إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بن حسن شيخ يروي الْمَرَاسِيل روى عَنهُ الفضيل بن مَرْزُوق
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
إبراهيم بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، أبو إسحاق، ويعرف بابن شكلة :
بويع له بالخلافة ببغداد في أيام المأمون، وقاتل الحسن بن سهل، وكان الحسن أميرا من قبل المأمون فهزمه إبراهيم، فتوجه نحوه حميد الطوسي فقاتله فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم مدة طويلة حتى ظفر به المأمون فعفا عنه، وكان أسود حالك اللون، عظيم الجثة ولم يُر في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لسانا، ولا أجود شعرا.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة. قال: بعث المأمون إلى علي بن موسى الرضى فحمله وبايع له بولاية العهد، فغضب من ذلك بنو العباس وقالوا: لا يخرج الأمر عن أيدينا، وبايعوا إبراهيم بن المهدي، فخرج إلى الحسن بن سهل فهزمه وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بن المهدي بالمدائن، ثم وجه الحسن بن هشام وحميدا الطوسي فاقتتلوا، فهزمهم حميد واستخفى إبراهيم، فلم يعرف خبره حتى قدم المأمون فأخذه.
أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا أبي قال: قال إسماعيل بن علي:
وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق إبراهيم بن المهدي لله ببغداد في داره المنسوبة إليه
في ناحية سوق العطش، وسموه المبارك، ويقال سمي المرضي، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين، وأمه أم ولد يقال لها شكلة، وبها يعرف، فغلب على الكوفة والسواد. وخطب له على المنابر، وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد فأقام بها، والحسن بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة المأمون، والمأمون ببلاد خراسان، لم يزل إبراهيم مقيما ببغداد على أمره يدعى بإمرة المؤمنين، ويخطب له على منبر بغداد، وما غلب عليه من السواد والكوفة، ثم دخل المأمون متوجها إلى العراق وقد توفي علي بن موسى الرضي، فلما أشرف المأمون على العراق، وقرب من بغداد، وضعف أمر إبراهيم بن المهدي، وقصرت يده، وتفرق الناس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين، فركب إبراهيم في زي الخلافة يصلي بالناس صلاة الأضحى، وهو ينظر إلى عسكر علي بن هشام مقدمة المأمون، ثم انصرف من الصلاة فنزل قصر الرصافة وغدا الناس فيه، ومضى من يومه إلى داره المعروفة به، فلم يزل فيها إلى آخر النهار، ثم خرج منها بالليل فاستتر وانقضى أمره فكانت مدته منذ يوم بويع له بمدينة السلام إلى يوم استتاره سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام، وكانت سنة يوم بويع تسعا وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، واستتر وسنه إحدى وأربعون سنة وشهر والأيام، لأن مولده غرة ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومائة، وأقام في استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام، وظفر به المأمون لثلاث عشرة بقين من ربيع الآخر سنة عشر ومائتين، فعفا عنه واستبقاه ولم يزل حيا ظاهرا مكرما إلى أن توفي.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أحمد بن البراء. قال: وفي سنة اثنتين ومائتين خالف إبراهيم بن المهدي وبايع لنفسه، وفي سنة ثلاث خُلِعَ إبراهيم، وقدم المأمون بغداد في سنة أربع في صفر، وأخذ إبراهيم في سنة عشر.
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ العبّاس الصّولي، حدثني عون بن محمد قال: أنشدني إبراهيم بن المهديّ- وكان ينتقل في المواضع- فنزل بقرب أخت له، فوجهت إليه بجارية حسنة الوجه لتخدمه وقالت لها: أنت له. ولم يعلم إبراهيم بقولها ذلك فأعجبته فقال:
بأبي من أنا مأسو ... ر بلا أسر لديه
والّذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه
والّذي يقتلني ظل ... ما ولا يعدى عليه
أنا ضيف وجزا ... ء الضيف إحسان إليه
قلت: وكان وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النفس، سخى الكف، وكان معروفا بصنعة الغناء، حاذقا بها، وله يقول دعبل بن علي يتقرب بذلك إلى المأمون:
نفر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ، أخبرنا المعافى بن زكريّا الجريري، حدّثنا أحمد بن إبراهيم الطّبريّ، حَدَّثَنِي محمد بن القاسم بن مهرويه قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: لما بويع إبراهيم بن المهديّ ببغداد قال: المال عنده وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السواد وغيرهم واحتبس عليهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوفهم بالمال ولا يرون لذلك حقيقة، إلى أن اجتمعوا يوما فخرج رسول إبراهيم إليهم وصرح لهم أنه لا مال عنده، فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: فإن لم يكن المال فأخرجوا لنا خليفتنا فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات، فيكون عطاء لهم. قال أبي: فأنشدني دعبل في ذلك:
يا معشر الأعراب لا تغلطوا ... خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعطيكم حنينية ... لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديات لقوادكم ... وما بهذا أحد يغبط
فهكذا يرزق أصحابه ... خليفة مصحفه البربط
حدثنا محمد بن عبد الواحد الأكبر، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزاز، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد. قَالَ: لما طال على إبراهيم بن شكلة الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: وَلِيُّ الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الرجاء أمن غادية الدهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل ذي عفو، كما جعل
كل ذي ذنب دونه، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبحقه. فوقع المأمون في قصته أمانه.
وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالندم إنابة، وعفو الله أوسع من كل شيء.
ولما دخل إبراهيم على المأمون قال:
إن أكن مذنبا فحظّي أخطأ ... ت فدع عنك كثرة التأنيب
قل كما قال يوسف لبني يع ... قوب لما أتوه لا تثريب
فقال: لا تثريب.
أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبيّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن سعيد، حدّثنا محمّد بن حميد بن فروى البصريّ، حَدَّثَنِي أَبِي حُمَيْدِ بْنِ فَرْوَةَ. قَالَ: لَمَّا اسْتَقَرَّتْ لِلْمَأْمُونِ الْخِلافَةُ دَعَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ شِكْلَةَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ الْمُتَوَثِّبُ عَلَيْنَا تَدَّعِي الْخَلافَةَ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ وَلِيُّ الثَّارِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْقَصَاصِ، وَالْعَفْوُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وقد جعلك الله فوق كل ذي عفو، كما جعل كل ذِي ذَنْبٍ دُونَكَ، فَإِنْ أَخَذْتَ أَخَذْتَ بِحَقٍّ، وَإِنْ عَفَوْتَ عَفَوْتَ بِفَضْلٍ، وَلَقَدْ حَضَرْتَ أَبِي- وَهُوَ جَدُّكَ- وَأُتِيَ بِرَجُلٍ وَكَانَ جُرْمُهُ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِي فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَعِنْدَهُ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ. فَقَالَ الْمُبَارَكُ: إِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأَنِي فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنَ الْحَسَنِ. قَالَ: إِيهٍ يَا مُبَارَكُ. فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: ألا لَيَقُومَنَّ الْعَافُونَ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَى أَكْرَمِ الْجَزَاءِ، فَلا يَقُومُ إِلا مَنْ عَفَا»
فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: إِيهًا يَا مُبَارَكُ قَدْ قَبِلْتُ الْحَدِيثَ بِقَبُولِهِ، وَعَفَوْتُ عنك، هاهنا يا عم، ها هنا يَا عَمُّ.
حدثنا أبو نعيم الحافظ- إملاء- حدّثنا أحمد بن محمّد بن مقسم، حدّثنا محمّد ابن يحيى، حدثنا المبرد، عن أبي محلم. قال: قال إبراهيم بن المهديّ لأمير المؤمنين لما أخذ: ذنبي أعظم من أن يحيط به عذر، وعفوك أعظم من أن يتعاظمه ذنب. فقال المأمون: حسبك، فإنا إن قتلناك فلله وإن عفونا عنك فلله عَزَّ وَجَلَّ.
أخبرنا ابن روح النهرواني، أخبرنا المعافى بن زكريّا، حدّثنا الحسين بن القاسم
الكوكبي، حدّثنا ابن عجلان، حدثني حماد بن إسحاق، عن أبيه قال: دخلت على ابن شكلة في بقايا غضب المأمون عليه فقلت:
هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوما تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السماء ويوما تخفض العالي
فأطرق ثم قال:
غيب الأناة وإن سرت عواقبها ... أن لا خلود وأن ليس الفتى حجرا
فما مضى ذلك اليوم حتى بعث إليه المأمون بالرضا، ودعاه للمنادمة. والتقيت معه في مجلس المأمون فقلت: ليهنك الرضاء فقال: ليهنك مثله من متيم- وكانت جارية أهواها- فحسن موقع ذلك عندي فقلت:
ومن لي بأن ترضى وقد صح عندها ... ولوعي بأخرى من بنات الأعاجم؟
أخبرنا أبو جعفر، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَلابُ. قال: قال إبراهيم الحربي: نادى المأمون سنة ثمان ومائتين ببغداد:
إن أمير المؤمنين قد عفا عن عمه إبراهيم بن المهدي، وكان إبراهيم حسن الوجه حسن الغناء، حسن المجلس. وكان حبسه عند ابن أبي خالد قبل ذلك سنة. قال إبراهيم: وقال المأمون أيش ترون فيه؟ قال: فقالوا: ما رأينا خليفتين حيين. قال:
فقال: أرأيتم إن كان الله فضل أمير المؤمنين بذلك؟ قال إبراهيم: وكنت مع القواريري أمشي فرأى إبراهيم بن المهدي؛ فتركني وذهب حتى سلم عليه وقبل فخذه، وكان تحته حمار. فبلغ القواريري منه فخذه.
أخبرنا أحمد بن عمر بن روح، أخبرنا المعافى بن زكريّا، حدّثنا أحمد بن جعفر ابن موسى البرمكي. قال: قال خالد الكاتب: وقف على رجل بعد العشاء متلفع برداء عدني أسود، ومعه غلام معه صرة فقال لي: أنت خالد؟ قلت: نعم. قال: أنت الذي تقول:
قد بكى العاذل لي من رحمتي ... فبكائي لبكاء العاذل
قلت: نعم. قال: يا غلام ادفع إليه الذي معك. قلت: وما هذا؟ قال: ثلاثمائة دينار.
قلت: والله لا أقبلها أو أعرفك. قال: أنا إبراهيم بن المهدي.
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا محمد بن العباس قال: أنشدني عبيد الله ابن أحمد المروروذي قال: أنشدني أبي لإبراهيم بن المهديّ:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إن الحريص على الدنيا لفي تعب
مالي أراني إذا طالبت مرتبة ... فنلتها طمحت عيني إلى رتب؟
قد ينبغي لي مع ما حزت من أدب ... ألّا أخوض في أمر ينقص بي
لو كان يصدقني ذهني بفكرته ... ما اشتد غمي على الدنيا ولا نصبي
أسعى وأجهد فيما لست أدركه ... والموت يكدح في زندي وفي عصبي
بالله ربك كم بيتا مررت به ... قد كان يعمر باللذات والطرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعدها للويل والحرب
فامسك عنانك لا تجمح به ظلع ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطلب
قد يرزق العبد لم تتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
مع أنني واجد في الناس واحدة ... الرزق والنوك مقرونان في سبب
وخصلة ليس فيها من ينازعني ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
يا ثاقب الفكر كم أبصرت ذا حمق ... الرزق أغرى به من لازم الجرب
أخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ومات إبراهيم بن المهدي سنة أربع وعشرين ومائتين. أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن أبي بكر قَالَ: كتب إليَّ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمران الجوري من شيراز يذكر أن أحمد ابن حمدان بن الخضر أخبرهم قال: أحمد بن يونس الضّبيّ حَدَّثَنِي أَبُو حسَّان الزِّيادي. قَالَ: سنة أربع وعشرين ومائتين فيها مات إبراهيم بن المهدي يوم الجمعة لسبع خلون من شهر رمضان، وصلى عليه المعتصم بالله أمير المؤمنين.
بويع له بالخلافة ببغداد في أيام المأمون، وقاتل الحسن بن سهل، وكان الحسن أميرا من قبل المأمون فهزمه إبراهيم، فتوجه نحوه حميد الطوسي فقاتله فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم مدة طويلة حتى ظفر به المأمون فعفا عنه، وكان أسود حالك اللون، عظيم الجثة ولم يُر في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لسانا، ولا أجود شعرا.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة. قال: بعث المأمون إلى علي بن موسى الرضى فحمله وبايع له بولاية العهد، فغضب من ذلك بنو العباس وقالوا: لا يخرج الأمر عن أيدينا، وبايعوا إبراهيم بن المهدي، فخرج إلى الحسن بن سهل فهزمه وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بن المهدي بالمدائن، ثم وجه الحسن بن هشام وحميدا الطوسي فاقتتلوا، فهزمهم حميد واستخفى إبراهيم، فلم يعرف خبره حتى قدم المأمون فأخذه.
أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا أبي قال: قال إسماعيل بن علي:
وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق إبراهيم بن المهدي لله ببغداد في داره المنسوبة إليه
في ناحية سوق العطش، وسموه المبارك، ويقال سمي المرضي، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين، وأمه أم ولد يقال لها شكلة، وبها يعرف، فغلب على الكوفة والسواد. وخطب له على المنابر، وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد فأقام بها، والحسن بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة المأمون، والمأمون ببلاد خراسان، لم يزل إبراهيم مقيما ببغداد على أمره يدعى بإمرة المؤمنين، ويخطب له على منبر بغداد، وما غلب عليه من السواد والكوفة، ثم دخل المأمون متوجها إلى العراق وقد توفي علي بن موسى الرضي، فلما أشرف المأمون على العراق، وقرب من بغداد، وضعف أمر إبراهيم بن المهدي، وقصرت يده، وتفرق الناس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين، فركب إبراهيم في زي الخلافة يصلي بالناس صلاة الأضحى، وهو ينظر إلى عسكر علي بن هشام مقدمة المأمون، ثم انصرف من الصلاة فنزل قصر الرصافة وغدا الناس فيه، ومضى من يومه إلى داره المعروفة به، فلم يزل فيها إلى آخر النهار، ثم خرج منها بالليل فاستتر وانقضى أمره فكانت مدته منذ يوم بويع له بمدينة السلام إلى يوم استتاره سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام، وكانت سنة يوم بويع تسعا وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، واستتر وسنه إحدى وأربعون سنة وشهر والأيام، لأن مولده غرة ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومائة، وأقام في استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام، وظفر به المأمون لثلاث عشرة بقين من ربيع الآخر سنة عشر ومائتين، فعفا عنه واستبقاه ولم يزل حيا ظاهرا مكرما إلى أن توفي.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أحمد بن البراء. قال: وفي سنة اثنتين ومائتين خالف إبراهيم بن المهدي وبايع لنفسه، وفي سنة ثلاث خُلِعَ إبراهيم، وقدم المأمون بغداد في سنة أربع في صفر، وأخذ إبراهيم في سنة عشر.
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ العبّاس الصّولي، حدثني عون بن محمد قال: أنشدني إبراهيم بن المهديّ- وكان ينتقل في المواضع- فنزل بقرب أخت له، فوجهت إليه بجارية حسنة الوجه لتخدمه وقالت لها: أنت له. ولم يعلم إبراهيم بقولها ذلك فأعجبته فقال:
بأبي من أنا مأسو ... ر بلا أسر لديه
والّذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه
والّذي يقتلني ظل ... ما ولا يعدى عليه
أنا ضيف وجزا ... ء الضيف إحسان إليه
قلت: وكان وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النفس، سخى الكف، وكان معروفا بصنعة الغناء، حاذقا بها، وله يقول دعبل بن علي يتقرب بذلك إلى المأمون:
نفر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ، أخبرنا المعافى بن زكريّا الجريري، حدّثنا أحمد بن إبراهيم الطّبريّ، حَدَّثَنِي محمد بن القاسم بن مهرويه قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: لما بويع إبراهيم بن المهديّ ببغداد قال: المال عنده وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السواد وغيرهم واحتبس عليهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوفهم بالمال ولا يرون لذلك حقيقة، إلى أن اجتمعوا يوما فخرج رسول إبراهيم إليهم وصرح لهم أنه لا مال عنده، فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: فإن لم يكن المال فأخرجوا لنا خليفتنا فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات، فيكون عطاء لهم. قال أبي: فأنشدني دعبل في ذلك:
يا معشر الأعراب لا تغلطوا ... خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعطيكم حنينية ... لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديات لقوادكم ... وما بهذا أحد يغبط
فهكذا يرزق أصحابه ... خليفة مصحفه البربط
حدثنا محمد بن عبد الواحد الأكبر، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزاز، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد. قَالَ: لما طال على إبراهيم بن شكلة الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: وَلِيُّ الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الرجاء أمن غادية الدهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل ذي عفو، كما جعل
كل ذي ذنب دونه، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبحقه. فوقع المأمون في قصته أمانه.
وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالندم إنابة، وعفو الله أوسع من كل شيء.
ولما دخل إبراهيم على المأمون قال:
إن أكن مذنبا فحظّي أخطأ ... ت فدع عنك كثرة التأنيب
قل كما قال يوسف لبني يع ... قوب لما أتوه لا تثريب
فقال: لا تثريب.
أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبيّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن سعيد، حدّثنا محمّد بن حميد بن فروى البصريّ، حَدَّثَنِي أَبِي حُمَيْدِ بْنِ فَرْوَةَ. قَالَ: لَمَّا اسْتَقَرَّتْ لِلْمَأْمُونِ الْخِلافَةُ دَعَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ شِكْلَةَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ الْمُتَوَثِّبُ عَلَيْنَا تَدَّعِي الْخَلافَةَ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ وَلِيُّ الثَّارِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْقَصَاصِ، وَالْعَفْوُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وقد جعلك الله فوق كل ذي عفو، كما جعل كل ذِي ذَنْبٍ دُونَكَ، فَإِنْ أَخَذْتَ أَخَذْتَ بِحَقٍّ، وَإِنْ عَفَوْتَ عَفَوْتَ بِفَضْلٍ، وَلَقَدْ حَضَرْتَ أَبِي- وَهُوَ جَدُّكَ- وَأُتِيَ بِرَجُلٍ وَكَانَ جُرْمُهُ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِي فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَعِنْدَهُ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ. فَقَالَ الْمُبَارَكُ: إِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأَنِي فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنَ الْحَسَنِ. قَالَ: إِيهٍ يَا مُبَارَكُ. فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: ألا لَيَقُومَنَّ الْعَافُونَ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَى أَكْرَمِ الْجَزَاءِ، فَلا يَقُومُ إِلا مَنْ عَفَا»
فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: إِيهًا يَا مُبَارَكُ قَدْ قَبِلْتُ الْحَدِيثَ بِقَبُولِهِ، وَعَفَوْتُ عنك، هاهنا يا عم، ها هنا يَا عَمُّ.
حدثنا أبو نعيم الحافظ- إملاء- حدّثنا أحمد بن محمّد بن مقسم، حدّثنا محمّد ابن يحيى، حدثنا المبرد، عن أبي محلم. قال: قال إبراهيم بن المهديّ لأمير المؤمنين لما أخذ: ذنبي أعظم من أن يحيط به عذر، وعفوك أعظم من أن يتعاظمه ذنب. فقال المأمون: حسبك، فإنا إن قتلناك فلله وإن عفونا عنك فلله عَزَّ وَجَلَّ.
أخبرنا ابن روح النهرواني، أخبرنا المعافى بن زكريّا، حدّثنا الحسين بن القاسم
الكوكبي، حدّثنا ابن عجلان، حدثني حماد بن إسحاق، عن أبيه قال: دخلت على ابن شكلة في بقايا غضب المأمون عليه فقلت:
هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوما تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السماء ويوما تخفض العالي
فأطرق ثم قال:
غيب الأناة وإن سرت عواقبها ... أن لا خلود وأن ليس الفتى حجرا
فما مضى ذلك اليوم حتى بعث إليه المأمون بالرضا، ودعاه للمنادمة. والتقيت معه في مجلس المأمون فقلت: ليهنك الرضاء فقال: ليهنك مثله من متيم- وكانت جارية أهواها- فحسن موقع ذلك عندي فقلت:
ومن لي بأن ترضى وقد صح عندها ... ولوعي بأخرى من بنات الأعاجم؟
أخبرنا أبو جعفر، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَلابُ. قال: قال إبراهيم الحربي: نادى المأمون سنة ثمان ومائتين ببغداد:
إن أمير المؤمنين قد عفا عن عمه إبراهيم بن المهدي، وكان إبراهيم حسن الوجه حسن الغناء، حسن المجلس. وكان حبسه عند ابن أبي خالد قبل ذلك سنة. قال إبراهيم: وقال المأمون أيش ترون فيه؟ قال: فقالوا: ما رأينا خليفتين حيين. قال:
فقال: أرأيتم إن كان الله فضل أمير المؤمنين بذلك؟ قال إبراهيم: وكنت مع القواريري أمشي فرأى إبراهيم بن المهدي؛ فتركني وذهب حتى سلم عليه وقبل فخذه، وكان تحته حمار. فبلغ القواريري منه فخذه.
أخبرنا أحمد بن عمر بن روح، أخبرنا المعافى بن زكريّا، حدّثنا أحمد بن جعفر ابن موسى البرمكي. قال: قال خالد الكاتب: وقف على رجل بعد العشاء متلفع برداء عدني أسود، ومعه غلام معه صرة فقال لي: أنت خالد؟ قلت: نعم. قال: أنت الذي تقول:
قد بكى العاذل لي من رحمتي ... فبكائي لبكاء العاذل
قلت: نعم. قال: يا غلام ادفع إليه الذي معك. قلت: وما هذا؟ قال: ثلاثمائة دينار.
قلت: والله لا أقبلها أو أعرفك. قال: أنا إبراهيم بن المهدي.
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا محمد بن العباس قال: أنشدني عبيد الله ابن أحمد المروروذي قال: أنشدني أبي لإبراهيم بن المهديّ:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إن الحريص على الدنيا لفي تعب
مالي أراني إذا طالبت مرتبة ... فنلتها طمحت عيني إلى رتب؟
قد ينبغي لي مع ما حزت من أدب ... ألّا أخوض في أمر ينقص بي
لو كان يصدقني ذهني بفكرته ... ما اشتد غمي على الدنيا ولا نصبي
أسعى وأجهد فيما لست أدركه ... والموت يكدح في زندي وفي عصبي
بالله ربك كم بيتا مررت به ... قد كان يعمر باللذات والطرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعدها للويل والحرب
فامسك عنانك لا تجمح به ظلع ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطلب
قد يرزق العبد لم تتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
مع أنني واجد في الناس واحدة ... الرزق والنوك مقرونان في سبب
وخصلة ليس فيها من ينازعني ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
يا ثاقب الفكر كم أبصرت ذا حمق ... الرزق أغرى به من لازم الجرب
أخبرني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ومات إبراهيم بن المهدي سنة أربع وعشرين ومائتين. أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن أبي بكر قَالَ: كتب إليَّ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمران الجوري من شيراز يذكر أن أحمد ابن حمدان بن الخضر أخبرهم قال: أحمد بن يونس الضّبيّ حَدَّثَنِي أَبُو حسَّان الزِّيادي. قَالَ: سنة أربع وعشرين ومائتين فيها مات إبراهيم بن المهدي يوم الجمعة لسبع خلون من شهر رمضان، وصلى عليه المعتصم بالله أمير المؤمنين.
إبراهيم بن عبد الله
- إبراهيم بن عبد الله بن حنين. مولى العباس بن عبد المطلب. روى عنه الزهري. وكان ثقة قليل الحديث.
- إبراهيم بن عبد الله بن حنين. مولى العباس بن عبد المطلب. روى عنه الزهري. وكان ثقة قليل الحديث.
إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه عَنْ عُمَر قولَهُ قَالَه يزيد بْن أَبِي حبيب عَنْ أَبِي وهب الجيشاني روى عَنْهُ الْمَصْرِيّون.
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
- إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ العباس بن عبد المطلب وأمه أم ولد. فولد إبراهيم بن عبد الله: محمد بن إبراهيم بن عبد الله الذي كان نازلا بالحيرة. وداود. وأمهما ميمونة بنت العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
- إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ العباس بن عبد المطلب وأمه أم ولد. فولد إبراهيم بن عبد الله: محمد بن إبراهيم بن عبد الله الذي كان نازلا بالحيرة. وداود. وأمهما ميمونة بنت العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
إِبْرَاهِيم بن عبد الله
روى عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن أخي عبد الرَّزَّاق قَالَ أَظُنهُ عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبيد الله عَن نَافِع ابْن عمر مَرْفُوعا الضِّيَافَة على أهل الْوَبر وَلَيْسَت على أهل الْمدر رَوَاهُ ابْن عدي عَن مُحَمَّد بن خلف الْمَرْزُبَان عَنهُ
وَقَالَ ابْن عدي فِي نفس صلب السَّنَد إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَظُنهُ الْكَجِّي
قَالَ ابْن الْقطَّان لَا يتَحَقَّق إِنَّه هُوَ فَهُوَ مَجْهُول والكجي أحد الْأَثْبَات.
روى عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن أخي عبد الرَّزَّاق قَالَ أَظُنهُ عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبيد الله عَن نَافِع ابْن عمر مَرْفُوعا الضِّيَافَة على أهل الْوَبر وَلَيْسَت على أهل الْمدر رَوَاهُ ابْن عدي عَن مُحَمَّد بن خلف الْمَرْزُبَان عَنهُ
وَقَالَ ابْن عدي فِي نفس صلب السَّنَد إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَظُنهُ الْكَجِّي
قَالَ ابْن الْقطَّان لَا يتَحَقَّق إِنَّه هُوَ فَهُوَ مَجْهُول والكجي أحد الْأَثْبَات.
إبراهيم بن عبد الله
- إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. وأمه هند بنت أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْن الأسود بْن المطلب بْن أَسَدِ بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. فولد إبراهيم بن عبد الله حسنا. وأمه أمامة بنت عصمة بن عبد الله بن حنظلة بْن الطفيل بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب من بني عامر بن صعصعة. وعليا بن إبراهيم لأم ولد. وقد كان محمد بن عبد الله بن حسن لما ظهر وغلب على المدينة ومكة. وسلم البصرة. فدخلها أول يوم من شهر رمضان سنة خمس وأربعون ومائة. فغلب عليها وبيض بها وبيض أهل البصرة معه وخرج معه عيسى بن يونس. ومعاذ بن معاذ. وعباد بن العوام. وإسحاق بن يوسف الأزرق. ومعاوية بن هشيم بن بشير. وجماعة كبيرة من الفقهاء وأهل العلم. فلم يزل بالبصرة شهر رمضان وشوال. فلما بلغه قتل أخيه محمد بن عبد الله بن حسن تأهب واستعد وخرج يريد أبا جعفر المنصور بالكوفة. فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى يعلمه ذلك ويأمره أن يقبل إليه. فوافاه رسول أبي جعفر وكتابه وقد أحرم بعمرة فرفضها وأقبل إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ. وأقبل إبراهيم بن عبد الله ومعه جماعة كبيرة من أفناء الناس أكثر من جماعة عيسى. فالتقوا بباجميرى- وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة- فاقتتلوا قتالا شديدا. وانهزم حميد بن قحطبة وكان على مقدمة عيسى بن موسى وانهزم الناس معه. فعرض لهم عيسى بن موسى يناشدهم الله والجماعة. فلا يلوون عليه. ويمرون منهزمين. فأقبل حميد منهزما فقال له عيسى: يا حميد الله الله في الطاعة. فقال: لا طاعة في الهزيمة ومر. ومر الناس كلهم حتى لم يبق منهم أحد بين عيسى وموسى وعسكر إبراهيم. وثبت عيسى في مكانه الذي كان به. لا يزول وهو في مائة رجل من خاصته وحشمه فقيل له: أصلح الله الأمير لو تنحيت عن هذا المكان حتى يثوب إليك الناس فنكر بهم. فقال: لا أزول من مكاني هذا أبدا حتى أقتل أو يفتح الله علي. ولا يقال إنه انهزم. وأقبل إبراهيم بن عبد الله في عسكره يدنوا ويدنوا غبار عسكره حتى يراه عيسى بن موسى ومن معه. فبيناهم على ذلك إذا فارس قد أقبل. قد كر راجعا يجري نحو إبراهيم لا يعرج على شيء. فإذا هو حميد بن قحطبة قد غير لأمته وعصب رأسه بعصابة صفراء. وكر الناس يتبعونه حتى لم يبق أحد ممن كان انهزم إلا رجع كارا حتى خالطوا القوم. فقاتلوا قتالا شديدا حتى قتل الفريقان بعضهم بعضا وجعل حميد بن قحطبة يرسل بالرؤوس إلى عيسى بن موسى. إلى أن أتى برأس ومعه جماعة كثيرة. وصياح وضجة. فقالوا: رأس إبراهيم بن عبد الله فدعا عيسى بن موسى ابن أبي الكرام الجعفري. فأراه إياه. فقال: ليس به وجعلوا يقتتلون يومهم ذلك إلى أن جاء سهم عائر لا يدري من رمى به. فوقع في حلق إبراهيم بن عبد الله فنحره فتنحى عن موقفه. وقال: أنزلوني. فأنزل عن مركبه وَهُوَ يَقُولُ: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا أردنا أمرا وأراد الله غيره. فأنزل إلى الأرض وهو مثخن. واجتمع عليه أصحابه وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه. فرأى حميد اجتماعهم فأنكره. فقال لأصحابه: شدوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم. وتعلموا ما اجتمعوا عليه. فشدوا عليهم. فقاتلوهم أشد القتال حتى أفرجوهم عن إبراهيم. وخلصوا إليه فحزوا رأسه. وأتوا به عيسى بن موسى. فأراه ابن أبي الكرام الجعفري فقال: نعم هذا رأسه. فنزل عيسى بن موسى إلى الأرض فسجد. وبعث به إلى أبي جعفر. وكان قتله يوم الإثنين لخمس ليال بقين مِن ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة. وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة. ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام.
- إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. وأمه هند بنت أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْن الأسود بْن المطلب بْن أَسَدِ بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. فولد إبراهيم بن عبد الله حسنا. وأمه أمامة بنت عصمة بن عبد الله بن حنظلة بْن الطفيل بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب من بني عامر بن صعصعة. وعليا بن إبراهيم لأم ولد. وقد كان محمد بن عبد الله بن حسن لما ظهر وغلب على المدينة ومكة. وسلم البصرة. فدخلها أول يوم من شهر رمضان سنة خمس وأربعون ومائة. فغلب عليها وبيض بها وبيض أهل البصرة معه وخرج معه عيسى بن يونس. ومعاذ بن معاذ. وعباد بن العوام. وإسحاق بن يوسف الأزرق. ومعاوية بن هشيم بن بشير. وجماعة كبيرة من الفقهاء وأهل العلم. فلم يزل بالبصرة شهر رمضان وشوال. فلما بلغه قتل أخيه محمد بن عبد الله بن حسن تأهب واستعد وخرج يريد أبا جعفر المنصور بالكوفة. فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى يعلمه ذلك ويأمره أن يقبل إليه. فوافاه رسول أبي جعفر وكتابه وقد أحرم بعمرة فرفضها وأقبل إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ. وأقبل إبراهيم بن عبد الله ومعه جماعة كبيرة من أفناء الناس أكثر من جماعة عيسى. فالتقوا بباجميرى- وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة- فاقتتلوا قتالا شديدا. وانهزم حميد بن قحطبة وكان على مقدمة عيسى بن موسى وانهزم الناس معه. فعرض لهم عيسى بن موسى يناشدهم الله والجماعة. فلا يلوون عليه. ويمرون منهزمين. فأقبل حميد منهزما فقال له عيسى: يا حميد الله الله في الطاعة. فقال: لا طاعة في الهزيمة ومر. ومر الناس كلهم حتى لم يبق منهم أحد بين عيسى وموسى وعسكر إبراهيم. وثبت عيسى في مكانه الذي كان به. لا يزول وهو في مائة رجل من خاصته وحشمه فقيل له: أصلح الله الأمير لو تنحيت عن هذا المكان حتى يثوب إليك الناس فنكر بهم. فقال: لا أزول من مكاني هذا أبدا حتى أقتل أو يفتح الله علي. ولا يقال إنه انهزم. وأقبل إبراهيم بن عبد الله في عسكره يدنوا ويدنوا غبار عسكره حتى يراه عيسى بن موسى ومن معه. فبيناهم على ذلك إذا فارس قد أقبل. قد كر راجعا يجري نحو إبراهيم لا يعرج على شيء. فإذا هو حميد بن قحطبة قد غير لأمته وعصب رأسه بعصابة صفراء. وكر الناس يتبعونه حتى لم يبق أحد ممن كان انهزم إلا رجع كارا حتى خالطوا القوم. فقاتلوا قتالا شديدا حتى قتل الفريقان بعضهم بعضا وجعل حميد بن قحطبة يرسل بالرؤوس إلى عيسى بن موسى. إلى أن أتى برأس ومعه جماعة كثيرة. وصياح وضجة. فقالوا: رأس إبراهيم بن عبد الله فدعا عيسى بن موسى ابن أبي الكرام الجعفري. فأراه إياه. فقال: ليس به وجعلوا يقتتلون يومهم ذلك إلى أن جاء سهم عائر لا يدري من رمى به. فوقع في حلق إبراهيم بن عبد الله فنحره فتنحى عن موقفه. وقال: أنزلوني. فأنزل عن مركبه وَهُوَ يَقُولُ: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا أردنا أمرا وأراد الله غيره. فأنزل إلى الأرض وهو مثخن. واجتمع عليه أصحابه وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه. فرأى حميد اجتماعهم فأنكره. فقال لأصحابه: شدوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم. وتعلموا ما اجتمعوا عليه. فشدوا عليهم. فقاتلوهم أشد القتال حتى أفرجوهم عن إبراهيم. وخلصوا إليه فحزوا رأسه. وأتوا به عيسى بن موسى. فأراه ابن أبي الكرام الجعفري فقال: نعم هذا رأسه. فنزل عيسى بن موسى إلى الأرض فسجد. وبعث به إلى أبي جعفر. وكان قتله يوم الإثنين لخمس ليال بقين مِن ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة. وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة. ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ العَلَوِيُّ
الَّذِي خَرَجَ بِالبَصْرَةِ، زَمَنَ خُرُوْجِ أَخِيْهِ بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ مُطَهِّرُ بنُ الحَارِثِ: أَقْبَلْنَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيْدُ البَصْرَةَ، وَنَحْنُ عَشْرَةٌ، فَنَزَلنَا عَلَى يَحْيَى بنِ زِيَادٍ.وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: اضْطَّرَنِي الطَّلَبُ بِالمَوْصِلِ، حَتَّى جَلَستُ عَلَى مَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَ قَدْ قَدِمهَا يَطْلُبُنِي، فَتَحَيَّرتُ، وَلَفَظَتْنِي الأَرْضُ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ، وَوَضَعَ عَلَيَّ الأَرصَادَ، وَدَعَا يَوْماً النَّاسَ إِلَى غَدَائِهِ، فَدَخَلتُ، وَأَكَلتُ.
وَجَرَتْ لِهَذَا أَلوَانٌ فِي اخْتِفَائِهِ، وَرُبَّمَا يَظفَرُ بِهِ بَعْضُ الأَعْوَانِ، فَيُطلِقُه لِمَا يَعْلَمُ مِنْ ظُلمِ عَدُوِّهُ.
ثُمَّ اخْتَفَى بِالبَصْرَةِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ خَلقٌ، لِشدَّةِ بُغضِهم فِي أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ظَهَرَ مُحَمَّدٌ، وَغَلَبَ عَلَى الحَرَمَيْنِ، فَوَجَّهَ أَخَاهُ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى البَصْرَةِ، فَدَخَلهَا فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَغَلَبَ عَلَيْهَا، وَبَيَّضَ أَهْلُهَا، وَرَمَوُا السَّوَادَ، فَخَرَجَ مَعَهُ عِدَّةُ عُلَمَاءٍ.
وَقِيْلَ: لَمَّا قَارَبَ جَمْعُه أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، شَهَرَ أَمرَهُ، وَنَزَلَ فِي دَارِ أَبِي مَرْوَانَ النَّيْسَابُوْرِيِّ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سُفْيَانَ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَهُوَ مَرْعُوْبٌ، فَأَخْبَرتُه بِكِتَابِ أَخِيْهِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيَأمُرُه بِالظُّهُوْرِ، فَوَجَمَ لَهَا، وَاغتَمَّ.
فَأَخَذتُ أُسَهِّلُ عَلَيْهِ، وَأَقُوْلُ: مَعَكَ مضَاءُ التَّغْلِبِيِّ، وَالطُّهَوِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ، وَأَنَا، وَنَخرُجُ فِي اللَّيْلِ إِلَى السِّجنِ، فَنَفتَحُهُ، وَيُصبِحُ مَعَكَ خَلقٌ.
فَطَابَتْ نَفْسُه.
وَبَلَغَ المَنْصُوْرَ، فَنَدَبَ جَيْشاً إِلَى البَصْرَةِ، وَسَارَ بِنَفْسِهِ، فَضَبَطَ الكُوْفَةَ، خَوْفاً مِنْ وُثُوْبِ الشِّيْعَةِ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الحَذَّاءُ: أَلزمَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّاسَ بِالسَّوَادِ، فَكُنْتُ أَرَى بَعْضَهم يَصبِغُ بِالمِدَادِ، ثُمَّ أَخَذَ يَحبِسُ، أَوْ يَقتُلُ كُلَّ مَنْ يَتَّهِمُه.وَكَانَتِ البَيْعَةُ فِي السِّرِّ تُعمَلُ بِالكُوْفَةِ لإِبْرَاهِيْمَ.
وَكَانَ بِالمَوْصِلِ أَلفَانِ لِمَكَانِ الخَوَارِجِ، فَطَلَبَهمُ المَنْصُوْرُ، فَقَاتَلَهُم بَعْضُ مَنْ هَوِيَ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُتِلَ مِنْهُم خَمْسُ مائَةٍ.
وَصَارَ إِبْرَاهِيْمُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إِلَى مَقْبرَةِ بَنِي يَشْكُرَ، فِي بِضْعَةَ عَشَرَ فَارِساً، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فِي الجَامِعِ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ نَائِبُ البَصْرَةِ.
وَكَانَ يَتَرَاكَكُ فِي أَمرِه، حَتَّى تَمَكَّنَ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ بِأَمَانٍ، فَقَيَّدَه بِقَيدٍ خَفِيْفٍ، وَعَفَا عَنِ الأَجنَادِ، فَانْتُدِبَ لِحَرْبِهِ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ فِي سِتِّ مائَةِ فَارِسٍ، فَأَبرَزَ إِبْرَاهِيْمُ لِحرْبِهِم مضَاءً فِي خَمْسِيْنَ مُقَاتِلاً، فَهَزَمَهُم مضَاءٌ، وَجُرِحَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ.
وَوَجَدَ إِبْرَاهِيْمُ فِي بَيْتِ المَالِ سِتَّ مائَةِ أَلْفٍ، فَفَرَّقهَا عَلَى عَسْكَرِهِ خَمْسِيْنَ، خَمْسِيْنَ.
ثُمَّ جَهَّزَ المُغِيْرَةَ فِي خَمْسِيْنَ مُقَاتِلاً، فَقَدِمَهَا، وَقَدِ التَفَّ مَعَهُ نَحْوُ مائَتَيْنِ، فَهَزَمَ مُتَوَلِّي الأَهْوَازِ مُحَمَّدَ بنَ حُصَيْنٍ، وَاسْتَولَى المُغِيْرَةُ عَلَى البَلَدِ.
وَهَمَّ إِبْرَاهِيْمُ بِالمَسِيْرِ إِلَى الكُوْفَةِ، وَبَعَثَ جَمَاعَةً، فَغَلَبُوا عَلَى إِقْلِيْمِ فَارِسَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى وَاسِطَ هَارُوْنَ العِجْلِيَّ.
فَجَهَّزَ المَنْصُوْرُ لِحَرْبِهِ خَمْسَةَ آلاَفٍ، فَجَرَتْ بَيْنَهُم وَقعَاتٌ، حَتَّى كَلَّ الفَرِيقَانِ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيْمُ سَائِرَ رَمَضَانَ يُنفِذُ عُمَّالَه عَلَى البِلاَدِ، وَحَارَبَ، فَوَلَّى المَنْصُوْرُ، وَتَحَيَّرَ، وَحَدَّثَ نَفْسَه بِالهَرَبِ.
فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بِالمَدِيْنَةِ، رَجَعَتْ إِلَى المَنْصُوْرِ رُوْحُه، وَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِ إِبْرَاهِيْمَ، وَبُهِتَ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ العِيْدَ بِالمُصَلَّى، وَيُعْرَفُ فِيْهِ الحُزْنُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ المَنْصُوْرَ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، مَا عِنْدِي نَحْوُ أَلْفَيْ فَارِسٍ، فَمَعَ
ابْنِي بِالرَّيِّ ثَلاَثُوْنَ أَلفاً، وَمَعَ مُحَمَّدِ بنِ أَشْعَثَ بِالمَغْرِبِ أَرْبَعُوْنَ أَلفاً، وَمَعَ عِيْسَى بِالحِجَازِ سِتَّةُ آلاَفٍ، لَئِنْ نَجَوتُ لاَ يُفَارِقُنِي ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ فَارِسٍ.فَمَا لَبِثَ أَنْ أَتَاهُ عِيْسَى مُؤَيَّداً مَنْصُوْراً، فَوَجَّهَهُ لِحَربِ إِبْرَاهِيْمَ.
وَأَقبَلَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ البَاهِلِيُّ مِنَ الرَّيِّ، فَكَاتَبَ أَهْلَ البَصْرَةِ، فَلَحِقَتْ بِهِ بَاهِلَةُ، وَسَارَ خَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ إِلَى الأَهْوَازِ، وَبَقِيَ المَنْصُوْرُ كَالجَمَلِ الهَائِدِ، إِلَى أَنْ انْتَصَرَ، وَقَتَلَ إِبْرَاهِيْمَ.
فَمَكَثَ شَهْرَيْنِ، لاَ يَأوِي إِلَى فِرَاشٍ.
قَالَ حَجَّاجُ بنُ مُسْلِمٍ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَقَدْ جَاءهُ فَتقُ البَصْرَةِ، وَفَتقُ فَارِسَ، وَوَاسِطَ، وَالمَدَائِنِ، وَهُوَ مُطرِقٌ يَتَمَثَّلُ:
وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ دَرِيْئَةً ... إِنَّ الرَّئِيْسَ لِمِثْلِهَا لَفَعُولُ
هَذَا وَمائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ كَامِنَةٌ حَوْلَه بِالكُوْفَةِ، يَنْتَظِرُوْنَ صَيْحَةً، فَوَجَدتُه صَقراً، أَحْوذِيّاً، مُشَمِّراً.
وَعَنْ وَالِدِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ:
خَرَجنَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ، فَعَسْكَرنَا بِبَاخَمْرَا، فَطُفنَا لَيْلَةً، فَسَمِعَ إِبْرَاهِيْمُ أَصوَاتَ طَنَابِيْرَ وَغِنَاءً، فَقَالَ: مَا أَطمَعُ فِي نَصْرِ عَسْكَرٍ فِيْهِ هَذَا.
وَعَنْ دَاوُدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أُحصِيَ دِيْوَانُ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى مائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانُوا عَشْرَةَ آلاَفٍ - وَهَذَا أَصَحُّ -.
وَكَانَ مَعَ عِيْسَى بنِ مُوْسَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً.
وَأُشِيْرَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ أَنْ يَكبِسَ الكُوْفَةَ، وَلَوْ فَعَلَ، لَرَاحَتْ عَلَى المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: بَلْ
أُبَيِّتُ عِيْسَى.وَعَنْ هُرَيْمٍ، قَالَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ:
لاَ تَظهَرْ عَلَى المَنْصُوْرِ حَتَّى تَأْتِيَ الكُوْفَةَ، فَإِنْ مَلَكْتَهَا، لَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَةٌ، وَإِلاَّ فَدَعنِي أَسِيْرُ إِلَيْهَا، أَدْعُو لَكَ سِرّاً، ثُمَّ أَجهَرُ، فَلَوْ سَمِعَ المَنْصُوْرُ هَيْعَةً بِهَا، طَارَ إِلَى حُلْوَانَ.
فَقَالَ: لاَ نَأمَنُ أَنْ تُجِيْبَكَ مِنْهُم طَائِفَةٌ، [فَيُرسِلُ إِلَيْهِم أَبُو جَعْفَرٍ خَيْلاً، فَيَطَأُ البَرِيْءَ، وَالنَّطِفَ، وَالصَّغِيْرَ، وَالكَبِيْرَ]، فَتَتَعَرَّضُ لإِثْمٍ.
فَقُلْتُ: خَرَجْتَ لِقِتَالِ مِثْلِ المَنْصُوْرِ وَتَتَوَقَّى ذَلِكَ؟!
لَمَّا نَزَلَ بَاخَمْرَا، كَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّكَ قَدْ أَصحَرْتَ، وَمِثْلُكَ أَنْفَسُ بِهِ عَلَى المَوْتِ، فَخَنْدِقْ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ، فَقَدْ أَعْرَى أَبُو جَعْفَرٍ عَسْكَرَهُ، فَخُفَّ فِي طَائِفَةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ، فَتَأْخُذَ بِقَفَاهُ.
فَشَاورَ قُوَّادَه، فَقَالُوا: نُخَنْدِقُ عَلَى نُفُوْسِنَا وَنَحْنُ ظَاهِرُوْنَ؟!
وَقَالَ بَعْضُهُم: أَنَأْتِيْهِ وَهُوَ فِي أَيْدِيْنَا مَتَى شِئْنَا؟!
وَعَنْ بَعْضِهم، قَالَ: الْتَقَى الجَمعَانِ، فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ الصَّفَّ إِذَا انْهَزَمَ، تَدَاعَى، فَاجْعَلْنَا كَرَادِيسَ.
فَتَنَادَى أَصْحَابُه: لاَ، لاَ.
وَقُلْتُ: إِنَّهُم مُصَبِّحُوكَ فِي أَكمَلِ سِلاَحٍ وَكُرَاعٍ، وَمَعَكَ عُرَاةٌ، فَدَعنَا نُبَيِّتْهُمْ.
فَقَالَ: إِنِّي أَكرَهُ القَتْلَ.
فَقَالَ: تُرِيْدُ الخِلاَفَةَ، وَتَكرَهُ القَتْلَ؟ - وَبَاخَمْرَا عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الكُوْفَةِ -.
فَالتَحَمَ الحَرْبُ، وَانْهَزَمَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ، فَتَدَاعَى الجَيْشُ، فَنَاشَدَهُم عِيْسَى، فَمَا أَفَادَ، وَثَبَتَ هُوَ فِي مائَةِ فَارِسٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ تَنَحَّيتَ؟
قَالَ: لاَ أَزُولُ حَتَّى أُقتَلَ، أَوْ أُنْصَرَ، وَلاَ يُقَالَ: انْهَزَمَ.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ يُصغِي إِلَى النُّجُوْمِ، وَلاَ يَتَأَثَّمُ مِنْ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ لِعِيْسَى: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ لاَقِيْهِ، وَإِنَّ لَكَ جَولَةً، ثُمَّ يَفِيءُ إِلَيْكَ أَصْحَابُه.
قَالَ عِيْسَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا مَعِي إِلاَّ ثَلاَثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ.
فَقَالَ غُلاَمِي: عَلاَمَ تَقِفُ؟!
قُلْتُ:
وَاللهِ لاَ يَرَانِي أَهْلُ بَيْتِي مُنْهَزِماً، فَإِنَّا لَكَذَلِكَ، إِذْ صَمَدَ ابْنَا سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ لإِبْرَاهِيْمَ، فَخَرَجَا مِنْ خَلْفِهِ، وَلَوْلاَهُمَا لافْتُضِحْنَا، وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمَّا انْهَزَمُوا، عَرَضَ لَهُم نَهْرٌ، وَلَمْ يَجِدُوا مَخَاضَةً، فَرَجَعُوا، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيْمَ، وَثَبَتَ هُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ.وَقِيْلَ: بَلْ فِي سَبْعِيْنَ.
وَاشتَدَّ القِتَالُ، وَتَطَايَرَتِ الرُّؤُوْسُ، وَحَمِيَ الحَرْبُ، إِلَى أَنْ جَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ، لاَ يُعْرَفُ رَامِيهِ فِي حَلقِ إِبْرَاهِيْمَ، فَتَنَحَّى، وَأَنْزَلُوْهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوْراً} [الأَحْزَابُ: 38] أَرَدْنَا أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ غَيْرَه.
فَحَمَاهُ أَصْحَابُه، فَأَنْكَرَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ اجْتِمَاعَهُم، وَحَمَلَ عَلَيْهِم، فَانْفَرَجُوا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَنَزَلَ طَائِفَةٌ، فَاحْتَزُّوا رَأْسَه -رَحِمَهُ اللهُ- وَأُتِيَ بِالرَّأْسِ إِلَى عِيْسَى، فَسَجَدَ، وَنَفَّذَه إِلَى المَنْصُوْرِ، لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ عَلَيْهِ زَرَدِيَّةٌ، فَحَسَرَ مِنَ الحَرِّ عَنْ صَدْرِه، فَأُصِيْبَ.
وَكَانَ قَدْ وَصَلَ خَلقٌ مِنَ المُنهَزِمِيْنَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَتَهَيَّأَ المَنْصُوْرُ، وَأَعَدَّ السُّبَّقَ لِلْهَرَبِ إِلَى الرَّيِّ.
فَقَالَ لَهُ نُوْبَخْتُ المُنَجِّمُ: الظَّفَرُ لَكَ.
فَمَا قَبِلَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الفَجْرُ، أَتَاهُ الرَّأْسُ، فَتَمَثَّلَ بِقَوْلِ مَعْقِرٍ البَارِقِيِّ :
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْناً بِالإِيَابِ المُسَافِرُ
قَالَ خَلِيْفَةُ: صَلَّى إِبْرَاهِيْمُ العِيْدَ بِالنَّاسِ أَرْبَعاً، وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَيَزِيْد بنُ هَارُوْنَ، وَلَمْ يَخْرُجْ شُعْبَةُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَأمُرُ بِالخُرُوْجِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ:
مَا بِالبَصْرَةِ إِلاَّ مَنْ تَغَيَّرَ أَيَّامَ إِبْرَاهِيْمَ، إِلاَّ ابْنُ عَوْنٍ.
وَحَدَّثَنِي مَيْسُوْرُ بنُ بَكْرٍ، سَمِعَ عَبْدَ الوَارِثِ يَقُوْلُ:فَأَتَيْنَا شُعْبَةَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجُوا، وَتُعِيْنُوْهُ.
فَأَتَيْنَا هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ، فَلَمْ يُجِبْنَا، فَأَتَيْنَا سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَقَالَ:
مَا أَرَى بَأْساً أَنْ يَدْخُلَ رَجُلٌ مَنْزِلَه، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ، قَاتَلَهُ.
عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: بَاخَمْرَا بَدْرٌ الصُّغْرَى.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ، هَرَبَ أَهْلُ البَصْرَةِ بَرّاً وَبَحراً، وَاسْتَخْفَى النَّاسُ، وَقُتِلَ مَعَهُ الأَمِيْرُ بَشِيْرٌ الرَّحَّالُ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ.
قُلْتُ: وَعَرَفَتِ الخَزْرُ باخْتِلاَفِ الأُمَّةِ، فَخَرَجُوا مِنْ بَابِ الأَبْوَابِ، وَقَتَلُوا خَلقاً بِأَرْمِيْنِيَةَ، وَسَبَوْا الذُّرِّيَّةَ، فَلِلَّهِ الأَمْرُ، وَتَشَتَّتَ الحُسَيْنِيُّوْنَ، وَهَرَبَ إِدْرِيْسُ مِنْهُم إِلَى أَقْصَى بِلاَد المَغْرِبِ، ثُمَّ خَرَجَ ابْنُهُ هُنَاكَ، ثُمَّ سُمَّ.
وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الإِدْرِيْسِيَّةِ، فَتَمَلَّكُوا بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِ مائَةٍ سَنَوَاتٍ، وَلَقِيْتُ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الإِدْرِيْسِيَّ الأَدِيْبَ، فَرَوَى لَنَا عَنِ ابْنِ بَاقٍ.
الَّذِي خَرَجَ بِالبَصْرَةِ، زَمَنَ خُرُوْجِ أَخِيْهِ بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ مُطَهِّرُ بنُ الحَارِثِ: أَقْبَلْنَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيْدُ البَصْرَةَ، وَنَحْنُ عَشْرَةٌ، فَنَزَلنَا عَلَى يَحْيَى بنِ زِيَادٍ.وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: اضْطَّرَنِي الطَّلَبُ بِالمَوْصِلِ، حَتَّى جَلَستُ عَلَى مَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَ قَدْ قَدِمهَا يَطْلُبُنِي، فَتَحَيَّرتُ، وَلَفَظَتْنِي الأَرْضُ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ، وَوَضَعَ عَلَيَّ الأَرصَادَ، وَدَعَا يَوْماً النَّاسَ إِلَى غَدَائِهِ، فَدَخَلتُ، وَأَكَلتُ.
وَجَرَتْ لِهَذَا أَلوَانٌ فِي اخْتِفَائِهِ، وَرُبَّمَا يَظفَرُ بِهِ بَعْضُ الأَعْوَانِ، فَيُطلِقُه لِمَا يَعْلَمُ مِنْ ظُلمِ عَدُوِّهُ.
ثُمَّ اخْتَفَى بِالبَصْرَةِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ خَلقٌ، لِشدَّةِ بُغضِهم فِي أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ظَهَرَ مُحَمَّدٌ، وَغَلَبَ عَلَى الحَرَمَيْنِ، فَوَجَّهَ أَخَاهُ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى البَصْرَةِ، فَدَخَلهَا فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَغَلَبَ عَلَيْهَا، وَبَيَّضَ أَهْلُهَا، وَرَمَوُا السَّوَادَ، فَخَرَجَ مَعَهُ عِدَّةُ عُلَمَاءٍ.
وَقِيْلَ: لَمَّا قَارَبَ جَمْعُه أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، شَهَرَ أَمرَهُ، وَنَزَلَ فِي دَارِ أَبِي مَرْوَانَ النَّيْسَابُوْرِيِّ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سُفْيَانَ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَهُوَ مَرْعُوْبٌ، فَأَخْبَرتُه بِكِتَابِ أَخِيْهِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيَأمُرُه بِالظُّهُوْرِ، فَوَجَمَ لَهَا، وَاغتَمَّ.
فَأَخَذتُ أُسَهِّلُ عَلَيْهِ، وَأَقُوْلُ: مَعَكَ مضَاءُ التَّغْلِبِيِّ، وَالطُّهَوِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ، وَأَنَا، وَنَخرُجُ فِي اللَّيْلِ إِلَى السِّجنِ، فَنَفتَحُهُ، وَيُصبِحُ مَعَكَ خَلقٌ.
فَطَابَتْ نَفْسُه.
وَبَلَغَ المَنْصُوْرَ، فَنَدَبَ جَيْشاً إِلَى البَصْرَةِ، وَسَارَ بِنَفْسِهِ، فَضَبَطَ الكُوْفَةَ، خَوْفاً مِنْ وُثُوْبِ الشِّيْعَةِ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الحَذَّاءُ: أَلزمَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّاسَ بِالسَّوَادِ، فَكُنْتُ أَرَى بَعْضَهم يَصبِغُ بِالمِدَادِ، ثُمَّ أَخَذَ يَحبِسُ، أَوْ يَقتُلُ كُلَّ مَنْ يَتَّهِمُه.وَكَانَتِ البَيْعَةُ فِي السِّرِّ تُعمَلُ بِالكُوْفَةِ لإِبْرَاهِيْمَ.
وَكَانَ بِالمَوْصِلِ أَلفَانِ لِمَكَانِ الخَوَارِجِ، فَطَلَبَهمُ المَنْصُوْرُ، فَقَاتَلَهُم بَعْضُ مَنْ هَوِيَ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُتِلَ مِنْهُم خَمْسُ مائَةٍ.
وَصَارَ إِبْرَاهِيْمُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إِلَى مَقْبرَةِ بَنِي يَشْكُرَ، فِي بِضْعَةَ عَشَرَ فَارِساً، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فِي الجَامِعِ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ نَائِبُ البَصْرَةِ.
وَكَانَ يَتَرَاكَكُ فِي أَمرِه، حَتَّى تَمَكَّنَ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ بِأَمَانٍ، فَقَيَّدَه بِقَيدٍ خَفِيْفٍ، وَعَفَا عَنِ الأَجنَادِ، فَانْتُدِبَ لِحَرْبِهِ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ فِي سِتِّ مائَةِ فَارِسٍ، فَأَبرَزَ إِبْرَاهِيْمُ لِحرْبِهِم مضَاءً فِي خَمْسِيْنَ مُقَاتِلاً، فَهَزَمَهُم مضَاءٌ، وَجُرِحَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ.
وَوَجَدَ إِبْرَاهِيْمُ فِي بَيْتِ المَالِ سِتَّ مائَةِ أَلْفٍ، فَفَرَّقهَا عَلَى عَسْكَرِهِ خَمْسِيْنَ، خَمْسِيْنَ.
ثُمَّ جَهَّزَ المُغِيْرَةَ فِي خَمْسِيْنَ مُقَاتِلاً، فَقَدِمَهَا، وَقَدِ التَفَّ مَعَهُ نَحْوُ مائَتَيْنِ، فَهَزَمَ مُتَوَلِّي الأَهْوَازِ مُحَمَّدَ بنَ حُصَيْنٍ، وَاسْتَولَى المُغِيْرَةُ عَلَى البَلَدِ.
وَهَمَّ إِبْرَاهِيْمُ بِالمَسِيْرِ إِلَى الكُوْفَةِ، وَبَعَثَ جَمَاعَةً، فَغَلَبُوا عَلَى إِقْلِيْمِ فَارِسَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى وَاسِطَ هَارُوْنَ العِجْلِيَّ.
فَجَهَّزَ المَنْصُوْرُ لِحَرْبِهِ خَمْسَةَ آلاَفٍ، فَجَرَتْ بَيْنَهُم وَقعَاتٌ، حَتَّى كَلَّ الفَرِيقَانِ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيْمُ سَائِرَ رَمَضَانَ يُنفِذُ عُمَّالَه عَلَى البِلاَدِ، وَحَارَبَ، فَوَلَّى المَنْصُوْرُ، وَتَحَيَّرَ، وَحَدَّثَ نَفْسَه بِالهَرَبِ.
فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بِالمَدِيْنَةِ، رَجَعَتْ إِلَى المَنْصُوْرِ رُوْحُه، وَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِ إِبْرَاهِيْمَ، وَبُهِتَ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ العِيْدَ بِالمُصَلَّى، وَيُعْرَفُ فِيْهِ الحُزْنُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ المَنْصُوْرَ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، مَا عِنْدِي نَحْوُ أَلْفَيْ فَارِسٍ، فَمَعَ
ابْنِي بِالرَّيِّ ثَلاَثُوْنَ أَلفاً، وَمَعَ مُحَمَّدِ بنِ أَشْعَثَ بِالمَغْرِبِ أَرْبَعُوْنَ أَلفاً، وَمَعَ عِيْسَى بِالحِجَازِ سِتَّةُ آلاَفٍ، لَئِنْ نَجَوتُ لاَ يُفَارِقُنِي ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ فَارِسٍ.فَمَا لَبِثَ أَنْ أَتَاهُ عِيْسَى مُؤَيَّداً مَنْصُوْراً، فَوَجَّهَهُ لِحَربِ إِبْرَاهِيْمَ.
وَأَقبَلَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ البَاهِلِيُّ مِنَ الرَّيِّ، فَكَاتَبَ أَهْلَ البَصْرَةِ، فَلَحِقَتْ بِهِ بَاهِلَةُ، وَسَارَ خَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ إِلَى الأَهْوَازِ، وَبَقِيَ المَنْصُوْرُ كَالجَمَلِ الهَائِدِ، إِلَى أَنْ انْتَصَرَ، وَقَتَلَ إِبْرَاهِيْمَ.
فَمَكَثَ شَهْرَيْنِ، لاَ يَأوِي إِلَى فِرَاشٍ.
قَالَ حَجَّاجُ بنُ مُسْلِمٍ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَقَدْ جَاءهُ فَتقُ البَصْرَةِ، وَفَتقُ فَارِسَ، وَوَاسِطَ، وَالمَدَائِنِ، وَهُوَ مُطرِقٌ يَتَمَثَّلُ:
وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ دَرِيْئَةً ... إِنَّ الرَّئِيْسَ لِمِثْلِهَا لَفَعُولُ
هَذَا وَمائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ كَامِنَةٌ حَوْلَه بِالكُوْفَةِ، يَنْتَظِرُوْنَ صَيْحَةً، فَوَجَدتُه صَقراً، أَحْوذِيّاً، مُشَمِّراً.
وَعَنْ وَالِدِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ:
خَرَجنَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ، فَعَسْكَرنَا بِبَاخَمْرَا، فَطُفنَا لَيْلَةً، فَسَمِعَ إِبْرَاهِيْمُ أَصوَاتَ طَنَابِيْرَ وَغِنَاءً، فَقَالَ: مَا أَطمَعُ فِي نَصْرِ عَسْكَرٍ فِيْهِ هَذَا.
وَعَنْ دَاوُدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أُحصِيَ دِيْوَانُ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى مائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانُوا عَشْرَةَ آلاَفٍ - وَهَذَا أَصَحُّ -.
وَكَانَ مَعَ عِيْسَى بنِ مُوْسَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً.
وَأُشِيْرَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ أَنْ يَكبِسَ الكُوْفَةَ، وَلَوْ فَعَلَ، لَرَاحَتْ عَلَى المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: بَلْ
أُبَيِّتُ عِيْسَى.وَعَنْ هُرَيْمٍ، قَالَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ:
لاَ تَظهَرْ عَلَى المَنْصُوْرِ حَتَّى تَأْتِيَ الكُوْفَةَ، فَإِنْ مَلَكْتَهَا، لَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَةٌ، وَإِلاَّ فَدَعنِي أَسِيْرُ إِلَيْهَا، أَدْعُو لَكَ سِرّاً، ثُمَّ أَجهَرُ، فَلَوْ سَمِعَ المَنْصُوْرُ هَيْعَةً بِهَا، طَارَ إِلَى حُلْوَانَ.
فَقَالَ: لاَ نَأمَنُ أَنْ تُجِيْبَكَ مِنْهُم طَائِفَةٌ، [فَيُرسِلُ إِلَيْهِم أَبُو جَعْفَرٍ خَيْلاً، فَيَطَأُ البَرِيْءَ، وَالنَّطِفَ، وَالصَّغِيْرَ، وَالكَبِيْرَ]، فَتَتَعَرَّضُ لإِثْمٍ.
