عُوَيْمِر بن مَالك وَيُقَال بن عَامر الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو الدَّرْدَاء أسلم يَوْم بدر وَشهد أحدا فأبلى يَوْمئِذٍ روى عَنهُ ابْنه بِلَال وَزَوجته أم الدَّرْدَاء وَجبير بن نفير وَخلق وألحقه عمر بالبدريين فِي الْعَطاء مَاتَ سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
عويمر بن زيد بن قيس
ويقال ابن عامر، ويقال ابن عبد الله وقيل عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس أبو الدرداء الأنصاري الخزرجي من أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم. شهد اليرموك، وكان قاضي أهله، وحضر حصار دمشق، وسكن حمص وانتقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى دمشق، وولي بها القضاء وكانت داره بباب البريد وفي نسبه اختلاف.
بعث عبد الملك بن مروان إلى أم الدرداء فكانت عنده، فلما كانت ذات ليلة قام عبد الملك من الليل، فدعا خادمه فكأنه أبطأ عنه، فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: قد سمعتك الليلة لعنت خادماً، قال: إنه أبطأ عني، قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة.
وعن أبي الدرداء قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نفعل، أمرٌ قد فرغ منه أم شيءٌ نستأنفه؟ فقال: بل أمرٌ قد فرغ منه، قالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: كل امرئٍ مهيأٌ لما خلق له.
وعن أبي الدرداء أنه كان إذا نزل به الضيف قال: أمقيم فنسرح أم ظاعنٌ فنعلف؟ فإن قال ظاعن
قال: لا أجد شيئاً خيراً من شيءٍ أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جاء ناس من الفقراء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر، يجاهدون ولا نجاهد ويحجون ويفعلون ولا نفعل. فقال: ألا أدلكم على ما إذا أخذتم به أدركتم أو جئتم بأفضل مما يأتون به؟ تكبرون الله أربعاً وثلاثين وتسبحون الله ثلاثاً وتحمدون الله ثلاثاً وثلاثين في دبر كل صلاة.
وأم أبي الدرداء محبة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة، وكان أبو الدرداء أقنى، أشهل، يخضب بالصفرة، وكان تاجراً قبل أن بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم زاول العبادة والتجارة، وآثر العبادة وترك التجارة. وكان فقيهاص، عالماً، عابداً قارئاً أحد الأربعة الذين أوصى معاذ بن جبلٍ أصحابه أن يأخذوا العلم عنهم.
فاته بدر ثم اجتهد في العبادة وقال: إن اصحابي سبقوني.
آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سلمان، وكان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً.
وعن أبي الدرداء أنه قال:
لا مدينة بعد عثمان، ولا رجاء بعد معاوية.
وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء، فأسلم، قال جبير بن نفير: كان أبو الدرداء يعبد صنماً في الجاهلية؛ وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فكسرا صنمه، فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك ويقول: ويحك هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك! فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها، فقال أبو الدرداء: أعدي لي في المغتسل ماء، فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلته فلبسها ثم ذهب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛
فقال: يا رسول الله هذا أبو الدرداء، وما أراه جاء إلا في طلبنا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما جاء ليسلم، فإن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم.
حدث سعيد بن عبد العزيز أن أبا الدرداء أسلم يوم بدرٍ، وشهد أحداً فأبلى يومئذ، وفرض لع عمر في أربع مئة، ألحقه بالبدريين.
قال ابو الدرداء: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا تاجر، فأردت أن تجتمع الصلاة مع التجارة فلم تجتمعا، فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة؛ والذي نفس أبي الدرداء في يده. ماأحب أن لي حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كل يومٍ أربعين ديناراً أتصدق بها في سبيل الله. قيل له: لم يا أبا الدرداء؟ وما تكره من ذلك؟ قال: شدة الحساب.
شهد أبو الدرداء أحداً وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد من على الجبل، فردهم وحده. وقيل: إنه لم يشهد أحداً.
ولما هزم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ليس لهم أن يغلبونا، فثاب إليه يومئذٍ ناس، وانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه؛ وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الفارس عويمر. وقال: حكيم أمتي عويمر.
كان أبو الدرداء يرمي بنبله يوم الشعب حتى أنفذها، ثم جعل يدهده عليهم الصخر والحجارة فحانت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه نظرة، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء، فقال: نعم الفارس عويمر! ثم حانت منه نظرة أخرى فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء، فقال: نعم الرجل أبو الدرداء!.
وعن أنس قال: مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
قال الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة نفرٍ من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، وأبو زيد؛ ومجمع بن دارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة. قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير عثمان.
وفي حديث آخر بمعناه، وكان ابن مسعود قد أخذ بضعاً وسبعين سورةً وتعلم بقية القرآن من مجمع.
وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأرفق أمتي لأمتي عمر، وأصدق أمتي حياة عثمان، وأقضي أمتي علي بن أبي طالب، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل؛ يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة وأقرأ أمتي أبي بن كعب، وأفرضها زيد بن ثابت، وقد أوتي عمير عبادةً. يعني أبا الدرداء.
وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق أرق أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها، وعلي بن أبي طالب ألب أمتي وأشجعها، وعبد الله بن مسعود أبر أمتي وآمنها، وأبو ذر الغفاري أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها.
وعن شداد بن أوس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أبو بكر أوزن أمتي اعدلها، وعلي بن أبي طالب ولي أمتي اوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين أمتي وأوصلها، وأبو ذر الغفاري أزهد أمتي وأرأفها، وأبو الدرداء أعدل أمتي وأرحمها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها.
قال أبو جعفر: ولا يتابع على هذا الحديث ولا نعرفه إلا به.
وعن مكحول قال:
كانت الصحابة يقولون فيما بينهم: أرحمنا بنا أبو بكر وأنطقنا بالحق عمر، وأميننا أبو عبيدة بن الجراح، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرأنا أبي بن كعب، ورجل عنده علم ابن مسعود وتبعهم عويمر بالعقل.
وعن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل أمة حكيماً وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء.
وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: أرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فقال: اجمع لي بني هاشم في دار ... فذكر الحديث، وقال فيه: قال: فرفع يديه ورفعوا أيديهم، فلما قضى رغبته جعل يسأل من يليه بماذا دعوت؟ ثم الذي يليه، ثم الذي يليه وقد حضر ذلك أبو الدرداء، فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعاً يديه، وأقبل حتى حضر معهم الرغبة، فسأله: بم دعوت به يا عويمر؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك جنات الفردوس نزلا، وجنات عدن نفلا، في معافاة منك ورحمة، وخير وعافية، وعلمٍ لا ينسى. فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده مرة أو مرتين يقول: ذهبت بها يا عويمر.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ. وفي نسخة: يقولون: أتبعنا للعلم بالعمل.
وعن أبي جحيفة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، فجاء سلمان يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبتلة، قال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك ليس له حاجةً في الدنيا. فلما جاء أبو الدرداء رحب به وقرب إليه طعاماً، فقال له سليمان: أطعهم، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك إلا ما طعمت، ما أنا بآكلٍ حتى تأكل؛ قال: فأكل معه وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان ثم قال: يا أبا الدرداء، إن لربك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، أعط كل ذي حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم، وأت أهلك. فلما كان عند الصبح قال: قم الآن، فقاما فصليا ثم خرجا إلى الصلاة؛ فلما صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام إليه أبو الرداء فأخبره بما قال سلمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما قال سلمان له.
وعن أبي الدرداء قال: تضيفهم ضيف، فأبطأ أبو الدرداء حتى نام الضيف طاوياً، ونام الصبية جياعاً، فجاء والمرأة غضبى تلظى فقالت: لقد شققت علينا منذ الليلة! اقل: أنا؟ قالت: نعم، أبطأت علينا حتى بات ضيفنا طاوياً، وبات صبياننا جياعاً. قال: فغضب فقال: لا جرم والله لا أطعمه الليلة - والطعام موضوع بين يديه - فقالت أنا والله لا أطعمه حتى تطعمه. قال: فاستيقظ الضيف وقال ما بالكما؟ فقال له: ألا ترى إليهما تجني علي الذنوب؟ إني احتبست في كذا وكذا، فقال الضيف: وأنا والله لا أطعمه حتى تطعماه. قال: فلما رأيت الطعام موضوعاً ورأيت الضيف جائعاً، والصبية جياعاً قدمت والله يا رسول الله يدي فأكلت، وقدموا أيديهم فأكلوا، فبروا والله يا رسول الله وفجرت؛ قال: بل أنت كنت خيرهم وأبرهم.
وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا فرطكم على الحوض فلألفين ما نوزعت في أحدٍ منكم فأقول: هذا مني، فيقال: لا تدري ما أحدث بعدك. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن لا يجعلني منهم. قال: إنك لست منهم.
وعن أبي الدرداء قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله بلغني أنك قل: ليكفرن قوم بعد إيمانهم. قال: نعم ولست منهم.
وفي حديث بمعناه ومعنى ما تقدمه: فتوفى أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن.
قال أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن.
قال رجلٌ لأبي الدرداء: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لقماً إذا أكلتم؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه شيئاً، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فسأل أبا الدرداء عن ذلك؟ فقال أبو الدرداء: اللهم غفراً! وكل ما سمعناه منهم نأخذهم به! فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال لأبي الدرداء ما قال، فقال بثوبه وخنقه، وقاده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب، فأوحى الله تعالى إلى نبيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ".
قال أبو الدرداء:
لو أنسيت آية لم أجد أحداً يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغماد رحلت إليه. وعن أبي الدرداء قال: سلوني فوالذي نفسي بيده لئن فقدتموني لتفقدن رجلاً عظيماً من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا قال رجلاً، وفي حديث: لتفقدن زملاً عظيماً من أمة محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الزمل في كلام العرب: بمعنى الحمل. ويقال ازدمل الحمل: أي احتمله يزيد أنه في كثرة ما جمعه من العلم وادخره منه كالحمل العظيم من المتاع المحزوم. وروي: زملاً عظيماً، قال: وهذا لا وجه له إنما الزمل الضعيف.
ولما حضرت معاذاً الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن أوصنا. قال أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان من ابتغاهما - ثلاثاً قالها - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر
أبي الدرداء. وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عاشر عشرة في الجنة.
قال مرة بن شراحيل: كان عبد الله بن مسعود يقول: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه والذي بالشام والعراق يحتجان إلى الذي بالمدينة - يعني علي بن أبي طالب - ولا يحتاج إلى واحد منهما.
قال أبو ذر لأبي الدرداء: ماحملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم يا أبا الدرداء.
قال مسروق: وجدت علم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأبين وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى علي وعبد الله.
وكان أبو الدرداء من العلماء والحكماء. قال القاسم بن محمد: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلمز كان عبد الله بن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين. فيقال له: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء.
دخل أبو الدرداء مالاً له ومعه ناسٌ من أصحابه، فطافوا فيه، فلما خرجوا قالوا: ما رأينا كاليوم مالاً أحسن! قال: فإني أشهدكم أن ما خلفت خلف ظهري في سبيل الله، وأن ذلك إليى أمير المؤمنين يضعه حيث رأى. ثم أتى عمر فاستأذن في أن يأتي الشام فقال: لا آذن لك إلا أن تعمل؛ قال: فإني لا أعمل، قال فإني لا آذن لك، قال: فأنطلق فإعلم الناس سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصلي بهم؛ فأذن له، فكان الناس في الصيف يتفرقون في المغزي، فإذا كان الشتاء اجتمعوا في المشتى فصلى بهم أبو الدرداء.
فخرج عمر إلى الشام وقد اجتمعوا في المشتى، فلما كان قريباً منهم أقام حتى أمسى،
فلما جنة الليل قال: يا يرفأ، انطلق إلى يزيد بن أبي سفيان، أبصره، عنده سمار ومصباح، مفترشاً ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين، فتسلم عليه، فيرد عليك، وتستأذن فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت - فذكر جويرية كراهيته ولم يحفظ أبو محمد لفظه - قال: فانطلقا حتى انتهيا إلى بابه، فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم السلام قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين. ففتح الباب، فإذا سمار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً، قال: با يرفأ، الباب الباب؛ ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً، وكور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا يبرح أحدٌ حتى أرجع إليكم.
ثم خرجنا من عنده، فقال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى عمرو بن العاص، أبصره، عنده سمار ومصباح، مفترشاً ديباجاً من فيء المسلمين فتسلم عليه، فيرد عليك، وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت - فذكر جويرية مشقة ذلك على عمر، وذكر خلفه واعتذاره - قال: فانتهينا إلى بابه، فقال عمر: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين. قال: ففتح الباب، فإذا سمار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً، قال: با يرفأ، الباب الباب؛ ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً، فجعل عمرو يحلف، ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا تبرحوا حتى أعود إليكم.
فخرجنا من عنده، فقال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أبي موسى، أبصره، عنده سمارٌ ومصباح، مفترشاً صوفاً من مال فيء المسلمين فتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت، قال: فانطلقنا إليه وعنده سمارٌ ومصباح، مفترشاً صوفاً، فوضع الدرة بين أذنيه ضرباً وقال: أنت أيضاً يا أبا موسى! قال: يا أمير المؤمنين، هذا وقد رأيت ما صنع أصحابي، أما والله لقد أصبت مثل ما أصابوا، قال فما هذا؟ قال: زعم أهل البلد أنه
لا يصلح إلا هذا؛ فكور المتاع فوضعه في وسط البيت، وقال للقوم: لا يبرح منكم أحدٌ حتى أعود إليكم.
فلما خرجنا من عنده قال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أخي لتبصر به ليس عنده سمار ولا مصباح، وليس لبابه غلق، مفترشاً بطحاء، متوسداً برذعة، عليه كساء رقيق قد أذلقه البرد، فتسلم عليه فيرد عليك السلام، وتستأذن فيأذن لك من قبل أن يعلم من أنت. فانطلقنا، حتى إذا قمنا على بابه قال: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ادخل، فدفع الباب، فإذا ليس له غلق، فدخلنا إلى بيتٍ مظلم، فجعل عمر يلمسه حتى وقع عليه، فجس وساده فإذا برذعة، وجس فراشه فإذا بطحاء؛ وجس دثاره فإذا مساءٌ رقيق، فقال أبو الدرداء: من هذا؟ أمير المؤمنين؟ قال نعم، قال: أما والله لقد استبطأتك منذ العام، قال عمر رحمه الله: أو لم أوسع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثاً حدثناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عمر؟ قال أي حديث؟ قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. قال: نعم، قال فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا.
قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن صامت، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء؛ فلما كان زمان عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعني يا أمير المؤمنين برجالٍ يعلمونهم. فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب منكم ثلاثة فليخرجوا. فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخٌ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم - لأبي بن كعب - فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوهٍ مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا طائفةً من
الناس، فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد وليخرج واحدٌ إلى دمشق والآخر إلى فلسطين.
فقدموا حمص فكانوا بها، حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين. فأما معاذ فمات عام طاعون عمواس؛ وأما عبادة فصار بعد إلى فلسطين فمات بها: وأما أب الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.
قال راشد بن سعد: بلغ عمر أن أبا الدرداء ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه: أما بعد يا عويمر، أما كانت لك كفايةً فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا، وقد أذن الله بخرابها؟ فإذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق. قال سفيان: عاقبه بهذا.
وكان عمر أمر أبا الدرداء على القضاء - يعني بدمشق - وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب.
قال يحيى بن سعيد: استعمل أبو الدرداء على القضاء، فأصبح يهنئونه، فقال: أتهنئوني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواةٍ مزلتها أبعد من عدن أبين؟؟ ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبةً عنه وكراهية له؛ ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبةً فيه وحرصاً عليه.
كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله؛ وقد بلغني أنك جعلت طبيباً
يداوي، فإن كنت تبرئ فنعم مالك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار. وكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه، نظر إليهما فقال: ارجعا إلى أعيدا علي قصتكما.
وفي حديث بمعناه زيادة: وبلغني أنك اتخذت خادماً، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد لا يزال من الله، والله منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب.
كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم والسلام.
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلامٌ عليك أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده: وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله، بغضه إلى عباده.
قال أبو الدرداء: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله أن يأجرني فيه.
زاد في آخر معناه: وإن أبغض الناس (إلي أن) أظلمه الذي لا يستعين علي إلا بالله.
وعن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن عمر بعث إلى أبي الدرداء وابن مسعود وأبي مسعود فقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فحبسهم بالمدينة حتى مات.
قال المصنف: وهذا من عمر لم يكن على وجه الاتهام لهم، وإنما أراد إقلالهم للرواية لئلا يشتغل الناس بما يسمعونه منهم عن تعلم القرآن. وقد روي عن أبي الدرداء في تحرزه في الرواية أنه كان إذا حدث الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم إلا هكذا فشكله.
وعن خالد بن معدان قال: قال أبو الدرداء: الدنيا ملعونة؛ ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما أوى إليه؛ والعالم والمتعلم في الخير شريكان، وسائر الناس همجٌ لا خير فيهم.
قال أبو الدرداء: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصتٍ واعٍ، أو متكلمٍ عالم.
وعن أبي الدرداء قال: مالي أرى علماءكم يذهبون وأرى جهالكم لا يتعلمون! تعلموا، فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس؛ مالي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به وتباطؤون عما أمرتم به! وعن أبي الدرداء قال: لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً.
وعن بي الدرداء: إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: قد علمت، فماذا عملت فيما علمت؟ وعن أبي الدرداء قال: ويل للذي لا يعلم مرةً، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
قال عون بن عبد الله بن عتبة: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.
قالت أم الدرداء: وقد قيل لها: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء يا أم الدرداء؟ فقالت: التفكر، قالت: نظر يوماً إلى ثورين يخدان في الأرض، مستقلين بعملهما، إذ عنت أحدهما، فقام الآخر. فقال أبو الدرداء: في هذا تفكر، استقلا بعملهما واجتمعا، فلما عنت أحدهما قام الآخر، كذلك المتعاونان على ذكر الله عز وجل.
كان أبو الدرداء يقول: من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ولهم بذلك أجر، ومن الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير وعليهم بذلك إصر؛ وتفكر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة.
قيل لأبي الدرداء وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح يا أبا الدرداء في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الأصابع.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فأخذ عوداً يابساً فحط ورقة ثم قال: إن قول لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله يحط الخطايا كما يحط ورق هذه الشجرة، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن، فإنهن الباقيات الصالحات، وهن من كنوز الجنة. فقال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث، لأهللن الله، ولأكبرن الله، ولأسبحن الله، حتى إذا رآني جاهلٌ حسب أني مجنون.
قال مكحول: نزل سلمان بأبي الدرداء، فلما كان في ليلة الجمعة، تعشى أبو الدرداء وصلى ونام بثيابه، فقال سلمان لأم الدرداء: أنبهيه، قالت: إنه ليس ينزع ثيابه ليلة الجمعة. فأنبهه سلمان فقال: ألا تنزع ثيابك؟ قال: إني أريد أن أقوم أصلي ليلتي. قال: إن لعينك
عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً. فقام أبو الدرداء فقال: أحييتني أحياك الله، أحييتني أحياك الله، ثلاث مرات.
وعن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم! فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أمامك عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون. فأحب أن أتخفف لتلك العقبة.
وعن حدير الأسلمي
أنه دخل على أبي الدرداء وتحته فراش جلد وسبنية صوف، وهو وجعٌ وقد عرق، فقال له حدير: ما يمنعك أن تكتسب فراشاً بورق وكساء خز وقطيفة خز مما يعطيك معاوية؟! فقال أبو الدرداء: إن لنا داراً لها نعمل، وإليها نظعن، وإن المخف فيها أفضل من المثقل.
كتب أبو الدرداء إلى سلمان: يا أخي، بلغني أنك اشتريت خادماً، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يزال العبد يقول: لا يزال العبد من الله عز وجل وهو منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب. وإن أم الدرداء سألتني خادماً وأنا يومئذ موسراً، فكرهت ذلك لما سمعته من الحساب، ويا أخي، من لي ولك بأن نوافي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة ولا نخاف حساباً! ويا أخي لا تغتر بصحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنا قد عشنا بعده دهراً طويلاً، والله أعلم بالذي أصبنا.
قال محمد بن واسع: كتب أبو الدرداء إلى سلمان: من أبي الدرداء إلى سلمان، أما بعد يا أخي، اغتنم صحتك وفراغك من قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع أحد من الناس رده، يا أخي اغتنم دعوة المؤمن المبتلي، ويا أخي ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: المسجد بيت كل تقي. وقد ضمن الله لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والراحة، والجواز على الصراط إلى رضوان الرب، ويا أخي أدن اليتيم منك، وامسح برأسه والطف به وأطعمه من طعامك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: وجاءه رجل يشكو إليه قسوة قلبه. قال: أدن اليتيم منك والطف به، وامسح برأسه وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتدرك حاجتك؛ ويا أخي إياك أن تجمع من الدنيا ما لاتؤدي شكره، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤتى بصاحب المال الذي أطاع الله فيه، وماله بين يديه، كلما انكفأ به الصراط قال له ماله: امض فقد أديت حق الله في، ثم يجاء بصاحب المال الذي لم يطع الله فيه وماله بين كتفيه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ويلك، ألا أديت حق الله في! فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور ... الحديث.
قال أبو البختري: بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدرٍ إذ سمع في القدر صوتاً، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة صوت الصبي، ثم انكفأ القدر، ثم رجعت إلى مكانها ولم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك، فقال له سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى.
قال ميمون: مرض أبو الدرداء ففزع إلى نفقةٍ كانت عنده، فوجدها خمسة عشر درهماً فقال: ما كانت هذه مبقيةً مني شيئاً، إن كانت لمحرقة ما بين عانتي إلى ذقني.
وعن مالك بن أنس أن أبا الدرداء قال: إني لبخيل، إن كان لي ثلاثة أثواب لا أقرض الله أحدها.
كان أبو الدرداء يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب. قيل له: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يوضع لي في كل وادٍ مال.
قالت أم الدرداء: بات أبو الدرداء ليلة يصلي، فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خلقي فحسن
خلقي؛ حتى أصبح، فقلت له: يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق! فقال: يا أم الدرداء، يأتي العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه حتى يدخله خلقه النار! وإن العبد المسلم ليغفر له وهو نائم. قالت: قلت: كيف ذلك يا أبا الدرداء؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتجهد، فيدعو الله عز وجل، فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجب له فيه.
خرج أبو الدرداء إلى السوق ليتشري قميصاً، فلقي أبا ذر فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: بكم؟ قال: بعشرة دراهم، قال: فوضع يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه فلم أجد، فقلت: يا أبا ذر، لاتفعل، مر معي فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم؛ فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت، حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوءته، فقلت له: اتق الله ووار سوءتك، فقال: والله ما أجد ما أواري به سوءتي؛ فألقيت إليه الثوب ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قنيصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمةٌ على الطريق ابكي قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي فأبطأت على أهلي. فذهبت معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، فقالت: يا شيخ! أما إذ فعلت ما فعلت، فامش معي إلى أهلي فإني قد أبطأت وأخاف أن يضربوني؛ قال: فمشيت معها إلى مواليها، فدعوت، فخرج مولاها إلي فقال: ما عندك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمتكم أبطأت عنكم وأشفقت أن تضربوها فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها، قال: فأنا أشهدك أنها حرةً لوجه الله " عز وجل " للمشاك معها. قال: فقلت: أبو ذر أرشد مني حين كساني قميصاً وكسا مسكيناً قميصاً وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال عوف بن مالك الأشجعي: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبةً من أدم، حولها غنم ربضٌ، تجتر
وتبغر العجوة، فقلت: لمن هذه؟ فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة قال: ياعوف بن مالك، هذا ما أعطانا الله سبحانه بالقرآن، فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم تر عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عز وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر.
وعن معاوية بن قرة قال: قال أبو الدرداء: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله؛ وإذا أحسنت حمدت الله، وإذا أسأت استغفرت الله.
وعن أبي الدرداء أنه قال: لولا ثلاثٌ خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا؛ فقلت: وما هن؟ فقال: لولا وضع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار لحياتي؛ وظمأ الهواجر؛ ومقاعدة قومٍ ينتقون الكلام كما تنتقي الفاكهة، وتمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراماً، حاجزاً بينه وبين الحرام. إن الله تبارك اسمه قد بين للعباد الذي هو مصيرهم إليه، قال الله عز وجل: " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه، ولا شيئاً من الخير أن تفعله.
قال أبو الدرداء: لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم وما قيل بالحق فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله.
قال أبو الدرداء: ثلاثٌ من ملاك أمرك يا بن آدم: لاتشك مصيبتك؛ وأن لا تحدث بوجعك؛ وأن لا تزكي نفسك بلسانك.
كان أبو الدرداء يقول: ما أهدى إلي أخ هدية أحب إلي من السلام، ولا بلغني خبرٌ أعجب إلي من موته.
قيل لأبي الدرداء: ما تحب لصديقك؟ قال: يقل الله ماله وولده، ويعجل موته؛ قال: فما تحب لعدوك؟ قال: يكثر ماله وولده، ويطيل بقاؤه.
قال أبو الدرداء: ثلاثٌ أحبهن ويكرههن الناس: الفقر، والمرض، والموت.
وعن أبي ذر أو أبي الدرداء أنه قال: تولدون للموت وتعمرون للخراب، وتحرصون على ما يفنى، وتذرون ما يبقى ألا حبذا المكروهات الثلاث: الموت والمرض والفقر.
قال أبو الدرداء: أحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي، وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي.
حدث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال:
إن نفراً من الجن تكونوا في صورة اإنس فأتوا رجلاً فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: الإبل، قالوا: أحببت الشقاء والعناء وطول البلاء تلحقك بالغربة وتبعدك من الأحبة. فارتحلوا من عنده فنزلوا بآخر فقالوا: أي شيئٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: العبيد، قالوا: عز مستفاد، وغيظٌ كالأوتاد، ومال وبعاد. فارتحلوا فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون ذلك؟ قال: أحب الغنم، قال: أكل آكل ورفدة سائل، لا تملك في الحرب، ولا تلحقك بالنهب، ولا تنجيك من الكرب. فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الأصل، قالوا: ثلاث مئة وستون نخلة غنى الدهر، ومال الضح والريح. فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الحرث، قالوا: نصف العيش، حين
تحرث تجد وحين لا تحرث لا تجد. قال: فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: كما أنتم أضيفكم، قال: فجاءهم بخبز فقالوا: قمح صالح؛ ثم جاءهم بلحم فقالوا: روحٌ يأكل روحاً! ماقل منه خير مما كثر. فجاءهم بتمرٍ ولبن، تمر النخلات ولبن البكرات، كلوا بسم الله؛ قال: فأكلوا، قالوا: أخبرنا ما أحدٌ شيء وما أحسن شيء وما أطيب شيء رائحة؟ قال: أما أحد شيء فضرصٌ جائع يقذف في معى ضائع؛ وأما أحسن شيء فغاديةٌ في إثر سارية، في أرضٍ رابية؛ وأما أطيب شيء رائحةٌ فريح زهر في إثر مطر؛ قالوا: فأخبرنا أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الموت، قالوا: لقد تمنيت شيئاً ما تمناه أحدٌ قبلك! قال: ولم؟ قال: إن كنت محسناً ضمن لي إحساني، وإن كنت مسيئاً كفاني إساءتي، وإن كنت غنياً فقبل فقري، وإن كنت فقيراً ضمن لي فقري. قالوا: أوصنا وزودنا؛ فأخرج إليهم قربة من لبن فقال: هذا زادكم، قالوا: أوصنا، قال: قولوا لا إله إلا الله، تكفيكم ما بين أيديكم وما خلفكم. فخرجوا من عنده وهم يحزمونه على الجن والإنس.
قالوا إن الرجل الذي نزلوا عليه بأخرة عويمر أبو الدرداء.
وعن أبي الدرداء قال: لاتزال نفس أحدكم شابة في حب الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم.
أوجعت أبا الدرداء عينه حتى ذهبت، فقيل له: لو دعوت الله لها العافية، فقال: ما تفرغت بعد من دعائه في ذنوبي أن يغفر لي، فكيف أدعوه لعيني؟!.
