفيان فيقول لي من أين؟ فأقول من عند أبي حنيفة. فيقول لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض.
أَخْبَرَنَا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أحمد بن شعيب البخاريّ، حدّثنا علي ابن موسى القمي قال: سمعت مُحَمَّد بن عمار يقول: قال علي بن عاصم: كنا في مجلس فذكر أَبُو حنيفة، فقال لي خالد الطحان: ليت بعض علمه بيني وبينك.
أَخْبَرَنَا علي بن القاسم البصريّ، حدّثنا علي بن إسحاق المادراني، حدّثنا أبو قلابة، حَدَّثَنَا بكر بن يحيى بن زبان عن أبيه قال: قال لي أَبُو حنيفة: يا أهل البصرة أنتم أورع منا، ونحن أفقه منكم.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهانيّ، حدّثنا محمّد بن إسحاق الثّقفيّ، حدّثنا الجوهريّ، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم قال: كان أَبُو حنيفة صاحب غوص في المسائل.
أخبرنا الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد الخصيب، حَدَّثَنِي أَبُو مسلم الكجي إبراهيم بن عبد الله قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعيد أَبُو عبد الله الكاتب قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول: يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبي حنيفة في صلاتهم قال: وذكر حفظه عليهم السنن والفقه.
أخبرنا علي بن أبي علي، حَدَّثَنَا أَبُو علي أَحْمَد بن مُحَمَّد بن محمّد بن إسحاق المعدل النّيسابوريّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بلال قال: سمعت محمّد ابن يزيد يقول: سمعت عبد الله بن يزيد المقرئ يقول: ما رأيت أسود رأس أفقه من أبي حنيفة.
أَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل وأبو الفتح الضّبّيّ، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا محمّد بن مخزوم، حدّثنا بشر بن موسى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن المقرئ- وكان إذا حَدَّثَنَا عن أبي حنيفة- قَالَ: حَدَّثَنَا شاهنشاه.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مخلد البلخيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد البلخي قال: سمعت شداد بن حكيم يقول: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة.
وقال النخعي: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الفارسي قال: سمعت مكي بن إبراهيم ذكر أبا حنيفة فقال: كان أعلم أهل زمانه.
أَخْبَرَنَا التنوخي، حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن حمدان بن الصّبّاح، حدّثنا أحمد ابن الصلت قال: سمعت مليح بن وكيع يقول: سمعت أبي يقول: ما لقيت أحدا أفقه من أبي حنيفة، ولا أحسن صلاة منه.
وقال ابن الصلت: سمعت الحسين بن حريث يقول: سمعت النضر بن شميل يقول: كان الناس نياما عن الفقه حتى أيقظهم أَبُو حنيفة بما فتقه، وبينه، ولخصه.
أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر الخرقي، حدّثنا هيثم بن خلف الدّوريّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ قَالَ: سمعت يحيى بن معين يقول:
سمعت يحيى بن سعيد يقول: كم من شيء حسن قد قاله أَبُو حنيفة.
أَخْبَرَنَا علي بن القاسم الشّاهد، حدّثنا علي بن إسحاق المادراني قال: سمعت أبا جعفر بن أشرس يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى القطان يقول:
لا نكذب الله، ربما آخذ بالشيء من رأى أبي حنيفة.
أخبرنا العتيقي، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن نصر بن محمّد الدّمشقيّ- بها- حدثني أبي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن علي بن سعيد الْقَاضِي قَالَ: سمعت يَحْيَى بن معين يَقُول: سمعت يَحْيَى بْن سعيد القطان يَقُولُ: لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، ولقد أخذنا بأكثر أقواله. قال يحيى بن معين: وكان يحيى بن سعيد يذهب في الفتوى إلى قول الكوفيين، ويختار قوله من أقوالهم، ويتبع رأيه من بين أصحابه.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي قَالَ: سمعت حمزة بن علي البصري يَقُولُ: سَمِعْتُ الربيع يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيّ يَقُولُ: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه.
أَخْبَرَنَا علي بن القاسم، حدّثنا علي بن إسحاق المادراني، حدّثنا زكريا بن عبد الرّحمن، حدثني عبد الله بن أحمد قال: قال هارون بن سعيد: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أحدا أفقه من أبي حنيفة.
قلت: أراد بقوله ما رأيت، ما علمت.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بن يونس الواعظ، أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن عثمان بْن يحيى الدقاق، حَدَّثَنَا إبراهيم بن مُحَمَّد بن أَحْمَد- أَبُو إسحاق البخاريّ- حدّثنا عبّاس بن عزيز أبو الفضل القطّان، حَدَّثَنَا حرملة بن يحيى قال: سمعت مُحَمَّد ابن إدريس الشافعي يقول: الناس عيال على هؤلاء الخمسة، من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة قال: وسمعته- يعني الشافعي- يقول: كان أَبُو حنيفة ممن وفق له الفقه، ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على مُحَمَّد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحر فِي النحو فهو عيال على الكسائي ومن أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان.
أَخْبَرَنَا التنوخي، حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن حمدان، حدثنا أحمد بن الصلت الحماني قال: سمعت أبا عبيد يقول: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يعرف الفقه فليلزم أبا حنيفة وأصحابه، فإن الناس كلهم عيال عليه في الفقه.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّرْبَنْدِيُّ، أخبرني محمّد بن أحمد بن محمّد ابن سليمان الحافظ- ببخارى- قال: سمعت علي بن الحسن بن عبد الرحيم الكندي يقول: سمعت أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بن عمر الأديب يقول: سمعت يعقوب ابن إبراهيم بن أبي خيران يقول: سمعت الحسن بن عثمان الْقَاضِي يقول: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة، علم أبي حنيفة وتفسير الكلبي، ومغازي محمّد بن إسحاق.
أخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم، حدّثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية قال: سمعت يحيى بن معين يقول: القراءة عندي قراءة حمزة، والفقه فقه أبي حنيفة، على هذا أدركت الناس.
أخبرني إبراهيم بن مخلد المعدل، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ- إملاء- حدّثنا محمّد بن إسماعيل السلمي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: سمعت سفيان بن عيينة يقول: شيئان ما ظننت أنهما يجاوزان قنطرة الكوفة وقد بلغا الآفاق:
قراءة حمزة، ورأي أَبِي حنيفة.
أَخْبَرَنِي عبد الباقي بن عبد الكريم قَالَ: أخبرنا عبد الرّحمن بن عمر، حدّثنا محمّد بن أحمد بن يعقوب، حدّثنا جدي قال: سمعت علي بن المديني يقول: كان يزيد بن زريع يقول: - وذكر أبو حنيفة- هيهات طارت بفتياه البغال الشهب.
أَخْبَرَنَا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم حدّثنا إبراهيم بن مخلد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سهل قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن هانئ قال: سمعت جعفر بن الربيع يقول:
أقمت على أبي حنيفة خمس سنين فما رأيت أطول صمتا منه، فإذا سئل عن شيء من الفقه تفتح وسال كالوادي، وسمعت له دويا وجهارة بالكلام.
أَخْبَرَنَا الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عن ابن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أَحْمَد بن بهلول قال: هذا كتاب جدي إِسْمَاعِيل بن حماد- فقرأت فيه، حَدَّثَنِي سعيد بن سويد القرشي قال: سمعت إبراهيم بن عكرمة المخزومي يقول:
ما رأيت أحدا أورع ولا أفقه من أبي حنيفة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطبري، حدّثنا المعافى بن زكريا، حدّثنا محمّد بن جعفر المطيري، حدثني محمّد بن منصور القاضي، حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا علي بن عاصم قال: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره فقال للحجام: تتبع مواضع البياض، قال الحجام: لا ترد، قال: ولم؟ قال: لأنه يكثر. قال: فتتبع مواضع السواد لعله يكثر. بلغني أن شريكا حكيت له هذه الحكاية عن أبي حنيفة فضحك وقال: لو ترك قياسه تركه مع الحجام.
أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي طالب، وَمُحَمَّد بن عبد الملك القرشي- قال الحسن حَدَّثَنَا.
وقال محمد أَخْبَرَنَا- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الرازي، حدّثنا علي بن أحمد الفارسيّ الفقيه، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فضيل الزاهد قال: سمعت أبا مطيع يقول: مات رجل وأوصى إلى أبي حنيفة وهو غائب، قال: فقدم أَبُو حنيفة، فارتفع إلى ابن شبرمة، وادعى الوصية وأقام البينة أن فلانا مات وأوصى إليه، فقال له ابن شبرمة: يا أبا حنيفة احلف أن شهودك شهدوا بحق، قال ليس علي يمين كنت غائبا، قال: ضلت مقاليدك يا أبا حنيفة، قال: ضلت مقاليدي؟! ما تقول في أعمى شج فشهد له شاهدان أن فلانا شجه، على الأعمى يمين أن شهوده شهدوا بالحق ولا يرى.
أَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حَدَّثَنَا إبراهيم بن سليمان المروزي- قدم علينا- قال: قرئ على عبد الله بن علي
القزاز عن أَحْمَد بن إسحاق عن النضر بن مُحَمَّد قال: دخل قتادة الكوفة ونزل في دار أبي بردة، فخرج يوما وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال قتادة: والله الذي لا إله إلا هو ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته، فقام إليه أَبُو حنيفة فقال:
يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواما فظنت امرأته أن زوجها مات فتزوجت، ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه: لئن حدث بحديث ليكذبن، ولئن قال برأي نفسه ليخطئن فقال قتادة: ويحك أوقعت هذه المسألة؟ قال لا، قال: فلم تسألني عما لم يقع؟ قال أَبُو حنيفة إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه. قال قتادة: والله لا أحدثكم بشيء من الحلال والحرام، سلوني عن التفسير، فقام إليه أَبُو حنيفة فقال له:
يا أبا الخطاب ما تقول في قول الله تعالى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
[النحل 40] قال نعم، هذا آصف بن برخيا بن شمعيا كاتب سليمان بن داود كان يعرف اسم الله الأعظم، فقال أَبُو حنيفة: هل كان يعرف الاسم سليمان؟ قال لا، قال: فيجوز أن يكون في زمن نبي من هو أعلم من النبي؟ قال فقال قتادة: والله لا أحدثكم بشيء من التفسير، سلوني عما اختلف فيه العلماء، قال: فقام إليه أَبُو حنيفة فقال: يا أبا الخطّاب أمؤمن أنت؟ قال: أرجوا! قال: ولم؟ قال: لقول إبراهيم عليه السلام: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ
[الشعراء 82] فقال أبو حنيفة: مهلا قلت كما قال إبراهيم عليه السلام:
قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى
[البقرة 260] فهلا قلت بلى؟ قال فقام قتادة مغضبا ودخل الدار وحلف ألا يحدثهم.
أخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد- يعني الحماني- حَدَّثَنَا الفضل بن غانم قال: كان أَبُو يوسف مريضا شديد المرض، فعاده أَبُو حنيفة مرارا، فصار إليه آخر مرة فرآه مقبلا فاسترجع، ثم قال: لقد كنت أؤملك بعدي للمسلمين، ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير، ثم رزق العافية وخرج من العلة، فأخبر أبو يوسف يقول أبي حنيفة، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إليه فقعد لنفسه مجلسا في الفقه وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة، فسأل عنه، فأخبر أنه قد قعد لنفسه مجلسا، وأنه قد بلغه كلامك فيه، فدعا رجلا كان له عنده قدر فقال: صر إلى مجلس يَعْقُوب فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوبا ليقصره بدرهم، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له
القصار: مالك عندي شيء وأنكره، ثم إن رب الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب مقصورا، أله أجرة؟ فإن قال له أجرة فقل أخطأت، وإن قال لا أجرة له فقل أخطأت.
فصار إليه فسأله فقال أَبُو يوسف: له الأجرة، فقال أخطأت. فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له فقال أخطأت، فقام أَبُو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة، فقال له: ما جاء بك إلا مسألة القصار؟ قال: أجل! قال: سبحان الله من قعد يفتي الناس وعقد مجلسا يتكلم في دين الله وهذا قدره لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات، فقال يا أبا حنيفة علمني، فقال أن كان قصره بعد ما غصبه فلا أجرة له، لأنه قصره لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة لأنه قصره لصاحبه. ثم قال: من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، حدّثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الخلال، حَدَّثَنَا مُحَمَّد ابن أحمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا جدي قال: أملى علي بعض أصحابنا أبياتا مدح بها عبد الله بن المبارك أبا حنيفة:
رأيت أبا حنيفة كل يوم ... يزيد نبالة ويزيد خيرا
وينطق بالصواب ويصطفيه ... إذا ما قال أهل الجور جورا
يقايس من يقايسه بلب ... فمن ذا يجعلون له نظيرا
كفانا فقد حماد وكانت ... مصيبتنا به أمرا كبيرا
فرد شماتة الأعداء عنا ... وأبدى بعده علما كثيرا
رأيت أبا حنيفة حين يؤتى ... ويطلب علمه بحرا غزيرا
إذا ما المشكلات تدافعتها ... رجال العلم كان بها بصيرا
أَخْبَرَنَا الحسين بن علي الحنيفي قَالَ: أنشدنا أَبُو الْقَاسِمِ عبد اللَّه بْن محمد الشاهد، أنشدنا مكرم بن أَحْمَد- لأبي القاسم غسان بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سالم التّميميّ:
وضع القياس أَبُو حنيفة كله ... فأتى بأوضح حجة وقياس
وبنى على الآثار رأس بنائه ... فأتت غوامضه على الأساس
والناس يتبعون فيها قوله ... لما استبان ضياؤه للناس
أَخْبَرَنِي علي بن أبي علي البصريّ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سهل النّيسابوريّ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن
يحيى أبو يحيى السّمرقنديّ، حدّثنا نصر بن يحيى البلخي، حَدَّثَنَا الحسن بن زياد اللؤلؤي قال: كانت هاهنا امرأة يقال لها أم عمران مجنونة، وكانت جالسة في الكناسة فمر بها رجل فكلمها بشيء، فقالت له: يا ابن الزانيين. وابن أبي ليلى حاضر يسمع ذلك فقال للرجل: أدخلها عَليّ المسجد، وأقام عليها حدين حدا لأبيه، وحدا لأمه، فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ فيها في ستة مواضع، أقام الحد في المسجد، ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمة والنساء يضربن قعودا، وضرب لأبيه حدا ولأمه حدا ولو أن رجلا قذف جماعة كان عليه حد واحد، وجمع بين حدين ولا يجمع بين حدين حتى يخف أحدهما، والمجنونة ليس عليها حد، وحد لأبويه وهما غائبان لم يحضرا فيدعيان. فبلغ ذلك ابن أبي ليلى فدخل على الأمير فشكى إليه وحجر على أبي حنيفة. وقال: لا يفتي، فلم يفت أياما حتى قدم رسول من ولي العهد فأمر أن يعرض على أبي حنيفة مسائل حتى يفتي فيها. فأبَى أَبُو حنيفة وقال:
أنا محجور علي، فذهب الرسول إلى الأمير فقال الأمير قد أذنت له، فقعد فأفتى.
أخبرنا التنوخي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عبد الله الوراق الدوري، أخبرنا أحمد بن القاسم ابن نصر أخو أبي اللّيث الفرائضيّ، حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ العجلي قال: قال رجل بالشام للحكم بن هشام الثقفي: أَخْبَرَنِي عن أبي حنيفة، قال: على الخبير سقطت، كان أَبُو حنيفة لا يخرج أحدا من قَبَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يخرج من الباب الذي منه دخل، وكان من أعظم الناس أمانة، وأراده سلطاننا على أن يتولى مفاتيح خزائنه أو يضرب ظهره، فاختار عذابهم على عذاب الله. فقال له: ما رأيت أحدا وصف أبا حنيفة بمثل ما وصفته به. قال: هو كما قلت لك.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري، أَخْبَرَنَا إسماعيل بن محمّد الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي، حَدَّثَنَا عبد الرزاق قال: شهدت أبا حنيفة في مسجد الخيف فسأله رجل عن شيء فأجابه. فقال رجل: إن الحسن يقول كذا وكذا. قال أَبُو حنيفة: أخطأ الحسن، قال فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال:
أنت تقول أخطأ الحسن يا ابن الزانية؟ ثم مضى، فما تغير وجهه ولا تلون، ثم قال:
إي والله أخطأ الحسن وأصاب ابن مسعود.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، حدّثنا محمود بن محمّد المروزيّ، حَدَّثَنَا حامد بن آدم قال: سمعت سهل بن مزاحم يقول:
سمعت أبا حنيفة يقول: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
[الزمر 18] قال كان أَبُو حنيفة يكثر من قول: اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له.
أخبرنا الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد الخصيبي، حَدَّثَنِي أَبُو خازم الْقَاضِي قال: حَدَّثَنِي شعيب بن أيوب الصريفيني قال:
سمعت الحسن بن زياد اللؤلؤي يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا.
وأخبرنا الجوهريّ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الأبهري، حدّثنا أبو عروبة الحرّانيّ، حَدَّثَنَا سليمان بن سيف قال: سمعت أبا عاصم يقول: قال رجل لأبي حنيفة: متى يحرم الطعام على الصائم؟ قال: إذا طلع الفجر، قال: فقال له السائل: فإن طلع نصف الليل؟ قال: فقال له أَبُو حنيفة: قم يا أعرج.
ما ذكر من عبادة أبي حنيفة وورعه:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ حبيش الرازي قَالَ: سمعت محمد بن أحمد بن عصام يقول: سمعت مُحَمَّد بن سعد العوفي يَقُولُ:
سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى القطان يقول: جالسنا والله أبا حنيفة وسمعنا منه، وكنت والله إذا نظرت إليه عرفت في وجهه أنه يتقي الله عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنَا الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن سَعِيد قَالَ:
حدّثنا إبراهيم بن الوليد، حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الحسن بن مُحَمَّد الليثي يقول: قدمت الكوفة فسألت عن أعبد أهلها فدفعت إلى أبي حنيفة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق قال: سمعت أبا نصر وأبا الحسن بن أبي بكر، أَخْبَرَنَا أَبُو نصر أَحْمَد بن نصر بن مُحَمَّد بن إشكاب البخاري قَالَ: سمعت أبا إسحاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن سفيان يقول: سمعت علي بن سلمة يقول: سمعت
سفيان بن عيينة يقول: رحم الله أبا حنيفة كان من المصلين- أعني أنه كان كثير الصّلاة-.
أخبرنا التنوخي، حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن حمدان بن الصّبّاح، حدّثنا أحمد ابن الصلت الحماني قال: سمعت سويد بن سعيد يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما قدم مكة رجل في وقتنا أكثر صلاة من أبي حنيفة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الملك القرشيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الرازي، حدّثنا علي بن أحمد الفارسيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فضيل قال: قال أَبُو مطيع: كنت بمكة، فما دخلت الطواف في ساعة من ساعات الليل إلا رأيت أبا حنيفة وسفيان في الطواف.
أَخْبَرَنَا إبراهيم بن مخلد المعدل، حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَكِيمِيُّ، حَدَّثَنَا مقاتل بن صالح أَبُو علي المطرز قال: سمعت يحيى بن أيوب الزاهد يقول:
كان أَبُو حنيفة لا ينام الليل.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر بن فارس- فيما أذن لي أن أرويه عنه- قَالَ: حدّثنا هارون بن سليمان، حدّثنا علي بن المديني قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان أَبُو حنيفة له مروءة، وله صلاة في أول زمانه. قال سفيان: اشترى أبي مملوكا فأعتقه، وكان له صلاة من الليل في داره، فكان الناس ينتابونه فيها يصلون معه من الليل، فكان أَبُو حنيفة فيمن يجيء يصلي.
أَخْبَرَنِي عبد الباقي بن عبد الكريم، أخبرنا عبد الرّحمن بن عمر، حدّثنا محمّد بن أحمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا جدي قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن بكر قال: سمعت أبا عاصم النبيل يقول: كان أَبُو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
أَخْبَرَنِي الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عن ابن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن نوح قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يزيد السلمي، حَدَّثَنَا حفص بن عَبْد الرَّحْمَن قال: كان أَبُو حنيفة يحيي الليل بقراءة القرآن في ركعة ثلاثين سنة.
وقال ابن سعيد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أبي قال: سمعت زافر ابن سليمان يقول: كان أَبُو حنيفة يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن.
أَخْبَرَنَا علي بن المحسن المعدل، حَدَّثَنَا أبو بكر أحمد بن محمد بن يعقوب الكاغدي، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن يَعْقُوب بن الحارث الحارثي
البخاريّ- ببخاري- حدّثنا أحمد بن الحسين البلخيّ، حَدَّثَنَا حماد بن قريش قال:
سمعت أسد بن عمرو يقول: صلى أَبُو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، فكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة، وكان يسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة.
أَخْبَرَنِي الحُسَيْن بن مُحَمَّد أخو الخلّال، حدّثنا إسحاق بن محمّد بن حمدان المهلبي- ببخاري- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، حدّثنا قيس بن أبي قيس، حدّثنا محمّد بن حرب المروزيّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ عن أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا مات أَبِي سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله ففعل، فَلَمَّا غسله قَالَ:
رحمك الله وغفر لك لم تفطر منذ ثلاثين سنة ولم تتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة، وقد أتعبت من بعدك، وفضحت القراء.
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن عَليّ بن مُحَمَّد المعدل، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سهل النّيسابوريّ، حدّثنا أحمد بن هارون الفقيه، حدثني محمّد بن المنذر ابن سعيد الهرويّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَهْل بن منصور المَرْوَزِيّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: سَمِعْتُ منصور بن هاشم يَقُولُ: كُنَّا مَعَ عَبْد الله بن المبارك بالقادسية إِذْ جاءه رجلٌ من أهل الكوفة فوقع في أَبِي حنيفة، فَقَالَ لَهُ عَبْد الله: ويحك أتقع في رجل صلى خمسًا وأربعين سنة خمس صلوات على وضوء واحد؟ وَكَانَ يجمع القُرْآن في ركعتين في ليلة، وتعلمت الفقه الَّذِي عندي من أَبِي حنيفة.
أَخْبَرَنَا الخلّال، حدّثنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن مكرم، حَدَّثَنَا بِشْر بن الوليد عن أَبِي يُوسُف قَالَ: بينا أَنَا أمشي مَعَ أَبِي حنيفة سمعت رجلا يَقُولُ لرجل، هَذَا أَبُو حنيفة لا ينام الليل، فَقَالَ أَبُو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لا أفعل، فَكَانَ يحيى الليل صلاةً، ودعاءً، وتضرعًا.
أَخْبَرَنَا التَّنُوخِيّ وَالجَوْهَرِيّ قالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الخرقي، حدّثنا هيثم بن خلف الدّوريّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يزيد بْن سليم- مولى بني هاشم- قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن فضيل قَالَ: كُنْت مَعَ جماعة فأقبل أَبُو حنيفة، فقال بعض
القوم: ما ترونه ما ينام هَذَا الليل. قَالَ وَسَمِعَ أَبُو حنيفة ذَلِكَ فَقَالَ: أراني عند النَّاس خلاف ما أَنَا عند الله، لا توسدت فراشا حَتَّى ألقى الله. قَالَ يَحْيَى: كَانَ أَبُو حنيفة يقوم الليل كله حَتَّى تُوُفِّي- أَوْ قَالَ حَتَّى مات-.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بن أحمد بن فضالة النيسابوري الحافظ- بالري- أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن المذكر، حَدَّثَنَا عَليّ بن أَحْمَد بن موسى الفارسي، حدّثنا محمّد بن فضيل العابد، حدّثنا أبو يحيى الحماني، حَدَّثَنِي سلم بن سالم عن أَبِي الجويرية قَالَ: صحبت حَمَّاد بن أَبِي سُلَيْمَان ومحارب بن دثار وعلقمة ابن مرثد وعون بن عَبْد الله، وصحبت أَبَا حنيفة فما كَانَ في القوم رجل أحسن ليلا من أَبِي حنيفة. لقد صحبته أشهرًا فما منها ليلة وضع فيها جنبه. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحماني عن بعض أصحابه أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يصلي الفجر بوضوء العشاء، وَكَانَ إِذَا أراد أن يصلي من الليل تزين حَتَّى يسرح لحيته.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا نصر. وأخبرنا الحسن ابن أبي بكر، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو نصر أَحْمَد بْن نصر بن محمد بن إشكاب البخاري قال: سمعت محمد بن خلف بن رجاء يقول: سمعت مُحَمَّد بن سلمة عن ابن أَبِي معاذ عن مسعر بن كدام قَالَ: أتيت أَبَا حنيفة في مسجده فرأيته يصلي الغداة ثُمَّ يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب، فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء، فَقُلْتُ في نفسي:
هَذَا الرجل في هَذَا الشغل مَتَى يتفرغ للعبادة؟ لأتعاهدنه الليلة، قَالَ: فتعاهدته فَلَمَّا هدأ النَّاس خرج إلى المسجد فانتصب للصلاة إلى أن طلع الفجر، ودخل منزله ولبس ثيابه، وخرج إلى المسجد وصلى الغداة، فجلس للنَّاس إلى الظهر، ثُمَّ إلى العصر، ثُمَّ إلى المغرب، ثُمَّ إلى العشاء، فَقُلْتُ في نفسي: إِنَّ الرجل قد تنشط الليلة، لا تعاهدنه الليلة، فتعاهدته فَلَمَّا هدأ النَّاس خرج فانتصب للصلاة، ففعل كفعله في الليلة الأولى، فَلَمَّا أصبح خرج إلى الصَّلاة وفعل كفعله في يوميه، حَتَّى إِذَا صلى العشاء قُلْتُ في نفسي إِنَّ الرجل لينشط الليلة والليلة، لا تعاهدنه الليلة ففعل كفعله في ليلتيه، فَلَمَّا أصبح جلس كذلك، فَقُلْتُ في نفسي لألزمنه إلى أن يموت أَوْ أموت، قَالَ فلازمته في مسجده. قَالَ ابن أَبِي معاذ: فبلغني أَنَّ مسعرًا مات في مسجد أَبِي حنيفة في سجوده.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا محمّد بن على بن عفّان، حَدَّثَنَا عَليّ بن حفص البَزَّاز قَالَ: سَمِعْتُ حفص بن عَبْد الرَّحْمَن يَقُولُ سَمِعَت مسعر بن كدام يَقُولُ: دخلت ذات ليلة المسجد فرأيت رجلا يصلي فاستحليت قراءته فقرأ سبعا، فقلت يركع، ثم قرأ الثلث، ثم قرأ النصف، فلم يزل يقرأ القُرْآن حَتَّى ختمه كله في ركعة، فنظرت فَإِذَا هُوَ أَبُو حنيفة.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن مَخْلَد البلخيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن رستم المَرْوَزِيّ قَالَ سَمِعْتُ خارجة بن مُصْعَب يَقُولُ: ختم القُرْآن في ركعة أربعة من الأئمة، عُثْمَان بن عَفَّان، وتميم الداري، وَسَعِيد بن جُبَيْر، وَأَبُو حنيفة.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مَخْلَد: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن يَحْيَى الباهليّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن نصر.
قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة ربما ختم القُرْآن في شهر رمضان ستين ختمة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر الوكيل وَأَبُو الفتح الضبي. قالا: أَخْبَرَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد الحماني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن يُونُس قَالَ:
سَمِعْتُ زائدة يَقُولُ: صليت مَعَ أَبِي حنيفة في مسجده عشاء الآخرة وخرج النَّاس ولم يعلم أني في المسجد، وأردت أن أسأله عن مسألة من حيث لا يراني أحد قَالَ فقام فقرأ- وقد افتتح الصَّلاة- حَتَّى بلغ إلى هذه الآية: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ
[الطور 27] فأقمت في المسجد أنتظر فراغه فلم يزل يرددها حَتَّى أذن المُؤَذِّن لصلاة الفجر.
وَقَالَ أَحْمَد بن مُحَمَّد: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْم ضرار بن صرد يَقُولُ: سَمِعْتُ يزيد بن الكميت يقول- وكان من خيار الناس- كَانَ أَبُو حنيفة شديد الخوف من الله، فقرأ بنا عَليّ بن الحُسَيْن المُؤَذِّن ليلة في عشاء الآخرة: إِذا زُلْزِلَتِ
وَأَبُو حنيفة خلفه، فَلَمَّا قضى الصَّلاة وخرج النَّاس، نظرت إلى أَبِي حنيفة وَهُوَ جالس يفكر ويتنفس، فَقُلْتُ أقوم لا يشتغل قلبه بي، فَلَمَّا خرجت تركت القنديل ولم يكن فيه إِلا زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجر وَهُوَ قائم قد أخذ بلحية نفسه وَهُوَ يَقُولُ: يا من يجزي بمثقال ذرة خير خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شرًا، أجر النُّعْمَان عبدك من النار، وما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك قَالَ: فأذنت فَإِذَا القنديل يزهر وَهُوَ قائم، فلما دخلت قال: تريد أن تأخذ القنديل قَالَ: قُلْتُ قد أذنت لصلاة الغداة، قال
اكتم عَليّ ما رَأَيْت، وركع ركعتي الفجر وجلس حَتَّى أقمت الصَّلاة وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا بختري بن محمّد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن قال: حدثني القاسم بن معين: أَنَّ أَبَا حنيفة قام ليلة بهذه الآية: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ
[القمر 46] يرددها ويبكي ويتضرع.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن الرّبيع، حَدَّثَنَا حبان بن موسى قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الله بْن المبارك يَقُولُ: قدمت الكوفة فسألت عن أورع أهلها فقالوا أَبُو حنيفة.
وَقَالَ سُلَيْمَان: سَمِعْتُ مكي بن إِبْرَاهِيم يَقُولُ: جالست الكوفيّين فما رأيت أورع من أَبِي حنيفة.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا الحسين بن الحكم الحبري، حَدَّثَنَا عَليّ بن حفص البَزَّاز قَالَ:
كَانَ حفص بن عَبْد الرَّحْمَن شريك أَبِي حنيفة، وَكَانَ أَبُو حنيفة يجهز عَلَيْهِ، فبعث إِلَيْهِ في رفقة بمتاع وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيبا فَإِذَا بعته فبين، فباع حفص المتاع ونسي أن يبين ولم يعلم ممن باعه، فَلَمَّا علم أَبُو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: حدثنا عمر بن أحمد، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن المغلس الحمني قال: حدّثنا مليح بن وكيع، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة قد جعل على نفسه ألا يحلف بالله في عرض كلامه إِلا تصدق بدرهم، فحلف فتصدق بِهِ، ثُمَّ جعل عَلَى نفسه إن حلف أن يتصدق بدينار، فَكَانَ إِذَا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق بدينار، وَكَانَ إِذَا أنفق عَلَى عياله نفقة تصدق بمثلها، وَكَانَ إِذَا اكتسى ثوبًا جديدا كسى بقدر ثمنه الشيوخ العُلَمَاء، وَكَانَ إِذَا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه عَلَى الخبز حَتَّى يأخذ منه بقدر ضعف ما كَانَ يأكل، فيضعه عَلَى الخبز ثُمَّ يعطيه إنسانا فقيرا، فإن كَانَ في الدار من عياله إِنْسَان يحتاج إِلَيْهِ دفعه إِلَيْهِ وإلا أعطاه مسكينا.
أخبرنا التنوخي، حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن حمدان، حدثنا أحمد بن الصلت الحماني قال: سمعت مليح بن وكيع يقول: سمعت أبي يقول: كَانَ والله أَبُو حنيفة عظيم الأمانة، وَكَانَ الله في قلبه جليلا كبيرا عظيما، وَكَانَ يؤثر رضاء ربه عَلَى كل
شيء، ولو أخذته السيوف في الله لاحتمل، رحمه الله ورضى عنه رضى الأبرار فلقد كَانَ منهم.
أَخْبَرَنَا الحَسَن بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، حَدَّثَنَا محمود بن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيم بن عَبْد الله الخلال ذكروا لَهُ عن حامد بن آدم أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الله بْن المبارك يَقُولُ: ما رَأَيْت أحدا أورع من أَبِي حنيفة، فَقَالَ من رأيي أن أخرج إلى حامد في هَذَا الحرف الواحد أسمع منه.
وأخبرنا الحسن، أخبرنا ابن الصّوّاف، حَدَّثَنَا محمود بن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ قَالَ:
سَمِعْتُ حامد بن آدم يَقُول: سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يَقُول: ما رَأَيْت أحدا أورع من أَبِي حنيفة، وقد جرب بالسياط والأموال.
أخبرنا علي بن أبي علي البصريّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحِيم المازني، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثني أبو الحسن الديباجي، حَدَّثَنَا زيد بن أخزم قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الله بن صهيب الكلبي يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت يتمثل كثيرا:
عطاء ذي العرش خير من عطائكم ... وسيبه واسع يرجى وينتظر
أنتم يكدر ما تعطون منكم ... والله يعطي بلا من ولا كدر
أَخْبَرَنَا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا سَعِيد القصار قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّد بن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن المسعودي عن أَبِيهِ قَالَ: ما رَأَيْت أحسن أمانة من أَبِي حنيفة، مات يوم مات وعنده ودائع بخمسين ألفا، ما ضاع منها ولا درهم واحد.
وَقَالَ النخعي: حدّثنا إبراهيم بن مخلد، حَدَّثَنَا بَكْر العمي عن هلال بن يَحْيَى عن يُوسُف السمتي أن أَبَا جَعْفَر المنصور أجاز أَبَا حنيفة بثلاثين ألف درهم في دفعات فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إني ببَغْدَاد غريب وَلَيْسَ لها عندي موضع، فأجعلها في بيت المال، فأجابه المنصور إلى ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا مات أَبُو حنيفة أخرجت ودائع النَّاس من بيته، فَقَالَ المنصور: خدعنا أَبُو حنيفة.
وقال النخعي: حدّثنا سوادة بن علي، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ:
سمعت مغيث بن بديل يقول: قال خارجة بن مُصْعَب: أجاز المنصور أَبَا حنيفة بعشرة آلاف درهم فدعي ليقبضها، فشاورني وَقَالَ: هَذَا رجل إن رددتها عليه غضب، وإن قبضتها دخل عَليّ في ديني ما أكرهه؟ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا المال عظيم في عينه، فَإِذَا دعيت
لتقبضها فقل لم يكن هَذَا أملي من أمير المؤمنين، فدعي ليقبضها فَقَالَ ذَلِكَ، فرفع إِلَيْهِ خبره فحبس الجائزة، قَالَ: فَكَانَ أَبُو حنيفة لا يكاد يشاور في أمره غيري.
ما ذكر من جود أَبِي حنيفة وسماحه وحسن عهده:
أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر الوكيل وَأَبُو الفتح الضبي قالا: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد الحماني، حدّثنا عاصم بن علي قال:
سمعت القيس بن الربيع يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة رجلا ورعا فقيها محسودا، وَكَانَ كثير الصلة والبر لكل من لجأ إليه، كثير الإفضال عَلَى إخوانه، قَالَ: وَسَمِعْتُ قيسا يَقُولُ:
كَانَ النُّعْمَان بن ثابت من عقلاء الرجال. وَقَالَ مكرم: حدّثنا أحمد بن عطية، حَدَّثَنَا الحَسَن بن الربيع قَالَ: كَانَ قيس بن الربيع يحَدّثَنِي عن أَبِي حنيفة أَنَّهُ كَانَ يبعث بالبضائع إلى بَغْدَاد فيشتري بها الأمتعة ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم وكسوتهم وجميع حوائجهم، ثُمَّ يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم فيقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إِلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عَليّ فيكم، وهذه أرباح بضائعكم فَإِنَّهُ هُوَ والله مما يجريه الله لكم عَلَى يدي، فما في رزق الله حولٌ لغيره.
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن علي الحنيفي، حدّثنا علي بن الحسن الرّازيّ، حدّثنا محمّد بن الحسين الزّعفرانيّ، حدّثنا أحمد بن زهير، أخبرنا سليمان بن أبي شيخ، حدثني حجر ابن عَبْد الجبار قَالَ: ما رأى النَّاس أكرم مجالسة من أَبِي حنيفة، ولا إكراما لأصحابه.
قَالَ حجر: كَانَ يُقَال إِنَّ ذوي الشرف أتم عقولا من غيرهم.
أَخْبَرَنَا الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن سَعِيد قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الخازمي، حَدَّثَنَا حسين بن سَعِيد اللَّخْميّ قَالَ:
سَمِعْتُ حفص بن حمزة القُرَشِيّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة ربما مر بِهِ الرجل فيجلس إِلَيْهِ لغير قصد ولا مجالسة، فَإِذَا قام سَأَلَ عَنْهُ فإن كانت بِهِ فاقة وصله، وإن مرض عاده حَتَّى يجره إلى مواصلته، وَكَانَ أكرم الناس مجالسة.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا أَحْمَد بن عَمَّار بن أَبِي مالك الجنبي عن أَبِيهِ عن الحَسَن بن زياد قَالَ: رَأَى أَبُو حنيفة عَلَى بعض جلسائه ثيابا رثة، فأمره فجلس حَتَّى تفرق النَّاس وبقي وحده. فَقَالَ لَهُ: ارفع المصلى وخذ ما
تحته، فرفع الرجل المصلى فَكَانَ تحته ألف درهم، فَقَالَ لَهُ: خذ هذه الدراهم فغير بها من حالك، فَقَالَ الرجل: إني موسر وَأَنَا في نعمة ولست أحتاج إليها، فَقَالَ لَهُ: أَمَّا بلغك الحديث: «إِنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته عَلَى عبده» ؟ فينبغي لك أن تغير حالك حَتَّى لا يغتم بك صديقك.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عَفَّان، حدّثنا إسماعيل بن يوسف السنبري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُف يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة لا يكاد يسأل حاجة إِلا قضاها، فجاءه رجل فَقَالَ لَهُ إِنَّ لفلان عَليّ خمسمائة درهم وأنا مضيق، فسله يصبر عني ويؤخرني بها. فكلم أَبُو حنيفة صاحب المال، فَقَالَ صاحب المال: هِيَ لَهُ قد أبرأته منها، فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الحق: لا حاجة لي فيها، فَقَالَ أَبُو حنيفة: لَيْسَ الحاجة لك، وإنما الحاجة لي قضيت.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أَحْمَد بن البهلول الكوفيّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد البَجَلِيّ عن إِسْمَاعِيل بن حماد بن أبي حنيفة أن أبا حنيفة حين حذق حَمَّاد ابنه، وَهب للمعلم خمسمائة درهم.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق البكائي قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَر بن عون العمري يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَة أَبَا حنيفة تطلب منه ثوب خز، فأخرج لها ثوبا فَقَالَتْ لَهُ:
إني امرأة ضعيفة وإنها أمانة، فبعني هَذَا الثوب بما يقوم عليك، فَقَالَ خذيه بأربعة دراهم، فَقَالَتْ: لا تسخر بي وَأَنَا عجوز كبيرة. فَقَالَ: إني اشتريت ثوبين فبعت أحدهما برأس المال إِلا أربعة دراهم، فبقي هَذَا الثوب عَليّ بأربعة دراهم.
أجاز لي مُحَمَّد بن أسد الكاتب أن جعفر الخلدي حدثهم ثم أخبرني الأزهري- قراءة- حدّثنا الحسن بن عثمان، حدّثنا جعفر الخلدي، حدّثنا أحمد بن محمّد الطّوسيّ، حدثني أبو سيعد الكندي عبد الله بن سعيد، حَدَّثَنَا شيخ سماه أَبُو سَعِيد الكِنْدِيّ قَالَ: كان بأو حنيفة يبيع الخز، فجاءه رجل فَقَالَ: يا أَبَا حنيفة قد احتجت إلى ثوب خز. فَقَالَ: ما لونه؟ فَقَالَ: كذا وكذا فَقَالَ لَهُ: اصبر حَتَّى يقع وآخذه لك إن شاء الله. قَالَ: فما دارت الجُمُعة حَتَّى وقع، فمر بِهِ الرجل فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفة قد
وقعت حاجتك، قَالَ: فأخرج إِلَيْهِ الثوب فأعجبه فَقَالَ: يا أَبَا حنيفة كم أزن للغلام؟
قَالَ: درهما، قَالَ يا أَبَا حنيفة ما كُنْت أظنك تهزأ؟ قَالَ: ما هزأت إني اشتريت ثوبين بعشرين دينارا ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين دينارا وبقي هَذَا بدرهم وما كنت لا ربح عَلَى صديق.
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن عَليّ الحنيفي، حدّثنا علي بن الحسن الرّازيّ، حدّثنا محمّد بن الحسين الزّعفرانيّ، حدّثنا أحمد بن زهير، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بن أَبِي شيخ قَالَ: قَالَ مساور الوَرَّاق:
كُنَّا من الدِّين قبل اليوم في سعة ... حَتَّى ابتلينا بأصحاب المقاييس
قاموا من السوق إِذْ قُلْتُ مكاسبهم ... فاستعملوا الرأي عند الفقر والبوس
أما الغريب فأمسوا لا عطاء لهم ... وفي الموالي علامات المفاليس
فلقيه أَبُو حنيفة فَقَالَ: هجوتنا، نَحْنُ نرضيك، فبعث إليه بدراهم فَقَالَ:
إِذَا ما أهل مِصْر بادهونا ... بداهية من الفتيا لطيفه
أتيناهم بمقياس صحيح ... صليب من طراز أبي حنيفة
إِذَا سَمِعَ الفقيه بِهِ حواه ... وأثبته بحبر في صحيفة
أَخْبَرَنِي عَليّ بن أَحْمَد الرَّزَّاز، حَدَّثَنَا أَبُو اللَّيْث نصر بن مُحَمَّد الزاهد البخاريّ- قدم علينا- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَهْل النَّيْسَابُوري، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بن أَحْمَد الشعيبي، حدّثنا أسد بن نوح، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عباد قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِم بن غسان، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد الله بن رجاء الغداني قَالَ: كَانَ لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع، حَتَّى إذا جنه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحما فطبخه، أَوْ سمكة فيشويها، ثُمَّ لا يزال يشرب حَتَّى إِذَا دب الشراب فيه غنى بصوت، وَهُوَ يَقُولُ:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هَذَا البيت حَتَّى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أَبُو حنيفة صوته فسأل عَنْهُ فَقِيلَ أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس، فصلى أَبُو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته واستأذن عَلَى الأمير. قَالَ الأمير: ائذنوا لَهُ وأقبلوا بِهِ راكبا ولا تدعوه ينزل حَتَّى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع لَهُ من مجلسه، وَقَالَ: ما حاجتك؟ قَالَ: لي جار
إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فَقَالَ نعم وكل من أخذ في تِلْكَ الليلة إلى يومنا هَذَا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أَبُو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفة مضى إِلَيْهِ فَقَالَ: يا فتى أضعناك؟ قال: لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.
ما ذكر من وفور عقل أبي حنيفة وفطنته وتلطفه:
أخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضبي قالا: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الحماني قَالَ:
سَمِعْتُ ابن المبارك يَقُولُ: قُلْتُ لسفيان الثوري: يا أَبَا عَبْد الله ما أبعد أَبَا حنيفة من الغيبة ما سَمِعْتُهُ يغتاب عدوا لَهُ قط. قَالَ: هُوَ والله أعقل من أن يسلط عَلَى حسناته ما يذهب بها.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّرْبَنْدِيُّ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد ابن سليمان الحافظ- ببخاري- حدّثنا أبو حفص أحمد بن أجيد بن حمدان، حدثنا علي بن موسى القمي قال: سمعت مُحَمَّد بن شجاع يَقُولُ: سَمِعْتُ عَليّ بن عاصم يَقُولُ: لو وزن عقل أَبِي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم.
أَخْبَرَنِي محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أَبَا العَبَّاس أَحْمَد بن هَارُون الفقيه يَقُولُ: حدثني محمّد بن إبراهيم السّرخسيّ قال:
حدّثنا سليمان بن الرّبيع النهدي الكُوفِيّ قَالَ: سَمِعْتُ همام بن مُسْلِم يَقُولُ: سَمِعْتُ خارجة بن مُصْعَب- وذكر أَبُو حنيفة عنده- فَقَالَ: لقيت ألفا من العُلَمَاء فوجدت العاقل فيهم ثلاثة- أَوْ أربعة- فذكر أَبَا حنيفة في الثلاثة- أَوِ الأربعة- قَالَ خارجة بن مُصْعَب: من لا يرى المسح عَلَى الخفين، أَوْ يقع في أَبِي حنيفة، فَهُوَ ناقص العقل.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا محمّد بن علي بن عفّان، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: سَمِعْتُ يزيد بن هَارُون يَقُولُ:
أدركت النَّاس فما رَأَيْت أحدا أعقل، ولا أفضل، ولا أروع، من أَبِي حنيفة.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا أَبُو قلابة قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَبْد الله الأَنْصَارِيّ قَالَ:
كَانَ أَبُو حنيفة ليتبين عقله في منطقه، ومشيته، ومدخله، ومخرجه.