فَقُلْتُ: خَرَجْتَ لِقِتَالِ مِثْلِ المَنْصُوْرِ وَتَتَوَقَّى ذَلِكَ؟!
لَمَّا نَزَلَ بَاخَمْرَا، كَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّكَ قَدْ أَصحَرْتَ، وَمِثْلُكَ أَنْفَسُ بِهِ عَلَى المَوْتِ، فَخَنْدِقْ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ، فَقَدْ أَعْرَى أَبُو جَعْفَرٍ عَسْكَرَهُ، فَخُفَّ فِي طَائِفَةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ، فَتَأْخُذَ بِقَفَاهُ.
فَشَاورَ قُوَّادَه، فَقَالُوا: نُخَنْدِقُ عَلَى نُفُوْسِنَا وَنَحْنُ ظَاهِرُوْنَ؟!
وَقَالَ بَعْضُهُم: أَنَأْتِيْهِ وَهُوَ فِي أَيْدِيْنَا مَتَى شِئْنَا؟!
وَعَنْ بَعْضِهم، قَالَ: الْتَقَى الجَمعَانِ، فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ الصَّفَّ إِذَا انْهَزَمَ، تَدَاعَى، فَاجْعَلْنَا كَرَادِيسَ.
فَتَنَادَى أَصْحَابُه: لاَ، لاَ.
وَقُلْتُ: إِنَّهُم مُصَبِّحُوكَ فِي أَكمَلِ سِلاَحٍ وَكُرَاعٍ، وَمَعَكَ عُرَاةٌ، فَدَعنَا نُبَيِّتْهُمْ.
فَقَالَ: إِنِّي أَكرَهُ القَتْلَ.
فَقَالَ: تُرِيْدُ الخِلاَفَةَ، وَتَكرَهُ القَتْلَ؟ - وَبَاخَمْرَا عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الكُوْفَةِ -.
فَالتَحَمَ الحَرْبُ، وَانْهَزَمَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ، فَتَدَاعَى الجَيْشُ، فَنَاشَدَهُم عِيْسَى، فَمَا أَفَادَ، وَثَبَتَ هُوَ فِي مائَةِ فَارِسٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ تَنَحَّيتَ؟
قَالَ: لاَ أَزُولُ حَتَّى أُقتَلَ، أَوْ أُنْصَرَ، وَلاَ يُقَالَ: انْهَزَمَ.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ يُصغِي إِلَى النُّجُوْمِ، وَلاَ يَتَأَثَّمُ مِنْ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ لِعِيْسَى: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ لاَقِيْهِ، وَإِنَّ لَكَ جَولَةً، ثُمَّ يَفِيءُ إِلَيْكَ أَصْحَابُه.
قَالَ عِيْسَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا مَعِي إِلاَّ ثَلاَثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ.
فَقَالَ غُلاَمِي: عَلاَمَ تَقِفُ؟!
قُلْتُ:
وَاللهِ لاَ يَرَانِي أَهْلُ بَيْتِي مُنْهَزِماً، فَإِنَّا لَكَذَلِكَ، إِذْ صَمَدَ ابْنَا سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ لإِبْرَاهِيْمَ، فَخَرَجَا مِنْ خَلْفِهِ، وَلَوْلاَهُمَا لافْتُضِحْنَا، وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمَّا انْهَزَمُوا، عَرَضَ لَهُم نَهْرٌ، وَلَمْ يَجِدُوا مَخَاضَةً، فَرَجَعُوا، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيْمَ، وَثَبَتَ هُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ.وَقِيْلَ: بَلْ فِي سَبْعِيْنَ.
وَاشتَدَّ القِتَالُ، وَتَطَايَرَتِ الرُّؤُوْسُ، وَحَمِيَ الحَرْبُ، إِلَى أَنْ جَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ، لاَ يُعْرَفُ رَامِيهِ فِي حَلقِ إِبْرَاهِيْمَ، فَتَنَحَّى، وَأَنْزَلُوْهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوْراً} [الأَحْزَابُ: 38] أَرَدْنَا أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ غَيْرَه.
فَحَمَاهُ أَصْحَابُه، فَأَنْكَرَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ اجْتِمَاعَهُم، وَحَمَلَ عَلَيْهِم، فَانْفَرَجُوا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَنَزَلَ طَائِفَةٌ، فَاحْتَزُّوا رَأْسَه -رَحِمَهُ اللهُ- وَأُتِيَ بِالرَّأْسِ إِلَى عِيْسَى، فَسَجَدَ، وَنَفَّذَه إِلَى المَنْصُوْرِ، لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ عَلَيْهِ زَرَدِيَّةٌ، فَحَسَرَ مِنَ الحَرِّ عَنْ صَدْرِه، فَأُصِيْبَ.
وَكَانَ قَدْ وَصَلَ خَلقٌ مِنَ المُنهَزِمِيْنَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَتَهَيَّأَ المَنْصُوْرُ، وَأَعَدَّ السُّبَّقَ لِلْهَرَبِ إِلَى الرَّيِّ.
فَقَالَ لَهُ نُوْبَخْتُ المُنَجِّمُ: الظَّفَرُ لَكَ.
فَمَا قَبِلَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الفَجْرُ، أَتَاهُ الرَّأْسُ، فَتَمَثَّلَ بِقَوْلِ مَعْقِرٍ البَارِقِيِّ :
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْناً بِالإِيَابِ المُسَافِرُ
قَالَ خَلِيْفَةُ: صَلَّى إِبْرَاهِيْمُ العِيْدَ بِالنَّاسِ أَرْبَعاً، وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَيَزِيْد بنُ هَارُوْنَ، وَلَمْ يَخْرُجْ شُعْبَةُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَأمُرُ بِالخُرُوْجِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ:
مَا بِالبَصْرَةِ إِلاَّ مَنْ تَغَيَّرَ أَيَّامَ إِبْرَاهِيْمَ، إِلاَّ ابْنُ عَوْنٍ.
وَحَدَّثَنِي مَيْسُوْرُ بنُ بَكْرٍ، سَمِعَ عَبْدَ الوَارِثِ يَقُوْلُ:فَأَتَيْنَا شُعْبَةَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجُوا، وَتُعِيْنُوْهُ.
فَأَتَيْنَا هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ، فَلَمْ يُجِبْنَا، فَأَتَيْنَا سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَقَالَ:
مَا أَرَى بَأْساً أَنْ يَدْخُلَ رَجُلٌ مَنْزِلَه، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ، قَاتَلَهُ.
عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: بَاخَمْرَا بَدْرٌ الصُّغْرَى.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ، هَرَبَ أَهْلُ البَصْرَةِ بَرّاً وَبَحراً، وَاسْتَخْفَى النَّاسُ، وَقُتِلَ مَعَهُ الأَمِيْرُ بَشِيْرٌ الرَّحَّالُ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ.
قُلْتُ: وَعَرَفَتِ الخَزْرُ باخْتِلاَفِ الأُمَّةِ، فَخَرَجُوا مِنْ بَابِ الأَبْوَابِ، وَقَتَلُوا خَلقاً بِأَرْمِيْنِيَةَ، وَسَبَوْا الذُّرِّيَّةَ، فَلِلَّهِ الأَمْرُ، وَتَشَتَّتَ الحُسَيْنِيُّوْنَ، وَهَرَبَ إِدْرِيْسُ مِنْهُم إِلَى أَقْصَى بِلاَد المَغْرِبِ، ثُمَّ خَرَجَ ابْنُهُ هُنَاكَ، ثُمَّ سُمَّ.
وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الإِدْرِيْسِيَّةِ، فَتَمَلَّكُوا بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِ مائَةٍ سَنَوَاتٍ، وَلَقِيْتُ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الإِدْرِيْسِيَّ الأَدِيْبَ، فَرَوَى لَنَا عَنِ ابْنِ بَاقٍ.
إِبْرَاهِيم بن حسن بن حسن بن عَليّ بْن أبي طَالب أَخُو عَبْد الله بن حسن من أهل الْمَدِينَة يروي عَن أَبِيه وَفَاطِمَة بنت الْحُسَيْن روى عَنهُ
فُضَيْل بن مَرْزُوق وَيحيى بن المتَوَكل
فُضَيْل بن مَرْزُوق وَيحيى بن المتَوَكل
إبراهيم بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب أخو عبد الله الهاشمي من سادات أهل المدينة وجلة أهل البيت مات بالمدينة
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ علي عَنِ النبي صلى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَكُونُ قَوْمٌ نَبَزَهُمُ الرَّافِضَةُ يَرْفُضُونَ الدِّينَ، رَوَى عَنْهُ كَثِيرٌ النَّوَّاءُ، قَالَهُ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَكُونُ قَوْمٌ نَبَزَهُمُ الرَّافِضَةُ يَرْفُضُونَ الدِّينَ، رَوَى عَنْهُ كَثِيرٌ النَّوَّاءُ، قَالَهُ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ.
إِبْرَاهِيم بن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب
روى عَن أَبِيه وَفَاطِمَة بنت الْحُسَيْن
روى عَن الْفضل بن مَرْزُوق وَأَبُو عقيل يحيى بن المتَوَكل وَقَالَ إِبْرَاهِيم أَخُو عبد الله بن الْحسن الْهَاشِمِي
أوردهُ الذَّهَبِيّ فِي الضُّعَفَاء فَقَالَ روى عَنهُ الفضيل بن مَرْزُوق رد الشَّمْس لعَلي
قلت وَقد ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
روى عَن أَبِيه وَفَاطِمَة بنت الْحُسَيْن
روى عَن الْفضل بن مَرْزُوق وَأَبُو عقيل يحيى بن المتَوَكل وَقَالَ إِبْرَاهِيم أَخُو عبد الله بن الْحسن الْهَاشِمِي
أوردهُ الذَّهَبِيّ فِي الضُّعَفَاء فَقَالَ روى عَنهُ الفضيل بن مَرْزُوق رد الشَّمْس لعَلي
قلت وَقد ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر أبو إسحاق التّميمي
، ويقال: العجلّي، الزّاهد.
أصله من بلخ، وسكن الشام، ودخل دمشق.
سمع وأسمع.
حدث عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال:
دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي جالساً، فقلت: يا رسول الله إنك تصلّي
جالساً فما شأنك؟ قال: " الجوع يا أبا هريرة؛ " قال: فبكيت، قال: فقال: " لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا. " وحدّث عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الفتنة تجيء، فتنسف الجبال نسفاً، وينجو العالم منها بعلمه. " قال خالد بن يزيد بن سفيان: إن إبراهيم بن أدهم كان قاعداً في مشرقة بدمشق، إذ مر رجل على بغله، فقال له: يا أبا إسحاق إن لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها؛ فقال إبراهيم: إن أمكنني قضيتها، وإلا أخبرتك بعذري: فقال له: إن برد الشام شديد وأنا أريد أن أبدّل ثوبيك هذين بثوبين جديدين؛ فقال إبراهيم: إن كنت غنياً قبلنا منك، وإن كنت فقيراً لم أقبل منك؛ فقال الرجل: أنا والله كثير المال، كثير الضّياع؛ فقال له إبراهيم: أين أراك تغدو وتروح على بغلتك؟ قال: أعطي هذا وآخذ من هذا؛ فقال له إبراهيم: قم، فإنك فقير تبتغي الزيادة بجهدك!.
قال قتيبة بن رجاء: إبراهيم بن أدهم بلخي.
وقال يحيى بن معين: وسألت عن إبراهيم بن أدهم، فقالوا: رجل من العرب، من بني عجل، كان كبير الشأن في باب الورع، يحكى عنه أنه قال: أطب مطعمك، ولا عليك ألا تقوم بالليل، ولا تصوم بالنهار؛ وكان عامّة دعائه: اللهم انقلني من ذلّ معصيتك إلى عزّ طاعتك.
قال الفضل بن موسى: حجّ أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم، وكانت به حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف بن على الحلق في المسجد، وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً.
قال إبراهيم بن بشار الطويل:
سألت إبراهيم بن أدهم، قلت: يا أبا إسحاق كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه؟ قال: غير هذا أولى بك من هذا؛ قلت: هو كما تقول رحمك الله، لعل الله ينفعنا به يوماً؛ ثم سألته الثانية، قال: لا، ويحك اشتغل بالله؛ فقلت الثالثة: إن رأيت رحمك الله، لعل الله ينفعني به يوماً. قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكان من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي، وكلبي معي، فأثرت ثعلباً أو أرنباً شك إبراهيم فحّركت فرسي، فأسمع نداءً من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً، قلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من الأول: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت مستمعاً أنظر يمنة ويسرة، فلم أجد أحداً، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع من قربوس سرجه: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت، فقلت: هيهات هيهاتّ جاءني النّذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي بعد يومي هذا ما عصمني ربي؛ فوجهت إلى أهلي فجانبت فرسي، وجئت إلى بعض رعاة أبي، وأخذت منه جبّة وكساءً، وألقيت ثيابي إليه، فلم تزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة وهي المصيصة فعلمت بها أيّاماً، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: إذا أردت الحلال فعليك بطرسوس، فإن بها المباحات والعمل الكثير؛ فبينما أنا كذلك قاعد على باب المر جاءني رجل فاكتراني أنظر إليه بستانه، فتوجهت معه، فمكثت في البستان أياّماً كثيرة،
فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته فقعد في مجلسه هو وأصحابه، فقال: يا ناطور يا ناطور؛ فأجبته، فقال: اذهب فأتنا بخير رمان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته؛ فاخذ الخادم رمانّة وكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناطور، أنت مذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً، ولا أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ما تعجبون من كلام هذا! وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا؟ فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصّفة، وما كان، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلّما رأيت كثرة الناس اختفيت والنّاس داخلون، وأنا هارب منهم! فهذا أوائل أمري.
قال عبد الله بن الفرج: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوماً حاراً، فجلس في ظل القصر ليستريح، فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقره منّي السلام، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي؛ فخرج إليه فقام معه ودخل عليّ وسلّم فرددت عليه السّلام، فاستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي، وعرضت عليه الطّعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر؛ قلت: أين تريد؟ قال: أريد الحج إن شاء الله قال: وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: بل يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصّحبة، فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل، قال لي: قم، فلبست ما يصلح للسّفر، وأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقرية بنا، فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدم إلينا خبزاً وبيضاً وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاءنا بماء فشربنا، ثم قال لي: بسم الله قم، فأخذ بيدي، فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض
تجذب من تحتنا كأنها الموج، فمررنا بمدينة بعد مدينة، يقول: هذه مدينة كذا، هذه مدينة كذا، هذه الكوفة؛ ثم قال لي: الموعد هنا في مكانك هذا في هذا الوقت يعني من الليل حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل، فأخذ بيدي وقال: بسم الله.
قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيد، وهذه المدينة، وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج، فصرنا إلى قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزرناه ثم فارقني، وقال: الموعد في الوقت، في الليل، في المصلى.
حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى، فاخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني، فقبضت عليه فقلت: الصّحبة؛ فقال: إني أريد الشام، فقلت: أنا معك؛ فقال لي: إذا انقضى الحجّ فالموعد هنا عند زمزم.
حتى إذا انقضى الحجّ إذا به عند زمزم، فاخذ بيدي، فطفنا بالبيت، ثم خرجنا من مكة؛ ففعل كفعله الأول والثاني والثالث فإذا نحن ببيت المقدس؛ فلما دخل المسجد قال لي: عليك السّلام، أنا على المقام إن شاء الله ها هنا، ثم فارقني، فما رأيته بعد ذلك، ولا عرّفني اسمه.
قال إبراهيم: فرجعت إلي بلدي فجعلت أسير سير الضعفاء منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ، وكان ذلك أول أمري.
حدّث أحمد بن عبد الله صاحب لإبراهيم بن أدهم، قال: كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان، فبينما هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكل في فناء قصره، فاعتبر، وجعل ينظر إليه حتى أكل الرّغيف، ثم شرب ماءً، ثم نام في فناء القصر؛ فألهم الله عز وجل إبراهيم بن أدهم الفكر فيه، فوكل به بعض غلمانه، وقال له: إذا قام هذا من نومه جئني به؛ فلّما قام الرّجل من نومه قال له الغلام: صاحب هذا القصر يريد أن يكلمك، فدخل إليه مع الغلام، فلّما نظر إليه إبراهيم قال له: أيّها الرجل، أكلت الرّغيف وأنت جائع؟
قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: وشربت الماء تلك الشربة ورويت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: ونمت طيباً لا هم ولا شغل؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: فقلت في نفسي: فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس تقنع بما رأيت؟!.
فخرج إبراهيم سائحاً إلى الله عز وجلّ على وجهه، فلقيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الرّيح، فقال له: يا غلام! من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدّنيا إلى الآخرة؛ فقال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم؛ فقام الشيخ فصلّى ركعتين وسلّم فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء؛ فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ريّي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل، فإن العجلة من الشيطان، وإياك والتمرد على الله فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرّزق، ولا يبالي الله تعالى في أي واد هلك؛ إن الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً جعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق والباطل، والناس فيهما متشابهون؛ يا غلام إنّي معلمك اسم الله الأكبر أو قال: الأعظم فإذا أنت جعت فادع الله عز وجلّ به حتى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عز وجل به حتى يرويك؛ وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضاً يطوؤك، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم؛ يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا، قال: لا أبرح؛ فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني؛ فلم أدر أين ذهب.
فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني فلقيني رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فأخذ بحجزتي، وقال لي: ما حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، فبكى؛ فقلت: أقسمت عليك بالله من ذلك الشيخ؟ قال: ذاك إلياس عليه السلام، أرسله الله عزّ وجل إليك ليعلمك أمر دينك؛ فقلت: وأنت يرحمك الله، من أنت؟ قال: أنا الخضر؛ عليهما السلام.
قال سفيان الثوري: إن إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن، ولو كان في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان رجلاً فاضلاً.
قال معاوية بن حفص: إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فاخذ به فساد أهل زمانه؛ قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: حدّثنا منصور عن ربّعي بن خراش، قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحببني الله عزّ وجل به ويحببني النّاس، قال: " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا، وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم. " فساد أهل زمانه.
قيل لإبراهيم بن أدهم: ألّا تحدّث؟ فقد كان أصحابك يحدّثون، فقال: كان همي هدي العلماء وآدابهم.
قال محمد بن مكتوم: مرّ إبراهيم بن أدهم بسفيان الثوري، وهو قاعد مع أصحابه، فقال سفيان لإبراهيم: تعال حتى أقرأ عليك علمي، قال: إني مشغول بثلاث، ومضى.
قال سفيان لأصحابه: ألا سألتموه ما هذه الثلاث! ثم قام سفيان ومعه أصحابه حتى لحق إبراهيم، فقال له: إنك قلت: إني مشغول بثلاث عن طلب العلم، فما هذه الثلاث؟.
قال: إني مشغول بالشكر لما أنعم عليّ، والاستغفار لما سلف من ذنوبي، والاستعداد للموت؛ قال سفيان: ثلاث وأي ثلاث!.
قال أبو عثمان الأسود: كنت رفيق إبراهيم بن أدهم أربع عشرة سنةً، فحججت فلقيت عبد العزيز بن أبي داود بمكة، فقال لي: ما فعل أخوك وأخونا إبراهيم بن أدهم؟ قال: فقلت: بالشام في كوضع كذا وكذا، قال: فقال: أمّا إنّ عهدي به يركب بين يديه ثلاثون شاكريّاً، ولكنه أحب أن يتبحبح في الجنّة.
قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم في بلاد الشام، فقلت: يا إبراهيم، تركت خراسان؟ فقال:
ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: حمّال.
ثم قال: يا شقيق، لم ينبل عندنا من نبل بالحجّ ولا بالجهاد، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه يعني الرّغيف من حله.
ثم قال: يا شقيق، ماذا أنعم الله على الفقراء! لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ولا عن حجّ ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل عن هذا هؤلاء المساكين، يعني: الأغنياء.
حدث المتوكل بن حسين العابد قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف؛ فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض: الزهد في الحرام؛ والزهد الفضل: الزهد في الحلال؛ والزهد السّلامة: الزهد في الشبهات.
قال حذيفة المرعشي: قدم شقيق البلخي مكة، وإبراهيم بن أدهم بمكة، فاجتمع الناس فقالوا: نجمع بينها، فجمعوا بينهما في المسجد الحرام، فقال إبراهيم بن أدهم لشقيق: يا شقيق، علام أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق: إنّا أصّلنا على أنّا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا؛ فقال إبراهيم بن أدهم: هكذا كلاب بلخ، إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت. فقال شقيق: علام أصّلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال: أصّلنا أصولنا على انّا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا.
قال: فقام شقيق وجلس بين يديه، وقال: يا أبا إسحاق، أنت أستاذنا.
قال بقية بن الوليد: صحبت إبراهيم بن أدهم إلى المصيصة، فبينا أنا معه، إذا رجل يقول: من يدلني على إبراهيم بن ادهم، قال: فأشرت بإصبعي إليه، فتقدم إليه فقال: السلام عليك ورحمة الله، قال: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أخبرك أن أباك توفي، وخلّف مالاً عظيماً، وأنا عبدك فلان، وهذه البغلة لك، ومعي عشرة آلاف درهم تنفقها على نفسك، وترحل إلى بلخ، والمال مستودع عند القاضي.
قال: فسكت ساعة ثم قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت حر، والبغلة لك، والمال تنفقه على نفسك.
ثم التفت إليّ، فقال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: نعم؛ فارتحلنا حتى بلغنا حلوان، فلا والله لا طعم ولا شرب، وكان في يوم مثلج، فقال: يا بقّية، لعلك جائع؟ قلت: نعم؛ ادخل هذه الغيضة، وخذ منها ما شئت؛ قال: فمضيت، فقلت في نفسي: يوم مثلج، من أين لي! قال: ودخلت فإذا أنا بشجرة خوخ، فملأت جرابي وجئت؛ فقال: ما الذي في جرابك؟ قلت: خوخ؛ فقال: يا قليل اليقين، هل يكون هذا! لعلك تفكرت في شيء آخر؟ ولو أزددت يقيناً لأكلت رطباً كما أكلت مريم بنت عمران في وسط الشتاء؛ ثم قال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: بلى.
قال: فمشينا، ولا والله لا عليه حذاء ولا خفّ، حتى بلغنا إلى بلخ، فدخل إلى القاضي وسلّم عليه، وقال: بلغني أن أبي توفي، واستودع عندك مالاً: قال: أما أدهم فنعم، وأمّا أنّا فلا أعرفك؛ فأراد أن يقوم، قال: فقال القوم: هذا إبراهيم بن أدهم؛ فقال: مكانك، فقد صحّ لي انك ابنه. قال: فأخرج المال؛ قال: لا يمكن إخراجه؛ قال: دلّني على بعضه، قال: فدلّه على بعضه، فصلى ركعتين وتبسم، فقال القاضي: بلغني أنك زاهد، قال: وما الذي رأيت من رغبتي، قال: فرحك وتبسّمك، قال: أما فرحي وتبسّمي من صنع الله إياي، هذا كان حبيساً عن سبيل الله، وأعانني الله حتى جئت في إطلاقه، جعلتها كلّها في سبيل الله؛ ونفض ثوبه وخرج.
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق لم نطعم مذ شهران! قال: هل لك في الطعام؟ قلت: نعم. فصلى ركعتين، فإذا حوله دنانير، فحملت ديناراً ومضينا.
حدث أبو شعيب قال:
سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكة، فقال لي: على شريطة، على أنك لا تنظر إلاّ لله وبالله، فشرطت له ذلك على نفسي، فخرجت معه.
فبينا نحن في الطواف فإذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله، فجعل إبراهيم يديم النظر إليه، فلما أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت على ألاّ تنظر: إلاّ لله وبالله؟ قال: بلى، فإني أراك تديم النظّر إلى هذا الغلام! فقال: هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقّبلته، ولكن انطلق فسلّم عليه منّي، وعانقه عنّي.
قال: فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته، فجاء إلى والده فسلّم عليه ثم صرفه مع الخدم، فقال: أرجع النّظر، أيش يراد بك، فأنشأ يقول: من الوافر
هجرت الخلق طرّاً في هواكا ... وأيتمتها العيال لكي أراكا
ولو قطعتني في الحبّ إرباً ... لما خن الفؤاد إلى سواكا
قال أبو إسحاق الفزاري: كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت، فإذا تكلّم ربّما انبسط، فأطال ذات يوم السكوت، فقلت له: لم؟ ألا تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه؛ فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل في هذا السّلامة منه: ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفّة المؤونة على يديك ولسانك؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الدّاء العضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا كلام يحب عليك نشره.
فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام.
قال سليمان الموصلي: قلت لإبراهيم بن أدهم: لقد أسرع إليك الشيّب في رأسك! قال: ما شيّب رأسي إلاّ الرفقاء.
قال شقيق بن إبراهيم البلخي: أوصى إبراهيم بن أدهم، قال: عليك بالنّاس، وإياك من النّاس، ولا بدّ من النّاس، فإنّ النّاس هم النّاس، ولسي الناس بالنّاس، ذهب النّاس وبقي النسناس، وما أراهم بالنّاس وإنّما غمسوا في ماء النّاس.
قال إبراهيم: أما قولي: عليك بالنّاس، مجالسة العلماء؛ وأمّا قولي: إياّك من النّاس، مجالسة السفهاء؛ وأمّا قولي: لا بدّ من النّاس، الصّلوات الخمس والجمعة والحج والجهاد اتباع الجنائز والشراء والبيع ونحوه: وأما قولي: النًاس هم الناس، الفقهاء والحكماء؛ وأمّا قولي: ليس النّاس بالنّاس، أهل الأهواء والبدع؛ وأما قولي: ذهب الناس؛ ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ وأمّا قولي: بقي النسناس، يعني من يروي عنهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه: وأمّا قولي: وما أراهم بالنّاس إنّما هم غمسوا في ماء النّاس، نحن وأمثالنا.
قال حذيفة بن قتادة المرعشي: رأى الأوزاعيّ إبراهيم بن أدهم ببيروت، وعلى عنقه حزمة حطب، فقال له: يا أبا إسحاق، أيّ شيء هذا؟ إخوانك يكفونك، فقال: دعني من هذا يا أبا عمرو، فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلّة في طلب الحلال وجبت له الجنّة.
قال طالوت: قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحبّ الشهرة.
قال عبد الله بن الفرج القنطري العابد: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام، وهو مستلق، وإذا حيّة في فمها طاقة نرجس، فما زالت تذبّ عنه حتى انتبه!.
حدّث عبد الجبّار بن كثير، قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبّع قد ظهر لنا، قال: أرونيه، فلّما رآه قال: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلاّ فعودك على بدئك؛ فولّى السبّع هارباً، قال: أحسبه يضرب بذنبه.
قال: فتعجبنا كيف فهم السبّع كلام إبراهيم بن أدهم، قال: فأقبل علينا إبراهيم، قال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا.
قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لصّ ولا غيره.
عن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: كان عندنا إبراهيم بن أدهم على بعض جبال مكة يحدث أصحابه، فقال: لو أن وليّاً من أولياء الله قال للجبل: زل، لزال؛ قال: فتحرك الجبل من تحته؛ قال: فضرب برجله، ثم قال: اسكن، فإنما ضربتك مثلاً لأصحابي.
حدّث موسى بن ظريف، قال:
ركب إبراهيم بن أدهم البحر، فأخذتهم ريح عاصف، وأشرفوا على الهلكة، فلفّ إبراهيم رأسه في عباءة ونام!، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدّة؟ فقال: ليس ذا شدّة!، فقالوا ما الشدةّ؟ قال: الحاجة إلى النّاس؛ ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك؛ فصار البحر كأنه قدح زيت.
قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل عند مولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جالس ناحية من الطريق يبكي، فعدلت إليه، وجلست عنده، وقلت: أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق؟ فقال: خير، فعاودته مرةً واثنتين وثلاثة، فلّما أكثرت عليه، قال لي: يا شقيق، إن أنا أخبرتك تحدّث به، ولا تستر عليّ! فقلت: يا أخي قل ما شئت، فقال: اشتهت نفسي منذ ثلاثين سنة سكباجاً، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة كنت جالساً وقد غلبني النّعاس إذا أنا بفتىً شاب بيده قدح أخضر يعلو منه بخار، وروائحه سكباج، قال: فاجتمعت نهمتي فقرّب مني، ووضع القدح بين يدي، وقال:
يا إبراهيم، كل: فقلت: ما آكل شيئاً قد تركته لله عزّ وجلّ؛ قال: ولا إن أطعمك الله تأكل؟ فما كان لي جواب إلاّ بكيت، فقال لي: كل، يرحمك الله، فقلت له: إنّا قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلاّ من حيث نعلم، فقال: كل، عافاك الله، فغنما أعطيت وقيل لي: يا خضر، اذهب بهذا وأطعم نفس إبراهيم بن أدهم، فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحمّلها من منعها، إعلم يا إبراهيم أني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي فلم يأخذ طلب فلم يعط، فقلت: إن كان كذلك، فها أنا بين يديك لا أحلّ العقد مع الله عزّ وجلّ؛ ثم التفتّ فإذا بفتىًّ آخر ناوله شيئاً، وقال: يا خضر لقّمه أنت، فلم يزل يلقّمني حتى شبعت، فانتبهت وحلاوته في فمي.
قال شقيق: فقلت: أرني كفّك، فأخذت بكفّي كفّه وقبّلتها، وقلت: يا من يطعم الجياع الشهوات إذا صححوا المنع، يا من يقدح في الضمير اليقين، يا من يشفي قلوبهم من محبته، أقرى لشقيق عندك ذاك، ثم رفعت يدّ إبراهيم إلى السماء، وقلت: بقدر هذا الكفّ وبقدر صاحبه، وبالجود الذي وجد منك جد على عبدك الفقير إلى فضلك وإحسانك ورحمتك، وإن لم يستحقّ ذاك؛ فقال: وقام إبراهيم ومشى حتى دخلنا المسجد الحرام.
حدّث إبراهيم اليماني، قال: خرجت مع إبراهيم بن ادهم من صور يريد قيساريّة، فلّما كان بعض الطريق، مررنا بمواضع كثيرة الحطب، فقال: إن شئتم بتنافي هذا الموضع، فأوقدنا من هذا الحطب؛ فقلت: ذلك إليك يا أبا إسحاق، قال: فأخرجنا زنداً كان معنا فقد حنا وأوقدنا تلك النار، فوقع منها جمر كبار، قال: فقلنا: لو كان لنا لحم نشويه على هذه النّار، قال: فقال إبراهيم: ما أقدر الله أن يرزقكم، ثم قام فتمسّح للصلاة، فاستقبل القبلة، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا جلبة شديدة مقبلة نحونا، فابتدرنا إلى البحر، فدخل كلّ إنسان منّا في الماء إلى حيث أمكنه؛ ثم خرج ثور وحش يكرّه أسد، فلّما صار عند
النار طرحه فانصرف إبراهيم بن أدهم، فقال: يا أبا الحارث، تنح عنه، فلن يقدّر لك رزق، فتنحّى، ودعانا فأخرجنا سكيناً كان معنا فذبحناه واشتوينا منه بقيّة ليلتنا.