قال أبو الدرداء: من لم يكن غنياً عن الدنيا فلا دنيا له.
جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء فقال: أوصني، قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيءٍ من الدنيا فانظر إلى ما تصير.
وعن أبي الدرداء قال: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن البر لا يبلى وأن الإثم لا ينسى، واعلموا أن قليلاً يكفيكم خيرٌ من كثيرٍ يلهيكم.
زاد في آخر: وإياك ودعوة المظلوم - فكنا نتحدث أن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء.
وفي آخر: وإياك ودعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شراراتٌ من نار.
قال أبو الدرداء: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه.
وعن أبي الدرداء قال: ماتصدق مؤمن بصدقةٍ أحب إلى الله من موعظةٍ يعظ بها قوماً يقوم بعضهم وقد نفعه الله بها.
كتب أبو الدرداء إلى رجلٍ من إخوانه خاف عليه حب ولده: أما بعد يا أخي، فإنك لست في شيءٍ من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، وسيكون له أهل بعدك، وإنما تجمع لمن لا يحمدك، ويصير إلى من لا يعذرك، وإنما تجمع لأحد رجلين: إما محسن فيسعد بما شقيت له؛ وإما مفسد فيشقى بما جمعت له؛ وليس واحدٌ منهما بأهلٍ أن تؤثره على نفسك، ولا تبرد له على ظهرك؛ فثق لمن مضى منهم برحمة الله ولمن بقي منهم برزق الله والسلام.
قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه: وغافلٌ بمفغولٍ عنه؛ وضاحكٌ بملء فيه ولا يدري أرضى اله أم أسخطه. وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه؛ وهول المطلع عند غمرات الموت؛ والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية، ثم لا أدري إلى الجنة أو إلى النار.
قال أبو الدرداء:
معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟ أعط أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحاً فتكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قبله، وكيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله؟ وعن أبي الدرداء قال: ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم، إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك، ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك أمك.
وعن أبي الدرداء قال: ما من أحد إلا وفي غفلة نقصٍ عن علمه؛ وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادةٍ في مالٍ ظل فرحاً مسروراً، والليل والنهار دائبان في هدم عمره، ثم لا يحزنه - ضل ضلاله - ما ينفع مالٌ يزيد وعمرٌ ينقص؟ كان أبو الدرداء يقول: لولا ثلاثٌ خلالٍ لصلح أمر الناس: شح مطاع؛ وهوى متبع؛ وإعجاب المرء بنفسه.
وقال: ذروة الإيمان أربع خصال: الصبر في الحكم؛ والرضا بالقدر؛ والإخلاص بالتوكل؛ والاستسلام للرب جل ثناؤه.
وعن أبي الدرداء قال: يا أهل حمص، مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم وضيعتم ما وكلتم به؟ تعلموا قبل أن يرفع العلم. فإن ذهاب العلم ذهاب العلماء.
زاد في رواية: لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالفرس: هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يقرؤون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محرروهم.
لولا ثلاث لصلح الناس: شح مطاع؛ وهوى متبع؛ وإعجاب المرء بنفسه. من رزق قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنة فنعم الخير أوتيه، ولن يترك من الخير شيئاً، من يكثر الدعاء عند الرخاء يستجاب له عند البلاء، ومن يكثر قرع الباب يفتح له.
وعن أبي الدرداء قال: لايفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً.
وفي آخر بمعناه: ثم ترجع إلى نفسك فتجدها أمقت عندك من سائر الناس، وإنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوهاً. قال حماد: فقلت لأيوب: أرأيت قوله: حتى ترى القرآن وجوهاً؟ قال فسكت هنيهة، قال: فقلت: لهو أن ترى له وجوهاً فتهاب الإقدام عليه؛ قال: نعم هو هذا، نعم هو هذا.
وعن أبي الدرداء قال: يا رب مكرمٍ لنفسه وهو لها مهين، ويا رب شهوة ساعةٍ قد أورثت صاحبها حزناً طويلاً.
زاد في آخره: ألا رب مبيضِ لثيابه وهو لدينه مدنس.
وعن أبي الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، عليهم حسابها ونحن منهت براء.
وعن أبي الدرداء قال: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم عند الموت.
وقال: ما أنصفنا إخواننا الأغنياء، يحبوننا في الله ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيته قال أحبك يا أبا الدرداء، فإذا احتجت إليه في شيء امتنع مني.
وكان يقول: الحمد لله الذي جعل مفر الأغنياء إلينا عند الموت ولا نحب أن نفر إليهم عند الموت؛ إن أحدهم ليقول: يا ليتني صعلوك من صعاليك المهاجرين. يعني بالصعلوك الفقير.
كان أبو الدرداء يقف على أبواب المدائن الخربة يقول: يا مدينة! أين أهلك؟ أين سكانك. أين أين ... ثم لا يخرج حتى يبكي ويبكي. وفي آخر: ثم يقول: ذهبوا وبقيت الأعمال.
وعن أبي الدرداء أنه كان يقول: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم! كيف يغبنون سهر الحمقى وصيامهم؟ فلمثقال ذرةٍ من مؤمنٍ صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادةً من المغترين.
كان أبو الدرداء يقول: تعلموا الصمت كما يتعلم الكلام، فإن الصمت حكم عظيم. وكن إلى أن تسمع أحرص
منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيءٍ لا يعنيك، ولا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب. يعني إلى غير حاجة.
وعن أبي الدرداء قال: من كثر كلامه كثر كذبه، ومن كثر حلفه كثر إثمه، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه.
وعن أبي الدرداء قال: ادع الله يوم سرائك لعله يستجيب لك يوم ضرائك.
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن خالد: أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حببه إلى خلقه؛ وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بضه إلى خلقه.
جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء وهو في الموت فقال: يا أبا الدرداء، عظني بشيءٍ لعل الله أن ينفعني به، وأذكرك به؛ قال: إنك في أمةٍ مرحومة، أقم الصلاة المكتوبة، وأت الزكاة المفروضة، وصم رمضان، واجتنب الكبائر - أوقال المعاصي - وأبشر. فكان الرجل لم يرض بما قال، حتى رجع الكلمات عليه ثلاث مرات، فغضب السائل ثم قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والخدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " ثم خرج، فقال أبو الدرداء: أجلسوني، فأجلسوه فقال: ردوا علي الرجل، فقال: ويحك! كيف بك وقد حفر لك أربع أذرعً من الأرض، ثم غرقت في ذلك الخرق الذي رأيته! ثم جائك ملكان أسودان أزرقان، منكر ونكير يغنيانك ويسألانك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ثبت فنعم ما أنت فيه، وإن كان غير ذلك فقد هلكت؛ ثم قمت على الأرض، ليس لك إلا موضع قدميك، وليس ثم ظل إلا العرش، فإن ظللت فنعم ما أنت! وإن أضحيت فقد هلكت، ثم عرضت جهنم، والذي نفسي بيده، إنها لتملأ ما بين الخافقين وإن الحشر لعليها، وإن الجنة من ورائها؛ فإن نجوت
منها فنعم ما أنت فيه! وإن وقعت فيها فقد هلكت. ثم حلف بالله الذي لا إله إلا هو إن هذا لهو الحق.
كان أبو الدرداء يقول: كفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً وكفى بك آثماً أن لا تزال مخالفاً، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدثاً في غير ذات الله عز وجل.
كان أبو الدرداء يقول: رب شاطرٍ نعمة غيره؛ ومنعمٍ عليه لا يدري؛ ويا رب حامل فقهٍ غير فقيه.
وكان يقول: من فقه المرء ممشاه ومجلسه ومدخله، قاتل الله الشاعر حيث يقول: من الطويل
عن المرء لا تسل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدي
قال أبو الدرداء: من فقه الرجل رفقه في معيشته؛ ومن فقه المرء أن يعلم أمزداد هو أو منتقص؛ ومن فقه الرجل أن يتعاهد إيمانه وما يغير منه؛ ومن فقه المرء أن يعلم نزعات الشيطان أن تأتيه؛ ومن فقه المرء أن تسره حسنته وتسوءه سيئته.
قال سالم بن أبي الجعد: صعد رجلٌ إلى أبي الدرداء وهو أمام غرفةٍ له، وهو يلتقط حبات حنطة، فلما رآه الرجل استحيا أن يصعد إليه فقال له: اصعد، إن من فقهك رفقك في المعيشة.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من فقهك رفقك في معيشتك.
كان أبو الدرداء يقول: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، وتموتون قريباً.
قال أبو الدرداء - وكان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء -: يا أهل دمشق، اسمعوا قول أخٍ لكم ناصح: مالي أراكم تجمعون فلا تأكلون، وتبنون فلا تسكنون، وتأملون فلا تدركون؟! إن من كان قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأملوا بعيداً، فأصبح ما جمعوا بورا، وما أملوا غرورا، وأضحت مساكنهم قبورا.
خرج أبو الدرداء من دمشق فنظر إلى الغوطة، وقد شقت أنهارها، وغرست شجراً وبنيت قصورا؛ فرجع إليهم فقال: يا أهل دمشق، يا أهل دمشق، فلما أقبلوا عليه، قال: ألا تستحيون؟ ثلاث مرات؛ تجمعون مالا تأكلون، وتأملون مالا تدركون، وتبنون مالا تسكنون! ألا إنه قد كان قبلكم قرون يجمعون فيوعون، ويأملون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بورا، وأصبح أملهم غرورا، واصبحت منازلهم قبورا؛ ألا إن عاداً ملأت ما بين عدن وعمان نعماً وأموالاً، فمن يشتري مني مال عادٍ بدرهمين؟ وعن أبي الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه؛ وثلاثة لا ينالون الدرجات العلا؛ من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ من طيرة.
وعن أبي الدرداء قال: يا أهل دمشق لا يغرنكم ظرف الرجل ودهاؤه وفصاحته، وإن كان مع ذلك قائم الليل صائم النهار إذا رأيتهم فيه ثلاث خصال: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن يجد على الناس مما يأتي مثله؛ فإن ذلك علامة الجاهل. وإن قيل إنه ظريف، داهٍ، لبيب، فصيح، عاقل. ثم قال: ألا أنبئكم بعلامة العاقل؟ يتواضع لمن فوقه ولا يزري بمن دونه، ويمسك الفضل من منطقه، يخالق الناس بأخلاقهم، ويحتجز الإيمان فيما بينه وبين ربه جل وعز، وهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان.
قال أبو الدرداء: الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له.
ومن حديث عن أبي الدرداء أنه قال:
ولو يشاء العالم منكم لازداد علماً إلى علمه؛ لقد خشيت أن تكونوا شباعاً من الطعام، جياعاً من العلم، اللهم إني أعوذ بك من أن أبقى في قومٍ إن ذكرت الله لم يعينوني، وإن نسيت لم يذكروني، وإن تركتم أحزنوني.
وعن أبي الدرداء: أنه مر على رجلٍ قد أصاب ذنباً، فكانو يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليبٍ ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
قال أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل المسلم بيته! يكف فيه نفسه وبصره وفرجه؛ وإياكم والمجالس في السوق، فإنها تلغي وتلهي.
وعن أبي الدرداء قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن ناقدت الناس ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك. قال: قلت: فما أصنع؟ قال هب عرضك ليوم فقرك.
روي هذا الحديث مرفوعاً وروي موقوفاً.
وفي رواية أن أبا الدرداء قال: من يتفقد يفقد، ومن لا يعد الصبر لفواعج الأمور يعجز؛ وإن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك. قال: كيف أصنع. قال: أقرض من عرضك ليوم فقرك.
قوله: من يتفقد يفقد. يقول: من يتأمل أحوال الناس وأخلاقهم يتعرفها. يفقد: أي يعدم أن يجد فيهم أحداً يرتضيه. وإن كانت الرواية: من يتفقد يفقد. فإنه يريد: من يتفقد أمور الناس يفقد، أي ينقطع عنهم وعن ملابستهم، فلا يوجد معهم. وقوله: إن قارضت الناس قارضوك، يريد: إن طعنت عليهم ونلت منهم بلسانك فعلوا مثل ذلك بك. وقوله: أقرض من عرضك ليوم فقرك: أراد من شتمك منهم فلا تشتمه،
ومن ذكرك بسوءٍ فلا تذكره، ودع ذلك قرضاً لك عليه ليوم الجزاء والقصاص. ومنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئاً فذاك الذي حرج وهلك. أراد أن الله قد وضع عنكم الضيق في الدين وفسح لكم فلا حرج إلا مما تنالون من أعراض المسلمين.
قال أبو الدرداء لرجل: هب عرضك لله عز وجل، فمن سبك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله، وإذا أسأت فاستغفر الله.
وعن أبي الدرداء قال: ما أمسيت ليلةً وأصبحت، لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيتها نعمة من الله علي عظيمة.
وعن أبي الدرداء أنه دخل المدينة فقال: مالي لا أرى عليكم يا أهل المدينة حلاوة الإيمان؟ والذي نفسي بيده، لو أن دب الغابة طعم طعم الإيمان لرأى عليه حلاوة الإيمان.
وعن أبي الدرداء أنه قال: ما أمن أحدٌ على إيمانه إلا سلبه.
وعن جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر من التعوذ منه، قال فقال له جبير: مالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ قال دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن درينه في الساعة الواحدة فيخلع منه.
قالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت هنيئاً له!
يا ليتني بدله، فقالت أم الدرداء: يا أبا الدرداء، مالك إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت هنيئاً له! يا ليتني بدله؟ قال وما تعلمين يا حمقاء أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسي منافقاً! قلت وكيف ذلك؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر، لأنا لهذا بالموت أغبط مني بالبقاء في الصلاة والصيام.
وعن أبي الدرداء قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.
قيل لأبي الدرداء: كل أصحابك قد قال الشعر غيرك، فأطرق طويلاً ثم قال: من الوافر
يريد العبد أن يعطى مناه ... ويأبي الله إلا ما أرادا
يقولوا: لقد أحسنت فزد، قال: لا، إنما قلت حين قلتم إن أصحابي كلهم قد قالوا، كرهت أن يعملوا عملاً لا أعمله، وليس الشعر من شأني.