أَخْبَرَنَا علي بن القاسم الشّاهد- بالبصرة- حدّثنا علي بن إسحاق المادراني، حدّثنا أحمد بن محمّد الباهليّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: كان رجل بالكوفة
يقول: عثمان بن عفان كان يهوديًا فأتاه أَبُو حنيفة فقال: أتيتك خاطبا، قَالَ: لمن؟
قال: لا بنتك، رجل شريف غني بالمال، حافظ لكتاب الله، سخي، يقوم الليل في ركعة، كثير البكاء من خوف الله. قال: في دون هَذَا مقنع يا أَبَا حنيفة، قَالَ إِلا أن فيه خصلة، قَالَ: وما هِيَ؟ قَالَ: يهودي. قَالَ: سبحان الله تأمرني أن أزوج ابنتي من يهودي؟ قَالَ: لا تفعل؟ قَال: لا، قَالَ: فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابنتيه من يهودي! قَالَ: أستغفر الله، إني تائب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن جعفر بن حيّان، حدّثنا أبو يحيى الرّازيّ، حَدَّثَنَا سَهْل بن عُثْمَان قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حنيفة قَالَ: كَانَ لنا جار طحان رافضي، وَكَانَ له بغلان، سمى أحدهما أَبَا بَكْر، والآخر عُمَر، فرمحه ذات ليلة أحدهما فقتله. فأخبر أَبُو حنيفة فَقَالَ: انظروا البغل الَّذِي رمحه الَّذِي سماه عُمَر؟ فنظروا فَكَانَ كذلك.
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن علي المعدل، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الحلواني، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن عطية، حدّثنا الحماني، حَدَّثَنَا ابن المبارك قَالَ: رَأَيْت أَبَا حنيفة في طريق مكة وشوى لهم فصيل سمين، فاشتهوا أن يأكلوه بخل، فلم يجدوا شيئا يصبون فيه الخل فتحيروا، فرأيت أَبَا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة، وبسط عليها السفرة وسكب الخل عَلَى ذَلِكَ الموضع، فأكلوا الشواء بالخل، فقالوا لَهُ: تحسن كل شيء. قَالَ: عليكم بالشكر فإن هَذَا شيء ألهمته لكم فضلا من الله عليكم.
أَخْبَرَنَا الحسن بن محمّد الخلّال، أَخْبَرَنَا عَليُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ أَنَّ عَليَّ بن محمّد ابن كَاسٍ النَّخَعِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي بن عفّان، حَدَّثَنَا نَمِرُ بْنُ جِدَارٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: دَعَا الْمَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ الرَّبِيعُ حَاجِبُ الْمَنْصُورِ- وَكَانَ يُعَادِي أَبَا حَنِيفَةَ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُ جَدَّكَ، كان عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حُلِفَ عَلَى الْيَمِينِ ثُمَّ اسْتُثْنِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ الاسْتِثْنَاءُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ إِلا مُتَّصِلا بِالْيَمِينِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الرَّبِيعَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ فِي رِقَابِ جُنْدِكَ بَيْعَةٌ، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ يَحْلِفُونَ لَكَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فيستثنون فَتَبْطُلُ أَيْمَانُهُمْ، قَالَ: فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ وَقَالَ: يَا ربيع لا تَعَرَّضْ لأَبِي حَنِيفَةَ. فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ الرَّبِيعُ: أَرَدْتَ أَنْ تَشِيطَ بِدَمِي؟ قَالَ:
لا، وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ تَشِيطَ بِدَمِي فَخَلَّصْتُكَ وَخَلَّصْتُ نَفْسِي.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى، حدّثنا خالد ابن النضر قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الواحد بن غياث يَقُولُ: كَانَ أَبُو العَبَّاس الطُّوسِيّ سيئ الرأي في أَبِي حنيفة، وَكَانَ أَبُو حنيفة يعرف ذَلِكَ، فدخل أَبُو حنيفة عَلَى أَبِي جَعْفَر- أمير المؤمنين- وكثر النَّاس، فَقَالَ الطُّوسِيّ: اليوم أقتل أَبَا حنيفة، فأقبل عَلَيْهِ فَقَالَ: يا أَبَا حنيفة إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منا فيأمره بضرب عنق الرجل لا يدري ما هو، أيسعه أن يضرب عنقه؟ فَقَالَ: يا أَبَا العَبَّاس أمير المؤمنين يأمر بالحق أَوْ بالباطل؟ قَالَ بالحق، قَالَ انفذ الحق حيث كَانَ ولا تسل عَنْهُ، ثُمّ قَالَ أَبُو حنيفة لمن قرب منه: إِنَّ هَذَا أراد أن يوثقني فربطته.
أخبرنا محمد بن عبد الواحد، أخبرنا محمد بن العبّاس، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن سَعِيد السوسي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن معين يَقُولُ: دخل الخوارج مسجد الكوفة وَأَبُو حنيفة وأصحابه جلوس، فَقَالَ أَبُو حنيفة: لا تبرحوا، فجاءوا حَتَّى وقفوا عليهم، فقالوا لهم: ما أنتم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفة: نَحْنُ مستجيرون، فَقَالَ أمير الخوارج دعوهم وأبلغوهم مأمنهم، واقرءوا عليهم القُرْآن فقرءوا عليهم القُرْآن وأبلغوهم مأمنهم.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا أبو صالح البختريّ ابن محمّد، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن شَيْبَة قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بن منصور قَالَ: حَدَّثَنِي حجر بن عَبْد الجبار الحَضْرَمِيّ قَالَ: كَانَ في مسجدنا قاص يُقَال لَهُ زُرْعَة، فنسب مسجدنا إِلَيْهِ وَهُوَ مسجد الحضرميين، فأرادت أم أَبِي حنيفة أن تستفتي في شيء فأفتاها أَبُو حنيفة فلم تقبل، فَقَالَتْ: لا أقبل إِلا ما يَقُولُ زُرْعَة القاص، فجاء بها أبو حنيفة إلى زُرْعَة فَقَالَ: هذه أمي تستفتيك في كذا وكذا، فَقَالَ: أنت أعلم مني وأفقه، فأفتها أنت فقال أبو حنيفة قد أفتيتها بكذا وكذا فقال زُرْعَة القول كما قَالَ أَبُو حنيفة، فرضيت وانصرفت.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن محمود الصيدناني قَالَ: حدثني محمّد بن شجاع قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَن بن زياد يَقُولُ: حلفت أم أَبِي حنيفة بيمين فحنثت، فاستفتت أبا حنيفة فأفتاها فلم ترض، وقالت: لا أرضى إِلا بما يَقُولُ زُرْعَة القاص، فجاء بها أَبُو حنيفة إلى زُرْعَة، فسألته فقال: أفتيك ومعك فقيه الكوفة، فَقَالَ أَبُو حنيفة: أفتها بكذا وكذا فأفتاها فرضيت.
أَخْبَرَنِي أبو بشر محمد بن عمر الوكيل وأبو الفتح عبد الكريم بن محمد الضبي قالا: حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حدّثنا أحمد بن عطية، حدثنا الحماني قال: سمعت ابن المبارك يقول: رَأَيْت الحَسَن بن عمارة آخذا بركاب أبي حنيفة وَهُوَ يَقُولُ: والله ما أدركنا أحدا تكلم في الفقه أبلغ ولا أصبر ولا أحضر جوابا منك، وَإِنَّك لسيد من تكلم فيه في وقتك غير مدافع، وما يتكلمون فيك إِلا حسدًا.
أَخْبَرَنَا عَليّ بن الْقَاسِم البصريّ الشّاهد، حدّثنا علي بن إسحاق المادراني قَالَ:
ذكر أَبُو دَاوُد- يعني السِّجِسْتَاني ولم أسمع منه- عن نصر بن عَليّ قال: سَمِعْتُ ابن دَاوُد يَقُولُ: الناس في أبي حنيفة حاسد وجاهل، وأحسنهم عندي حالا الجاهل.
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسن بْن أَحْمَد الأهوازي، حدّثنا أبو بكر محمّد بن إسحاق ابن إبراهيم الْقَاضِي- بالأهواز- قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن محمّد بن عزرة، حَدَّثَنَا أَبُو الربيع الحارثي قال: سمعت عبد الله بن داود يقول: الناس في أبي حنيفة رجلان، جاهل به، وحاسدٌ له.
وأَخْبَرَنَا الأهوازي، حدّثنا محمّد بن إسحاق القاضي، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بن وكيع قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: دخلت عَلَى أَبِي حنيفة فرأيته مطرقًا مفكرًا، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من عند شريك، فرفع رأسه وأنشأ يَقُولُ:
إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد
قَالَ وكيع: أظنه كَانَ بلغه عَنْهُ شيء.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن التوزي قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بْن الحسين بْن حمكان الفقيه الشَّافِعِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نصر أَحْمَد بن نصر البخاريّ يقول: سمعت عَبْد الله الزَّعْفَرَانِيّ يَقُولُ: ذكر لمحمد بن الحَسَن ما يجري النَّاس من الحسد لأبي حنيفة فَقَالَ:
محسدون وشر النَّاس منزلة ... من عاش في النَّاس يوما غير محسود
حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عَليّ البادا، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن حميد بْن الربيع، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن الربيع بن هشام النهدي قَالَ: سَمِعْتُ الحارث بن إدريس يَقُولُ: قَالَ أبو وهب العباد: قل من لا يرى المسح عَلَى الخفين، أَوْ يقع في أَبِي حنيفة إِلا ناقص العقل.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أحمد بن شعيب البخاريّ، حدّثنا علي ابن موسى القمي، حدثني أحمد بن عبد قاضي الري، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كُنَّا عند ابن عَائِشَة فذكر حديثا لأبي حنيفة، فَقَالَ بعض من حضر: لا ترده. فقال له: أَمَا إنكم لو رأيتموه لأردتموه، وما أعرف لَهُ ولكم مثلا إِلا ما قَالَ الشَّاعِر:
أقلوا عليه ويحكم لا أَبَا لكم ... من اللؤم أَوْ سدوا المكان الذي سدا
أَخْبَرَنَا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصّيرفيّ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصاغاني، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن معين قَالَ:
سَمِعْتُ عُبَيْد بن أبي قرة يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن ضريس يَقُولُ: شهدت سُفْيَان وأتاه رجل فَقَالَ لَهُ: ما تنقم عَلَى أَبِي حنيفة؟ قَالَ: وماله. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: آخذ بكتاب الله فما لم أجد فبسنة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم، وأدع من شئت منهم ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم. فَأَمَّا إِذَا انتهى الأمر- أَوْ جاء- إلى إِبْرَاهِيم، وَالشَّعْبِيّ، وابن سيرين، وَالحَسَن، وعطاء، وَسَعِيد بن المسيب- وعدد رجالا- فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا، قَالَ: فسكت سُفْيَان طويلا ثُمَّ قَالَ: - كلمات برأيه ما بقي في المجلس أحد إِلا كتبه-: نسمع الشديد من الحديث فنخافه، ونسمع اللين فنرجوه، ولا نحاسب الأحياء، ولا نقضي على الأموات، نسلم ما سمعنا، ونكل ما لم نعلم إلى عالمه، ونتهم رأينا لرأيهم.
[قال الخطيب] : وقد سقنا عن أيوب السختياني، وسفيان الثوري وسفيان ابن عُيَيْنَةَ، وَأَبِي بَكْر بن عَيَّاش، وغيرهم من الأئمة أخبارا كثيرة تتضمن تقريظ أَبِي حنيفة والمدح لَهُ، والثناء عَلَيْهِ.
والمحفوظ عند نقلة الحديث عن الأئمة المتقدمين- وَهَؤُلاءِ المذكورون منهم- في أبي حنيفة خلاف ذَلِكَ، وكلامهم فيه كثير لأمور شنيعة حفظت عَلَيْهِ. متعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع، نَحْنُ ذاكروها بمشيئة الله، ومعتذرون إلى من وقف عليها وكره سماعها ، بأن أَبَا حنيفة عندنا مَعَ جلالة قدره أسوة غيره من
العُلَمَاء الَّذِين دونا ذكرهم في هذا الكتاب، وأوردنا أخبارهم، وحكينا أقوال النَّاس فيهم عَلَى تباينها. والله الموفق للصواب.
أَخْبَرَنِي عَبْد الباقي بْن عَبْد الكريم بْن عمر المؤدّب، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الخلال، حَدَّثَنَا محمّد بن أحمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا جدي قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بن سَهْل قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن أيوب قَالَ: سَمِعْتُ يزيد بن هارون ذكر أَبَا حنيفة فَقَالَ: أَبُو حنيفة رجل من النَّاس، خطؤه كخطأ النَّاس وصوابه كصواب النَّاس.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن سلم الخُتُّليّ قَالَ: أملى علينا أَبُو العَبَّاس أَحْمَد بن عَليّ بن مُسْلِم الأبَّار- في شهر جُمَادَى الآخرة من سنة ثمان وثمانين ومائتين- قَالَ: ذكر القوم الَّذِين ردوا عَلَى أَبِي حنيفة: أَيوب السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يَحْيَى، وَحَمَّاد بن سلمة، وَحَمَّاد بن زيد، وَأَبُو عَوَانَة، وَعَبْد الوارث، وسوار العَنْبَريّ الْقَاضِي، ويزيد بن زريع، وعَليَّ بن عاصم، ومالك بن أنس، وَجَعْفَر بن مُحَمَّد، وَعُمَر بن قيس، وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَن المُقْرِئ، وَسَعِيد بن عَبْد العزيز، والأوزاعي، وَعَبْد الله بن المبارك، وَأَبُو إِسْحَاق الفزاري، وَيُوسُف بن أسباط، وَمُحَمَّد بن جَابِر، وسفيان الثوري، وسفيان ابن عُيَيْنَةَ، وَحَمَّاد بن أَبِي سُلَيْمَان، وابن أَبِي ليلى، وحفص بن غياث، وَأَبُو بَكْر بن عَيَّاش، وشريك بن عَبْد الله، ووكيع بن الجراح، ورقبة بن مصقلة، والفضل بن موسى، وعيسى بن يُونُس، والحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، والقاسم بن حبيب، وابن شبرمة .
ما حكي عن أَبِي حنيفة في الإيمان:
1- أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسن أخو الخلال، أخبرنا جبريل بن محمّد المعدل- بهمذان- حدّثنا محمّد بن حيوة النخاس ، حدّثنا محمود بن غيلان، حَدَّثَنَا وكيع قَالَ: سَمِعْتُ الثوري يَقُولُ: نَحْنُ المؤمنون، وأهل القبلة عندنا مؤمنون، في المناكحة، والمواريث، والصلاة، والإقرار، ولنا ذنوب ولا ندري ما حالنا عند الله؟ قَالَ وكيع، وَقَالَ أَبُو حنيفة: من قَالَ بقول سُفْيَان هَذَا فَهُوَ عندنا شاك، نَحْنُ المؤمنون هنا وعند الله حقا، قَالَ وكيع: وَنَحْنُ نقول بقول سُفْيَان، وقول أَبِي حنيفة عندنا جرأة.
2- أَخْبَرَنَا عَليّ بن محمد بن عبد الله المعدل، أَخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثنا الحميديّ، حدّثنا حمزة بن الحارث ابن عُمَيْر عن أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رجلا يسأل أَبَا حنيفة في المسجد الحرام عن رجل قَالَ: أشهد أن الكعبة حق، ولكن لا أدري: هِيَ هذه التي بمَكَّة أم لا؟ فَقَالَ: مؤمن حقا. وسأله عن رجل. قَالَ: أشهد أن مُحَمَّد بن عَبْد الله نبي ولكن لا أدري: هُوَ الَّذِي قبره بالمدينة أم لا؟ فَقَالَ: مؤمن حقا. قَالَ الحُمَيْدِيّ: ومن قَالَ هَذَا فقد كفر.
قَالَ: وَكَانَ سُفْيَان يحدث بِهِ عن حمزة بن الحارث.
3- أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العَبَّاس الخزاز .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَسْنُونِ النرسي، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاج قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَاغَنْدِي ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كُنْت عند عَبْد الله بن الزُّبَيْر، فأتاه كتاب أَحْمَد بن حَنْبَل: اكتب إليَّ بأشنع مسألة عن أَبِي حنيفة. فكتب إِلَيْهِ: حَدَّثَنِي الحارث بن عُمَيْر قَالَ: سمعت أبا حنيفة يقول: لو أن
رجلا: قَالَ أعرف لله بيتا ولا أدري أهو الَّذِي بمَكَّة أَوْ غيره، أمؤمن هُوَ؟ قَالَ نعم! ولو أن رجلا قَالَ: أعلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مات ولا أدري أدفن بالمدينة أَوْ غيرها، أمؤمن هُوَ؟ قَالَ: نعم! 4- قَالَ الحارث بن عُمَيْر ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لو أَنَّ شاهدين شهدا عند قاض أَنَّ فلان بن فلان طلق امرأته، وعلما جميعا أنهما شهدا بالزور، ففرق الْقَاضِي بينهما، ثُمَّ لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها؟ قَالَ: نعم! قَالَ: ثُمَّ علم الْقَاضِي بعد، أله أن يفرق بينهما؟ قَالَ: لا.
هكذا قال في هذا الرواية: عن عَبْد الله بن الزُّبَيْر الحُمَيْدِيّ عن الحارث بن عُمَيْر من غير أن يذكر ابنه بينهما.
5- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق وَأَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْن مُحَمَّدِ بْن شَاكِرٍ- زاد ابن رزق الزاهد. ثُمَّ اتفقا- قَالَ: حَدَّثَنَا رجاء بن السندي الخُرَاسَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ حمزة بن الحارث بن عُمَيْر ذكره عن أبيه قَالَ: قُلْتُ لأبي حنيفة- أَوْ قِيلَ لَهُ وَهُوَ يسمع- رجل قَالَ: أشهد أَنَّ الكعبة حق، غير أني لا أدري أهو هَذَا البيت الَّذِي يحج النَّاس إليه، ويطوفون حوله، أَوْ بيت بخُرَاسَان أمؤمن هَذَا؟ - وَقَالَ البرقاني: أمؤمن هُوَ؟ قَالَ:
نعم.
6- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَان الحَضْرَمِيّ- في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين- حدّثنا عامر بن إسماعيل، حَدَّثَنَا مؤمل عن سفيان الثوري قال: حَدَّثَنَا عباد بن كثير قَالَ: قُلْتُ لأبي حنيفة: رجل قَالَ أَنَا أعلم أن الكعبة حق، وأنها بيت الله، ولكن لا أدري هِيَ التي بمَكَّة، أَوْ هِيَ بخُرَاسَان، أمؤمن هُوَ؟ قَالَ: نعم مؤمن. قُلْتُ لَهُ:
فما تَقُولُ في رجل قَالَ: أَنَا أعلم أَنَّ محمدا رسول الله، ولكن لا أدري
هُوَ الَّذِي كَانَ بالمدينة من قريش أَوْ مُحَمَّد آخر، أمؤمن هُوَ؟ قَالَ: نعم. قَالَ مُؤَمِّل:
قَالَ سُفْيَان: وَأَنَا أقول: من شك في هَذَا فَهُوَ كافر.
7- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدثني علي بن عثمان بن نفيل، حدّثنا أبو مسهر، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن حمزة- وَسَعِيد يسمع- أَنَّ أَبَا حنيفة قَالَ: لو أَنَّ رجلا عَبْد هذه النعل يتقرب بها إلى الله، لم أر بذلك بأسا. فَقَالَ سَعِيد: هَذَا الكفر صراحا.
8- أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد الحَسَن بن مُحَمَّد بن حسنويه الكاتب- بأصبهان- أخبرنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عيسى بن مزيد الخشّاب، حدّثنا أحمد بن مهديّ بن محمّد بن رستم، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، حَدَّثَنِي عَبْد السَّلام- يعني ابن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بن عيسى بن علي قَالَ: قَالَ لي شريك : كفر أَبُو حنيفة بآيتين من كتاب الله تعالى، قَالَ الله تعالى: وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
[البينة 5] وَقَالَ الله تعالى: لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ
[الفتح 4] وزعم أَبُو حنيفة أَنَّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وزعم أَنَّ الصَّلاة ليست من دين الله.
9- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله السراج- بنيسابور- أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطّرائفيّ، حدّثنا عثمان بن سعيد الدّارميّ، حَدَّثَنَا محبوب بن موسى الأنطاكي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاق الفزاري يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حنيفة يَقُولُ: إيمان أَبِي بَكْر الصديق، وإيمان إبليس واحد، قَالَ إبليس يا رب، وَقَالَ أَبُو بَكْر الصديق يا رب. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: ومن كَانَ من المرجئة ثُمَّ لم يقل هَذَا. انكسر عليه قوله.
10- أخبرنا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الحُمَيْدِيّ عن أَبِي صالح الفَرَّاء عن الفزاري قَالَ: قَالَ أَبُو حنيفة: إيمان آدم، وإيمان إبليس واحد. قَالَ إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي
[الحجر 39] ، وقال: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*
[الحجر 36] وقال آدم: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا
[الأعراف 23] .
11- حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطيب الدسكري- لفظا بحلوان- أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم السهمي- بجرجان- حَدَّثَنَا أَبُو شافع معبد بن جمعة الروياني ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن هشام بن طويل قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِم بن عُثْمَان يَقُولُ: مر أَبُو حنيفة بسكران يبول قائما، فَقَالَ أَبُو حنيفة: لو بلت جالسا؟ قَالَ: فنظر في وجهه، وَقَالَ: ألا تمر يا مرجئ؟ قَالَ لَهُ أَبُو حنيفة: هَذَا جزائي منك؟ صيرت إيمانك كإيمان جبريل! 12- أخبرنا ابن رزق، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن سلم، حَدَّثَنَا أحمد بن على الأبار، حدّثنا عبد الأعلى بن واصل، حدّثنا أبي، حَدَّثَنَا ابن فضيل عن الْقَاسِم بن حبيب قَالَ: وضعت نعلي في الحصى ثُمَّ قُلْتُ لأبي حنيفة: أرأيت رجلا صلى لهذه النعل حَتَّى مات، إِلا أَنَّهُ يعرف الله بقلبه؟ فَقَالَ: مؤمن. فَقُلْتُ: لا أكلمك أبدا.
13- أَخْبَرَنِي الخلّال، حَدَّثَنَا عَليّ بن عُمَر بن مُحَمَّد المشتري، حدّثنا محمّد بن جعفر الأدمي حدّثنا أحمد بن عبيد، حدّثنا طاهر بن محمّد، حَدَّثَنَا وكيع قَالَ:
اجتمع سُفْيَان الثوري، وشريك، وَالحَسَن بن صالح، وابن أَبِي ليلى، فبعثوا إلى أَبِي حنيفة. قَالَ: فأتاهم. فقالوا لَهُ: ما تَقُولُ في رجل قتل أباه، ونكح أمه، وشرب الخمر في رأس أبيه، فَقَالَ: مؤمن، فَقَالَ لَهُ ابن أَبِي ليلى: لا قبلت لك شهادة أبدا، وَقَالَ لَهُ سُفْيَان الثوري: لا كلمتك أبدا، وَقَالَ لَهُ شريك: لو كَانَ لي من الأمر شيء لضربت عنقك، وَقَالَ لَهُ الحَسَن بن صالح: وجهي من وجهك حرام، أن أنظر إلى وجهك أبدا.
14- أخبرنا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن حرب. وَأَخْبَرَنَا ابن الفضل أيضا، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، حدّثنا محمّد بن موسى البربريّ ، حدّثنا ابن الغلابي عن سليمان ابن حرب قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْن زيد قَالَ: جلست إلى أَبِي حنيفة، فذكر سَعِيد بن جُبَيْر، فانتحله في الإرجاء. فَقُلْتُ: يا أَبَا حنيفة من حدثك؟ قَالَ: سالم الأفطس. قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: سالم الأفطس كَانَ مرجئا ولكن حَدَّثَنِي أيوب. قَالَ: رآني سَعِيد بن جُبَيْر جلست إلى طلق، فَقَالَ: ألم أرك جلست إلى طلق؟ لا تجالسه. قَالَ حَمَّاد: وَكَانَ طلق يرى الإرجاء. قَالَ: فَقَالَ رجل لأبي حنيفة: يا أَبَا حنيفة ما كَانَ رأي طلق؟
فأعرض عَنْهُ، ثُمَّ سأله فأعرض عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: ويحك كَانَ يرى العدل- واللفظ لحديث ابن الغلابي.
15- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن سليمان المؤدّب- بأصبهان- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ قَالَ: حَدَّثَنَا سلامة بن محمود القيسي- بعسقلان- حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ: سمعت أبا مسهر يقول: كان أبو حنيفة رأس المرجئة.
16- أَخْبَرَنَا الحَسَن بن الحُسَيْن بن العباس النعالي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ابن سلم، حدّثنا أحمد بن علي الأبار، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّد بن عَبْد الله بن يزيد المُقْرِئ عن أبيه قَالَ: دعاني أَبُو حنيفة إلى الإرجاء.
17- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن سليمان الحضرمي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بن يزيد المُقْرِئ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: دعاني أبو حنيفة إلى الإرجاء، فأبيت.
18- أخبرنا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، حدّثنا أحمد بن الخليل، حَدَّثَنَا عبدة قَالَ: سَمِعْتُ ابن المبارك- وذكر أَبَا حنيفة- فَقَالَ رجل: هَلْ كَانَ فيه من الهوى شيء؟ قَالَ: نعم! الإرجاء.
19- وَقَالَ يعقوب: حدّثنا أبو جزي عَمْرو بن سَعِيد بن سالم قَالَ: سَمِعْتُ جدي قَالَ: قُلْتُ لأبي يُوسُف؟ أكان أَبُو حنيفة مرجئًا؟ قَالَ: نعم! قُلْتُ: أكان جهميا؟ قَالَ: نعم. قلت: فأين أَنْتَ منه؟ قَالَ: إنما كَانَ أَبُو حنيفة مدرسا. فما كَانَ من قوله حسنا قبلناه، وما كَانَ قبيحا تركناه عَلَيْهِ.
20- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَرَ بْن بُكير الْمُقْرِئ، أَخْبَرَنَا عثمان بن أحمد بن سمعان الرزاز، حدّثنا هيثم بن خلف الدّوريّ، حدّثنا محمود بن غيلان، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعِيد عن أَبِيهِ قَالَ: كُنْت مَعَ أمير المؤمنين- موسى- بجرجان ومعنا أَبُو يُوسُف، فسألته عن أَبِي حنيفة فَقَالَ: وما تصنع بِهِ وقد مات جهميا.
21- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل بْنِ عُمَرَ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الطويل النّيسابوريّ، حدّثنا أبو حامد بن بلال، حدّثنا ابن سختويه بن مازيار، حَدَّثَنَا عَليّ بن عُثْمَان قَالَ: سَمِعْتُ زنبورا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حنيفة يَقُولُ:
قدمت علينا امْرَأَة جهم بن صَفْوَان فأدبت نساءنا.
22- أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن سلم الختلي، حدّثنا أحمد بن علي الأبار، حدّثنا منصور بن أبي مزاحم، حَدَّثَنِي أَبُو الأخنس الكِنَانِيّ قَالَ: رَأَيْت أَبَا حنيفة- أَوْ حَدَّثَنِي الثقة أَنَّهُ رأى أَبَا حنيفة- آخذا بزمام بعير مولاة للجهم، قدمت خراسان، يقود جملها بظهر الكوفة يمشي.
[و] قد حكي عن بِشْر بن الوليد عن أَبِي يُوسُف أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يذم جهما ويعيب قوله.
23- أخبرنا الخلّال، أَخْبَرَنَا الحريري أَنَّ عَليّ بن مُحَمَّد النخعي حدثهم قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن بن مكرم، حدثنا بشر بْن الوليد قَالَ: سمعت أبا يُوسُف يَقُولُ:
قَالَ أَبُو حنيفة: صنفان من شر النَّاس بخُرَاسَان، الجهمية والمشبهة، وربما قَالَ: والمقاتلية.
24- وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عَفَّان، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد ابن عَبْد الرَّحْمَن الحماني عن أَبِيهِ، سَمِعْتُ أَبَا حنيفة يَقُولُ: جهم بن صَفْوَان كافر.
وَلَيْسَ عندنا شك في أَنَّ أَبَا حنيفة يخالف المعتزلة في الوعيد، لأنه مرجئي. وفي خلق الأفعال، لِأَنَّهُ كَانَ يثبت القدر.
25- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، أخبرنا أحمد بن علي الأبار، حدّثنا أبو يحيى بن المُقْرِئ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: رَأَيْت رجلا- أحمر كَأَنَّهُ من رجال الشَّام- سَأَلَ أَبَا حنيفة فَقَالَ: رجل لزم غريما لَهُ، فحلف لَهُ بالطلاق أن يعطيه حقه غدا، إِلا أن يحول بينه وبينه قضاء الله عَزَّ وَجَلَّ. فَلَمَّا كَانَ من الغد جلس عَلَى الزنا وشرب الخمر؟ قَالَ: لم يحنث، ولم تطلق منه امرأته.
26- حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن محمود السمناني- من حفظه- حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد الحَسَن بن أَبِي عَبْد الله السمناني، حدّثنا الحسين بن رحمة الويمي، حدّثنا محمّد بن شجاع الثلجي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سماعة عن أَبِي يُوسُف قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حنيفة يَقُولُ: إِذَا كلمت القدري فإنما هُوَ حرفان، إما أن يسكت، وإما أن يكفر. يُقَال لَهُ: هَلْ علم الله في سابق علمه أن تكون هذه الأشياء كما هِيَ؟ فإن قَالَ لا، فقد كفر، وإن قَالَ نعم، يُقَال لَهُ: أفأراد أن تكون كما علم، أَوْ أراد أن تكون بخلاف ما علم؟ فإن قَالَ أراد أن تكون كما علم، فقد أقر أَنَّهُ أراد من المؤمن الإيمان، ومن الكافر الكفر، وإن قَالَ: أراد أن تكون بخلاف ما علم، فقد جعل ربه متمنيا متحسرا، لأن من أراد أن يكون ما علم أَنَّهُ لا يكون، أَوْ لا يكون ما علم أَنَّهُ يكون، فَإِنَّهُ متمَنٍّ متحسر. ومن جعل ربه متمنيا متحسرا فَهُوَ كافر.
27- أَخْبَرَنَا عَليّ بن أبي علي البصريّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الكاغدي، أخبرنا أبو محمّد الحارثي، حدّثنا داود بن أبي العوّام، حدّثنا أبي عن يحيى ابن نصر قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة يفضل أَبَا بَكْر وَعُمَر، ويحب عليا وَعُثْمَان، وَكَانَ يؤمن بالأقدار، ولا يتكلم في القدر، وَكَانَ يمسح عَلَى الخفين، وَكَانَ من أعلم النَّاس في زمانه وأتقاهم.
وأَمَّا القول بخلق القرآن، فقد قِيلَ: إِنَّ أَبَا حنيفة لم يكن يذهب إليه، والمشهور عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يقوله واستتيب منه. فَأَمَّا من رَوَى عَنْهُ نفي خلقه.
28- فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أحمد بن رزق، حدثنا علي بن أحمد بن محمد القزويني، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بن شَيْبَان الرَّازِيّ العَطَّار- بالري- قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَد بن الحسن البزمقي قَالَ: سَمِعْتُ الحكم بن بشير يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَان بن سَعِيد الثوري والنعمان بن ثابت يقولان: القُرْآن كلام الله غير مخلوق.
29- أخبرنا القاضي أبو جعفر السمناني، حدّثنا الحسين بن أبي عبد الله السمناني، حدّثنا الحسين بن رحمة الويمي، حدّثنا محمّد بن شجاع الثلجي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سماعة عن أَبِي يُوسُف قَالَ: ناظرت أَبَا حنيفة ستة أشهر، حَتَّى قَالَ: من قَالَ: القُرْآن مخلوق فَهُوَ كافر.
30- أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا أحمد بن الصّلت، حَدَّثَنَا بِشْر بن الوليد عن أَبِي يُوسُف عن أَبِي حنيفة قَالَ: من قَالَ القُرْآن مخلوق فَهُوَ مبتدع، فلا يقولن أحد بقوله، ولا يصلين أحد خلفه.
31- وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا نجيح بن إبراهيم، حدثني ابن كرامة- وراق أبي بكر ابن أَبِي شَيْبَة- قَالَ: قدم ابن مبارك عَلَى أَبِي حنيفة. فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفة: ما هَذَا الَّذِي دب فيكم؟ قَالَ لَهُ رجل يُقَال لَهُ جهم، قَالَ: وما يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ القُرْآن مخلوق، فَقَالَ أَبُو حنيفة: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً
[الكهف 5] .
32- وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر المروذي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حنبل يَقُولُ: لم يصح عندنا أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يَقُولُ القُرْآن مخلوق.
33- وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن شاذان الجَوْهَرِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَان الجَوْزَجَانيّ، وَمُعَلَّى بن منصور الرَّازِيّ يقولان: ما تكلم أَبُو حنيفة ولا أَبُو يُوسُف، ولا زُفَر، ولا مُحَمَّد، ولا أحد من أصحابهم في القُرْآن، وإنما تكلم في القُرْآن بِشْر المريسي، وابن أَبِي دؤاد، فهؤلاء شانوا أصحاب أَبِي حنيفة.
ذكر الروايات عمن حكى عن أبي حنيفة القول بخلق القرآن:
34- أَخْبَرَنَا البرقاني، حدثني محمّد بن العبّاس الخزّاز ، حدّثنا جعفر بن
محمّد الصندلي، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن عم ابن منيع، حدّثنا إسحاق بن عبد الرّحمن، حَدَّثَنَا حسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال: أول من قال القرآن مخلوق أَبُو حنيفة.
35- كتب إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بن عُثْمَان الدمشقي، حدّثنا عبد العزيز بن أبي طاهر قَالَ: أخبرنا أبو الميمون البجلي، حَدَّثَنَا أَبُو زرعة عَبْد الرَّحْمَن بْن عمرو، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن الوليد قال: سمعت أبا مسهر يقول: قال سلمة بن عمرو الْقَاضِي- على المنبر-: لا رحم الله أبا حنيفة! فإنه أول من زعم أن القرآن مخلوق.
36- أخبرنا العتيقي، أَخْبَرَنَا جعفر بن مُحَمَّد بن علي الطاهري، حدّثنا أبو القاسم البغوي ، حدّثنا زياد بن أيّوب، حَدَّثَنِي حسن بن أبي مالك- وكان من خيار عباد الله- قال: قلت لأبي يوسف الْقَاضِي: ما كان أَبُو حنيفة يقول في القرآن؟ قال: فقال: كان يقول القرآن مخلوق. قال: قلت. فأنت يا أبا يوسف؟ فقال لا. قال أَبُو القاسم: فحدثت بهذا الحديث الْقَاضِي البرتي فقال لي: وأي حسن كان وأي حسن كان؟! يعني الحسن بن أبي مالك. قال أَبُو القاسم: فقلت للبرتي هذا قول أبي حنيفة؟ قال: نعم المشئوم. قال: جعل يقول أحدث بخلقي.
37- أخبرني الحسن بن محمد الخلال قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، حَدَّثَنَا عُمَر بن الحسن الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بن إسحاق، حدّثنا نصر بن علي، حدّثنا الأصمّعي، حَدَّثَنَا سعيد بن سلم الباهلي قال: قلنا لأبي يوسف: لم لم تحَدَّثَنَا عن أبي حنيفة؟ قال: ما تصنعون به؟ مات يوم مات يقول القرآن مخلوق.
38- أخبرني محمّد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت مسدد بن قطن يقول:
سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن عبد الحميد يقول: سمعت عشرة كلهم ثقات يقولون: سمعنا أبا حنيفة يقول: القرآن مخلوق.
39- حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله الحسين بن شجاع الصوفي، أَخْبَرَنَا عُمَر بن جعفر بن مُحَمَّد بن سلم الختلي، حدّثنا يعقوب بن يوسف المطوعي، حدّثنا حسين بن الأسود، حدّثنا حسين بن عبد الأول ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بن حماد بن أبي حنيفة قال، هو قول أبي حنيفة: القرآن مخلوق.
40- أخبرني الخلّال، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا عمر بن الحسين القاضي ، حدّثنا عبّاس بن عبد العظيم، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن يونس قال: كان أَبُو حنيفة، في مجلس عيسى بن عيسى. فقال: القرآن مخلوق. قال فقال: أخرجوه، فإن تاب وإلا فاضربوا عنقه.
41- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن وهب البندار، حدّثنا محمّد ابن العبّاس- يعني المؤدّب- حدّثنا أبو محمّد- شيخ - له أَخْبَرَنِي أَحْمَد بن يونس قال: اجتمع ابن أبي ليلى وأبو حنيفة عند عيسى بن موسى العباسي والي الكوفة قال: فتكلما عنده، قال: فقال أَبُو حنيفة: القرآن مخلوق. قال: فقال عيسى لابن أبي ليلى: اخرج فاستتبه، فإن تاب وإلا فاضرب عنقه.
42- أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا دَعْلَجِ بْنِ أَحْمَدَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأبار، حَدَّثَنَا سفيان بن وكيع قال: جاء عُمَر بن حماد بن أبي حنيفة، فجلس إلينا، فقال: سمعت أبي حمادا يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبي حنيفة فسأله عن القرآن.
فقال: مخلوق، فقال: تتوب وإلا أقدمت عليك؟ قال فتابعه، فقال القرآن كلام الله، قال فدار به في الخلق يخبرهم أنه قد تاب من قوله القرآن مخلوق. فقال أبي: فقلت لأبي
حنيفة كيف صرت إلى هذا وتابعته؟ قال: يا بني خفت أن يقدم علي فأعطيته التقية.
43- أَخْبَرَنَا إبراهيم بن عُمَر البرمكي، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ الدّقّاق، حَدَّثَنَا عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى الجوهري، حَدَّثَنَا أَبُو بكر الأثرم قال: حَدَّثَنِي هارون بن إسحاق قال: سمعت إِسْمَاعِيل بن أبي الحكم يذكر عن عُمَر بن عبيد الطنافسي عن أبيه: أن حماد بن أبي سليمان بعث إلى أبي حنيفة: إني بريء مما تقول إلا أن تتوب؟ قال: وكان عنده ابن عيينة، فقال: أَخْبَرَنِي جار لي أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب.
44- أخبرنا الخلّال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: حدثنا عبد الله بن غنام، حدّثنا محمّد بن الشعر بن مالك بن مغول قال: سمعت إِسْمَاعِيل بن حماد بن أبي حنيفة يقول: قال أَبُو حنيفة: إن ابن أبي ليلى ليستحل مني ما لا أستحل من بهيمة.
45- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبيد الله الحنّائيّ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حدثني عمر بن الهيصم البزّاز، أَخْبَرَنَا عبد الله بن سعيد- بقصر ابن هبيرة- حَدَّثَنِي أبي أن أباه أخبره. أن ابن أبي ليلى كان يتمثل بهذه الأبيات:
إلى شنآن المرجئين ورأيهم ... عُمَر بن ذر، وابن قيس الماصر
وعتيبة الدباب لا نرضى به ... وأبو حنيفة شيخ سوء كافر
في أبيات ذكرها.
46- أخبرنا مُحَمَّد بن عبيد الله الحنائي، والحسن بن أبي بكر، ومحمّد بن عمر القرشيّ قالوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشافعي، حدّثنا محمّد بن يونس، حَدَّثَنَا ضرار بن صرد قال: حَدَّثَنِي سليم المقرئ ، حَدَّثَنَا سفيان الثوري قال: قال لي حماد بن أبي سليمان: أبلغ عني أبا حنيفة المشرك أني بريء منه حتى يرجع عن قوله في القرآن.
47- أخبرنا الحسين بن شجاع، أخبرنا عمر بْن جعفر بْن سلم، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن
علي الأبار، حدّثنا عبد الأعلى بن واصل، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم- ضرار بن صرد - قال: سمعت سليم بن عيسى المقرئ قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري يقول: سمعت حماد بن أبي سليمان يقول: أبلغوا أبا حنيفة المشرك إني من دينه بريء إلى أن يتوب. قال سليم: كان يزعم أن القرآن مخلوق.
48- أَخْبَرَنِي عبد الباقي بن عبد الكريم قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بن عمر الخلال، حدّثنا محمّد بن أحمد بن يعقوب، حَدَّثَنِي جدي قال: حَدَّثَنِي علي بن ياسر، حدثني عبد الرّحمن بن الحكم بن شتر بن سلمان عن أبيه- أو غيره وأكبر ظني أنه عن غير أبيه- قال: كنت عند حماد بن أبي سليمان إذ أقبل أَبُو حنيفة، فلما رآه حماد، قال: لا مرحبا ولا أهلا، إن سلم فلا تردوا عليه، وإن جلس فلا توسعوا له. قال: فجاء أَبُو حنيفة فجلس، فتكلم حماد بشيء، فرده عليه أَبُو حنيفة، فأخذ حماد كفا من حصى فرمى به.
49- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم، أخبرنا أحمد بن علي الأبار، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن إبراهيم قال: قيل لشريك، استتيب أَبُو حنيفة؟ قال: قد علم ذاك العواتق في خدورهن.
50- أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدثني الوليد قال: حدثني أبو مسهر، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن فليح المدني عن أخيه سليمان - وكان علامة بالناس-: أن الذي استتاب أبا حنيفة خالد القسري. قال:
فلما رأى ذلك أخذ في الرأي ليعمي به.
وروي أن يوسف بن عُمَر استتابه، وقيل إنه لما تاب رجع وأظهر القول بخلق القرآن، فاستتيب دفعة ثانية فيحتمل أن يكون يوسف استتابه مرة، وخالد استتابه مرة والله أعلم.
51- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ الْمُقْرِئُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري قالا: أَخْبَرَنَا عبد
العزيز بن جعفر الخرقي، حدّثنا علي بن إسحاق بن زاطيا ، حدّثنا أبو معمر القطيعيّ، حَدَّثَنَا حجاج الأعور عن قيس بن الربيع قال: رأيت يوسف بن عثمان أمير الكوفة أقام أبا حنيفة على المصطبة يستتيبه من الكفر.
52- أَخْبَرَنَا الحسين بن مُحَمَّد- أخو الخلّال- أخبرنا جبريل بن محمّد المعدل- بهمذان- حدّثنا محمّد بن حيويه النخاس حدّثنا محمود بن غيلان، حَدَّثَنَا يحيى بن آدم قال: سمعت شريكا يقول استتبت أبا حنيفة مرتين.
53- أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدثني الوليد ابن عتبة الدّمشقيّ- وكان ممن يهمه نفسه- حدّثنا أبو مسهر، حَدَّثَنَا يحيى بن حمزة- وسعيد بن عبد العزيز جالس- قال: حَدَّثَنِي شريك بن عبد الله - قاضي الكوفة- أن أبا حنيفة استتيب من الزندقة مرتين.
54- أَخْبَرَنَا علي بن مُحَمَّد بن عبد الله المعدل، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ- إجازة- حَدَّثَنِي أَبُو معمر قال:
قيل لشريك : مم استتبتم أبا حنيفة؟ قال: من الكفر.
55- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا أحمد بن عبد الله الورّاق، حدّثنا أبو الحسن علي ابن إسحاق بن عيسى بن زاطيا المخرمي قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيَّ يَقُولُ: سمعت معاذ بن معاذ. وأخبرنا ابن الفضل، أخبرنا عثمان بن أحمد
الدّقّاق ، حدّثنا سهل بن أبي سهل الواسطيّ، حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: استتبت أبا حنيفة من الكفر مرتين.
56- وأَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا أحمد بن علي الأبار، حدّثنا محمّد بن يحيى، حدّثنا نعيم بن حمّاد ، حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ قالا. وأخبرنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حَدَّثَنَا نعيم قَالَ:
سمعت معاذ بْن معاذ ويحيى بن سعيد يقولان: سمعنا سفيان يقول: استتيب أَبُو حنيفة من الكفر مرتين. وقال يعقوب مرارا.
57- أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا بشر بن موسى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: سمعت مؤملا يقول:
استتيب أَبُو حنيفة من الدهر مرتين.
58- أخبرنا أبو سعيد الحسن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن حسنويه الكاتب- بأصبهان- أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بن عيسى بن مزيد الخشّاب، حدّثنا أحمد بن مهديّ، حدّثنا عبد الله بن معمر ، حَدَّثَنَا مؤمل بن إِسْمَاعِيل قال:
سمعت سفيان الثوري يقول: إن أبا حنيفة استتيب من الزندقة مرتين.
59- وقال أحمد بن مهديّ: حدّثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني سلم بن عبد الله، حَدَّثَنَا جرير عن ثعلبة قال: سمعت سفيان الثوري- وذكر أبا حنيفة- فقال: لقد استتابه أصحابه من الكفر مرارا.
60- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حَدَّثَنَا الحميدي قال: سمعت سفيان- وهو ابن عيينة- يقول: استتيب أَبُو حنيفة من الدهر ثلاث مرات.
61- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم قال: حدّثنا الأبار، حدّثنا محمّد بن يحيى النّيسابوريّ، حَدَّثَنَا نعيم بن حماد قال: قال يحيى بن حمزة وسعيد بن عبد العزيز: استتيب أَبُو حنيفة من الزندقة مرتين.
62- أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر، أخبرنا عَبْد الله بن إسحاق البغوي ، حدّثنا الحسن بن عليل، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن الحسين- صاحب القوهي- قال: سمعت يزيد بن زريع قال: استتيب أَبُو حنيفة مرتين.
63- أَخْبَرَنَا ابن رزق والْبَرْقَانِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ ، حَدَّثَنَا جعفر بن مُحَمَّد بن شاكر. وأَخْبَرَنَا الحسين بن الصّوفيّ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، حدّثنا جعفر بن شاكر، حدّثنا رجاء- هو ابن السندي- قال: سمعت عبد الله بن إدريس يقول: استتيب أَبُو حنيفة مرتين. قال: وسمعت ابن إدريس يقول: كذاب من زعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
64- أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قَالَ: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت أسد بن موسى قال: استتيب أَبُو حنيفة مرتين.
65- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبَانٍ الْهِيتِيُّ ، حدّثنا أحمد بن سلمان النجاد ، حدثنا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حنبل قَالَ: قلت لأبي: كان أَبُو حنيفة استتيب؟ قال: نعم .
66- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن علي بن مخلد الوراق- لفظا- قال في كتابي عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن صالح الأسدي الفقيه المالكي قَالَ: سمعت أبا بكر بْن أَبِي داود السجستاني يوما وهو يقول لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه،
وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر لا تكون مسألة أصح من هذه. فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة .
ذكر ما حكي عن أبي حنيفة من رأيه في الخروج على السلطان :
1- أخبرنا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدثني صفوان بن صالح، حَدَّثَنَا عُمَر بن عبد الواحد قال: سمعت الأوزاعي يقول: أتاني شعيب بن إسحاق وابن أبي مالك وابن علاق وابن ناصح فقالوا: قد أخذنا عن أبي حنيفة شيئا، فانظر فيه، فلم يبرح بي وبهم حتى أريتهم فمما جاءوني به عنه أنه أحل لهم الخروج على الأئمة.
2- أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثني أبو شيخ الأصبهانيّ ، حَدَّثَنَا الأثرم. وأَخْبَرَنَا إبراهيم بن عُمَر البرمكي، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ الدّقّاق، حدّثنا عمر بن محمّد الجوهريّ، حدثنا أَبُو بكر الأثرم قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْد الله يقول: قال ابن المبارك:
ذكرت أبا حنيفة يوما عند الأوزاعي فأعرض عني، فعاتبته. فقال تجيء إلى رجل يرى السيف فِي أُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتذكره عندنا؟
3- أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ، أخبرنا أبو علي الحافظ، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن محمود الْمَرْوَزِيّ قَالَ: سمعت محمّد بن عبد الله ابن قهزاد يقول: سمعت أبا الوزير أنه حضر عبد الله بن المبارك، فروى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا، فقال له رجل: ما قول أبي حنيفة في هذا؟ فقال عبد الله: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وتجيء برجل كان يرى السيف فِي أُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.
4- أخبرنا ابن دوما النعالي ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن سلم، حَدَّثَنَا أحمد ابن علي الأبار، حدّثنا الحسن بن علي الحلواني ، حدّثنا أحمد بن محمّد، حَدَّثَنَا عبد العزيز بن أبي رزمة عن ابن المبارك قال: كنت عند الأوزاعي، فذكرت أبا الحنيفة، فلما كان عند الوداع قلت: أوصني، قال: قد أردت ذلك ولو لم تسألني، سمعتك تطري رجلا يرى السيف في الأمة. قال: فقلت: ألا أخبرتني؟
5- وقال الأبار: حَدَّثَنَا منصور بن أبي مزاحم، حَدَّثَنِي يزيد بن يوسف قال: قال لي أَبُو إسحاق الفزاري : جاءني نعي أخي من العراق- وخرج مع إبراهيم بن عبد الله الطالبي- فقدمت الكوفة، فأخبروني أنه قتل وأنه قد استشار سفيان الثوري وأبا حنيفة، فأتيت سفيان أنبئه مصيبتي بأخي، وأخبرت أنه استفتاك؟
قال: نعم، قد جاءني فاستفتاني، فقلت: ماذا أفتيته؟ قال: قلت: لا آمرك بالخروج ولا أنهاك، قال: فأتيت أبا حنيفة، فقلت له بلغني أن أخي أتاك فاستفتاك؟ قال: قد أتاني واستفتاني، قال: قلت: فبم أفتيته؟ قال: أفتيته بالخروج. قال: فأقبلت عليه فقلت: لا جزاك الله خيرا. قال: هذا رأيي. قال: فحدثته بحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرد لهذا، فقال هذه خرافة- يَعْنِي حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6- أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، أخبرنا ابن درستويه حَدَّثَنَا يَعْقُوب قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوان بْن صالح الدّمشقيّ، حَدَّثَنِي عُمَر بن عبد الواحد السلمي قال: سمعت إبراهيم بن مُحَمَّد الفزاري يحدث الأوزاعي قال: قتل أخي مع إبراهيم الفاطمي بالبصرة، فركبت لأنظر في تركته، فلقيت أبا حنيفة. فقال لي: من أين أقبلت وأين أردت؟ فأخبرته أني أقبلت من المصيصة وأردت أخا لي قتل مع إبراهيم، فقال: لو
أنك قتلت مع أخيك كان خيرا لك من المكان الذي جئت منه. قلت: فما منعك أنت من ذاك؟ قال: لولا ودائع كانت عندي وأشياء للناس ما استأنيت في ذلك.
7- أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي النّيسابوريّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المسيب قال: سمعت عبد الله بن خبيق قال:
سمعت الهيثم بن جميل يقول: سمعت أبا عوانة يقول: كان أَبُو حنيفة مرجئا يرى السيف. فقيل له: فحماد بن أبي سليمان؟ قال: كان أستاذه في ذلك.
8- أَخْبَرَنِي علي بن أَحْمَد الرزاز ، أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الموصلي قَالَ: حدّثنا الحسن بن الوضاح المؤدّب، حدّثنا مسلم بن أبي مسلم الحرقي، حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق الفزاري قال: سمعت سفيان الثوري والأوزاعي يقولان: ما ولد في الإسلام مولود أشأم على هذه الأمة من أبي حنيفة، وكان أَبُو حنيفة مرجئا يرى السيف. قال لي يوما: يا أبا إسحاق أين تسكن؟ قلت: المصيصة، قال: لو ذهبت حيث ذهب أخوك كان خيرا. قال: وكان أخو أبي إسحاق خرج مع المبيضة على المسودة فقتل.
أخبرنا ابن الفضل، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زياد النقاش أن مُحَمَّد بن علي أخبره عن سعيد بن سالم قال: قلت لقاضي القضاة أبي يوسف: سمعت أهل خراسان يقولون: إن أبا حنيفة جهمي مرجئ؟ قال لي: صدقوا، ويرى السيف أيضا.
قلت له: فأين أنت منه؟ فقال: إنما كنا نأتيه يدرسنا الفقه، ولم نكن نقلده ديننا.
ذكر ما حكي عنه من مستشنعات الألفاظ والأفعال:
1- أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العبّاس الخزّاز، حدثنا
محمّد بن القاسم البزّاز، حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي سعد قَالَ: حدثني أبو عبد الرّحمن عبد الخالق ابن منصور النيسابوري قال: سمعت أبا داود المصاحفي قال: سمعت أبا مطيع يقول: قال أَبُو حنيفة: إن كانت الجنة والنار مخلوقتين فإنهما تفنيان.
2- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الحسين بن الفضل، حدّثنا علي بن إبراهيم النجاد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق السراج قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي طالب يَقُولُ: سَمِعْتُ عبد الله ابن عثمان بن الرماح يقول: سمعت أبا مطيع البلخي يقول: سمعت أبا حنيفة يقول:
إن كانت الجنة والنار خلقتا فإنهما تفنيان. قال أَبُو مطيع: وكذب والله، قال السراج:
وكذب والله، قال النجاد: وكذب والله، قال تعالى: أُكُلُها دائِمٌ
[الرعد 35] قال ابن الفضل: وكذب والله.
قلت: هذا القول يحكي أن أبا مطيع كان يذهب إليه، لا أبا حنيفة، وكذب والله كل من قاله.
3- أخبرنا ابن رزق، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن سلم، حَدَّثَنَا أحمد بن علي الأبار، حدّثنا إبراهيم بن سعيد، حَدَّثَنَا محبوب بن موسى قال: سمعت يوسف ابن أسباط يقول: قال أَبُو حنيفة: لو أدركني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدركته لأخذ بكثير من قولي.
4- قَالَ: وسمعت أبا إسحاق يقول: كان أَبُو حنيفة يجيئه الشيء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخالفه إلى غيره.
5- أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد الحسن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن حسنويه الأصبهاني، أخبرنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عيسى الخشّاب، حدّثنا أحمد بن مهديّ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا عبد السّلام بن عَبْد الرَّحْمَن ، حَدَّثَنِي إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي قال: حَدَّثَنِي أَبُو إسحاق الفزاري قال: كنت آتي أبا حنيفة أسأله عن
الشيء من أمر الغزو. فسألته عن مسألة، فأجاب فيها، فقلت له: إنه يروى فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا وكذا؟ قال: دعنا من هذا؟
6- قَالَ: وسألته يوما آخر عن مسألة قال فأجاب فيها، قال فقلت له: إن هذا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه كذا وكذا، فقال: حك هذا بذنب خنزير.
7- أَخْبَرَنَا ابن دوما أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا الحسن بن علي الحلواني ، حدّثنا أبو صالح- يعني الفراء - حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق الفزاري قال: حدثت أبا حنيفة حديثا في رد السيف. فقال هذا حديث خرافة.
8- وقال الأبار: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حسان الأزرق قال: سمعت علي بن عاصم يقول: حَدَّثَنَا أبا حنيفة بحديث عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا آخذ به، فقلت:
عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لا آخذ به.
9- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي نصر النّرسيّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ بهتة البزّاز، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ ، حدّثنا موسى بن هارون ابن إسحاق، حدّثنا العبّاس بن عبد العظيم- بالكوفة- حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ بشر بن المفضل قَالَ: قُلْتُ لأَبِي حَنِيفَةَ: نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»
قَالَ: هَذَا رَجَزٌ.
10- قُلْتُ: قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَرَضَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ بَيْنَ حجرين. قال: هذيان.
11- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَحْمُودِيُّ- بِمَرْوَ- حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بن علي الحافظ، حدّثنا إسحاق بن منصور، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ لأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَقَالَ: هَذَا سَجْعٌ.
12- وَذُكِرَ لَهُ قَضَاءٌ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ- أَوْ قول مِنْ قَوْلِ عُمَرَ- فِي الْوَلاءِ فَقَالَ:
هَذَا قول شيطان.
13- أخبرنا ابن رزق، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن سلم، حَدَّثَنَا أحمد بن علي الأبار، حدّثنا محمّد بن يحيى النّيسابوريّ- بنيسابور- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرِ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَمْرِو بن أبي الحجّاج ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: كُنْتُ بِمَكَّةَ- وَبِهَا أَبُو حَنِيفَةَ- فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: فَمَا رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: ذَاكَ قَوْلُ شَيْطَانٍ. قَالَ: فَسَبَّحْتُ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ:
أَتَعْجَبُ؟ فَقَدْ جَاءَهُ رَجُلٌ قَبْلَ هَذَا فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ. قال: فَمَا رِوَايَةٌ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ؟
فَقَالَ: هَذَا سَجْعٌ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:
هَذَا مَجْلِسٌ لا أَعُودُ فِيهِ أَبَدًا.
14- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الملك القرشيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسين الرّازيّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إبراهيم النيسابوري سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ المروزيّ يقول: سمعت إسحاق يقول قال: قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: ذُكِرَ لأَبِي حَنِيفَةَ هَذَا الْحَدِيثُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الوضوء نصف الإيمان»
قال:
لتتوضأ مرتين حتى تستكمل الإيمان. قال إسحاق: فقال يَحْيَى بْنُ آدَمَ: الْوُضُوءُ نِصْفُ الإِيمَانِ، يَعْنِي نِصْفَ الصَّلاةِ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الصَّلاةَ إِيمَانًا، فَقَالَ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ
[البقرة 143] يَعْنِي صَلاتَكُمْ،
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُقْبَلُ صَلاةٌ إِلا بِطُهُورٍ»
فَالطُّهُورُ نِصْفُ الإِيمَانِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. إِذْ كَانَتِ الصَّلاةُ لا تَتِمُّ إِلا بِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: وَذُكِرَ لأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ مَنْ قَالَ لا أَدْرِي نِصْفَ الْعِلْمِ. قَالَ: فَلْيَقُلْ مَرَّتَيْنِ لا أَدْرِي حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْعِلْمَ. قَالَ يَحْيَى وتفسير
قَوْلِهِ لا أَدْرِي نِصْفَ الْعِلْمِ، لأَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا هُوَ أَدْرِي وَلا أَدْرِي، فَأَحَدُهُمَا نِصْفُ الآخَرِ.
15- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن سليمان المؤدب- بأصبهان- أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، حدّثنا سلامة بن محمود القيسي- بعسقلان- حدّثنا عمران بن موسى الطائي، حدّثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ، حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة قال: ما رأيت أجرأ على الله من أبي حنيفة، كان يضرب الأمثال لحديث رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيرده. بلغه أني أروي إن «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»
فجعل يقول: أرأيت إن كان في سفينة؟ أرأيت إن كانا في سجن؟ أرأيت إن كانا في سفر، كيف يفترقان؟
16- أَخْبَرَنَا ابن دوما ، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى السِّينَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مِنْ أَصْحَابِي مَنْ يَبُولُ قُلَّتَيْنِ، يَرُدُّ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ» .
17- أَخْبَرَنَا الخلال، حدّثنا عبد الله بن عثمان الصّفّار، حدّثنا محمّد بن مخلد، حدّثنا العبّاس بن محمّد بن إبراهيم بن شماس قال: سمعت وكيعا يقول: سأل ابن المبارك أبا حنيفة عن رفع اليدين في الركوع، فقال أَبُو حنيفة: يريد أن يطير، فيرفع يديه؟ قال وكيع: وكان ابن المبارك رجلا عاقلا، فقال ابن المبارك: إن كان طار في الأولى فإنه يطير في الثانية. فسكت أَبُو حنيفة ولم يقل شيئا.
18- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثنا الحميديّ قال: سمعت سفيان قال: كنت في جنازة أم خصيب بالكوفة، فسأل رجل أبا حنيفة عن مسألة من الصرف فأفتاه، فقلت: يا أبا حنيفة إن أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اختلفوا في هذه. فغضب وقال للذي استفتاه: اذهب فاعمل بها، فما كان فيها من إثم فهو على.
19- أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ محمد بن عثمان البجلي، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الفيّاض، حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الكريم الوساوسي ، حدّثنا عبد الله بن خبيق، حَدَّثَنَا أَبُو صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أَبُو حنيفة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعمائة حديث- أو أكثر- قلت له: يا أبا مُحَمَّد تعرفها؟ قال نعم. قلت: أَخْبَرَنِي بشيء منها: فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «للفرس سهمان، وللرجل سهم»
قال أَبُو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وأشعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه البدن وقال أَبُو حنيفة: الإشعار مُثْلَةٌ. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرقا» وقال أَبُو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر، وأقرع أصحابه. وقال أَبُو حنيفة القرعة قمار. وقال أَبُو حنيفة: لو أدركني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدركته لأخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن؟.
20- أَخْبَرَنَا ابن رزق، حَدَّثَنِي عثمان بن عُمَر بن خفيف الدراج، حدّثنا محمّد ابن إِسْمَاعِيل البصلاني.
21- وأَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصِ بْنِ الزَّيَّاتِ حدثكم عُمَر بن مُحَمَّد الكاغدي قالا: حَدَّثَنَا أَبُو السائب قال: سمعت وكيعا يقول: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث.
21- أَخْبَرَنِي علي بن أحمد الرّزّاز ، أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن سعيد الموصلي ، حدّثنا عيسى بن فيروز الأنباريّ، حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد، حَدَّثَنَا حماد بن سلمة- أو سمعته يقول-: أَبُو حنيفة استقبل الآثار واستدبرها برأيه.
22- أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد مُحَمَّد بن موسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثنا أبي، حَدَّثَنَا مؤمل قال: سمعت حماد بن سلمة يقول- وذكر أبا حنيفة- فقال: إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن فردها برأيه.
23- أخبرنا ابن دوما ، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حَدَّثَنَا محمود بن غيلان عن مؤمل قال: سمعت حماد بن سلمة يقول: أَبُو حنيفة هذا يستقبل السنة يردها برأيه.
24- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُّوثِيُّ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا أحمد بن بشر المرثدي، حدّثنا رجاء بن السندي سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ السَّرِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا عَوَانَةَ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ عِنْدَكَ كِتَابًا لأَبِي حَنِيفَةَ، أَخْرِجْهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ذَكَّرْتَنِي، فَقَامَ إِلَى صُنْدُوقٍ لَهُ فَاسْتَخْرَجَ كِتَابًا، فَقَطَّعَهُ قطعة قطعة فرمى به فقلت: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَالِسًا فَأَتَاهُ رَسُولٌ بِعَجَلَةٍ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ، كَأَنَّمَا قَدْ حَمُوا الْحَدِيدَ وَأَرَادُوا أَنْ يُقَلِّدُوهُ الأَمْرَ.
فَقَالَ يَقُولُ الأَمِيرُ: رَجُلٌ سَرَقَ وَدْيًا فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ- غَيْرُ مُتَعْتِعٍ- إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَاقْطَعُوهُ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ أَلا تَتَّقِي اللَّهَ؟. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنِ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلا كَثَرٍ» أَدْرِكِ الرَّجُلَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. فَقَالَ- غَيْرُ مُتَعْتِعٍ- ذَاكَ حُكْمٌ قَدْ مَضَى فَانْتَهَى، وَقَدْ قُطِعَ الرَّجُلُ. فَهَذَا مَا يَكُونُ لَهُ عِنْدِي كتاب.
25- أخبرنا ابن دوما ، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا الحسن بن علي الحلواني ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَسَأَلَهُ رَجْلٌ عَنْ رَجُلٍ سَرَقَ وَدْيًا فَقَالَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ»
قَالَ: أَيْشَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا بَلَغَنِي هَذَا، قُلْتُ: الرَّجُلُ الَّذِي أَفْتَيْتَهُ فَرُدَّهُ. قَالَ: دَعْهُ فَقَدْ جَرَتْ بِهِ الْبِغَالُ الشُّهْبُ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَخَافُ أَنْ تَكُونَ جرت بلحمه ودمه.
26- قال الْحُلْوَانِيُّ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا حَنِيفَةَ وَسُئِلَ عَنْ مُحْرِمٍ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلَبِسَ سَرَاوِيلَ. قَالَ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ!.
27- أَخْبَرَنَا ابْنُ دُومَا ، حدّثنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا أبو موسى عيسى بن عامر، حَدَّثَنَا عَارِمٌ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ، مُحْرِمٌ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلَبِسَ خُفًّا؟ قَالَ:
عَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي المحرم: «إذا لم يجد نعليه فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» .
28- أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الآبَنْدُونِيَّ يَقُولُ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي يَعْلَى أَحْمَد بْنِ عَلِيّ بْنِ الْمُثَنَّى. وَقُرِئَ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَكُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحجّاج، حدثنا حماد بن زيد قال: جلست إلى أَبِي حَنِيفَةَ بِمَكَّةَ.
فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَبِسْتُ سَرَاوِيلَ وَأَنَا مُحْرِمٌ، أَوْ قَالَ: لَبِسْتُ خُفَّيْنِ وَأَنَا مُحْرِمٌ- شَكَّ إِبْرَاهِيمُ- فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْكَ دَمٌ. قَالَ حَمَّادٌ: وَجَدْتُ نَعْلَيْنِ أَوْ وَجَدْتُ إِزَارًا؟ قَالَ لا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ. فَقَالَ: سَوَاءٌ وَجَدَ أَوْ لَمْ يَجِدْ. قَالَ حَمَّادٌ: فَقُلْتُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لمن لم يجد الإزار، والخفين لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ»
وحَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لم يجد الإزار والخفين لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ»
فَقَالَ بِيَدِهِ- وَحَرَّكَ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ- أَيْ لا شَيْءَ. قَالَ:
فَقُلْتُ لَهُ: فَأَنْتَ عَمَّنْ تَقُولُ؟ قَالَ:
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ وَجَدَ أَوْ لَمْ يَجِدْ- لَمْ يَذْكُرِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي حَدِيثِهِ حَدِيثَ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ- قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَتَلَقَّانِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا أَرْطَاةَ مَا تَقُولُ فِي مُحْرِمٍ لَبِسَ سراويل وَلَمْ يَجِدِ الإِزَارَ، وَلَبِسَ الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَجِدِ النعلين؟ قال: حدّثنا عمرو ابن دِينَارٍ عَنْ جَابِر بْن زَيْد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «السراويل لمن لم يجد
الإزار، والخفين لمن لم يجد النعلين»
قلت لَهُ: يَا أَبَا أَرْطَاةَ. مَا تَحْفَظُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لا.
وَحَدَّثَنِي نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ، والخفين لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ»
. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفين لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ» فَقُلْتُ: فَمَا بَالُ صَاحِبِكُمْ قَالَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: وَمَنْ ذَاكَ؟ وَصَاحِبُ مَنْ ذَاكَ؟ قَبَّحَ اللَّهُ ذَاكَ- لَفْظُ أَبِي يعلى.
29- أخبرنا ابن دوما ، حدّثنا نعيم بن حمّاد ، حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة قال: قدمت الكوفة، فحدثتهم عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زيد- يعني حديث ابن عباس- فقالوا: إن أبا حنيفة يذكر هذا عن جابر بن عبد الله قال: قلت: لا، إنما هو جابر بن زيد. قال: فذكروا ذلك لأبي حنيفة فقال: لا تبالون، إن شئتم صيروه عن جابر بن عبد الله، وإن شئتم صيروه عن جابر بن زيد.
30- أَخْبَرَنَا القاضي أبو عبد الله الصيمري، حدّثنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا علي بن صالح البغوي قال: أنشدني أبو عبد الله محمّد ابن يزيد الواسطيّ لأحمد بن المعدل:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
المائلين إلى القياس تعمدا ... والراغبين عن التمسك بالخبر
31- أنبأنا عبد الله بن يحيى السكري والحسن بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ النَّرْسِيُّ قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي أبو جعفر قال: حدّثنا أبو سلمة، حَدَّثَنَا أَبُو عوانة قال: سمعت أبا حنيفة يقول- وسئل عن الأشربة- قال: فما سئل عن شيء إلا قال: حلال، حتى سئل عن السكر. أو السكر- شك أَبُو جعفر- فقال: حلال. قال: قلت: يا هؤلاء إنها زلة عالم. فلا تأخذوا عنه.
32- أخبرنا محمّد بن محمّد بن حسنويه النّرسيّ، أخبرنا موسى بن عيسى
السّرّاج، حَدَّثَنَا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، حدثني إسحاق بن يعقوب المروزيّ، حدّثنا إسحاق بن راهويه، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن النضر قال: سمعت أبا حمزة السكري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: لو أن ميتا مات فدفن، ثم احتاج أهله إلى الكفن، فلهم أن ينبشوه فيبيعوه.
33- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن عَبْد العزيز البزاز- بهمذان- حدّثنا صالح بن أحمد التّميميّ الحافظ ، حدّثنا القاسم بن أبي صالح، حدّثنا محمّد بن أيّوب، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن بشار قَالَ: سمعت سُفْيَان بْن عيينة يقول: ما رأيت أحدا أجرأ على الله من أبي حنيفة. ولقد أتاه يوما رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا حنيفة قد أتيتك بمائة ألف مسألة، أريد أن أسألك عنها قال: هاتها. فهل سمعتم أحدا أجرأ من هذا؟ أخبرني عطاء بن السائب عن ابن أبي ليلى قال: لقد أدركت عشرين ومائة مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الأنصار، إن كان أحدهم ليسأل عن المسألة، فيردها إلى غيره، فيرد هذا إلى هذا، وهذا، إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول. وإن كان أحدهم ليقول في شيء وإنه ليرتعد. وهذا يقول: هات مائة ألف مسألة، فهل سمعتم بأحد أجرأ من هذا؟
ذكر ما قاله العلماء في ذم رأيه والتحذير عنه إلى ما يتصل بذلك من أخباره:
1- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبراهيم البزاز- بالبصرة- حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عثمان الفسوي، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا محمّد بن عوف، حدّثنا إسماعيل بن عبّاس الحمصي، حَدَّثَنَا هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الأمر في بني إسرائيل مستقيما حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم فقالوا بالرأي، فهلكوا وأهلكوا.
2- أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ،
حدّثنا بشر بن موسى، حدّثنا الحميديّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى ظهر فيهم المولدون، أبناء سبايا الأمم، فقالوا فيهم بالرأي، فضلوا وأضلوا. قال سفيان: ولم يزل أمر الناس معتدلا حتى غير ذلك أبو حنيفة بالكوفة، و [عثمان] البتي بالبصرة، وربيعة [بن أبي عبد الرّحمن] بالمدينة. فنظرنا فوجدناهم من أبناء سبايا الأمم.
3- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حَدَّثَنَا الحميدي قال: سمعت سفيان يقول: كان هذا الأمر مستقيما حتى نشأ أَبُو حنيفة بالكوفة، وربيعة بالمدينة والبتي بالبصرة. قال: ثم نظر إلي سفيان فقال:
فأما بلدكم فكان على قول عطاء. ثم قال سفيان: نظرنا في ذلك فظننا أنه كما قال هشام ابن عروة عن أبيه. إن أمر بني إسرائيل لم يزل مستقيما معتدلا حتى ظهر فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فقالوا فيهم بالرأي فضلوا وأضلوا. قال سفيان: فنظرنا فوجدنا ربيعة ابن سبي، والبتي ابن سبي، وأبو حنيفة ابن سبي، فنرى أن هذا من ذاك.
4- أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْنِ بْنِ رامين الأسترآباذي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن أبي توبة الصّوفيّ- بشيراز- حدّثنا علي بن الحسين بن معدان، حدّثنا أبو عمار الحسين بن حريث، حَدَّثَنَا الحميدي قال: قال سفيان بن عيينة: نظرنا فإذا أول من بدل هذا الشأن أَبُو حنيفة بالكوفة، والبتي بالبصرة، وربيعة بالمدينة. فنظرنا فوجدناهم من مولدي سبايا الأمم.
5- أنبأنا البرقاني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خميرويه الهرويّ، أخبرنا الحسين ابن إدريس قَالَ: قَالَ ابن عَمَّار: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ: نظرنا في سبايا الأمم في هذا الحديث فوجدنا منهم أبا حنيفة بالكوفة، وعثمان البتي بالبصرة، وذا ربيعة الرأي بالمدينة.
6- أخبرنا ابن الفضل، حدّثنا علي بن إبراهيم بن شعيب الغازي، حدّثنا محمّد ابن إسماعيل البخاريّ، حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا عَنْ حَمْدَوَيْهِ قَالَ: قُلْتُ لمحمّد بن
َمسلَمَةَ: مَا لِرَأْيِ النُّعْمَانِ دَخَلَ الْبُلْدَانَ كُلَّهَا إِلا الْمَدِينَةَ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ وَلا الطَّاعُونُ»
وَهُوَ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ.
7- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأزرق، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئُ أَنَّ أَبَا رَجَاءٍ الْمَرْوَزِيَّ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: قَالَ حَمْدَوَيْهِ بْنُ مَخْلَدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَدِينِيُّ- وَقِيلَ لَهُ: مَا بَالُ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ دَخَلَ هَذِهِ الأَمْصَارَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَى كُلِّ نَقَبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكٌ يَمْنَعُ الدَّجَّالَ مِنْ دُخُولِهَا»
وَهَذَا مِنْ كَلامِ الدَّجَّالِينَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَدْخُلْهَا. والله أعلم.
8- أخبرنا ابن الفضل، أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن جعفر بْن درستويه ، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدثني الحسن بن الصّبّاح، حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال: قال مالك: ما ولد فِي الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة.
وكان يعيب الرأي ويقول: قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد تم هذا الأمر واستكمل، فإنما ينبغي أن تتبع آثار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ولا تتبع الرأي، وإنه متى اتبع الرأي جاء رجل آخر أقوى منك فاتبعته. فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته، أرى هذا الأمر لا يتم.
9- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا أبو الأزهري النّيسابوريّ، حَدَّثَنَا حبيب كاتب مالك بن أنس عن مالك بن أنس قال: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس في الوجهين جميعا، في الأرجاء، وما وضع من نقض السنن.
10- أخبرني الأزهري، حدّثنا أبو الفضل الشّيباني، حدّثنا عبد الله بن أحمد الجصاص، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن بشر قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي يقول: ما أعلم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأي أبي حنيفة.
11- أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدّثنا
أَحْمَد بن يونس قال: سمعت نعيما يقول: قال سفيان: ما وضع في الإسلام من الشر ما وضع أَبُو حنيفة، إلا فلان. لرجل صلب.
12- أخبرني أبو الفرج الطناجيري، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَكَّائِيُّ بِالْكُوفَةِ، حدّثنا عبد الله بن زيدان، حدّثنا كثير بن محمّد الخيّاط، حَدَّثَنِي إسحاق بن إبراهيم- أَبُو صالح الأسدي- قال: سمعت شريكا يقول: لأن يكون في كل حي من الأحياء خمار خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة.
13- أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن عبد الله المعدل، أخبرنا محمّد بن أحمد بن الحسن، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ. وَأَخْبَرَنَا ابن دوما - واللفظ له- أخبرنا ابن سلم، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن علي الأبار قَالا: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْن أَبِي مُزَاحِمٍ قَالَ:
سمعت شريك بن عبد الله يقول: لو أن في كل ربع من أرباع الكوفة خمارا يبيع الخمر كان خيرا من أن يكون فيه من يقول بقول أبي حنيفة.
14- أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدثنا أبو بكر بن خلاد قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَن بن مهدي قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّاد بْن زَيْد يَقُولُ:
سَمِعْتُ أيوب- وذكر أَبُو حنيفة- فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ
[التوبة 32] .
15- أخبرنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ وأبو القاسم عبد الرّحمن ابن مُحَمَّد السراج وأبو سعيد مُحَمَّد بن موسى الصّيرفيّ قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصاغاني، حدّثنا سعيد بن عامر ، حَدَّثَنَا سلام بن أبي مطيع قال: كان أيوب قاعدا في المسجد الحرام، فرآه أَبُو حنيفة فأقبل نحوه، فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه قال لأصحابه: قوموا لا يعرنا بجربه قوموا، فقاموا فتفرقوا.
16- أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدّثنا الفضل ابن سهل، حَدَّثَنَا الأسود بن عامر عن شريك قال: إنما كان أبو حنيفة جربا.
17- أَخْبَرَنَا ابن رزق والْبَرْقَانِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكر، حدّثنا رجاء بن السندي قال:
سمعت سليمان بن حسان الحلبي يقول: سمعت الأوزاعي- ما لا أحصيه- يقول: عمد أَبُو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضها عروة عروة.
18- وأَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا الحسن بن علي ، حدّثنا أبو توبة، حَدَّثَنَا سلمة بن كلثوم- وكان من العابدين ولم يكن في أصحاب الأوزاعي أحيا منه- قال: قال الأوزاعي، لما مات أَبُو حنيفة: الحمد لله، إن كان لينقض الإسلام عروة عروة.
19- أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب. وأَخْبَرَنَا أَبُو سعيد بن حسنويه، أخبرنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عيسى الخشّاب، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مهدي قالا: حَدَّثَنَا نعيم بن حمّاد ، حَدَّثَنَا إبراهيم بن مُحَمَّد الفزاري قال: كنا- وفي حديث ابن مهدي كنت- عند سفيان الثوري إذ جاء نعي أبي حنيفة. فقال:
الحمد لله الذي أراح المسلمين منه. لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام منه.
20- وأخبرنا ابن حسنويه، أخبرنا الخشّاب، حدّثنا أحمد بن مهديّ، حدّثنا أحمد ابن إبراهيم، حدثني سليمان بن عبد الله، حَدَّثَنَا جرير عن ثعلبة قال:
سمعت سفيان الثوري يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام منه.
21- أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ- بساوة- حدّثنا عبد الله بن جعفر- المعروف بصاحب الخان، بأرمية- قَالَ: حدّثنا محمّد بن إبراهيم الديبلي، حدّثنا علي
ابن زيد ، حدّثنا علي بن صدفة قال: سمعت مُحَمَّد بن كثير قال:
سمعت الأوزاعي يقول: ما ولد مولود في الإسلام أضر على الإسلام من أبي حنيفة.
22- أَخْبَرَنَا أبو العلاء محمّد بن الحسن الورّاق، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن كامل الْقَاضِي . وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمر النّرسيّ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، أخبرنا عبد الملك ابن محمّد بن عبد الله الواعظ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن الفضل بن خزيمة قالوا: حدّثنا أبو إسماعيل الترمذي، حدّثنا أبو توبة، حَدَّثَنَا الفزاري قال:
سمعت الأوزاعي وسفيان يقولان: ما ولد في الإسلام مولود أشام عليهم- وقال الشافعي: شر عليهم- من أبي حنيفة.
23- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا أيّوب بن محمّد الضّبّيّ سمعت يحيى بن السكن البصري قال: سمعت حمادا يقول: ما ولد في الإسلام مولود أضر عليهم من أبي حنيفة.
24- أَخْبَرَنَا ابن رزق. أخبرنا عثمان بن أحمد ، حَدَّثَنَا حنبل بن إسحاق.
وأَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا بشر بن موسى قالا: حَدَّثَنَا الحميدي قال: سمعت سفيان يقول: ما ولد فِي الإسلام مولود أضر على الإسلام من أبي حنيفة.
25- أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا حامد بن محمّد الهرويّ، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن السامي، حدّثنا سعيد بن يعقوب، حدّثنا مؤمل بن إسماعيل ، حَدَّثَنَا عُمَر بن إسحاق قال: سمعت ابن عون يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة، إن كان لينقض عرى الإسلام عروة عروة.
26- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن محمّد بن بكير المقرئ، أَخْبَرَنَا عثمان بْن أَحْمَد بْن سمعان الرزاز، حدّثنا هيثم بن خلف، حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا المؤمل ،
حَدَّثَنَا عمرو بن قيس- شريك الربيع- قال: سمعت ابن عون يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة.
27- أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدّثنا سليمان ابن حرب، حَدَّثَنَا حماد بن زيد قال: قال ابن عون: نبئت أن فيكم صدادين يصدون عن سبيل الله. قال سليمان بن حرب: وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله.
28- أَخْبَرَنَا الخلال، حدثني يوسف بن عمر القواس، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله العلاف المستعيني، حدّثنا علي بن حرب، حدّثنا أبّان بن سفيان، حَدَّثَنَا حماد بن زيد قال: ذكر أَبُو حنيفة عند البتي فقال: ذاك رجل أخطأ عصم دينه كيف يكون حاله.
29- أَخْبَرَنَا إبراهيم بن محمّد بن سليمان الأصبهانيّ، أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، حدّثنا سلامة بن محمود القيسي- بعسقلان- حدّثنا إبراهيم بن أبي سفيان، حَدَّثَنَا الفريابي قال: سمعت سفيان يقول، قيل لسوار: لو نظرت في شيء من كلام أبي حنيفة وقضاياه؟ فقال: كيف أنظر في كلام رجل لم يؤت الرفق في دينه؟
30- أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مخلد المعدل، حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَكِيمِيُّ ، حدّثنا القاسم بن المغيرة الجوهريّ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ الأَصَمُّ قَالَ: سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ- فِي الْعِرَاقَ- بِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ. قَالَ:
الْهَلَكَةُ فِي الدِّينِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ.
31- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حَدَّثَنَا جعفر بن مُحَمَّد بن الحسن الْقَاضِي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حدّثنا أبو معمر، حَدَّثَنَا الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك بن أنس: أيتكلم برأي أبي حنيفة عندكم؟
قلت: نعم! قال: ما ينبغي لبلدكم أن تسكن.
32- أَخْبَرَنَا علي بن مُحَمَّد المعدل، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل، حَدَّثَنَا أَبُو معمر عن الوليد بن مسلم
قال: قال لي مالك بن أنس: أيذكر أَبُو حنيفة ببلدكم؟ قلت: نعم! قال: ما ينبغي لبلدكم أن تسكن.
33- أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد العتيقي والحسين بن جعفر السلماسي والحسن بن علي الجوهري قالوا: أَخْبَرَنَا علي بن عبد العزيز البرذعي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حاتم الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا ابن أبي سريج قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس- وقيل له: تعرف أبا حنيفة؟ - فقال: نعم! ما ظنكم برجل لو قال: هذه السارية من ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب، وهي من خشب أو حجارة؟ قال أَبُو مُحَمَّد: يعني أنه كان يثبت على الخطأ ويحتج دونه ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له.
34- أنبأنا علي بن محمّد المعدل، أخبرنا أبو علي بن الصّوّاف، أخبرنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا منصور بن أبي مزاحم قال: سمعت مالك بن أنس- وذكر أبا حنيفة- فقال: كاد الدين، كاد الدين.
35- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا أبو بكر الشّافعيّ، حَدَّثَنَا جعفر بن مُحَمَّد بن الحسن الْقَاضِي قَالَ: سمعت منصور بن أبي مزاحم يقول: سمعت مالكا يقول: إن أبا حنيفة كاد الدين ومن كاد الدين فليس له دين.
36- وقال جعفر: حَدَّثَنَا الحسن بن علي الحلواني قال: سمعت مطرفا يقول:
سمعت مالكا يقول: الداء العضال، الهلاك في الدين، وأبو حنيفة من الداء العضال.
37- أَخْبَرَنِي أَبُو الفرج الطناجيري، حَدَّثَنَا عُمَر بْن أحمد الواعظ، حدّثنا محمّد ابن زكريا العسكريّ، حدّثنا علي بن زيد الفرائضيّ، حَدَّثَنَا الحنيني قال: سمعت مالكا يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة.
38- أَخْبَرَنِي حَمْزَة بْن مُحَمَّد بْن طاهر الدقاق، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا محمّد بن مخلد بن حفص، حَدَّثَنَا أَبُو زكريا يحيى بن عاصم الكوفي، حَدَّثَنَا أَبُو بلال الأشعري قال: سمعت أبا يوسف الْقَاضِي يقول: كنا عند هارون، أنا وشريك، وإبراهيم بن أبي يحيى، وحفص بن غياث قال: فسأل هارون عن مسألة، فقال إبراهيم بن أبي يحيى: حَدَّثَنَا صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال: وقال شريك: حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر ابن الخطاب. وقال حفص: حَدَّثَنَا الأعمش عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ
عبد الله. قال: وقال لي أنا: ما تقول أنت؟ قال: قلت قال أَبُو حنيفة. قال فقال: خاك بسر.
قلت: تفسيره تراب على رأسك.
39- أَنْبَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ، أخبرنا أبو محمّد حاجب ابن أحمد الطّوسيّ، حَدَّثَنَا عبد الرحيم بْن منيب قَالَ: قَالَ عفان: سمعت أبا عوانة قال: اختلفت إلى أبي حنيفة حتى مهرت في كلامه ثم خرجت حاجا فلما قدمت أتيت مجلسه، فجعل أصحابه يسألونني عن مسائل وكنت عرفتها وخالفوني فيها، فقلت: سمعت من أبي حنيفة على ما قلت، فلما خرج سألته عنها فإذا هو قد رجع عنها. فقال: رأيت هذا أحسن منه، قلت: كل دين يتحول عنه فلا حاجة لي فيه. فنفضت ثيابي ثم لم أعد إليه.
40- وأخبرنا أحمد بن الحسن، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدّثنا عبد الرحيم بن منيب، حَدَّثَنَا النضر بن مُحَمَّد قال: كنا نختلف إلى أبي حنيفة وشامي معنا، فلما أراد الخروج جاء ليودعه فقال: يا شامي تحمل هذا الكلام إلى الشام؟ فقال:
نعم! قال: تحمل شرا كثيرا.
41- أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدّثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم، حَدَّثَنَا أَبُو مسهر. وقرأت على الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي حَدَّثَنَا الحسن بن علي- قراءة عليه- أن دحيما حدثهم قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مسهر عن مزاحم بن زفر قال: قلت لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة هذا الذي تفتي، والذي وضعت في كتبك، هو الحق الذي لا شك فيه؟ قال: فقال: والله ما أدري لعله الباطل الذي لا شك فيه! 42- أَخْبَرَنَا علي بن القاسم بن الحسن البصريّ، حدّثنا علي بن إسحاق المادراني قال: سمعت العباس بن محمد يقول: سمعت أبا نعيم يقول: سمعت زفر يقول كنا نختلف إلى أبي حنيفة، ومعنا أَبُو يوسف، وَمُحَمَّد بن الحسن، فكنا نكتب عنه، قال زفر
فقال يوما أَبُو حنيفة لأبي يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمعه مني، فإني قد أرى الرأي اليوم فأتركه غدا، وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد.
43- أخبرني الخلّال، حدّثنا محمّد بن بكران، حدّثنا محمّد بن مخلد، حدّثنا حمّاد بن أبي عمر، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم قال: سمعت أبا حنيفة يقول لأبي يوسف: لا ترو عني شيئا، فإني والله ما أدري أمخطئ أنا أم مصيب؟
44- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا إبراهيم بن سعيد، حَدَّثَنَا عُمَر بن حفص بن غياث عن أبيه قال: كنت أجلس إلى أبي حنيفة فأسمعه يسأل عن مسألة في اليوم الواحد فيفتي فيها بخمسة أقاويل، فلما رأيت ذلك تركته وأقبلت على الحديث.
45- أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي طالب، حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حبابة، حدّثنا عبد الله بن محمّد البغوي ، حدّثنا ابن المقرئ، حَدَّثَنَا أبي قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت أفضل من عطاء، وعامة ما أحدثكم به خطأ.
46- أَخْبَرَنِي ابن الفضل، أخبرنا دَعْلَجِ بْنِ أَحْمَدَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأبار، حدّثنا محمود بن غيلان، حَدَّثَنَا ابن المقرئ قال: سمعت أبا حنيفة يقول: عامة ما أحدثكم به خطأ.
47- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد، حدّثنا حنبل، حدّثنا الحميديّ، حدّثنا وكيع، حَدَّثَنَا أَبُو حنيفة أنه سمع عطاء- إن كان سمعه-.
48- أخبرنا البرقاني، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الحبابي الخوارزمي- بها- قال: سمعت أبا مُحَمَّد عبد الله بن أبي القاضي يقول: سمعت مُحَمَّد بن حماد يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي النظر في كلام أبي حنيفة وأصحابه، وأنظر فيها وأعمل عليها؟ قال: لا، لا، لا، ثلاث مرات. قلت: فما تقول في النظر في حديثك وحديث أصحابك، أنظر فيها وأعمل عليها؟ قال: نعم، نعم، نعم ثلاث مرات. ثم قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ، فعلمني دعاء وقاله لي ثلاث مرات، فلما استيقظت نسيته.
49- أَخْبَرَنَا محمّد بن عبد الله الحنّائيّ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ،
حدّثنا محمّد بن إسماعيل السلمي ، حدّثنا أبو توبة الرّبيع بن نافع، حدّثنا عبد الله بن المبارك. قال: من نظر في كتاب الحيل لأبي حنيفة أحل ما حرم الله، وحرم ما أحل الله.
50- أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد اللَّه الحافظ النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ يقول: سمعت يحيى بن منصور الهروي يقول: سمعت أَحْمَد بْن سعيد الدارمي يقول: سمعت النضر بن شميل يقول: في كتاب الحيل كذا وكذا مسألة كلها كفر.
51- حدثني الأزهري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ، حدّثنا أحمد بن موسى الحزامي، حدّثنا هدبة- وهو ابن عبد الوهاب- حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق الطالقاني قَالَ: سمعت عَبْد الله بْن المبارك يقول: من كان عنده كتاب حيل أبي حنيفة يستعمله- أو يفتي به- فقد بطل حجه، وبانت منه امرأته. فقال مولى ابن المبارك: يا أبا عَبْد الرَّحْمَن ما أدري وضع كتاب الحيل إلا شيطان. فقال ابن المبارك: الذي وضع كتاب الحيل أشر من الشيطان.
52- أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ الدّقّاق، حدّثنا عمر بن محمّد الجوهريّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بكر الأثرم قال: حَدَّثَنِي زكريا بن سهل المروزي قال: سمعت الطالقاني أبا إسحاق يقول: سمعت ابن المبارك يقول: من كان كتاب الحيل في بيته يفتي به، أو يعمل بما فيه، فهو كافر بانت امرأته، وبطل حجه. قال: فقيل له: إن في هذا الكتاب إذا أرادت المرأة أن تختلع من زوجها ارتدت عن الإسلام حتى تبين، ثم تراجع الإسلام، فقال عبد الله من وضع هذا فهو كافر بانت منه امرأته، وبطل حجه. فقال له خاقان المؤذن: ما وضعه إلا إبليس. قال الذي وضعه عندي أبلس من إبليس.