سئل حذيفة المرعشي وقد خدم إبراهيم بن أدهم وصحبه فقيل له: ما أعجب ما رأيت منه؟ فقال: بقينا في طريق مكة أيّاماً لم نجد طعاماً، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم وقال: يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت: ما رأى الشّيخ؛ فقال: عليّ بداوة وقرطاس، فجئت به، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنت المقصود إليه بكل حال، والمشار إليه بكل معنى: من الكامل
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر ... أنا جائع أنا نائع أنا عاري
هي ستّة فأنا الضّمين لنصفها ... فكن الضّمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك وهج نار خضتها ... فأجر فديتك من دخول النّار
قال: ثم دفع الرّفعة إليّ وقال: اخرج ولا تعلّق قلبك بغير الله، وادفع الرّقعة إلى أوّل من بلقاك. قال: فخرجت، فأوّل من لقيني كان رجل على بغلة، فأخذها وبكى، وقال: ما فعل صاحب هذه الرقّعة؟ فقلت: هو في المسجد الفلانّي، فدفع إليّ صرة فيها ستمئة دينار؛ ثم لقيت رجلاً آخر فقلت: من صاحب هذه البغلة؟ فقال: نصرانيّ؛ فجئت إلى إبراهيم فأخبرته بالقصّة، فقال: لا تمسّها، فإنه يجيء السّاعة؛ فلما كان بعد ساعة وافى النصرانيّ، وأكب على رأس إبراهيم بن أدهم وأسلم.
قال إبراهيم اليماني: قلت لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق إنّ لي مودة وحرمة، ولي حاجة، قال: وما هي؟ قلت: تعلّمني اسم الله المخزون، قال لي: هو في العشر الأوّل من الحديد، لست أزيدك على هذا.
قال إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من
ربّنا عزّ وجلّ، ثكلت عبداً أمه أحبّ الدّنيا ونسي ما في خزائن مولاه.
قال أبو عتبة الخوّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم قال لرجل: ما آن لك أن تتوب؟ قال: حتى يشاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له إبراهيم: وأين حزن الممنوع؟.
قال محمد بن أبي الرّجاء القرشي: قال إبراهيم بن أدهم: إنك إذا أدمنت النّظر في مرآة التّوبة بان لك قبيح شين المعصية.
قال العبّاس بن الوليد: بلغني أن إبراهيم بن ادهم دخل على أبي جعفر، فقال: ما عملك؟ قال: من الطويل
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نزقّع
فقال: اخرج عني، فخرج وهو يقول: من مجزوء الخفيف
اتخذ الله صاحبا ... ودع النّاس جانبا
حدّث إبراهيم بن بشّار الخراسانيّ، قال: كثيراً ما كنت أسمع إبراهيم بن أدهم يقول: من الطويل
لما توعد الدّنيا به من شرورها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع
وإلاّ فما يبكيه منها وإنّها ... لأروع مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدّنيا استهل كأنّما ... يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
قال إبراهيم بن بشار: سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتّم الورع؟ قال: بتسوية كلّ الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللّفظ الجميل، في قلب ذليل، لربّ جليل، فكن في ذنبك، وتب إلى ربّك، يثبت الورع في قلبك، واقطع الطمع.
وعن شعيب بن حرب عن إبراهيم بن أدهم، قال: لا تجعل بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد نعمةً عليك من غيره مغرماً.
وعن خلف بن تميم، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من البسيط
أرى أناساً بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيس بالدّون
فاستعن بالله عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
كتب عمرو بن المنهال المقدسيّ إلى إبراهيم بن أدهم بالرّملة: أن عظني بموعظة أحفظها عنك، قال: فكتب إليه: أما بعد، فإن الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنقص في كل وقت نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر بالعمل قبل أن ينادي بالرحيل، واجتهد بالعمل في دار الممرّ قبل أن ترتحل إلى دار المقرّ.
حدّث أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن ادهم، قال: غزا إبراهيم بن أدهم في البحر مع أصحابه، فقدم أصحابنا فأخبروني عن إبراهيم بن أدهم، عن اللّيلة التي مات فيها، اختلف خمسةً أو ستةً وعشرين مرّةً إلى الخلاء، كل ذلك يجددّ الوضوء للصلاة، فلّما شعر بالموت قال: أو تروا لي قوسي، وقبض على قوسه، فقبض الله روحه والقوس في يده، قال: فدفنّاه في بعض الجزائر في بلاد الروم.
وقال الربيع بن نافع: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستّين ودفن على ساحل البحر.
، ويقال: العجلّي، الزّاهد.
أصله من بلخ، وسكن الشام، ودخل دمشق.
سمع وأسمع.
حدث عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال:
دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي جالساً، فقلت: يا رسول الله إنك تصلّي
جالساً فما شأنك؟ قال: " الجوع يا أبا هريرة؛ " قال: فبكيت، قال: فقال: " لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا. " وحدّث عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الفتنة تجيء، فتنسف الجبال نسفاً، وينجو العالم منها بعلمه. " قال خالد بن يزيد بن سفيان: إن إبراهيم بن أدهم كان قاعداً في مشرقة بدمشق، إذ مر رجل على بغله، فقال له: يا أبا إسحاق إن لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها؛ فقال إبراهيم: إن أمكنني قضيتها، وإلا أخبرتك بعذري: فقال له: إن برد الشام شديد وأنا أريد أن أبدّل ثوبيك هذين بثوبين جديدين؛ فقال إبراهيم: إن كنت غنياً قبلنا منك، وإن كنت فقيراً لم أقبل منك؛ فقال الرجل: أنا والله كثير المال، كثير الضّياع؛ فقال له إبراهيم: أين أراك تغدو وتروح على بغلتك؟ قال: أعطي هذا وآخذ من هذا؛ فقال له إبراهيم: قم، فإنك فقير تبتغي الزيادة بجهدك!.
قال قتيبة بن رجاء: إبراهيم بن أدهم بلخي.
وقال يحيى بن معين: وسألت عن إبراهيم بن أدهم، فقالوا: رجل من العرب، من بني عجل، كان كبير الشأن في باب الورع، يحكى عنه أنه قال: أطب مطعمك، ولا عليك ألا تقوم بالليل، ولا تصوم بالنهار؛ وكان عامّة دعائه: اللهم انقلني من ذلّ معصيتك إلى عزّ طاعتك.
قال الفضل بن موسى: حجّ أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم، وكانت به حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف بن على الحلق في المسجد، وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً.
قال إبراهيم بن بشار الطويل:
سألت إبراهيم بن أدهم، قلت: يا أبا إسحاق كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه؟ قال: غير هذا أولى بك من هذا؛ قلت: هو كما تقول رحمك الله، لعل الله ينفعنا به يوماً؛ ثم سألته الثانية، قال: لا، ويحك اشتغل بالله؛ فقلت الثالثة: إن رأيت رحمك الله، لعل الله ينفعني به يوماً. قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكان من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي، وكلبي معي، فأثرت ثعلباً أو أرنباً شك إبراهيم فحّركت فرسي، فأسمع نداءً من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً، قلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من الأول: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت مستمعاً أنظر يمنة ويسرة، فلم أجد أحداً، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع من قربوس سرجه: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت، فقلت: هيهات هيهاتّ جاءني النّذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي بعد يومي هذا ما عصمني ربي؛ فوجهت إلى أهلي فجانبت فرسي، وجئت إلى بعض رعاة أبي، وأخذت منه جبّة وكساءً، وألقيت ثيابي إليه، فلم تزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة وهي المصيصة فعلمت بها أيّاماً، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: إذا أردت الحلال فعليك بطرسوس، فإن بها المباحات والعمل الكثير؛ فبينما أنا كذلك قاعد على باب المر جاءني رجل فاكتراني أنظر إليه بستانه، فتوجهت معه، فمكثت في البستان أياّماً كثيرة،
فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته فقعد في مجلسه هو وأصحابه، فقال: يا ناطور يا ناطور؛ فأجبته، فقال: اذهب فأتنا بخير رمان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته؛ فاخذ الخادم رمانّة وكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناطور، أنت مذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً، ولا أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ما تعجبون من كلام هذا! وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا؟ فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصّفة، وما كان، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلّما رأيت كثرة الناس اختفيت والنّاس داخلون، وأنا هارب منهم! فهذا أوائل أمري.
قال عبد الله بن الفرج: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوماً حاراً، فجلس في ظل القصر ليستريح، فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقره منّي السلام، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي؛ فخرج إليه فقام معه ودخل عليّ وسلّم فرددت عليه السّلام، فاستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي، وعرضت عليه الطّعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر؛ قلت: أين تريد؟ قال: أريد الحج إن شاء الله قال: وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: بل يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصّحبة، فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل، قال لي: قم، فلبست ما يصلح للسّفر، وأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقرية بنا، فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدم إلينا خبزاً وبيضاً وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاءنا بماء فشربنا، ثم قال لي: بسم الله قم، فأخذ بيدي، فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض
تجذب من تحتنا كأنها الموج، فمررنا بمدينة بعد مدينة، يقول: هذه مدينة كذا، هذه مدينة كذا، هذه الكوفة؛ ثم قال لي: الموعد هنا في مكانك هذا في هذا الوقت يعني من الليل حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل، فأخذ بيدي وقال: بسم الله.
قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيد، وهذه المدينة، وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج، فصرنا إلى قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزرناه ثم فارقني، وقال: الموعد في الوقت، في الليل، في المصلى.
حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى، فاخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني، فقبضت عليه فقلت: الصّحبة؛ فقال: إني أريد الشام، فقلت: أنا معك؛ فقال لي: إذا انقضى الحجّ فالموعد هنا عند زمزم.
حتى إذا انقضى الحجّ إذا به عند زمزم، فاخذ بيدي، فطفنا بالبيت، ثم خرجنا من مكة؛ ففعل كفعله الأول والثاني والثالث فإذا نحن ببيت المقدس؛ فلما دخل المسجد قال لي: عليك السّلام، أنا على المقام إن شاء الله ها هنا، ثم فارقني، فما رأيته بعد ذلك، ولا عرّفني اسمه.
قال إبراهيم: فرجعت إلي بلدي فجعلت أسير سير الضعفاء منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ، وكان ذلك أول أمري.
حدّث أحمد بن عبد الله صاحب لإبراهيم بن أدهم، قال: كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان، فبينما هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكل في فناء قصره، فاعتبر، وجعل ينظر إليه حتى أكل الرّغيف، ثم شرب ماءً، ثم نام في فناء القصر؛ فألهم الله عز وجل إبراهيم بن أدهم الفكر فيه، فوكل به بعض غلمانه، وقال له: إذا قام هذا من نومه جئني به؛ فلّما قام الرّجل من نومه قال له الغلام: صاحب هذا القصر يريد أن يكلمك، فدخل إليه مع الغلام، فلّما نظر إليه إبراهيم قال له: أيّها الرجل، أكلت الرّغيف وأنت جائع؟
قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: وشربت الماء تلك الشربة ورويت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: ونمت طيباً لا هم ولا شغل؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: فقلت في نفسي: فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس تقنع بما رأيت؟!.
فخرج إبراهيم سائحاً إلى الله عز وجلّ على وجهه، فلقيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الرّيح، فقال له: يا غلام! من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدّنيا إلى الآخرة؛ فقال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم؛ فقام الشيخ فصلّى ركعتين وسلّم فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء؛ فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ريّي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل، فإن العجلة من الشيطان، وإياك والتمرد على الله فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرّزق، ولا يبالي الله تعالى في أي واد هلك؛ إن الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً جعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق والباطل، والناس فيهما متشابهون؛ يا غلام إنّي معلمك اسم الله الأكبر أو قال: الأعظم فإذا أنت جعت فادع الله عز وجلّ به حتى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عز وجل به حتى يرويك؛ وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضاً يطوؤك، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم؛ يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا، قال: لا أبرح؛ فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني؛ فلم أدر أين ذهب.
فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني فلقيني رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فأخذ بحجزتي، وقال لي: ما حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، فبكى؛ فقلت: أقسمت عليك بالله من ذلك الشيخ؟ قال: ذاك إلياس عليه السلام، أرسله الله عزّ وجل إليك ليعلمك أمر دينك؛ فقلت: وأنت يرحمك الله، من أنت؟ قال: أنا الخضر؛ عليهما السلام.
قال سفيان الثوري: إن إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن، ولو كان في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان رجلاً فاضلاً.
قال معاوية بن حفص: إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فاخذ به فساد أهل زمانه؛ قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: حدّثنا منصور عن ربّعي بن خراش، قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحببني الله عزّ وجل به ويحببني النّاس، قال: " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا، وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم. " فساد أهل زمانه.
قيل لإبراهيم بن أدهم: ألّا تحدّث؟ فقد كان أصحابك يحدّثون، فقال: كان همي هدي العلماء وآدابهم.
قال محمد بن مكتوم: مرّ إبراهيم بن أدهم بسفيان الثوري، وهو قاعد مع أصحابه، فقال سفيان لإبراهيم: تعال حتى أقرأ عليك علمي، قال: إني مشغول بثلاث، ومضى.
قال سفيان لأصحابه: ألا سألتموه ما هذه الثلاث! ثم قام سفيان ومعه أصحابه حتى لحق إبراهيم، فقال له: إنك قلت: إني مشغول بثلاث عن طلب العلم، فما هذه الثلاث؟.
قال: إني مشغول بالشكر لما أنعم عليّ، والاستغفار لما سلف من ذنوبي، والاستعداد للموت؛ قال سفيان: ثلاث وأي ثلاث!.
قال أبو عثمان الأسود: كنت رفيق إبراهيم بن أدهم أربع عشرة سنةً، فحججت فلقيت عبد العزيز بن أبي داود بمكة، فقال لي: ما فعل أخوك وأخونا إبراهيم بن أدهم؟ قال: فقلت: بالشام في كوضع كذا وكذا، قال: فقال: أمّا إنّ عهدي به يركب بين يديه ثلاثون شاكريّاً، ولكنه أحب أن يتبحبح في الجنّة.
قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم في بلاد الشام، فقلت: يا إبراهيم، تركت خراسان؟ فقال:
ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: حمّال.
ثم قال: يا شقيق، لم ينبل عندنا من نبل بالحجّ ولا بالجهاد، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه يعني الرّغيف من حله.
ثم قال: يا شقيق، ماذا أنعم الله على الفقراء! لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ولا عن حجّ ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل عن هذا هؤلاء المساكين، يعني: الأغنياء.
حدث المتوكل بن حسين العابد قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف؛ فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض: الزهد في الحرام؛ والزهد الفضل: الزهد في الحلال؛ والزهد السّلامة: الزهد في الشبهات.
قال حذيفة المرعشي: قدم شقيق البلخي مكة، وإبراهيم بن أدهم بمكة، فاجتمع الناس فقالوا: نجمع بينها، فجمعوا بينهما في المسجد الحرام، فقال إبراهيم بن أدهم لشقيق: يا شقيق، علام أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق: إنّا أصّلنا على أنّا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا؛ فقال إبراهيم بن أدهم: هكذا كلاب بلخ، إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت. فقال شقيق: علام أصّلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال: أصّلنا أصولنا على انّا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا.
قال: فقام شقيق وجلس بين يديه، وقال: يا أبا إسحاق، أنت أستاذنا.
قال بقية بن الوليد: صحبت إبراهيم بن أدهم إلى المصيصة، فبينا أنا معه، إذا رجل يقول: من يدلني على إبراهيم بن ادهم، قال: فأشرت بإصبعي إليه، فتقدم إليه فقال: السلام عليك ورحمة الله، قال: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أخبرك أن أباك توفي، وخلّف مالاً عظيماً، وأنا عبدك فلان، وهذه البغلة لك، ومعي عشرة آلاف درهم تنفقها على نفسك، وترحل إلى بلخ، والمال مستودع عند القاضي.
قال: فسكت ساعة ثم قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت حر، والبغلة لك، والمال تنفقه على نفسك.
ثم التفت إليّ، فقال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: نعم؛ فارتحلنا حتى بلغنا حلوان، فلا والله لا طعم ولا شرب، وكان في يوم مثلج، فقال: يا بقّية، لعلك جائع؟ قلت: نعم؛ ادخل هذه الغيضة، وخذ منها ما شئت؛ قال: فمضيت، فقلت في نفسي: يوم مثلج، من أين لي! قال: ودخلت فإذا أنا بشجرة خوخ، فملأت جرابي وجئت؛ فقال: ما الذي في جرابك؟ قلت: خوخ؛ فقال: يا قليل اليقين، هل يكون هذا! لعلك تفكرت في شيء آخر؟ ولو أزددت يقيناً لأكلت رطباً كما أكلت مريم بنت عمران في وسط الشتاء؛ ثم قال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: بلى.
قال: فمشينا، ولا والله لا عليه حذاء ولا خفّ، حتى بلغنا إلى بلخ، فدخل إلى القاضي وسلّم عليه، وقال: بلغني أن أبي توفي، واستودع عندك مالاً: قال: أما أدهم فنعم، وأمّا أنّا فلا أعرفك؛ فأراد أن يقوم، قال: فقال القوم: هذا إبراهيم بن أدهم؛ فقال: مكانك، فقد صحّ لي انك ابنه. قال: فأخرج المال؛ قال: لا يمكن إخراجه؛ قال: دلّني على بعضه، قال: فدلّه على بعضه، فصلى ركعتين وتبسم، فقال القاضي: بلغني أنك زاهد، قال: وما الذي رأيت من رغبتي، قال: فرحك وتبسّمك، قال: أما فرحي وتبسّمي من صنع الله إياي، هذا كان حبيساً عن سبيل الله، وأعانني الله حتى جئت في إطلاقه، جعلتها كلّها في سبيل الله؛ ونفض ثوبه وخرج.
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق لم نطعم مذ شهران! قال: هل لك في الطعام؟ قلت: نعم. فصلى ركعتين، فإذا حوله دنانير، فحملت ديناراً ومضينا.
حدث أبو شعيب قال:
سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكة، فقال لي: على شريطة، على أنك لا تنظر إلاّ لله وبالله، فشرطت له ذلك على نفسي، فخرجت معه.
فبينا نحن في الطواف فإذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله، فجعل إبراهيم يديم النظر إليه، فلما أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت على ألاّ تنظر: إلاّ لله وبالله؟ قال: بلى، فإني أراك تديم النظّر إلى هذا الغلام! فقال: هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقّبلته، ولكن انطلق فسلّم عليه منّي، وعانقه عنّي.
قال: فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته، فجاء إلى والده فسلّم عليه ثم صرفه مع الخدم، فقال: أرجع النّظر، أيش يراد بك، فأنشأ يقول: من الوافر
هجرت الخلق طرّاً في هواكا ... وأيتمتها العيال لكي أراكا
ولو قطعتني في الحبّ إرباً ... لما خن الفؤاد إلى سواكا
قال أبو إسحاق الفزاري: كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت، فإذا تكلّم ربّما انبسط، فأطال ذات يوم السكوت، فقلت له: لم؟ ألا تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه؛ فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل في هذا السّلامة منه: ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفّة المؤونة على يديك ولسانك؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الدّاء العضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا كلام يحب عليك نشره.
فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام.
قال سليمان الموصلي: قلت لإبراهيم بن أدهم: لقد أسرع إليك الشيّب في رأسك! قال: ما شيّب رأسي إلاّ الرفقاء.
قال شقيق بن إبراهيم البلخي: أوصى إبراهيم بن أدهم، قال: عليك بالنّاس، وإياك من النّاس، ولا بدّ من النّاس، فإنّ النّاس هم النّاس، ولسي الناس بالنّاس، ذهب النّاس وبقي النسناس، وما أراهم بالنّاس وإنّما غمسوا في ماء النّاس.
قال إبراهيم: أما قولي: عليك بالنّاس، مجالسة العلماء؛ وأمّا قولي: إياّك من النّاس، مجالسة السفهاء؛ وأمّا قولي: لا بدّ من النّاس، الصّلوات الخمس والجمعة والحج والجهاد اتباع الجنائز والشراء والبيع ونحوه: وأما قولي: النًاس هم الناس، الفقهاء والحكماء؛ وأمّا قولي: ليس النّاس بالنّاس، أهل الأهواء والبدع؛ وأما قولي: ذهب الناس؛ ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ وأمّا قولي: بقي النسناس، يعني من يروي عنهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه: وأمّا قولي: وما أراهم بالنّاس إنّما هم غمسوا في ماء النّاس، نحن وأمثالنا.
قال حذيفة بن قتادة المرعشي: رأى الأوزاعيّ إبراهيم بن أدهم ببيروت، وعلى عنقه حزمة حطب، فقال له: يا أبا إسحاق، أيّ شيء هذا؟ إخوانك يكفونك، فقال: دعني من هذا يا أبا عمرو، فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلّة في طلب الحلال وجبت له الجنّة.
قال طالوت: قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحبّ الشهرة.
قال عبد الله بن الفرج القنطري العابد: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام، وهو مستلق، وإذا حيّة في فمها طاقة نرجس، فما زالت تذبّ عنه حتى انتبه!.
حدّث عبد الجبّار بن كثير، قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبّع قد ظهر لنا، قال: أرونيه، فلّما رآه قال: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلاّ فعودك على بدئك؛ فولّى السبّع هارباً، قال: أحسبه يضرب بذنبه.
قال: فتعجبنا كيف فهم السبّع كلام إبراهيم بن أدهم، قال: فأقبل علينا إبراهيم، قال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا.
قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لصّ ولا غيره.
عن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: كان عندنا إبراهيم بن أدهم على بعض جبال مكة يحدث أصحابه، فقال: لو أن وليّاً من أولياء الله قال للجبل: زل، لزال؛ قال: فتحرك الجبل من تحته؛ قال: فضرب برجله، ثم قال: اسكن، فإنما ضربتك مثلاً لأصحابي.
حدّث موسى بن ظريف، قال:
ركب إبراهيم بن أدهم البحر، فأخذتهم ريح عاصف، وأشرفوا على الهلكة، فلفّ إبراهيم رأسه في عباءة ونام!، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدّة؟ فقال: ليس ذا شدّة!، فقالوا ما الشدةّ؟ قال: الحاجة إلى النّاس؛ ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك؛ فصار البحر كأنه قدح زيت.
قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل عند مولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جالس ناحية من الطريق يبكي، فعدلت إليه، وجلست عنده، وقلت: أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق؟ فقال: خير، فعاودته مرةً واثنتين وثلاثة، فلّما أكثرت عليه، قال لي: يا شقيق، إن أنا أخبرتك تحدّث به، ولا تستر عليّ! فقلت: يا أخي قل ما شئت، فقال: اشتهت نفسي منذ ثلاثين سنة سكباجاً، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة كنت جالساً وقد غلبني النّعاس إذا أنا بفتىً شاب بيده قدح أخضر يعلو منه بخار، وروائحه سكباج، قال: فاجتمعت نهمتي فقرّب مني، ووضع القدح بين يدي، وقال:
يا إبراهيم، كل: فقلت: ما آكل شيئاً قد تركته لله عزّ وجلّ؛ قال: ولا إن أطعمك الله تأكل؟ فما كان لي جواب إلاّ بكيت، فقال لي: كل، يرحمك الله، فقلت له: إنّا قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلاّ من حيث نعلم، فقال: كل، عافاك الله، فغنما أعطيت وقيل لي: يا خضر، اذهب بهذا وأطعم نفس إبراهيم بن أدهم، فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحمّلها من منعها، إعلم يا إبراهيم أني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي فلم يأخذ طلب فلم يعط، فقلت: إن كان كذلك، فها أنا بين يديك لا أحلّ العقد مع الله عزّ وجلّ؛ ثم التفتّ فإذا بفتىًّ آخر ناوله شيئاً، وقال: يا خضر لقّمه أنت، فلم يزل يلقّمني حتى شبعت، فانتبهت وحلاوته في فمي.
قال شقيق: فقلت: أرني كفّك، فأخذت بكفّي كفّه وقبّلتها، وقلت: يا من يطعم الجياع الشهوات إذا صححوا المنع، يا من يقدح في الضمير اليقين، يا من يشفي قلوبهم من محبته، أقرى لشقيق عندك ذاك، ثم رفعت يدّ إبراهيم إلى السماء، وقلت: بقدر هذا الكفّ وبقدر صاحبه، وبالجود الذي وجد منك جد على عبدك الفقير إلى فضلك وإحسانك ورحمتك، وإن لم يستحقّ ذاك؛ فقال: وقام إبراهيم ومشى حتى دخلنا المسجد الحرام.
حدّث إبراهيم اليماني، قال: خرجت مع إبراهيم بن ادهم من صور يريد قيساريّة، فلّما كان بعض الطريق، مررنا بمواضع كثيرة الحطب، فقال: إن شئتم بتنافي هذا الموضع، فأوقدنا من هذا الحطب؛ فقلت: ذلك إليك يا أبا إسحاق، قال: فأخرجنا زنداً كان معنا فقد حنا وأوقدنا تلك النار، فوقع منها جمر كبار، قال: فقلنا: لو كان لنا لحم نشويه على هذه النّار، قال: فقال إبراهيم: ما أقدر الله أن يرزقكم، ثم قام فتمسّح للصلاة، فاستقبل القبلة، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا جلبة شديدة مقبلة نحونا، فابتدرنا إلى البحر، فدخل كلّ إنسان منّا في الماء إلى حيث أمكنه؛ ثم خرج ثور وحش يكرّه أسد، فلّما صار عند
النار طرحه فانصرف إبراهيم بن أدهم، فقال: يا أبا الحارث، تنح عنه، فلن يقدّر لك رزق، فتنحّى، ودعانا فأخرجنا سكيناً كان معنا فذبحناه واشتوينا منه بقيّة ليلتنا.
سئل حذيفة المرعشي وقد خدم إبراهيم بن أدهم وصحبه فقيل له: ما أعجب ما رأيت منه؟ فقال: بقينا في طريق مكة أيّاماً لم نجد طعاماً، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم وقال: يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت: ما رأى الشّيخ؛ فقال: عليّ بداوة وقرطاس، فجئت به، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنت المقصود إليه بكل حال، والمشار إليه بكل معنى: من الكامل
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر ... أنا جائع أنا نائع أنا عاري
هي ستّة فأنا الضّمين لنصفها ... فكن الضّمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك وهج نار خضتها ... فأجر فديتك من دخول النّار
قال: ثم دفع الرّفعة إليّ وقال: اخرج ولا تعلّق قلبك بغير الله، وادفع الرّقعة إلى أوّل من بلقاك. قال: فخرجت، فأوّل من لقيني كان رجل على بغلة، فأخذها وبكى، وقال: ما فعل صاحب هذه الرقّعة؟ فقلت: هو في المسجد الفلانّي، فدفع إليّ صرة فيها ستمئة دينار؛ ثم لقيت رجلاً آخر فقلت: من صاحب هذه البغلة؟ فقال: نصرانيّ؛ فجئت إلى إبراهيم فأخبرته بالقصّة، فقال: لا تمسّها، فإنه يجيء السّاعة؛ فلما كان بعد ساعة وافى النصرانيّ، وأكب على رأس إبراهيم بن أدهم وأسلم.
قال إبراهيم اليماني: قلت لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق إنّ لي مودة وحرمة، ولي حاجة، قال: وما هي؟ قلت: تعلّمني اسم الله المخزون، قال لي: هو في العشر الأوّل من الحديد، لست أزيدك على هذا.
قال إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من
ربّنا عزّ وجلّ، ثكلت عبداً أمه أحبّ الدّنيا ونسي ما في خزائن مولاه.
قال أبو عتبة الخوّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم قال لرجل: ما آن لك أن تتوب؟ قال: حتى يشاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له إبراهيم: وأين حزن الممنوع؟.
قال محمد بن أبي الرّجاء القرشي: قال إبراهيم بن أدهم: إنك إذا أدمنت النّظر في مرآة التّوبة بان لك قبيح شين المعصية.
قال العبّاس بن الوليد: بلغني أن إبراهيم بن ادهم دخل على أبي جعفر، فقال: ما عملك؟ قال: من الطويل
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نزقّع
فقال: اخرج عني، فخرج وهو يقول: من مجزوء الخفيف
اتخذ الله صاحبا ... ودع النّاس جانبا
حدّث إبراهيم بن بشّار الخراسانيّ، قال: كثيراً ما كنت أسمع إبراهيم بن أدهم يقول: من الطويل
لما توعد الدّنيا به من شرورها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع
وإلاّ فما يبكيه منها وإنّها ... لأروع مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدّنيا استهل كأنّما ... يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
قال إبراهيم بن بشار: سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتّم الورع؟ قال: بتسوية كلّ الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللّفظ الجميل، في قلب ذليل، لربّ جليل، فكن في ذنبك، وتب إلى ربّك، يثبت الورع في قلبك، واقطع الطمع.
وعن شعيب بن حرب عن إبراهيم بن أدهم، قال: لا تجعل بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد نعمةً عليك من غيره مغرماً.
وعن خلف بن تميم، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من البسيط
أرى أناساً بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيس بالدّون
فاستعن بالله عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
كتب عمرو بن المنهال المقدسيّ إلى إبراهيم بن أدهم بالرّملة: أن عظني بموعظة أحفظها عنك، قال: فكتب إليه: أما بعد، فإن الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنقص في كل وقت نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر بالعمل قبل أن ينادي بالرحيل، واجتهد بالعمل في دار الممرّ قبل أن ترتحل إلى دار المقرّ.
حدّث أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن ادهم، قال: غزا إبراهيم بن أدهم في البحر مع أصحابه، فقدم أصحابنا فأخبروني عن إبراهيم بن أدهم، عن اللّيلة التي مات فيها، اختلف خمسةً أو ستةً وعشرين مرّةً إلى الخلاء، كل ذلك يجددّ الوضوء للصلاة، فلّما شعر بالموت قال: أو تروا لي قوسي، وقبض على قوسه، فقبض الله روحه والقوس في يده، قال: فدفنّاه في بعض الجزائر في بلاد الروم.
وقال الربيع بن نافع: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستّين ودفن على ساحل البحر.
إبراهيم بن حسن
- إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. وأمه فَاطِمَةُ بِنْتُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب. فولد إبراهيم بن حسن: إسحاق ويعقوب وإسماعيل وأم إسحاق وهي سحيقة ورقية وأمهم ربيحة بنت محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية بْن المغيرة بْن عَبْد الله بْن عمر بن مخزوم. ومحمد بن إبراهيم وعليا وفاطمة وحسنة لأمهات أولاد شتى. ومات إبراهيم بن حسن في السجن.
- إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. وأمه فَاطِمَةُ بِنْتُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب. فولد إبراهيم بن حسن: إسحاق ويعقوب وإسماعيل وأم إسحاق وهي سحيقة ورقية وأمهم ربيحة بنت محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية بْن المغيرة بْن عَبْد الله بْن عمر بن مخزوم. ومحمد بن إبراهيم وعليا وفاطمة وحسنة لأمهات أولاد شتى. ومات إبراهيم بن حسن في السجن.
إبراهيم بْن عليّ بْن حسن بْن عليّ بْن أبي رافع، الرافعي المديني :
حدث عن أبيه علي، وعن عمه أيوب بن حسن، وعن عَلِيّ بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن حسين، وكثير بن عبد الله المزني، وغيرهم. روى عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد بن إسحاق المسيبي، وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني، ويعقوب بن حميد بن كاسب. كان ينزل بغداد بأخرة ومات بها.
