علي بْن المبارك، الأحمر النحوي:
صاحب علي بْن حمزة الكسائي. كان مؤدب الأمين، وهو أحد من أشتهر بالتقدم فِي النحو، واتساع الحفظ، وجرت بينه وبين سيبويه مناظرة لما قدم بَغْدَاد.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن علي الشروطي- من أصل كتابه العتيق- حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي المروزيّ الكاتب، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الأنباري قَالَ: سمعت أبا العباس أَحْمَد بْن يَحْيَى يَقُولُ: كان على الأحمر- علي بْن المبارك- مؤدب الأمين، يحفظ أربعين ألف بيت شاهد فِي النحو، سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب.
أَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الجراح الخزاز، حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن القاسم بْن بشار، حدّثنا أبو العبّاس- يعني ثعلبا- حدّثنا سلمة بن عاصم، حدّثنا الفراء- ما لا أحصي- قَالَ: قدم سيبويه إِلَى بَغْدَاد فأتى يَحْيَى بْن خالد، فقال له: اجمع بيني وبين الكسائي لأناظره، وأنت تسمع، فقال له يَحْيَى: الكسائي عندنا رجل عالم لا يمتنع من مناظرة أحد، وأنا أتقدم إليه فِي الحضور، فإذا كان يوم كذا وكذا فأحضر. وعرَّف يَحْيَى الكسائي وعرَّف الكسائي أصحابه، فسبق الفراء والأحمر فِي ذلك اليوم إِلَى دار يَحْيَى، فجلسا فِي الموضع الذي أعد للكسائي وسيبويه، ثم جاء سيبويه فرفعاه، وألقى عليه الأحمر مسألة فأجاب فيها، فقال له الأحمر:
أخطأت وألقى عليه أخرى فأجاب فقال له: أخطأت- وكان الأحمر حادا حافظا- فغضب سيبويه، فقال له الفراء إن معه عجلة. فمن قَالَ: هؤلاء أبون ورأيت أبين، ومررت بأبين، فِي جمع الأب على قول الشاعر:
وكان بنو فزارة شر عم ... وكنت لهم كشر بنى الأخينا
كيف نمثل مثاله من أويب؟ فأجابه سيبويه بجواب، فعارضه الفراء بإدخال فيه فانتقل منه إِلَى جواب آخر، فعارضه بحجة أخرى، فغضب وَقَالَ: لا أكلمكما حتى يجيء صاحبكما، فجاء الكسائي، فجلس بالقرب منه، وأنصت يَحْيَى والناس، فقال له الكسائي: أتسألني أو أسألك؟ فقال: لا بل سلني، قَالَ: كيف تقول خرجت فإذا عَبْد اللَّه قائم؟ فقال سيبويه: قائم بالرفع، فقال له الكسائي: أتجيز قائما بالنصب؟ قَالَ لا. قَالَ له الكسائي: فكيف تقول كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا أنا بالزنبور إياها بعينها؟ قَالَ: لا أجيز هذا بالنصب، ولكني أقول فإذا بالزنبور هو هي، فقال الكسائي الرفع والنصف جائزان، فقال سيبويه: الرفع صواب والنصب لحن فعلت أصواتهما بهذا، فقال يَحْيَى: أنتما عالمان ليس فوقكما أحد يستفتي، ولم يبلغ من هذا العلم مبلغكما أحد، نشرف به على الصواب من قولكما، فما الذي يقطع ما بينكما؟ فقال الكسائي: العرب الفصحاء المقيمون على باب أمير المؤمنين الذين نرتضي فصاحتهم، يحضرهم، فنسألهم عما اختلفنا فيه، فإن عرفوا النصب علمت أن الحق معي، وإن لم يعرفوه علمت أن الحق معه. فأشار إِلَى بعض الغلمان فلم يكن إلا ساعة حتى حضر منهم خلق كثير، فقال لهم يَحْيَى: كيف تقولون خرجت فإذا عَبْد اللَّه قائم، فلما وقعت المسألة فِي أسماعهم تكلم بها بعضهم بالنصب، وبعضهم بالرفع، فلما كثر النصب أطرق سيبويه، فقال الكسائي: أعز اللَّه الوزير إنه لم يقصدك من بلده إلا راجيا فضلك، ومؤملا معروفك. فإن رأيت أن لا تخليه مما أمل، قَالَ فدفعت إليه بدرة اختلف فيها الناس، فقال بعضهم كانت من يحيى وَقَالَ آخرون كانت من الكسائي، فقال بعض الجهال: إن الكسائي واطأ الأعراب من الليل حتى تكلموا بالذي أراده، وهذا قول لا يعرج عليه، لأن مثل هذا لا يخفى على الخليفة والوزير وأهل بَغْدَاد أجمعين.