53- وقال زكريا: أَخْبَرَنَا الحسين بن عبد الله النيسابوري قال: أشهد على
عبد الله- يعني ابن المبارك- شهادة يسألني الله عنها أنه قال لي: يا حسين قد تركت كل شيء رويته عن أبي حنيفة فأستغفر الله وأتوب إليه.
54- وقال زكريا: سمعت عبد الله وعلي بن شقيق كليهما يقول. قال ابن المبارك:
كنت إذا أتيت مجلس سفيان فشئت أن تسمع كتاب الله سمعته، وإن شئت أن تسمع آثار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعتها، وإن شئت أن تسمع كلاما في الزهد سمعته، وأما مجلس لا أذكر أني سمعت فيه قط صُلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمجلس أبي حنيفة.
55- أخبرني الخلّال، حدثني عبد الواحد بن علي الفامي، حَدَّثَنَا أَبُو سالم مُحَمَّد بن سعيد بن حماد قَالَ: قَالَ أَبُو داود سُلَيْمَان بْن الأشعث السجستاني قال ابن المبارك : ما مجلس ما رأيت ذكر فيه البني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط ولا يصلى عليه إلا مجلس أبي حنيفة، وما كنا نأتيه إلا خفيا من سفيان الثوري.
56- أَخْبَرَنِي أَبُو نصر أَحْمَد بن الحسين الْقَاضِي- بالدينور- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق السني الحافظ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن جعفر ، حدّثنا هارون بن إسحاق سمعت مُحَمَّد بن عبد الوهاب القناد يقول:
حضرت مجلس أبي حنيفة، فرأيت مجلس لغو، لا وقار فيه، وحضرت مجلس سفيان الثوري، فكان الوقار والسكينة والعلم فيه، فلزمته.
57- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد ابْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان الحضرمي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن الترمذي قَالَ: سمعت الفريابي يقول: سمعت الثوري ينهى عن مجالسة أبي حنيفة وأصحاب الرأي.
58- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبان التغلبي الهيتي ، حدّثنا أحمد بن سلمان النجاد ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن شاهين، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سهل قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن يوسف الفريابي يقول: كان سفيان ينهى عن النظر في رأي
أبي حنيفة. قال: وسمعت مُحَمَّد بن يوسف- وسئل هل روى سفيان الثوري عن أبي حنيفة شيئا؟ - قال: معاذ الله، سمعت سفيان الثوري يقول: ربما استقبلني أَبُو حنيفة يسألني عن مسألة، فأجيبه وأنا كاره، وما سألته عن شيء قط.
59- أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الدّاودي، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ابْنِ يَعْقُوبَ المقري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن حميد بْن الربيع ، حدّثنا محمّد ابن عمر بن دليل قال: سمعت مُحَمَّد بن عبيد الطنافسي يقول: سمعت سفيان- وذكر عنده أَبُو حنيفة- فقال: يتعسف الأمور بغير علم ولا سنة.
60- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: سمعت أبي يقول: ذكروا أبا حنيفة في مجلس سفيان فقال: كان يقال عوذوا بالله من شر النبطي إذا استعرب.
61- وقال: حَدَّثَنَا الأبار، حدّثنا إبراهيم بن سعيد، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: سئل قيس بن الربيع عن أبي حنيفة فقال: من أجهل الناس بما كان، وأعلمه بما لم يكن.
62- أخبرنا البرمكي ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ، حدّثنا محمّد ابن محمّد الجوهريّ، حدّثنا أبو بكر الأثرم، حدّثنا سنيد بن داود، حَدَّثَنَا حجاج قال: سألت قيس بن الربيع عن أبي حنيفة فقال: أنا من أعلم الناس به، كان أعلم الناس بما لم يكن وأجهلهم بما كان.
63- أخبرنا البرقاني، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن مُحَمَّد الآدمي ، حدّثنا محمّد بن علي الإيادي، حدّثنا زكريا بن يحيى السّاجي، حَدَّثَنَا بعض أصحابنا قال:
قال ابن إدريس: إني لأشتهي من الدنيا أن يخرج من الكوفة قول أبي حنيفة، وشرب المسكر، وقراءة حمزة.
64- وقال زكريا: سمعت مُحَمَّد بن الوليد البسري قال: كنت قد تحفظت قول أبي حنيفة، فبينا أنا يوما عند أبي عاصم، فدرست عليه شيئا من مسائل أبي حنيفة، فقال ما أحسن حفظك، ولكن ما دعاك أن تحفظ شيئا تحتاج أن تتوب إلى الله منه.
65- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا أحمد بن عبد الله العكي- أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وسمعت منه بمرو- قَالَ: حَدَّثَنَا مصعب بن خارجة بن مصعب سمعت حمادا يقول- في مسجد الجامع- وما علم أبي حنيفة؟ علمه أحدث من خضاب لحيتي هذه.
66- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن عبد الله الزجاجي الطبري، حَدَّثَنَا أَبُو يعلى عبد الله بن مسلم الدّبّاس، حدّثنا الحسين بن إسماعيل، حدّثنا أحمد بن محمّد ابن يحيى بن سعيد، حدّثنا يحيى بن آدم، حَدَّثَنَا سفيان بن سعيد وشريك بن عبد الله والحسن بن صالح. قالوا: أدركنا أبا حنيفة وما يعرف بشيء من الفقه، ما نعرفه إلا بالخصومات.
67- أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي طالب، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْن بّيّان الصّفّار، حدّثنا علي بن محمّد الفقيه المصريّ، حدثني عصام بن الفضل الرازي قَالَ:
سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: ناظر أَبُو حنيفة رجلا فكان يرفع صوته في مناظرته إياه. فوقف عليه رجل فقال الرجل لأبي حنيفة: أخطأت، فقال أَبُو حنيفة للرجل: تعرف المسألة ما هي؟ قال: لا قال فكيف تعرف أني أخطأت؟ قال: أعرفك إذا كان لك الحجة ترفق بصاحبك، وإذا كانت عليك تشغب وتجلب.
68- أخبرنا البرقاني، حدّثنا أَبُو يحيى زنجويه بن حامد بن حمدان النّصري الإسفراييني- إملاء- حَدَّثَنَا أَبُو العباس السراج قال: سمعت أبا قدامة يقول: سمعت سلمة بن سليمان قال: قال رجل لابن المبارك: كان أَبُو حنيفة مجتهدا، قال: ما كان بخليق لذاك، كان يصبح نشيطا في الخوض إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، فمتى كان مجتهدا؟.
69- وسمعت أبا قدامة يقول: سمعت سلمة بن سليمان يقول: قال رجل لابن المبارك: أكان أَبُو حنيفة عالما؟ قال: لا، ما كان بخليق لذاك، ترك عطاء وأقبل على أبي العطوف.
70- أخبرني الأزهري، حدّثنا محمّد بن العبّاس ، حدّثنا أبو القاسم بن بشار، حَدَّثَنَا إبراهيم بن راشد الأدمي قال: سمعت أبا ربيعة محمّد بن عوف يقول: سمعت حماد بن سلمة يكني أبا حنيفة أبا جيفة.
71- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد، حَدَّثَنَا حنبل بن إسحاق قال:
سمعت الحميدي يقول لأبي حنيفة- إذا كناه- أَبُو جيفة لا يكني عن ذاك، ويظهره في المسجد الحرام في حلقته والناس حوله.
72- أَخْبَرَنَا العتيقي، حدّثنا يوسف بن أحمد الصيدلاني، حدّثنا محمّد بن عمرو العقيلي، حَدَّثَنِي زكريا بن يحيى الحلواني قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن بشار العبدي بندارا يقول: قلما كان عَبْد الرَّحْمَن بن مهدي يذكر أبا حنيفة إلا قال: كان بينه وبين الحق حجاب.
73- أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ محمود المروزي- بها- حدثكم مُحَمَّد بن علي الحافظ قال: قيل لبندار- وأنا أسمع- أسمعت عَبْد الرَّحْمَن بن مهدي يقول: كان بين أبي حنيفة وبين الحق حجاب؟ فقال: نعم! قد قاله لي.
74- أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن بشار قال: سمعت عَبْد الرَّحْمَن يقول: بين أبي حنيفة وبين الحق حجاب.
75- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا سلمة بن شبيب، حَدَّثَنَا الوليد بن عتبة قال: سمعت مؤمل بن إِسْمَاعِيل قال: قال عُمَر بن قيس: من أراد الحق فليأت الكوفة فلينظر ما قال أَبُو حنيفة وأصحابه فليخالفهم.
76- أَخْبَرَنَا بشرى بن عبد الله الرومي، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر الخرقي، حدّثنا إسماعيل بن العبّاس الورّاق، حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم البغوي. وأَخْبَرَنَا أَبُو سعيد مُحَمَّد بْن حسنويه بْن إِبْرَاهِيمَ الأبيوردي، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثابت البزاز، حدثني إسحاق بن إبراهيم ، حدّثنا أبو
الجواب قال: قال لي عمار بن زريق: خالف أبا حنيفة فإنك تصيب. وقال بشرى:
فإنك إذا خالفته أصبت.
77- أَخْبَرَنَا ابن الفضل ، أخبرنا ابن درستويه ، حدّثنا يعقوب، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا بعض أصحابنا عن عمار بن زريق. قال: إذا سئلت عن شيء فلم يكن عندك شيء، فانظر ما قال أَبُو حنيفة فخالفه، فإنك تصيب.
78- أَخْبَرَنَا البرقاني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن خميرويه، أَخْبَرَنَا الحسين بن إدريس قَالَ: قَالَ ابن عمار: إذا شككت في شيء نظرت إلى ما قال أَبُو حنيفة فخالفته كان هو الحق- أو قال البركة في خلافه.
79- أَخْبَرَنِي عبد الله بن يحيى السكري، حدّثنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ، حدّثنا منصور بن محمّد الزّاهد، حدّثنا محمّد بن الصّبّاح، حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة قال: قال مساور الوراق:
إذا ما أهل رأي حاورونا ... بآبدة من الفتوى طريفه
أتيناهم بمقياس صحيح ... صليب من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه
فأجابه بعضهم بقوله:
إذا ذو الرأي خاصم عن قياس ... وجاء ببدعة هنة سخيفة
أتيناه بقول الله فيها ... وآيات محبرة شريفه
فكم من فرج محصنة عفيف ... أحل حرامها بأبي حنيفة؟
فكان أَبُو حنيفة إذا رأى مساورا الوراق أوسع له، وقال: هاهنا، هاهنا.
80- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حدّثنا أبو صالح هدبة بن عبد الوهاب المروزي، قال: قدم علينا شقيق البلخي، فجعل يطري أبا حنيفة، فقيل له: لا تطر أبا حنيفة بمرو، فإنهم لا يحتملونك. قال شقيق: أليس قد قال مساور الوراق:
إذا ما الناس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتوى طريفه
أتيناهم بمقياس تليد ... طريف من طراز أبي حنيفه
فقالوا له: أما سمعت ما أجابوه؟ قال: أجل:
إذا ذو الرأي خاصم في قياس ... وجاء ببدعة هنة سخيفة
أتيناه بقول الله فيها ... وآثار مبرزة شريفة
فكم من فرج محصنة عفيف ... أحل حرامها بأبي حنيفة؟
81- أَخْبَرَنَا ابن رزق، حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حَدَّثَنَا إدريس بن عبد الكريم قَالَ: سمعت يحيى بن أيوب قَالَ: حَدَّثَنَا صاحب لنا ثقة. قال: كنت جالسا عند أبي بكر بن عياش فجاء إِسْمَاعِيل بن حماد بن أبي حنيفة، فسلم وجلس، فقال أَبُو بكر: من هذا؟ فقال: أنا إِسْمَاعِيل يا أبا بكر، فضرب أَبُو بكر يده على ركبة إِسْمَاعِيل ثم قال: كم من فرج حرام إباحة جدك؟
82- أخبرنا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حَدَّثَنَا العباس بن صالح قال: سمعت أسود بن سالم يقول: قال أَبُو بكر بن عياش : سود الله وجه أبي حنيفة.
83- أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الواحد، أخبرنا محمّد بن العبّاس ، حدّثنا أحمد بن نصر الحافظ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حَدَّثَنَا أَبُو معمر قال: قال أَبُو بكر بن عياش : يقولون إن أبا حنيفة ضرب على القضاء، إنما ضرب على أن يكون عريفا على طرز حاكة الخزازين.
84- أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المقرئ، حدّثنا محمّد بن بكران البزّاز، حدّثنا محمّد بن مخلد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حفص- هو الدوري- قال: سمعت أبا عبيد يقول: كنت جالسا مع الأسود بن سالم في مسجد الجامع بالرصافة، فتذاكروا مسألة، فقلت: إن أبا حنيفة يقول فيها كيت وكيت، فقال لي الأسود: تذكر أبا حنيفة في المسجد؟ فلم يكلمني حتى مات.
85- أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ قال:
سمعت مُحَمَّد بن حامد البزاز يقول: سمعت الحسن بن منصور يقول: سمعت مُحَمَّد بن عبد الوهاب يقول: قلت لعلي بن عثام : أَبُو حنيفة حجة؟ فقال: لا للدين ولا للدنيا.
86- أَخْبَرَنَا أَبُو حازم عُمَر بن أَحْمَد بْنُ إبراهيم العبدوي الحافظ- بنيسابور- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الغطريف العبدي- بجرجان- حدّثنا محمّد بن علي البلخيّ، حدثني محمّد بن أحمد التّميميّ- بمصر- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جعفر الأسامي قال: كان أَبُو حنيفة يتهم شيطان الطاق بالرجعة، وكان شيطان الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ، قال: فخرج أَبُو حنيفة يوما إلى السوق، فاستقبله شيطان الطاق ومعه ثوب يريد بيعه. فقال له أَبُو حنيفة: أتبيع هذا الثوب إلى رجوع علي؟ فقال: إن أعطيتني كفيلا أن لا تمسخ قردا بعتك، فبهت أَبُو حنيفة. قال: ولما مات جعفر بن مُحَمَّد، التقى هو وأبو حنيفة، فقال له أَبُو حنيفة: أما إمامك فقد مات، فقال له شيطان الطاق: أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
87- أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن جعفر بن حبّان ، حدّثنا سلم بن عصام ، حَدَّثَنَا رسته عن موسى بن المساور قال: سمعت جبر- وهو [محمّد بن] عصام بن يزيد الأصبهاني- يقول:
سمعت سفيان الثوري يقول: أَبُو حنيفة ضال مضل.
88- أَخْبَرَنَا إبراهيم بن مُحَمَّد بن سليمان المؤدب الأصبهاني، أخبرنا أبو بكر المقرئ، حدّثنا سلامة بن محمود القيسي، حدّثنا أيّوب بن إسحاق بن سافري ، حَدَّثَنَا رجاء السندي قال: قال عبد الله بن إدريس: أما أَبُو حنيفة فضال مضل، وأما أَبُو يوسف ففاسق من الفساق.
89- وقال أيّوب بن شاذ بن يحيى الواسطي صاحب يزيد بن هارون قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما رأيت قوما أشبه بالنصارى من أصحاب أبي حنيفة.
90- أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي والحسن بن جعفر السلماسي والحسن بن علي الجوهري قالوا: أَخْبَرَنَا علي بن عبد العزيز البرذعي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بن أبي حاتم، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لي مُحَمَّد بن إدريس الشافعي: نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنة. قال أَبُو مُحَمَّد:
لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الخطأ.
91- وقال ابن أبي حاتم: حدثني الربيع بن سليمان المرادي قال: سمعت الشافعي يقول: أَبُو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله عليها.
92- وقال أيضا: حدّثنا أبي، حَدَّثَنَا هارون بن سعيد الأيلي قال: سمعت الشافعي يقول: ما أعلم أحدا وضع الكتاب أدل على عوار قوله من أبي حنيفة.
93- أخبرنا ابن رزق، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل الرقي، حَدَّثَنِي أَحْمَد بن سنان بن أسد القطان قال: سمعت الشافعي يقول:
ما شبهت رأي أبي حنيفة إلا بخيط السحارة يمد كذا فيجيء أخضر، ويمد كذا فيجيء أصفر.
94- أَخْبَرَنَا البرقاني، حدثني محمّد بن العبّاس أبو عمرو الخزّاز ، حَدَّثَنَا أَبُو الفضل جعفر بن مُحَمَّد الصندلي- وأثنى عليه أبو عمرو جدّا- حَدَّثَنِي المروذي أَبُو بكر أَحْمَد بن الحجاج سألت أبا عبد الله- وهو أَحْمَد بن حنبل- عن أبي حنيفة وعمرو بن عبيد. فقال: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد، لأن له أصحابا.
95- أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكِتَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حدّثنا أبو شيخ الأصبهانيّ ، حَدَّثَنَا الأثرم قال: رأيت أبا عبد الله مرارا يعيب أبا حنيفة ومذهبه، ويحكي الشيء من قوله على الإنكار والتعجب.
96- أخبرنا بشرى بن عبد الله الرّوميّ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدّثنا محمّد بن جعفر الرّاشدي، حدّثنا أبو بكر الأثرم قال: أخبرنا أَبُو عبد الله بباب في العقيقة، فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث مسندة، وعن أصحابه وعن التابعين. ثم قال: وقال أبو حنيفة: وهو من عمل الجاهلية. ويتبسم كالمتعجب.
97- أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الْقُرَشِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الحسين الرازي، حَدَّثَنَا محمود بن إسحاق بن محمود القواس- ببخارى- قال: سمعت أبا عمرو حريث بن عَبْد الرَّحْمَن يقول: سمعت مُحَمَّد بن يوسف البيكندي يقول: قيل لأحمد بن حنبل قول أبي حنيفة: الطلاق قبل النكاح؟ فقال: مسكين أَبُو حنيفة كأنه لم يكن من العراق، كأنه لم يكن من العلم بشيء. قد جاء فيه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن الصحابة، وعن نيف وعشرين من التابعين، مثل سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، وعكرمة. كيف يجترئ أن يقول تطلق.
98- أَخْبَرَنِي ابن رزق، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سلمان الفقيه المعروف بالنجاد ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا مهنى بن يحيى قال: سمعت أَحْمَد ابن حنبل يقول: ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء.
99- أخبرني البرقاني، حدثني محمّد بن أحمد الأدمي ، حدّثنا محمّد بن ابن علي الإيادي، حدّثنا زكريا بن يحيى السّاجي، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن روح قال:
سمعت أَحْمَد ابن حنبل يقول: لو أن رجلا ولي القضاء ثم حكم برأي أبي حنيفة، ثم سئلت عنه لرأيت أن أراد أحكامه.
100- أخبرني الحسن بن أبي طالب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نصر ابن لمك ، حَدَّثَنَا أَبُو الحسن علي بن إبراهيم النجاد- من لفظه- أخبرنا محمّد ابن المسيّب، حدّثنا أبو هبيرة الدّمشقيّ، حدّثنا أبو مسهر، حَدَّثَنَا خَالِد بْن يَزِيدَ بْن أَبِي مَالِك قَالَ: أحل أَبُو حنيفة الزنا، وأحل الربا، وأهدر الدماء، فسأله رجل:
ما تفسير هذا؟ فقال أما تحليل الربا فقال: درهم وجوزة بدرهمين نسيئة لا بأس به، وأما الدماء فقال: لو أن رجلا ضرب رجلا بحجر عظيم فقتله كان على العاقلة ديته، ثم تكلم في شيء من النحو فلم يحسنه، ثم قال: لو ضربه بأبا قبيس كان على العاقلة، قال وأما تحليل الزنا فقال: لو أن رجلا وامرأة أصيبا في بيت وهما معروفا الأبوين، فقالت المرأة: هو زوجي، وقال هو: هي امرأتي لم أعرض لهما. قال أَبُو الحسن النجاد: وفي هذا إبطال الشرائع والأحكام.
101- أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيّ، أخبرنا بشر بن أحمد الإسفراييني، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سيار الفرهياني قال: سمعت القاسم بن عبد الملك أبا عثمان يقول:
سمعت أبا مسهر يقول: كانت الأئمة تلعن أبا فلان على هذا المنبر ، وأشار إلى منبر دمشق. قال الفرهياني: وهو أبو حنيفة.
101 م- أخبرني الخلّال، حدّثنا أبو الفضل عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حدّثنا عبد الله بن عَبْد الرَّحْمَن أَبُو مُحَمَّد السكري، حَدَّثَنَا العباس بن عبيد الله الترقفي قال: سمعت الفريابي يقول: كنا في مجلس سعيد بن عبد العزيز بدمشق فقال رجل: رأيت فيما يرى النائم كأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دخل من باب الشرقي- يعني باب المسجد- ومعه أَبُو بكر وعمر، وذكر غير واحد من الصحابة، وفي القوم رجل وسخ الثياب رث الهيئة، فقال: تدري من ذا؟ قلت: لا، قال: هذا أَبُو حنيفة، هذا ممن أعين بعقله على الفجور. فقال له سعيد بن عبد العزيز: أنا أشهد أنك صادق، لولا أنك رأيت هذا. لم يكن الحسن يقول هذا.
102- أَخْبَرَنِي أَبُو الفتح مُحَمَّد بن المظفر بن إبراهيم الخيّاط، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن علي بن عطية المكي ، حدّثنا محمّد بن خالد الأمويّ، حدّثنا علي بن الحسن القرشيّ، حَدَّثَنَا علي بن حرب قال: سمعت مُحَمَّد بن عامر الطائي- وكان خيرا- يقول: ما رأيت في النوم كأن الناس مجتمعون على درج دمشق، إذا خرج شيخ ملبب بشيخ، فقال: أيها الناس إن هذا بدل دين مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقلت لرجل إلى جنبي: من ذان الشيخان، فقال: هذا أَبُو بكر الصديق ملبب بأبي حنيفة.
103- أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطيّ ، حدّثنا عبد الله ابن محمّد بن عثمان المزنيّ- بواسط- حدّثنا طريف بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي شيبة- وذكر أبا حنيفة- فقال: أراد كان يهوديا.
104- أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بن عُمَر البَرْمَكِيّ، حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن حمدان العكبريّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ الْمُعَافَى الْبَزَّازُ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيم الحَرْبِيّ يَقُولُ: وضع أَبُو حنيفة أشياء في العلم، مضغ الماء أحسن منها.
وعرضت يوما شيئا من مسائله عَلَى أَحْمَد بن حَنْبَل فجعل يتعجب منها. ثُمَّ قَالَ:
كَأَنَّهُ هو يبتدئ الإسلام.
105- أنبأنا ابن رزق، أخبرنا ابن سلم، أخبرنا الأبار، أخبرنا محمّد بن المهلب السّرخسيّ، حَدَّثَنَا عَليّ بن جرير قَالَ: كُنْت في الكوفة فقدمت البصرة- وبها ابن المبارك- فَقَالَ لي: كيف تركت النَّاس؟ قال: قُلْتُ: تركت بالكوفة قوما يزعمون أن أَبَا حنيفة أعلم مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: كفر. قُلْتُ: اتخذوك في الكفر إماما، قَالَ:
فبكى حَتَّى ابتلت لحيته يعني أَنَّهُ حدث عَنْهُ.
106- أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن عَليّ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه النَّيْسَابُورِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هانئ يقول: حدّثنا مسدد بن قطن، حدّثنا محمّد بن عتّاب الأعين ، حَدَّثَنَا عَليّ بن جرير الأبيوردي قَالَ: قدمت عَلَى ابن المبارك فَقَالَ لَهُ رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة، فَقَالَ أحدهما قَالَ أَبُو حنيفة، وَقَالَ الآخر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة أعلم بالقضاء. فَقَالَ ابن المبارك، أعد عَليّ: فأعاد عَلَيْهِ، فَقَالَ: كفر كفر. قلت: بك كفروا. وبك اتخذوا الكافر إماما. قَالَ: ولم؟ قُلْتُ: بروايتك عن أَبِي حنيفة، قَالَ: أستغفر الله من رواياتي عن أبي حنيفة.
107- أخبرني الحسن بن أبي طالب، أخبرنا أحمد بن محمّد بن يوسف ،.
حدّثنا محمّد بن جعفر المطيري- حدّثنا عيسى بن عبد الله الطّيالسيّ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيّ قَالَ: سَمِعْتُ ابن المبارك يَقُولُ: صليت وراء أَبِي حنيفة صلاة وفي نفسي منها شيء، قَالَ: وَسَمِعْتُ ابن المبارك يَقُولُ: كتبت عن أَبِي حنيفة أربعمائة حديث إذا رجعت إلى العراق إن شاء الله محوتها.
108- أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سليمان المؤدب ، أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، حدّثنا سلامة بن محمود القيسي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن حَمْدَوَيْه البِيكَنْدِيّ قَالَ:
سَمِعْتُ الحُمَيْدِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيم بن شَمَّاس يَقُولُ: كُنْت مَعَ ابن المبارك بالثغر، فَقَالَ: لئن رجعت من هذه لأخرجن أَبَا حنيفة من كتبي.
109- أخبرنا العتيقي، أخبرنا يوسف بن أحمد الصيدلاني، حدّثنا محمّد بن عمرو العقيلي، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن جناد، حدّثنا أبو بكر الأعين ، حدّثنا إبراهيم بن شماس قال: سمعت ابن المبارك يَقُولُ: اضربوا عَلَى حديث أَبِي حنيفة.
110- أَخْبَرَنَا عُبَيْد الله بن عُمَر الواعظ، حدّثنا أبي، حدّثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أبي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الأعين عن الحَسَن بن الربيع قَالَ: ضرب ابن المبارك عَلَى حديث أَبِي حنيفة قبل أن يموت بأيام يسيرة. كذا رواه لنا. وأظنه عن عَبْد الله بن أَحْمَد عن أَبِي بَكْر الأعين نفسه، وَاللَّه أعلم.
111- أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال:
سمعت أَبَا سَعِيد عَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد المقرئ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن الحُسَيْن البلخي يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَسَن بن شقيق يَقُولُ:
سَمِعْتُ أبي يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يقول: لحديث واحد من حديث الزُّهْرِيّ أحب إليَّ من جميع كلام أبي حنيفة.
112- أخبرنا ابن دوما ، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حَدَّثَنَا عَليّ بن خشرم عن عَليّ بن إِسْحَاق التِّرْمِذِي قَالَ: قَالَ ابن المبارك: كَانَ أَبُو حنيفة يتيما في الحديث.
113- أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيّ قال: قرئ على عمر بن بشران- وأنا أسمع- حدثكم عَليّ بن الحُسَيْن بن حبان، حدّثنا [أبي حَدَّثَنَا] عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبَّوَيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَهْب يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْد الله- هُوَ ابن المبارك- يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة يتيما في الحديث.
114- أَخْبَرَنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله المعدل، حدّثنا أبو علي بن الصّوّاف، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ- إجازة- حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا أبو قطن، حَدَّثَنَا أَبُو حنيفة، وَكَانَ زمنا في الحديث.
115- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الحُسَيْن الأزرق، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى الْكُوفِيُّ، حدّثنا أحمد بن حازم، أَخْبَرَنَا أَبُو غسان قَالَ: ذكرت للحسن بن صالح رجلا قد كان جالس أَبَا حنيفة من النخع. فَقَالَ: لو كَانَ أخذ من فقه النخع كَانَ خيرا لَهُ، انظروا عمن تأخذون.
116- أَخْبَرَنَا عَبْد الله بن يحيى السُّكَّري والحسن بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ النَّرْسِيُّ. قالوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حدّثنا محمّد بن يونس ، حَدَّثَنَا مُؤَمّل بن إِسْمَاعِيل - أَبُو عَبْد الرَّحْمَن- قال: سألت سفيان ابن عُيَيْنَةَ، قُلْتُ: يا أَبَا مُحَمَّد تحفظ عن أَبِي حنيفة شيئا؟ قَالَ: لا، ولا نعمة عين.
117- أخبرنا العتيقي، حدّثنا يوسف بن أحمد الصيدلاني، حدّثنا محمّد بن عمر العقيلي، حدّثنا محمّد بن أيّوب، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن نمير قال: سمعت أبي.
118- وأخبرنا البرمكي، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ، حدّثنا عمر بن محمّد الجوهريّ، حدّثنا أبو بكر الأثرم، حدّثنا يحيى بن محمّد بن صاعد، حَدَّثَنَا ابن نمير قَالَ: أدركت النَّاس وما يكتبون الحديث عن أبي حنيفة، فكيف الرأي؟
119- وأخبرنا العتيقي، حدّثنا يوسف بن أحمد، حدّثنا العقيلي، حدّثنا محمّد
ابن إسماعيل، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن حرب قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّاد بْن زيد يَقُولُ: سَمِعْتُ الحجاج بن أرطأة يَقُولُ: ومن أَبُو حنيفة؟ ومن يأخذ عن أَبِي حنيفة؟ وما أَبُو حنيفة؟.
120- أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيّ، أخبرنا محمّد بن العبّاس بن حيويه ، أخبرنا محمّد ابن مخلد، حدّثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا عَليّ- يعني ابن المَدينِي- قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى، هُوَ ابن سَعِيد القَطَّان- وذكر عنده أَبُو حنيفة- قَالُوا: كيف كَانَ حديثه؟ قَالَ: لم يكن بصاحب حديث.
121- أخبرنا الخلّال، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، أخبرنا علي بن محمّد ابن مهران السّوّاق، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حَمَّاد المُقْرِئ قَالَ: وسألت يَحْيَى بْن معين عَنْ أَبِي حنيفة فَقَالَ: وأيش كَانَ عند أَبِي حنيفة من الحديث حَتَّى تسأل عَنْهُ.
122- أَخْبَرَنَا الحَسَن بْن الحَسَن بْن المنذر الْقَاضِي وَالحَسَن بن أَبِي بَكْر البَزَّاز قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربيّ قَالَ:
سمعتُ أَحْمَد بْن حَنْبَل- وَسئل عَنْ مالك- فَقَالَ: حديث صحيح، ورأي ضعيف.
وسئل عن الأوزاعي فَقَالَ: حديث ضعيف، ورأي ضعيف، وسئل عن أَبِي حنيفة فَقَالَ: لا رأي ولا حديث. وسئل عن الشَّافِعِيّ فَقَالَ: حديث صحيح، ورأي صحيح.
123- سَمِعْتُ أَحْمَد بن عَليّ البادا يَقُولُ: قَالَ لي أَبُو بَكْر بن شاذان: قَالَ لي أَبُو بَكْر بن أَبِي دَاوُد : جميع ما رَوَى أَبُو حنيفة من الحديث مائة وخمسون حديثا أخطأ- أَوْ قَالَ غلط- في نصفها.
124- أنبأنا ابن دوما ، أخبرنا ابن سلم، حدّثنا الأبار، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن سَعِيد قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَة يَقُولُ: مر رجل عَلَى رقبة، فَقَالَ: من أَيْنَ أقبلت؟ قَالَ:
من عند أَبِي حنيفة. قَالَ: يمكنك من رأي ما مضغت، وترجع إلى أهلك بغير ثقة.
125- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد، أخبرنا حنبل بن إسحاق، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيّ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَان يَقُولُ: كُنَّا جلوسا. وأخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا
محمّد بن أحمد بن الحسن، حدّثنا بشر بن موسى، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيّ قَالَ: قَالَ سُفْيَان:
كُنْت جالسا عند رقبة بن مصقلة فرأى جماعة منجفلين فَقَالَ: من أَيْنَ؟ قَالُوا: من عند أَبِي حنيفة. فَقَالَ رقبة: يمكنهم من رأي ما مضغوا، وينقلبون إلى أهليهم بغير ثقة.
126- أَخْبَرَنَا العتيقي، حدّثنا يوسف بن أحمد، حدّثنا العتيقي، حدثني عبد الله ابن اللّيث المروزيّ، حدّثنا محمّد بن يونس الجمّال سَمِعْتُ يَحْيَى بن سَعِيد يَقُولُ: سَمِعْتُ شُعْبَة يقول: كف من تراب خير من أبي حنيفة.
127- أخبرنا البرمكي، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ، حدّثنا عمر بن محمّد الجوهريّ ، حدّثنا أبو بكر الأثرم، حدّثنا أبو عبد الله، حدّثنا عبد الرّحمن ابن مهدي قَالَ: سألت سُفْيَان عن حديث عاصم في المرتدة؟ فَقَالَ: أَمَّا من ثقة فلا، كَانَ يرويه أَبُو حنيفة. قَالَ أَبُو عَبْد الله: والحديث كَانَ يرويه أَبُو حنيفة عن عاصم عن أَبِي رزين عن ابن عَبَّاس في المرأة إِذَا ارتدت، قَالَ: تحبس ولا تقتل.
128- أَخْبَرَنَا عبيد الله بن عُمَر الواعظ، أخبرنا أبي، حدّثنا أحمد بن مغلس، حدّثنا مجاهد بن موسى، حَدَّثَنَا أَبُو سلمة منصور بن سلمة الخُزَاعِي قال: سمعت أبا بكر بن عياش وذكر حديث عاصم. فَقَالَ: والله ما سمعه أَبُو حنيفة قط.
129- أَخْبَرَنِي عَليّ بن أَحْمَد الرَّزَّاز، أخبرنا علي بن محمّد بن معبد الموصليّ، حدّثنا ياسين بن سهل، حدّثنا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا مُؤَمِّل قَالَ: ذكروا أَبَا حنيفة عند سُفْيَان الثوري، فَقَالَ: غير ثقة ولا مأمون، غير ثقة ولا مأمون.
130- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عُمَر بن بُكَيْر المقرئ، أَخْبَرَنَا عثمان بْن أَحْمَد بْن سمعان الرزاز، حدّثنا هيثم بن خلف، حدثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ قَالَ: ذكر أَبُو حنيفة عند الثوري وَهُوَ في الحجر، فَقَالَ: غير ثقة ولا مأمون، فلم يزل يَقُولُ حَتَّى جاز الطواف.
131- أَخْبَرَنَا أبو سعيد بن حسنويه، أخبرنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عيسى
الخشّاب، حدّثنا أحمد بن مهديّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن أَبِي اللَّيْث قَالَ: سَمِعْتُ الأشجعي غير مرة قَالَ: سَأَلَ رجل سُفْيَان عن أَبِي حنيفة فَقَالَ: غير ثقة، ولا مأمون غير ثقة ولا مأمون، غير ثقة ولا مأمون.
132- أخبرنا البرقاني، أخبرنا محمّد بن الحسن السّرّاجي، أخبرنا عبد الله بن أبي حاتم الرّازيّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن كثير العبدي يَقُولُ: كُنْت عند سُفْيَان الثوري فذكر حديثا. فَقَالَ رجل: حَدَّثَنِي فلان بغير هَذَا، فَقَالَ: من هُوَ؟
فَقَالَ: أَبُو حنيفة. قَالَ: أحلتني على غير ملئ.
133- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُّوثِيُّ، أخبرنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار، حَدَّثَنَا الحَسَن بن الفضل البوصرائي قَالَ: حَدَّثَنَا محمّد بن كثير العبدي، حَدَّثَنَا سُفْيَان الثوري قَالَ: رأيته وسأله رجل عن مسألة فأفتاه فيها، فَقَالَ لَهُ الرجل: إِنَّ فيها أثرًا. قَالَ لَهُ: عمن؟ قَالَ: عن أَبِي حنيفة. قَالَ: أحلتني عَلَى غير ملئ.
134- أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري، حَدَّثَنَا عَليّ بن أَحْمَد بن عَليّ الهَمَذَانِيّ- بها- قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بن الفضل الكندي قال: سمعت الحسن بن صاحب يقول: سمعت أبا سلمة الفقيه يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْد الرَّزَّاق يَقُولُ: ما كتبت عن أَبِي حنيفة إِلا لأكثر بِهِ رجالي، وكان يروي عنه نَيِّفًا وعشرين حديثا.
135- أَخْبَرَنَا عَليّ بن أَحْمَد بن عُمَر المقرئ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سألت أَبِي عن الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه- يعني مما يبتلى بِهِ من الأيمان في الطلاق وغيره، وفي مصره من أصحاب الرأي، ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي، فمن يسأل؟ أصحاب الرأي أَوْ هَؤُلاءِ- أعني أصحاب الحديث- عَلَى ما كَانَ من قلة معرفتهم؟ قَالَ: يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي.
ضعيف الحديث خير من رأي أبي حنيفة.
136- أخبرنا العتيقي، حدّثنا يوسف بن أحمد الصيدلاني، حدّثنا محمّد بن عمرو العقيلي، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن أَحْمَد قَالَ: سمعت أَبِي يَقُولُ: حديث أَبِي حنيفة ضعيف، ورأيه ضعيف.
137- وأخبرنا العتيقي، حدّثنا يوسف، حدّثنا العقيلي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد العُقَيْلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَد بن الحَسَن التِّرْمِذِي يَقُولُ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا أبي، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن جَعْفَر بن مُحَمَّد السبيعي، حدّثنا الفريابي جعفر ابن محمّد، حدثني أحمد بن الحسن الترمذي قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُولُ:
كَانَ أَبُو حنيفة يكذب، لم يقل العتيقي- كَانَ.
138- أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المطيري، حدّثنا علي بن إبراهيم البيضاوي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْجَارُودِ الرقي، حدثنا عباس بن محمد الدوري قَالَ: سمعت يَحْيَى بن معين يَقُولُ- وَقَالَ لَهُ رجل: أَبُو حنيفة كذاب- قَالَ:
كَانَ أَبُو حنيفة أنبل من أن يكذب، كَانَ صدوقا إِلا أن في حديثه ما في حديث الشيوخ.
139- أَخْبَرَنَا عُبَيْد الله بن عُمَر الواعظ، حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن يونس الأزرق، حَدَّثَنَا جعفر بن أبي عثمان قال: سمعت يَحْيَى- وسَأَلْتُهُ عن أَبِي يُوسُف وَأَبِي حنيفة- فقال: أبو يوسف أوثق منه في الحديث. قُلْتُ: فَكَانَ أَبُو حنيفة يكذب؟
قَالَ: كَانَ أنبل في نفسه من أن يكذب.
140- قرأت على البرقاني عن محمد بن العباس الخزاز، حدّثنا أحمد بن مسعدة الفزاريّ، حدّثنا جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز قَالَ:
سمعت يحيى بن معين يقول: كَانَ أَبُو حنيفة لا بأس بِهِ وَكَانَ لا يكذب. وسمعت يحيى يقول مرة أخرى: أَبُو حنيفة عندنا من أهل الصدق ولم يتهم بالكذب، ولقد ضربه ابن هُبَيْرَة عَلَى القضاء فأبَى أن يكون قاضيا.
141- أَخْبَرَنَا العتيقي، حَدَّثَنَا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأذني- بدمشق- أَخْبَرَنَا أَبُو الميمون عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّه البَجَلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ نصر بن مُحَمَّد البَغْدَادِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْن معين يَقُولُ: كَانَ مُحَمَّد بن الحَسَن كذابا وَكَانَ جهميا، وَكَانَ أَبُو حنيفة جهميا ولم يكن كذابا.
142- أخبرنا ابن رزق، حدّثنا أحمد بن علي بن عمرو بن حبيش الرازي قَالَ:
سمعت محمد بن أحمد بن عصام يقول: سمعت مُحَمَّد بن سعد العوفي يَقُولُ:
سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إِلا ما يحفظ ولا يحدث بما لا يحفظ.
143- أَخْبَرَنَا التنوخي، حدثني أبي، حدّثنا محمّد بن حمدان بن الصّبّاح، حدثنا أحمد بن الصلت الحماني قال: سمعت يَحْيَى بن معين- وَهُوَ يُسْأَلُ عن أَبِي حنيفة- أثقة هُوَ في الحديث؟ قَالَ: نعم ثقة ثقة. كَانَ والله أورع من أن يكذب، وَهُوَ أجل قدرا من ذَلِكَ.
144- أَخْبَرَنَا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، حدّثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية قَالَ: سئل يَحْيَى بن معين: هَلْ حدث سُفْيَان عن أَبِي حنيفة؟
قَالَ: نعم! كَانَ أَبُو حنيفة ثقة صدوقا في الحديث والفقه. مأمونًا عَلَى دين الله.
قُلْتُ: أَحْمَد بن الصلت هُوَ أَحْمَد بن عطية وَكَانَ غير ثقة.
145- أَخْبَرَنَا ابن رزق، أَخْبَرَنَا هبة الله بن محمد بن حبش الفراء، حدّثنا محمّد ابن عثمان بن أبي شيبة قَالَ: سمعت يحيى بن معين- وسئل عن أَبِي حنيفة- فَقَالَ: كَانَ يضعف في الحديث.
146- أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عَبْد الله الأَنْمَاطِي، أخبرنا محمّد بن المظفر، أخبرنا علي ابن أحمد ابن سليمان المقرئ، حَدَّثَنَا أحمد بن سعد بن أبي مريم قَالَ: وسألته- يعني يَحْيَى بن معين- عن أَبِي حنيفة فقال: لا تكتب حديثه.
147- أخبرني علي بن محمّد المالكي، أخبرنا عبد اللَّه بْن عُثْمَان الصفار، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمران الصّيرفيّ، حدثنا عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه المَدينِي قَالَ:
وَسألته- يعني أباه- عَنِ أَبِي حنيفة صاحب الرأي، فضعفه جدا، وقال: لو كان بين يدي ما سألته عن شيء، وروى خمسين حديثا أخطأ فيها.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري، أَخْبَرَنَا أبو بكر الشّافعيّ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر، حَدَّثَنَا ابن الغلابي قَالَ: أَبُو حنيفة ضعيف.
أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدّثنا سهل بن
أحمد الواسطيّ، حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: وأَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت صاحب الرأي لَيْسَ بالحافظ مضطرب الحديث، واهي الحديث، وصاحب هوى.
أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بن أَحْمَد الكتاني، حَدَّثَنَا عبد الوهاب بن جعفر الميداني قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي، حدّثنا القاسم بن عيسى العصار، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن يعقوب الجوزجاني قَالَ: أَبُو حنيفة لا تتبع لحديثه ولا رأيه.
أخبرنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن مهديّ البزّاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يعقوب بن شيبة، حَدَّثَنَا جدي قَالَ: أَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت صدوق ضعيف الحديث.
أَخْبَرَنَا أَبُو حازم العبدوي قَالَ: سمعت محمد بن عبد الله الجوزقي يقول: قرئ عَلَى مكي بن عبدان- وأنا أسمع- قيل لَهُ: سمعت مسلم بن الحجاج يَقُولُ: أَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت صاحب الرأي مضطرب الحديث، لَيْسَ لَهُ كبير حديث صحيح؟
أخبرنا البرقاني، أخبرنا أحمد بن سعد بن سعد، حدثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: أَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت كوفي لَيْسَ بالقوي في الحديث.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي، أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن محمد المفيد، حدّثنا محمّد بن معاذ أبو جعفر الفروي، حدّثنا أبو داود السنجي، حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن عَدِيّ قَالَ: وَأَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت التَّيْمِيّ- تيم بن ثعلبة مولى لهم- توفي ببغداد في سنة خمسين ومائة.
أخبرنا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بْن سفيان قَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْم: وَأَخْبَرَنَا ابن رزق وابن الفضل قَالا: حدّثنا دعلج بن أحمد أَخْبَرَنَا- وَفي حَدِيث ابْن رزق حَدَّثَنَا- أَحْمَد بْن عَليّ الأبار، حدّثنا يوسف بن معنى بن موسى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْم يَقُولُ: مات أَبُو حنيفة في سنة خمسين ومائة. وولد سنة ثمانين.
زاد يَعْقُوب وَكَانَ لَهُ يوم مات سبعون سنة.
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن يَحْيَى الطلحي، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة يَقُولُ: مات أَبُو حنيفة سنة خمسين ومائة.
وأخبرنا ابن الفضل، أخبرنا جعفر بن محمّد الخلدي، حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحَضْرَمِيّ قَالَ: مات أَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت مولى بني تيم بن ثعلبة سنة خمسين ومائة، وأخبرت أَنَّهُ كَانَ ابن سبعين، لفظهما سواء.
أخبرنا الحَسَن بن الحُسَيْن بن العبّاس، أخبرنا جدي العبّاس بن محمّد النعالي، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المدائنيّ، حَدَّثَنَا قعنب بن المحرر بن قعنب قَالَ: ومات أَبُو حنيفة بسوق يَحْيَى سنة خمسين ومائة.
أَخْبَرَنَا الصيمري، حدّثنا علي بن الحسن الرّازيّ، حدّثنا محمّد بن الحسين الزّعفرانيّ، حدّثنا أحمد بن زهير، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بن أَبِي شيخ قَالَ: الحَسَن بن عمارة صلى عَلَى أَبِي حنيفة وَهُوَ قاضي بَغْدَاد سنة خمسين ومائة.
أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر الواعظ، حدثني أبي، حدّثنا الحسين بن القاسم، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد واحمد بْن أَبِي مريم عن ابن عُفَيْر قَالَ: وفي سنة خمسين ومائة مات أَبُو حنيفة في رجب، وَهُوَ ابن سبعين سنة.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا علي بن إبراهيم المستملي.