وعن أبي الدرداء أنه قال: إن أبغض الناس إلي أن أظلمه لمن لا يجد أحداً يستغيثه علي إلا الله عز وجل.
كان لأبي الدرداء جملٌ يقال له دمون، فكان إذا استعاروه منه قال: لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطبق أكثر من ذلك، فلما حضرته الوفاة قال: يا دمون لا تخاصمني غداً عند ربي فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق.
وعن جبير بن نفير قال:
لما فتحت قبرس مر بالسبي، فجاء أبو الدرداء يبكي، فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ياجبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة
إذ عصوا الله فلقوا ما قد ترى! ثم قال: ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه.
قيل لأبي الدرداء: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " وإن زنى وإن سرق؟ قال: إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق.
قال حكيم بن جابر: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه إذ مر بهم قس، فأعجبهم سمنه، فقالوا: اللهم العنه، ما أعظمه وما أسمنه! فكشف الثوب عن وجهه فقال من ذا الذي لعنتم آنفاً؟ قالوا: قساً مر بنا، فقال: لا تلعنوا أحداً فإنه لا ينبغي للعانٍ أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً.
قالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء إذا حدث حديثاً تبسم في حديثه، فقلت: إني أخشى أن يحمقك الناس، قال: ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حديثاً إلا تبسم في حديثه.
وعن أبي الدرداء قال: إني لأدعو لناسٍ من إخواني وأنا ساجد أسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وفي رواية: إني لأدعو وأنا ساجد لسبعين أخاً من إخواني.
وقالت أم الدرداء: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مئة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، قالت: فقلت له في ذلك فقال: إنه ليس رجلٌ يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثله: أفلا أرغب لي الملائكة؟! حضر أبو الدرداء باب معاوية، فحجب عنه، فقال: اللهم غفراً، إنه من يحضر أبواب السلطان يقم ويقعد، وإنه من يجد باباً مغلقاً يجد إلى جنبه باباً فتحاً رحيباً إن
سأل أعطي وإن دعا أجيب، وإن أول نفاق المرء طعنه على إمامه. وفي رواية: وبغضهم كفر.
ومن حديث آخر: إن سأل أعطي وإن استغفر غفر له؛ فكان رجالٌ من أهل الذمة استعانوا به على معاوية ليكلمه أن يخفف عنهم من الخراج، قالت: فلما لم يؤذن له قال: أنتم أظلم منه. قالوا: لم أصلحك الله؟ قال: لو شئتم أسلمتم فلم يكن له عليكم سبيل.
قال حسان بن عطية: شكا أهل دمشق إلى أبي الدرداء قلة الثمر فقال: إنكم أطلتم حيطانها، وأكثرتم حراسها، فأتاها الويل من فوقها.
قالت أم الدرداء: دخلت على أبي الدرداء، وهو غضبان فقلت له: ما أغضبك؟ قال: والله ما أعرف منهم من أمر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً غير أنهم يصلون جميعاً.
وعن أبي الدرداء قال: إنا لنكشر في وجوه أقوامٍ ونضحك إليهم، وإن قلوبنا لتلعنهم.
وعن أبي الدرداء أنه قال: لوددت أني كبش لأهلي، فمر عليهم ضيف، فأمروا على أوداجي، فأكلوا وأطعموا.
نظر أبو الدرداء إلى رجلٍ في جنازةٍ وهو يقول: جنازة من هذا؟ فقال أبو الدرداء: هذا أنت، هذا أنت، يقول الله عز وجل: " إنك ميت وإنهم ميتون ".
خرج أبو الدرداء إلى جنازة، فرأى أهل الميت يبكون عليه فقال: مساكين موتى غداً يبكون على ميت اليوم.
قال أبو الدرداء: ماأكثر عبدٌ ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده.
قال أبو الدرداء: كفى بالموت واعظاً، وكفى بالدهر مفرقاً اليوم في الدور، وغداً في القبور.
مر أبو الدرداء بين القبور فقال: بيوت، ما أسكن ظواهرك! وفي دواخلك الدواهي.
قال أبو الدرداء: إن لكم في هاتين الدارين لعبرة، تزورونهم ولا يزورنكم، وتنتقلون إليهم ولا ينتقلون إليكم، يوشك أن يستفرغ هذه ما في هذه.
قال معاوية بن قرة: اشتكى أبو الدرداء، فدخل عليه أصحابه فقالوا له: يا أبا الدرداء ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة، قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أضجعني.
مرض أبو الدرداء مرضه الذي مات فيه، فكثر عليه العواد في منزله، فأخرجوه إلى كنيسة التصارى، فجهل الناس يعودونه أرسالاً، فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه، فتخطى الناس حتى جلس عند رأسه، فقال أبو إدريس: الله أكبر الله أكبر، فجعل يكبر، فرفع أبو الدرداء رأسه فقال: إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن نرضى به، ثم قال: ألا رجلٌ يعمل لمثل مصرعي هذا! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه! ثم قضى.
لما نزل بأبي الدرداء الموت دعا أم الدرداء، ضمها إليه وبكى وقال: يا أم الدرداء، قد ترين ما نزل بي من الموت، إنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه، فإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده؛ وإن تكن الأخرى، فوالله ما هو فيها بعده إلا كحلاب ناقة. ثم بكى وقال: يا أم الدرداء اعملي لمثل مصرعي هذا، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه ثم دعا ابنه بلالاً فقال: ويحك يا بلال! اعمل لساعة الموت، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر به صرعتك وساعتك، فكأن قد. ثم قبض.
قالت أم الدرداء: أغمي على أبي الدرداء فأفاق فإذا بلال ابنه عنده فقال: قم فاخرج عني، ثم قال: من
يعمل لمضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟! " وتقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون " أتيتم. ثم أغمي عليه، فيلبث لبثةً ثم يفيق فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى قبض.
مات أبو الدرداء قبل قتل عثمان بسنتين؛ وقيل بسنة. قالوا: توفي سنة اثنتين وثلاثين؛ وقيل سنة إحدى وثلاثين بالشام؛ وله عقب بالشام.
وقيل: سنة ثلاثٍ وثلاثين. وهو وهم.
ويقال ابن عامر، ويقال ابن عبد الله وقيل عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس أبو الدرداء الأنصاري الخزرجي من أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم. شهد اليرموك، وكان قاضي أهله، وحضر حصار دمشق، وسكن حمص وانتقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى دمشق، وولي بها القضاء وكانت داره بباب البريد وفي نسبه اختلاف.
بعث عبد الملك بن مروان إلى أم الدرداء فكانت عنده، فلما كانت ذات ليلة قام عبد الملك من الليل، فدعا خادمه فكأنه أبطأ عنه، فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: قد سمعتك الليلة لعنت خادماً، قال: إنه أبطأ عني، قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة.
وعن أبي الدرداء قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نفعل، أمرٌ قد فرغ منه أم شيءٌ نستأنفه؟ فقال: بل أمرٌ قد فرغ منه، قالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: كل امرئٍ مهيأٌ لما خلق له.
وعن أبي الدرداء أنه كان إذا نزل به الضيف قال: أمقيم فنسرح أم ظاعنٌ فنعلف؟ فإن قال ظاعن
قال: لا أجد شيئاً خيراً من شيءٍ أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جاء ناس من الفقراء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر، يجاهدون ولا نجاهد ويحجون ويفعلون ولا نفعل. فقال: ألا أدلكم على ما إذا أخذتم به أدركتم أو جئتم بأفضل مما يأتون به؟ تكبرون الله أربعاً وثلاثين وتسبحون الله ثلاثاً وتحمدون الله ثلاثاً وثلاثين في دبر كل صلاة.
وأم أبي الدرداء محبة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة، وكان أبو الدرداء أقنى، أشهل، يخضب بالصفرة، وكان تاجراً قبل أن بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم زاول العبادة والتجارة، وآثر العبادة وترك التجارة. وكان فقيهاص، عالماً، عابداً قارئاً أحد الأربعة الذين أوصى معاذ بن جبلٍ أصحابه أن يأخذوا العلم عنهم.
فاته بدر ثم اجتهد في العبادة وقال: إن اصحابي سبقوني.
آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سلمان، وكان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً.
وعن أبي الدرداء أنه قال:
لا مدينة بعد عثمان، ولا رجاء بعد معاوية.
وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء، فأسلم، قال جبير بن نفير: كان أبو الدرداء يعبد صنماً في الجاهلية؛ وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فكسرا صنمه، فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك ويقول: ويحك هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك! فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها، فقال أبو الدرداء: أعدي لي في المغتسل ماء، فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلته فلبسها ثم ذهب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛
فقال: يا رسول الله هذا أبو الدرداء، وما أراه جاء إلا في طلبنا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما جاء ليسلم، فإن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم.
حدث سعيد بن عبد العزيز أن أبا الدرداء أسلم يوم بدرٍ، وشهد أحداً فأبلى يومئذ، وفرض لع عمر في أربع مئة، ألحقه بالبدريين.
قال ابو الدرداء: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا تاجر، فأردت أن تجتمع الصلاة مع التجارة فلم تجتمعا، فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة؛ والذي نفس أبي الدرداء في يده. ماأحب أن لي حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كل يومٍ أربعين ديناراً أتصدق بها في سبيل الله. قيل له: لم يا أبا الدرداء؟ وما تكره من ذلك؟ قال: شدة الحساب.
شهد أبو الدرداء أحداً وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد من على الجبل، فردهم وحده. وقيل: إنه لم يشهد أحداً.
ولما هزم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ليس لهم أن يغلبونا، فثاب إليه يومئذٍ ناس، وانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه؛ وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الفارس عويمر. وقال: حكيم أمتي عويمر.
كان أبو الدرداء يرمي بنبله يوم الشعب حتى أنفذها، ثم جعل يدهده عليهم الصخر والحجارة فحانت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه نظرة، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء، فقال: نعم الفارس عويمر! ثم حانت منه نظرة أخرى فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء، فقال: نعم الرجل أبو الدرداء!.
وعن أنس قال: مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
قال الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة نفرٍ من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، وأبو زيد؛ ومجمع بن دارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة. قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير عثمان.
وفي حديث آخر بمعناه، وكان ابن مسعود قد أخذ بضعاً وسبعين سورةً وتعلم بقية القرآن من مجمع.
وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأرفق أمتي لأمتي عمر، وأصدق أمتي حياة عثمان، وأقضي أمتي علي بن أبي طالب، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل؛ يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة وأقرأ أمتي أبي بن كعب، وأفرضها زيد بن ثابت، وقد أوتي عمير عبادةً. يعني أبا الدرداء.
وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق أرق أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها، وعلي بن أبي طالب ألب أمتي وأشجعها، وعبد الله بن مسعود أبر أمتي وآمنها، وأبو ذر الغفاري أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها.
وعن شداد بن أوس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أبو بكر أوزن أمتي اعدلها، وعلي بن أبي طالب ولي أمتي اوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين أمتي وأوصلها، وأبو ذر الغفاري أزهد أمتي وأرأفها، وأبو الدرداء أعدل أمتي وأرحمها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها.
قال أبو جعفر: ولا يتابع على هذا الحديث ولا نعرفه إلا به.
وعن مكحول قال:
كانت الصحابة يقولون فيما بينهم: أرحمنا بنا أبو بكر وأنطقنا بالحق عمر، وأميننا أبو عبيدة بن الجراح، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرأنا أبي بن كعب، ورجل عنده علم ابن مسعود وتبعهم عويمر بالعقل.
وعن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل أمة حكيماً وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء.
وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: أرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فقال: اجمع لي بني هاشم في دار ... فذكر الحديث، وقال فيه: قال: فرفع يديه ورفعوا أيديهم، فلما قضى رغبته جعل يسأل من يليه بماذا دعوت؟ ثم الذي يليه، ثم الذي يليه وقد حضر ذلك أبو الدرداء، فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعاً يديه، وأقبل حتى حضر معهم الرغبة، فسأله: بم دعوت به يا عويمر؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك جنات الفردوس نزلا، وجنات عدن نفلا، في معافاة منك ورحمة، وخير وعافية، وعلمٍ لا ينسى. فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده مرة أو مرتين يقول: ذهبت بها يا عويمر.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ. وفي نسخة: يقولون: أتبعنا للعلم بالعمل.
وعن أبي جحيفة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، فجاء سلمان يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبتلة، قال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك ليس له حاجةً في الدنيا. فلما جاء أبو الدرداء رحب به وقرب إليه طعاماً، فقال له سليمان: أطعهم، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك إلا ما طعمت، ما أنا بآكلٍ حتى تأكل؛ قال: فأكل معه وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان ثم قال: يا أبا الدرداء، إن لربك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، أعط كل ذي حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم، وأت أهلك. فلما كان عند الصبح قال: قم الآن، فقاما فصليا ثم خرجا إلى الصلاة؛ فلما صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام إليه أبو الرداء فأخبره بما قال سلمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما قال سلمان له.
وعن أبي الدرداء قال: تضيفهم ضيف، فأبطأ أبو الدرداء حتى نام الضيف طاوياً، ونام الصبية جياعاً، فجاء والمرأة غضبى تلظى فقالت: لقد شققت علينا منذ الليلة! اقل: أنا؟ قالت: نعم، أبطأت علينا حتى بات ضيفنا طاوياً، وبات صبياننا جياعاً. قال: فغضب فقال: لا جرم والله لا أطعمه الليلة - والطعام موضوع بين يديه - فقالت أنا والله لا أطعمه حتى تطعمه. قال: فاستيقظ الضيف وقال ما بالكما؟ فقال له: ألا ترى إليهما تجني علي الذنوب؟ إني احتبست في كذا وكذا، فقال الضيف: وأنا والله لا أطعمه حتى تطعماه. قال: فلما رأيت الطعام موضوعاً ورأيت الضيف جائعاً، والصبية جياعاً قدمت والله يا رسول الله يدي فأكلت، وقدموا أيديهم فأكلوا، فبروا والله يا رسول الله وفجرت؛ قال: بل أنت كنت خيرهم وأبرهم.
وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا فرطكم على الحوض فلألفين ما نوزعت في أحدٍ منكم فأقول: هذا مني، فيقال: لا تدري ما أحدث بعدك. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن لا يجعلني منهم. قال: إنك لست منهم.
وعن أبي الدرداء قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله بلغني أنك قل: ليكفرن قوم بعد إيمانهم. قال: نعم ولست منهم.
وفي حديث بمعناه ومعنى ما تقدمه: فتوفى أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن.
قال أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن.
قال رجلٌ لأبي الدرداء: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لقماً إذا أكلتم؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه شيئاً، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فسأل أبا الدرداء عن ذلك؟ فقال أبو الدرداء: اللهم غفراً! وكل ما سمعناه منهم نأخذهم به! فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال لأبي الدرداء ما قال، فقال بثوبه وخنقه، وقاده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب، فأوحى الله تعالى إلى نبيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ".
قال أبو الدرداء:
لو أنسيت آية لم أجد أحداً يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغماد رحلت إليه. وعن أبي الدرداء قال: سلوني فوالذي نفسي بيده لئن فقدتموني لتفقدن رجلاً عظيماً من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا قال رجلاً، وفي حديث: لتفقدن زملاً عظيماً من أمة محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الزمل في كلام العرب: بمعنى الحمل. ويقال ازدمل الحمل: أي احتمله يزيد أنه في كثرة ما جمعه من العلم وادخره منه كالحمل العظيم من المتاع المحزوم. وروي: زملاً عظيماً، قال: وهذا لا وجه له إنما الزمل الضعيف.
ولما حضرت معاذاً الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن أوصنا. قال أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان من ابتغاهما - ثلاثاً قالها - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر
أبي الدرداء. وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عاشر عشرة في الجنة.
قال مرة بن شراحيل: كان عبد الله بن مسعود يقول: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه والذي بالشام والعراق يحتجان إلى الذي بالمدينة - يعني علي بن أبي طالب - ولا يحتاج إلى واحد منهما.
قال أبو ذر لأبي الدرداء: ماحملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم يا أبا الدرداء.
قال مسروق: وجدت علم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأبين وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى علي وعبد الله.
وكان أبو الدرداء من العلماء والحكماء. قال القاسم بن محمد: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلمز كان عبد الله بن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين. فيقال له: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء.
دخل أبو الدرداء مالاً له ومعه ناسٌ من أصحابه، فطافوا فيه، فلما خرجوا قالوا: ما رأينا كاليوم مالاً أحسن! قال: فإني أشهدكم أن ما خلفت خلف ظهري في سبيل الله، وأن ذلك إليى أمير المؤمنين يضعه حيث رأى. ثم أتى عمر فاستأذن في أن يأتي الشام فقال: لا آذن لك إلا أن تعمل؛ قال: فإني لا أعمل، قال فإني لا آذن لك، قال: فأنطلق فإعلم الناس سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصلي بهم؛ فأذن له، فكان الناس في الصيف يتفرقون في المغزي، فإذا كان الشتاء اجتمعوا في المشتى فصلى بهم أبو الدرداء.
فخرج عمر إلى الشام وقد اجتمعوا في المشتى، فلما كان قريباً منهم أقام حتى أمسى،
فلما جنة الليل قال: يا يرفأ، انطلق إلى يزيد بن أبي سفيان، أبصره، عنده سمار ومصباح، مفترشاً ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين، فتسلم عليه، فيرد عليك، وتستأذن فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت - فذكر جويرية كراهيته ولم يحفظ أبو محمد لفظه - قال: فانطلقا حتى انتهيا إلى بابه، فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم السلام قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين. ففتح الباب، فإذا سمار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً، قال: با يرفأ، الباب الباب؛ ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً، وكور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا يبرح أحدٌ حتى أرجع إليكم.
ثم خرجنا من عنده، فقال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى عمرو بن العاص، أبصره، عنده سمار ومصباح، مفترشاً ديباجاً من فيء المسلمين فتسلم عليه، فيرد عليك، وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت - فذكر جويرية مشقة ذلك على عمر، وذكر خلفه واعتذاره - قال: فانتهينا إلى بابه، فقال عمر: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين. قال: ففتح الباب، فإذا سمار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً، قال: با يرفأ، الباب الباب؛ ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً، فجعل عمرو يحلف، ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا تبرحوا حتى أعود إليكم.
فخرجنا من عنده، فقال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أبي موسى، أبصره، عنده سمارٌ ومصباح، مفترشاً صوفاً من مال فيء المسلمين فتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت، قال: فانطلقنا إليه وعنده سمارٌ ومصباح، مفترشاً صوفاً، فوضع الدرة بين أذنيه ضرباً وقال: أنت أيضاً يا أبا موسى! قال: يا أمير المؤمنين، هذا وقد رأيت ما صنع أصحابي، أما والله لقد أصبت مثل ما أصابوا، قال فما هذا؟ قال: زعم أهل البلد أنه
لا يصلح إلا هذا؛ فكور المتاع فوضعه في وسط البيت، وقال للقوم: لا يبرح منكم أحدٌ حتى أعود إليكم.
فلما خرجنا من عنده قال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أخي لتبصر به ليس عنده سمار ولا مصباح، وليس لبابه غلق، مفترشاً بطحاء، متوسداً برذعة، عليه كساء رقيق قد أذلقه البرد، فتسلم عليه فيرد عليك السلام، وتستأذن فيأذن لك من قبل أن يعلم من أنت. فانطلقنا، حتى إذا قمنا على بابه قال: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ادخل، فدفع الباب، فإذا ليس له غلق، فدخلنا إلى بيتٍ مظلم، فجعل عمر يلمسه حتى وقع عليه، فجس وساده فإذا برذعة، وجس فراشه فإذا بطحاء؛ وجس دثاره فإذا مساءٌ رقيق، فقال أبو الدرداء: من هذا؟ أمير المؤمنين؟ قال نعم، قال: أما والله لقد استبطأتك منذ العام، قال عمر رحمه الله: أو لم أوسع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثاً حدثناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عمر؟ قال أي حديث؟ قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. قال: نعم، قال فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا.
قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن صامت، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء؛ فلما كان زمان عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعني يا أمير المؤمنين برجالٍ يعلمونهم. فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب منكم ثلاثة فليخرجوا. فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخٌ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم - لأبي بن كعب - فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوهٍ مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا طائفةً من
الناس، فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد وليخرج واحدٌ إلى دمشق والآخر إلى فلسطين.
فقدموا حمص فكانوا بها، حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين. فأما معاذ فمات عام طاعون عمواس؛ وأما عبادة فصار بعد إلى فلسطين فمات بها: وأما أب الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.
قال راشد بن سعد: بلغ عمر أن أبا الدرداء ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه: أما بعد يا عويمر، أما كانت لك كفايةً فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا، وقد أذن الله بخرابها؟ فإذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق. قال سفيان: عاقبه بهذا.
وكان عمر أمر أبا الدرداء على القضاء - يعني بدمشق - وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب.
قال يحيى بن سعيد: استعمل أبو الدرداء على القضاء، فأصبح يهنئونه، فقال: أتهنئوني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواةٍ مزلتها أبعد من عدن أبين؟؟ ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبةً عنه وكراهية له؛ ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبةً فيه وحرصاً عليه.
كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله؛ وقد بلغني أنك جعلت طبيباً
يداوي، فإن كنت تبرئ فنعم مالك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار. وكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه، نظر إليهما فقال: ارجعا إلى أعيدا علي قصتكما.
وفي حديث بمعناه زيادة: وبلغني أنك اتخذت خادماً، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد لا يزال من الله، والله منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب.
كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم والسلام.
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلامٌ عليك أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده: وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله، بغضه إلى عباده.
قال أبو الدرداء: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله أن يأجرني فيه.
زاد في آخر معناه: وإن أبغض الناس (إلي أن) أظلمه الذي لا يستعين علي إلا بالله.
وعن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن عمر بعث إلى أبي الدرداء وابن مسعود وأبي مسعود فقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فحبسهم بالمدينة حتى مات.
قال المصنف: وهذا من عمر لم يكن على وجه الاتهام لهم، وإنما أراد إقلالهم للرواية لئلا يشتغل الناس بما يسمعونه منهم عن تعلم القرآن. وقد روي عن أبي الدرداء في تحرزه في الرواية أنه كان إذا حدث الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم إلا هكذا فشكله.
وعن خالد بن معدان قال: قال أبو الدرداء: الدنيا ملعونة؛ ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما أوى إليه؛ والعالم والمتعلم في الخير شريكان، وسائر الناس همجٌ لا خير فيهم.
قال أبو الدرداء: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصتٍ واعٍ، أو متكلمٍ عالم.
وعن أبي الدرداء قال: مالي أرى علماءكم يذهبون وأرى جهالكم لا يتعلمون! تعلموا، فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس؛ مالي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به وتباطؤون عما أمرتم به! وعن أبي الدرداء قال: لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً.
وعن بي الدرداء: إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: قد علمت، فماذا عملت فيما علمت؟ وعن أبي الدرداء قال: ويل للذي لا يعلم مرةً، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
قال عون بن عبد الله بن عتبة: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.
قالت أم الدرداء: وقد قيل لها: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء يا أم الدرداء؟ فقالت: التفكر، قالت: نظر يوماً إلى ثورين يخدان في الأرض، مستقلين بعملهما، إذ عنت أحدهما، فقام الآخر. فقال أبو الدرداء: في هذا تفكر، استقلا بعملهما واجتمعا، فلما عنت أحدهما قام الآخر، كذلك المتعاونان على ذكر الله عز وجل.
كان أبو الدرداء يقول: من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ولهم بذلك أجر، ومن الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير وعليهم بذلك إصر؛ وتفكر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة.
قيل لأبي الدرداء وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح يا أبا الدرداء في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الأصابع.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فأخذ عوداً يابساً فحط ورقة ثم قال: إن قول لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله يحط الخطايا كما يحط ورق هذه الشجرة، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن، فإنهن الباقيات الصالحات، وهن من كنوز الجنة. فقال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث، لأهللن الله، ولأكبرن الله، ولأسبحن الله، حتى إذا رآني جاهلٌ حسب أني مجنون.
قال مكحول: نزل سلمان بأبي الدرداء، فلما كان في ليلة الجمعة، تعشى أبو الدرداء وصلى ونام بثيابه، فقال سلمان لأم الدرداء: أنبهيه، قالت: إنه ليس ينزع ثيابه ليلة الجمعة. فأنبهه سلمان فقال: ألا تنزع ثيابك؟ قال: إني أريد أن أقوم أصلي ليلتي. قال: إن لعينك
عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً. فقام أبو الدرداء فقال: أحييتني أحياك الله، أحييتني أحياك الله، ثلاث مرات.
وعن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم! فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أمامك عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون. فأحب أن أتخفف لتلك العقبة.
وعن حدير الأسلمي
أنه دخل على أبي الدرداء وتحته فراش جلد وسبنية صوف، وهو وجعٌ وقد عرق، فقال له حدير: ما يمنعك أن تكتسب فراشاً بورق وكساء خز وقطيفة خز مما يعطيك معاوية؟! فقال أبو الدرداء: إن لنا داراً لها نعمل، وإليها نظعن، وإن المخف فيها أفضل من المثقل.
كتب أبو الدرداء إلى سلمان: يا أخي، بلغني أنك اشتريت خادماً، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يزال العبد يقول: لا يزال العبد من الله عز وجل وهو منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب. وإن أم الدرداء سألتني خادماً وأنا يومئذ موسراً، فكرهت ذلك لما سمعته من الحساب، ويا أخي، من لي ولك بأن نوافي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة ولا نخاف حساباً! ويا أخي لا تغتر بصحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنا قد عشنا بعده دهراً طويلاً، والله أعلم بالذي أصبنا.
قال محمد بن واسع: كتب أبو الدرداء إلى سلمان: من أبي الدرداء إلى سلمان، أما بعد يا أخي، اغتنم صحتك وفراغك من قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع أحد من الناس رده، يا أخي اغتنم دعوة المؤمن المبتلي، ويا أخي ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: المسجد بيت كل تقي. وقد ضمن الله لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والراحة، والجواز على الصراط إلى رضوان الرب، ويا أخي أدن اليتيم منك، وامسح برأسه والطف به وأطعمه من طعامك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: وجاءه رجل يشكو إليه قسوة قلبه. قال: أدن اليتيم منك والطف به، وامسح برأسه وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتدرك حاجتك؛ ويا أخي إياك أن تجمع من الدنيا ما لاتؤدي شكره، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤتى بصاحب المال الذي أطاع الله فيه، وماله بين يديه، كلما انكفأ به الصراط قال له ماله: امض فقد أديت حق الله في، ثم يجاء بصاحب المال الذي لم يطع الله فيه وماله بين كتفيه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ويلك، ألا أديت حق الله في! فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور ... الحديث.
قال أبو البختري: بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدرٍ إذ سمع في القدر صوتاً، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة صوت الصبي، ثم انكفأ القدر، ثم رجعت إلى مكانها ولم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك، فقال له سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى.
قال ميمون: مرض أبو الدرداء ففزع إلى نفقةٍ كانت عنده، فوجدها خمسة عشر درهماً فقال: ما كانت هذه مبقيةً مني شيئاً، إن كانت لمحرقة ما بين عانتي إلى ذقني.
وعن مالك بن أنس أن أبا الدرداء قال: إني لبخيل، إن كان لي ثلاثة أثواب لا أقرض الله أحدها.
كان أبو الدرداء يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب. قيل له: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يوضع لي في كل وادٍ مال.
قالت أم الدرداء: بات أبو الدرداء ليلة يصلي، فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خلقي فحسن
خلقي؛ حتى أصبح، فقلت له: يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق! فقال: يا أم الدرداء، يأتي العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه حتى يدخله خلقه النار! وإن العبد المسلم ليغفر له وهو نائم. قالت: قلت: كيف ذلك يا أبا الدرداء؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتجهد، فيدعو الله عز وجل، فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجب له فيه.