صاحب علي بْن حمزة الكسائي. كان مؤدب الأمين، وهو أحد من أشتهر بالتقدم فِي النحو، واتساع الحفظ، وجرت بينه وبين سيبويه مناظرة لما قدم بَغْدَاد.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن علي الشروطي- من أصل كتابه العتيق- حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي المروزيّ الكاتب، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الأنباري قَالَ: سمعت أبا العباس أَحْمَد بْن يَحْيَى يَقُولُ: كان على الأحمر- علي بْن المبارك- مؤدب الأمين، يحفظ أربعين ألف بيت شاهد فِي النحو، سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب.
أَخْبَرَنَا هلال بْن المحسن، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الجراح الخزاز، حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن القاسم بْن بشار، حدّثنا أبو العبّاس- يعني ثعلبا- حدّثنا سلمة بن عاصم، حدّثنا الفراء- ما لا أحصي- قَالَ: قدم سيبويه إِلَى بَغْدَاد فأتى يَحْيَى بْن خالد، فقال له: اجمع بيني وبين الكسائي لأناظره، وأنت تسمع، فقال له يَحْيَى: الكسائي عندنا رجل عالم لا يمتنع من مناظرة أحد، وأنا أتقدم إليه فِي الحضور، فإذا كان يوم كذا وكذا فأحضر. وعرَّف يَحْيَى الكسائي وعرَّف الكسائي أصحابه، فسبق الفراء والأحمر فِي ذلك اليوم إِلَى دار يَحْيَى، فجلسا فِي الموضع الذي أعد للكسائي وسيبويه، ثم جاء سيبويه فرفعاه، وألقى عليه الأحمر مسألة فأجاب فيها، فقال له الأحمر:
أخطأت وألقى عليه أخرى فأجاب فقال له: أخطأت- وكان الأحمر حادا حافظا- فغضب سيبويه، فقال له الفراء إن معه عجلة. فمن قَالَ: هؤلاء أبون ورأيت أبين، ومررت بأبين، فِي جمع الأب على قول الشاعر:
وكان بنو فزارة شر عم ... وكنت لهم كشر بنى الأخينا
كيف نمثل مثاله من أويب؟ فأجابه سيبويه بجواب، فعارضه الفراء بإدخال فيه فانتقل منه إِلَى جواب آخر، فعارضه بحجة أخرى، فغضب وَقَالَ: لا أكلمكما حتى يجيء صاحبكما، فجاء الكسائي، فجلس بالقرب منه، وأنصت يَحْيَى والناس، فقال له الكسائي: أتسألني أو أسألك؟ فقال: لا بل سلني، قَالَ: كيف تقول خرجت فإذا عَبْد اللَّه قائم؟ فقال سيبويه: قائم بالرفع، فقال له الكسائي: أتجيز قائما بالنصب؟ قَالَ لا. قَالَ له الكسائي: فكيف تقول كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا أنا بالزنبور إياها بعينها؟ قَالَ: لا أجيز هذا بالنصب، ولكني أقول فإذا بالزنبور هو هي، فقال الكسائي الرفع والنصف جائزان، فقال سيبويه: الرفع صواب والنصب لحن فعلت أصواتهما بهذا، فقال يَحْيَى: أنتما عالمان ليس فوقكما أحد يستفتي، ولم يبلغ من هذا العلم مبلغكما أحد، نشرف به على الصواب من قولكما، فما الذي يقطع ما بينكما؟ فقال الكسائي: العرب الفصحاء المقيمون على باب أمير المؤمنين الذين نرتضي فصاحتهم، يحضرهم، فنسألهم عما اختلفنا فيه، فإن عرفوا النصب علمت أن الحق معي، وإن لم يعرفوه علمت أن الحق معه. فأشار إِلَى بعض الغلمان فلم يكن إلا ساعة حتى حضر منهم خلق كثير، فقال لهم يَحْيَى: كيف تقولون خرجت فإذا عَبْد اللَّه قائم، فلما وقعت المسألة فِي أسماعهم تكلم بها بعضهم بالنصب، وبعضهم بالرفع، فلما كثر النصب أطرق سيبويه، فقال الكسائي: أعز اللَّه الوزير إنه لم يقصدك من بلده إلا راجيا فضلك، ومؤملا معروفك. فإن رأيت أن لا تخليه مما أمل، قَالَ فدفعت إليه بدرة اختلف فيها الناس، فقال بعضهم كانت من يحيى وَقَالَ آخرون كانت من الكسائي، فقال بعض الجهال: إن الكسائي واطأ الأعراب من الليل حتى تكلموا بالذي أراده، وهذا قول لا يعرج عليه، لأن مثل هذا لا يخفى على الخليفة والوزير وأهل بَغْدَاد أجمعين.