وأخبرنا البرقاني، أَخْبَرَنَا حمزة بن مُحَمَّد بن عَليّ المامطيري قالا: حدّثنا محمّد ابن إبراهيم بن شعيب الغازي، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: أبو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت الكُوفِيّ مات سنة خمسين ومائة.
أخبرنا الأزهري، أخبرنا محمّد بن العبّاس، أخبرنا إبراهيم بن محمّد البيكندي، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بْن المثنى قَالَ: ومات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة.
أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر الواعظ وَالحُسَيْن بن عَليّ الطناجيري- قَالَ عبيد الله:
حَدَّثَنِي أَبِي وَقَالَ الآخر حَدَّثَنَا عمر بن أحمد الواعظ- حدّثنا الحسين بن صدقة.
وأخبرنا الصيمري، حدّثنا علي بن الحسن الرّازيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحُسَيْن الزَّعْفَرَانِيّ قَالا: حَدَّثَنَا ابن أَبِي خيثمة قَالَ: سمعت يحيى بن معين يَقُولُ: مات أَبُو حنيفة سنة إحدى وخمسين ومائة- زاد الزَّعْفَرَانِيّ ودفن في مقابر الخيزران.
أخبرنا الحسن بن أبي القاسم، أخبرنا أبو سَعِيد أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رميح النسوي، حَدَّثَنَا أَبُو عَليّ الحُسَيْن بن الحَسَن البَزَّاز- ببخاري- أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بن
أَحْمَد بن صَفْوَان السلمي قَالَ: سَمِعْتُ مكي بن إِبْرَاهِيم يَقُولُ: ومات أَبُو حنيفة في سنة ثلاث وخمسين ومائة.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا دعلج، أخبرنا أحمد بن علي الأبار، حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن، حَدَّثَنَا الْمَكِّيّ قَالَ: ومات أَبُو حنيفة في سنة ثلاث وخمسين ومائة، ولقيته بالكوفة، وببغداد، وبمكة، وَكَانَ أَبُو حنيفة خزازًا.
أَخْبَرَنَا الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ الضبي عن أَبِي العَبَّاس بن سَعِيد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن جموك بن خنجة البخاريّ، حدّثنا أبو عبد الله وهو محمّد ابن أَحْمَد بن حفص البُخَارِي قَالَ: قَالَ أَحْمَد بن عَبْد الله الأسلمي، حَدَّثَنَا الحَسَن بن يُوسُف- الرجل الصالح- قَالَ: يوم مات أَبُو حنيفة صلي عَلَيْهِ ستُّ مرار، من كثرة الزحام، آخرهم صلى عَلَيْهِ ابنه حَمَّاد، وغسله الحَسَن بن عمارة، ورجلٌ آخر.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر أَحْمَد بن الحسن الخرشي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدّثنا أبو قلابة الرقاشي، حَدَّثَنَا أَبُو عاصم قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَان الثوري- بمَكَّة- وَقِيلَ لَهُ: مات أَبُو حنيفة فَقَالَ: الحمد الله الذي عافانا مما ابتلى بِهِ كثيرا من النَّاس.
أَخْبَرَنَا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمّد بن علي الورّاق، حَدَّثَنَا مسدد قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عاصم يَقُولُ:
ذكر عند سُفْيَان موت أَبِي حنيفة فما سَمِعْتُهُ يَقُولُ رحمه الله ولا شيئا. قَالَ: الحمد لله الَّذِي عافانا مما ابتلاه بِهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن بكير المقرئ، أخبرنا الحسين بن أحمد الهرويّ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن محمّد بن ياسر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الوَهَّاب بن يَعْلَى الهرويّ، حَدَّثَنَا عَبْد الله بن مِسْمَعٍ الهَرَويّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الصَّمَد بن حسان يَقُولُ: لَمَّا مات أَبُو حنيفة قَالَ لي سُفْيَان الثوري: اذهب إلى إِبْرَاهِيم بن طهمان فبشره أن فتان هذه الأمة قد مات، فذهبت إِلَيْهِ فوجدته قائلا، فرجعت إلى سُفْيَان فَقُلْتُ: إِنَّهُ قائل، قَالَ:
اذهب فصح بِهِ! إِنَّ فتان هذه الأمة قد مات.
قُلْتُ: أراد الثوري أن يغم إِبْرَاهِيم بوفاة أَبِي حنيفة، لِأَنَّهُ عَلَى مذهبه في الإرجاء.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، حدّثنا عبد الرّحمن قال: سمعت علي بن المَدينِي قَالَ: قَالَ لي بِشْر بن أَبِي الأزهر النّيسابوريّ:
رأيت في المنام جنازة عليها ثوب أسود، وحولها قسيسين فَقُلْتُ: جنازة من هذه؟
فقالوا جنازة أبي حنيفة، حدثت بِهِ أَبَا يُوسُف فَقَالَ: لا تحدث بِهِ أحدا.
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، مولى لتيم الله ابن ثعلبة: ولد سنة ثمانين ومات ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملة أيضاً قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال علي أبي حنيفة.
وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان راوية إبراهيم وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر ين واثلة وسهل بن سعد الساعدي وجماعة من التابعين كالشعبي والنخعي وعلي بن الحسين وغيرهم، وقد مضى تاريخ وفاتهم، ولم يأخذ أبو حنيفة عن أحد منهم، وقد أخذ عنه خلق كثير نذكرهم في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملة أيضاً قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال علي أبي حنيفة.
وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان راوية إبراهيم وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر ين واثلة وسهل بن سعد الساعدي وجماعة من التابعين كالشعبي والنخعي وعلي بن الحسين وغيرهم، وقد مضى تاريخ وفاتهم، ولم يأخذ أبو حنيفة عن أحد منهم، وقد أخذ عنه خلق كثير نذكرهم في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
أبو بكر الصديق, رضوان الله عليه
- أبو بكر الصديق, رضوان الله عليه. اسمه: عبد الله, ويقال: عتيق بن أبي قحافة. واسم أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة, أمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. مات بالمدينة في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة, وصلى عليه عمر بن الخطاب.
- أبو بكر الصديق, رضوان الله عليه. اسمه: عبد الله, ويقال: عتيق بن أبي قحافة. واسم أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة, أمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. مات بالمدينة في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة, وصلى عليه عمر بن الخطاب.
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قال العجلي: سألت الفريابي ما تقول أبو بكر أفضل أو لقمان؟ قال: ما سمعت هذا إلا منك، أبو بكر أفضل من لقمان -رضي الله عنهما.
قال: عاتب الله الخلق في هذه الآية ما خلا أبا بكر الصديق {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} واسمه عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق من عتق وجهه، وكان أعلم قريش بأنسابها رضوان الله عليه.
قال: عاتب الله الخلق في هذه الآية ما خلا أبا بكر الصديق {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} واسمه عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق من عتق وجهه، وكان أعلم قريش بأنسابها رضوان الله عليه.
أبو بكر الصديق
- أبو بكر الصديق. عليه السلام. واسمه عبد الله بن أبي قحافة. وَاسْمُهُ عُثْمَان بْن عَامِرِ بْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بن مرة. وأمه أم الخير واسمها سلمى بنت صخر بْن عامر بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّة. وكان لأبي بَكْر من الولد عَبْد الله وأسماء ذات النطاقين وأمهما قُتَيْلَةُ بِنْت عَبْد الْعُزَّى بْن عَبْد أَسْعَدَ بْن نضر بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي. وعبد الرَّحْمَن وعائشة وأمهما أُمُّ رُومَانَ بِنْت عَامِرِ بْن عُوَيْمِرِ بْن عَبْد شَمْسِ بْن عَتَّابِ بْن أذينة بْن سبيع بْن دهمان بْن الْحَارِث بْن غنم بن مالك بن كنانة. ويقال بل هي أم رومان بنت عامر بن عميرة بن ذهل بْن دهمان بْن الْحَارِث بْن غنم بْن مالك بْن كنانة. ومحمد بْن أبي بَكْر وأمه أَسْمَاءُ بِنْت عُمَيْسِ بْن مَعْدِ بْن تَيْمِ بْن الْحَارِث بْن كعب بْن مالك بْن قحافة بْن عامر بْن مالك بْن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بْن أفتل. وهو خثعم. وأم كلثوم بِنْت أبي بَكْر وأمها حبيبة بِنْت خارجة بْن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بْن الخزرج. وكانت بها نسأ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْر ولدت بعده. . قَالَ: وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ: أَبُو قُحَافَةَ كَانَ اسْمُهُ عَتِيقًا. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ غَيْرُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: أَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصديق ما كَانَ اسْمُهُ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَإِنَّمَا كَانَ عَتِيقٌ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي لَقَبًا. قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينِ قَالَتْ: إِنِّي . . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ سَمَّيْتُمُوهُ الصِّدِّيقَ وَأَصَبْتُمُ اسْمَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ قَالَ: إِنَّا نُعَاتِبُ لا أَبَا لَكَ عُصْبَةً ... عَلَقُوا الْفِرَى وَبَرَوْا مِنَ الصِّدِّيقِ وَبَرَوْا سَفَاهًا مِنْ وَزِيرِ نَبِيِّهِمْ ... تَبًّا لِمَنْ يَبْرَا مِنَ الْفَارُوقِ إِنِّي عَلَى رَغْمَ العداة لقائل ... دانى بدين الصادق المصدوق أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَمَّى الأَوَّاهُ لِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. ذِكْرُ إِسْلامِ أَبِي بَكْرٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيِّ عَنْ أَبِي أَرْوَى الدَّوْسِيِّ قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ أسلم أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَسْلَمَ أَبِي أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَلا وَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ أَبِي إِلا وَهُوَ يَدِينُ الدين. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَقَلْتُ أَبَوَيَّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَمَا مَرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ قَطُّ إِلا وَرَسُولُ اللَّهِ يَأْتِينَا فِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِبِلالٍ: مَنْ سَبَقَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: مَنْ صَلَّى؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ إِنَّمَا أَعْنِي فِي الْخَيْلِ. قَالَ بِلالٌ: وَأَنَا إِنَّمَا أَعْنِي فِي الْخَيْرِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْرُوفًا بِالتِّجَارَةِ. لَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَكَانَ يُعْتِقُ مِنْهَا وَيُقَوِّي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِخَمْسَةِ آلافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ. ذِكْرُ الْغَارِ وَالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَكَانَ لأَبِي بَكْرٍ بَعِيرٌ. وَاشْتَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - بعيرا آخر فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا وركب أبو بكر بعيرا وركب آخَرَ فِيمَا يَعْلَمُ حَمَّادٌ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بعيرا. فكان رسول الله. ص. عَلَى بَعِيرِ أَبِي بَكْرٍ. وَيَتَحَوَّلُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى بَعِيرِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ. وَيَتَحَوَّلُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ إِلَى بَعِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِيهَا ثِيَابُ بَيَاضٌ مِنْ ثِيَابِ الشام فلبساها فدخلا المدينة في ثياب بياض. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أن عبد الله بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالطَّعَامِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا فِي الْغَارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي معمر عن الزهري عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ خُرُوجُ أَبِي بَكْرٍ لِلْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَمَعَهُمَا دَلِيلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ الدِّيلِيُّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْكُفْرِ وَلَكِنَّهُمَا أَمِنَاهُ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَطُوفِ الْجَزَرِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى حَبِيبِ بْنِ يَسَافٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: نَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: نَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسُّنْحِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. . . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: لَمَّا أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ جَعَلَ لأَبِي بَكْرٍ مَوْضِعَ دَارِهِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي صَارَتْ لآلِ معمر. قَالُوا: وَشَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَايَتَهُ الْعُظْمَى يَوْمَ تَبُوكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ سَوْدَاءَ وَأَطْعَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ مِائَةَ وَسْقٍ. وَكَانَ فِي مَنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد حين وَلَّى النَّاسُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ إِلَى نَجْدٍ وأمره علينا فَبَيَّتْنَا نَاسًا مِنْ هَوَازِنٍ فَقَتَلْتُ بِيَدَيَّ سَبْعَةَ أَهْلَ أَبْيَاتٍ. وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ. . . . . . . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ أَغْيَرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أبو بكر. . قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ أن النبي. ص. لَمْ يَحُجَّ عَامَ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَلَى الْحَجِّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ كَانَتْ فِي الإِسْلامِ. ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ. فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَابِلٍ. فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَلَى الْحَجِّ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عُمَرُ يَحُجُّ سِنِيهُ كُلَّهَا حَتَّى قُبِضَ فَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَلَى الْحَجِّ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْخَزَّازُ الْوَاسِطِيُّ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي صَدَقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بعد النبي ص أَهْيَبَ لِمَا لا يُعْلَمُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ أَهْيَبَ لِمَا لا يُعْلَمُ مِنْ عُمَرَ. وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَتْ بِهِ قَضِيَّةٌ لَمْ نَجِدْ لَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَصْلا وَلا فِي السُّنَّةِ أَثَرًا فَقَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. . . ذِكْرُ الصَّلاةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - أَبَا بَكْرٍ عِنْدَ وَفَاتِهِ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. قَالَ فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ. . فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. قَالَتْ فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاةَ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُمْ كَمَا أَنْتَ. قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. . فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قال: أخبرنا أبو إِسْرَائِيلَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ ثَلاثًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَسُلَيْمَانُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ عَفَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَسُئِلَتْ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ؟ قَالَتْ: أَبَا بَكْرٍ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مِنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مِنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. قَالَ ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى ذَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ. ذِكْرُ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَلأُبَايِعْكَ فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ: مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَّةً قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتُ. أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - أتوا أبا عبيدة قال: أَتَأْتُونِي وَفِيكُمْ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ أَبُو عَوْنٍ: قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ مَا ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ: أَلَمْ تر تِلْكَ الآيَةِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَذَكَرَ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعَ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ قَالَ: لَمَّا أَبْطَأَ النَّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي؟ أَلَسْتُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى؟ أَلَسْتُ أَلَسْتُ؟ قَالَ فَذَكَرَ خِصَالا فَعَلَهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. قَالَ: فَقَامَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَنْفَسُ هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ وَلَكِنَّا نخاف أَنْ يَلِيَهَا. أَوْ قَالَ يَلِيَهُ. أَقْوَامٌ قَتَلْنَا آبَاءَهُمْ وَإِخْوَتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمُتْ إِنِ اسْتَطَعْتَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ وَهَذَا الأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ نِصْفَيْنِ كَقَدِّ الأُبْلُمَةَ. يَعْنِي الْخُوصَةَ. فَبَايَعَ أَوَّلُ النَّاسِ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو النُّعْمَانِ. قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ قَسْمًا فَبَعَثَ إِلَى عَجُوزٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِقِسْمِهِا مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ قَالَ: قِسْمٌ قَسَمَهُ أَبُو بَكْرٍ لِلنِّسَاءِ. فَقَالَتْ: أَتُرَاشُونِي عَنْ دِينِي؟ فَقَالُوا: لا. فَقَالَتْ: أَتَخَافُونَ أَنْ أَدَعَ مَا أَنَا عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: لا. قالت: فو الله لا آخُذُ مِنْهُ شَيْئًا أَبَدًا. فَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَحْنُ لا نَأْخُذُ مِمَّا أَعْطَيْنَاهَا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَظُنُّهُ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ وَلِيتُ أَمْرَكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَسَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّنَنَ فَعَلَّمَنَا فَعَلِمْنَا. اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى وَأَنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقَ الْفُجُورَ. وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِيَ الضَّعِيفُ حَتَّى آخِذَ لَهُ بِحَقِّهِ وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِيَ الْقَوِيُّ حَتَّى آخِذَ مِنْهُ الْحَقَّ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ. فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَشُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن أبي أوفى أوصى رسول الله. ص؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: فَكَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ وَأُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: وَقَالَ هُذَيْلٌ: أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ؟ لَوَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْدًا فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ أَخَذَ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ القراءة. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ. فقال: لست بخليفة الله ولكني خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ. أَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ الْمَكِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَجَّتْ مَكَّةُ فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ وَلِيَ النَّاسَ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: ابْنُكَ. قَالَ: أَرَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ بِرَجَّةٍ هِيَ دُونَ الأُولَى فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُكَ مَاتَ. فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: هَذَا خَبَرٌ جَلِيلٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالا لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: السُّوقَ. قَالا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالا لَهُ: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَكَ شَيْئًا. فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ وماكسوه فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيَّ الْقَضَاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَإِلَيَّ الْفَيْءُ. قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ الشَّهْرُ مَا يَخْتَصِمُ إِلَيَّ فِيهِ اثْنَانِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ رَجُلا رَأَى عَلَى عُنُقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَبَاءَةً فَقَالَ: مَا هَذَا؟ هَاتِهَا أَكْفِيكَهَا. فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي لا تَغُرَّنِي أَنْتَ وَابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِيَالِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ: افْرِضُوا لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ. قَالُوا: نَعَمْ. بُرْدَاهُ إِذَا أَخْلَقَهُمَا وَضَعَهُمَا وَأَخَذَ مِثْلَهُمَا وَظَهْرُهُ إِذَا سَافَرَ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا كَانَ يُنْفِقُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَضِيتُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ رَاحَ إِلَى السُّوقِ يَحْمِلُ أَبْرَادًا لَهُ وَقَالَ: لا تَغُرُّونِي مِنْ عِيَالِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِيَ لَمْ تَكُنْ لِتَعْجَزَ عن مؤونة أَهْلِي وَقَدْ شُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَأَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِمْ وَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما أستخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة. قال فزادوه خمسمائة. قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة. ذكر بيعة أبي بكر. رحمه اللَّهِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَبِيحَةَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَغَيْرُ هَؤُلاءِ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي بِبَعْضِهِ فَدَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. قَالُوا: بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مَنْزِلَهُ بِالسُّنْحِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ خَارِجَةَ بْنِ زيد بن أبي زهير من بني الحارث بْنِ الْخَزْرَجِ. وَكَانَ قَدْ حَجَّرَ عَلَيْهِ حُجْرَةً مِنْ شَعْرٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَدِينَةِ فَأَقَامَ هُنَاكَ بِالسُّنْحِ بعد ما بُويِعَ لَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَغْدُو عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَرُبَّمَا رَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ مُمَشَّقٌ فَيُوافِي الْمَدِينَةَ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِالنَّاسِ فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ. فَكَانَ إِذَا حَضَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَكَانَ يُقِيمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ بِالسُّنْحِ يَصْبُغُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ ثُمَّ يَرُوحُ لِقَدَرِ الْجُمُعَةِ فَيُجَمِّعُ بِالنَّاسِ. وَكَانَ رَجُلا تَاجِرًا فَكَانَ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ السُّوقَ فَيَبِيعَ وَيَبْتَاعَ. وَكَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ غَنْمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ نَفْسُهُ فِيهَا وَرُبَّمَا كُفِيَهَا فَرُعِيَتْ لَهُ. وَكَانَ يَحْلُبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ. فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ بِالْخِلافَةِ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا تُحْلَبِ لَنَا مَنَائِحَ دَارِنَا. فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: بَلَى لَعَمْرِي لأَحْلُبَنَّهَا لَكُمْ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرُنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ. فَكَانَ يَحْلُبُ لَهُمْ فَرُبَّمَا قَالَ لِلْجَارِيَةِ مِنَ الْحَيِّ: يَا جَارِيَةُ أَتُحِبِّينَ أَنْ أُرْغِيَ لَكِ أَوْ أُصَرِّحَ؟ فَرُبَّمَا قَالَتْ: أَرْغِ. وَرُبَّمَا قَالَتْ: صَرِّحْ. فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلَ. فَمَكَثَ كَذَلِكَ بِالسُّنْحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا وَنَظَرَ فِي أَمَرِهِ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ مَا يُصْلِحُ أَمْرَ النَّاسِ التِّجَارَةُ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمْ إِلا التَّفَرُّغُ وَالنَّظَرُ فِي شَأْنِهِمْ وَمَا بُدٌّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ. فَتَرَكَ التِّجَارَةَ وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَيَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ. وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِّي لا أُصِيبُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا. وَإِنَّ أَرْضِيَ الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ وَلَقُوحٌ وَعَبْدٌ صَيْقَلٌ وَقَطِيفَةٌ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمٍ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. ثُمَّ اعْتَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَدَخَلَ مَكَّةَ ضَحْوَةً فَأَتَى مَنْزِلَهُ وَأَبُو قُحَافَةَ جَالِسٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَعَهُ فِتْيَانٌ أَحْدَاثٌ يُحَدِّثُهُمْ إِلَى أَنْ قِيلَ لَهُ هَذَا ابْنُكَ. فَنَهَضَ قَائِمًا وَعَجَّلَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُنِيخَ رَاحِلَتَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا أَبَتِ لا تَقُمْ. ثُمَّ لاقَاهُ فَالْتَزَمَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْ أَبِي قُحَافَةَ وَجَعَلَ الشَّيْخُ يَبْكِي فَرَحًا بِقُدُومِهِ. وَجَاءَ إِلَى مَكَّةَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ وَسُهَيْلُ بْن عَمْرو وَعِكْرِمَةُ بْن أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ: سلام عليك يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَلَّمُوا عَلَى أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: يَا عَتِيقُ هَؤُلاءِ الْمَلأُ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَتِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ! طُوِّقْتُ عَظِيمًا مِنَ الأَمْرِ لا قُوَّةَ لِي بِهِ وَلا يَدَانِ إِلا بِاللَّهِ. ثُمَّ دَخَلَ فَاغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَنَحَّاهُمْ ثُمَّ قَالَ: امْشُوا عَلَى رِسْلِكُمْ. وَلَقِيَهُ النَّاسُ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَجْهِهِ وَيُعَزُّونَهُ بِنَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبْكِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَاضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ. فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ خَرَجَ فَطَافَ أَيْضًا بِالْبَيْتِ. ثُمَّ جَلَسَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ فَقَالَ: هَلْ مِنْ أَحَدٍ يَتَشَكَّى مِنْ ظُلامَةٍ أَوْ يَطْلُبُ حَقًّا؟ فَمَا أَتَاهُ أَحَدٌ وَأَثْنَى النَّاسُ عَلَى وَالِيهِمْ خَيْرًا. ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَجَلَسَ فَوَدَّعَهُ النَّاسُ. ثُمَّ خَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا كَانَ وَقْتَ الْحَجِّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. ذِكْرُ صِفَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلا نَحِيفًا خَفِيفَ اللَّحْمِ أَبْيَضَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَظَرَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ مَارًّا وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَشْبَهَ بِأَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا. فَقُلْنَا: صِفِي لَنَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَتْ: رَجُلٌ أَبْيَضُ. نَحِيفٌ. خَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ. أَجْنَأُ لا يَسْتَمْسِكُ إِزَارَهُ يَسْتَرْخِي عَنْ حَقْوَتِهِ. مَعْرُوقُ الْوَجْهِ. غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ. نَاتِئُ الْجَبْهَةِ. عَارِي الأَشَاجِعِ. هَذِهِ صِفَتُهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ يَذْكُرُ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَيْنِهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: مَرَرْتُ بِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ خَلِيفَةٌ يَوْمَئِذٍ وَلِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ قَانِيَةٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ كَأَنَّ لِحْيَتَهُ لُهَابِ الْعَرْفَجِ. شَيْخًا خَفِيفًا أَبْيَضَ. عَلَى نَاقَةٍ لَهُ أَدْمَاءَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهُمَا جَمْرُ الْغَضَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ. وَكَانَ جَلِيسًا لَهُمْ. كَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَغَدَا عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ حَمَّرَهَا فَقَالَ لَهُ القوم: هذا أحسن. فقال: إِنَّ أُمِّي عَائِشَةُ أَرْسَلَتْ إِلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارِيَتَهَا نُخَيْلَةَ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ لأَصْبُغَنَّ وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ صَبَغَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَذُكِرَ عِنْدَهَا رَجُلٌ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَتْ إِنْ يَخْضِبْ فَقَدْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ قَبْلَهُ بِالْحِنَّاءِ. قَالَ الْقَاسِمُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَضَبَ لَبَدَأْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَتْهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَخَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ وَلَكِنْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَخَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَخْتَضِبُ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: قُلْتُ فَعُمَرُ؟ قال: بالحناء. قال: قلت فالنبي. ص؟ قَالَ: لَمْ يُدْرِكْ ذَاكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خضب أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَيْثَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ خَضَبَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالا: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ كَانَ يُغَيِّرُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَشْيَاخٍ مِنَ الأَنْصَارِ بِمَكَّةَ فَسَأَلَهُمْ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ أَكَانَ عُمَرُ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ؟ فَقَالُوا: أَخْبَرَنَا فُلانٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ ضِرَامُ عَرْفَجٍ مِنْ شِدَّةَ الْحُمْرَةِ مِنَ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ عَنْ رَجُلٍ أَظُنُّهُ قَالَ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حدثه عن أنس خادم النبي. ص. قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وليس في أصحابه غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَغَلَّفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ سِيرِينَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ هَلْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْضِبُ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: حَسْبِي. ذكر وصية أبي بكر: قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالا: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُنْذُ دَخَلْتُ الإِمَارَةَ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَسْتَحِلُّهُ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ أَسْتَصْلِحُهُ جَهْدِي. وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ الْوَدَكِ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أُصِيبُ فِي التِّجَارَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عَبْدٌ نُوبِيُّ كَانَ يَحْمِلُ صِبْيَانَهُ وَإِذَا نَاضِحٌ كَانَ يَسْنِي عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ: نَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ. قَالَتْ فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ. قَالَتْ فَأَخْبَرَنِي جَدِّي أَنَّ عُمَرَ بَكَى وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شَدِيدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عبيد الله عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ: إِنِّي لا أَعْلَمُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ اللِّقْحَةِ وَغَيْرَ هَذَا الْغُلامِ الصَّيْقَلِ كَانَ يَعْمَلُ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُنَا فَإِذَا مُتُّ فَادْفَعِيهِ إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا دَفَعْتُهُ إِلَى عُمَرَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بكر لقد أتعب من بعده. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَطَفْنَا بِغُرْفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرْضَتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا. قَالَ: فَقُلْنَا كَيْفَ أَصْبَحَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَى خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ. ص؟ قَالَ: فَاطَّلَعَ عَلَيْنَا إِطِّلاعَةً فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَرْضَوْنَ بِمَا أَصْنَعُ؟ قُلْنَا: بَلَى قَدْ رَضِينَا. قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ تُمَرِّضُهُ. قَالَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْئَهُمْ مَعَ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَانْظُرُوا إِذَا رَجَعْتُمْ مِنِّي فَانْظُرُوا مَا كَانَ عِنْدَنَا فَأَبْلِغُوهُ عُمَرَ. قَالَ: فَذَاكَ حيث عرفوه أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ. قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ. مَا كَانَ إِلا خَادِمٌ وَلَقْحَةٌ وَمِحْلَبٌ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ يُحْمَلُ إِلَيْهِ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آلافٍ كَانَ أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَدَعْنِي حَتَّى أَصَبْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ وَإِنَّ حَائِطِيَ الَّذِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فِيهَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَحَبَّ أَنْ لا يدع لأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالا وَأَنَا وَالِي الأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ مَا عِنْدِي مِنْ مَالٍ إِلا لِقْحَةٌ وَقَدَحٌ فَإِذَا مُتُّ فَاذْهَبُوا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا مَاتَ ذَهَبُوا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أبا بكر لقد أتعب من بعده. . قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَسَمَ أَبِي أَوَّلَ عَامٍ الْفَيْءَ فَأَعْطَى الْحَرَّ عَشَرَةً وَأَعْطَى الْمَمْلُوكَ عَشَرَةً وَالْمَرْأَةَ عَشَرَةً وَأَمَتَهَا عَشَرَةً. ثُمَّ قَسَمَ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَأَعْطَاهُمْ عِشْرِينَ عِشْرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أُسَيْرٍ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرَضِهِ فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ اعْهَدْ إِلَيَّ عَهْدًا فَإِنِّي لا أَرَاكَ تَعْهَدُ إِلَيَّ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: أَجَلْ يَا سَلْمَانُ إِنَّهَا سَتَكُونُ فُتُوحٌ فَلا أَعْرِفَنَّ مَا كَانَ مِنْ حَظِّكَ مِنْهَا مَا جَعَلْتَ فِي بَطْنِكَ أَوْ أَلْقَيْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ. فَلا تَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ اللَّهِ فَيَطْلُبَكَ اللَّهُ بِذِمَّتِهِ فَيُكِبَّكَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَكَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى بِخُمْسِ مَالِهِ. أَوْ قَالَ آخُذُ مِنْ مَالِي مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِي مِنْ مَالِي مَا رَضِيَ رَبِّي مِنَ الْغَنِيمَةِ فَأَوْصَى بِالْخُمُسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى بِالْخُمُسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةُ فَإِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ غِنًى إِلَيَّ بَعْدِي أَنْتِ وَإِنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي أَنْتِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِهِ وَأَخَذْتِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ وَهُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. قَالَتْ: قُلْتُ هَذَا أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَايَ؟ قَالَ: ذَاتُ بَطْنِ ابْنَةَ خَارِجَةَ فَإِنِّي أَظُنُّهَا جَارِيَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْكِبَاشِ الْكِنْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا أَنْ ثَقُلَ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِي أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكِ وَقَدْ كُنْتُ أَقْطَعْتُكِ أَرْضًا بِالْبَحْرَيْنِ وَلا أُرَاكِ رَزَأْتِ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَتْ لَهُ: أَجَلْ. قَالَ: فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ. وَكَانَتْ تُرْضِعُ ابْنَهُ. وَهَاتَيْنِ اللِّقْحَتَيْنِ وَحَالِبَهُمَا إِلَى عُمَرَ. وَكَانَ يَسْقِي لَبَنَهُمَا جُلَسَاءَهُ. وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ شَيْءٌ. فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ بَعَثَتْ عَائِشَةُ بِالْغُلامِ وَاللَّقْحَتَيْنِ وَالْجَارِيَةِ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. فَقَبِلَ اللِّقْحَتَيْنِ وَالْغُلامَ وَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَاهَا فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِي بَعْدِي أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى مِنْكِ وَلا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ مِنْ أَرْضٍ بِالْعَالِيَةِ جِدَادَ. يَعْنِي صِرَامَ. عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِهِ تَمْرًا عَامًا وَاحِدًا انْحَازَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ. فَقَالَ: وَذَاتُ بَطْنِ ابْنَةَ خَارِجَةَ قَدْ أُلْقِيَ فِي رُوعِيَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ فَاسْتَوْصِي بِهَا خَيْرًا. فَوَلَدَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْمَالُ الَّذِي نَحَلَ عَائِشَةَ بِالْعَالِيَةِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ بِئْرَ حُجْرٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْمَالَ فَأَصْلَحَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَرَسَ فِيهِ وَدِيًّا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ نَضَّرُ بْنُ بَابٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا احْتُضِرَ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَيْ بُنَيَّةُ قَدْ عَلِمْتِ أَنَّكِ كُنْتِ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَعَزَّهُمْ وَأَنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ أَرْضِيَ الَّتِي تَعْلَمِينَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا أَحَبُّ أَنْ تَرُدِّيهَا عَلَيَّ فَيَكُونَ ذَلِكَ قِسْمَةٌ بَيْنَ وَلَدِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَأَلْقَى رَبِّي حِينَ أَلْقَاهُ وَلَمْ أُفَضِّلْ بَعْضَ وَلَدِي عَلَى بَعْضٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَبُو أُسَامَةَ قَالا: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة قَالَتْ: مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ضَرَبَ اللَّهُ سِكَّتَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا حُضِرَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ كَلِمَةً مِنْ قَوْلِ حَاتِمٍ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَقَالَ: لا تَقُولِي هَكَذَا يَا بُنَيَّةَ وَلَكِنْ قُولِي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. انظروا ملاءتي هاتين فإذا مت فاغسلوها وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عُبَيْدٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يُعَالِجُ مَا يُعَالِجُ الْمَيِّتُ وَنَفَسُهُ فِي صَدْرِهِ فَتَمَثَّلْتُ هَذَا الْبَيْتَ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَنَظَرَ إِلَيْهَا كَالْغَضْبَانِ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنْ وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. إِنِّي قَدْ كُنْتُ نَحَلْتُكِ حَائِطًا وَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا فَرُدِّيهِ إِلَى الْمِيرَاثِ. قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَدْتُهُ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّا مُنْذُ وَلِينَا أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ نَأْكُلْ لَهُمْ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلَكِنَّا قَدْ أَكَلْنَا مِنْ جَرِيشِ طَعَامُهُمْ فِي بُطُونِنَا وَلَبِسْنَا مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ عَلَى ظُهُورِنَا وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ إِلا هَذَا الْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ وَهَذَا الْبَعِيرُ النَّاضِحُ وَجَرْدُ هَذِهِ الْقَطِيفَةِ فَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهِنَّ إِلَى عُمَرَ وَابْرَئِي مِنْهُنَّ. فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ عُمَرَ بَكَى حَتَّى جَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ فِي الأَرْضِ وَيَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. رَحِمَ الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. يَا غُلامُ ارْفَعْهُنَّ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَسْلُبُ عِيَالَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَبَعِيرًا نَاضِحًا وَجَرْدَ قَطِيفَةٍ ثَمَنَ خَمْسَةِ الدَّرَاهِمِ؟ قَالَ: فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: تَرُدُّهُنَّ عَلَى عِيَالِهِ. فَقَالَ: لا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ. أَوْ كَمَا حَلَفَ. لا يَكُونُ هَذَا في وِلايَتِي أَبَدًا وَلا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَرُدُّهُنَّ أَنَا عَلَى عِيَالِهِ. الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ فَقَالَ أبو بكر: ليس كذلك أي بنية ولكن جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَتَتْهُ عَائِشَةُ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ هَذَا كَمَا قَالَ حَاتِمٌ: إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ قَوْلُ الله أصدق. جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلِي أَخْلاقِي فَاجْعَلِيهَا أَكْفَانِي. فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ قَدْ رَزَقَ اللَّهُ وَأَحْسَنَ. نكفنك في جديد. قَالَ: إِنَّ الْحَيَّ هُوَ أَحْوَجُ يَصُونُ نَفْسَهُ وَيُقَنِّعُهَا مِنَ الْمَيِّتِ. إِنَّمَا يَصِيرُ إِلَى الصَّدِيدِ وَإِلَى الْبِلَى. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا مَرِضَ فَثَقُلَ قَعَدَتْ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَتْ: كُلُّ ذِي إِبِلٍ مَوْرُوثُهَا ... وَكُلُّ ذِي سَلَبٍ مَسْلُوبُ فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قُلْتِ يَا بِنْتَاهُ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْضِي: وَأَبْيَضُ يَسْتَسْقِي الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ سُمَيَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ لا يَزَالُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ فَقَالَ أبو بكر: جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ: لا تَزَالُ تَنْعَى حَبِيبًا حَتَّى تَكُونَهُ ... وَقَدْ يَرْجُو الْفَتَى الرَّجَا يَمُوتُ دُونَهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا أَلا نَدْعُو الطَّبِيبَ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآنِي فَقَالَ إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي خَضِرَةٌ تَأَكُلُنِي الدَّوَابُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ كَانَا يَأْكُلانِ خَزِيرَةً أُهْدِيَتْ لأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ الْحَارِثُ لأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. وَاللَّهِ إِنَّ فِيهَا لَسَمُّ سَنَةٍ وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قَالَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَمْ يَزَالا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ. وَلأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ. وَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بَرَدَانُ بْنُ أَبِي النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ. دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا اسْتُعِزَّ بِهِ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هُوَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ فِيهِ. ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ. فَقَالَ: أَنْتَ أَخْبَرُنَا بِهِ. فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: اللَّهُمَّ عِلْمِي بِهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلانِيَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا مِثْلَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَاللَّهِ لَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُكَ. وَشَاوَرَ مَعَهُمَا سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الأَعْوَرِ وَأُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ فَقَالَ أُسَيْدٌ: اللَّهُمَّ أَعْلَمُهُ الْخَيْرَةَ بَعْدَكَ. يَرْضَى لِلرِّضَى وَيَسْخَطُ لِلسُّخْطِ. الَّذِي يُسِرُّ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي يُعْلِنُ. وَلَمْ يَلِ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْهُ. وَسَمِعَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُخُولِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانَ عَلَى أَبِي بكر وخلوتهما به فدخلوا بِهِ فَدَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ إِذَا سَأَلَكَ عَنِ اسْتِخْلافِكَ عُمَرَ؟ لِعُمَرَ عَلَيْنَا وَقَدْ تَرَى غِلْظَتَهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي. أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ خَابَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ أَمْرِكُمْ بِظُلْمٍ. أَقُولُ اللَّهُمَّ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرُ أَهْلِكَ. أَبْلِغْ عَنِّي مَا قُلْتُ لَكَ مَنْ وَرَاءَكَ. ثُمَّ اضْطَجَعَ وَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا حَيْثُ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ وَيُوقِنُ الْفَاجِرُ وَيُصَدِّقُ الْكَاذِبَ. إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. وَإِنِّي لَمْ آلُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَدِينَهُ وَنَفْسِي وَإِيَّاكُمْ خَيْرًا. فَإِنْ عَدَلَ فَذَلِكَ ظَنِّي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ. وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ. وَالْخَيْرُ أَرَدْتُ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ. سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِتَابِ فَخَتَمَهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا أَمْلَى أَبُو بَكْرٍ صَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ: بَقِيَ ذِكْرُ عُمَرَ فَذَهَبَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ أَحَدًا. فَكَتَبَ عُثْمَانُ: إِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. ثُمَّ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ مَا كَتَبْتَ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ ذِكْرَ عُمَرَ فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ إِنْ أَقْبَلَتْ نَفْسِي فِي غَشْيَتِي تِلْكَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فجزاك الله عن الإسلام مَخْتُومًا وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأُسَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَظِيُّ فَقَالَ عُثْمَانُ لِلنَّاسِ: أَتُبَايِعُونَ لِمَنْ فِي هَذَا الْكِتَابِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ عَلِمْنَا بِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَلِيٌّ الْقَائِلُ وَهُوَ عُمَرُ. فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ جَمِيعًا وَرَضُوا بِهِ وَبَايَعُوا ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ خَالِيًا فَأَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدَهُ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ مَدًّا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلا صَلاحَهُمْ وَخِفْتُ عَلَيْهِمُ الْفِتْنَةَ فَعَمِلْتُ فِيهِمْ بِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ وَاجْتَهَدْتُ لَهُمْ رَأْيِي فَوَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَهُمْ وَأَقْوَاهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَصَهُمْ عَلَى مَا أَرْشَدَهُمْ وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْ أَمْرِكَ مَا حَضَرَ فَاخْلُفْنِي فِيهِمْ فَهُمْ عِبَادُكَ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِكَ أَصْلِحْ لَهُمْ وَإِلَيْهِمْ وَاجْعَلْهُ مِنْ خُلَفَائِكَ الرَّاشِدِينَ يَتَّبِعْ هُدَى نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَهُدَى الصَّالِحِينَ بَعْدَهُ وَأَصْلِحْ لَهُ رَعِيَّتَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: قُلْنَا يَوْمُ الاثْنَيْنِ. قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ قُبِضَ رسول الله. ص؟ قَالَتْ: قُلْنَا قُبِضَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ. قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. قَالَتْ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فِيهِ رَدْعٌ مِنْ مِشْقٍ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَضُمُّوا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ. فَقُلْنَا: أَلا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟ قَالَ فَقَالَ: لا. إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَتْ فَمَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ. رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ رسول الله. ص؟ قَالَتْ: فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ. قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ. إِنِّي لأَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَفِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟ قَالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْظُرِي ثَوْبِي هَذَا فِيهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٌ فَاغْسِلِيهِ وَاجْعَلِي مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أَبَتِ هُوَ خَلَقٌ. فَقَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَعْطَاهُمْ حُلَّةً حِبَرَةً فَأُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا ثُمَّ اسْتَخْرَجُوهُ مِنْهَا فَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ. فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُلَّةَ فَقَالَ: لأُكَفِّنَنَّ نَفْسِي فِي شَيْءٍ مَسَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهِ لا أُكَفَّنُ فِي شَيْءٍ مَنَعَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ. وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ وَدُفِنَ لَيْلا. وَمَاتَتْ عَائِشَةُ لَيْلا فَدَفَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ اللَّيْثِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ مَوْلَى آلِ مَظْعُونٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالُوا: كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ مَرَضِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ. وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا. فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا يَخْرُجُ إِلَى صَلاةٍ. وَكَانَ يَأْمُرُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَيَدْخُلُ النَّاسُ عَلَيْهِ يَعُودُونَهُ وَهُوَ يَثْقُلُ كُلَّ يَوْمٍ وَهُوَ نَازِلٌ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِهِ الَّتِي قَطَعَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِجَاهَ دَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْيَوْمَ. وَكَانَ عُثْمَانُ أَلْزَمَهُمْ لَهُ فِي مَرَضِهِ. وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ. مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنْ مُهَاجِرِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ خِلافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ. وَكَانَ أَبُو مَعْشَرٍ يَقُولُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلا أَرْبَعَ لَيَالٍ. وَتُوُفِّيَ. رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا. اسْتَوْفَى سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلاثِ سِنِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: اسْتَكْمَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلافَتِهِ سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امرأته أسماء. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ أَسْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تَغْسِلَهُ إِذَا مَاتَ وَعَزَمَ عَلَيْهَا: لَمَا أَفْطَرْتِ لأَنَّهُ أَقْوَى لَكِ. فَذَكَرَتْ يَمِينَهُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَدَعَتْ بِمَاءٍ فَشَرِبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أُتْبِعُهُ الْيَوْمَ حِنْثًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَبِرَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ فَإِنْ عَجَزَتْ أَعَانَهَا ابْنُهَا مِنْهُ. مُحَمَّدٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا وَهَلٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: هَذَا خَطَأٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْسِلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعِ اسْتَعَانَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا الثَّبْتُ. وَكَيْفَ يُعِينُهَا مُحَمَّدٌ ابْنُهَا وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَكَانَ لَهُ يَوْمَ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ ثَلاثُ سِنِينَ أو نحوها؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ أسماء بنت عميس. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ غَسَلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ غُسْلٌ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ حَاجِبِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: غَسَّلْتُهُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ فَسَأَلَتْ عُثْمَانَ هَلْ عَلَيْهَا غُسْلٌ؟ فَقَالَ: لا. وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَلا يُنْكِرُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَيْطَتَيْنِ. رَيْطَةٌ بَيْضَاءُ وَرَيْطَةٌ مُمَصَّرَةٌ. وَقَالَ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْكِسْوَةِ مِنَ الْمَيِّتِ. إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَفِيهِ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا ثَوْبٌ مُمَصَّرٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ: في كم كفن رسول الله. ص؟ قَالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ. لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ. فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا هَذَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مِنْدَلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ غَسِيلَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي كَمْ كُفِّنَ. قَالَ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ. قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكُمْ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زهير عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ. قَالَ شَرِيكٌ مُعَقَّدَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمَوْصُولَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَهُمْ أَنْ يَرْحَضُوا أَخْلاقَهُ فَيَدْفِنُوهُ فِيهَا. قَالَ: وَدُفِنَ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا وَاغْسِلُوهُمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلَةِ وَالتُّرَابِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَكَفِّنُونِي فِيهِ فَإِنَّ الْحَيَّ أَفْقَرُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ غَسِيلَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَيُّ أَوْلَى بِالْجَدِيدِ. إِنَّمَا الْكَفَنُ لِلْمُهْلَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا غَسِيلٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَمُحَمَّدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُكَفَّنَ بِثَوْبَيْنِ عَلَيْهِ كَانَ يَلْبَسُهُمَا. قَالَ: كَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ هُوَ أَفْقَرُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا غَسِيلٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ؟ قَالَ: عُمَرُ. قَالَ: كَمْ كَبَّرَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَرْبَعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: صلى عمرو عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ الله بن حنطب أن أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ تُجَاهَ الْمِنْبَرِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ وَكِيعٌ أَوْ غَيْرُهُ شَكَّ هِشَامٌ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَشُكُّ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ في المسجد. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَمَرَّ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ فَقَالَ: أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حفص بن غياث عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلانِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ حِينَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ رَجَّعَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالا: الَّذِي صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى صُهَيْبٌ عَلَى عُمَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى عُمَرُ عَلَى أبي بكر. قال: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ. شَكَّ هِشَامٌ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلا فَدَفَنَّاهُ قَبْلَ أَنْ نُصْبِحَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سُئِلَ أَيُقْبَرُ الْمَيِّتُ لَيْلا؟ فَقَالَ: قَدْ قُبِرَ أَبُو بَكْرٍ بِاللَّيْلِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ أَبَا بَكْرٍ لَيْلا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ بِثَلاثٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. قال: أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني عن الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دُفِنَ لَيْلا. أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. دَفَنَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ أَبَا بَكْرٍ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ دَفْنَ أَبِي بَكْرٍ فَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ بن عبد اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْزِلَ فَقَالَ عُمَرُ كُفِيتَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ أَقَامَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ النَّوْحَ فَبَلَغَ عُمَرَ فَجَاءَ فَنَهَاهُنَّ عَنِ النَّوْحِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ. فَقَالَ لِهِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَخْرِجْ إِلَيَّ ابْنَةَ أَبِي قُحَافَةَ. فَعَلاهَا بِالدِّرَّةِ ضَرَبَاتٍ فَتَفَرَّقَ النَّوَائِحِ حِينَ سَمِعْنَ ذَلِكَ. وَقَالَ: تُرِدْنَ أَنْ يُعَذَّبَ أَبُو بَكْرٍ بِبُكَائِكُنَّ؟ إِنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَصْبَحْنَا فَاجْتَمَعَ نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَقَامُوا النَّوْحَ وَأَبُو بَكْرٍ يُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ. فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الخطاب بالنوح ففرقن فو الله عَلَى ذَلِكَ إِنْ كُنَّ لَيُفَرَّقْنَ وَيَجْتَمِعْنَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سبرة عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولانِ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ عائشة أن يدفن إِلَى جَنْبِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا تُوُفِّيَ حُفِرَ لَهُ وَجُعِلَ رَأْسُهُ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُلْصِقَ اللَّحْدُ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُبِرَ هُنَاكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: رَأْسُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ حَقْوَيْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَطَّحًا وَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّةَ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ. فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورٍ لا مُشْرِفَةٍ وَلا لاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمًا وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ. وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ رِجْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَوَصَفَ الْقَاسِمُ قُبُورَهُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بن أنس عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: سَمِعَ أَبُوَ قُحَافَةَ الْهَائِعَةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: تُوُفِّيَ ابْنُكَ. قَالَ: رُزْءٌ جَلِيلٌ. مَنْ قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: عُمَرُ. قَالَ: صَاحِبُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَرِثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ السُّدْسَ وورثه ماله وَلَدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٌ وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ بَنُو أَبِي بَكْرٍ وَامْرَأَتَاهُ أسماء بنت عميس وحبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَهِيَ أُمُّ أُمِّ كُلْثُومٍ وَكَانَتْ بِهَا نَسْأً حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. رحمه اللَّهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: كُلِّمَ أَبُو قُحَافَةَ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. رَحِمَهُ اللَّهُ. فَقَالَ: قَدْ رَدَدْتُ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ. قَالُوا: ثُمَّ لَمْ يَعِشْ أَبُو قُحَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ إِلا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا. وَتُوُفِّيَ فِي الْمُحْرِمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ عَنْ حِبَّانِ الصَّائِغِ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَبِي بَكْرٍ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ بِسْطَامِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّ قُوَّتِي لَكَ مَعَ فَضْلِكَ. قَالَ فَبَايَعَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَقَدْ قَصِعَتْ لِحْيَتِي فَقَالَ: مَا لَكَ عَنِ الْخِضَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ أَكْرَهُهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ. قَالَ: فَاصْبِغْ بِالْوَسِمَةِ فَإِنِّي كُنْتُ أَخْضِبُ بِهَا حَتَّى تَحَرَّكَ فَمِي. ثُمَّ قَالَ إِنَّ أُنَاسًا مِنْ حَمْقَى قُرَّائِكُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ خِضَابَ اللِّحَى حَرَامٌ وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَوِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ. قَالَ زُهَيْرٌ الشَّكُّ مِنْ غَيْرِي. عَنْ خِضَابِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ فَهَذَا الصِّدِّيقُ قَدْ خَضَبَ. قَالَ: قُلْتُ الصِّدِّيقُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوِ الْكَعْبَةِ إِنَّهُ الصديق. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا فَلا وَاللَّهِ مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي وُلِّيتُ هَذَا الأمر وأنا له كاره وو الله لَوَدِدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ. أَلا وَإِنَّكُمْ إِنْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ بِمِثْلِ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَقِمْ به. كان رسول الله. ص. عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ وَعَصَمَهُ بِهِ. أَلا وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ فَرَاعُونِي. فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي وَإِنْ رَأَيْتُمُونِي زِغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَاعْلَمُوا أَنَّ لِيَ شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي لا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلا مِنَّا فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ وَالآخَرُ مِنَّا. قَالَ فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّ الإِمَامَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ صَبِيحَةَ التَّيْمِيِّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ جَدِّهِ صَبِيحَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ عَنْ أَبِيهِ. دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بعض. أن أبا بكر الصِّدِّيقَ كَانَ لَهُ بَيْتُ مَالٍ بِالسُّنْحِ مَعْرُوفٌ لَيْسَ يَحْرُسُهُ أَحَدٌ. فَقِيلَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلا تَجْعَلُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَحْرُسُهُ؟ فَقَالَ: لا يُخَافُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: عَلَيْهِ قُفْلٌ. قَالَ: وَكَانَ يُعْطِي مَا فِيهِ حَتَّى لا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ. فَلَمَّا تَحَوَّلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ حَوَّلَهُ فَجَعَلَ بَيْتَ مَالِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. وَكَانَ قَدِمَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ مَعْدِنِ الْقَبَلِيَّةِ وَمِنْ مَعَادِنِ جُهَيْنَةَ كَثِيرٌ وَانْفَتَحَ مَعْدِنُ بَنِي سُلَيْمٍ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِصَدَقَتِهِ فَكَانَ يُوضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُهُ عَلَى النَّاسِ نُقَرًا نُقَرًا فَيُصِيبُ كُلُّ مِائَةِ إِنْسَانٍ كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ يُسَوِّي بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقَسْمِ الْحَرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَكَانَ يَشْتَرِي الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالسِّلاحَ فَيَحْمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَاشْتَرَى عَامًا قَطَائِفَ أَتَى بِهَا مِنَ الْبَادِيَةِ فَفَرَّقَهَا فِي أَرَامِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الشِّتَاءِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَدُفِنَ دَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الأُمَنَاءَ وَدَخَلَ بِهِمْ بَيْتَ مَالِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَغَيْرُهُمَا فَفَتَحُوا بَيْتَ الْمَالِ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَوَجَدُوا خَيْشَةً لِلْمَالِ فَنُقِضَتْ فَوَجَدُوا فِيهَا دِرْهَمًا فَرَحَّمُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَزَّانٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَزِنُ مَا كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ مَالٍ. فَسُئِلَ الْوَزَّانُ كَمْ بَلَغَ ذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي وَرَدَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: مِائَتَيْ أَلْفٍ.