أَخْبَرَنَا أبو بكر بن محمد الأشناني قَالَ: سمعت أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعت عثمان بْن سَعِيد الدارمي يَقُولُ: قلت- يعني ليحيى بن معين- فإبراهيم بن علي الرافعي، من هو؟ فقال: شيخ مات بالقرب، كان هاهنا ليس به بأس. قلت: يقول: حَدَّثَنِي عمي أيوب بن حسن كيف هو؟ فقال: ليس به بأس .
حدث عن أبيه علي، وعن عمه أيوب بن حسن، وعن عَلِيّ بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن حسين، وكثير بن عبد الله المزني، وغيرهم. روى عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد بن إسحاق المسيبي، وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني، ويعقوب بن حميد بن كاسب. كان ينزل بغداد بأخرة ومات بها.
أَخْبَرَنَا أبو بكر بن محمد الأشناني قَالَ: سمعت أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعت عثمان بْن سَعِيد الدارمي يَقُولُ: قلت- يعني ليحيى بن معين- فإبراهيم بن علي الرافعي، من هو؟ فقال: شيخ مات بالقرب، كان هاهنا ليس به بأس. قلت: يقول: حَدَّثَنِي عمي أيوب بن حسن كيف هو؟ فقال: ليس به بأس .
( م) إبراهيم بن علي بن حسن بن علي بن أبي رافع الرافعي
من ولد أبي رافع روى عن عمه أيوب بن حسن وعن كثير بن عبد الله وروى عن أبيه [وابن أبي الزناد - ] روى عنه محمد بن إسحاق المسيبي وإبراهيم بن حمزة وإبراهيم بن المنذر ويعقوب بن حميد سمعت
أبي وأبا زرعة يقولان ذلك إلا ذكر رواية إبراهيم بن المنذر فإن أبي قاله، وزاد أبو زرعة إنه من ولد أبي رافع وإنه يعد في المدينيين، قال وسألت أبي عن إبراهيم بن علي بن حسن [بن علي - ] بن أبي رافع فقال روى عن ابن أبي الزناد وهو شيخ.
حدثنا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق [الهروي - ] فيما كتب إلى قال أنا عثمان بن سعيد الدارمي قال سألت يحيى بن معين قلت: إبراهيم بن علي الرافعي [من هو؟ - ] فقال شيخ مات بالقرب كان ههنا ليس به بأس.
من ولد أبي رافع روى عن عمه أيوب بن حسن وعن كثير بن عبد الله وروى عن أبيه [وابن أبي الزناد - ] روى عنه محمد بن إسحاق المسيبي وإبراهيم بن حمزة وإبراهيم بن المنذر ويعقوب بن حميد سمعت
أبي وأبا زرعة يقولان ذلك إلا ذكر رواية إبراهيم بن المنذر فإن أبي قاله، وزاد أبو زرعة إنه من ولد أبي رافع وإنه يعد في المدينيين، قال وسألت أبي عن إبراهيم بن علي بن حسن [بن علي - ] بن أبي رافع فقال روى عن ابن أبي الزناد وهو شيخ.
حدثنا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق [الهروي - ] فيما كتب إلى قال أنا عثمان بن سعيد الدارمي قال سألت يحيى بن معين قلت: إبراهيم بن علي الرافعي [من هو؟ - ] فقال شيخ مات بالقرب كان ههنا ليس به بأس.
إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر
ابن هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عديّ بن قيس بن الحارث بن فهر بن مالك أبو إسحاق القرشيّ الفهريّ المدينيّ قدم دمشق وامتدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأجازه وارتبطه، واشتاق إلى وطنه، وقال في ذلك شعراً؛ وقدم دمشق قاصداً عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك.
قال الخطيب: إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة، أبو إسحاق الفهري المدني، شاعر مفلق، فصيح مسهب، مجيد محسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين، أدرك الدّولتين الأموية والهاشميّة، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور، ومدحه فأجازه، وأحسن صلته، وكان ممّن اشتهر بالانقطاع للطّالبيّين.
وقال الأصمعي: ختم الشهر بإبراهيم، وهو آخر الحجج.
قال عبد الله بن إبراهيم الجمحي: قلت لابن هرمة: أتمدح عبد الواحد بن سليمان بشعر ما مدحت به أحداً غيرهّ، فتقول فيه: من الوافر
وجدنا غالباً كانت جناحاً ... وكان أبوك قادمة الجناح
ثم تقول فيه:
أعبد الواحد المأمول إنّي ... أغضّ حذار سخطك بالقراح
فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصّة لتعذرني؛ أصابتني أزمة وقحمةً بالمدينة، فاستنهضتني ابنة عمي عمّي للخروج، فقلت لها: ويحكّ إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني؛ وكانت عندي ناب لي، فنهضت عليها بنجّد النوّام ونؤدي السّمّار، وليس من منزل أنزله إلاّ قال النّاس: ابن هرمة، حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في الّيل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلّى ركعتين، وتأمّلته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلّمت عليه، فقال: أبا إسحاقّ أهلاً ومرحباً، فقلت: لبّيك، بأبي وأمي وأنتّ وحيّاك الله بالسّلام وقرّبك من رضوانه، فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد، واشتد الشّوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسألين، بأبي أنت، فإن الدّهر قد أخنى عليّ، فما وجدت مستغاثاً غيرك؛ فقال: لا ترع، فقد وردت على ما تحبّ إن شاء الله.
فوالله إني لأخاطبه، فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان، فسلّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم، فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه، فمضى إلى البيت، ثم رجع، فجلس إليه فكلّمه بشيء دوني ثم ولّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط يحمل عبئاً من الثّياب حتى ضرب به بين يديّ، ثم همس إليه ثانية فعاد، وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ، فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم
أنك لم تصر إلينا حتى تفاقّم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فوالله ما سللنا لك هذا إلاّ من أشداق عيالنا، ودفع إليّ ألف دينار، وقال: قم فارحل فأغث من وراءك.
فقمتّ إلى الباب، فلّما نظرت إلى ناقتي ضقت، فقال لي: تعال، ما أرى هذه بمبلغتك، يا غلام قدّم له جملي فلاناً؛ فوالله لكنت بالجمل أشدّ سروراً منّي بكلّ ما نلته؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح؟ ووالله ما أنشدته ليلتئذ بيتاً واحداً.
قال عبد الله بن مصعب: لقيني إبراهيم بن علي بن هرمة، فقال لي: يا بن مصعب، ألم يبلغني أنك تفضّل عليّ ابن أذينة؟ نعم ما شكرتني في مديحي إياّك!، ألم تعلم: من الطويل
رأيتك مختلاًّ عليك خصاصة ... كأنك لم تنبت ببعض المنابت
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعباً ذا المكرمات ابن ثابت
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق، أقلنيها، وأنا أعاتبك، وهلمّ فروّني من شعرك ما شئت؛ فروبت له هاشميّاته فأخذتها من فيه.
قال ابن زبنّج: أصابت ابن هرمة أزمة، فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار لي حمارين إلى ستة أميال؛ ولم يسمّ موضعاً، فركب واحداً وركبت واحداً، ثم سرنا حتى انتهينا إلى قصور حسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده، فلّما زالت الشّمس خرج علينا مشتملاً على قميصه، فقال لمولىّ له: أذّن، فأذّن، ثم لم يكلّمنا كلمة، ثم قال له: أقم، فأقام، فصلّى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحباً بك أبا إسحاق، حاجتك؛ قال: نعم، بأبي وأميّ أبيات قلتها وقد كان عبد الله بن حسن،
وحسن، وإبراهيم، بنو حسن بن حسن وعدوه شيئاً فأخلفوه فقال: هاتها فأنشد: من البسيط
أمّا بنو هاشم حولي فقد قرعوا ... نبلي الصيّاب التي جّمعت في قرني
فما بيثرب منهم من أعاتبه ... إلاّ عوائد أرجوهنّ من حسن
الله أعطاك فضلاً من عطيّته ... على هن وهن فيما مضى وهن
قال: حاجتك؟ قال: لابن أبي مضرّس عليّ خمسون ومئة دينار؛ قال: فقال لمولىّ له: أيا هيثم، اركب هذه البغلة فائتني بابن أبي مضرّس وذكر حقّه؛ قال: فما صلّينا العصر حتى جاء به، فقال له: مرحباً بك يا بن أبي مضرّس، أمعك ذكر حقّ على ابن هرمة؟ فقال: نعم، قال: فامحه، فمحاه؛ ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرّس من تمر الخانقين بمئة وخمسين ديناراً، وزده في كلّ دينار ربع دينار، وكل لابن هرمة بخمسين ومئة دينار تمراً، وكل لابن زبنّج بثلاثين ديناراً تمراً. قال: فانصرفنا من عنده، فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسّيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته، فقال: يا ماصّ بظر أمّه، أنت القائل: على هن وهن فيما مضى وهن؟! قال: لا والله يا بنيّ، ولكني الذي أقول لك: من البسيط
لا والذي أنت منه نعمة سلفت ... نرجو عواقبها في آخر الزّمن
لقد أتيت بأمر ما عمدت له ... ولا تعمّده قولي ولا سنني
فكيف أمشي مع الأقوام معتدلاً ... وقد رميت بريء العود بالأبن
ما غبّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن
قال: وأم الحسن أو ولد.
قال بعض الأدباء: كان لإبراهيم بن هرمة كلاب، إذا أبصرت الأضياف بشّت بهم، ولم تنبح، وبصبصت بأذنابها بين أيديهم، فقال يمدحها: من الكامل
ويذل ضيفي في الظلام إذا سرى ... إيقاد ناري أو نباح كلابي
حتى إذا واجهنه وعرفنه ... فدّينه ببصابص الأذناب
وجعلن ممّا قد عرفن يقدنه ... ويكدن أن ينطقن بالتّرحاب
قال إبراهيم بن محمد: نزلت ببنات ابن هرمة بعد أن هلك، فرأيت حالتهنّ سيّئة، فقلت لبعض بناته: قد كان أبوك حسن الحال، فما ترك لكنّ؟ قالت: وكيف؟ وهو الذي يقول: من المنسرح
لا غنمي مدّ في البقاء لها ... إلاّ دراك القرى ولا إبلي
ذاك أفناها، ذاك أفناها!.
قال رجل من أهل الشام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة، فإذا بنيّة له صغيرة تلعب بالطّين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد على بعض الملوك الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة، فقلت: انحري لنا ناقة فإنّا أضيافك؛ قالت: والله ما عندنا، قلت: فشاةً، قالت: والله ما عندنا، قلت، فدجاجةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فأعطينا بيضة، قالت: واله ما عندنا.
قلت: فباطل ما قال أبوك: من المنسرح
كم ناقة قد وجات منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء.
قال محمد لن زكريّا: اجتاز نصيب مرّةً بالسيالة، وبها منزل ابن هرمة، فناداه: يا أبا إسحاق، فخرجت إليه بنته مذعورةً، فقال: أين أبوك؟ قالت: راح لحاجة انتهز برد الفيء، قال: فهل من قرئ؟ قالت: لا والله، قال: ولا جزور ولا شاة؟ قالت: لا والله، ولا دجاجة ولا بيضة، قال: قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول: من المنسرح
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلاّ قصيرة الأجل
إني إذا ما البخيل أمّنها ... باتت ضموزاً منّي على وجل
قالت: فعله والله ذاك بها، أقلّها عندنا.
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: وفي هذه السّنة يعني سنة خمس وأربعين ومئة تحوّل المنصور إلى مدينة السّلام، واستتمّ بناءها سنة ست وأربعين، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة.
قال: فلم يكن في الدّنيا خطبة أبغض إليّ من خطبة تقرّبني منه، واجتمع الخطباء والشّعراء من كلّ مدينة، وعلى المنصور ستر يرى النّاس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، هذا فلان الخطيب، فيقول: اخطب، ويقول: هذا فلان الشاعر، فيقول: أنشد، حتى كنت آخر من بقي؛ قال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة؛ فسمعته يقول: لا مرحباً ولا أهلاً، ولا أنعم الله بن عيناً؛ فقلت: " إنّا لله ونّ إليه راجعون " ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي
فقلت: يا نفس، هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت.
فقال أبو الخصيب: أنشد، فأنشدته: من الطويل
سرى ثوبه عنك الصّبا المتخايل ... وقرّب للبين الخليط المزايل
حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في حوافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل
فأمّ الذي أمّنته تأمن الرّدى ... وأمّ الذي حاولت بالثّكل ثاكل
فقال: يا غلام، ارفع عني الستر، فرفع؛ فإذا وجهه كأنه فلقه قمر، ثم قال: تمّم القصيدة؛ فلّما فرغت منها قال: ادن، فدنوت، ثم قال: اجلس، فجلست، وبين يديه مخضرة، فقال: يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء، لولا ذلك لفضّلتك على نظرائك، فأقرّ لي بذنوبك أعفها عنكّ فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنّما يريد أن يقتلني بحجّة تجب عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ ذنب بلغك ممّا عفوته عني، فأنا مقرّ به؛ فتناول المخصرة فضربني بها، فقلت: من الرجز
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
قال: ثم ثنّى فضربني، فقلت: من الرجز
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثّر البطان فيه والحقب
ثم قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة، وألحقتك بنظائرك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجّاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنّك؛ قلت: نعم، أنت في حلّ من دمي إن بلغك أمر تكرهه.
قال ابن هرمة: فأتيت المدينة، فأتاني رجل من الطّالبيّين، فسلّم عليّ، فقلت: تنحّ عنّي، لا تشيط بدمي.
وزاد في رواية؛ بعد بيتي المدح: فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك شيئاً، قال: سل؛ قال: إنّ عمّال أمير المؤمنين بالمدينة قد أنهكوا أكتافي ممّا يحدّونني على السّكر، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لي كتاباً، إن وجدت سكراناً فلا أحد، فليفعل؛ فقال له المنصور: ما كنت لأرفع حداً من حدود الله بحبّ، ولكن أكتب لك كتاباً: من جاء بك سكران جلد مئة، وجلدت أنت ثمانين؛ قال: قدر ضيت.
قال: فكتب له بذلك، قال: فكان إبراهيم بن هرمة يسكر، ويطرح نفسه في الشّوارع، ويقول: من يشتري ثمانين بمئة؟ فليتقدم.
قال سعيد بن سلم: لما ولّى المنصور معن بن زائدة أذربيجان قصده قوم من أهل الكوفة، فلّما صاروا ببابه، واستأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: اصلح الله الأمير، بالباب وفد من أهل العراق؛ قال: من أي أهل العراق؟ قال: من الكوفة؛ قال: إيذن لهم؛ فدخلوا عليه، فنظر إليهم معن في هيئة زريّة، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول: من الطويل
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدّهر بالنّاس قلّب
فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ... وأفره مهريك الذي هو راكب
وبادر بمعروف إذا كنت قادراً ... زواك اقتدار أو غنىً عنك يذهب
قال: فوثب إليه رجل من القوم، فقال: أصلح الله الأمير، ألا أنشدك أحسن من
هذا؟ قال: لمن؟ قال: لابن عمك، ابن هرمة؛ قال: هات: فأنشأ يقول: من الطويل
وللنّفس تارات تحلّ بها العرى ... وتسخو على المال النفوس الشّحائح
إذا المرء لم ينفعك حيّاً فنفعه ... أقلّ إذا ضمّت عليه الصّفائح
لأية حال يمنع المرء مآله ... غداً فغداً والموت غاد ورائح
فقال معن: أحسنت والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلام أعطهم أربعة آلاف أربعة آلاف، يستعينون بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد؛ فقال الغلام: يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم؟ فقال معن: والله لا تكون همّتك أرفع من همّتي، صفّرها لهم.
قال أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة: كان متّصلاً بنا، وهو القائل فينا: من المتقارب
ومهما ألام على حبّهم ... فإني أحبّ بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدّين والسّنّة القائمه
فلست أبالي بحبّي لهم ... سواهم من النّعم السّائمه
قال: فقيل له في دولة بني العباس: ألست القائل كذا، وأنشدوه هذه الأبيات؟ فقال: أعضّ الله قائلها بهن أمّه! فقال له من يثق به: ألست قائلها؟ قال: بلى، ولكن أعضّ بهن أمي خير من أن أقتل.
وقال محمد بن منصور: رأت جارية المنصور وعليه قميص مرقوع، فقال وقد سمعها تقول: خليفة قميصه مرقوع: ويحك، أما سمعت قول ابن هرمة: من الكامل
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
وقال ابن الحصين: كان إبراهيم بن علي بن هرمة، يشرب في أناس بأعلى السّيالة، ثم إنه قلّ ما عنده، وكان صدر بصدار من أهل المدينة، فذكر له حسن بن حسن بن حسن، قد قدم السّيالة، وكتب إليه فذكر أن أصحاباً له قدموا عليه وقد خفّ ما معهم، ولم يذكر عن شرابه شيئاً، وكتب في أسفل كتابه: من الكامل
إني استحيتك أن أقول بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
وعليك عهد الله إن أخبرتها ... أهل السّيالة إن فعلت وإن لم
فسأل حسن عن أمره، فاخبر بقصّته، فقال: وأنّا على عهد الله إن لم أخبر بقصّته أهل السّيالة، فردعه أميرها منها وكان يشتدّ على السّفهاء فقال: يا أهل السّيالة هذا ابن هرمة في سفهاء له قد جمعهم بشرب بالشّرف؛ فأنذر بذلك ابن هرمة، ففرّ هو وأصحابه، فلم يقدر عليهم.
أنشد أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة، لعمّه إبراهيم، يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع، ويذكر ولادة أسيد بن أبي العيص إيّاه: من الوافر
ستكفيك الحوائج إن ألمّت ... عليك بصرف متلاف مفيد
فتىً يتحمّل الأثقال ماض ... مطيع جدّه وبنو أسيد
حلفت لأمدحنّك في معدّ ... وذي يمن على رغم الحسود
بقول لا يزال له رواء ... بأفواه الرّواة على النّشيد
لأرجع راضياً وأقول حقاً ... ويغبر باقي الأبد الأبيد
وقبلك ما مدحت زناد كاب ... لأخرج وري آبية صلود
فأعياني فدونك فاعتنيني ... فما المذموم كالرّجل الحميد
وكان كحيّة رقيت فصمّت ... على الصادي برقيته المعيد
فأقسم لا تعود له رقائي ... ولا أثني له ما عشت جيدي
وأنشد ابن قتيبة والمبرّد: من الكامل
قد يدرك الشّرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
إمّا تراني شاحباً مبتذلاً ... كالسيف يخلق جفنه فيضيع
فلربّ لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع
وعن عبد الله بن أبي عبيد الله بن عمّار بن ياسر، قال: زرت عبد الله بن حسن بباديته، وزاره ابن هرمة، فجاءه رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله، سل الأسلميّ أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره؛ فقال عبد الله بن حسن: إيذن له. فأذن له الأسلمي، فقال ابن هرمة: خرجت أصلحك الله أبغي ذوداً لي، فأوحشت فضفت هذا الأسلميّ، فذبح لي شاةً وخبز لي خبزاً، وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء الله؛ ثم خرجت أيضاً في بغاء ذود لي فأوحشت فقلت: لو ضفت الأسلميّ، فجاءني بلبن وتمر، ثم ضفته بعدما أوحشت، فقلت: التّمر واللّبن خير من الطّوى، فجاءني بلبن حامض.
قال الأسلميّ: قد أجبته إلى ما سأل، فاسأله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت ذلك؛ فقال: إيذن له، فأذن له، فقال: ضافني أصلحك الله فسألته: من هو؟ فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشّاة التي ذكر، والله لو كان عندي غيرها لذبحته له حين ذكر أنه من قريش؛ فقالوا: ليس من قريش؛ إنّما هو دعيّ فيها؛ فضافني الثّانية، قال: إنه دعيّ في قريش، فجئته بتمر ولبن، ثم غدا من عندي، وغدا الحيّ فقالوا: من ضيفك البارحة؟ قال: فقلت: الذي ذكرتم أنه الدّعيّ في قريش؛ فقالوا: لا والله، ما هو فيها بدعيّ ولكنه دعيّ أدعياء؛ فضافني الثالثة على أنه دعيّ أدعياء لقريش، فواله لو وجدت له شرّاً من لبن حامض لجئته به؛ فانكسر ابن هرمة وضحكنا منه.
قال محمد بن فضالة النحوي: لقي رجل من قريش ممّن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، إبراهيم بن علي بن هرمة الشعر، فقال له: ما الخبر؟ ما فعل النّاس يا أبا إسحاق؟ فقال ابن هرمة: من الطويل
أرى النّاس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
وأمسك بأطراف الكلام فإنه ... نجاتك ممّا خفت أمراً مجمجما
فلست على رجع الكلام بقادر ... إذا القول عن زلاّته فارق الفما
وكائن ترى من وافر العرض صامتاً ... وآخر أردى نفسه أن تكلّما
وأنشد: من البسيط
كأن عيني إذ ولّت حمولهم ... عنّا جناحا حمام صادفت مطراً
أو لؤلؤ سلس في عقد جارية ... خرقاء نازعها الولدان فانتثرا
ابن هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عديّ بن قيس بن الحارث بن فهر بن مالك أبو إسحاق القرشيّ الفهريّ المدينيّ قدم دمشق وامتدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأجازه وارتبطه، واشتاق إلى وطنه، وقال في ذلك شعراً؛ وقدم دمشق قاصداً عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك.
قال الخطيب: إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة، أبو إسحاق الفهري المدني، شاعر مفلق، فصيح مسهب، مجيد محسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين، أدرك الدّولتين الأموية والهاشميّة، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور، ومدحه فأجازه، وأحسن صلته، وكان ممّن اشتهر بالانقطاع للطّالبيّين.
وقال الأصمعي: ختم الشهر بإبراهيم، وهو آخر الحجج.
قال عبد الله بن إبراهيم الجمحي: قلت لابن هرمة: أتمدح عبد الواحد بن سليمان بشعر ما مدحت به أحداً غيرهّ، فتقول فيه: من الوافر
وجدنا غالباً كانت جناحاً ... وكان أبوك قادمة الجناح
ثم تقول فيه:
أعبد الواحد المأمول إنّي ... أغضّ حذار سخطك بالقراح
فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصّة لتعذرني؛ أصابتني أزمة وقحمةً بالمدينة، فاستنهضتني ابنة عمي عمّي للخروج، فقلت لها: ويحكّ إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني؛ وكانت عندي ناب لي، فنهضت عليها بنجّد النوّام ونؤدي السّمّار، وليس من منزل أنزله إلاّ قال النّاس: ابن هرمة، حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في الّيل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلّى ركعتين، وتأمّلته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلّمت عليه، فقال: أبا إسحاقّ أهلاً ومرحباً، فقلت: لبّيك، بأبي وأمي وأنتّ وحيّاك الله بالسّلام وقرّبك من رضوانه، فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد، واشتد الشّوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسألين، بأبي أنت، فإن الدّهر قد أخنى عليّ، فما وجدت مستغاثاً غيرك؛ فقال: لا ترع، فقد وردت على ما تحبّ إن شاء الله.
فوالله إني لأخاطبه، فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان، فسلّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم، فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه، فمضى إلى البيت، ثم رجع، فجلس إليه فكلّمه بشيء دوني ثم ولّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط يحمل عبئاً من الثّياب حتى ضرب به بين يديّ، ثم همس إليه ثانية فعاد، وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ، فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم
أنك لم تصر إلينا حتى تفاقّم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فوالله ما سللنا لك هذا إلاّ من أشداق عيالنا، ودفع إليّ ألف دينار، وقال: قم فارحل فأغث من وراءك.
فقمتّ إلى الباب، فلّما نظرت إلى ناقتي ضقت، فقال لي: تعال، ما أرى هذه بمبلغتك، يا غلام قدّم له جملي فلاناً؛ فوالله لكنت بالجمل أشدّ سروراً منّي بكلّ ما نلته؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح؟ ووالله ما أنشدته ليلتئذ بيتاً واحداً.
قال عبد الله بن مصعب: لقيني إبراهيم بن علي بن هرمة، فقال لي: يا بن مصعب، ألم يبلغني أنك تفضّل عليّ ابن أذينة؟ نعم ما شكرتني في مديحي إياّك!، ألم تعلم: من الطويل
رأيتك مختلاًّ عليك خصاصة ... كأنك لم تنبت ببعض المنابت
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعباً ذا المكرمات ابن ثابت
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق، أقلنيها، وأنا أعاتبك، وهلمّ فروّني من شعرك ما شئت؛ فروبت له هاشميّاته فأخذتها من فيه.
قال ابن زبنّج: أصابت ابن هرمة أزمة، فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار لي حمارين إلى ستة أميال؛ ولم يسمّ موضعاً، فركب واحداً وركبت واحداً، ثم سرنا حتى انتهينا إلى قصور حسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده، فلّما زالت الشّمس خرج علينا مشتملاً على قميصه، فقال لمولىّ له: أذّن، فأذّن، ثم لم يكلّمنا كلمة، ثم قال له: أقم، فأقام، فصلّى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحباً بك أبا إسحاق، حاجتك؛ قال: نعم، بأبي وأميّ أبيات قلتها وقد كان عبد الله بن حسن،
وحسن، وإبراهيم، بنو حسن بن حسن وعدوه شيئاً فأخلفوه فقال: هاتها فأنشد: من البسيط
أمّا بنو هاشم حولي فقد قرعوا ... نبلي الصيّاب التي جّمعت في قرني
فما بيثرب منهم من أعاتبه ... إلاّ عوائد أرجوهنّ من حسن
الله أعطاك فضلاً من عطيّته ... على هن وهن فيما مضى وهن
قال: حاجتك؟ قال: لابن أبي مضرّس عليّ خمسون ومئة دينار؛ قال: فقال لمولىّ له: أيا هيثم، اركب هذه البغلة فائتني بابن أبي مضرّس وذكر حقّه؛ قال: فما صلّينا العصر حتى جاء به، فقال له: مرحباً بك يا بن أبي مضرّس، أمعك ذكر حقّ على ابن هرمة؟ فقال: نعم، قال: فامحه، فمحاه؛ ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرّس من تمر الخانقين بمئة وخمسين ديناراً، وزده في كلّ دينار ربع دينار، وكل لابن هرمة بخمسين ومئة دينار تمراً، وكل لابن زبنّج بثلاثين ديناراً تمراً. قال: فانصرفنا من عنده، فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسّيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته، فقال: يا ماصّ بظر أمّه، أنت القائل: على هن وهن فيما مضى وهن؟! قال: لا والله يا بنيّ، ولكني الذي أقول لك: من البسيط
لا والذي أنت منه نعمة سلفت ... نرجو عواقبها في آخر الزّمن
لقد أتيت بأمر ما عمدت له ... ولا تعمّده قولي ولا سنني
فكيف أمشي مع الأقوام معتدلاً ... وقد رميت بريء العود بالأبن
ما غبّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن
قال: وأم الحسن أو ولد.
قال بعض الأدباء: كان لإبراهيم بن هرمة كلاب، إذا أبصرت الأضياف بشّت بهم، ولم تنبح، وبصبصت بأذنابها بين أيديهم، فقال يمدحها: من الكامل
ويذل ضيفي في الظلام إذا سرى ... إيقاد ناري أو نباح كلابي
حتى إذا واجهنه وعرفنه ... فدّينه ببصابص الأذناب
وجعلن ممّا قد عرفن يقدنه ... ويكدن أن ينطقن بالتّرحاب
قال إبراهيم بن محمد: نزلت ببنات ابن هرمة بعد أن هلك، فرأيت حالتهنّ سيّئة، فقلت لبعض بناته: قد كان أبوك حسن الحال، فما ترك لكنّ؟ قالت: وكيف؟ وهو الذي يقول: من المنسرح
لا غنمي مدّ في البقاء لها ... إلاّ دراك القرى ولا إبلي
ذاك أفناها، ذاك أفناها!.
قال رجل من أهل الشام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة، فإذا بنيّة له صغيرة تلعب بالطّين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد على بعض الملوك الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة، فقلت: انحري لنا ناقة فإنّا أضيافك؛ قالت: والله ما عندنا، قلت: فشاةً، قالت: والله ما عندنا، قلت، فدجاجةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فأعطينا بيضة، قالت: واله ما عندنا.
قلت: فباطل ما قال أبوك: من المنسرح
كم ناقة قد وجات منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء.
قال محمد لن زكريّا: اجتاز نصيب مرّةً بالسيالة، وبها منزل ابن هرمة، فناداه: يا أبا إسحاق، فخرجت إليه بنته مذعورةً، فقال: أين أبوك؟ قالت: راح لحاجة انتهز برد الفيء، قال: فهل من قرئ؟ قالت: لا والله، قال: ولا جزور ولا شاة؟ قالت: لا والله، ولا دجاجة ولا بيضة، قال: قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول: من المنسرح
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلاّ قصيرة الأجل
إني إذا ما البخيل أمّنها ... باتت ضموزاً منّي على وجل
قالت: فعله والله ذاك بها، أقلّها عندنا.
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: وفي هذه السّنة يعني سنة خمس وأربعين ومئة تحوّل المنصور إلى مدينة السّلام، واستتمّ بناءها سنة ست وأربعين، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة.
قال: فلم يكن في الدّنيا خطبة أبغض إليّ من خطبة تقرّبني منه، واجتمع الخطباء والشّعراء من كلّ مدينة، وعلى المنصور ستر يرى النّاس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، هذا فلان الخطيب، فيقول: اخطب، ويقول: هذا فلان الشاعر، فيقول: أنشد، حتى كنت آخر من بقي؛ قال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة؛ فسمعته يقول: لا مرحباً ولا أهلاً، ولا أنعم الله بن عيناً؛ فقلت: " إنّا لله ونّ إليه راجعون " ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي
فقلت: يا نفس، هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت.
فقال أبو الخصيب: أنشد، فأنشدته: من الطويل
سرى ثوبه عنك الصّبا المتخايل ... وقرّب للبين الخليط المزايل
حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في حوافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل
فأمّ الذي أمّنته تأمن الرّدى ... وأمّ الذي حاولت بالثّكل ثاكل
فقال: يا غلام، ارفع عني الستر، فرفع؛ فإذا وجهه كأنه فلقه قمر، ثم قال: تمّم القصيدة؛ فلّما فرغت منها قال: ادن، فدنوت، ثم قال: اجلس، فجلست، وبين يديه مخضرة، فقال: يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء، لولا ذلك لفضّلتك على نظرائك، فأقرّ لي بذنوبك أعفها عنكّ فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنّما يريد أن يقتلني بحجّة تجب عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ ذنب بلغك ممّا عفوته عني، فأنا مقرّ به؛ فتناول المخصرة فضربني بها، فقلت: من الرجز
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
قال: ثم ثنّى فضربني، فقلت: من الرجز
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثّر البطان فيه والحقب
ثم قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة، وألحقتك بنظائرك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجّاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنّك؛ قلت: نعم، أنت في حلّ من دمي إن بلغك أمر تكرهه.
قال ابن هرمة: فأتيت المدينة، فأتاني رجل من الطّالبيّين، فسلّم عليّ، فقلت: تنحّ عنّي، لا تشيط بدمي.
وزاد في رواية؛ بعد بيتي المدح: فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك شيئاً، قال: سل؛ قال: إنّ عمّال أمير المؤمنين بالمدينة قد أنهكوا أكتافي ممّا يحدّونني على السّكر، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لي كتاباً، إن وجدت سكراناً فلا أحد، فليفعل؛ فقال له المنصور: ما كنت لأرفع حداً من حدود الله بحبّ، ولكن أكتب لك كتاباً: من جاء بك سكران جلد مئة، وجلدت أنت ثمانين؛ قال: قدر ضيت.