خرج أبو الدرداء إلى السوق ليتشري قميصاً، فلقي أبا ذر فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: بكم؟ قال: بعشرة دراهم، قال: فوضع يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه فلم أجد، فقلت: يا أبا ذر، لاتفعل، مر معي فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم؛ فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت، حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوءته، فقلت له: اتق الله ووار سوءتك، فقال: والله ما أجد ما أواري به سوءتي؛ فألقيت إليه الثوب ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قنيصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمةٌ على الطريق ابكي قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي فأبطأت على أهلي. فذهبت معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، فقالت: يا شيخ! أما إذ فعلت ما فعلت، فامش معي إلى أهلي فإني قد أبطأت وأخاف أن يضربوني؛ قال: فمشيت معها إلى مواليها، فدعوت، فخرج مولاها إلي فقال: ما عندك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمتكم أبطأت عنكم وأشفقت أن تضربوها فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها، قال: فأنا أشهدك أنها حرةً لوجه الله " عز وجل " للمشاك معها. قال: فقلت: أبو ذر أرشد مني حين كساني قميصاً وكسا مسكيناً قميصاً وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال عوف بن مالك الأشجعي: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبةً من أدم، حولها غنم ربضٌ، تجتر
وتبغر العجوة، فقلت: لمن هذه؟ فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة قال: ياعوف بن مالك، هذا ما أعطانا الله سبحانه بالقرآن، فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم تر عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عز وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر.
وعن معاوية بن قرة قال: قال أبو الدرداء: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله؛ وإذا أحسنت حمدت الله، وإذا أسأت استغفرت الله.
وعن أبي الدرداء أنه قال: لولا ثلاثٌ خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا؛ فقلت: وما هن؟ فقال: لولا وضع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار لحياتي؛ وظمأ الهواجر؛ ومقاعدة قومٍ ينتقون الكلام كما تنتقي الفاكهة، وتمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراماً، حاجزاً بينه وبين الحرام. إن الله تبارك اسمه قد بين للعباد الذي هو مصيرهم إليه، قال الله عز وجل: " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه، ولا شيئاً من الخير أن تفعله.
قال أبو الدرداء: لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم وما قيل بالحق فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله.
قال أبو الدرداء: ثلاثٌ من ملاك أمرك يا بن آدم: لاتشك مصيبتك؛ وأن لا تحدث بوجعك؛ وأن لا تزكي نفسك بلسانك.
كان أبو الدرداء يقول: ما أهدى إلي أخ هدية أحب إلي من السلام، ولا بلغني خبرٌ أعجب إلي من موته.
قيل لأبي الدرداء: ما تحب لصديقك؟ قال: يقل الله ماله وولده، ويعجل موته؛ قال: فما تحب لعدوك؟ قال: يكثر ماله وولده، ويطيل بقاؤه.
قال أبو الدرداء: ثلاثٌ أحبهن ويكرههن الناس: الفقر، والمرض، والموت.
وعن أبي ذر أو أبي الدرداء أنه قال: تولدون للموت وتعمرون للخراب، وتحرصون على ما يفنى، وتذرون ما يبقى ألا حبذا المكروهات الثلاث: الموت والمرض والفقر.
قال أبو الدرداء: أحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي، وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي.
حدث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال:
إن نفراً من الجن تكونوا في صورة اإنس فأتوا رجلاً فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: الإبل، قالوا: أحببت الشقاء والعناء وطول البلاء تلحقك بالغربة وتبعدك من الأحبة. فارتحلوا من عنده فنزلوا بآخر فقالوا: أي شيئٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: العبيد، قالوا: عز مستفاد، وغيظٌ كالأوتاد، ومال وبعاد. فارتحلوا فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون ذلك؟ قال: أحب الغنم، قال: أكل آكل ورفدة سائل، لا تملك في الحرب، ولا تلحقك بالنهب، ولا تنجيك من الكرب. فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الأصل، قالوا: ثلاث مئة وستون نخلة غنى الدهر، ومال الضح والريح. فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الحرث، قالوا: نصف العيش، حين
تحرث تجد وحين لا تحرث لا تجد. قال: فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: كما أنتم أضيفكم، قال: فجاءهم بخبز فقالوا: قمح صالح؛ ثم جاءهم بلحم فقالوا: روحٌ يأكل روحاً! ماقل منه خير مما كثر. فجاءهم بتمرٍ ولبن، تمر النخلات ولبن البكرات، كلوا بسم الله؛ قال: فأكلوا، قالوا: أخبرنا ما أحدٌ شيء وما أحسن شيء وما أطيب شيء رائحة؟ قال: أما أحد شيء فضرصٌ جائع يقذف في معى ضائع؛ وأما أحسن شيء فغاديةٌ في إثر سارية، في أرضٍ رابية؛ وأما أطيب شيء رائحةٌ فريح زهر في إثر مطر؛ قالوا: فأخبرنا أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الموت، قالوا: لقد تمنيت شيئاً ما تمناه أحدٌ قبلك! قال: ولم؟ قال: إن كنت محسناً ضمن لي إحساني، وإن كنت مسيئاً كفاني إساءتي، وإن كنت غنياً فقبل فقري، وإن كنت فقيراً ضمن لي فقري. قالوا: أوصنا وزودنا؛ فأخرج إليهم قربة من لبن فقال: هذا زادكم، قالوا: أوصنا، قال: قولوا لا إله إلا الله، تكفيكم ما بين أيديكم وما خلفكم. فخرجوا من عنده وهم يحزمونه على الجن والإنس.
قالوا إن الرجل الذي نزلوا عليه بأخرة عويمر أبو الدرداء.
وعن أبي الدرداء قال: لاتزال نفس أحدكم شابة في حب الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم.
أوجعت أبا الدرداء عينه حتى ذهبت، فقيل له: لو دعوت الله لها العافية، فقال: ما تفرغت بعد من دعائه في ذنوبي أن يغفر لي، فكيف أدعوه لعيني؟!.
قال أبو الدرداء: من لم يكن غنياً عن الدنيا فلا دنيا له.
جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء فقال: أوصني، قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيءٍ من الدنيا فانظر إلى ما تصير.
وعن أبي الدرداء قال: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن البر لا يبلى وأن الإثم لا ينسى، واعلموا أن قليلاً يكفيكم خيرٌ من كثيرٍ يلهيكم.
زاد في آخر: وإياك ودعوة المظلوم - فكنا نتحدث أن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء.
وفي آخر: وإياك ودعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شراراتٌ من نار.
قال أبو الدرداء: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه.
وعن أبي الدرداء قال: ماتصدق مؤمن بصدقةٍ أحب إلى الله من موعظةٍ يعظ بها قوماً يقوم بعضهم وقد نفعه الله بها.
كتب أبو الدرداء إلى رجلٍ من إخوانه خاف عليه حب ولده: أما بعد يا أخي، فإنك لست في شيءٍ من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، وسيكون له أهل بعدك، وإنما تجمع لمن لا يحمدك، ويصير إلى من لا يعذرك، وإنما تجمع لأحد رجلين: إما محسن فيسعد بما شقيت له؛ وإما مفسد فيشقى بما جمعت له؛ وليس واحدٌ منهما بأهلٍ أن تؤثره على نفسك، ولا تبرد له على ظهرك؛ فثق لمن مضى منهم برحمة الله ولمن بقي منهم برزق الله والسلام.
قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه: وغافلٌ بمفغولٍ عنه؛ وضاحكٌ بملء فيه ولا يدري أرضى اله أم أسخطه. وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه؛ وهول المطلع عند غمرات الموت؛ والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية، ثم لا أدري إلى الجنة أو إلى النار.
قال أبو الدرداء:
معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟ أعط أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحاً فتكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قبله، وكيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله؟ وعن أبي الدرداء قال: ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم، إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك، ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك أمك.
وعن أبي الدرداء قال: ما من أحد إلا وفي غفلة نقصٍ عن علمه؛ وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادةٍ في مالٍ ظل فرحاً مسروراً، والليل والنهار دائبان في هدم عمره، ثم لا يحزنه - ضل ضلاله - ما ينفع مالٌ يزيد وعمرٌ ينقص؟ كان أبو الدرداء يقول: لولا ثلاثٌ خلالٍ لصلح أمر الناس: شح مطاع؛ وهوى متبع؛ وإعجاب المرء بنفسه.
وقال: ذروة الإيمان أربع خصال: الصبر في الحكم؛ والرضا بالقدر؛ والإخلاص بالتوكل؛ والاستسلام للرب جل ثناؤه.
وعن أبي الدرداء قال: يا أهل حمص، مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم وضيعتم ما وكلتم به؟ تعلموا قبل أن يرفع العلم. فإن ذهاب العلم ذهاب العلماء.
زاد في رواية: لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالفرس: هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يقرؤون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محرروهم.
لولا ثلاث لصلح الناس: شح مطاع؛ وهوى متبع؛ وإعجاب المرء بنفسه. من رزق قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنة فنعم الخير أوتيه، ولن يترك من الخير شيئاً، من يكثر الدعاء عند الرخاء يستجاب له عند البلاء، ومن يكثر قرع الباب يفتح له.
وعن أبي الدرداء قال: لايفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً.
وفي آخر بمعناه: ثم ترجع إلى نفسك فتجدها أمقت عندك من سائر الناس، وإنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوهاً. قال حماد: فقلت لأيوب: أرأيت قوله: حتى ترى القرآن وجوهاً؟ قال فسكت هنيهة، قال: فقلت: لهو أن ترى له وجوهاً فتهاب الإقدام عليه؛ قال: نعم هو هذا، نعم هو هذا.
وعن أبي الدرداء قال: يا رب مكرمٍ لنفسه وهو لها مهين، ويا رب شهوة ساعةٍ قد أورثت صاحبها حزناً طويلاً.
زاد في آخره: ألا رب مبيضِ لثيابه وهو لدينه مدنس.
وعن أبي الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، عليهم حسابها ونحن منهت براء.
وعن أبي الدرداء قال: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم عند الموت.
وقال: ما أنصفنا إخواننا الأغنياء، يحبوننا في الله ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيته قال أحبك يا أبا الدرداء، فإذا احتجت إليه في شيء امتنع مني.
وكان يقول: الحمد لله الذي جعل مفر الأغنياء إلينا عند الموت ولا نحب أن نفر إليهم عند الموت؛ إن أحدهم ليقول: يا ليتني صعلوك من صعاليك المهاجرين. يعني بالصعلوك الفقير.
كان أبو الدرداء يقف على أبواب المدائن الخربة يقول: يا مدينة! أين أهلك؟ أين سكانك. أين أين ... ثم لا يخرج حتى يبكي ويبكي. وفي آخر: ثم يقول: ذهبوا وبقيت الأعمال.
وعن أبي الدرداء أنه كان يقول: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم! كيف يغبنون سهر الحمقى وصيامهم؟ فلمثقال ذرةٍ من مؤمنٍ صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادةً من المغترين.
كان أبو الدرداء يقول: تعلموا الصمت كما يتعلم الكلام، فإن الصمت حكم عظيم. وكن إلى أن تسمع أحرص
منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيءٍ لا يعنيك، ولا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب. يعني إلى غير حاجة.
وعن أبي الدرداء قال: من كثر كلامه كثر كذبه، ومن كثر حلفه كثر إثمه، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه.
وعن أبي الدرداء قال: ادع الله يوم سرائك لعله يستجيب لك يوم ضرائك.
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن خالد: أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حببه إلى خلقه؛ وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بضه إلى خلقه.
جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء وهو في الموت فقال: يا أبا الدرداء، عظني بشيءٍ لعل الله أن ينفعني به، وأذكرك به؛ قال: إنك في أمةٍ مرحومة، أقم الصلاة المكتوبة، وأت الزكاة المفروضة، وصم رمضان، واجتنب الكبائر - أوقال المعاصي - وأبشر. فكان الرجل لم يرض بما قال، حتى رجع الكلمات عليه ثلاث مرات، فغضب السائل ثم قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والخدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " ثم خرج، فقال أبو الدرداء: أجلسوني، فأجلسوه فقال: ردوا علي الرجل، فقال: ويحك! كيف بك وقد حفر لك أربع أذرعً من الأرض، ثم غرقت في ذلك الخرق الذي رأيته! ثم جائك ملكان أسودان أزرقان، منكر ونكير يغنيانك ويسألانك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ثبت فنعم ما أنت فيه، وإن كان غير ذلك فقد هلكت؛ ثم قمت على الأرض، ليس لك إلا موضع قدميك، وليس ثم ظل إلا العرش، فإن ظللت فنعم ما أنت! وإن أضحيت فقد هلكت، ثم عرضت جهنم، والذي نفسي بيده، إنها لتملأ ما بين الخافقين وإن الحشر لعليها، وإن الجنة من ورائها؛ فإن نجوت
منها فنعم ما أنت فيه! وإن وقعت فيها فقد هلكت. ثم حلف بالله الذي لا إله إلا هو إن هذا لهو الحق.
كان أبو الدرداء يقول: كفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً وكفى بك آثماً أن لا تزال مخالفاً، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدثاً في غير ذات الله عز وجل.
كان أبو الدرداء يقول: رب شاطرٍ نعمة غيره؛ ومنعمٍ عليه لا يدري؛ ويا رب حامل فقهٍ غير فقيه.
وكان يقول: من فقه المرء ممشاه ومجلسه ومدخله، قاتل الله الشاعر حيث يقول: من الطويل
عن المرء لا تسل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدي
قال أبو الدرداء: من فقه الرجل رفقه في معيشته؛ ومن فقه المرء أن يعلم أمزداد هو أو منتقص؛ ومن فقه الرجل أن يتعاهد إيمانه وما يغير منه؛ ومن فقه المرء أن يعلم نزعات الشيطان أن تأتيه؛ ومن فقه المرء أن تسره حسنته وتسوءه سيئته.
قال سالم بن أبي الجعد: صعد رجلٌ إلى أبي الدرداء وهو أمام غرفةٍ له، وهو يلتقط حبات حنطة، فلما رآه الرجل استحيا أن يصعد إليه فقال له: اصعد، إن من فقهك رفقك في المعيشة.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من فقهك رفقك في معيشتك.
كان أبو الدرداء يقول: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، وتموتون قريباً.