- أبو بكر الصديق. عليه السلام. واسمه عبد الله بن أبي قحافة. وَاسْمُهُ عُثْمَان بْن عَامِرِ بْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بن مرة. وأمه أم الخير واسمها سلمى بنت صخر بْن عامر بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّة. وكان لأبي بَكْر من الولد عَبْد الله وأسماء ذات النطاقين وأمهما قُتَيْلَةُ بِنْت عَبْد الْعُزَّى بْن عَبْد أَسْعَدَ بْن نضر بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي. وعبد الرَّحْمَن وعائشة وأمهما أُمُّ رُومَانَ بِنْت عَامِرِ بْن عُوَيْمِرِ بْن عَبْد شَمْسِ بْن عَتَّابِ بْن أذينة بْن سبيع بْن دهمان بْن الْحَارِث بْن غنم بن مالك بن كنانة. ويقال بل هي أم رومان بنت عامر بن عميرة بن ذهل بْن دهمان بْن الْحَارِث بْن غنم بْن مالك بْن كنانة. ومحمد بْن أبي بَكْر وأمه أَسْمَاءُ بِنْت عُمَيْسِ بْن مَعْدِ بْن تَيْمِ بْن الْحَارِث بْن كعب بْن مالك بْن قحافة بْن عامر بْن مالك بْن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بْن أفتل. وهو خثعم. وأم كلثوم بِنْت أبي بَكْر وأمها حبيبة بِنْت خارجة بْن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بْن الخزرج. وكانت بها نسأ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْر ولدت بعده. . قَالَ: وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ: أَبُو قُحَافَةَ كَانَ اسْمُهُ عَتِيقًا. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ غَيْرُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: أَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصديق ما كَانَ اسْمُهُ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَإِنَّمَا كَانَ عَتِيقٌ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي لَقَبًا. قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينِ قَالَتْ: إِنِّي . . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ سَمَّيْتُمُوهُ الصِّدِّيقَ وَأَصَبْتُمُ اسْمَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ قَالَ: إِنَّا نُعَاتِبُ لا أَبَا لَكَ عُصْبَةً ... عَلَقُوا الْفِرَى وَبَرَوْا مِنَ الصِّدِّيقِ وَبَرَوْا سَفَاهًا مِنْ وَزِيرِ نَبِيِّهِمْ ... تَبًّا لِمَنْ يَبْرَا مِنَ الْفَارُوقِ إِنِّي عَلَى رَغْمَ العداة لقائل ... دانى بدين الصادق المصدوق أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَمَّى الأَوَّاهُ لِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. ذِكْرُ إِسْلامِ أَبِي بَكْرٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيِّ عَنْ أَبِي أَرْوَى الدَّوْسِيِّ قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ أسلم أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَسْلَمَ أَبِي أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَلا وَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ أَبِي إِلا وَهُوَ يَدِينُ الدين. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَقَلْتُ أَبَوَيَّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَمَا مَرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ قَطُّ إِلا وَرَسُولُ اللَّهِ يَأْتِينَا فِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِبِلالٍ: مَنْ سَبَقَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: مَنْ صَلَّى؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ إِنَّمَا أَعْنِي فِي الْخَيْلِ. قَالَ بِلالٌ: وَأَنَا إِنَّمَا أَعْنِي فِي الْخَيْرِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْرُوفًا بِالتِّجَارَةِ. لَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَكَانَ يُعْتِقُ مِنْهَا وَيُقَوِّي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِخَمْسَةِ آلافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ. ذِكْرُ الْغَارِ وَالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَكَانَ لأَبِي بَكْرٍ بَعِيرٌ. وَاشْتَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - بعيرا آخر فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا وركب أبو بكر بعيرا وركب آخَرَ فِيمَا يَعْلَمُ حَمَّادٌ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بعيرا. فكان رسول الله. ص. عَلَى بَعِيرِ أَبِي بَكْرٍ. وَيَتَحَوَّلُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى بَعِيرِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ. وَيَتَحَوَّلُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ إِلَى بَعِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِيهَا ثِيَابُ بَيَاضٌ مِنْ ثِيَابِ الشام فلبساها فدخلا المدينة في ثياب بياض. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أن عبد الله بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالطَّعَامِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا فِي الْغَارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي معمر عن الزهري عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ خُرُوجُ أَبِي بَكْرٍ لِلْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَمَعَهُمَا دَلِيلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ الدِّيلِيُّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْكُفْرِ وَلَكِنَّهُمَا أَمِنَاهُ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَطُوفِ الْجَزَرِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى حَبِيبِ بْنِ يَسَافٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: نَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: نَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسُّنْحِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. . . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: لَمَّا أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ جَعَلَ لأَبِي بَكْرٍ مَوْضِعَ دَارِهِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي صَارَتْ لآلِ معمر. قَالُوا: وَشَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَايَتَهُ الْعُظْمَى يَوْمَ تَبُوكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ سَوْدَاءَ وَأَطْعَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ مِائَةَ وَسْقٍ. وَكَانَ فِي مَنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد حين وَلَّى النَّاسُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ إِلَى نَجْدٍ وأمره علينا فَبَيَّتْنَا نَاسًا مِنْ هَوَازِنٍ فَقَتَلْتُ بِيَدَيَّ سَبْعَةَ أَهْلَ أَبْيَاتٍ. وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ. . . . . . . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ أَغْيَرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أبو بكر. . قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ أن النبي. ص. لَمْ يَحُجَّ عَامَ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَلَى الْحَجِّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ كَانَتْ فِي الإِسْلامِ. ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ. فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَابِلٍ. فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَلَى الْحَجِّ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عُمَرُ يَحُجُّ سِنِيهُ كُلَّهَا حَتَّى قُبِضَ فَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَلَى الْحَجِّ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْخَزَّازُ الْوَاسِطِيُّ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي صَدَقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بعد النبي ص أَهْيَبَ لِمَا لا يُعْلَمُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ أَهْيَبَ لِمَا لا يُعْلَمُ مِنْ عُمَرَ. وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَتْ بِهِ قَضِيَّةٌ لَمْ نَجِدْ لَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَصْلا وَلا فِي السُّنَّةِ أَثَرًا فَقَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. . . ذِكْرُ الصَّلاةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - أَبَا بَكْرٍ عِنْدَ وَفَاتِهِ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. قَالَ فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ. . فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. قَالَتْ فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاةَ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُمْ كَمَا أَنْتَ. قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. . فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قال: أخبرنا أبو إِسْرَائِيلَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ ثَلاثًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَسُلَيْمَانُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ عَفَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَسُئِلَتْ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ؟ قَالَتْ: أَبَا بَكْرٍ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مِنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مِنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. قَالَ ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى ذَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ. ذِكْرُ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَلأُبَايِعْكَ فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ: مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَّةً قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتُ. أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - أتوا أبا عبيدة قال: أَتَأْتُونِي وَفِيكُمْ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ أَبُو عَوْنٍ: قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ مَا ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ: أَلَمْ تر تِلْكَ الآيَةِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَذَكَرَ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعَ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ قَالَ: لَمَّا أَبْطَأَ النَّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي؟ أَلَسْتُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى؟ أَلَسْتُ أَلَسْتُ؟ قَالَ فَذَكَرَ خِصَالا فَعَلَهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. قَالَ: فَقَامَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَنْفَسُ هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ وَلَكِنَّا نخاف أَنْ يَلِيَهَا. أَوْ قَالَ يَلِيَهُ. أَقْوَامٌ قَتَلْنَا آبَاءَهُمْ وَإِخْوَتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمُتْ إِنِ اسْتَطَعْتَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ وَهَذَا الأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ نِصْفَيْنِ كَقَدِّ الأُبْلُمَةَ. يَعْنِي الْخُوصَةَ. فَبَايَعَ أَوَّلُ النَّاسِ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو النُّعْمَانِ. قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ قَسْمًا فَبَعَثَ إِلَى عَجُوزٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِقِسْمِهِا مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ قَالَ: قِسْمٌ قَسَمَهُ أَبُو بَكْرٍ لِلنِّسَاءِ. فَقَالَتْ: أَتُرَاشُونِي عَنْ دِينِي؟ فَقَالُوا: لا. فَقَالَتْ: أَتَخَافُونَ أَنْ أَدَعَ مَا أَنَا عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: لا. قالت: فو الله لا آخُذُ مِنْهُ شَيْئًا أَبَدًا. فَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَحْنُ لا نَأْخُذُ مِمَّا أَعْطَيْنَاهَا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَظُنُّهُ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ وَلِيتُ أَمْرَكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَسَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّنَنَ فَعَلَّمَنَا فَعَلِمْنَا. اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى وَأَنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقَ الْفُجُورَ. وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِيَ الضَّعِيفُ حَتَّى آخِذَ لَهُ بِحَقِّهِ وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِيَ الْقَوِيُّ حَتَّى آخِذَ مِنْهُ الْحَقَّ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ. فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَشُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن أبي أوفى أوصى رسول الله. ص؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: فَكَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ وَأُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: وَقَالَ هُذَيْلٌ: أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ؟ لَوَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْدًا فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ أَخَذَ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ القراءة. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ. فقال: لست بخليفة الله ولكني خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ. أَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ الْمَكِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَجَّتْ مَكَّةُ فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ وَلِيَ النَّاسَ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: ابْنُكَ. قَالَ: أَرَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ بِرَجَّةٍ هِيَ دُونَ الأُولَى فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُكَ مَاتَ. فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: هَذَا خَبَرٌ جَلِيلٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالا لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: السُّوقَ. قَالا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالا لَهُ: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَكَ شَيْئًا. فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ وماكسوه فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيَّ الْقَضَاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَإِلَيَّ الْفَيْءُ. قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ الشَّهْرُ مَا يَخْتَصِمُ إِلَيَّ فِيهِ اثْنَانِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ رَجُلا رَأَى عَلَى عُنُقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَبَاءَةً فَقَالَ: مَا هَذَا؟ هَاتِهَا أَكْفِيكَهَا. فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي لا تَغُرَّنِي أَنْتَ وَابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِيَالِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ: افْرِضُوا لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ. قَالُوا: نَعَمْ. بُرْدَاهُ إِذَا أَخْلَقَهُمَا وَضَعَهُمَا وَأَخَذَ مِثْلَهُمَا وَظَهْرُهُ إِذَا سَافَرَ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا كَانَ يُنْفِقُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَضِيتُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ رَاحَ إِلَى السُّوقِ يَحْمِلُ أَبْرَادًا لَهُ وَقَالَ: لا تَغُرُّونِي مِنْ عِيَالِي. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِيَ لَمْ تَكُنْ لِتَعْجَزَ عن مؤونة أَهْلِي وَقَدْ شُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَأَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِمْ وَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما أستخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة. قال فزادوه خمسمائة. قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة. ذكر بيعة أبي بكر. رحمه اللَّهِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَبِيحَةَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَغَيْرُ هَؤُلاءِ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي بِبَعْضِهِ فَدَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. قَالُوا: بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مَنْزِلَهُ بِالسُّنْحِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ خَارِجَةَ بْنِ زيد بن أبي زهير من بني الحارث بْنِ الْخَزْرَجِ. وَكَانَ قَدْ حَجَّرَ عَلَيْهِ حُجْرَةً مِنْ شَعْرٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَدِينَةِ فَأَقَامَ هُنَاكَ بِالسُّنْحِ بعد ما بُويِعَ لَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَغْدُو عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَرُبَّمَا رَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ مُمَشَّقٌ فَيُوافِي الْمَدِينَةَ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِالنَّاسِ فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ. فَكَانَ إِذَا حَضَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَكَانَ يُقِيمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ بِالسُّنْحِ يَصْبُغُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ ثُمَّ يَرُوحُ لِقَدَرِ الْجُمُعَةِ فَيُجَمِّعُ بِالنَّاسِ. وَكَانَ رَجُلا تَاجِرًا فَكَانَ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ السُّوقَ فَيَبِيعَ وَيَبْتَاعَ. وَكَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ غَنْمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ نَفْسُهُ فِيهَا وَرُبَّمَا كُفِيَهَا فَرُعِيَتْ لَهُ. وَكَانَ يَحْلُبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ. فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ بِالْخِلافَةِ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا تُحْلَبِ لَنَا مَنَائِحَ دَارِنَا. فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: بَلَى لَعَمْرِي لأَحْلُبَنَّهَا لَكُمْ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرُنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ. فَكَانَ يَحْلُبُ لَهُمْ فَرُبَّمَا قَالَ لِلْجَارِيَةِ مِنَ الْحَيِّ: يَا جَارِيَةُ أَتُحِبِّينَ أَنْ أُرْغِيَ لَكِ أَوْ أُصَرِّحَ؟ فَرُبَّمَا قَالَتْ: أَرْغِ. وَرُبَّمَا قَالَتْ: صَرِّحْ. فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلَ. فَمَكَثَ كَذَلِكَ بِالسُّنْحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا وَنَظَرَ فِي أَمَرِهِ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ مَا يُصْلِحُ أَمْرَ النَّاسِ التِّجَارَةُ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمْ إِلا التَّفَرُّغُ وَالنَّظَرُ فِي شَأْنِهِمْ وَمَا بُدٌّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ. فَتَرَكَ التِّجَارَةَ وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَيَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ. وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِّي لا أُصِيبُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا. وَإِنَّ أَرْضِيَ الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ وَلَقُوحٌ وَعَبْدٌ صَيْقَلٌ وَقَطِيفَةٌ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمٍ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. ثُمَّ اعْتَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَدَخَلَ مَكَّةَ ضَحْوَةً فَأَتَى مَنْزِلَهُ وَأَبُو قُحَافَةَ جَالِسٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَعَهُ فِتْيَانٌ أَحْدَاثٌ يُحَدِّثُهُمْ إِلَى أَنْ قِيلَ لَهُ هَذَا ابْنُكَ. فَنَهَضَ قَائِمًا وَعَجَّلَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُنِيخَ رَاحِلَتَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا أَبَتِ لا تَقُمْ. ثُمَّ لاقَاهُ فَالْتَزَمَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْ أَبِي قُحَافَةَ وَجَعَلَ الشَّيْخُ يَبْكِي فَرَحًا بِقُدُومِهِ. وَجَاءَ إِلَى مَكَّةَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ وَسُهَيْلُ بْن عَمْرو وَعِكْرِمَةُ بْن أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ: سلام عليك يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَلَّمُوا عَلَى أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: يَا عَتِيقُ هَؤُلاءِ الْمَلأُ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَتِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ! طُوِّقْتُ عَظِيمًا مِنَ الأَمْرِ لا قُوَّةَ لِي بِهِ وَلا يَدَانِ إِلا بِاللَّهِ. ثُمَّ دَخَلَ فَاغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَنَحَّاهُمْ ثُمَّ قَالَ: امْشُوا عَلَى رِسْلِكُمْ. وَلَقِيَهُ النَّاسُ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَجْهِهِ وَيُعَزُّونَهُ بِنَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبْكِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَاضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ. فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ خَرَجَ فَطَافَ أَيْضًا بِالْبَيْتِ. ثُمَّ جَلَسَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ فَقَالَ: هَلْ مِنْ أَحَدٍ يَتَشَكَّى مِنْ ظُلامَةٍ أَوْ يَطْلُبُ حَقًّا؟ فَمَا أَتَاهُ أَحَدٌ وَأَثْنَى النَّاسُ عَلَى وَالِيهِمْ خَيْرًا. ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَجَلَسَ فَوَدَّعَهُ النَّاسُ. ثُمَّ خَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا كَانَ وَقْتَ الْحَجِّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. ذِكْرُ صِفَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلا نَحِيفًا خَفِيفَ اللَّحْمِ أَبْيَضَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَظَرَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ مَارًّا وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَشْبَهَ بِأَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا. فَقُلْنَا: صِفِي لَنَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَتْ: رَجُلٌ أَبْيَضُ. نَحِيفٌ. خَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ. أَجْنَأُ لا يَسْتَمْسِكُ إِزَارَهُ يَسْتَرْخِي عَنْ حَقْوَتِهِ. مَعْرُوقُ الْوَجْهِ. غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ. نَاتِئُ الْجَبْهَةِ. عَارِي الأَشَاجِعِ. هَذِهِ صِفَتُهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ يَذْكُرُ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَيْنِهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: مَرَرْتُ بِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ خَلِيفَةٌ يَوْمَئِذٍ وَلِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ قَانِيَةٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ كَأَنَّ لِحْيَتَهُ لُهَابِ الْعَرْفَجِ. شَيْخًا خَفِيفًا أَبْيَضَ. عَلَى نَاقَةٍ لَهُ أَدْمَاءَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهُمَا جَمْرُ الْغَضَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ. وَكَانَ جَلِيسًا لَهُمْ. كَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَغَدَا عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ حَمَّرَهَا فَقَالَ لَهُ القوم: هذا أحسن. فقال: إِنَّ أُمِّي عَائِشَةُ أَرْسَلَتْ إِلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارِيَتَهَا نُخَيْلَةَ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ لأَصْبُغَنَّ وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ صَبَغَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَذُكِرَ عِنْدَهَا رَجُلٌ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَتْ إِنْ يَخْضِبْ فَقَدْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ قَبْلَهُ بِالْحِنَّاءِ. قَالَ الْقَاسِمُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَضَبَ لَبَدَأْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَتْهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَخَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ وَلَكِنْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَخَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَخْتَضِبُ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: قُلْتُ فَعُمَرُ؟ قال: بالحناء. قال: قلت فالنبي. ص؟ قَالَ: لَمْ يُدْرِكْ ذَاكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خضب أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَيْثَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ خَضَبَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالا: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ كَانَ يُغَيِّرُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَشْيَاخٍ مِنَ الأَنْصَارِ بِمَكَّةَ فَسَأَلَهُمْ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ أَكَانَ عُمَرُ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ؟ فَقَالُوا: أَخْبَرَنَا فُلانٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ ضِرَامُ عَرْفَجٍ مِنْ شِدَّةَ الْحُمْرَةِ مِنَ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ عَنْ رَجُلٍ أَظُنُّهُ قَالَ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حدثه عن أنس خادم النبي. ص. قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وليس في أصحابه غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَغَلَّفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ سِيرِينَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ هَلْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْضِبُ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: حَسْبِي. ذكر وصية أبي بكر: قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالا: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُنْذُ دَخَلْتُ الإِمَارَةَ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَسْتَحِلُّهُ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ أَسْتَصْلِحُهُ جَهْدِي. وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ الْوَدَكِ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أُصِيبُ فِي التِّجَارَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عَبْدٌ نُوبِيُّ كَانَ يَحْمِلُ صِبْيَانَهُ وَإِذَا نَاضِحٌ كَانَ يَسْنِي عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ: نَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ. قَالَتْ فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ. قَالَتْ فَأَخْبَرَنِي جَدِّي أَنَّ عُمَرَ بَكَى وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شَدِيدًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عبيد الله عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ: إِنِّي لا أَعْلَمُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ اللِّقْحَةِ وَغَيْرَ هَذَا الْغُلامِ الصَّيْقَلِ كَانَ يَعْمَلُ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُنَا فَإِذَا مُتُّ فَادْفَعِيهِ إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا دَفَعْتُهُ إِلَى عُمَرَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بكر لقد أتعب من بعده. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَطَفْنَا بِغُرْفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرْضَتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا. قَالَ: فَقُلْنَا كَيْفَ أَصْبَحَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَى خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ. ص؟ قَالَ: فَاطَّلَعَ عَلَيْنَا إِطِّلاعَةً فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَرْضَوْنَ بِمَا أَصْنَعُ؟ قُلْنَا: بَلَى قَدْ رَضِينَا. قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ تُمَرِّضُهُ. قَالَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْئَهُمْ مَعَ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَانْظُرُوا إِذَا رَجَعْتُمْ مِنِّي فَانْظُرُوا مَا كَانَ عِنْدَنَا فَأَبْلِغُوهُ عُمَرَ. قَالَ: فَذَاكَ حيث عرفوه أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ. قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ. مَا كَانَ إِلا خَادِمٌ وَلَقْحَةٌ وَمِحْلَبٌ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ يُحْمَلُ إِلَيْهِ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آلافٍ كَانَ أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَدَعْنِي حَتَّى أَصَبْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ وَإِنَّ حَائِطِيَ الَّذِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فِيهَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَحَبَّ أَنْ لا يدع لأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالا وَأَنَا وَالِي الأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ مَا عِنْدِي مِنْ مَالٍ إِلا لِقْحَةٌ وَقَدَحٌ فَإِذَا مُتُّ فَاذْهَبُوا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا مَاتَ ذَهَبُوا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أبا بكر لقد أتعب من بعده. . قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَسَمَ أَبِي أَوَّلَ عَامٍ الْفَيْءَ فَأَعْطَى الْحَرَّ عَشَرَةً وَأَعْطَى الْمَمْلُوكَ عَشَرَةً وَالْمَرْأَةَ عَشَرَةً وَأَمَتَهَا عَشَرَةً. ثُمَّ قَسَمَ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَأَعْطَاهُمْ عِشْرِينَ عِشْرِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أُسَيْرٍ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرَضِهِ فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ اعْهَدْ إِلَيَّ عَهْدًا فَإِنِّي لا أَرَاكَ تَعْهَدُ إِلَيَّ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: أَجَلْ يَا سَلْمَانُ إِنَّهَا سَتَكُونُ فُتُوحٌ فَلا أَعْرِفَنَّ مَا كَانَ مِنْ حَظِّكَ مِنْهَا مَا جَعَلْتَ فِي بَطْنِكَ أَوْ أَلْقَيْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ. فَلا تَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ اللَّهِ فَيَطْلُبَكَ اللَّهُ بِذِمَّتِهِ فَيُكِبَّكَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَكَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى بِخُمْسِ مَالِهِ. أَوْ قَالَ آخُذُ مِنْ مَالِي مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِي مِنْ مَالِي مَا رَضِيَ رَبِّي مِنَ الْغَنِيمَةِ فَأَوْصَى بِالْخُمُسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى بِالْخُمُسِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةُ فَإِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ غِنًى إِلَيَّ بَعْدِي أَنْتِ وَإِنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي أَنْتِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِهِ وَأَخَذْتِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ وَهُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. قَالَتْ: قُلْتُ هَذَا أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَايَ؟ قَالَ: ذَاتُ بَطْنِ ابْنَةَ خَارِجَةَ فَإِنِّي أَظُنُّهَا جَارِيَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْكِبَاشِ الْكِنْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا أَنْ ثَقُلَ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِي أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكِ وَقَدْ كُنْتُ أَقْطَعْتُكِ أَرْضًا بِالْبَحْرَيْنِ وَلا أُرَاكِ رَزَأْتِ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَتْ لَهُ: أَجَلْ. قَالَ: فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ. وَكَانَتْ تُرْضِعُ ابْنَهُ. وَهَاتَيْنِ اللِّقْحَتَيْنِ وَحَالِبَهُمَا إِلَى عُمَرَ. وَكَانَ يَسْقِي لَبَنَهُمَا جُلَسَاءَهُ. وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ شَيْءٌ. فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ بَعَثَتْ عَائِشَةُ بِالْغُلامِ وَاللَّقْحَتَيْنِ وَالْجَارِيَةِ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. فَقَبِلَ اللِّقْحَتَيْنِ وَالْغُلامَ وَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَاهَا فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِي بَعْدِي أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى مِنْكِ وَلا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ مِنْ أَرْضٍ بِالْعَالِيَةِ جِدَادَ. يَعْنِي صِرَامَ. عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِهِ تَمْرًا عَامًا وَاحِدًا انْحَازَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ. فَقَالَ: وَذَاتُ بَطْنِ ابْنَةَ خَارِجَةَ قَدْ أُلْقِيَ فِي رُوعِيَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ فَاسْتَوْصِي بِهَا خَيْرًا. فَوَلَدَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْمَالُ الَّذِي نَحَلَ عَائِشَةَ بِالْعَالِيَةِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ بِئْرَ حُجْرٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْمَالَ فَأَصْلَحَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَرَسَ فِيهِ وَدِيًّا. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ نَضَّرُ بْنُ بَابٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا احْتُضِرَ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَيْ بُنَيَّةُ قَدْ عَلِمْتِ أَنَّكِ كُنْتِ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَعَزَّهُمْ وَأَنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ أَرْضِيَ الَّتِي تَعْلَمِينَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا أَحَبُّ أَنْ تَرُدِّيهَا عَلَيَّ فَيَكُونَ ذَلِكَ قِسْمَةٌ بَيْنَ وَلَدِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَأَلْقَى رَبِّي حِينَ أَلْقَاهُ وَلَمْ أُفَضِّلْ بَعْضَ وَلَدِي عَلَى بَعْضٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَبُو أُسَامَةَ قَالا: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة قَالَتْ: مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ضَرَبَ اللَّهُ سِكَّتَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا حُضِرَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ كَلِمَةً مِنْ قَوْلِ حَاتِمٍ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَقَالَ: لا تَقُولِي هَكَذَا يَا بُنَيَّةَ وَلَكِنْ قُولِي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. انظروا ملاءتي هاتين فإذا مت فاغسلوها وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عُبَيْدٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يُعَالِجُ مَا يُعَالِجُ الْمَيِّتُ وَنَفَسُهُ فِي صَدْرِهِ فَتَمَثَّلْتُ هَذَا الْبَيْتَ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَنَظَرَ إِلَيْهَا كَالْغَضْبَانِ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنْ وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. إِنِّي قَدْ كُنْتُ نَحَلْتُكِ حَائِطًا وَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا فَرُدِّيهِ إِلَى الْمِيرَاثِ. قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَدْتُهُ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّا مُنْذُ وَلِينَا أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ نَأْكُلْ لَهُمْ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلَكِنَّا قَدْ أَكَلْنَا مِنْ جَرِيشِ طَعَامُهُمْ فِي بُطُونِنَا وَلَبِسْنَا مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ عَلَى ظُهُورِنَا وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ إِلا هَذَا الْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ وَهَذَا الْبَعِيرُ النَّاضِحُ وَجَرْدُ هَذِهِ الْقَطِيفَةِ فَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهِنَّ إِلَى عُمَرَ وَابْرَئِي مِنْهُنَّ. فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ عُمَرَ بَكَى حَتَّى جَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ فِي الأَرْضِ وَيَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. رَحِمَ الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. يَا غُلامُ ارْفَعْهُنَّ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَسْلُبُ عِيَالَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَبَعِيرًا نَاضِحًا وَجَرْدَ قَطِيفَةٍ ثَمَنَ خَمْسَةِ الدَّرَاهِمِ؟ قَالَ: فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: تَرُدُّهُنَّ عَلَى عِيَالِهِ. فَقَالَ: لا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ. أَوْ كَمَا حَلَفَ. لا يَكُونُ هَذَا في وِلايَتِي أَبَدًا وَلا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَرُدُّهُنَّ أَنَا عَلَى عِيَالِهِ. الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ فَقَالَ أبو بكر: ليس كذلك أي بنية ولكن جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَتَتْهُ عَائِشَةُ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ هَذَا كَمَا قَالَ حَاتِمٌ: إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ قَوْلُ الله أصدق. جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلِي أَخْلاقِي فَاجْعَلِيهَا أَكْفَانِي. فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ قَدْ رَزَقَ اللَّهُ وَأَحْسَنَ. نكفنك في جديد. قَالَ: إِنَّ الْحَيَّ هُوَ أَحْوَجُ يَصُونُ نَفْسَهُ وَيُقَنِّعُهَا مِنَ الْمَيِّتِ. إِنَّمَا يَصِيرُ إِلَى الصَّدِيدِ وَإِلَى الْبِلَى. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا مَرِضَ فَثَقُلَ قَعَدَتْ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَتْ: كُلُّ ذِي إِبِلٍ مَوْرُوثُهَا ... وَكُلُّ ذِي سَلَبٍ مَسْلُوبُ فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قُلْتِ يَا بِنْتَاهُ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْضِي: وَأَبْيَضُ يَسْتَسْقِي الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ سُمَيَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ لا يَزَالُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ فَقَالَ أبو بكر: جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ: لا تَزَالُ تَنْعَى حَبِيبًا حَتَّى تَكُونَهُ ... وَقَدْ يَرْجُو الْفَتَى الرَّجَا يَمُوتُ دُونَهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا أَلا نَدْعُو الطَّبِيبَ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآنِي فَقَالَ إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي خَضِرَةٌ تَأَكُلُنِي الدَّوَابُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ كَانَا يَأْكُلانِ خَزِيرَةً أُهْدِيَتْ لأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ الْحَارِثُ لأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. وَاللَّهِ إِنَّ فِيهَا لَسَمُّ سَنَةٍ وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قَالَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَمْ يَزَالا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ. وَلأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ. وَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بَرَدَانُ بْنُ أَبِي النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ. دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا اسْتُعِزَّ بِهِ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هُوَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ فِيهِ. ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ. فَقَالَ: أَنْتَ أَخْبَرُنَا بِهِ. فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: اللَّهُمَّ عِلْمِي بِهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلانِيَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا مِثْلَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَاللَّهِ لَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُكَ. وَشَاوَرَ مَعَهُمَا سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الأَعْوَرِ وَأُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ فَقَالَ أُسَيْدٌ: اللَّهُمَّ أَعْلَمُهُ الْخَيْرَةَ بَعْدَكَ. يَرْضَى لِلرِّضَى وَيَسْخَطُ لِلسُّخْطِ. الَّذِي يُسِرُّ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي يُعْلِنُ. وَلَمْ يَلِ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْهُ. وَسَمِعَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُخُولِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانَ عَلَى أَبِي بكر وخلوتهما به فدخلوا بِهِ فَدَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ إِذَا سَأَلَكَ عَنِ اسْتِخْلافِكَ عُمَرَ؟ لِعُمَرَ عَلَيْنَا وَقَدْ تَرَى غِلْظَتَهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي. أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ خَابَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ أَمْرِكُمْ بِظُلْمٍ. أَقُولُ اللَّهُمَّ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرُ أَهْلِكَ. أَبْلِغْ عَنِّي مَا قُلْتُ لَكَ مَنْ وَرَاءَكَ. ثُمَّ اضْطَجَعَ وَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا حَيْثُ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ وَيُوقِنُ الْفَاجِرُ وَيُصَدِّقُ الْكَاذِبَ. إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. وَإِنِّي لَمْ آلُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَدِينَهُ وَنَفْسِي وَإِيَّاكُمْ خَيْرًا. فَإِنْ عَدَلَ فَذَلِكَ ظَنِّي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ. وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ. وَالْخَيْرُ أَرَدْتُ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ. سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِتَابِ فَخَتَمَهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا أَمْلَى أَبُو بَكْرٍ صَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ: بَقِيَ ذِكْرُ عُمَرَ فَذَهَبَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ أَحَدًا. فَكَتَبَ عُثْمَانُ: إِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. ثُمَّ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ مَا كَتَبْتَ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ ذِكْرَ عُمَرَ فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ إِنْ أَقْبَلَتْ نَفْسِي فِي غَشْيَتِي تِلْكَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فجزاك الله عن الإسلام مَخْتُومًا وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأُسَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَظِيُّ فَقَالَ عُثْمَانُ لِلنَّاسِ: أَتُبَايِعُونَ لِمَنْ فِي هَذَا الْكِتَابِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ عَلِمْنَا بِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَلِيٌّ الْقَائِلُ وَهُوَ عُمَرُ. فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ جَمِيعًا وَرَضُوا بِهِ وَبَايَعُوا ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ خَالِيًا فَأَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدَهُ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ مَدًّا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلا صَلاحَهُمْ وَخِفْتُ عَلَيْهِمُ الْفِتْنَةَ فَعَمِلْتُ فِيهِمْ بِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ وَاجْتَهَدْتُ لَهُمْ رَأْيِي فَوَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَهُمْ وَأَقْوَاهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَصَهُمْ عَلَى مَا أَرْشَدَهُمْ وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْ أَمْرِكَ مَا حَضَرَ فَاخْلُفْنِي فِيهِمْ فَهُمْ عِبَادُكَ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِكَ أَصْلِحْ لَهُمْ وَإِلَيْهِمْ وَاجْعَلْهُ مِنْ خُلَفَائِكَ الرَّاشِدِينَ يَتَّبِعْ هُدَى نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَهُدَى الصَّالِحِينَ بَعْدَهُ وَأَصْلِحْ لَهُ رَعِيَّتَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: قُلْنَا يَوْمُ الاثْنَيْنِ. قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ قُبِضَ رسول الله. ص؟ قَالَتْ: قُلْنَا قُبِضَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ. قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. قَالَتْ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فِيهِ رَدْعٌ مِنْ مِشْقٍ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَضُمُّوا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ. فَقُلْنَا: أَلا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟ قَالَ فَقَالَ: لا. إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَتْ فَمَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ. رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ رسول الله. ص؟ قَالَتْ: فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ. قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ. إِنِّي لأَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَفِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟ قَالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْظُرِي ثَوْبِي هَذَا فِيهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٌ فَاغْسِلِيهِ وَاجْعَلِي مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أَبَتِ هُوَ خَلَقٌ. فَقَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَعْطَاهُمْ حُلَّةً حِبَرَةً فَأُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا ثُمَّ اسْتَخْرَجُوهُ مِنْهَا فَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ. فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُلَّةَ فَقَالَ: لأُكَفِّنَنَّ نَفْسِي فِي شَيْءٍ مَسَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهِ لا أُكَفَّنُ فِي شَيْءٍ مَنَعَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ. وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ وَدُفِنَ لَيْلا. وَمَاتَتْ عَائِشَةُ لَيْلا فَدَفَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ اللَّيْثِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ مَوْلَى آلِ مَظْعُونٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالُوا: كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ مَرَضِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ. وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا. فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا يَخْرُجُ إِلَى صَلاةٍ. وَكَانَ يَأْمُرُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَيَدْخُلُ النَّاسُ عَلَيْهِ يَعُودُونَهُ وَهُوَ يَثْقُلُ كُلَّ يَوْمٍ وَهُوَ نَازِلٌ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِهِ الَّتِي قَطَعَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِجَاهَ دَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْيَوْمَ. وَكَانَ عُثْمَانُ أَلْزَمَهُمْ لَهُ فِي مَرَضِهِ. وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ. مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنْ مُهَاجِرِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ خِلافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ. وَكَانَ أَبُو مَعْشَرٍ يَقُولُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلا أَرْبَعَ لَيَالٍ. وَتُوُفِّيَ. رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا. اسْتَوْفَى سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلاثِ سِنِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: اسْتَكْمَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلافَتِهِ سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امرأته أسماء. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ أَسْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تَغْسِلَهُ إِذَا مَاتَ وَعَزَمَ عَلَيْهَا: لَمَا أَفْطَرْتِ لأَنَّهُ أَقْوَى لَكِ. فَذَكَرَتْ يَمِينَهُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَدَعَتْ بِمَاءٍ فَشَرِبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أُتْبِعُهُ الْيَوْمَ حِنْثًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَبِرَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ فَإِنْ عَجَزَتْ أَعَانَهَا ابْنُهَا مِنْهُ. مُحَمَّدٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا وَهَلٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: هَذَا خَطَأٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْسِلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعِ اسْتَعَانَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا الثَّبْتُ. وَكَيْفَ يُعِينُهَا مُحَمَّدٌ ابْنُهَا وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَكَانَ لَهُ يَوْمَ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ ثَلاثُ سِنِينَ أو نحوها؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ أسماء بنت عميس. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ غَسَلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ غُسْلٌ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ حَاجِبِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: غَسَّلْتُهُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ فَسَأَلَتْ عُثْمَانَ هَلْ عَلَيْهَا غُسْلٌ؟ فَقَالَ: لا. وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَلا يُنْكِرُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَيْطَتَيْنِ. رَيْطَةٌ بَيْضَاءُ وَرَيْطَةٌ مُمَصَّرَةٌ. وَقَالَ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْكِسْوَةِ مِنَ الْمَيِّتِ. إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَفِيهِ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا ثَوْبٌ مُمَصَّرٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ: في كم كفن رسول الله. ص؟ قَالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ. لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ. فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا هَذَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مِنْدَلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ غَسِيلَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي كَمْ كُفِّنَ. قَالَ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ. قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكُمْ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زهير عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ. قَالَ شَرِيكٌ مُعَقَّدَيْنِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمَوْصُولَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَهُمْ أَنْ يَرْحَضُوا أَخْلاقَهُ فَيَدْفِنُوهُ فِيهَا. قَالَ: وَدُفِنَ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا وَاغْسِلُوهُمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلَةِ وَالتُّرَابِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَكَفِّنُونِي فِيهِ فَإِنَّ الْحَيَّ أَفْقَرُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ غَسِيلَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَيُّ أَوْلَى بِالْجَدِيدِ. إِنَّمَا الْكَفَنُ لِلْمُهْلَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا غَسِيلٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَمُحَمَّدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُكَفَّنَ بِثَوْبَيْنِ عَلَيْهِ كَانَ يَلْبَسُهُمَا. قَالَ: كَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ هُوَ أَفْقَرُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا غَسِيلٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ؟ قَالَ: عُمَرُ. قَالَ: كَمْ كَبَّرَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَرْبَعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: صلى عمرو عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ الله بن حنطب أن أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ تُجَاهَ الْمِنْبَرِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ وَكِيعٌ أَوْ غَيْرُهُ شَكَّ هِشَامٌ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَشُكُّ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ في المسجد. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَمَرَّ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ فَقَالَ: أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حفص بن غياث عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلانِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ حِينَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ رَجَّعَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالا: الَّذِي صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى صُهَيْبٌ عَلَى عُمَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى عُمَرُ عَلَى أبي بكر. قال: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ. شَكَّ هِشَامٌ. أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلا فَدَفَنَّاهُ قَبْلَ أَنْ نُصْبِحَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سُئِلَ أَيُقْبَرُ الْمَيِّتُ لَيْلا؟ فَقَالَ: قَدْ قُبِرَ أَبُو بَكْرٍ بِاللَّيْلِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ أَبَا بَكْرٍ لَيْلا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ بِثَلاثٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. قال: أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني عن الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دُفِنَ لَيْلا. أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلا. دَفَنَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ أَبَا بَكْرٍ لَيْلا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ دَفْنَ أَبِي بَكْرٍ فَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ بن عبد اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْزِلَ فَقَالَ عُمَرُ كُفِيتَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ أَقَامَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ النَّوْحَ فَبَلَغَ عُمَرَ فَجَاءَ فَنَهَاهُنَّ عَنِ النَّوْحِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ. فَقَالَ لِهِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَخْرِجْ إِلَيَّ ابْنَةَ أَبِي قُحَافَةَ. فَعَلاهَا بِالدِّرَّةِ ضَرَبَاتٍ فَتَفَرَّقَ النَّوَائِحِ حِينَ سَمِعْنَ ذَلِكَ. وَقَالَ: تُرِدْنَ أَنْ يُعَذَّبَ أَبُو بَكْرٍ بِبُكَائِكُنَّ؟ إِنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَصْبَحْنَا فَاجْتَمَعَ نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَقَامُوا النَّوْحَ وَأَبُو بَكْرٍ يُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ. فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الخطاب بالنوح ففرقن فو الله عَلَى ذَلِكَ إِنْ كُنَّ لَيُفَرَّقْنَ وَيَجْتَمِعْنَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سبرة عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولانِ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ عائشة أن يدفن إِلَى جَنْبِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا تُوُفِّيَ حُفِرَ لَهُ وَجُعِلَ رَأْسُهُ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُلْصِقَ اللَّحْدُ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُبِرَ هُنَاكَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: رَأْسُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ حَقْوَيْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَطَّحًا وَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّةَ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ. فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورٍ لا مُشْرِفَةٍ وَلا لاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمًا وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ. وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ رِجْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَوَصَفَ الْقَاسِمُ قُبُورَهُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بن أنس عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: سَمِعَ أَبُوَ قُحَافَةَ الْهَائِعَةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: تُوُفِّيَ ابْنُكَ. قَالَ: رُزْءٌ جَلِيلٌ. مَنْ قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: عُمَرُ. قَالَ: صَاحِبُهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَرِثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ السُّدْسَ وورثه ماله وَلَدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٌ وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ بَنُو أَبِي بَكْرٍ وَامْرَأَتَاهُ أسماء بنت عميس وحبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَهِيَ أُمُّ أُمِّ كُلْثُومٍ وَكَانَتْ بِهَا نَسْأً حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. رحمه اللَّهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: كُلِّمَ أَبُو قُحَافَةَ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. رَحِمَهُ اللَّهُ. فَقَالَ: قَدْ رَدَدْتُ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ. قَالُوا: ثُمَّ لَمْ يَعِشْ أَبُو قُحَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ إِلا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا. وَتُوُفِّيَ فِي الْمُحْرِمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ عَنْ حِبَّانِ الصَّائِغِ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَبِي بَكْرٍ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ بِسْطَامِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّ قُوَّتِي لَكَ مَعَ فَضْلِكَ. قَالَ فَبَايَعَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَقَدْ قَصِعَتْ لِحْيَتِي فَقَالَ: مَا لَكَ عَنِ الْخِضَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ أَكْرَهُهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ. قَالَ: فَاصْبِغْ بِالْوَسِمَةِ فَإِنِّي كُنْتُ أَخْضِبُ بِهَا حَتَّى تَحَرَّكَ فَمِي. ثُمَّ قَالَ إِنَّ أُنَاسًا مِنْ حَمْقَى قُرَّائِكُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ خِضَابَ اللِّحَى حَرَامٌ وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَوِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ. قَالَ زُهَيْرٌ الشَّكُّ مِنْ غَيْرِي. عَنْ خِضَابِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ فَهَذَا الصِّدِّيقُ قَدْ خَضَبَ. قَالَ: قُلْتُ الصِّدِّيقُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوِ الْكَعْبَةِ إِنَّهُ الصديق. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا فَلا وَاللَّهِ مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي وُلِّيتُ هَذَا الأمر وأنا له كاره وو الله لَوَدِدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ. أَلا وَإِنَّكُمْ إِنْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ بِمِثْلِ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَقِمْ به. كان رسول الله. ص. عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ وَعَصَمَهُ بِهِ. أَلا وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ فَرَاعُونِي. فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي وَإِنْ رَأَيْتُمُونِي زِغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَاعْلَمُوا أَنَّ لِيَ شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي لا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلا مِنَّا فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ وَالآخَرُ مِنَّا. قَالَ فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّ الإِمَامَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ صَبِيحَةَ التَّيْمِيِّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ جَدِّهِ صَبِيحَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ عَنْ أَبِيهِ. دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بعض. أن أبا بكر الصِّدِّيقَ كَانَ لَهُ بَيْتُ مَالٍ بِالسُّنْحِ مَعْرُوفٌ لَيْسَ يَحْرُسُهُ أَحَدٌ. فَقِيلَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلا تَجْعَلُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَحْرُسُهُ؟ فَقَالَ: لا يُخَافُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: عَلَيْهِ قُفْلٌ. قَالَ: وَكَانَ يُعْطِي مَا فِيهِ حَتَّى لا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ. فَلَمَّا تَحَوَّلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ حَوَّلَهُ فَجَعَلَ بَيْتَ مَالِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. وَكَانَ قَدِمَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ مَعْدِنِ الْقَبَلِيَّةِ وَمِنْ مَعَادِنِ جُهَيْنَةَ كَثِيرٌ وَانْفَتَحَ مَعْدِنُ بَنِي سُلَيْمٍ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِصَدَقَتِهِ فَكَانَ يُوضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُهُ عَلَى النَّاسِ نُقَرًا نُقَرًا فَيُصِيبُ كُلُّ مِائَةِ إِنْسَانٍ كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ يُسَوِّي بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقَسْمِ الْحَرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَكَانَ يَشْتَرِي الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالسِّلاحَ فَيَحْمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَاشْتَرَى عَامًا قَطَائِفَ أَتَى بِهَا مِنَ الْبَادِيَةِ فَفَرَّقَهَا فِي أَرَامِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الشِّتَاءِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَدُفِنَ دَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الأُمَنَاءَ وَدَخَلَ بِهِمْ بَيْتَ مَالِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَغَيْرُهُمَا فَفَتَحُوا بَيْتَ الْمَالِ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَوَجَدُوا خَيْشَةً لِلْمَالِ فَنُقِضَتْ فَوَجَدُوا فِيهَا دِرْهَمًا فَرَحَّمُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَزَّانٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَزِنُ مَا كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ مَالٍ. فَسُئِلَ الْوَزَّانُ كَمْ بَلَغَ ذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي وَرَدَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: مِائَتَيْ أَلْفٍ.
أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشي التيمي
خليفة رسول الله. نذكره في حرف العين. عن سراقة بن جعثم قال: لما خرج رسول الله من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش لمن يرده مئة ناقة. قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة، مروا علي آنفاً، إني لأراهم محمداً وأصحابه قال: فأهويت له يعني أن اسكت. قال: وقلت: إنما هم بنوا فلان يبغون ضالة لهم. قال: لعله، ثم سكت. فمكثت قليلاً ثم قمت فأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي، وأخرجت سلاحي من وراء حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ثم لبست لأمتي ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج القسم الذي أكره: لا يضره، قال: وكنت أرجو أن أرده فآخذ المئة ناقة. قال: فركبت في أثره. قال: فبينا فرسي يشتد حتى عثر، فسقطت عنه. قال: فأخرجت قداحي فاستقسمت فخرج السهم الذي أكره: لا يضره. قال: فأبيت إلا أن أتبعه فركبت. فلما بدا لي القوم ونظرت إليهم عثر فرسي وذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه، واستخرج يديه واتبعهما دخانٌ مثل الإعصار، فعرفت أنه قد منع مني وأنه ظاهر فناديتهم فقلت: انظروا فو الله لأريبنكم ولايأتيكم مني شيء تكرهونه، فقال رسول الله: قل له ماذا تبتغي؟ فقلت: اكتب لي كتاباً يكون بيني وبينك آية. قال: اكتب له يا أبا بكر. فكتب ثم ألقاه إلي فرجعت، فسكت. فلم أذكر شيئاً مما كان حتى إذا فتح الله عز وجل على رسوله مكة وفرغ من حنين خرجت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لألقاه، ومعي الكتاب الذي كتب لي. قال: فبينا أنا عامد له دخلت بين ظهران كتيبة من كتائب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على ناقة أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة قال: فرفعت يدي بالكتاب. فقلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا كتابك. قال: فقال رسول الله: هذا يوم وفاء وبر ادنه. قال: فأسلمت. ثم ذكرت شيئاً أسأل عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما ذكرت شيئاً إلا أني
قلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الضالة تغشى حياضنا قد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر أن أسقيها؟ فقال رسول الله: نعم، لك في كل ذات كبد حرى أجر. قال: فانصرفت، وسقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقتي.
خليفة رسول الله. نذكره في حرف العين. عن سراقة بن جعثم قال: لما خرج رسول الله من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش لمن يرده مئة ناقة. قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة، مروا علي آنفاً، إني لأراهم محمداً وأصحابه قال: فأهويت له يعني أن اسكت. قال: وقلت: إنما هم بنوا فلان يبغون ضالة لهم. قال: لعله، ثم سكت. فمكثت قليلاً ثم قمت فأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي، وأخرجت سلاحي من وراء حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ثم لبست لأمتي ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج القسم الذي أكره: لا يضره، قال: وكنت أرجو أن أرده فآخذ المئة ناقة. قال: فركبت في أثره. قال: فبينا فرسي يشتد حتى عثر، فسقطت عنه. قال: فأخرجت قداحي فاستقسمت فخرج السهم الذي أكره: لا يضره. قال: فأبيت إلا أن أتبعه فركبت. فلما بدا لي القوم ونظرت إليهم عثر فرسي وذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه، واستخرج يديه واتبعهما دخانٌ مثل الإعصار، فعرفت أنه قد منع مني وأنه ظاهر فناديتهم فقلت: انظروا فو الله لأريبنكم ولايأتيكم مني شيء تكرهونه، فقال رسول الله: قل له ماذا تبتغي؟ فقلت: اكتب لي كتاباً يكون بيني وبينك آية. قال: اكتب له يا أبا بكر. فكتب ثم ألقاه إلي فرجعت، فسكت. فلم أذكر شيئاً مما كان حتى إذا فتح الله عز وجل على رسوله مكة وفرغ من حنين خرجت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لألقاه، ومعي الكتاب الذي كتب لي. قال: فبينا أنا عامد له دخلت بين ظهران كتيبة من كتائب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على ناقة أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة قال: فرفعت يدي بالكتاب. فقلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا كتابك. قال: فقال رسول الله: هذا يوم وفاء وبر ادنه. قال: فأسلمت. ثم ذكرت شيئاً أسأل عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما ذكرت شيئاً إلا أني
قلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الضالة تغشى حياضنا قد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر أن أسقيها؟ فقال رسول الله: نعم، لك في كل ذات كبد حرى أجر. قال: فانصرفت، وسقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقتي.
أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِسَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ.
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ.
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) .
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
مُوْسَى قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) .
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ ) .
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .
وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ.
وَعَنْ.... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ.وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ :.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ.
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً.فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم ) .
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ.قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ.وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
حَفْصٍ يَقُوْلُ:هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ) .
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟
وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ.
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ.... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث.
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
..................................................................................
كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ.
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) .
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى.قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ.
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي
نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ.وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]
قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ) .
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي.
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ.
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ) .وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
[المَائِدَة: 64] .وَكَانَ هِجِّيرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ.
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً. وَقَدْ
نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِسَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ.
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ.
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) .
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
مُوْسَى قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) .
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ ) .
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .
وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ.
وَعَنْ.... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ.وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ :.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ.
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً.فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم ) .
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ.قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ.وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
حَفْصٍ يَقُوْلُ:هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ) .
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟
وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ.
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ.... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث.
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
..................................................................................
كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ.
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) .
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى.قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ.
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي
نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ.وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]
قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ) .
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي.
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ.
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ) .وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
[المَائِدَة: 64] .وَكَانَ هِجِّيرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ.
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً. وَقَدْ
نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
أبو هريرة الدوسي
صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً. كان اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، وكنيته أبو الأسود. فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، وكناه بأبي هريرة. وقيل: سمي في الإسلام عبد الرحمن. وإنما كني بأبي هريرة لأنه كان يرعى غنماً لأبيه فوجد أولاد هرة. قال: فجعلتها في كمي، فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هر في صفتي فقال: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هر وجدتها. قال: فأنت أبو هريرة. فلزمتني. وكان وسيطاً في دوس، حيث يحب أن يكون منهم. وقيل: إنه لما أسلم سمي عبد الله بن عامر بن عبد البشر، والبشر: صنم كان بأرضهم. ويقال: كان اسمه عبد نهم، وعبد غنم، ويقال: سكين ويقال: جرثوم. ويقال: عبد العزى، وقيل: سكين بن وذمة، قيل ابن مل. وقيل: ابن هانئ، وفيه اختلاف. شهد اليرموك، وقدم دمشق في خلافة معاوية، وحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطن بمكانه فيعطى.
وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي. والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى الله، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل. وعن أبي هريرة أنه قال في بيت أم الدرداء: ثلاث هن كفر: النياحة، وشق الجيب، والطعن في النسب. وكان أبو هريرة قاضياً بالمدينة. وقيل: كان اسمه سعد بن الحارث. وقيل: كان اسمه عبد ياليل، وقيل: برير بن عشرقة، وقيل: عبد تيم. وكان ينزل ذا الحليفة، وله دار بالمدينة تصدق بها على مواليه، فباعوها بعد ذلك من عمر بن بزيع. وكان سعد بن صفيح خال أبي هريرة من أشد أهل زمانه، فكان لا يأخذ أحداً من قريش إلا قتله بأبي أزيهر الدوسي. وكان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألزمهم له. وروى عنه: ابن عباس وأنس بن مالك وابن عمر وواثلة بن الأسقع في ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحبه على شبع بطنه، فكان يده مع يده، يدور معه حيثما دار، إلى أن مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان من أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآثاره. دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يحببه إلى المؤمنين من عباده.
كان إسلامه بين الحديبية وخيبر. قدم المدينة مهاجراً وأسلم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فشهد فتح خيبر ولم يسهم له، سكن الصفة، ولم يشتغل بالصفق في الأسواق، ولا بغرس الودي، وقطع الأعذاق. لزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، مختاراً العدم، وكان يشهد إذا غابوا، ويتحفظ إذا نسوا بسط نمرته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أفرغ فيها من حديثه فجمعها إلى صدره. فصار للعلوم واعياً، ومن الهموم خالياً. كان من الذاكرين لله كثيراً. قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هر. قال: ثكلتك أمك أبا هر. والذكر خير من الأنثى. قال ابن خثيم لعبد الرحمن: صف لي أبا هريرة فقال: رجل آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذو ضفيرتين، أفرق الثنيتين. قال قرة بن خالد: قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً؟ قال: لا، بل كان ليناً. قلت: فما كان ثوبه؟ قال: كان أبيض. قلت: هل كان يخضب؟ قال: نعم، نحو ما ترى. وأهوى محمد بيده إلى لحيته وهو حمراء. قلت: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى. قال: وعلى محمد ثوبان ممشقان من كتان. قال: وتمخط يوماً فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان؟! وعن أبي العالية قال: لما أيلم أبو هريرة قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ممن أنت؟ قال: من دوس. فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على جبينه ثم نفضها وقال: ما كنت أرى من دوس أحداً فيه خير. وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستخلف سباع بن عرفطة على المدينة. قال أبو هريرة:
وقدمت المدينة مهاجراً، فصليت الصبح وراء سباع، فقرأ في السجدة الأولى سورة مريم، وفي الآخرة " ويل للمطففين " فقال أبو هريرة: فقلت: ويل لأبي فل؛ لرجل كان بأرض الأزد، وكان له مكيالان: مكيال يكتال به لنفسه، ومكيال يبخس به الناس. قال قيس: أتينا أبا هريرة نسلم عليه. فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، فما كانت سنوات قط أعقل منهن ولا أحب إلي أن أعي ما يقول فيهن الحديث. وعن أبي هريرة قال: لقد رأيتني وأنا أصرع بين القبر والمنبر حتى يقول الناس: مجنون، وما بي جنون، إن هو إلا الجوع. وعن أبي هريرة قال: كنت في الصفة يعني من أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر عجوة. فكنا نقرن التمرتين من الجوع. فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه:
إني قد قرنت فاقرنوا. وعن أبي هريرة قال: كان أهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، ووالله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، وما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم حين رآني وقال: أبا هر! فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: الحق. ومضى فاتبعته، ودخل منزله، فاستأذنت فأذن لي، فوجد لبناً في قدح. فقال: من أين هذا اللبن لكم؟ فقيل: أهداه لنا فلان. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: الحق إلى أهل
الصفة فادعهم لي وهم أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك وقلت: هذا القدح بين أهل الصفة، وأنا رسوله إليهم، فسيأمرني أن لأدور به عليهم، فما عسى أن يصيبني منه، وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني؟! ولم يكن بد من طاعة الله وطاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فلما دخلوا عليه، فأخذوا مجالسهم قال: أبا هر، خذ القدح فأعطهم، فأخذت القدح، فجعلت أناوله الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده، فأناوله الآخر حتى انتهيت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد روي القوم كلهم فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القدح، فوضعه على يده، ثم رفع رأسه إلي فتبسم وقال: أبا هر. فقلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اقعد واشرب. فشربت. ثم قال: اشرب فشربت ثم قال: اشرب. فلم أزل أشرب، ويقول: اشرب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدح، فحمد الله وسمى وشرب. وعن أبي هريرة قال: كنت من أصحاب الصفة، فظللت صائماً، فأمسيت وأنا أشتكي بطني، فانطلقت لأقضي حاجتي، فجئت وقد أكل الطعام وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إلى أهل الصفة فقلت: إلى من؟ فقلت: إلى عمر بن الخطاب، فأتيته وهو يسبح بعد الصلاة، فانتظرته، فلما انصرف دنوت منه فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام قال: فأقرأني آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب، فأبطأ. فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فمشيت، فاستقبلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمني فقال: يا أبا هر، إن خلوف فيك شديد. فقلت: أجل يا رسول الله، لقد ظللت صائماً وما أفطرت بعد، وما أجد ما أفطر عليه. قال: فانطلق. فانطلقت معه، حتى أتى بيته، فدعا جارية له سوداء فقال: ائتنا بتلك القصعة، فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيراً قد أكل فبقي في جوانبها بعضه وهو يسير. فسميت وجعلت أتتبعه، فأكلت حتى شبعت.
قال أبو هريرة: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع، فوجدت نفراً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا هريرة، ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: ما أخرجني إلا الجوع. فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع، فقمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما جاء بكم هذه الساعة؟ فقلنا: يا رسول الله، جاء بنا الجوع. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين فقال: كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا. فأكلت، وجعلت تمرة في حجري، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، لم رفعت هذه التمرة؟ فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كلها، فإنا سنعطيك لها تمرتين، فأكلتها، فأعطاني لها تمرتين.
قال أبو هريرة: أصابني جهد شديد، فلقيت عمر بن الخطاب، فاستقرأته آية من كتاب الله عز وجل فدخل داره وقنحها علي، قال: فمشيت غير بعيد، فخررت لوجهي من الجهد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على رأسي فقال: يا أبا هريرة. فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعس من لبن، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة، فعدت، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة. فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح. قال: ورأيت عمر فذكرت له الذي كان من أمري. فقلت له: ولى الله من كان أحق به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآيات، ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون قد أدخلتك أحب إلي من أن تكون لي حمر النعم.
حدث أبو هريرة أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائماً لا يقدر على شيء فانصرفت وراء أبي بكر، فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه ليس عنده شيء. قال: ثم انصرفت وراء عمر عشاءً فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه
ليس عنده شيء. ثم انصرفت وراء علي عشاء بعد المغرب وقال: أدلك يا أبا هريرة. فقال: فأي فرح فرحت قال: فقال علي: يا بنت رسول الله اطوي بطنك الليلة، فإن عندنا ضيفاً. قال: فجاء بخبزتين مثل هاتين، وأشار بيده روح من أطراف الأصابع إلى نصف الكف. قال: وقام علي إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، وحركا أفواههما وليس يأكلان شيئاً. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل من شيء؟ قال: فخرج من تحت فخذها مزوداً مثل تيه وقال بكفه هذا من أطراف أصابعه إلى أصل الكف، وفيه كف من سويق وخمس تمرات فأكلتهن ولم يقعن مني موقعاً. قال أبو كثير: حدثني أبو هريرة وقال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. قلت: وما أعلمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أكره، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فكانت تأبى علي، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اهد أم أبي هريرة. فخرجت أعدو لأبشرها بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعت خشف رجل يعني وقعها فقالت: يا أبا هريرة كما أنت، ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن مارها. فقالت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن. فقلت: يا رسول الله، أبشر فقد استجاب الله دعاءك فقد هدى أم أبي هريرة. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم
إليهما. فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما محمد بشر، أغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيما رجل من المسلمين آذيته أو شتمته أو جلدته، فاجعلها له قربة تقربه بها عندك يوم القيامة. قال أبو هريرة: لقد رفع علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الدرة ليضربني بها، لأن يكون ضربني بها أحب إلي من حمر النعم، ذلك بأني أرجو أن أكون مؤمناً وأن تستجاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوته. حدث رجل من الطفاوة قال: نزلت على أبي هريرة قال: ولم أدرك من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أشد تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه، فبينا أنا عنده وهو على سريرٍ له، وأسفل منه جارية سوداء، ومعه كيس فيه حصى أو نوى يقول: سبحان الله، سبحان الله. حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فجعلته في الكيس ثم دفعته إليه فقال لي: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى قال: فإني بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ من أحس الفتى الدوسي؟ فقال: له قائل:
هو ذاك، يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء، فوضع يده علي وقال لي معروفاً. فقمت، وانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه، ومعه يومئذٍ صفان من رجال، فأقبل عليهم فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي، فليسبح القوم، وليصفق النساء، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينس من صلاته شيئاً. فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: مجالسكم، هل فيكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا، وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء
فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسمع كلامها، فقالت: إي والله، إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثن. قال: فهل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه. ثم قال: ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد. قال: وذكر ثالثة فنسيتها. ألا إن طيب الرجال ما وجد ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يوجد ريحه. وعن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع العلاء بن الحضرمي، فأوصاه بي خيراً، فلما فصلنا قال لي: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أوصاني بك خيراً، فانظر ماذا تحب؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين. قال: فأعطاه ذلك. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. قال: فنزع نمرة على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه قال: اجمعها، فصرها إليك. فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من رجل تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله ورسوله، فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة. قال أبو هريرة: فما نسيت حديثاً بعد إذ سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث بمعناه: وبسطت ثوبي، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حتى انقضى حديثه، فضممت ثوبي إلى صدري. قال: فإني لأرجو أن أكون لم أنس حديثاً سمعته منه.
وعن أبي هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل حديث أبي هريرة؟! وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما في بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث يحدثه يوماً: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلى وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك من شيء.
وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك أحاديث كثيرة فأنساها. قال: ابسط رداءك. فبسطته فغرف يديه فيه، فما نسيت بعد. وفي حديث بمعناه: وإنه حدثنا يوماً فقال: من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم قبضه إليه، لم ينس شيئاً مما سمعه مني أبداً. ففعلت، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه. وعن عطاء أنه سمع أبا هريرة، والناس يسألونه يقول: لولا آية أنزلت في سورة البقرة ما أخبرت من شيء، لولا آية قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ". جاء رجل زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة. قال:
بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن ندعو الله ونذكر ربنا فجلس إلينا فسكتنا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. قال: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك
ما سأل صاحباي هذان، وأسألك علماً لا ينسى، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمين. فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علماً لا ينسى. فقال: سبقكما الغلام الدوسي. وعن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة، لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه. قال أبي بن كعب: كان أبو هريرة جريئاً على أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشياء لا يسأله عنها غيره. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، كن ورعاً تكن من أعبد الناس، وكن قنعاً تكن من أغنى الناس، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وإياك وكثرة الضحك فإن ذلك يقسي القلب يا أبا هريرة. جاء أبو هريرة فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده في شكواه، فأذن له، فدخل عليه فسلم وهو قائم، فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متسانداً إلى صدر علي، وقد مال علي بيده على صدره، ضامه إليه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسط رجليه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادن يا أبا هريرة. فدنا، ثم قال: ادن. فدنا حتى مس أطراف أصابع أبي هريرة أطراف أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال له: اجلس يا أبا هريرة، فجلس. فقال له: ادن مني طرف ثوبك. فمد أبو هريرة ثوبه. فأمسكه بيده ففتحه وأدناه من وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوصيك يا أبا هريرة، خصال لا تدعهن ما بقيت قال: نعم، أوصني بما شئت. قال له: عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ ولا تله. أوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه صيام الدهر، وأوصيك بركعتي الفجر، لا تدعهما وإن صليت الليل كله، فإن فيهما الرغائب قالها ثلاثاً ضم إليك ثوبك. فضم ثوبه إلى صدره.
فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أسر هذا أم أعلنه؟ قال: بل أعلنه يا أبا هريرة. قال ثلاثاً. وعن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاءين، فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وفي حديث آخر: ثلاث جرب حديث، أخرجت منها رابين، ولو أخرجت الثالث خرجتم علي بالحجارة. قال أبو هريرة: لو حدثت الناس بما أعلم لرموني بالخزق: وقالوا: مجنون. الخزق: بالزاي والقاف. وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير: بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم. ثم يحدثهم الحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مراراً. قال: فعرفت يومئذٍ أن أبا هريرة أحفظ الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي صالح قال: أبو هريرة لم يكن بأفضلهم، ولكنه كان رجلاً حافظاً.
كان أبو هريرة يقول: رب كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني من العلم. وعن سعيد بن أبي الحسن قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كله، فأبى وقال: ارو كما روينا، فلما أبى عليه تغفله وأقعد له كاتباً لقناً ثقفاً، ودعاه، فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع، ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا
حديثك أجمع؟ قال: وقد فعلت!! قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي. فقرؤوه، فقال أبو هريرة:
أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه. قال: فمحاه. قال أبو الزعيزعة؛ كاتب مروان بن الحكم: إن مروان دعا أبا هريرة فأقعده خلف السرير، فجعل يسأله وجعلت أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده من وراء حجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر. وفي آخر بمعناه: فما غير حرفاً عن حرف. قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وعن مكحول قال: تواعد الناس ليلة من الليالي قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أصبح. جاء أبو هريرة إلى كعب يسأل عنه وكعب في القوم فقال كعب: ما تريد منه؟ فقال: أما وإني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني. فقال كعب: أما إنك لم تجد طالب شيء إلا سيشبع منه يوماً من الدهر إلا طالب علم أو طالب دنيا. فقال: أنت كعب؟ فقال: نعم. فقال: لمثل هذا جئتك. وعن أبي هريرة قال: ما من أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. وقال أبو هريرة: إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب. حدث عبيد الله بن أبي جعفر عن زوج أمه أنه قال لأبي هريرة: كيف حديث كنت حدثتنيه في كذا وكذا؟ قال أبو هريرة: ما أذكر أني حدثتك هذا، فانطلق إلى البيت، فإني لا أحدث حديثاً إلا هو عندي مكتوب. فانطلقت معه، فأخرج صحيفة صغيرة فيها ذلك الحديث وحده.
قال: وجه الجمع بين هذه الحكاية والتي قبلها، أن أبا هريرة كان لا يكتب في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتكل على حفظه، لما خصه به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بسط ردائه كما تقدم. ثم كتب بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان حفظه عنه، ولولا أنه كان مكتوباً عنده لم يمكنه تقديره بوعاءين وثلاث جرب كما تقدم. أتى أبو هريرة كعباً، فجعل يحدثه ويسائله. فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة. وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة. وكان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي. وقال أبو هريرة: ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض عمر. قال أبو سلمة: فسألته بم؟ قال: كنا نخاف السياط. وأومأ بيده إلى ظهره. وعن أبي هريرة قال: اتهمني عمر بن الخطاب قال: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم تسمع منه. هل كنت معنا يوم كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار فلان؟ قال أبو هريرة: نعم، قد علمت لأي شيء تسألني، لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومئذٍ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فقال عمر: حدث الآن عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شئت. وعن سعيد المقبري قال: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت له: بأي سورة قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري. فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى. قلت: ولكني أدري. قال أبو هريرة: قرأ بسورة كذا وكذا.
كان أبو هريرة إذا مر بالسوق قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو هريرة. أيها الناس، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فدعوا أبا هريرة يتبوأ مقعده من النار إن هو كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشعبي: حدث أبو هريرة، فرد عليه سعد، فتواثبا حتى قامت الحجزة، وأرتجت الأبواب بينهما. وعن نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
وعن ابن عمر أنه مر بأبي هريرة وهو يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد. فقال له ابن عمر: أبا هر، انظر ما تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت: اللهم نعم. فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرس الودي، ولا صفق بالأسواق، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها. فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هر كنت ألزمنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلمنا بحديثه. وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من امسك كلباً إلا كلباً ضارباً أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط. فقيل له: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، قال: إن أبا هريرة رجل زراع.
قول ابن عمر هذا لم يرد به التهمة لأبي هريرة، وإنما أراد أن أبا هريرة حفظ ذلك لأنه كان صاحب زرع، وصاحب الحاجة أحفظ لها من غيره، ولم يخرج ابن عمر هذا مخرج الطعن على أبي هريرة، ولا ظن به التزيد في الرواية لحاجته كانت إلى حراسة الزرع، ولم يذكره إلا تصديقاً لقول أبي هريرة وتحقيقاً له. والدليل على صحة ذلك فتيا ابن عمر بإباحة اقتناء كلب الزرع بعد ما بلغه خبر أبي هريرة. وأتى ابن عمر فرأى كلباً فقال: لمن هذا الكلب؟ فقيل: لامرأتين. قال: لضرع أو لزرع؟ قال: ليس لشيء منهما. قال: مرهما فليقتلاه.
وقد روى عبد الله بن معقل، وسفيان بن أبي زهير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إباحة اقتناء كلب الزرع كما رواه أبو هريرة. كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول أبو هريرة، ولكننا نجبن ويجترئ. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه. فقال له مروان بن الحكم: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع؟! قال: لا، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر مما يقول شيئاً؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. وعن علقمة قال: كنا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي يحدث أن امرأة عذبت في هرة، ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها؟ فقال: سمعته منه يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ إن المرأة مع ذلك كانت كافرة، وإن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانظر كيف تحدث. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعراً.
قالت عائشة: لم يحفظ الحديث، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير من أن يمتلئ شعراً هجيت به. قال نافع: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها، ويكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين. وعن عمرو قال: قال لي طاوس: امش حتى نجالس الناس. قال: فنجلس إلى رجل يقال له بشير بن كعب العدوي فقال طاوس: رأيت هذا يجلس إلى ابن عباس فيحدث، فقال ابن عباس: كأني أسمع حديث أبي هريرة. قال: لعل ابن عباس إنما شبه حديث بشير بحديث أبي هريرة في الإكثار. وقد روى ابن عباس وطاوس عن أبي هريرة، ولو كان عندهما متهماً لم يرويا عنه. وعن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وعن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا لها: إن أبا هريرة يقول: إن الطيرة في الدار والمرأة والفرس. فغضبت من ذلك غضباً شديداً، وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت:
كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاله. إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك. قال الإمام أبو بكر: يشبه أن تكون أم المؤمنين رضي الله عنها إنما أرادت بقولها كذب؛ إن كان
قال ما حكيتما عنه. وقد قال العامريان على أبي هريرة الباطل، لم يقل أبو هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الطيرة فيما ذكرا، بل الأخبار متواترة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا طيرة. والعامريان لا ندري من هما، ومن المحال أن يحتج برواية رجلين مجهولين، فنرد أخبار قوم ثقات حفاظ إلا أن يكون العامريان حكيا عن أبي هريرة أنه قال: الطيرة في المرأة والفرس والدار على ما تأولت الخبر في إيقاع اسم الطير على الفأل، كخبر سعد بن أبي وقاص، فلم يفهم العامريان عنه ما أراد بذكر الطيرة، ولم يعلما أنه أراد بالطير الفأل، فحكيا عنه لفظة أو همت الخطأ على من سمع اللفظة، ولم يعلم معناها. أو تكون حكاية العامريين عن أبي هريرة رويت عل ما ذكرت في كتاب النكاح إخباراً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الشؤم في ثلاث، على إضمار شيء وحذف كلمة، لا على إثبات الشؤم في هذه الثلاث. وعن عائشة أنها قالت لأبي هريرة: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشياء ما سمعتها منه. فقال لها مجيباً: إنه كان يشغلك عن تلك الأحاديث المرآة والمكحلة. دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: أكثرت الحديث يا أبا هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والله يا أمتاه ما كانت تشغلني عنه المكحلة ولا المرآة ولا الدهن وفي رواية والخضاب. فقالت: لعله.
أتى رجل من قريش أبا هريرة في حلة يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ قال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ما حدثتكم بشيء. سمعنا أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينا هو يتبختر في حلة إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة. فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك. قال أبو يعلى: أنا أشك.
قال أبو الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت والٍ، وإن الوالي لغيرك فدعه يعني: حين أرادوا أن يدفن الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذه إرضاء من هو غائب عنك يعني معاوية. قال: فأقبل عليه مروان مغضباً فقال له: يا أبا هريرة، إن الناس قد قالوا: أكثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، وإنما قدم قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيسير. فقال أبو هريرة: قدمت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه، وأنا يومئذ مقل، وأصلي خلفه، وأغزو وأحج معه؛ فكنت أعلم الناس بحديثه، قد والله سبقني قوم بصحبته والهجرة من قريش والأنصار، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه، منهم: عمر بن الخطاب وهدي عمر هدي عمر ومنهم عثمان وعلي والزبير وطلحة، ولا والله ما يخفي علي كل حديث كان بالمدينة، وكل من أحب الله ورسوله، وكل من كانت له عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلة، وكل صاحب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أبو بكر صاحبه في الغار، وغيره قد أخرجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة أن يساكنه، فليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علماً كثيراً جماً. قال: فوالله إن زال مروان يقصر عنه عن هذا الوجه بعد ذلك ويتقيه ويخاف جوابه، ويحب على ذلك أن ينال من أبي هريرة ولا يكون منه بسبب، يفرق من أن يبلغ أبا هريرة وأن مروان كان من هذا بسبب فيعود له بمثل هذا، فكف عنه. قال عروة بن الزبير: قال لي أبي الزبير بن العوام: أدنني من هذا اليماني، يعني أبا هريرة، فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، فجعل الزبير يقول: صدق كذب، صدق كذب. قال: قلت: يا أبه، ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني، إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أشك ولكن منها ما وضعه على مواضعه، ومنها ما لم يضعه على مواضعه.
قال أبو الشعثاء: قدمت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقلت له: تحدث عن أبي هريرة وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: إنه قد سمع، وأحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي. قال بسر بن سعيد: كان يقوم فينا أبو هريرة فيقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا، سمعت كعباً يقول كذا. فعمد الناس إلى ما روى عن كعب فجعلوه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعض ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلوه عن كعب فمن ثم أنفي حديث أبي هريرة. قال ابن لهيعة: هو من الناس ليس من أبي هريرة. قال إبراهيم النخعي: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث جنة أو نار. وقال إبراهيم: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة. وقال شعبة: كان أبو هريرة يدلس. قالوا: وقول إبراهيم النخعي هذا غير مقبول منه.
قال عمر بن حبيب: حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة، فتنازعها الحضور وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائل منهم: لا يصح هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل لي: صاحب البريد بالباب، فدخل
فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن. فقلت: اللهم، إنك تعلم إني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطغى على أصحابه، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع. فلما بصر بي قال: يا عمر، ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليه، فيه إزراء على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود، كله مردود وغير مقبول. فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله. وأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أبو هريرة: إني لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءاً للقرآن، وجزءاً أنام، وجزءاً أتذكر فيه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو هريرة يصلي ثلث الليل وامرأته ثلثاً وابنته ثلثاً. قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعاً. فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. قال: قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث بي حدث كان لي أجر شهري. وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وقال: إنهما يومان ترفع فيهما الأعمال. وكان أبو هريرة يسبح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة. يقول: أسبح بقدر ديتي. وكان لأبي هريرة صيحتان في كل يوم، أول النهار فيقول: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار. فإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار.
وعن أبي هريرة قال: لا تغبطن فاجراً بنعمته، فإن من ورائه طالباً حثيثاً طلبه " جهنم كلما خبت زدناها سعيرا ".
قال أبو يزيد المدني: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً دون مقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعتبة ثم قال: الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي من على أبي هريرة بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحمد لله الذي أطعمني الخمير وألبسني الحبير الحمد لله الذي زوجني ابنة غزوان بعدما كنت أجيراً لها بطعام بطني وعقبة رجلي، أرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني.
وعن أبي هريرة أنه صلى بالناس يوماً، فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله.
وعن أبي هريرة أنه كان يقول: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابن عفان وابنة غزوان وهي بسرة بنت غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو بهم إذا ساروا. فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وأبا هريرة إماماً. وعن مضارب بن حزن قال: بينما أنا أسير تحت الليل إذا رجل يكبر، فألحقته بعيراً، فقلت: من هذا؟ قال:
أبو هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكر. قلت: على ماذا؟ قال: إني كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان، فكنت إذا ركب القوم سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم، وإذا أتيت على مكان سهل نزلت، ثم قالت: والله لا أبرح هذا المكان حتى تجعل لي عصيدة. قال: فزوجنيها الله بعد، فأنا أركب إذا ركب القوم، وأخدم إذا نزلوا، وإذا أتيت على نحو من مكانها نزلت فقلت: لا أبرح هذا المكان حتى يعصد لي عصيدة.
زاد في آخر عن أبي مصعب الجهني: قلت: يا أبا هريرة، هل سمعت من خليلك أبي القاسم شيئاً؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا هامة، وخير الطير الفأل، والعين. قال إمام مسجد سعد: قدم أبو هريرة الكوفة، فصلى الظهر والعصر واجتمع عليه الناس. فذكر قرباً منه. يعني أنه كان قريباً منه، فسكت ولم يتكلم، ثم قال: إن الله وملائكته يصلون على أبي هريرة الدوسي. فتغامز القوم فقالوا: إن هذا ليزكي نفسه. ثم قال: وعلى كل مسلم ما دام في مصلاه ما لم يحدث حدثاً بلسانه أو بطنه.
وعن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة وأبو ذر: باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعاً، وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مئة ركعة تطوعاً. وقالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا جاء طالب العلم الموت وهو على هذه الحال مات وهو شهيد. جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر، إني أريد أن أتعلم العلم، وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن مت عالماً خير لك من أن تموت جاهلاً. ثم جاء إلى أبي الدرداء فقال له: يا أبا الدرداء، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن توسد العلم خير من أن توسد الجهل. ثم جاء إلى أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه، فقال له أبو هريرة: تعلم العلم، فإنك لن تجد له إضاعة أشد من تركه. زاد عن آخر مثله عن أبي الدرداء: إن الناس يبعثون من قبورهم على ما ماتوا عليه، فيبعث العالم عالماً، والجاهل جاهلاً.
قال الحسن: كان أبو هريرة من أحسن القوم كلاماً. حدث رجل قال: أتيت على أبي هريرة وهو ساجد يقول: اللهم لا أزنين، اللهم لا أسرقن، اللهم لا أنافقن، اللهم لا أرتدن، فسكت عنه حتى فرغ وقلت: يا أبا هريرة، أوتخاف هذا وأنت من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أمنت محرف القلوب؟! وما أدرى الرجل إذا أصبح على ما يمسي عليه، وإن أمسى على ما يصبح عليه؟! ثم قال: أمنت محرف القلوب؟! كان أبو هريرة يقول في آخر عمره: اللهم، إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام. يقول بعض أصحابه: يا أبا هريرة، ومثلك يقول هذا وتخافه، وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعته وأخذت عنه؟! قال: ويحكم، وما يؤمنني وإبليس حي؟! كان أبو هريرة إذا غدا من منزله لبس ثيابه ثم وقف على أمه فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، وجزاك الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً. فترد عليه: وأنت، فجزاك الله عني خيراً كما بررتني كبيرة. ثم يخرج، فإذا رجع قال مثل ذلك. ولم يحج أبو هريرة حتى ماتت أمه. لقيت أبا هريرة ابنة له فقالت: إن الجواري يعيرنني يقلن: إن أباك لا يحليك بالذهب. فقال: قولي لهن: إن أبي لا يحليني الذهب، يخشى علي حر اللهب. قال أبو هريرة: لما قدمت من البحرين قال عمر: يا عدو الله وعدو الإسلام، خنت مال الله. قال: لست بعدو الله ولا عدو الإسلام، ولكني عدو من عاداهما، ولم أخن مال الله، ولكنها أثمان خيل لي تناتجت عندي، وسهمان لي اجتمعت. قال: فكرر ذلك علي ثلاث مرات. فكل ذلك أرد عليه.
زاد في رواية: فنظروا فوجدوه كما قال، فأغرمني اثني عشر ألف درهم قال: فقمت في صلاة الغداة فقلت: اللهم اغفر لأمير المؤمنين. فأرادني بعد ذلك على العمل فقلت: لا أعمل لك. قال:
أوليس يوسف كان خيراً منك وقد سأل العمل؟ قلت: إن يوسف نبي وابن نبي وأنا ابن أميمة وإني أخاف ثلاثاً واثنتين. قال: ألا تقول خمساً؟ قلت: لا، أخاف أن أقول بغير حكم، وأقضي بغير علم، وأن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، ويؤخذ مالي. كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة. فيركب حماراً قد شد عليه برذعة. وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق! قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون. قال أبو رافع: وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العراق للأمير. فأنظر فإذا هو ثريدة بزيت.
قال ثعلبة بن أبي مالك: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير يا بن أبي مالك. فقلت: أصلحك الله، يكفي هذا! فقال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه. دث أبو الزعيزعة، كاتب مروان، قال: بعث مروان إلى أبي هريرة بمئة دينار. فلما كان الغد أرسل إليه فقال: إنه ليس إليك بعثت، وإنما غلطت. فقال: ما عندي منها شيء، وإذا خرج عطائي فاقبضوها. قال: وإنما أراد مروان أن يعلم أينفقها أم يحبسها. كان أبو هريرة يسب مروان، فإذا أعطاه سكت. قال أبو هريرة: ما من أحد من الناس يهدي إلي بهدية إلا قبلتها، فأما المسألة فإني لم أكن أسأل.
قال أبو هريرة: درهم يكون من هذا وكأنه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف من مال فلان. قال أبو الأسود: بنى رجل داراً بالمدينة فلما فرغ منها مر أبو هريرة عليها وهو واقف على باب داره فقال: قف يا أبا هريرة، ما أكتب على باب داري؟ قال وأعرابي قائم قال أبو هريرة: اكتب عليها: ابن للخراب، ولد للثكل، واجمع للوارث. فقال الأعرابي: بئس ما قلت يا شيخ. فقال صاحب الدار: ويحك، هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما بنى مروان بن الحكم داره قال للبناء: انظر ما يملي عليك أبو هريرة، فاكتبه في وجه الدار. فجاء أبو هريرة فقال: اكتب: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، والأجل قريب. فقال البناء: والله لا أكتب هذا. فقال أبو هريرة، والله لا أزيدك ولا مروان على هذا. وقيل: إنه قال: اكتب، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تبلغون. والله لا أزيدك.