قال: فكتب له بذلك، قال: فكان إبراهيم بن هرمة يسكر، ويطرح نفسه في الشّوارع، ويقول: من يشتري ثمانين بمئة؟ فليتقدم.
قال سعيد بن سلم: لما ولّى المنصور معن بن زائدة أذربيجان قصده قوم من أهل الكوفة، فلّما صاروا ببابه، واستأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: اصلح الله الأمير، بالباب وفد من أهل العراق؛ قال: من أي أهل العراق؟ قال: من الكوفة؛ قال: إيذن لهم؛ فدخلوا عليه، فنظر إليهم معن في هيئة زريّة، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول: من الطويل
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدّهر بالنّاس قلّب
فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ... وأفره مهريك الذي هو راكب
وبادر بمعروف إذا كنت قادراً ... زواك اقتدار أو غنىً عنك يذهب
قال: فوثب إليه رجل من القوم، فقال: أصلح الله الأمير، ألا أنشدك أحسن من
هذا؟ قال: لمن؟ قال: لابن عمك، ابن هرمة؛ قال: هات: فأنشأ يقول: من الطويل
وللنّفس تارات تحلّ بها العرى ... وتسخو على المال النفوس الشّحائح
إذا المرء لم ينفعك حيّاً فنفعه ... أقلّ إذا ضمّت عليه الصّفائح
لأية حال يمنع المرء مآله ... غداً فغداً والموت غاد ورائح
فقال معن: أحسنت والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلام أعطهم أربعة آلاف أربعة آلاف، يستعينون بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد؛ فقال الغلام: يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم؟ فقال معن: والله لا تكون همّتك أرفع من همّتي، صفّرها لهم.
قال أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة: كان متّصلاً بنا، وهو القائل فينا: من المتقارب
ومهما ألام على حبّهم ... فإني أحبّ بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدّين والسّنّة القائمه
فلست أبالي بحبّي لهم ... سواهم من النّعم السّائمه
قال: فقيل له في دولة بني العباس: ألست القائل كذا، وأنشدوه هذه الأبيات؟ فقال: أعضّ الله قائلها بهن أمّه! فقال له من يثق به: ألست قائلها؟ قال: بلى، ولكن أعضّ بهن أمي خير من أن أقتل.
وقال محمد بن منصور: رأت جارية المنصور وعليه قميص مرقوع، فقال وقد سمعها تقول: خليفة قميصه مرقوع: ويحك، أما سمعت قول ابن هرمة: من الكامل
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
وقال ابن الحصين: كان إبراهيم بن علي بن هرمة، يشرب في أناس بأعلى السّيالة، ثم إنه قلّ ما عنده، وكان صدر بصدار من أهل المدينة، فذكر له حسن بن حسن بن حسن، قد قدم السّيالة، وكتب إليه فذكر أن أصحاباً له قدموا عليه وقد خفّ ما معهم، ولم يذكر عن شرابه شيئاً، وكتب في أسفل كتابه: من الكامل
إني استحيتك أن أقول بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
وعليك عهد الله إن أخبرتها ... أهل السّيالة إن فعلت وإن لم
فسأل حسن عن أمره، فاخبر بقصّته، فقال: وأنّا على عهد الله إن لم أخبر بقصّته أهل السّيالة، فردعه أميرها منها وكان يشتدّ على السّفهاء فقال: يا أهل السّيالة هذا ابن هرمة في سفهاء له قد جمعهم بشرب بالشّرف؛ فأنذر بذلك ابن هرمة، ففرّ هو وأصحابه، فلم يقدر عليهم.
أنشد أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة، لعمّه إبراهيم، يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع، ويذكر ولادة أسيد بن أبي العيص إيّاه: من الوافر
ستكفيك الحوائج إن ألمّت ... عليك بصرف متلاف مفيد
فتىً يتحمّل الأثقال ماض ... مطيع جدّه وبنو أسيد
حلفت لأمدحنّك في معدّ ... وذي يمن على رغم الحسود
بقول لا يزال له رواء ... بأفواه الرّواة على النّشيد
لأرجع راضياً وأقول حقاً ... ويغبر باقي الأبد الأبيد
وقبلك ما مدحت زناد كاب ... لأخرج وري آبية صلود
فأعياني فدونك فاعتنيني ... فما المذموم كالرّجل الحميد
وكان كحيّة رقيت فصمّت ... على الصادي برقيته المعيد
فأقسم لا تعود له رقائي ... ولا أثني له ما عشت جيدي
وأنشد ابن قتيبة والمبرّد: من الكامل
قد يدرك الشّرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
إمّا تراني شاحباً مبتذلاً ... كالسيف يخلق جفنه فيضيع
فلربّ لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع
وعن عبد الله بن أبي عبيد الله بن عمّار بن ياسر، قال: زرت عبد الله بن حسن بباديته، وزاره ابن هرمة، فجاءه رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله، سل الأسلميّ أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره؛ فقال عبد الله بن حسن: إيذن له. فأذن له الأسلمي، فقال ابن هرمة: خرجت أصلحك الله أبغي ذوداً لي، فأوحشت فضفت هذا الأسلميّ، فذبح لي شاةً وخبز لي خبزاً، وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء الله؛ ثم خرجت أيضاً في بغاء ذود لي فأوحشت فقلت: لو ضفت الأسلميّ، فجاءني بلبن وتمر، ثم ضفته بعدما أوحشت، فقلت: التّمر واللّبن خير من الطّوى، فجاءني بلبن حامض.
قال الأسلميّ: قد أجبته إلى ما سأل، فاسأله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت ذلك؛ فقال: إيذن له، فأذن له، فقال: ضافني أصلحك الله فسألته: من هو؟ فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشّاة التي ذكر، والله لو كان عندي غيرها لذبحته له حين ذكر أنه من قريش؛ فقالوا: ليس من قريش؛ إنّما هو دعيّ فيها؛ فضافني الثّانية، قال: إنه دعيّ في قريش، فجئته بتمر ولبن، ثم غدا من عندي، وغدا الحيّ فقالوا: من ضيفك البارحة؟ قال: فقلت: الذي ذكرتم أنه الدّعيّ في قريش؛ فقالوا: لا والله، ما هو فيها بدعيّ ولكنه دعيّ أدعياء؛ فضافني الثالثة على أنه دعيّ أدعياء لقريش، فواله لو وجدت له شرّاً من لبن حامض لجئته به؛ فانكسر ابن هرمة وضحكنا منه.
قال محمد بن فضالة النحوي: لقي رجل من قريش ممّن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، إبراهيم بن علي بن هرمة الشعر، فقال له: ما الخبر؟ ما فعل النّاس يا أبا إسحاق؟ فقال ابن هرمة: من الطويل
أرى النّاس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
وأمسك بأطراف الكلام فإنه ... نجاتك ممّا خفت أمراً مجمجما
فلست على رجع الكلام بقادر ... إذا القول عن زلاّته فارق الفما
وكائن ترى من وافر العرض صامتاً ... وآخر أردى نفسه أن تكلّما
وأنشد: من البسيط
كأن عيني إذ ولّت حمولهم ... عنّا جناحا حمام صادفت مطراً
أو لؤلؤ سلس في عقد جارية ... خرقاء نازعها الولدان فانتثرا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيّ
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ محمد رَسُولُ اللَّهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، قَالَهُ لِي يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ محمد رَسُولُ اللَّهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، قَالَهُ لِي يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
إبراهيم بن طهمان، أبو سعيد الخراساني :
ولد بهراة، ونشأ بنيسابور. ورحل في طلب العلم فلقي جماعة من التابعين، وأخذ عنهم، مثل عبد الله بن دينار مولى ابن عمر، وأبي الزبير محمد بن مسلم القرشي، وعمرو بن دينار، وأبي حازم الأعرج وأبي إسحاق السبيعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وسماك بن حرب، ومحمد بن زياد القرشي، وثابت البناني، وموسى بن عقبة. وأخذ عن خلق كثير من بعد هؤلاء. روى عنه صفوان بن سليم، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت، وعبد اللَّه بْن المبارك، وسفيان بْن عيينة، وخالد بن نزار، ووكيع، وأبو معاوية الضرير، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر العقدي، ومحمد بن سابق، ويحيى بن أبي بكير وغيرهم. وكان إبراهيم ورد بغداد وحدث بها ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى آخر عمره.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله المعدّل، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدّثنا الحسن بن سلّام السواق، حدّثنا محمّد بن سابق، حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن أيّوب- يعني ابن مُوسَى- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الرّبيع [بن سبرة] عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن علي الصيمري قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن هارون الضبي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر بن سلم الْحَافِظ قَالَ: إبراهيم بن طهمان خراساني قدم بغداد.
هكذا قال محمّد بن صالح وكيلجة. قلت لمحمد بن سابق: أين كتبت عن إبراهيم بن طهمان؟ فقال: ببغداد قدم علينا يريد الحج. قَالَ محمد بن عمر: حَدَّثَنِيهِ أحمد بن محمد بن سعيد عنه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَرَ بن بكير الْمُقْرِئ، أَخْبَرَنَا الحسين بن أحمد الهروي
الصّفّار، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ياسين، أَخْبَرَنَا محمد بن صالح بن سهل قَالَ: سمعت يحيى بن أكتم يقول: كان إبراهيم بن طهمان من أنبل من حدث بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم وأوسعهم علما.
وَقَالَ أحمد: أَخْبَرَنَا المسعودي- وهو الفضل بن عبد الله- حَدَّثَنَا عبد الله بن مالك عن عمه غسان. قَالَ: كان إبراهيم بن طهمان حسن الخلق، واسع الأمر، سخي النفس، يطعم الناس ويصلهم، ولا يرضى بأصحابه حتى ينالوا من طعامه.
وقال: أخبرني الفضل بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن مالك عن عمه غسان بن سليمان. قَالَ: كنا نختلف إلى إبراهيم بن طهمان إلى القرية، فكان لا يرضى منا حتى يطعمنا، وكان شيخا واسع القلب، وكانت قريته باشان من القصبة على فرسخ.
أَخْبَرَنَا ابن بكير، حدّثنا الحسين بن أحمد الصّفّار، حدثنا أحمد بن محمد بن ياسين قال: سمعت محمد بن عبد الرحيم يقول: كان إبراهيم بن طهمان من أهل باشان، معروف الدار بها والقرابة، وكان داره ومقامه بقصور المدينة، باب فيروزآباذ، إلى أن خرج عنها. وكان يطعم الطعام أهل العلم كل من يأتيه، لا يرضى لهم إلا بذلك.
أَخْبَرَنَا ابن بكير، أخبرنا الحسين بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن ياسين، حدّثنا عثمان بن سعيد، حَدَّثَنَا نعيم بن حماد. قَالَ: سمعت عن إبراهيم بن طهمان منذ أكثر من ستين سنة. كان يقال له إنه مرجئ. قَالَ عثمان: وكان إبراهيم هرويا ثقة في الحديث، لم يزل الأئمة يشتهون حديثه، ويرغبون فيه، ويوثقونه.
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين القطّان، أخبرنا دَعْلَجِ بْنِ أَحْمَدَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأبار، حدّثنا محمّد بن حميد الرّازيّ، حَدَّثَنَا جرير. قَالَ: رأيت رجلا على باب الأعمش تركي الوجه فقال: كان نوح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجئا، فذكرته للمغيرة فقال: فعل الله بهم وفعل، لا يرضون حتى ينحلوا بدعتهم للأنبياء! هو إبراهيم بن طهمان.
قرأت على الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم، عَنْ أبي سعيد بْن رميح النسوي قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن محمد بْن بسطام يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن سيار بن أيوب يقول: كان إبراهيم بن طهمان هروي الأصل، ونزل نيسابور ومات بمكة، وكان جالس الناس فكتب الكثير، ودون كتبه، ولم يتهم في روايته. روى عنه ابن المبارك، وعاش إلى أن كتب عنه علي بن الحسين بن واقد سنة ستين ومائة بمكة. وكان الناس اليوم في حديثه
أرغب، وكان كراهية الناس فيه فيما مضى أنه ابتلي برأي الإرجاء وممن روى عنه الكثير خالد بن نزار الأيلي.
وسمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: لو عرفت من إبراهيم بن طهمان بمرو ما عرفت منه بنيسابور ما استحللت أن أروي عنه- يعني من رأي الإرجاء-.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الواحد بْن علي البزاز، أخبرنا عمر بن محمّد بن يوسف، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي دَاوُد السجستاني قَالَ: سمعت أبي يقول: إبراهيم بن طهمان ثقة، وكان من أهل سرخس، فخرج يريد الحج فقدم نيسابور فوجدهم على قول جهم، فقال: الإقامة على هؤلاء أفضل من الحج، فأقام فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء.
أَخْبَرَنِي أبو الفتح عبد الملك بن عمر الرزاز، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حَدَّثَنِي الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن مُحَمَّد بن موسى بن الفرات- بمصر- حَدَّثَنَا أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون الهاشمي، حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، حَدَّثَنَا الحسين بن منصور، عن الحسين بن الوليد قَالَ:
لقيت مالك بن أنس فسألته عن حديث فقال: لقد طال عهدي بهذا الحديث، فمن أين جئت به؟ قلت: حَدَّثَنِي به عنك إبراهيم بن طهمان. قَالَ: أبو سعيد؟ كيف تركته؟ قلت: تركته بخير، قَالَ: هو بعد يقول: أنا عند الله مؤمن؟ قلت له: وما أنكرت من قوله يا أبا عبد الله؟ فسكت عني وأطرق ساعة ثم قَالَ: لم أسمع السلف يقولونه.
أَخْبَرَنِي أبو بكر البرقاني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خيرويه الهروي، أخبرنا الحسين بْن إدريس قَالَ: سمعت ابْن عمار يقول: إبراهيم بن طهمان ضعيف وهو مضطرب الحديث.
وأخبرنا البرقاني، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حسنويه الغوزمي، أخبرني الحسين بن إدريس الأنصاريّ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: سمعت أحمد بن حنبل. قَالَ: إبراهيم بن طهمان هو صحيح الحديث، مقارب إلا أنه كان يرى الإرجاء.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ الدّقّاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، حدثنا عمر بن محمد بن شعيب الصابوني، حَدَّثَنَا حنبل بن إسحاق قَالَ:
سمعت أبا عبد الله يقول: كان إبراهيم بن طهمان من أهل خراسان من نيسابور، وكان مرجئا، وكان شديدا على الجهمية.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن أَحْمَد بن علي الكتاني- لفظا بدمشق- قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الوهاب بن جعفر الميداني، حَدَّثَنَا أَبُو هاشم عَبْد الجبار بْن عَبْد الصّمد السّلميّ، حدّثنا القاسم بن عيسى العصار، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني. قال: إبراهيم ابن طهمان كان فاضلا يُرْمَى بالإرجاء.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ محمد الخلّال، حَدَّثَنَا معروف بن محمد الجرجاني قَالَ: سمعت أبا حاتم الرّازيّ يقول: شيخان من خراسان مرجئان ثقتان؛ أبو حمزة السكري، وإبراهيم بن طهمان.
أَخْبَرَنَا علي بن طلحة المقرئ، أَخْبَرَنَا أبو الفتح محمد بن إبراهيم الطرسوسي، أخبرنا محمد بن محمد بن داود الكرجي، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن يوسف بن خراش.
قال: إبراهيم طهمان صدوق في الحديث، وكان مرجئا خراسانيا.
أَخْبَرَنَا محمد بن عمر بن بكير، أخبرنا الحسين بن أحمد الصّفّار، حدّثنا أحمد ابن مُحَمَّد بْن ياسين قَالَ: سمعتُ أَحْمَد بْن نجدة وعلي بن محمد. يقولان: سمعنا أبا الصلت يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما قدم علينا خراساني أفضل من أبي رجاء عبد الله بن واقد الهروي. قلت له: فإبراهيم بن طهمان؟ قَالَ: كان ذاك مرجئا قَالَ علي: أبو الصلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث، أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم كانوا يرجون لأهل الكبائر الغفران، ردا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب، فكانوا يرجون ولا يكفرون بالذنوب- ونحن كذلك .
سمعت وكيع بن الجراح يقول: سمعت سفيان الثوري في آخر أمره يقول: نحن نرجو لجميع أهل الذنوب والكبائر الذين يدينون ديننا، ويصلون صلاتنا، وإن عملوا أي عمل كان شديدا على الجهمية .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الأشناني قَالَ: سمعت أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: وسألته- يعني يحيى ابن معين- عن إبراهيم بن طهمان فَقَالَ: ليس بِهِ بأس.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عبد الله بن محمد الأنماطيّ، أخبرنا محمّد بن المظفّر الحافظ، أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَان المعروف بعلان المصريّ، حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قَالَ: وسألته- يعني يحيى بن معين- عن إبراهيم بن طهمان فقال: ليس به بأس يكتب حديثه. وإبراهيم بن طهمان خراساني سكن مكة.
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الواحد الأكبر، أنبأنا محمّد بن العبّاس، أنبأنا أحمد بن سعيد السوسي. وأخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا أبي، حَدَّثَنَا محمد بن مخلد. قالا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد قَالَ: سألتُ يَحْيَى بْن معين عن إبراهيم بن طهمان فَقَالَ: ثقة.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن يَحْيَى السكري، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشافعي، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر، حدّثنا ابن العلائي عن يحيى بن معين. قال: إبراهيم بن طهمان خراساني ثقة، نزل مكة.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبيّ، أَخْبَرَنَا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور، حَدَّثَنَا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
قَالَ: سمعت أبي يثني على إبراهيم بن طهمان ويذكر أنه كان صحيح الحديث، حسن الدراية، كثير السماع، ما كان بخراسان أكثر سماعا منه، وهو ثقة أَخْبَرَنَا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: إبراهيم الطهماني لا بأس بِهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بن بُكَيْر، أخبرنا الحسين بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد ابن ياسين قَالَ: سمعت صالح بن محمد يقول: إبراهيم بن طهمان هروي ثقة، حسن الحديث، كثير الحديث، يميل شيئا إلى الإرجاء في الإيمان، حبب الله حديثه إلى الناس، جيد الرواية، حسن الحديث.
أخبرنا ابن بكير، أخبرنا الحسين، حَدَّثَنَا ابن ياسين قَالَ: سمعت إسحاق بن
محمد- بورجة - يقول: قَالَ مالك بن سليمان: كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فاخرة، يأخذ في كل وقت وكان يسخو به، قَالَ: فسئل مسألة يوما من الأيام في مجلس الخليفة فقال: لا أدري فقالوا له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا ولا تحسن مسألة؟! قَالَ: إنما آخذه على ما أحسن، ولو أخذت على مالا أحسن لفني بيت المال علي ولا يفني ما لا أحسن، فأعجب أمير المؤمنين جوابه، وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته .
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد الفقيه- بخوار الري- حدّثنا محمّد بن صالح الصيمري- بالري- حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الكريم قَالَ: سمعت أحمد بن حنبل- وذكر عنده إبراهيم بن طهمان وكان متكئا من علة فاستوى جالسا- وَقَالَ: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ! ثم قَالَ أحمد: حَدَّثَنِي رجل من أصحاب ابن المبارك قَالَ: رأيت ابن المبارك في المنام ومعه شيخ مهيب فقلت: من هذا معك؟ قَالَ: أما تعرف؟ هذا سفيان الثوري، قلت: من أين أقبلتم؟ قَالَ: نحن نزور كل يوم إبراهيم بن طهمان. قلت: وأين تزورونه؟ قَالَ: في دار الصديقين دار يحيى بن زكريّا.
أخبرني الحسين بن علي الطناجيري، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثني محمّد ابن عمر بن غالب، حدّثني جعفر بن محمّد النّيسابوريّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: مات إبراهيم بن طهمان في سنة ثمان وخمسين ومائة.
قلت: هذا وَهم، وَالصواب ما:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمر بن بكير، حدّثنا الحسين بن أحمد الصّفّار، حدّثنا أحمد بن محمّد بن ياسين، أَخْبَرَنَا المسعودي قَالَ: سمعت مالك بن سليمان يقول: مات إبراهيم بن طهمان سنة ثلاث وستين بمكة. ولم يخلف مثله.
حرف العين من آباء الإبراهيمين
ولد بهراة، ونشأ بنيسابور. ورحل في طلب العلم فلقي جماعة من التابعين، وأخذ عنهم، مثل عبد الله بن دينار مولى ابن عمر، وأبي الزبير محمد بن مسلم القرشي، وعمرو بن دينار، وأبي حازم الأعرج وأبي إسحاق السبيعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وسماك بن حرب، ومحمد بن زياد القرشي، وثابت البناني، وموسى بن عقبة. وأخذ عن خلق كثير من بعد هؤلاء. روى عنه صفوان بن سليم، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت، وعبد اللَّه بْن المبارك، وسفيان بْن عيينة، وخالد بن نزار، ووكيع، وأبو معاوية الضرير، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر العقدي، ومحمد بن سابق، ويحيى بن أبي بكير وغيرهم. وكان إبراهيم ورد بغداد وحدث بها ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى آخر عمره.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله المعدّل، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حدّثنا الحسن بن سلّام السواق، حدّثنا محمّد بن سابق، حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن أيّوب- يعني ابن مُوسَى- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الرّبيع [بن سبرة] عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن علي الصيمري قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن هارون الضبي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر بن سلم الْحَافِظ قَالَ: إبراهيم بن طهمان خراساني قدم بغداد.
هكذا قال محمّد بن صالح وكيلجة. قلت لمحمد بن سابق: أين كتبت عن إبراهيم بن طهمان؟ فقال: ببغداد قدم علينا يريد الحج. قَالَ محمد بن عمر: حَدَّثَنِيهِ أحمد بن محمد بن سعيد عنه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَرَ بن بكير الْمُقْرِئ، أَخْبَرَنَا الحسين بن أحمد الهروي
الصّفّار، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ياسين، أَخْبَرَنَا محمد بن صالح بن سهل قَالَ: سمعت يحيى بن أكتم يقول: كان إبراهيم بن طهمان من أنبل من حدث بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم وأوسعهم علما.
وَقَالَ أحمد: أَخْبَرَنَا المسعودي- وهو الفضل بن عبد الله- حَدَّثَنَا عبد الله بن مالك عن عمه غسان. قَالَ: كان إبراهيم بن طهمان حسن الخلق، واسع الأمر، سخي النفس، يطعم الناس ويصلهم، ولا يرضى بأصحابه حتى ينالوا من طعامه.
وقال: أخبرني الفضل بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن مالك عن عمه غسان بن سليمان. قَالَ: كنا نختلف إلى إبراهيم بن طهمان إلى القرية، فكان لا يرضى منا حتى يطعمنا، وكان شيخا واسع القلب، وكانت قريته باشان من القصبة على فرسخ.
أَخْبَرَنَا ابن بكير، حدّثنا الحسين بن أحمد الصّفّار، حدثنا أحمد بن محمد بن ياسين قال: سمعت محمد بن عبد الرحيم يقول: كان إبراهيم بن طهمان من أهل باشان، معروف الدار بها والقرابة، وكان داره ومقامه بقصور المدينة، باب فيروزآباذ، إلى أن خرج عنها. وكان يطعم الطعام أهل العلم كل من يأتيه، لا يرضى لهم إلا بذلك.
أَخْبَرَنَا ابن بكير، أخبرنا الحسين بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن ياسين، حدّثنا عثمان بن سعيد، حَدَّثَنَا نعيم بن حماد. قَالَ: سمعت عن إبراهيم بن طهمان منذ أكثر من ستين سنة. كان يقال له إنه مرجئ. قَالَ عثمان: وكان إبراهيم هرويا ثقة في الحديث، لم يزل الأئمة يشتهون حديثه، ويرغبون فيه، ويوثقونه.
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين القطّان، أخبرنا دَعْلَجِ بْنِ أَحْمَدَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأبار، حدّثنا محمّد بن حميد الرّازيّ، حَدَّثَنَا جرير. قَالَ: رأيت رجلا على باب الأعمش تركي الوجه فقال: كان نوح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجئا، فذكرته للمغيرة فقال: فعل الله بهم وفعل، لا يرضون حتى ينحلوا بدعتهم للأنبياء! هو إبراهيم بن طهمان.
قرأت على الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم، عَنْ أبي سعيد بْن رميح النسوي قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن محمد بْن بسطام يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن سيار بن أيوب يقول: كان إبراهيم بن طهمان هروي الأصل، ونزل نيسابور ومات بمكة، وكان جالس الناس فكتب الكثير، ودون كتبه، ولم يتهم في روايته. روى عنه ابن المبارك، وعاش إلى أن كتب عنه علي بن الحسين بن واقد سنة ستين ومائة بمكة. وكان الناس اليوم في حديثه
أرغب، وكان كراهية الناس فيه فيما مضى أنه ابتلي برأي الإرجاء وممن روى عنه الكثير خالد بن نزار الأيلي.
وسمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: لو عرفت من إبراهيم بن طهمان بمرو ما عرفت منه بنيسابور ما استحللت أن أروي عنه- يعني من رأي الإرجاء-.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الواحد بْن علي البزاز، أخبرنا عمر بن محمّد بن يوسف، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي دَاوُد السجستاني قَالَ: سمعت أبي يقول: إبراهيم بن طهمان ثقة، وكان من أهل سرخس، فخرج يريد الحج فقدم نيسابور فوجدهم على قول جهم، فقال: الإقامة على هؤلاء أفضل من الحج، فأقام فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء.
أَخْبَرَنِي أبو الفتح عبد الملك بن عمر الرزاز، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حَدَّثَنِي الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن مُحَمَّد بن موسى بن الفرات- بمصر- حَدَّثَنَا أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون الهاشمي، حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، حَدَّثَنَا الحسين بن منصور، عن الحسين بن الوليد قَالَ:
لقيت مالك بن أنس فسألته عن حديث فقال: لقد طال عهدي بهذا الحديث، فمن أين جئت به؟ قلت: حَدَّثَنِي به عنك إبراهيم بن طهمان. قَالَ: أبو سعيد؟ كيف تركته؟ قلت: تركته بخير، قَالَ: هو بعد يقول: أنا عند الله مؤمن؟ قلت له: وما أنكرت من قوله يا أبا عبد الله؟ فسكت عني وأطرق ساعة ثم قَالَ: لم أسمع السلف يقولونه.
أَخْبَرَنِي أبو بكر البرقاني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خيرويه الهروي، أخبرنا الحسين بْن إدريس قَالَ: سمعت ابْن عمار يقول: إبراهيم بن طهمان ضعيف وهو مضطرب الحديث.
وأخبرنا البرقاني، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حسنويه الغوزمي، أخبرني الحسين بن إدريس الأنصاريّ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: سمعت أحمد بن حنبل. قَالَ: إبراهيم بن طهمان هو صحيح الحديث، مقارب إلا أنه كان يرى الإرجاء.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ الدّقّاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، حدثنا عمر بن محمد بن شعيب الصابوني، حَدَّثَنَا حنبل بن إسحاق قَالَ:
سمعت أبا عبد الله يقول: كان إبراهيم بن طهمان من أهل خراسان من نيسابور، وكان مرجئا، وكان شديدا على الجهمية.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن أَحْمَد بن علي الكتاني- لفظا بدمشق- قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الوهاب بن جعفر الميداني، حَدَّثَنَا أَبُو هاشم عَبْد الجبار بْن عَبْد الصّمد السّلميّ، حدّثنا القاسم بن عيسى العصار، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني. قال: إبراهيم ابن طهمان كان فاضلا يُرْمَى بالإرجاء.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ محمد الخلّال، حَدَّثَنَا معروف بن محمد الجرجاني قَالَ: سمعت أبا حاتم الرّازيّ يقول: شيخان من خراسان مرجئان ثقتان؛ أبو حمزة السكري، وإبراهيم بن طهمان.
أَخْبَرَنَا علي بن طلحة المقرئ، أَخْبَرَنَا أبو الفتح محمد بن إبراهيم الطرسوسي، أخبرنا محمد بن محمد بن داود الكرجي، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن يوسف بن خراش.
قال: إبراهيم طهمان صدوق في الحديث، وكان مرجئا خراسانيا.
أَخْبَرَنَا محمد بن عمر بن بكير، أخبرنا الحسين بن أحمد الصّفّار، حدّثنا أحمد ابن مُحَمَّد بْن ياسين قَالَ: سمعتُ أَحْمَد بْن نجدة وعلي بن محمد. يقولان: سمعنا أبا الصلت يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما قدم علينا خراساني أفضل من أبي رجاء عبد الله بن واقد الهروي. قلت له: فإبراهيم بن طهمان؟ قَالَ: كان ذاك مرجئا قَالَ علي: أبو الصلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث، أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم كانوا يرجون لأهل الكبائر الغفران، ردا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب، فكانوا يرجون ولا يكفرون بالذنوب- ونحن كذلك .
سمعت وكيع بن الجراح يقول: سمعت سفيان الثوري في آخر أمره يقول: نحن نرجو لجميع أهل الذنوب والكبائر الذين يدينون ديننا، ويصلون صلاتنا، وإن عملوا أي عمل كان شديدا على الجهمية .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الأشناني قَالَ: سمعت أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: وسألته- يعني يحيى ابن معين- عن إبراهيم بن طهمان فَقَالَ: ليس بِهِ بأس.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عبد الله بن محمد الأنماطيّ، أخبرنا محمّد بن المظفّر الحافظ، أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَان المعروف بعلان المصريّ، حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قَالَ: وسألته- يعني يحيى بن معين- عن إبراهيم بن طهمان فقال: ليس به بأس يكتب حديثه. وإبراهيم بن طهمان خراساني سكن مكة.
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الواحد الأكبر، أنبأنا محمّد بن العبّاس، أنبأنا أحمد بن سعيد السوسي. وأخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا أبي، حَدَّثَنَا محمد بن مخلد. قالا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد قَالَ: سألتُ يَحْيَى بْن معين عن إبراهيم بن طهمان فَقَالَ: ثقة.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن يَحْيَى السكري، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشافعي، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر، حدّثنا ابن العلائي عن يحيى بن معين. قال: إبراهيم بن طهمان خراساني ثقة، نزل مكة.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبيّ، أَخْبَرَنَا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور، حَدَّثَنَا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
قَالَ: سمعت أبي يثني على إبراهيم بن طهمان ويذكر أنه كان صحيح الحديث، حسن الدراية، كثير السماع، ما كان بخراسان أكثر سماعا منه، وهو ثقة أَخْبَرَنَا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ، حَدَّثَنِي أبي قَالَ: إبراهيم الطهماني لا بأس بِهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بن بُكَيْر، أخبرنا الحسين بن أحمد، حدّثنا أحمد بن محمّد ابن ياسين قَالَ: سمعت صالح بن محمد يقول: إبراهيم بن طهمان هروي ثقة، حسن الحديث، كثير الحديث، يميل شيئا إلى الإرجاء في الإيمان، حبب الله حديثه إلى الناس، جيد الرواية، حسن الحديث.
أخبرنا ابن بكير، أخبرنا الحسين، حَدَّثَنَا ابن ياسين قَالَ: سمعت إسحاق بن
محمد- بورجة - يقول: قَالَ مالك بن سليمان: كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فاخرة، يأخذ في كل وقت وكان يسخو به، قَالَ: فسئل مسألة يوما من الأيام في مجلس الخليفة فقال: لا أدري فقالوا له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا ولا تحسن مسألة؟! قَالَ: إنما آخذه على ما أحسن، ولو أخذت على مالا أحسن لفني بيت المال علي ولا يفني ما لا أحسن، فأعجب أمير المؤمنين جوابه، وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته .
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم، حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد الفقيه- بخوار الري- حدّثنا محمّد بن صالح الصيمري- بالري- حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الكريم قَالَ: سمعت أحمد بن حنبل- وذكر عنده إبراهيم بن طهمان وكان متكئا من علة فاستوى جالسا- وَقَالَ: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ! ثم قَالَ أحمد: حَدَّثَنِي رجل من أصحاب ابن المبارك قَالَ: رأيت ابن المبارك في المنام ومعه شيخ مهيب فقلت: من هذا معك؟ قَالَ: أما تعرف؟ هذا سفيان الثوري، قلت: من أين أقبلتم؟ قَالَ: نحن نزور كل يوم إبراهيم بن طهمان. قلت: وأين تزورونه؟ قَالَ: في دار الصديقين دار يحيى بن زكريّا.
أخبرني الحسين بن علي الطناجيري، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثني محمّد ابن عمر بن غالب، حدّثني جعفر بن محمّد النّيسابوريّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: مات إبراهيم بن طهمان في سنة ثمان وخمسين ومائة.
قلت: هذا وَهم، وَالصواب ما:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمر بن بكير، حدّثنا الحسين بن أحمد الصّفّار، حدّثنا أحمد بن محمّد بن ياسين، أَخْبَرَنَا المسعودي قَالَ: سمعت مالك بن سليمان يقول: مات إبراهيم بن طهمان سنة ثلاث وستين بمكة. ولم يخلف مثله.
حرف العين من آباء الإبراهيمين
إبراهيم بن محمد المهديّ
ابن عبد الله المنصور بن محمد عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب أبو إسحاق، المعروف بابن شكلة الهاشميّ ولاّه أخوه الرّشيد إمرة دمشق، فقدمها ثم عزله عنها، وولاها غيره، ثم أعاد إبراهيم إلى ولايتها. وولي إمرة الحجّ.
قال حميد بن فروة: لمّا استقرّت للمأمون الخلافة، دعا إبراهيم بن المهدّي المعروف بابن شكلة، فوقف بين يديه، فقال: يا إبراهيم، أنت المتوثّب علينا تدّعي الخلافة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت وليّ الثأر، والمحكم في القصاص، والعفو أقرب للتّقوى، وقد جعلك الله فوق كلّ ذي ذنب، كما جعل كلّ ذي ذنب دونك، فإن أخذت أخذت بحقّ، وإن عفزت عفوت بفضل؛ ولقد حضرت أبي، وهو جدّك، وأتي برجل، وكان جرمه اعظم من جرمي، فأمر الخليفة بقتله، وعنده المبارك بن فضالة، فقال المبارك: إن رأى أمير المؤمنين أن يتأنّى في أمر هذا الرّجل حتى أحدثّه بحديث سمعته من الحسن؛ قال: إيه يا مبارك؛ فقال: حدّثنا الحسن، عن عمران بن حصين، أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم الجمعة نادى مناد من بطنان العرش: ألا ليقومنّ العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلاّ من عفا " فقال الخليفة: إيها يا مبارك، قد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنه.
فقال المأمون: وقد قبلت الحديث بقبوله، وعفوت عنك؛ ها هنا يا عمّ، ها هنا يا عمّ.
روى عن حمّاد الأبحّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نوقش الحساب عذّب ".
قال إبراهيم بن المهدي: كان سبب ولايتي دمشق، أن الهادي زوّجني أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وأمّها أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس، وكان لي سبع سنين، ثم إني قبل انسلاخ اثنتي عشرة سنة من مولدي أدركت، فاستحثّتني أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي، على الابتناء بأمّ محمد بنة صالح، فاستأذنت الرّشيد في ذلك، فأعلمني أن العبّاسة أخته، قد شهدت عليك أنك حلفت يميناً بطلاقها، لحقك فيها الحنث.
قال إبراهيم: وكانت البليّة في هذا الباب أن الرّشيد رغب في تزويج أمّ محمد، وأراد منّي أن أطلّقها، فامتنعت عليه من طلاقها، فتغيّر عليّ في الخاصّة، ولن يقصر بي في العامّة؛ فلم أزل في جفوة منه في الخاصّة، وسوء رأي، ويتأدّى إليّ عنه أشياء، وأشاهد بما يظهر منه إلي أن استتمت ستّ عشرة سنة، وصحّ عندي رغبة أمّ محمد في الرّشيد، وعلمت أنّها لا تصلح لي، فطلّقتها؛ فلم يكن بين تطليقي إيّاها وبين ابتناء الرّشيد بها إلاّ مقدار العدّة، ثم رجع لي الرّشيد إلى ما كنت أعهده من برّه ولطفه قبل ذلك.
وحدّث إبراهيم: أن تطليقه أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وعقد الرّشيد نكاحها لنفسه بعده، أسكنا قلبه غمراً على الرّشيد، فكان لا يستحسن له حسناً، ولا يشكر له فعلاً جميلاً يأتيه إليه، وكان الرّشيد قد تبّين منه، فكانت تعطفه عليه الرّحم، ويصلح ذلك له جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، إلى أن دخل إبراهيم في سنة ثماني عشرة سنةً من مولده.
فلّما دخل في أوّل السّنة، رأى فيما يرى النّائم في ليلة سبت قد كان يريد بالغلس الرّكوب إلى الرّشيد إلى الحلبة في صبيحتها بقصره في ظهر الرّافقة، فرأى فيما يرى النّائم، المهدّ في النّوم، فكأنه قال له: كيف حالك يا إبراهيم؟ فأجابه: وكيف يكون حال من خليفتك عليه هارون إلاّ شرّ حال! ظلمني من ميراثك، وقطع رحمي، ولم يحفظني لك، واستنزلني عن ابنة عمّي؛ فكأنه يقول لي: لقد اضطغنت عليه أشياء، أقلّ منها يضغن، وشرّ من قطيعة الرّحم الاضطغان على ذوي الأرحام، فما تحبّ الآن أن أفعل به؟
فقلت: تدعو الله عليه! فكأنه تبسّم من قولي، ثم قال: اللهم أصلح ابني هارون، اللهم أصلح عبدك هارون.
قال إبراهيم: فكأني حزنت من دعائه له بالصّلاح، فبكيت، وقلت: يا أمير المؤمنين، أسألك أن تدعو الله عليه، فتدعو له! قال: فكأنه يقول لي: إنّما ينبغي للعبد أن يدعو بما ينتفع به، ويرجو فيه الإجابة، وإن دعوت الله عليه، فاستجاب لي، لم ينفعك ذلك، وقد دعوت الله له بالصّلاح، وإن استجيب دعائي بصلاحه، صلح لك فانتفعت به، ثم ولّى عنّي، ثم التفت إليّ فقال لي: قد استجيبت الدّعوة، وهو قاض عنك دينك، ومولّيك جند دمشق، وموسّع في الرّزق، فاتقّ الله يا إبراهيم فيمن تتقلّد أمره.
قال: فكأني أقول له وأنا أدير السّبابة من يدي اليمنى: دمشق دمشق دمشق! قال: فكأنه يقول لي: حرّكت مسبّحة يدك اليمنى، وقلت: دمشق دمشق دمشق، تكرّرها استقلالاً لها! إنها دنيا يا بنّي، وكلّما قلّ حظّك منها كان أجدى عليك في آخرتك، وانتبهت مرعوباً، فاغتسلت، ولبست ثيابي، وركبت إلى الرّشيد، إلى قصر الخشب بالراّفقة عنه إذا لم يكن عند حرمه، فسألت عند موافاتي القصر عن خبره فأخبرت أنه يتهيّأ للصّلاة، فلّما صرت إلى الرّواق الذي هو جالس فيه، قال لي مسرور الكبير: اجلس بأبي أنت، لا تدخل على أمير المؤمنين، فإنه مغموم يبكي لشيء لا أعلمه؛ فما هو إلاّ أن سمع كلامي، حتى صاح بي: يا إبراهيم، أدخل، فديتك؛ فما هو إلاّ أن رآني حتى شهق شهقة تخوّفت عليه منها، ورفع صوته بالبكاء، ثم قال: يا حبيبي ويا بقيّة أبي وكان يقول لي كثيراً: يا بقيّة أبي، لشدّة شبه إبراهيم بالمهدّي في لونه وعينيه وأنفه أسألك بحقّ الله، وحقّ رسوله، وحقّ المهديّ، هل رأيت في نومك في هذه اللّيلة أحداً تحبّه؟ فقلت: إي، والله، يا أمير المؤمنين، لقد رأيت آنفاً المهديّ، قال: فبحقّه عليك، هل شكوتني إليه؟ وسألته أن يدعو عليّ فدعا الله لي بالصلاح، فأنكرت ذلك عليه، حتى قال لك في ذلك قولاً طويلاً. فقلت له: وحقّ المهديّ لقد كان ذلك، ولقد أخبرني بعد دعائه أن الله استجاب دعاءه، وأنك قد صلحت لي وانك تقضي ديني، وتوسع عليّ في الرّزق، وتوليني دمشق.
قال: فازداد الرّشيد في البكاء، وقال: قد وحقّه الواجب عليّ أمرني بقضاء دينك، والتّوسعة في الرّزق عليك، وتوليتك جند دمشق.
ثم دعا بمسرور، وقال: احمل معك قناةً ولواءً إلى ميدان الخيل، حتى أعقد لبقّية أبي على جند دمشق إذا رجعت الخيل.
فصّلى وركب وركبت معه، فلّما رجعت الخيل عقد لي على دمشق، وأمر لي بأربعين ألف دينار، فقضيت بها ديني، وأجرى عليّ في كلّ سنة ثلاثين ألف دينار عمالةً، فلبثت في العمل سنتين ارتزقت فيهما ستين ألف دينار، فصار مرزقي من تلك الولاية مع ما قضى عني من الدّين مئة ألف دينار.
وحدّث إبراهيم، أنه ما علم أحداً ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقّبه به أهل ذلك الجند غيره، فسئل عن السبب في ذلك، فأعلم أنه فحص عنه عقد الرّشيد له على جند دمشق، فاخبر أن كلّ ملقّب ممّن ولي إمرته لم يكن إلاّ مّمن ينحرف عنه من اليمانيّة أو المضريّة؛ فكان إن مال إلى المضريّة لقّبته اليمانيّة، وإن مال إلى اليمانيّة لقّبته المضريّة.
وانه لمّا ولي وافى حمص، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعدّ للأمراء في العيدين، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقّاه الحيّان من مضر ويمن، فلقي كلّ من تلقّاه بوجه واحد، فلما دخل المدينة أمر صاحبه بإحضار وجوه الحيّين، وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدّم من كلّ حيّ الأفضل فالأفضل منهم، وأن يأتيه بذلك، فلّما أتاه به، أمر بتصيير النّاس من الجانب الأيمن مضريّاً، وعن شماله يمنيّاً، ومن دون اليمانيّ مضريّ، ومن دون المضريّ يمانيّ، حتى لا يلتصق مضريّ بمضريّ، ولا يمانيّ بيمانيّ، ثم قدّم الطّعام، فلم يطعم شيئاً حتى حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل قريشاً موازين بين العرب، فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خؤولتها، وافترض عليها حبّ العمومة والخؤولة، فليس يتعصّب قرشيّ إلاّ للجهل بالمفترض عليه؛ ثم قال: يا معشر مضر، كأنّي بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن: قد قدّم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قالت: وكيف قدّمكم علينا وقد جعل بجنب اليمانّي مضريّاً، وبجنب المضريّ يمانيّاً، فقلتم با معشر مضر؛ إنّ الجانب الأيمن أعلى
من الجانب الأيسر، وقد جعل الجانب الأيمن لمضر والأيسر لليمن، وهذا دليل على تقدمته إيّأنا عليكم؛ إلا إن مجلسك يا رئيس المضريّة في غد من الجانب الأيسر، ومجلسك يا رئيس اليمانيّة من غد في الجانب الأيمن، وهذان الجانبان نوب بينكما، يكون كلّ من كان فيه في يومه متحوّل عنه في غده إلى الجانب الآخر؛ ثم سمّيت الله، ومددت يدي إلى طعامي، فطعمت وطعموا معي، فانصرف القوم عنّي في ذلك اليوم، وكلّهم لي حامد.
ثم كانت تعرض الحاجة لبعض الحيّين، فاسأل قبل أن أقضيها له: هل لأحد من الحيّ الآخر حاجة شبه حاجة السائل؟ فإذا عرفتها قضت الحاجتين في وقت واحد، فكنت عند الحيّين محموداً، لا أستحقّ عند واحد منهم ذمّاً ولا عيباً ولا نبزاً ينبز به.
قال أبو بكر الخطيب: بويع له بالخلافة ببغداد في أيام المأمون، وقاتل الحسن بن سهل، وكان الحسن أميراًمنقبل المأمون، فهزمه إبراهيم، فتوجّه نحوه حميد الطّوسيّ، فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم مدّة طويلة حتى ظفر به المأمون فعفا عنه، وكان أسود حالك اللّون، عظيم الجثّة، ولم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً، ولا أجود شعراً.
قال: وكان إبراهيم وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النّفس، سخيّ الكفّ، وكان معروفاً بصنعة الغناء، حاذقاً بها، وله يقول دعبل بن علي يتقرّب بذلك من المأمون: من الكامل
نعر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعاً بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
وقال ابن ماكولا: أما التّنّين، أوله تاء معجمة باثنتين من فوقها، وبعدها نون مشدّدة مكسورة، فهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور، أمير المؤمنين، كنيته أبو إسحاق، أمّه شكله نسب إليها، وكانت سوداء، وكان شديد السّواد، عظيم الجسم، فلقّب التّنّين
لذلك، ولد في سنة اثنتين وستين ومئة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومئتين وقيل: في سنة ثلاث وعشرين بسرّ من رأى، كان من أحسن النّاس غناء وأعلمهم به، وهو شاعر مطبوع مكثر.
قال إسحاق بن الفضل الهاشميّ: كتب طاهر بن الحسين إلى إبراهيم بن المهديّ، وهو يحاربه، في ترك التّقحّم، والأخذ بالحزم، وإبراهيم في طاعة محمد بن زبيدة: بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله وعافاك، أمّا بعد: فإنه كان عزيزاً عليّ أن أكتب إلى رجل من أهل بيت الخلافة بغير التّأمير، لكن بلغني عنك أنك مائل بالرّأي والهوى إلى النّاكث المخلوع، فإن يك ما بلغني حقّاً، فقليل ما كتبت به إليك كثير، وإن يك باطلاً فالسّلام أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته.
وكتب في أسفل كتابه: من البسيط
ركوبك الهول ما لم تلق فرصته ... جهل ورأيك في الإقحام تعزير
أعظم بدنيا ينال المخطئون بها ... حظّ المصيبين والمغرور مغرور
ازرع صواباً وحبل الرأي موترة ... فلن يردّ لأهل الحزم تدبير
فإن ظفرت مصيباً أو هلكت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور
وإن ظفرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: بعث المأمون إلى عليّ ين موسى الرّضا فحمله وبايع له بولاية العهد، فغضب من ذلك بنو العبّاس، وقالوا: لا تخرج الأمر عن أيدينا؛ وبايعوا إبراهيم بن المهديّ، فخرج إلى الحسن بن سهل فهزمه، وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بن المهديّ بالمدائن، ثم وجّه الحسن عليّ بن هشام وحميد الطّوسيّ، فاقتتلوا فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم، فلم يعرف خبره، حتى قدم المأمون فأخذه.
وقال إسماعيل بن علي بن إسماعيل: وبايع أهل بغداد لإبراهيم بن المهديّ بالخلافة ببغداد في داره المنسوبة إليه، في ناحية سوق العطش، وسمّوه المبارك، وقيل: سمّوه
المرضيّ، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرّم سنة اثنتين ومئتين، فغلب على الكوفة والسّواد، وخطب له على المنابر، وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن ين سهل مقيمّ في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم يزل إبراهيم مقيماً ببغداد على أمره يدعى بإمرة المؤمنين، ويخطب له على منبر بغداد وما غلب عليه من السّواد والكوفة، ثم رحل المأمون متوجهاً إلى العراق، وقد توفي عليّ بن موسى الرضا.
فلّما أشرف المأمون على العراق وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهديّ، وقصرت يده، وتفرّق النّاس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومئتين، فركب إبراهيم بن المهديّ في زيّ الخلافة إلى المصلّى فصلّى بالنّاس صلاة الأضحى، وهو ينظر إلى عسكر غليّ بن هشام مقدمة للمأمون، ثم انصرف من الصّلاة، فنزل قصر الرّصافة، وغدا النّاس فيه، ومضى من يومه إلى داره المعروفة به، فلم يزل فيها إلى آخر النّهار، ثم خرج منها باللّيل فاستتر وانقضى أمره.
فكانت مدّته منذ بويع له بمدينة السّلام إلى يوم استتاره سنةً واحد عشر شهراً وخمسة أيّام، وكان سنّة يوم بويع له تسعاً وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، لأن مولده غرّة ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومئة، واستتر وسنّه إحدى وأربعون سنة وأيام، وأقام في استتاره ستّ سنين وأربعة أشهر وعشرة أيّام، وظفر به المأمون لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومئتين، فعفا عنه واستبقاه، فلم يزل حيّاً طاهراً مكرّماً إلى أن توفي في خلافة المعتصم بالله، وكان واسع الأدب كثير الشّعر.
قال ابن مهرويه: لمّا بويع إبراهيم بن المهديّ ببغداد قلّ المال عنده، وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السّواد وغيرهم، فاحتبس عليهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوّفهم بالمال ولا يرون لذلك حقيقة، إلى أن اجتمعوا يوماً وخرج رسول إبراهيم إليهم، فصرّح لهم أنه لا مال عنده؛ فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: فإذا لم يكن المال، فاخرجوا إلينا خليفتنا فليإنلأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات،
فيكون ذلك عطاءهم، فانشد دعبل في ذلك: من السريع
يا معشر الأعراب لا تغلطوا ... وارضوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعكيكم حنينيّة ... لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديّات لقوّادكم ... وما بهذا أحد يغبط
فهكذا يرزق أجناده ... خليفة مصحفة البربط
البربط: العود، وأصله بالفارسية، والعرب تسميه المزهر.
وقال محمد بن القاسم بن خلاد: لمّا طال على إبراهيم بن شكلة الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: وليّ الثّأر محكّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرّجاء أمن عادية الدّهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كلّ ذي عفو، كما جعل كلّ ذي ذنب دونه، فإنعفا فبفضله، وإن عاقب فبحقّه.
فوقّع المأمون في قصّته أمانه، وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالنّدم إنابة، وعفو الله أوسع من كلّ شيء.
ولمّا دخل إبراهيم على المأمون، قال: من الخفيف
إن أكن مذنباً فحظي أخطأ ... ت فدع عنك كثرة التّأنيب
قل كما قال يوسف لبني يع ... قوب لمّا أتوه لا تثريب
فقال: لا تثريب.
قال ثمامة بن أشرس: قال لي المأمون: قد عزمت غداً على تقريع إبراهيم بن
المهديّ فاحضر مبكّراً، وليقرب مجلسك منّي، وقام السّماط، فبينا نحن كذلك إذ سمعت صلصلة الحديد، فرفعت نظري فإذا إبراهيم بن المهديّ موقوف على البساط، ممسوك بضبعيه، مغلولة يده إلى عنقه، قد تهدّل شعره على عينيه، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المأمون: لا سلّم اله عليك ولا حيّاك ولا رعاك ولا كلاّك، أكفرّ يا إبراهيم بالنّعمة بغير شكر، وخروج على أمير المؤمنين بغير عهد ولا عقد! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له في الاغترار هجمت به الأناة على التّلف، وقد رفعك الله فوق كل ذي ذنب، كما وضع كلّ ذي ذنب دونك؛ فإن تعاقب فبحقك، وإن تعف فبفضلك.
فقال المأمون: إنّ هذين قد أشارا عليّ بقتلك وأومى إلى المعتصم والعبّاس ابنه! فقال: أشارا عليك يا أمير المؤمنين بما يشار به على مثلك في مثلي من حسن السّياسة والتدّبير، وإنّ الملك عقيم، ولكنّك تأبى أن تستجلب نصراً إلاً من حيث عوّدك الله عزّ وجلّ، وأنا عمّك، والعمّ صنو الأب؛ وبكى.
فترغرغت عينا المأمون، ثم قال: يا ثمامة؛ فوثبت قائماً، فقال: إنّ من الكلام كلام كالدّرّ؛ حلّوا عن عمّي، وغيّروا من حالته في أسرع وقت، وجيئوني به.
فأحضره مجلسه ونادمه، وسأله أن يغنّي، فأبى، وقال: نذرت يا سيدي لله عند خلاصي تركه، فعزم عليه، وأمر أن يوضع العود في حجره، فسمعته يغنّي: من مجزوء الكامل
هذا مقام مشرّد ... خربت منازله ودوره
نمّت عليه عداته ... كذباً فعاقبه أميره
ثم ثنّى بشعر آخر: من الطويل
ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... لوى الدّهر بي عنها وولّى بها عنّي
فإن أبك نفسي أبك نفساً عزيزة ... وإن أحتقرها أحتقرها على ضنّ
وإنّي وإنكنت المسيئ بعينه ... بربّي تعالى جدّه حسن الظّنّ
عدوت على نفسي فعاد بعفوه ... عليّ فعاد العفو منّا على منّ
فقال له المأمون: أحسنت والله يا أمير المؤمنين حقاً! ؛ فرمى بالعود من حجره ووثب قائماً فزعاً من هذا الكلام؛ فقال له المأمون: اقعد واسكن، فوحياتك ما كان ذلك لشيء تتوهّمه، ووالله لا رأيت منّي طول أيّامي شيئاً تكرهه وتغتّم به.
ثم أمر بكلّ ما قبض له من الأموال والدّور والعقار والدّواب والضّياع أن تردّ عليه، وأعاد مرتبته، وأمر له في تلك السّاعة بعشرة آلاف دينار، وانصرف مكرماً مخلوعاً عليه، على خيل ورجل أمير المؤمنين، واشتهر في الخاصّة والعامّة عفو أمير المؤمنين عن عمّه، فحسن موقع ذلك منهم، واستوسقوا على الطّاعة والموالاة، والشّكر والدّعاء.
فقيل لثمامة: أي شيء كان جرمه؟ قال: بويع له بالخلافة بعد محمد بن هارون، والمأمون بخراسان، فلّما دخل المأمون اختفى، وأهدر المأمون دمه، ونادى عليه، فجاء من غير أن يجيء به أحد، فأمكن من نفسه، فحبسه ستة أشهر، وأخرجه، وعفا عنه.
قال الفضل بن العبّاس الهاشميّ: بعث المأمون إلى إبراهيم عمّه بعدما حبسه، رجلاً يثق له، فقال: تعرف ما يعمل عمّي، وما يقول؛ قال: فعل، ثم رجع غليه، فقال: رأيته يبكي، وقد وضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنّى: من الطويل
فلو أنّ خدّاً من وكوف مدامع ... يرى معشباً لاخضرّ خدّي فأعشبا
كأن ربيع الزّهر بين مدامعي ... بما انهل منها من حياً وتصبّبا
ولو أنني لم أبك إلاً مودّعاً ... بقّية نفس ودّعتني لتذهبا
وقد قلت لمّا لم أجد لي حيلةً ... من الموت لمّا حلّ أهلاً ومرحباً
قال: فبكى المأمون، ثم أمر بالتحقيق عنه.
وحدّث حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: لمّا دخلت على ابن شكلة في بقايا غضب
المأمون، فقلت: من البسيط
هي المقادير تجري في أعنّتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوماً تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السّماء ويوماً تخفض العالي
فأطرق، ثم قال: من البسيط
عيب الأناة وإنسرت عواقبها ... أن لا خلود وأن ليس الفتى حجراً
فما مضى ذلك اليوم حتى بعث إليه المأمون بالرّضى، ودعاه للمنادمة؛ والتقيت معه في مجلس المأمون، فقلت: ليهنك الرّضى؛ فقال: ليهنك مثله من متيّم، وكانت جارية أهواها، فحسن موقع ذلك عندي، فقلت: من الطويل
ومن لي بأن ترضى وقد صحّ عندها ... ولوعي بأخرى من بنات الأعاجم
وقال المبرّد: وقّع إبراهيم بن المهديّ في رقعة كاتب له ورآه يتتّبع الغريب والوحشيّ من الكلام: إيّاك والتتّبع لوحشيّ الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإن هذا العيّ الأكبر، وعليك بما سهل من الكلام، مع التحفّظ لألفاظ السّفل.
وقال حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده: استزار إبراهيم بن المهديّ الرّشيد بالرّقّة، وإن الرّشيد كان لا يأكل الطعام الحارّ قبل البارد، وإنه لما وضعت البوارد على المائدة رأى فيما قرب منه قريس السّمك، فاستصغر القطع، فقال لإبراهيم: لم يصغّر طبّاخك قطع السمك؟ فقال: لم يصغّر طبّاخي القطع، وإنّما هذه ألسنة السّمك! فقال: يشبه أن يكون في هذا الجام مئة لسان؛ فقال له مراقب خادم إبراهيم وكان يتولّى قهرمة إبراهيم: فيه يا أمير المؤمنين أثر من مئة لسان! فاستحلفه على مبلغ ثمن السّمك، فاخبره أنه ألف درهمّ فرفع هارون يده عن الطعام، وحلف أن لا يطعم شيئاً دون أن يحضر مراقب ألف دينار، فأمر أن يتصدّق بها، وقال لإبراهيم: أرجو أن تكون هذه كفّارة لسرفك، على جام سمك ألف درهم! ثم أخذ الجام بيده ودفعه إلى بعض
خدمه، وقال: اخرج به من دار أخي، ثم انظر أوّل سائل تراه فادفعه إليه.
قال إبراهيم: وكان شراء الجام عليّ مئتين وسبعين ديناراً، فغمزت خدمي أن يخرجوا مع الجام فيبتاعوه ممّن يدفع إليه، فكأن الرّشيد فهم ذلك منّي، فهتف بالخادم فقال: إذا دفعت الجام إلى السّائل فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: احذر أن تبيع الجام بأقلّ من مئتي دينار، فإنه خير منها: ففعل خادمه ما أمره به، فوالله ما أمكن خادمي أن يخلص الجام إلاّ بمئتي دينار.
وقال عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع: ما اجتمع أخ وأختّ أحسن غناءً من إبراهيم بن المهدي وأخته عليّة وكانت تقدّم عليه.
وعن الحسين بن عبد الرحمن الحلبي عن أبيه، قال: أمر المأمون أن يحمل إليه عشرة من الزّنادقة سمّوا له من أهل البصرة، فجمعوا وأبصرهم طفيليّ، فقال: ما اجتمع هؤلاء إلاّ لصنيع، فانسلّ فدخل وسطهم، ومضى بهم الموكّلون حتى انتهوا إلى زورق قد أعدّ لهم، فدخلوا الزّورق، فقال الطفيليّ: هي نزهة، فدخل معهم الزّورق، فلم يك بأسرع بأن قيّد القوم وقيّد معهم الطّفيليّ، فقال الطفيليّ: بلغ تطفيلي إلى القيود! ثم سيّر بهم إلى بغداد، فدخلوا على المأمون، فجعل يدعو بأسمائهم رجلاً رجلاً فيأمر بضرب رقابهم، حتى وصل إلى الطّفيليّ، وقد استوفوا عدّة القوم، فقال للموكلّين بهم: ما هذا؟ فقالوا: والله ما ندري، غير أنّا وجدناه مع القوم فجئنا به؛ فقال المأمون: ما قصّتك ويلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، امرأته طالق إن كان يعرف ن أقوالهم شيئاً، ولا يعرف إلاّ الله، ومحمداً النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنّما رجل رأيتهم مجتمعين، فظننت صنيعاً يغدون إليه؛ فضحك المأمون وقال: يؤدّب.
وكان إبراهيم بن المهديّ قائماً على رأس المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي أدبه، أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي، فقال: قل يا إبراهيم، قال: يا أمير المؤمنين، خرجت من عندك يوماً في سكك بغداد متطرّباً، حتى انتهيت إلى موضع سمّاه فشممت
يا أمير المؤمنين من جناح أبا زير قدور فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها، وإلى طيب ريحها، فوقفت على خيّاط، وقلت له: لمن هذه الدّار؟ فقال: لرجل من التّجّار، من البزّازين؛ فقلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، فرميت بطرّفي إلى الجناح فإذا في بعضه شبّاك، فأنظر إلى كفّ قد خرج من الشّباك قابضاً على بعضه، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور، فبقيت ها هنا ساعةً، ثم أدركني ذهني، فقلت للخيّاط: هل هو ممّن يشرب النبيذ؟ قال: نعم، وأحسب عنده اليوم دعوة، وليس ينادم إلاّ تجّاراً مثله مستورين.
فإني كذلك إذا أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدّرب، فقال الخيّاط: هؤلاء منادموه؛ فقلت: ما أسماؤهما وماكناهما؟ فقال: فلان وفلان، وأخبرني بكناهما، فحرّكت دابّتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما، استبطأكما أبو فلان أعزّه الله، وسايرتهما، حتى أتينا إلى الباب، فأجلاني وقدّماني، فدخلت ودخلا، فلّما رآني معهما صاحب المنزل، لم يشكّ أني منهما بسبيل، أو قادم قدمت من موضع، فرحّب وأجلسني في أفضل المواضع، فجيئ يا أمير المؤمنين بالمائدة، وعليها خبز نظؤف، وأتينا بتلك الألوان، فكان طعمها أطيب من ريحها؛ فقلت في نفسي، هذه الألوان قد أكلتها، بقيت الكفّ أصل إلى صاحبتها؛ ثم رفع الطّعام وجيء بالوضوء، ثم صرنا إلى منزل المنادمة، فإذا أشكل منزل أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطفني، ويقبل عليّ بالحديث، وجعلوا لا يشكّون أن ذلك منه لي عن معرفة متقدمة، وإنّما ذلك الفعل كان منه لما ظنّ أني منهما بسبيل؛ حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية يا أمير المؤمنين كأنها غصن بان تتثنّى، فأقبلت تمشي، فسلّمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة فجلست، وأتي بعود فوضع في حجرها، فجسّته، فاستنبأت في جسّها حذقها، ثم اندفعت تغنّي وتقول: من الطويل
توهّمها طرفي فأصبح خدّها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحها قلبي فآلم كفّها ... فمن مسّ قلبي في أناملها عقر
فهيّجت يا أمير المؤمنين لا بلي، وطربت بحسن شعرها، وحذقها؛ ثم اندفعت تغنّي: من الطويل
أشرت إليها هل عرفت مودّتي ... فردّت بطرف العين إني على العهد
فحدت عن الإظهار عمداً لسرّها ... وحاذت عن الإظهار أيضاً على عمد
فصحت: السّلامة، يا أمير المؤمنين، وجاءني من الطّرب ما لم أملك نفسي، ثم اندفعت تغنّي الصّوت الثالث: من الطويل
أليس عجيباً أن بيتاً يضمّني ... وإيّاك لا نخلو ولا نتكلّم
سوى أعين تشكو الهوى بجفونها ... وتقطيع أنفاس على النّار تضرم
إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكفّ تسلّم
فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذقها وإصابتها معنى الشعر، وأنها تخرج من الفنّ الذي ابتدأت فيه؛ فقلت: بقي عليك يا جارية؛ فضربت بعودها الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان منّي، ورأيت القوم كأنّهم قد تغيّروا بي، فقلت: ليس ثمّ عود؟ فقالوا: بلى والله يا سيّدنا، فأتينا بعود، فأصلحت من شأنه ما أردت، ثم اندفعت أغنّي: من الكامل
ما للمنازل لا يجبن حزيناً ... أصممن أن قدم المدى فبلينا
روحوا العشيّة روحة مذكورةً ... إن متن وإن حيين حيينا
فما استتممته يا أمير المؤمنين حتى خرجت الجارية فأكبّت على رجلي فقبّلتها، وتقول: معذرةً يا سيّدي والله ما سمعت من يغنّي هذا الصّوت مثلك أحد، وقام مولاها وجميع من كان حاضراً فصنعوا كصنيعها، وطرب القوم، واستحثّوا الشراب فشربوا بالكاسات والطّاسات، ثم اندفعت أغنّي: من الطويل
أفي الله أن تمشين لا تذكرينني ... وقد سمحت عيناي من ذكرك الدّما
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما
إلى الله أشكو أنها أجنبيّة ... وأني بها ما عشت بالوّد مغرما
فجاءنا من طرب القوم يا أمير المؤمنين شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم، فأمسكت ساعة حتى هدأوا ممّا كانوا فيه من الطّرب، ثم اندفعت أتغنّى بالصّوت الثالث: من البسيط
هذا محبّك مطوّي على كمده ... حرّى مدامعه تجري على جسده
له يد تسأل الرّحمن راحته ... ممّا به ويد أخرى على كمده
يا من رأى أسفاً مستهتراً دنفاً ... كانت منيّته في عينه ويده
فجعلت الجارية تصبح: هذا والله الغناء يا سيّدي.