قال أبو الدرداء - وكان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء -: يا أهل دمشق، اسمعوا قول أخٍ لكم ناصح: مالي أراكم تجمعون فلا تأكلون، وتبنون فلا تسكنون، وتأملون فلا تدركون؟! إن من كان قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأملوا بعيداً، فأصبح ما جمعوا بورا، وما أملوا غرورا، وأضحت مساكنهم قبورا.
خرج أبو الدرداء من دمشق فنظر إلى الغوطة، وقد شقت أنهارها، وغرست شجراً وبنيت قصورا؛ فرجع إليهم فقال: يا أهل دمشق، يا أهل دمشق، فلما أقبلوا عليه، قال: ألا تستحيون؟ ثلاث مرات؛ تجمعون مالا تأكلون، وتأملون مالا تدركون، وتبنون مالا تسكنون! ألا إنه قد كان قبلكم قرون يجمعون فيوعون، ويأملون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بورا، وأصبح أملهم غرورا، واصبحت منازلهم قبورا؛ ألا إن عاداً ملأت ما بين عدن وعمان نعماً وأموالاً، فمن يشتري مني مال عادٍ بدرهمين؟ وعن أبي الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه؛ وثلاثة لا ينالون الدرجات العلا؛ من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ من طيرة.
وعن أبي الدرداء قال: يا أهل دمشق لا يغرنكم ظرف الرجل ودهاؤه وفصاحته، وإن كان مع ذلك قائم الليل صائم النهار إذا رأيتهم فيه ثلاث خصال: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن يجد على الناس مما يأتي مثله؛ فإن ذلك علامة الجاهل. وإن قيل إنه ظريف، داهٍ، لبيب، فصيح، عاقل. ثم قال: ألا أنبئكم بعلامة العاقل؟ يتواضع لمن فوقه ولا يزري بمن دونه، ويمسك الفضل من منطقه، يخالق الناس بأخلاقهم، ويحتجز الإيمان فيما بينه وبين ربه جل وعز، وهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان.
قال أبو الدرداء: الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له.
ومن حديث عن أبي الدرداء أنه قال:
ولو يشاء العالم منكم لازداد علماً إلى علمه؛ لقد خشيت أن تكونوا شباعاً من الطعام، جياعاً من العلم، اللهم إني أعوذ بك من أن أبقى في قومٍ إن ذكرت الله لم يعينوني، وإن نسيت لم يذكروني، وإن تركتم أحزنوني.
وعن أبي الدرداء: أنه مر على رجلٍ قد أصاب ذنباً، فكانو يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليبٍ ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
قال أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل المسلم بيته! يكف فيه نفسه وبصره وفرجه؛ وإياكم والمجالس في السوق، فإنها تلغي وتلهي.
وعن أبي الدرداء قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن ناقدت الناس ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك. قال: قلت: فما أصنع؟ قال هب عرضك ليوم فقرك.
روي هذا الحديث مرفوعاً وروي موقوفاً.
وفي رواية أن أبا الدرداء قال: من يتفقد يفقد، ومن لا يعد الصبر لفواعج الأمور يعجز؛ وإن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك. قال: كيف أصنع. قال: أقرض من عرضك ليوم فقرك.
قوله: من يتفقد يفقد. يقول: من يتأمل أحوال الناس وأخلاقهم يتعرفها. يفقد: أي يعدم أن يجد فيهم أحداً يرتضيه. وإن كانت الرواية: من يتفقد يفقد. فإنه يريد: من يتفقد أمور الناس يفقد، أي ينقطع عنهم وعن ملابستهم، فلا يوجد معهم. وقوله: إن قارضت الناس قارضوك، يريد: إن طعنت عليهم ونلت منهم بلسانك فعلوا مثل ذلك بك. وقوله: أقرض من عرضك ليوم فقرك: أراد من شتمك منهم فلا تشتمه،
ومن ذكرك بسوءٍ فلا تذكره، ودع ذلك قرضاً لك عليه ليوم الجزاء والقصاص. ومنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئاً فذاك الذي حرج وهلك. أراد أن الله قد وضع عنكم الضيق في الدين وفسح لكم فلا حرج إلا مما تنالون من أعراض المسلمين.
قال أبو الدرداء لرجل: هب عرضك لله عز وجل، فمن سبك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله، وإذا أسأت فاستغفر الله.
وعن أبي الدرداء قال: ما أمسيت ليلةً وأصبحت، لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيتها نعمة من الله علي عظيمة.
وعن أبي الدرداء أنه دخل المدينة فقال: مالي لا أرى عليكم يا أهل المدينة حلاوة الإيمان؟ والذي نفسي بيده، لو أن دب الغابة طعم طعم الإيمان لرأى عليه حلاوة الإيمان.
وعن أبي الدرداء أنه قال: ما أمن أحدٌ على إيمانه إلا سلبه.
وعن جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر من التعوذ منه، قال فقال له جبير: مالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ قال دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن درينه في الساعة الواحدة فيخلع منه.
قالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت هنيئاً له!
يا ليتني بدله، فقالت أم الدرداء: يا أبا الدرداء، مالك إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت هنيئاً له! يا ليتني بدله؟ قال وما تعلمين يا حمقاء أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسي منافقاً! قلت وكيف ذلك؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر، لأنا لهذا بالموت أغبط مني بالبقاء في الصلاة والصيام.
وعن أبي الدرداء قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.
قيل لأبي الدرداء: كل أصحابك قد قال الشعر غيرك، فأطرق طويلاً ثم قال: من الوافر
يريد العبد أن يعطى مناه ... ويأبي الله إلا ما أرادا
يقولوا: لقد أحسنت فزد، قال: لا، إنما قلت حين قلتم إن أصحابي كلهم قد قالوا، كرهت أن يعملوا عملاً لا أعمله، وليس الشعر من شأني.
وعن أبي الدرداء أنه قال: إن أبغض الناس إلي أن أظلمه لمن لا يجد أحداً يستغيثه علي إلا الله عز وجل.
كان لأبي الدرداء جملٌ يقال له دمون، فكان إذا استعاروه منه قال: لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطبق أكثر من ذلك، فلما حضرته الوفاة قال: يا دمون لا تخاصمني غداً عند ربي فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق.
وعن جبير بن نفير قال:
لما فتحت قبرس مر بالسبي، فجاء أبو الدرداء يبكي، فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ياجبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة
إذ عصوا الله فلقوا ما قد ترى! ثم قال: ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه.
قيل لأبي الدرداء: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " وإن زنى وإن سرق؟ قال: إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق.
قال حكيم بن جابر: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه إذ مر بهم قس، فأعجبهم سمنه، فقالوا: اللهم العنه، ما أعظمه وما أسمنه! فكشف الثوب عن وجهه فقال من ذا الذي لعنتم آنفاً؟ قالوا: قساً مر بنا، فقال: لا تلعنوا أحداً فإنه لا ينبغي للعانٍ أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً.
قالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء إذا حدث حديثاً تبسم في حديثه، فقلت: إني أخشى أن يحمقك الناس، قال: ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حديثاً إلا تبسم في حديثه.
وعن أبي الدرداء قال: إني لأدعو لناسٍ من إخواني وأنا ساجد أسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وفي رواية: إني لأدعو وأنا ساجد لسبعين أخاً من إخواني.
وقالت أم الدرداء: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مئة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، قالت: فقلت له في ذلك فقال: إنه ليس رجلٌ يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثله: أفلا أرغب لي الملائكة؟! حضر أبو الدرداء باب معاوية، فحجب عنه، فقال: اللهم غفراً، إنه من يحضر أبواب السلطان يقم ويقعد، وإنه من يجد باباً مغلقاً يجد إلى جنبه باباً فتحاً رحيباً إن
سأل أعطي وإن دعا أجيب، وإن أول نفاق المرء طعنه على إمامه. وفي رواية: وبغضهم كفر.
ومن حديث آخر: إن سأل أعطي وإن استغفر غفر له؛ فكان رجالٌ من أهل الذمة استعانوا به على معاوية ليكلمه أن يخفف عنهم من الخراج، قالت: فلما لم يؤذن له قال: أنتم أظلم منه. قالوا: لم أصلحك الله؟ قال: لو شئتم أسلمتم فلم يكن له عليكم سبيل.
قال حسان بن عطية: شكا أهل دمشق إلى أبي الدرداء قلة الثمر فقال: إنكم أطلتم حيطانها، وأكثرتم حراسها، فأتاها الويل من فوقها.
قالت أم الدرداء: دخلت على أبي الدرداء، وهو غضبان فقلت له: ما أغضبك؟ قال: والله ما أعرف منهم من أمر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً غير أنهم يصلون جميعاً.
وعن أبي الدرداء قال: إنا لنكشر في وجوه أقوامٍ ونضحك إليهم، وإن قلوبنا لتلعنهم.
وعن أبي الدرداء أنه قال: لوددت أني كبش لأهلي، فمر عليهم ضيف، فأمروا على أوداجي، فأكلوا وأطعموا.
نظر أبو الدرداء إلى رجلٍ في جنازةٍ وهو يقول: جنازة من هذا؟ فقال أبو الدرداء: هذا أنت، هذا أنت، يقول الله عز وجل: " إنك ميت وإنهم ميتون ".
خرج أبو الدرداء إلى جنازة، فرأى أهل الميت يبكون عليه فقال: مساكين موتى غداً يبكون على ميت اليوم.
قال أبو الدرداء: ماأكثر عبدٌ ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده.
قال أبو الدرداء: كفى بالموت واعظاً، وكفى بالدهر مفرقاً اليوم في الدور، وغداً في القبور.
مر أبو الدرداء بين القبور فقال: بيوت، ما أسكن ظواهرك! وفي دواخلك الدواهي.
قال أبو الدرداء: إن لكم في هاتين الدارين لعبرة، تزورونهم ولا يزورنكم، وتنتقلون إليهم ولا ينتقلون إليكم، يوشك أن يستفرغ هذه ما في هذه.
قال معاوية بن قرة: اشتكى أبو الدرداء، فدخل عليه أصحابه فقالوا له: يا أبا الدرداء ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة، قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أضجعني.
مرض أبو الدرداء مرضه الذي مات فيه، فكثر عليه العواد في منزله، فأخرجوه إلى كنيسة التصارى، فجهل الناس يعودونه أرسالاً، فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه، فتخطى الناس حتى جلس عند رأسه، فقال أبو إدريس: الله أكبر الله أكبر، فجعل يكبر، فرفع أبو الدرداء رأسه فقال: إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن نرضى به، ثم قال: ألا رجلٌ يعمل لمثل مصرعي هذا! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه! ثم قضى.
لما نزل بأبي الدرداء الموت دعا أم الدرداء، ضمها إليه وبكى وقال: يا أم الدرداء، قد ترين ما نزل بي من الموت، إنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه، فإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده؛ وإن تكن الأخرى، فوالله ما هو فيها بعده إلا كحلاب ناقة. ثم بكى وقال: يا أم الدرداء اعملي لمثل مصرعي هذا، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه ثم دعا ابنه بلالاً فقال: ويحك يا بلال! اعمل لساعة الموت، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر به صرعتك وساعتك، فكأن قد. ثم قبض.
قالت أم الدرداء: أغمي على أبي الدرداء فأفاق فإذا بلال ابنه عنده فقال: قم فاخرج عني، ثم قال: من
يعمل لمضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟! " وتقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون " أتيتم. ثم أغمي عليه، فيلبث لبثةً ثم يفيق فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى قبض.
مات أبو الدرداء قبل قتل عثمان بسنتين؛ وقيل بسنة. قالوا: توفي سنة اثنتين وثلاثين؛ وقيل سنة إحدى وثلاثين بالشام؛ وله عقب بالشام.
وقيل: سنة ثلاثٍ وثلاثين. وهو وهم.
عويمر بن عامر
ب د ع: عويمر بْن عَامِر وَيُقَال: عويمر بْن قيس بْن زَيْد، وقيل: عويمر بْن ثعلبة بْن عَامِر بْن زَيْد بْن قيس بْن أمية بْن مَالِك بْن عَامِر بْن عدي بْن كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج، أَبُو الدرداء الْأَنْصَارِيّ الخزرجي.
وقَالَ الكلبي: اسمه عَامِر بْن زَيْد بْن قيس بْن عبسة بْن أمية بْن مَالِك بْن عَامِر بْن عدي بْن كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج.
وَقَدْ ذكرناه فِي عَامِر.
وقَالَ أَبُو عُمَر: وليس بشيء.
وهو مشهور بكنيته، ويذكر فيها إن شاء اللَّه تَعَالى أتم من هَذَا، وكان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم.
روى عَنْهُ: أنس بْن مَالِك، وفضالة بْن عُبَيْد، وَأَبُو أمامة، وعبد اللَّه بْن عُمَر، وابن عَبَّاس وَأَبُو إدريس الخولاني، وجبير بْن نفير، وابن المسيب، وغيرهم.
تأخر إسلامه، فلم يشهد بدرًا، وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: إنه لم يشهد أحدًا، وأول مشاهده الخندق.
وآخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سلمان الفارسي.
روى أيوب، عَنْ أَبِي قلابة أن أبا الدرداء مر عَلَى رَجُل قَدْ أصاب ذنبًا، وكانوا يسبونه، فَقَالَ: أرأيتم لو وجدتموه فِي قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قَالُوا: بلى، قَالَ: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا اللَّه الَّذِي عافاكم، قَالُوا: أفلا نبغضه؟ قَالَ: إنَّما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
وروى صالح المري، عَنْ جَعْفَر بْن زَيْد العبدي، أن أبا الدرداء لما نزل بِهِ الموت بكى، فقالت لَهُ أم الدرداء: وأنت تبكي يا صاحب رَسُول اللَّه؟ ! قَالَ: نعم، وما لي لا أبكي، ولا أدري علام أهجم من ذنوبي.
وقَالَ شميط بْن عجلان: لما نزل بأبي الدرداء الموت جزع جزعًا شديدًا، فقالت لَهُ أم الدرداء: ألم تك تخبرنا أنك تحب الموت؟ قَالَ: بلى، وعزة ربي، ولكن نفسي لما استيقنت الموت كرهته، ثُمَّ بكى، وقَالَ: هَذِهِ آخر ساعاتي من الدنيا، لقنوني لا إله إلا اللَّه، فلم يزل يرددها حتَّى مات.