سئل أبو هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذب عنهم. كان أبو هريرة من حسن خلقه يؤاكل الصبيان. قال عمر بن أبي الصهباء: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه، وإحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنى غناء الرهبان: من مجزوء الكامل
لما رأيتك لي محباً ... وإلي حين أغيب صبا
أعرضت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثت ذنبا
إلا لقول نبينا ... زوروا عن الأيام غبا
ولقوله من زار غب ... اً منكم يزداد حبا
جاء رجل إلى أبي هريرة فقال: إني أصبحت صائماً فأكلت. قال: ذلك طعام أطعمكه الله. قال: وقال: واقعت أهلي. قال: ابن أخي، أنت لم تعود الصيام. وفي حديث آخر مثله: إلا أنه تردد في عدة بيوت. فقال له في آخرها: إنك لم تعود الصيام. كانت لأبي هريرة امرأة، فبقيت زماناً لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم أنها اشتكت. فقال أبو هريرة: منعتنا هذه طلاقها بشكواها. كان رجل يؤذي أبا هريرة بلسانه، فقيل له: مات فلان. فقال: ليس في الموت شماتة، لو أخبرتموني أنه أمر على إمارة، أصاب مالاً، ولد له ولد. وعن أبي هريرة أنه كان إذا سمع أحداً يسأل: من هذه الجنازة؟ قال: هذا عبد الله دعاه فأجابه، أو أمته دعاها فأجابته، والله يعرفه، وأهله يفقدونه، والناس ينكرونه. أغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون. زاد في آخر بمعناه: موعظة بليغة، وغفلة سريعة، تذهب الأول وتبقي الآخر لا عقل له. قال عبيد بن باب: كنت أصب على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضأ، فمر به رجل فقال:
أين تريد؟ قال: السوق. فقال: إن استطعت أن تشتري الموت من قبل أن ترجع فافعل. ثم قال أبو هريرة: لقد خفت الله مما أستعجل القدر. قال أبو هريرة: إذا رأيتم ستاً فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت، أخاف أن تدركني إذاً؛ إمرة السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشو يتخذون القرآن مزامير.
قال أبو سلمة: دخلت على أبي هريرة وهو وجع شديد الوجع، فاحتضنته فقلت: اللهم، اشف أبا هريرة. فقال: اللهم، لا ترجعها قالها مرتين ثم قال: إن استطعت أن تموت فمت، والله الذي نفس أبي هريرة بيده، ليأتين على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدكم من الذهبة الحمراء، وليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه المسلم فيتمنى أنه صاحبه.
وكان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصدغي معاوية، اللهم، لا تدركني سنة ستين، وتوفي فيها أو قبلها. وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: لا تضربوا علي فسطاطاً ولا تجعلوا معي مجمراً، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: أسرعوا بي، أسرعوا بي مرتين وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله، أين تذهبون بي؟ قال محمد بن عمرو: سمعت أبا هريرة وجئته في مرضه أعوده وهو يقول: قد قلت لأهلي إذا أنا مت فلا تعمموني ولا تقمصوني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعمم ولم يقمص. وفي حديث: إذا مت فلا تنوحوا علي، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينح عليه الحديث.
بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري أيتهما يؤخذ بي. دخل مروان على أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه، فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم، إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات.
وفي حديث آخر قال: اللهم اشفه، اللهم عافه، اللهم ارفعه. قال: فأفاق ورفع
يديه حتى رئي بياض إبطيه، شاهراً بيديه إلى الله، ثم قال: اللهم، اشدد وأجد على نفس أبي هريرة قال: فخرجنا من عنده فما فاتنا الصوت حتى سمعنا الصائحة عليه.
توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية، وله ثمانٍ وسبعون سنة.
وقيل: توفي سنة سبع وخمسين في، وفيها ماتت عائشة قبل معاوية بسنتين. وقيل: توفي أبو هريرة وعائشة سنة ثمانٍ وخمسين. وصلى عليه الوليد بن عتبة. كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يخبره بموت أبي هريرة. فكتب إليه: انظر من ترك، فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم، وأولهم معروفاً، فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار، فرحمة الله عليه.
صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً. كان اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، وكنيته أبو الأسود. فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، وكناه بأبي هريرة. وقيل: سمي في الإسلام عبد الرحمن. وإنما كني بأبي هريرة لأنه كان يرعى غنماً لأبيه فوجد أولاد هرة. قال: فجعلتها في كمي، فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هر في صفتي فقال: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هر وجدتها. قال: فأنت أبو هريرة. فلزمتني. وكان وسيطاً في دوس، حيث يحب أن يكون منهم. وقيل: إنه لما أسلم سمي عبد الله بن عامر بن عبد البشر، والبشر: صنم كان بأرضهم. ويقال: كان اسمه عبد نهم، وعبد غنم، ويقال: سكين ويقال: جرثوم. ويقال: عبد العزى، وقيل: سكين بن وذمة، قيل ابن مل. وقيل: ابن هانئ، وفيه اختلاف. شهد اليرموك، وقدم دمشق في خلافة معاوية، وحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطن بمكانه فيعطى.
وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي. والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى الله، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل. وعن أبي هريرة أنه قال في بيت أم الدرداء: ثلاث هن كفر: النياحة، وشق الجيب، والطعن في النسب. وكان أبو هريرة قاضياً بالمدينة. وقيل: كان اسمه سعد بن الحارث. وقيل: كان اسمه عبد ياليل، وقيل: برير بن عشرقة، وقيل: عبد تيم. وكان ينزل ذا الحليفة، وله دار بالمدينة تصدق بها على مواليه، فباعوها بعد ذلك من عمر بن بزيع. وكان سعد بن صفيح خال أبي هريرة من أشد أهل زمانه، فكان لا يأخذ أحداً من قريش إلا قتله بأبي أزيهر الدوسي. وكان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألزمهم له. وروى عنه: ابن عباس وأنس بن مالك وابن عمر وواثلة بن الأسقع في ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحبه على شبع بطنه، فكان يده مع يده، يدور معه حيثما دار، إلى أن مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان من أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآثاره. دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يحببه إلى المؤمنين من عباده.
كان إسلامه بين الحديبية وخيبر. قدم المدينة مهاجراً وأسلم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فشهد فتح خيبر ولم يسهم له، سكن الصفة، ولم يشتغل بالصفق في الأسواق، ولا بغرس الودي، وقطع الأعذاق. لزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، مختاراً العدم، وكان يشهد إذا غابوا، ويتحفظ إذا نسوا بسط نمرته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أفرغ فيها من حديثه فجمعها إلى صدره. فصار للعلوم واعياً، ومن الهموم خالياً. كان من الذاكرين لله كثيراً. قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هر. قال: ثكلتك أمك أبا هر. والذكر خير من الأنثى. قال ابن خثيم لعبد الرحمن: صف لي أبا هريرة فقال: رجل آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذو ضفيرتين، أفرق الثنيتين. قال قرة بن خالد: قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً؟ قال: لا، بل كان ليناً. قلت: فما كان ثوبه؟ قال: كان أبيض. قلت: هل كان يخضب؟ قال: نعم، نحو ما ترى. وأهوى محمد بيده إلى لحيته وهو حمراء. قلت: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى. قال: وعلى محمد ثوبان ممشقان من كتان. قال: وتمخط يوماً فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان؟! وعن أبي العالية قال: لما أيلم أبو هريرة قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ممن أنت؟ قال: من دوس. فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على جبينه ثم نفضها وقال: ما كنت أرى من دوس أحداً فيه خير. وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستخلف سباع بن عرفطة على المدينة. قال أبو هريرة:
وقدمت المدينة مهاجراً، فصليت الصبح وراء سباع، فقرأ في السجدة الأولى سورة مريم، وفي الآخرة " ويل للمطففين " فقال أبو هريرة: فقلت: ويل لأبي فل؛ لرجل كان بأرض الأزد، وكان له مكيالان: مكيال يكتال به لنفسه، ومكيال يبخس به الناس. قال قيس: أتينا أبا هريرة نسلم عليه. فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، فما كانت سنوات قط أعقل منهن ولا أحب إلي أن أعي ما يقول فيهن الحديث. وعن أبي هريرة قال: لقد رأيتني وأنا أصرع بين القبر والمنبر حتى يقول الناس: مجنون، وما بي جنون، إن هو إلا الجوع. وعن أبي هريرة قال: كنت في الصفة يعني من أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر عجوة. فكنا نقرن التمرتين من الجوع. فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه:
إني قد قرنت فاقرنوا. وعن أبي هريرة قال: كان أهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، ووالله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، وما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم حين رآني وقال: أبا هر! فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: الحق. ومضى فاتبعته، ودخل منزله، فاستأذنت فأذن لي، فوجد لبناً في قدح. فقال: من أين هذا اللبن لكم؟ فقيل: أهداه لنا فلان. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: الحق إلى أهل
الصفة فادعهم لي وهم أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك وقلت: هذا القدح بين أهل الصفة، وأنا رسوله إليهم، فسيأمرني أن لأدور به عليهم، فما عسى أن يصيبني منه، وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني؟! ولم يكن بد من طاعة الله وطاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فلما دخلوا عليه، فأخذوا مجالسهم قال: أبا هر، خذ القدح فأعطهم، فأخذت القدح، فجعلت أناوله الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده، فأناوله الآخر حتى انتهيت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد روي القوم كلهم فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القدح، فوضعه على يده، ثم رفع رأسه إلي فتبسم وقال: أبا هر. فقلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اقعد واشرب. فشربت. ثم قال: اشرب فشربت ثم قال: اشرب. فلم أزل أشرب، ويقول: اشرب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدح، فحمد الله وسمى وشرب. وعن أبي هريرة قال: كنت من أصحاب الصفة، فظللت صائماً، فأمسيت وأنا أشتكي بطني، فانطلقت لأقضي حاجتي، فجئت وقد أكل الطعام وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إلى أهل الصفة فقلت: إلى من؟ فقلت: إلى عمر بن الخطاب، فأتيته وهو يسبح بعد الصلاة، فانتظرته، فلما انصرف دنوت منه فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام قال: فأقرأني آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب، فأبطأ. فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فمشيت، فاستقبلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمني فقال: يا أبا هر، إن خلوف فيك شديد. فقلت: أجل يا رسول الله، لقد ظللت صائماً وما أفطرت بعد، وما أجد ما أفطر عليه. قال: فانطلق. فانطلقت معه، حتى أتى بيته، فدعا جارية له سوداء فقال: ائتنا بتلك القصعة، فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيراً قد أكل فبقي في جوانبها بعضه وهو يسير. فسميت وجعلت أتتبعه، فأكلت حتى شبعت.
قال أبو هريرة: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع، فوجدت نفراً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا هريرة، ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: ما أخرجني إلا الجوع. فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع، فقمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما جاء بكم هذه الساعة؟ فقلنا: يا رسول الله، جاء بنا الجوع. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين فقال: كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا. فأكلت، وجعلت تمرة في حجري، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، لم رفعت هذه التمرة؟ فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كلها، فإنا سنعطيك لها تمرتين، فأكلتها، فأعطاني لها تمرتين.
قال أبو هريرة: أصابني جهد شديد، فلقيت عمر بن الخطاب، فاستقرأته آية من كتاب الله عز وجل فدخل داره وقنحها علي، قال: فمشيت غير بعيد، فخررت لوجهي من الجهد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على رأسي فقال: يا أبا هريرة. فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعس من لبن، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة، فعدت، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة. فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح. قال: ورأيت عمر فذكرت له الذي كان من أمري. فقلت له: ولى الله من كان أحق به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآيات، ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون قد أدخلتك أحب إلي من أن تكون لي حمر النعم.
حدث أبو هريرة أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائماً لا يقدر على شيء فانصرفت وراء أبي بكر، فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه ليس عنده شيء. قال: ثم انصرفت وراء عمر عشاءً فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه
ليس عنده شيء. ثم انصرفت وراء علي عشاء بعد المغرب وقال: أدلك يا أبا هريرة. فقال: فأي فرح فرحت قال: فقال علي: يا بنت رسول الله اطوي بطنك الليلة، فإن عندنا ضيفاً. قال: فجاء بخبزتين مثل هاتين، وأشار بيده روح من أطراف الأصابع إلى نصف الكف. قال: وقام علي إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، وحركا أفواههما وليس يأكلان شيئاً. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل من شيء؟ قال: فخرج من تحت فخذها مزوداً مثل تيه وقال بكفه هذا من أطراف أصابعه إلى أصل الكف، وفيه كف من سويق وخمس تمرات فأكلتهن ولم يقعن مني موقعاً. قال أبو كثير: حدثني أبو هريرة وقال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. قلت: وما أعلمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أكره، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فكانت تأبى علي، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اهد أم أبي هريرة. فخرجت أعدو لأبشرها بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعت خشف رجل يعني وقعها فقالت: يا أبا هريرة كما أنت، ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن مارها. فقالت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن. فقلت: يا رسول الله، أبشر فقد استجاب الله دعاءك فقد هدى أم أبي هريرة. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم
إليهما. فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما محمد بشر، أغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيما رجل من المسلمين آذيته أو شتمته أو جلدته، فاجعلها له قربة تقربه بها عندك يوم القيامة. قال أبو هريرة: لقد رفع علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الدرة ليضربني بها، لأن يكون ضربني بها أحب إلي من حمر النعم، ذلك بأني أرجو أن أكون مؤمناً وأن تستجاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوته. حدث رجل من الطفاوة قال: نزلت على أبي هريرة قال: ولم أدرك من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أشد تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه، فبينا أنا عنده وهو على سريرٍ له، وأسفل منه جارية سوداء، ومعه كيس فيه حصى أو نوى يقول: سبحان الله، سبحان الله. حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فجعلته في الكيس ثم دفعته إليه فقال لي: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى قال: فإني بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ من أحس الفتى الدوسي؟ فقال: له قائل:
هو ذاك، يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء، فوضع يده علي وقال لي معروفاً. فقمت، وانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه، ومعه يومئذٍ صفان من رجال، فأقبل عليهم فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي، فليسبح القوم، وليصفق النساء، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينس من صلاته شيئاً. فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: مجالسكم، هل فيكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا، وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء
فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسمع كلامها، فقالت: إي والله، إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثن. قال: فهل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه. ثم قال: ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد. قال: وذكر ثالثة فنسيتها. ألا إن طيب الرجال ما وجد ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يوجد ريحه. وعن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع العلاء بن الحضرمي، فأوصاه بي خيراً، فلما فصلنا قال لي: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أوصاني بك خيراً، فانظر ماذا تحب؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين. قال: فأعطاه ذلك. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. قال: فنزع نمرة على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه قال: اجمعها، فصرها إليك. فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من رجل تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله ورسوله، فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة. قال أبو هريرة: فما نسيت حديثاً بعد إذ سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث بمعناه: وبسطت ثوبي، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حتى انقضى حديثه، فضممت ثوبي إلى صدري. قال: فإني لأرجو أن أكون لم أنس حديثاً سمعته منه.
وعن أبي هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل حديث أبي هريرة؟! وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما في بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث يحدثه يوماً: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلى وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك من شيء.
وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك أحاديث كثيرة فأنساها. قال: ابسط رداءك. فبسطته فغرف يديه فيه، فما نسيت بعد. وفي حديث بمعناه: وإنه حدثنا يوماً فقال: من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم قبضه إليه، لم ينس شيئاً مما سمعه مني أبداً. ففعلت، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه. وعن عطاء أنه سمع أبا هريرة، والناس يسألونه يقول: لولا آية أنزلت في سورة البقرة ما أخبرت من شيء، لولا آية قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ". جاء رجل زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة. قال:
بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن ندعو الله ونذكر ربنا فجلس إلينا فسكتنا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. قال: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك
ما سأل صاحباي هذان، وأسألك علماً لا ينسى، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمين. فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علماً لا ينسى. فقال: سبقكما الغلام الدوسي. وعن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة، لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه. قال أبي بن كعب: كان أبو هريرة جريئاً على أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشياء لا يسأله عنها غيره. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، كن ورعاً تكن من أعبد الناس، وكن قنعاً تكن من أغنى الناس، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وإياك وكثرة الضحك فإن ذلك يقسي القلب يا أبا هريرة. جاء أبو هريرة فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده في شكواه، فأذن له، فدخل عليه فسلم وهو قائم، فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متسانداً إلى صدر علي، وقد مال علي بيده على صدره، ضامه إليه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسط رجليه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادن يا أبا هريرة. فدنا، ثم قال: ادن. فدنا حتى مس أطراف أصابع أبي هريرة أطراف أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال له: اجلس يا أبا هريرة، فجلس. فقال له: ادن مني طرف ثوبك. فمد أبو هريرة ثوبه. فأمسكه بيده ففتحه وأدناه من وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوصيك يا أبا هريرة، خصال لا تدعهن ما بقيت قال: نعم، أوصني بما شئت. قال له: عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ ولا تله. أوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه صيام الدهر، وأوصيك بركعتي الفجر، لا تدعهما وإن صليت الليل كله، فإن فيهما الرغائب قالها ثلاثاً ضم إليك ثوبك. فضم ثوبه إلى صدره.
فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أسر هذا أم أعلنه؟ قال: بل أعلنه يا أبا هريرة. قال ثلاثاً. وعن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاءين، فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وفي حديث آخر: ثلاث جرب حديث، أخرجت منها رابين، ولو أخرجت الثالث خرجتم علي بالحجارة. قال أبو هريرة: لو حدثت الناس بما أعلم لرموني بالخزق: وقالوا: مجنون. الخزق: بالزاي والقاف. وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير: بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم. ثم يحدثهم الحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مراراً. قال: فعرفت يومئذٍ أن أبا هريرة أحفظ الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي صالح قال: أبو هريرة لم يكن بأفضلهم، ولكنه كان رجلاً حافظاً.
كان أبو هريرة يقول: رب كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني من العلم. وعن سعيد بن أبي الحسن قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كله، فأبى وقال: ارو كما روينا، فلما أبى عليه تغفله وأقعد له كاتباً لقناً ثقفاً، ودعاه، فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع، ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا
حديثك أجمع؟ قال: وقد فعلت!! قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي. فقرؤوه، فقال أبو هريرة:
أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه. قال: فمحاه. قال أبو الزعيزعة؛ كاتب مروان بن الحكم: إن مروان دعا أبا هريرة فأقعده خلف السرير، فجعل يسأله وجعلت أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده من وراء حجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر. وفي آخر بمعناه: فما غير حرفاً عن حرف. قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وعن مكحول قال: تواعد الناس ليلة من الليالي قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أصبح. جاء أبو هريرة إلى كعب يسأل عنه وكعب في القوم فقال كعب: ما تريد منه؟ فقال: أما وإني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني. فقال كعب: أما إنك لم تجد طالب شيء إلا سيشبع منه يوماً من الدهر إلا طالب علم أو طالب دنيا. فقال: أنت كعب؟ فقال: نعم. فقال: لمثل هذا جئتك. وعن أبي هريرة قال: ما من أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. وقال أبو هريرة: إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب. حدث عبيد الله بن أبي جعفر عن زوج أمه أنه قال لأبي هريرة: كيف حديث كنت حدثتنيه في كذا وكذا؟ قال أبو هريرة: ما أذكر أني حدثتك هذا، فانطلق إلى البيت، فإني لا أحدث حديثاً إلا هو عندي مكتوب. فانطلقت معه، فأخرج صحيفة صغيرة فيها ذلك الحديث وحده.
قال: وجه الجمع بين هذه الحكاية والتي قبلها، أن أبا هريرة كان لا يكتب في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتكل على حفظه، لما خصه به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بسط ردائه كما تقدم. ثم كتب بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان حفظه عنه، ولولا أنه كان مكتوباً عنده لم يمكنه تقديره بوعاءين وثلاث جرب كما تقدم. أتى أبو هريرة كعباً، فجعل يحدثه ويسائله. فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة. وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة. وكان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي. وقال أبو هريرة: ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض عمر. قال أبو سلمة: فسألته بم؟ قال: كنا نخاف السياط. وأومأ بيده إلى ظهره. وعن أبي هريرة قال: اتهمني عمر بن الخطاب قال: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم تسمع منه. هل كنت معنا يوم كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار فلان؟ قال أبو هريرة: نعم، قد علمت لأي شيء تسألني، لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومئذٍ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فقال عمر: حدث الآن عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شئت. وعن سعيد المقبري قال: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت له: بأي سورة قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري. فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى. قلت: ولكني أدري. قال أبو هريرة: قرأ بسورة كذا وكذا.
كان أبو هريرة إذا مر بالسوق قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو هريرة. أيها الناس، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فدعوا أبا هريرة يتبوأ مقعده من النار إن هو كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشعبي: حدث أبو هريرة، فرد عليه سعد، فتواثبا حتى قامت الحجزة، وأرتجت الأبواب بينهما. وعن نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
وعن ابن عمر أنه مر بأبي هريرة وهو يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد. فقال له ابن عمر: أبا هر، انظر ما تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت: اللهم نعم. فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرس الودي، ولا صفق بالأسواق، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها. فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هر كنت ألزمنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلمنا بحديثه. وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من امسك كلباً إلا كلباً ضارباً أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط. فقيل له: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، قال: إن أبا هريرة رجل زراع.
قول ابن عمر هذا لم يرد به التهمة لأبي هريرة، وإنما أراد أن أبا هريرة حفظ ذلك لأنه كان صاحب زرع، وصاحب الحاجة أحفظ لها من غيره، ولم يخرج ابن عمر هذا مخرج الطعن على أبي هريرة، ولا ظن به التزيد في الرواية لحاجته كانت إلى حراسة الزرع، ولم يذكره إلا تصديقاً لقول أبي هريرة وتحقيقاً له. والدليل على صحة ذلك فتيا ابن عمر بإباحة اقتناء كلب الزرع بعد ما بلغه خبر أبي هريرة. وأتى ابن عمر فرأى كلباً فقال: لمن هذا الكلب؟ فقيل: لامرأتين. قال: لضرع أو لزرع؟ قال: ليس لشيء منهما. قال: مرهما فليقتلاه.
وقد روى عبد الله بن معقل، وسفيان بن أبي زهير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إباحة اقتناء كلب الزرع كما رواه أبو هريرة. كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول أبو هريرة، ولكننا نجبن ويجترئ. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه. فقال له مروان بن الحكم: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع؟! قال: لا، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر مما يقول شيئاً؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. وعن علقمة قال: كنا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي يحدث أن امرأة عذبت في هرة، ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها؟ فقال: سمعته منه يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ إن المرأة مع ذلك كانت كافرة، وإن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانظر كيف تحدث. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعراً.
قالت عائشة: لم يحفظ الحديث، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير من أن يمتلئ شعراً هجيت به. قال نافع: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها، ويكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين. وعن عمرو قال: قال لي طاوس: امش حتى نجالس الناس. قال: فنجلس إلى رجل يقال له بشير بن كعب العدوي فقال طاوس: رأيت هذا يجلس إلى ابن عباس فيحدث، فقال ابن عباس: كأني أسمع حديث أبي هريرة. قال: لعل ابن عباس إنما شبه حديث بشير بحديث أبي هريرة في الإكثار. وقد روى ابن عباس وطاوس عن أبي هريرة، ولو كان عندهما متهماً لم يرويا عنه. وعن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وعن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا لها: إن أبا هريرة يقول: إن الطيرة في الدار والمرأة والفرس. فغضبت من ذلك غضباً شديداً، وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت:
كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاله. إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك. قال الإمام أبو بكر: يشبه أن تكون أم المؤمنين رضي الله عنها إنما أرادت بقولها كذب؛ إن كان
قال ما حكيتما عنه. وقد قال العامريان على أبي هريرة الباطل، لم يقل أبو هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الطيرة فيما ذكرا، بل الأخبار متواترة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا طيرة. والعامريان لا ندري من هما، ومن المحال أن يحتج برواية رجلين مجهولين، فنرد أخبار قوم ثقات حفاظ إلا أن يكون العامريان حكيا عن أبي هريرة أنه قال: الطيرة في المرأة والفرس والدار على ما تأولت الخبر في إيقاع اسم الطير على الفأل، كخبر سعد بن أبي وقاص، فلم يفهم العامريان عنه ما أراد بذكر الطيرة، ولم يعلما أنه أراد بالطير الفأل، فحكيا عنه لفظة أو همت الخطأ على من سمع اللفظة، ولم يعلم معناها. أو تكون حكاية العامريين عن أبي هريرة رويت عل ما ذكرت في كتاب النكاح إخباراً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الشؤم في ثلاث، على إضمار شيء وحذف كلمة، لا على إثبات الشؤم في هذه الثلاث. وعن عائشة أنها قالت لأبي هريرة: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشياء ما سمعتها منه. فقال لها مجيباً: إنه كان يشغلك عن تلك الأحاديث المرآة والمكحلة. دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: أكثرت الحديث يا أبا هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والله يا أمتاه ما كانت تشغلني عنه المكحلة ولا المرآة ولا الدهن وفي رواية والخضاب. فقالت: لعله.
أتى رجل من قريش أبا هريرة في حلة يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ قال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ما حدثتكم بشيء. سمعنا أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينا هو يتبختر في حلة إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة. فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك. قال أبو يعلى: أنا أشك.
قال أبو الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت والٍ، وإن الوالي لغيرك فدعه يعني: حين أرادوا أن يدفن الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذه إرضاء من هو غائب عنك يعني معاوية. قال: فأقبل عليه مروان مغضباً فقال له: يا أبا هريرة، إن الناس قد قالوا: أكثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، وإنما قدم قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيسير. فقال أبو هريرة: قدمت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه، وأنا يومئذ مقل، وأصلي خلفه، وأغزو وأحج معه؛ فكنت أعلم الناس بحديثه، قد والله سبقني قوم بصحبته والهجرة من قريش والأنصار، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه، منهم: عمر بن الخطاب وهدي عمر هدي عمر ومنهم عثمان وعلي والزبير وطلحة، ولا والله ما يخفي علي كل حديث كان بالمدينة، وكل من أحب الله ورسوله، وكل من كانت له عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلة، وكل صاحب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أبو بكر صاحبه في الغار، وغيره قد أخرجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة أن يساكنه، فليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علماً كثيراً جماً. قال: فوالله إن زال مروان يقصر عنه عن هذا الوجه بعد ذلك ويتقيه ويخاف جوابه، ويحب على ذلك أن ينال من أبي هريرة ولا يكون منه بسبب، يفرق من أن يبلغ أبا هريرة وأن مروان كان من هذا بسبب فيعود له بمثل هذا، فكف عنه. قال عروة بن الزبير: قال لي أبي الزبير بن العوام: أدنني من هذا اليماني، يعني أبا هريرة، فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، فجعل الزبير يقول: صدق كذب، صدق كذب. قال: قلت: يا أبه، ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني، إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أشك ولكن منها ما وضعه على مواضعه، ومنها ما لم يضعه على مواضعه.
قال أبو الشعثاء: قدمت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقلت له: تحدث عن أبي هريرة وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: إنه قد سمع، وأحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي. قال بسر بن سعيد: كان يقوم فينا أبو هريرة فيقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا، سمعت كعباً يقول كذا. فعمد الناس إلى ما روى عن كعب فجعلوه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعض ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلوه عن كعب فمن ثم أنفي حديث أبي هريرة. قال ابن لهيعة: هو من الناس ليس من أبي هريرة. قال إبراهيم النخعي: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث جنة أو نار. وقال إبراهيم: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة. وقال شعبة: كان أبو هريرة يدلس. قالوا: وقول إبراهيم النخعي هذا غير مقبول منه.
قال عمر بن حبيب: حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة، فتنازعها الحضور وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائل منهم: لا يصح هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل لي: صاحب البريد بالباب، فدخل
فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن. فقلت: اللهم، إنك تعلم إني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطغى على أصحابه، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع. فلما بصر بي قال: يا عمر، ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليه، فيه إزراء على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود، كله مردود وغير مقبول. فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله. وأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أبو هريرة: إني لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءاً للقرآن، وجزءاً أنام، وجزءاً أتذكر فيه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو هريرة يصلي ثلث الليل وامرأته ثلثاً وابنته ثلثاً. قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعاً. فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. قال: قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث بي حدث كان لي أجر شهري. وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وقال: إنهما يومان ترفع فيهما الأعمال. وكان أبو هريرة يسبح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة. يقول: أسبح بقدر ديتي. وكان لأبي هريرة صيحتان في كل يوم، أول النهار فيقول: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار. فإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار.
وعن أبي هريرة قال: لا تغبطن فاجراً بنعمته، فإن من ورائه طالباً حثيثاً طلبه " جهنم كلما خبت زدناها سعيرا ".
قال أبو يزيد المدني: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً دون مقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعتبة ثم قال: الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي من على أبي هريرة بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحمد لله الذي أطعمني الخمير وألبسني الحبير الحمد لله الذي زوجني ابنة غزوان بعدما كنت أجيراً لها بطعام بطني وعقبة رجلي، أرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني.
وعن أبي هريرة أنه صلى بالناس يوماً، فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله.
وعن أبي هريرة أنه كان يقول: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابن عفان وابنة غزوان وهي بسرة بنت غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو بهم إذا ساروا. فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وأبا هريرة إماماً. وعن مضارب بن حزن قال: بينما أنا أسير تحت الليل إذا رجل يكبر، فألحقته بعيراً، فقلت: من هذا؟ قال:
أبو هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكر. قلت: على ماذا؟ قال: إني كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان، فكنت إذا ركب القوم سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم، وإذا أتيت على مكان سهل نزلت، ثم قالت: والله لا أبرح هذا المكان حتى تجعل لي عصيدة. قال: فزوجنيها الله بعد، فأنا أركب إذا ركب القوم، وأخدم إذا نزلوا، وإذا أتيت على نحو من مكانها نزلت فقلت: لا أبرح هذا المكان حتى يعصد لي عصيدة.
زاد في آخر عن أبي مصعب الجهني: قلت: يا أبا هريرة، هل سمعت من خليلك أبي القاسم شيئاً؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا هامة، وخير الطير الفأل، والعين. قال إمام مسجد سعد: قدم أبو هريرة الكوفة، فصلى الظهر والعصر واجتمع عليه الناس. فذكر قرباً منه. يعني أنه كان قريباً منه، فسكت ولم يتكلم، ثم قال: إن الله وملائكته يصلون على أبي هريرة الدوسي. فتغامز القوم فقالوا: إن هذا ليزكي نفسه. ثم قال: وعلى كل مسلم ما دام في مصلاه ما لم يحدث حدثاً بلسانه أو بطنه.
وعن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة وأبو ذر: باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعاً، وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مئة ركعة تطوعاً. وقالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا جاء طالب العلم الموت وهو على هذه الحال مات وهو شهيد. جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر، إني أريد أن أتعلم العلم، وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن مت عالماً خير لك من أن تموت جاهلاً. ثم جاء إلى أبي الدرداء فقال له: يا أبا الدرداء، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن توسد العلم خير من أن توسد الجهل. ثم جاء إلى أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه، فقال له أبو هريرة: تعلم العلم، فإنك لن تجد له إضاعة أشد من تركه. زاد عن آخر مثله عن أبي الدرداء: إن الناس يبعثون من قبورهم على ما ماتوا عليه، فيبعث العالم عالماً، والجاهل جاهلاً.
قال الحسن: كان أبو هريرة من أحسن القوم كلاماً. حدث رجل قال: أتيت على أبي هريرة وهو ساجد يقول: اللهم لا أزنين، اللهم لا أسرقن، اللهم لا أنافقن، اللهم لا أرتدن، فسكت عنه حتى فرغ وقلت: يا أبا هريرة، أوتخاف هذا وأنت من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أمنت محرف القلوب؟! وما أدرى الرجل إذا أصبح على ما يمسي عليه، وإن أمسى على ما يصبح عليه؟! ثم قال: أمنت محرف القلوب؟! كان أبو هريرة يقول في آخر عمره: اللهم، إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام. يقول بعض أصحابه: يا أبا هريرة، ومثلك يقول هذا وتخافه، وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعته وأخذت عنه؟! قال: ويحكم، وما يؤمنني وإبليس حي؟! كان أبو هريرة إذا غدا من منزله لبس ثيابه ثم وقف على أمه فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، وجزاك الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً. فترد عليه: وأنت، فجزاك الله عني خيراً كما بررتني كبيرة. ثم يخرج، فإذا رجع قال مثل ذلك. ولم يحج أبو هريرة حتى ماتت أمه. لقيت أبا هريرة ابنة له فقالت: إن الجواري يعيرنني يقلن: إن أباك لا يحليك بالذهب. فقال: قولي لهن: إن أبي لا يحليني الذهب، يخشى علي حر اللهب. قال أبو هريرة: لما قدمت من البحرين قال عمر: يا عدو الله وعدو الإسلام، خنت مال الله. قال: لست بعدو الله ولا عدو الإسلام، ولكني عدو من عاداهما، ولم أخن مال الله، ولكنها أثمان خيل لي تناتجت عندي، وسهمان لي اجتمعت. قال: فكرر ذلك علي ثلاث مرات. فكل ذلك أرد عليه.
زاد في رواية: فنظروا فوجدوه كما قال، فأغرمني اثني عشر ألف درهم قال: فقمت في صلاة الغداة فقلت: اللهم اغفر لأمير المؤمنين. فأرادني بعد ذلك على العمل فقلت: لا أعمل لك. قال:
أوليس يوسف كان خيراً منك وقد سأل العمل؟ قلت: إن يوسف نبي وابن نبي وأنا ابن أميمة وإني أخاف ثلاثاً واثنتين. قال: ألا تقول خمساً؟ قلت: لا، أخاف أن أقول بغير حكم، وأقضي بغير علم، وأن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، ويؤخذ مالي. كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة. فيركب حماراً قد شد عليه برذعة. وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق! قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون. قال أبو رافع: وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العراق للأمير. فأنظر فإذا هو ثريدة بزيت.
قال ثعلبة بن أبي مالك: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير يا بن أبي مالك. فقلت: أصلحك الله، يكفي هذا! فقال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه. دث أبو الزعيزعة، كاتب مروان، قال: بعث مروان إلى أبي هريرة بمئة دينار. فلما كان الغد أرسل إليه فقال: إنه ليس إليك بعثت، وإنما غلطت. فقال: ما عندي منها شيء، وإذا خرج عطائي فاقبضوها. قال: وإنما أراد مروان أن يعلم أينفقها أم يحبسها. كان أبو هريرة يسب مروان، فإذا أعطاه سكت. قال أبو هريرة: ما من أحد من الناس يهدي إلي بهدية إلا قبلتها، فأما المسألة فإني لم أكن أسأل.
قال أبو هريرة: درهم يكون من هذا وكأنه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف من مال فلان. قال أبو الأسود: بنى رجل داراً بالمدينة فلما فرغ منها مر أبو هريرة عليها وهو واقف على باب داره فقال: قف يا أبا هريرة، ما أكتب على باب داري؟ قال وأعرابي قائم قال أبو هريرة: اكتب عليها: ابن للخراب، ولد للثكل، واجمع للوارث. فقال الأعرابي: بئس ما قلت يا شيخ. فقال صاحب الدار: ويحك، هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما بنى مروان بن الحكم داره قال للبناء: انظر ما يملي عليك أبو هريرة، فاكتبه في وجه الدار. فجاء أبو هريرة فقال: اكتب: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، والأجل قريب. فقال البناء: والله لا أكتب هذا. فقال أبو هريرة، والله لا أزيدك ولا مروان على هذا. وقيل: إنه قال: اكتب، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تبلغون. والله لا أزيدك.
سئل أبو هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذب عنهم. كان أبو هريرة من حسن خلقه يؤاكل الصبيان. قال عمر بن أبي الصهباء: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه، وإحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنى غناء الرهبان: من مجزوء الكامل
لما رأيتك لي محباً ... وإلي حين أغيب صبا
أعرضت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثت ذنبا
إلا لقول نبينا ... زوروا عن الأيام غبا
ولقوله من زار غب ... اً منكم يزداد حبا
جاء رجل إلى أبي هريرة فقال: إني أصبحت صائماً فأكلت. قال: ذلك طعام أطعمكه الله. قال: وقال: واقعت أهلي. قال: ابن أخي، أنت لم تعود الصيام. وفي حديث آخر مثله: إلا أنه تردد في عدة بيوت. فقال له في آخرها: إنك لم تعود الصيام. كانت لأبي هريرة امرأة، فبقيت زماناً لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم أنها اشتكت. فقال أبو هريرة: منعتنا هذه طلاقها بشكواها. كان رجل يؤذي أبا هريرة بلسانه، فقيل له: مات فلان. فقال: ليس في الموت شماتة، لو أخبرتموني أنه أمر على إمارة، أصاب مالاً، ولد له ولد. وعن أبي هريرة أنه كان إذا سمع أحداً يسأل: من هذه الجنازة؟ قال: هذا عبد الله دعاه فأجابه، أو أمته دعاها فأجابته، والله يعرفه، وأهله يفقدونه، والناس ينكرونه. أغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون. زاد في آخر بمعناه: موعظة بليغة، وغفلة سريعة، تذهب الأول وتبقي الآخر لا عقل له. قال عبيد بن باب: كنت أصب على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضأ، فمر به رجل فقال:
أين تريد؟ قال: السوق. فقال: إن استطعت أن تشتري الموت من قبل أن ترجع فافعل. ثم قال أبو هريرة: لقد خفت الله مما أستعجل القدر. قال أبو هريرة: إذا رأيتم ستاً فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت، أخاف أن تدركني إذاً؛ إمرة السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشو يتخذون القرآن مزامير.
قال أبو سلمة: دخلت على أبي هريرة وهو وجع شديد الوجع، فاحتضنته فقلت: اللهم، اشف أبا هريرة. فقال: اللهم، لا ترجعها قالها مرتين ثم قال: إن استطعت أن تموت فمت، والله الذي نفس أبي هريرة بيده، ليأتين على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدكم من الذهبة الحمراء، وليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه المسلم فيتمنى أنه صاحبه.
وكان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصدغي معاوية، اللهم، لا تدركني سنة ستين، وتوفي فيها أو قبلها. وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: لا تضربوا علي فسطاطاً ولا تجعلوا معي مجمراً، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: أسرعوا بي، أسرعوا بي مرتين وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله، أين تذهبون بي؟ قال محمد بن عمرو: سمعت أبا هريرة وجئته في مرضه أعوده وهو يقول: قد قلت لأهلي إذا أنا مت فلا تعمموني ولا تقمصوني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعمم ولم يقمص. وفي حديث: إذا مت فلا تنوحوا علي، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينح عليه الحديث.
بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري أيتهما يؤخذ بي. دخل مروان على أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه، فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم، إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات.
وفي حديث آخر قال: اللهم اشفه، اللهم عافه، اللهم ارفعه. قال: فأفاق ورفع
يديه حتى رئي بياض إبطيه، شاهراً بيديه إلى الله، ثم قال: اللهم، اشدد وأجد على نفس أبي هريرة قال: فخرجنا من عنده فما فاتنا الصوت حتى سمعنا الصائحة عليه.
توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية، وله ثمانٍ وسبعون سنة.
وقيل: توفي سنة سبع وخمسين في، وفيها ماتت عائشة قبل معاوية بسنتين. وقيل: توفي أبو هريرة وعائشة سنة ثمانٍ وخمسين. وصلى عليه الوليد بن عتبة. كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يخبره بموت أبي هريرة. فكتب إليه: انظر من ترك، فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم، وأولهم معروفاً، فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار، فرحمة الله عليه.
أبو هريرة الدوسي
قال صالح: قال أبي: وأبو هريرة يقال: عبد شمس، وعبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين.
"الأسامي والكنى" (23)
قال صالح: حدثني أبي، ثنا أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل البصري قال: واسم أبي هريرة، عبد اللَّه.
"الأسامي والكنى" (193)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب محمد، ولم يكن من أفضلهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4088)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: سمعت سفيان يقول: الأوفاض من أهل الصفة، وكان أبو هريرة فيهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5962)
قال محمد بن يحيى: وسمعت أحمد بن حنبل يقول: ثنا أبو عبيدة الحداد قال: اسم أبي هريرة عبد اللَّه.
"المستدرك" للحاكم 3/ 507
فصل النساء
قال صالح: قال أبي: وأبو هريرة يقال: عبد شمس، وعبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين.
"الأسامي والكنى" (23)
قال صالح: حدثني أبي، ثنا أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل البصري قال: واسم أبي هريرة، عبد اللَّه.
"الأسامي والكنى" (193)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب محمد، ولم يكن من أفضلهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (4088)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: سمعت سفيان يقول: الأوفاض من أهل الصفة، وكان أبو هريرة فيهم.
"العلل" رواية عبد اللَّه (5962)
قال محمد بن يحيى: وسمعت أحمد بن حنبل يقول: ثنا أبو عبيدة الحداد قال: اسم أبي هريرة عبد اللَّه.
"المستدرك" للحاكم 3/ 507
فصل النساء
أَبُو هُرَيْرَة الدوسي الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا مَذْكُور فِي التَّهْذِيب
أبو ذر الغفاري
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً.
وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص.
وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية.
قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً
إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه.
قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة.
قال ابن سعد في الطبقة الثانية:
وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين.
ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً.
وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن.
قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه.
كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه.
عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.
وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً
بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا.
قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من
أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.
رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك.
قال أبو ذر:
فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة.
رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،
وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر
بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه.
قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي.
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر.
عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،
ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.
قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً.
قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر.
قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:
مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه.
وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً.
فذكر حديثاً.
وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة.
قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا
أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً.
وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط
إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً.
وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض.
وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه.
وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر.
قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر.
وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس.
وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره
أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.
عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل.
وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت.
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.
وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله.
وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله
لومة لائم.
عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم.
فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين.
قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال:
أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى
قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره.
عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً.
قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد.
وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن
الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من
جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا.
حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا
من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه.
قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة.
وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:
إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال:
استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.
قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني.
عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك
إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه.
قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه.
ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.
وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.
قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء.
قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين.
وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه.
قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت
برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه.
عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد.
عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك.
عن رجل من بني سليم قال:
جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون.
فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:
ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.
عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً
نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم.
قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني.
عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.
عن أبي شعبة قال:
مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها.
وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل.
عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً.
قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت
معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها.
قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري
قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.
قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل.
قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك.
وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.
وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق.
قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر.
وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه.
قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله.
وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف.
قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.
قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً.
قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك.
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.
وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها.
عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع
خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته.
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه.
عن محمد بن كعب
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،
فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا
قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق.
وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو
بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني.
قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره.
زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار.
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً.
وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص.
وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية.
قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً
إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه.
قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة.
قال ابن سعد في الطبقة الثانية:
وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين.
ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً.
وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن.
قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه.
كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه.
عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.
وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً
بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا.
قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من
أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.
رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك.
قال أبو ذر:
فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة.
رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،
وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر
بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه.
قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي.
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر.
عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،
ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.
قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً.
قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر.
قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:
مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه.
وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً.
فذكر حديثاً.
وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة.
قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا
أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً.
وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط
إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً.
وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض.
وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه.
وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر.
قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر.
وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس.
وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره
أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.
عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل.
وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت.
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.
وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله.
وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله
لومة لائم.
عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم.
فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين.
قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال:
أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى
قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره.
عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً.
قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد.
وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن
الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من
جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا.
حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا
من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه.
قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة.
وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:
إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال:
استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.
قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني.
عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك
إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه.
قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه.
ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.
وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.
قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء.
قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين.
وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه.
قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت
برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه.
عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد.
عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك.
عن رجل من بني سليم قال:
جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون.
فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:
ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.
عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً
نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم.
قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني.
عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.
عن أبي شعبة قال:
مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها.
وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل.
عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً.
قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت
معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها.
قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري
قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.
قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل.
قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك.
وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.
وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق.
قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر.
وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه.
قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله.
وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف.
قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.
قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً.
قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك.
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.
وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها.
عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع
خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته.
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه.
عن محمد بن كعب
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،
فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا
قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق.
وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو
بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني.
قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره.
زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار.
أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ صَحَابِيّ مَشْهُور مُخْتَلف فِي اسْمه فِي التَّهْذِيب
أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب روى عن ابن عمر وسعيد بن يسار روى عنه اسحاق بن شرفي ومالك [بن انس - ] وعبيد الله بن عمر وابراهيم بن طهمان.
نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول [ذلك سمعت أبي يقول - ] ذلك: لا يسمى وسألته عنه فقال: لا بأس به.
نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول [ذلك سمعت أبي يقول - ] ذلك: لا يسمى وسألته عنه فقال: لا بأس به.
- أَبُو بكر بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب أخرج البُخَارِيّ فِي الْوتر عَن مَالك بن أنس عَنهُ عَن سعيد بن يسَار قَالَ أَبُو حَاتِم لَا بَأْس بِهِ