وقيل: دعا ابنه بلالًا، فَقَالَ: ويحك يا بلال! اعمل للساعة، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر بِهِ مصرعك وساعتك، فكأن قَدْ، ثُمَّ قبض.
وتوفي قبل عثمان بسنتين، قيل: توفي سنة ثلاث أَوْ اثنتين وثلاثين بدمشق، وقيل: توفي بعد صفين سنة ثمان أو تسع وثلاثين، والأصح، والأشهر، والأكثر عند أهل العلم أَنَّهُ توفي فِي خلافة عثمان، ولو بقي لكان لَهُ ذكر بعد قتل عثمان إما فِي الاعتزال، وَإِما فِي مباشرة القتال، ولم يسمع له بذكر فيهما البتة، والله أعلم.
قَالَ أَبُو مسهر: لا أعلم أحدًا نزل دمشق من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أَبِي الدرداء، وبلال مؤذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواثلة بْن الأسقع، ومعاوية، ولو نزل أحد سواهم لما سقط علينا.
وكان أَبُو الدرداء أقنى أشهل، يخضب بالصفرة، عَلَيْهِ قلنسوة وعمامة قَدْ طرحها بين كتفيه.
أَخْرَجَهُ الثلاثة.
ب د ع: عويمر بْن عَامِر وَيُقَال: عويمر بْن قيس بْن زَيْد، وقيل: عويمر بْن ثعلبة بْن عَامِر بْن زَيْد بْن قيس بْن أمية بْن مَالِك بْن عَامِر بْن عدي بْن كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج، أَبُو الدرداء الْأَنْصَارِيّ الخزرجي.
وقَالَ الكلبي: اسمه عَامِر بْن زَيْد بْن قيس بْن عبسة بْن أمية بْن مَالِك بْن عَامِر بْن عدي بْن كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج.
وَقَدْ ذكرناه فِي عَامِر.
وقَالَ أَبُو عُمَر: وليس بشيء.
وهو مشهور بكنيته، ويذكر فيها إن شاء اللَّه تَعَالى أتم من هَذَا، وكان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم.
روى عَنْهُ: أنس بْن مَالِك، وفضالة بْن عُبَيْد، وَأَبُو أمامة، وعبد اللَّه بْن عُمَر، وابن عَبَّاس وَأَبُو إدريس الخولاني، وجبير بْن نفير، وابن المسيب، وغيرهم.
تأخر إسلامه، فلم يشهد بدرًا، وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: إنه لم يشهد أحدًا، وأول مشاهده الخندق.
وآخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سلمان الفارسي.
روى أيوب، عَنْ أَبِي قلابة أن أبا الدرداء مر عَلَى رَجُل قَدْ أصاب ذنبًا، وكانوا يسبونه، فَقَالَ: أرأيتم لو وجدتموه فِي قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قَالُوا: بلى، قَالَ: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا اللَّه الَّذِي عافاكم، قَالُوا: أفلا نبغضه؟ قَالَ: إنَّما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
وروى صالح المري، عَنْ جَعْفَر بْن زَيْد العبدي، أن أبا الدرداء لما نزل بِهِ الموت بكى، فقالت لَهُ أم الدرداء: وأنت تبكي يا صاحب رَسُول اللَّه؟ ! قَالَ: نعم، وما لي لا أبكي، ولا أدري علام أهجم من ذنوبي.
وقَالَ شميط بْن عجلان: لما نزل بأبي الدرداء الموت جزع جزعًا شديدًا، فقالت لَهُ أم الدرداء: ألم تك تخبرنا أنك تحب الموت؟ قَالَ: بلى، وعزة ربي، ولكن نفسي لما استيقنت الموت كرهته، ثُمَّ بكى، وقَالَ: هَذِهِ آخر ساعاتي من الدنيا، لقنوني لا إله إلا اللَّه، فلم يزل يرددها حتَّى مات.
وقيل: دعا ابنه بلالًا، فَقَالَ: ويحك يا بلال! اعمل للساعة، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر بِهِ مصرعك وساعتك، فكأن قَدْ، ثُمَّ قبض.
وتوفي قبل عثمان بسنتين، قيل: توفي سنة ثلاث أَوْ اثنتين وثلاثين بدمشق، وقيل: توفي بعد صفين سنة ثمان أو تسع وثلاثين، والأصح، والأشهر، والأكثر عند أهل العلم أَنَّهُ توفي فِي خلافة عثمان، ولو بقي لكان لَهُ ذكر بعد قتل عثمان إما فِي الاعتزال، وَإِما فِي مباشرة القتال، ولم يسمع له بذكر فيهما البتة، والله أعلم.
قَالَ أَبُو مسهر: لا أعلم أحدًا نزل دمشق من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أَبِي الدرداء، وبلال مؤذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواثلة بْن الأسقع، ومعاوية، ولو نزل أحد سواهم لما سقط علينا.
وكان أَبُو الدرداء أقنى أشهل، يخضب بالصفرة، عَلَيْهِ قلنسوة وعمامة قَدْ طرحها بين كتفيه.
أَخْرَجَهُ الثلاثة.
عويمر بْن عَامِر
ويقال عويمر بْن قَيْس بن زيد. [وقيل: عويمر ابن ثعلبة بْن عَامِر بْن زَيْد بْن قَيْس بْن] أُمَيَّة بْن [مَالِك بْن عَامِر بْن] عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بْن الخزرج، أَبُو الدرداء الأَنْصَارِيّ، هُوَ مشهور بكنيته.
وقد قيل فِي نسبه عويمر بْن زَيْد بْن قَيْس بْن عَائِشَة بْن أُمَيَّة بن مالك ابن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بْن الْحَارِث بْن الخزرج.
وقيل: إن اسمه عَامِر، وصغر، فقيل: عويمر. وقال ابْن إِسْحَاق:
أَبُو الدرداء عويمر بْن ثعلبة من بني الْحَارِث بْن الخزرج. وقال إِبْرَاهِيم بْن المنذر: أَبُو الدرداء اسمه عويمر بْن ثعلبة بْن زَيْد بْن قَيْس بْن عَائِشَة بْن أُمَيَّة بْن مَالِك بْن عَامِر بْن عدي بْن كَعْب بْن الخزرج. ومن قَالَ فِيهِ عويمر ابن قَيْس يزعم أن اسمه عَامِر، وأن عويمرا لقب. ومن قَالَ فِيهِ عَامِر بْن مَالِك فليس بشيء. والصحيح مَا ذكرنا إن شاء الله تعالى.
وأمه محبة بِنْت واقد بْن عَمْرو بْن الإطنابة بْن عَامِر بْن زَيْد مناة ابن مَالِك بْن ثعلبة بْن كَعْب. وقيل: أمه واقدة بِنْت واقد بْن عَمْرو بْن الإطنابة. شهد أحدا وما بعدها من المشاهد. وقد قيل: إنه لم يشهد أحدا
لأنه تأخر إسلامه، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد. كان أَبُو الدرداء أحد الحكماء العلماء والفضلاء.
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُفَسِّرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة، قال: لما حضرت معاذا الوفاة قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أَوْصِنَا. قَالَ: أَجْلِسُونِي، إِنَّ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا- يَقُولُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ- الْتَمِسُوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبى الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ. وقال الْقَاسِم بْن مُحَمَّد: كَانَ أَبُو الدرداء من الذين أوتوا العلم. قال أَبُو مسهر: ولا أعلم أحدا نزل دمشق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أَبِي الدرداء، وبلال مؤذن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ووائلة بْن الأسقع، ومعاوية. قال: ولو نزلها أحد سواهم مَا سقط علينا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عن أَبِي حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ عن أبى الدرداء، قال: قال رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا فَرَطُكُمْ على الحوض فلا ألفينّ مَا نُوزِعْتُ فِي أَحَدِكُمْ فَأَقُولُ: هَذَا مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَلا يجعلني مِنْهُمْ. قَالَ: لَسْتَ مِنْهُمْ، فَمَاتَ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَنَتَيْنِ.
وقالت طائفة من أهل الأخبار: إنه مات بعد صفين سنة ثمان أو تسع وثلاثين. والأكثر والأشهر والأصح عِنْدَ أهل الحديث أَنَّهُ توفي فِي خلافة عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعد أن ولاه مُعَاوِيَة قضاء دمشق. [وقيل: إن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ولاه قضاء دمشق. وقيل: بل ولاه عُثْمَان والأمير مُعَاوِيَة] وَرَوَى الْوَلِيدُ بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: حَكِيمُ أُمَّتِي أَبُو الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرٌ.
قال أَبُو عُمَر: لَهُ حكم مأثورة مشهورة، منها قوله: وجدت الناس أخبر تقل . ومنها: من يأت أبواب السلطان يقوم ويقعد. ووصف الدنيا فأحسن، فمن قوله فيها: الدنيا دار كدر ، ولن ينجو منها إلا أهل الحذر، وللَّه فيها علامات يسمعها الجاهلون، ويعتبر بها العالمون، ومن علاماته فيها أن حفها بالشبهات، فارتطم فيها أهل الشهوات، ثُمَّ أعقبها بالآفات، فانتفع بذلك أهل العظات، ومزج حلالها بالمئونات وحرامها
بالتبعات، فالمثري فيها تعب، والمقل فيها نصب.... في كلمات أكثر من هَذَا.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ عُمَرَ] ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ وَلَّى أَبَا الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ الْقَاضِي خَلِيفَةَ الأَمِيرِ إِذَا غَابَ. ومات أَبُو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سنة اثنتين وثلاثين بدمشق. وقيل: سنة إحدى وثلاثين، ويأتي ذكره فِي الكنى بأكثر من هذا.
ويقال عويمر بْن قَيْس بن زيد. [وقيل: عويمر ابن ثعلبة بْن عَامِر بْن زَيْد بْن قَيْس بْن] أُمَيَّة بْن [مَالِك بْن عَامِر بْن] عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بْن الخزرج، أَبُو الدرداء الأَنْصَارِيّ، هُوَ مشهور بكنيته.
وقد قيل فِي نسبه عويمر بْن زَيْد بْن قَيْس بْن عَائِشَة بْن أُمَيَّة بن مالك ابن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بْن الْحَارِث بْن الخزرج.
وقيل: إن اسمه عَامِر، وصغر، فقيل: عويمر. وقال ابْن إِسْحَاق:
أَبُو الدرداء عويمر بْن ثعلبة من بني الْحَارِث بْن الخزرج. وقال إِبْرَاهِيم بْن المنذر: أَبُو الدرداء اسمه عويمر بْن ثعلبة بْن زَيْد بْن قَيْس بْن عَائِشَة بْن أُمَيَّة بْن مَالِك بْن عَامِر بْن عدي بْن كَعْب بْن الخزرج. ومن قَالَ فِيهِ عويمر ابن قَيْس يزعم أن اسمه عَامِر، وأن عويمرا لقب. ومن قَالَ فِيهِ عَامِر بْن مَالِك فليس بشيء. والصحيح مَا ذكرنا إن شاء الله تعالى.
وأمه محبة بِنْت واقد بْن عَمْرو بْن الإطنابة بْن عَامِر بْن زَيْد مناة ابن مَالِك بْن ثعلبة بْن كَعْب. وقيل: أمه واقدة بِنْت واقد بْن عَمْرو بْن الإطنابة. شهد أحدا وما بعدها من المشاهد. وقد قيل: إنه لم يشهد أحدا
لأنه تأخر إسلامه، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد. كان أَبُو الدرداء أحد الحكماء العلماء والفضلاء.
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُفَسِّرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة، قال: لما حضرت معاذا الوفاة قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أَوْصِنَا. قَالَ: أَجْلِسُونِي، إِنَّ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا- يَقُولُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ- الْتَمِسُوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبى الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ. وقال الْقَاسِم بْن مُحَمَّد: كَانَ أَبُو الدرداء من الذين أوتوا العلم. قال أَبُو مسهر: ولا أعلم أحدا نزل دمشق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أَبِي الدرداء، وبلال مؤذن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ووائلة بْن الأسقع، ومعاوية. قال: ولو نزلها أحد سواهم مَا سقط علينا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عن أَبِي حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ عن أبى الدرداء، قال: قال رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا فَرَطُكُمْ على الحوض فلا ألفينّ مَا نُوزِعْتُ فِي أَحَدِكُمْ فَأَقُولُ: هَذَا مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَلا يجعلني مِنْهُمْ. قَالَ: لَسْتَ مِنْهُمْ، فَمَاتَ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَنَتَيْنِ.
وقالت طائفة من أهل الأخبار: إنه مات بعد صفين سنة ثمان أو تسع وثلاثين. والأكثر والأشهر والأصح عِنْدَ أهل الحديث أَنَّهُ توفي فِي خلافة عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعد أن ولاه مُعَاوِيَة قضاء دمشق. [وقيل: إن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ولاه قضاء دمشق. وقيل: بل ولاه عُثْمَان والأمير مُعَاوِيَة] وَرَوَى الْوَلِيدُ بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: حَكِيمُ أُمَّتِي أَبُو الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرٌ.
قال أَبُو عُمَر: لَهُ حكم مأثورة مشهورة، منها قوله: وجدت الناس أخبر تقل . ومنها: من يأت أبواب السلطان يقوم ويقعد. ووصف الدنيا فأحسن، فمن قوله فيها: الدنيا دار كدر ، ولن ينجو منها إلا أهل الحذر، وللَّه فيها علامات يسمعها الجاهلون، ويعتبر بها العالمون، ومن علاماته فيها أن حفها بالشبهات، فارتطم فيها أهل الشهوات، ثُمَّ أعقبها بالآفات، فانتفع بذلك أهل العظات، ومزج حلالها بالمئونات وحرامها
بالتبعات، فالمثري فيها تعب، والمقل فيها نصب.... في كلمات أكثر من هَذَا.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ عُمَرَ] ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ وَلَّى أَبَا الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ الْقَاضِي خَلِيفَةَ الأَمِيرِ إِذَا غَابَ. ومات أَبُو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سنة اثنتين وثلاثين بدمشق. وقيل: سنة إحدى وثلاثين، ويأتي ذكره فِي الكنى بأكثر من هذا.