وذكر الحكاية إلى أن قال: وخلوت معه،
ثم قال لي: يا سيّدي ذهب ما كان من أيّامي ضياعاً إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلحّ عليّ حتى أخبرته، فقام فقّبل رأسي، وقال: يا سيدي، وأنا أعجب يكون هذا الأدب إلاّ من مثلك! وإذا أني مع الخلافة وأنا لا أشعر! ثم سألني عن قصّتي، وكيف حملت نفسي على ما فعلت؛ فأخبرته خبر الطعام، وخبر الكفّ والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي؛ فقال: والكفّ والمعصم؟ ثم قال: يا فلانة لجارية له فجعل ينزل لي واحدةً واحدةً، فأنظر إلى كفّها ومعصمها، فأقول: ليس هي؛ قال: والله ما بقي غير أختي وأمّي، والله لأنزلنّهما إليك! فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداك، ابدأ بأختك قبل الأم، فعسى أن تكون هي؛ فقال: صدقت، فنزلت، فلّما رأيت كفّها ومعصمها، قلت: هي ذه! فأمر غلمانه فصاروا إلى عشرة من جلّة جيرانه في ذلك الوقت، فأحضروا، ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، وقال للمشايخ: هذه أختي فلانة، أشهدكم أني قد زوّجتها من سيّدي إبراهيم بن المهديّ، وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم؛ فرضيت وقبلت النّكاح، ودفع إليها البدرة، وفرّق الأخرى على المشايخ؛ ثم قال لهم: اعذروا وهذا ما حضر على الحال، فقبضوها ونهضوا.
ثم قال لي: يا سيّدي، أمهّد لك بعض البيوت تنام مع أهلك، فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره، وكرم خيمه؛ فقلت: بل أحضر عماريّة وأحملها إلى منزلي؛ قال: ما شئت.
فأحضرت عماريّة فحملتها وصرت بها إلى منزلي.
فوحقّك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ من الجهاز ما ضاقت به بعض بيوتنا، فأولدتها هذا القائم على رأس سيّدي أمير المؤمنين.
فعجب المأمون من كرم ذلك الرّجل، وسعة صدره، وقال: لله أبوهّ ما سمعت مثله قط؛ ثم أطلق الرّجل الطّفيليّ وأجازه بجائزة سنيّة، وأمر إبراهيم بإحضار الرّجل، فكان من خواصّ المأمون وأهل محبّته.
وقال محمد بن الحارث بن بسخنّر: وجّه إليّ إبراهيم بن المهدي يوماً يدعوني، وذلك في أوّل خلافة المعتصم، فصرت إليه، وهو جالس وحده، وشارية جاريته خلف السّتارة؛ فقال لي: إني قلت شعراً وغنّيت فيه فطرحته على شارية، فأخذته وزعمت أنها أحذق به منّي، وأنا أقول: إني أحذق به منها، وقد رضيناك حكماً بيننا لموضعك من هذه الصّناعة، فاسمعه منّي ومنها، واحكم ولا تعجل، حتى تسمعه ثلاث مرّات، فاندفع يغنّي: من الطويل
أضن بليلى وهي غير سخيّة ... وتبخل ليلى بالهوى فأجود
وأنهى فلا ألوي على زجر زاجر ... وأعلم أني مخطئ فأعود
فأحسن فيه وأجاد، ثم قال لها: تغنّي، فغنّت، فبرّزت فيه، حتى كأنه كان معها في أبي جاد، ونظر إليّ فعرف أني قد عرفت فضلها، فقال: على رسلك؛ ثم اندفع فغنّاه ثانية فأضعف في الإحسان، ثم قال لها: تغنّي، فبرعت وازدادت أضعاف زيادته، وكدت أشقّ ثيابي طرباً، فقال: تثبّت ولا تعجل؛ ثم غنّاه ثالثة، فلم يبق غاية في الإحكام، ثم أمرها فغنّت، فكأنما كان يلعب، ثم قال: قل: فقضيت لها، قال:
أصبت، بكم تساوي عندك الآن، فحملني الحسد له عليها والنّفاسة بمثلها، أن قلت: تساوي مئة ألف درهمّ فقال: وما تساوي على هذا الإحسان والتفّفضيل إلاّ مئة ألف درهم؟ قبّح الله رأيك، والله ما أجد شيئاً أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك مذموماً مدحوراً، فقلت: ما لقولك: اخرج عن منزلي، جواب؛ وقمت أنصرف وقد أحفظني فعله وكلامه وأرمضني، فلّما خطوت خطوات التفتّ إليه، فقلت: يا إبراهيم، تطردني من منزلكّ فوالله ما تحسن أنت ولا جاريتك شيئاً.
وضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم وهو بالوزيريّة في قصر اللّيل، فدخلت ومخارق وعلّوية، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات؛ جام فضّة مملوء ودنانير جدداً، وجام ذهب مملوءة دراهم، وجام قوارير مملوءة عنبراً، فظننّا أنها لنا، بل لم نشك في ذلك، فغنّينا وأجهدنا أنفسنا، فلم يطرب، ولم يتحرّك لشيء من غنائنا، ودخل الحاجب فقال: إبراهيم بن المهديّ، فأذن له، فدخل، فلّما أخذ مجلسه غنّاه أصواتاً أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته بشعره، فقال: من البسيط
ما بال شمس أبي الخطّاب قد حجبت ... يا صاحبيّ لعلّ السّاعة اقتربت
أشكو إليك أبا الخطّاب جاريةً ... غريرةً بفؤادي اليوم قد لعبت
فاستحسنه المعتصم وطرب له، وقال: أحسنت والله يا عمّ، فقال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيها شئت، فأخذ التي فيها الدّنانير؛ ونظر بعضنا إلى بعض ساعةً لأنّا رجونا أن نأخذهنّ، وغنّاه بشعر له بعد ساعة: من المتقارب
فما قهوة مزة قرقف ... شمول تروق براووقها
بكفّ أإنخصيب البنا ... ن يخطر بين أباريقها
بأطيب من فمها نكهة ... إذا امتصت الشّهد من ريقها
فقال المعتصم: أحسنت والله يا عمّ وسررت؛ قال: يا أمير المؤمنين، فإن كنت أحسنت فهب لي جاماً أخرى، فقال: خذ أيّهما شئت، فأخذ الذهب التي فيها الدّراهم؛ فأيسنا نحن، وغنّى بعد ساعة: من الطويل
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الحبّ
إذا رضيت لم يهنني ذلك الرّضى ... لعلمي به أن سوف يدركه العتب
فارتجّ المجلس، وطرب المعتصم، واستخفّه الطّرب، وقام على رجليه ثم جلس، وقال: أحسنت والله يا عمّ ما شئت؛ قال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي الجام الثالثة، قال: خذها.
ونام أمير المؤمنين، فدعا إبراهيم بمنديل، فثناه عطفين، ووضع الجامات فيه وشدّه، ودعا بطين فختمه ودفعه إلى غلامه.
ونهضنا لانصراف، فلّما ركب التفت إليّ فقال: يا محمد، زعمت أني وجاريتي لا نحسن شيئاً! فكيف رأيت ثمرة الإحسان ونموّه؟ وقال إبراهيم الموصلي: أرسلت أسماء بنت المهديّ إلى أخيها إبراهيم بن المهديّ، فقالت: أشتهي والله أن أسمع من غنائك، قال: إذاً والله لا تسمعي مثله، وعليه وعليه، وغلّظ في اليمين، إن لم يكن إبليس ظهر لي وعلّمني النقّر والنّغم، وصافحني، وقال: اذهب فأنت منّي وأنا منك! قال المبرّد: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: انصرفت ليلةً من عند المأمون مع إبراهيم بن المهديّ، فأنشأ يقول: من الطويل
وما زلت مذ أيفعت أسعى مراهقاً ... إلى الغرض الأقصى أزور المعاليا
إذا قنعت نفسي بكأس ومطعم ... فلا بلغت فيما تروم الأمانيا
لحا الله من يرضى ببلغة يومه ... ولم يك ذا همّ إلى المجد ساعيا
على المرء أن يسعى ويسمو بنفسه ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا
حدّث يحيى بن عليّ قال: قال أحمد بن أبي فنن: أنا ابن قولي: من الكامل
صبّ بحبّ متيّم صبّ ... حبّيه فوق نهاية الحبّ
أشكو إليه صنيع جفونه ... فيقول مت فأيسر الخطب
وإذا نظرت إلى محاسنه ... أخرجته عطلاً من الذّنب
أدميت باللّحظات وجنته ... فاقتصّ ناظره من القلب
قال عليّ بن هارون: وهذا البيت الأخير من هذه الأبيات هو عينها، وأخذه ابن أبي فنن ممّا أنشدنيه أبي لإبراهيم بن المهديّ: من السريع
يا من لقلب صيغ من صخرة ... في جسد من لؤلؤ رطب
جرحت خدّيه بلحظي فما ... برحت حتى اقتصّ من قلبي
أنشد يعقوب بن عباد الزّبيري لإبراهيم بن المهديّ، وقد أخدمته بعض العبّاسيّات في حال استخفائه عندها جاريةً، وقالت لها: أنت له، فإن مدّ يده إليك فلا تمتنعي؛ ولم يعلم بهبتها له، وكانت مليحةً، فجمّشها يوماً بأن قبّل يدها، وقال: من مجزوء الرمل
يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أكرمت خد ... ديه فقبّلت يديه
بأبي وجهك ما أك ... ثر حسّادي عليه
أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه
وفي رواية:
بأبي من أنا مأسو ... ر بلا أسر لديه
والذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه
والذي يقتلني ظل ... ماً ولا يعدي عليه
أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه
وله: من البسيط
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفي تعب
مالي أراني إذا طالبت مرتبة ... فنلتها طمحت عيني إلى رتب
لو كان يصدقني ذهني بفكرته ... ما اشتدّ غمّي على الدّنيا ولا نصبي
أسعى وأجهد فيما لست أدركه ... والموت يكدح في زندي وفي عصبي
بالله ربّك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللّذات والطّرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعدها للويل والخرب
فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطلّب
قد يرزق العبد لم تتعب رواحله ... ويحرم الرّزق من لم يموت من طلب
مع أنني واجد للنّاس واحدة ... الرّزق والنّوك مقرونان في سبب
وخصلة ليس فيها من ينازعني ... الرّزق أروع شيء عن ذوي الأدب
يا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرّزق أغرى به من لازم الجرب
قال أحمد بن كامل: سمعت ناشب المتوكلّية تغنّي لإبراهيم بن المهدي: من المجتث
أنت امرؤ متجنّ ... ولست بالغضبان
هبني أسات فهلاّ ... مننت بالغفران
وله أو لغيره: من الطويل
لحا الله من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين
ومن هو ذو لونين ليس بدائم ... على عهده خوان كلّ أمين
وقال في ابن له يقال له: أحمد، مات بالبصرة: من الويل
نأى آخر الأيّام عنك حبيب ... فللعين سحّ دائم وغروب
دعته نوى لا يرتجى أوبة لها ... فقلبك مسلوب وأنت كئيب
يؤوب إلى أوطانه كلّ غائب ... وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب
تبدّل داراً غير داري وجيرةً ... سواي وأحداث الزّمان تنوب
أقام بها مستوطناً غير أنّه ... على طول أيّام المقام غريب
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره ... كما في ضياء الشّمس حين تغيب
سوى أن ذا يفنى ويبلى وذكره ... بقلبي على طول الزّمان قشيب
وكان نصيب العين من كلّ لذّة ... فأضحى وما للعين منه نصيب
وكان وقد زان الرّجال بفعله ... فإن قال قولاً قال وهو مصيب
وكان به ينهى الرّكاب لحسنه ... وهجم عنه الكهل وهو لبيب
وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... بعدل إلهي وهي منه سليب
فأصبحت محنيّاً كئيباً كأنّني ... عليّ لمن ألقى الغداة ذنوب
يخال الذي يحتاجه استدّ مرةً ... فيقذفه الأدنيّ وهو حريب
يقلّب كفّيه هواء وقلبه ... هناك وحيداً ما لديه غريب
ينادي بأسماء الأحبّة هاتفاً ... وما فيهم للهاتفين مجيب
كأن لم يكن كالدّر يلمع نوره ... بأصدافه لمّا يشنه ثقوب
كأن لم يكن كالغصن في ساعة الضّحى ... بماه النّدى فاهتّز وهو رطيب
كأن لم يكن كالطّرف يمسح سابقاً ... سليم الشّظا لم تختبله عيوب
كأن لم يكن كالصقّر أوفى بشامخ الذ ... رى وهو يقظان الفؤاد طلوب
وريحان صدري كان حين أشمه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
يسيراً من الأيّام لم يرو ناظري ... بها منه حتى أعلقته شعوب
كظلّ سحاب لم يقم غير ساعة ... إلى أن أطاحته فطاح جنوب
أو الشّمس لمّا من غمام تحسّرت ... مساء وقد ولّت وآن غروب
كأني به قد كنت في النّوم حالماً ... نفى لذّة الأحلام منه هبوب
جمعت أطبّاء إليك فلم يصب ... دواءك منهم في البلاد طبيب
ولم يملك الآسون دفعاً لمهجة ... عليها لأشراك المنون رقيب
سأبكيك ما أبقت دموعي من البكا ... لعينيّ مساءً إن نأى ونحيب
وما غاب نجم أو تغّنت حمامة ... وما اخضرّ في فرع الأراك قضيب
وأضمر إن أنفذت دمعي لوعة ... عليك لها تحت الضّلوع لهيب
حياتي ما كانت حياتي فإن أمت ... ثويت وفي قلبي عليك ندوب
يعزّ عليّ أن تنالك حدّة ... يمسّك منها في الفؤاد دبيب
وما زاد إشفاقي عليك عشيّةً ... وسادك فيها جندل وجنوب
ألا ليت كفاً بان منها بنانها ... يهال بها عنّي عليك كثيب
فما لي إلاّ الموت بعدك راحة ... وليس لنا في العيش بعدك طيب
قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي ... أخوك ورأسي قد علاه مشيب
وأصبحت في الهلاك إلاّ حشاشة ... تذاب بنار الحزن فهي تذوب
تولّيتما في حجّة وتركتما ... صدىً يتولّى ناره وينوب
فلا ميت إلاّ دون زرئك رزؤه ... ولو فنيت حزناً عليك قلوب
وإني وإن قدّمت قبلي لعالم ... بأني وإن أبطأت منك قريب
وإنّ صباحاً نلتقي في مسائه ... صباح إلى قلبي الغداة حبيب
وله يرثي ابنه أحمد: من المنسرح
عصتك عين دموعها شنن ... فليس يغشى جفونها الوسن
وكلّها بالنجوم يرقبها ... نجم فثنى في ليله الحزن
لمّا ثوى أحمد الضّريح وكا ... ن الزّاد منه الحنوط والكفن
والموت يغشى بياض سنته ... كالشمس يغشى ضياءها الدّجن
يطلب روحاً عندي لكربته ... والرّوح في كفّ من له المنن
هيهات قد حان وقت فرقتنا ... وانبتّ بيني وبينه القرن
وخانني الصّبر إذ فجعت به ... وليس عندي لواعظ أذن
تركتني ساهراً إذ رقد النّا ... س أخا لوعة إذا سكنوا
لله ما أهدت الرّجال إلى ال ... قبر وما شدّوا وما دفنوا
من يسل شيئاً فإن لوعته ... ليس يعفي آثارها الزّمن
يا ليت شخصي قد زارها منّه ... فإن عيشي من بعده غبن
ولّى حبيباً يتلو أخاه كما ... يوماً تدنّى للمنحر البدن
كأنّما الدّهر في تحامله ... عليّ لي عند صرفه الزّمن
قال أبو حسان الزّيادي: سنة أربع وعشرين ومئتين، فيها مات إبراهيم بن المهديّ، يوم الجمعة لسبع خلون من شهر رمضان، وصلّى عليه المعتصم بالله أمير المؤمنين.
ابن عبد الله المنصور بن محمد عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب أبو إسحاق، المعروف بابن شكلة الهاشميّ ولاّه أخوه الرّشيد إمرة دمشق، فقدمها ثم عزله عنها، وولاها غيره، ثم أعاد إبراهيم إلى ولايتها. وولي إمرة الحجّ.
قال حميد بن فروة: لمّا استقرّت للمأمون الخلافة، دعا إبراهيم بن المهدّي المعروف بابن شكلة، فوقف بين يديه، فقال: يا إبراهيم، أنت المتوثّب علينا تدّعي الخلافة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت وليّ الثأر، والمحكم في القصاص، والعفو أقرب للتّقوى، وقد جعلك الله فوق كلّ ذي ذنب، كما جعل كلّ ذي ذنب دونك، فإن أخذت أخذت بحقّ، وإن عفزت عفوت بفضل؛ ولقد حضرت أبي، وهو جدّك، وأتي برجل، وكان جرمه اعظم من جرمي، فأمر الخليفة بقتله، وعنده المبارك بن فضالة، فقال المبارك: إن رأى أمير المؤمنين أن يتأنّى في أمر هذا الرّجل حتى أحدثّه بحديث سمعته من الحسن؛ قال: إيه يا مبارك؛ فقال: حدّثنا الحسن، عن عمران بن حصين، أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم الجمعة نادى مناد من بطنان العرش: ألا ليقومنّ العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلاّ من عفا " فقال الخليفة: إيها يا مبارك، قد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنه.
فقال المأمون: وقد قبلت الحديث بقبوله، وعفوت عنك؛ ها هنا يا عمّ، ها هنا يا عمّ.
روى عن حمّاد الأبحّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نوقش الحساب عذّب ".
قال إبراهيم بن المهدي: كان سبب ولايتي دمشق، أن الهادي زوّجني أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وأمّها أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس، وكان لي سبع سنين، ثم إني قبل انسلاخ اثنتي عشرة سنة من مولدي أدركت، فاستحثّتني أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي، على الابتناء بأمّ محمد بنة صالح، فاستأذنت الرّشيد في ذلك، فأعلمني أن العبّاسة أخته، قد شهدت عليك أنك حلفت يميناً بطلاقها، لحقك فيها الحنث.
قال إبراهيم: وكانت البليّة في هذا الباب أن الرّشيد رغب في تزويج أمّ محمد، وأراد منّي أن أطلّقها، فامتنعت عليه من طلاقها، فتغيّر عليّ في الخاصّة، ولن يقصر بي في العامّة؛ فلم أزل في جفوة منه في الخاصّة، وسوء رأي، ويتأدّى إليّ عنه أشياء، وأشاهد بما يظهر منه إلي أن استتمت ستّ عشرة سنة، وصحّ عندي رغبة أمّ محمد في الرّشيد، وعلمت أنّها لا تصلح لي، فطلّقتها؛ فلم يكن بين تطليقي إيّاها وبين ابتناء الرّشيد بها إلاّ مقدار العدّة، ثم رجع لي الرّشيد إلى ما كنت أعهده من برّه ولطفه قبل ذلك.
وحدّث إبراهيم: أن تطليقه أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وعقد الرّشيد نكاحها لنفسه بعده، أسكنا قلبه غمراً على الرّشيد، فكان لا يستحسن له حسناً، ولا يشكر له فعلاً جميلاً يأتيه إليه، وكان الرّشيد قد تبّين منه، فكانت تعطفه عليه الرّحم، ويصلح ذلك له جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، إلى أن دخل إبراهيم في سنة ثماني عشرة سنةً من مولده.
فلّما دخل في أوّل السّنة، رأى فيما يرى النّائم في ليلة سبت قد كان يريد بالغلس الرّكوب إلى الرّشيد إلى الحلبة في صبيحتها بقصره في ظهر الرّافقة، فرأى فيما يرى النّائم، المهدّ في النّوم، فكأنه قال له: كيف حالك يا إبراهيم؟ فأجابه: وكيف يكون حال من خليفتك عليه هارون إلاّ شرّ حال! ظلمني من ميراثك، وقطع رحمي، ولم يحفظني لك، واستنزلني عن ابنة عمّي؛ فكأنه يقول لي: لقد اضطغنت عليه أشياء، أقلّ منها يضغن، وشرّ من قطيعة الرّحم الاضطغان على ذوي الأرحام، فما تحبّ الآن أن أفعل به؟
فقلت: تدعو الله عليه! فكأنه تبسّم من قولي، ثم قال: اللهم أصلح ابني هارون، اللهم أصلح عبدك هارون.
قال إبراهيم: فكأني حزنت من دعائه له بالصّلاح، فبكيت، وقلت: يا أمير المؤمنين، أسألك أن تدعو الله عليه، فتدعو له! قال: فكأنه يقول لي: إنّما ينبغي للعبد أن يدعو بما ينتفع به، ويرجو فيه الإجابة، وإن دعوت الله عليه، فاستجاب لي، لم ينفعك ذلك، وقد دعوت الله له بالصّلاح، وإن استجيب دعائي بصلاحه، صلح لك فانتفعت به، ثم ولّى عنّي، ثم التفت إليّ فقال لي: قد استجيبت الدّعوة، وهو قاض عنك دينك، ومولّيك جند دمشق، وموسّع في الرّزق، فاتقّ الله يا إبراهيم فيمن تتقلّد أمره.
قال: فكأني أقول له وأنا أدير السّبابة من يدي اليمنى: دمشق دمشق دمشق! قال: فكأنه يقول لي: حرّكت مسبّحة يدك اليمنى، وقلت: دمشق دمشق دمشق، تكرّرها استقلالاً لها! إنها دنيا يا بنّي، وكلّما قلّ حظّك منها كان أجدى عليك في آخرتك، وانتبهت مرعوباً، فاغتسلت، ولبست ثيابي، وركبت إلى الرّشيد، إلى قصر الخشب بالراّفقة عنه إذا لم يكن عند حرمه، فسألت عند موافاتي القصر عن خبره فأخبرت أنه يتهيّأ للصّلاة، فلّما صرت إلى الرّواق الذي هو جالس فيه، قال لي مسرور الكبير: اجلس بأبي أنت، لا تدخل على أمير المؤمنين، فإنه مغموم يبكي لشيء لا أعلمه؛ فما هو إلاّ أن سمع كلامي، حتى صاح بي: يا إبراهيم، أدخل، فديتك؛ فما هو إلاّ أن رآني حتى شهق شهقة تخوّفت عليه منها، ورفع صوته بالبكاء، ثم قال: يا حبيبي ويا بقيّة أبي وكان يقول لي كثيراً: يا بقيّة أبي، لشدّة شبه إبراهيم بالمهدّي في لونه وعينيه وأنفه أسألك بحقّ الله، وحقّ رسوله، وحقّ المهديّ، هل رأيت في نومك في هذه اللّيلة أحداً تحبّه؟ فقلت: إي، والله، يا أمير المؤمنين، لقد رأيت آنفاً المهديّ، قال: فبحقّه عليك، هل شكوتني إليه؟ وسألته أن يدعو عليّ فدعا الله لي بالصلاح، فأنكرت ذلك عليه، حتى قال لك في ذلك قولاً طويلاً. فقلت له: وحقّ المهديّ لقد كان ذلك، ولقد أخبرني بعد دعائه أن الله استجاب دعاءه، وأنك قد صلحت لي وانك تقضي ديني، وتوسع عليّ في الرّزق، وتوليني دمشق.
قال: فازداد الرّشيد في البكاء، وقال: قد وحقّه الواجب عليّ أمرني بقضاء دينك، والتّوسعة في الرّزق عليك، وتوليتك جند دمشق.
ثم دعا بمسرور، وقال: احمل معك قناةً ولواءً إلى ميدان الخيل، حتى أعقد لبقّية أبي على جند دمشق إذا رجعت الخيل.
فصّلى وركب وركبت معه، فلّما رجعت الخيل عقد لي على دمشق، وأمر لي بأربعين ألف دينار، فقضيت بها ديني، وأجرى عليّ في كلّ سنة ثلاثين ألف دينار عمالةً، فلبثت في العمل سنتين ارتزقت فيهما ستين ألف دينار، فصار مرزقي من تلك الولاية مع ما قضى عني من الدّين مئة ألف دينار.
وحدّث إبراهيم، أنه ما علم أحداً ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقّبه به أهل ذلك الجند غيره، فسئل عن السبب في ذلك، فأعلم أنه فحص عنه عقد الرّشيد له على جند دمشق، فاخبر أن كلّ ملقّب ممّن ولي إمرته لم يكن إلاّ مّمن ينحرف عنه من اليمانيّة أو المضريّة؛ فكان إن مال إلى المضريّة لقّبته اليمانيّة، وإن مال إلى اليمانيّة لقّبته المضريّة.
وانه لمّا ولي وافى حمص، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعدّ للأمراء في العيدين، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقّاه الحيّان من مضر ويمن، فلقي كلّ من تلقّاه بوجه واحد، فلما دخل المدينة أمر صاحبه بإحضار وجوه الحيّين، وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدّم من كلّ حيّ الأفضل فالأفضل منهم، وأن يأتيه بذلك، فلّما أتاه به، أمر بتصيير النّاس من الجانب الأيمن مضريّاً، وعن شماله يمنيّاً، ومن دون اليمانيّ مضريّ، ومن دون المضريّ يمانيّ، حتى لا يلتصق مضريّ بمضريّ، ولا يمانيّ بيمانيّ، ثم قدّم الطّعام، فلم يطعم شيئاً حتى حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل قريشاً موازين بين العرب، فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خؤولتها، وافترض عليها حبّ العمومة والخؤولة، فليس يتعصّب قرشيّ إلاّ للجهل بالمفترض عليه؛ ثم قال: يا معشر مضر، كأنّي بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن: قد قدّم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قالت: وكيف قدّمكم علينا وقد جعل بجنب اليمانّي مضريّاً، وبجنب المضريّ يمانيّاً، فقلتم با معشر مضر؛ إنّ الجانب الأيمن أعلى
من الجانب الأيسر، وقد جعل الجانب الأيمن لمضر والأيسر لليمن، وهذا دليل على تقدمته إيّأنا عليكم؛ إلا إن مجلسك يا رئيس المضريّة في غد من الجانب الأيسر، ومجلسك يا رئيس اليمانيّة من غد في الجانب الأيمن، وهذان الجانبان نوب بينكما، يكون كلّ من كان فيه في يومه متحوّل عنه في غده إلى الجانب الآخر؛ ثم سمّيت الله، ومددت يدي إلى طعامي، فطعمت وطعموا معي، فانصرف القوم عنّي في ذلك اليوم، وكلّهم لي حامد.
ثم كانت تعرض الحاجة لبعض الحيّين، فاسأل قبل أن أقضيها له: هل لأحد من الحيّ الآخر حاجة شبه حاجة السائل؟ فإذا عرفتها قضت الحاجتين في وقت واحد، فكنت عند الحيّين محموداً، لا أستحقّ عند واحد منهم ذمّاً ولا عيباً ولا نبزاً ينبز به.
قال أبو بكر الخطيب: بويع له بالخلافة ببغداد في أيام المأمون، وقاتل الحسن بن سهل، وكان الحسن أميراًمنقبل المأمون، فهزمه إبراهيم، فتوجّه نحوه حميد الطّوسيّ، فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم مدّة طويلة حتى ظفر به المأمون فعفا عنه، وكان أسود حالك اللّون، عظيم الجثّة، ولم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً، ولا أجود شعراً.
قال: وكان إبراهيم وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النّفس، سخيّ الكفّ، وكان معروفاً بصنعة الغناء، حاذقاً بها، وله يقول دعبل بن علي يتقرّب بذلك من المأمون: من الكامل
نعر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعاً بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
وقال ابن ماكولا: أما التّنّين، أوله تاء معجمة باثنتين من فوقها، وبعدها نون مشدّدة مكسورة، فهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور، أمير المؤمنين، كنيته أبو إسحاق، أمّه شكله نسب إليها، وكانت سوداء، وكان شديد السّواد، عظيم الجسم، فلقّب التّنّين
لذلك، ولد في سنة اثنتين وستين ومئة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومئتين وقيل: في سنة ثلاث وعشرين بسرّ من رأى، كان من أحسن النّاس غناء وأعلمهم به، وهو شاعر مطبوع مكثر.
قال إسحاق بن الفضل الهاشميّ: كتب طاهر بن الحسين إلى إبراهيم بن المهديّ، وهو يحاربه، في ترك التّقحّم، والأخذ بالحزم، وإبراهيم في طاعة محمد بن زبيدة: بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله وعافاك، أمّا بعد: فإنه كان عزيزاً عليّ أن أكتب إلى رجل من أهل بيت الخلافة بغير التّأمير، لكن بلغني عنك أنك مائل بالرّأي والهوى إلى النّاكث المخلوع، فإن يك ما بلغني حقّاً، فقليل ما كتبت به إليك كثير، وإن يك باطلاً فالسّلام أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته.
وكتب في أسفل كتابه: من البسيط
ركوبك الهول ما لم تلق فرصته ... جهل ورأيك في الإقحام تعزير
أعظم بدنيا ينال المخطئون بها ... حظّ المصيبين والمغرور مغرور
ازرع صواباً وحبل الرأي موترة ... فلن يردّ لأهل الحزم تدبير
فإن ظفرت مصيباً أو هلكت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور
وإن ظفرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: بعث المأمون إلى عليّ ين موسى الرّضا فحمله وبايع له بولاية العهد، فغضب من ذلك بنو العبّاس، وقالوا: لا تخرج الأمر عن أيدينا؛ وبايعوا إبراهيم بن المهديّ، فخرج إلى الحسن بن سهل فهزمه، وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بن المهديّ بالمدائن، ثم وجّه الحسن عليّ بن هشام وحميد الطّوسيّ، فاقتتلوا فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم، فلم يعرف خبره، حتى قدم المأمون فأخذه.
وقال إسماعيل بن علي بن إسماعيل: وبايع أهل بغداد لإبراهيم بن المهديّ بالخلافة ببغداد في داره المنسوبة إليه، في ناحية سوق العطش، وسمّوه المبارك، وقيل: سمّوه
المرضيّ، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرّم سنة اثنتين ومئتين، فغلب على الكوفة والسّواد، وخطب له على المنابر، وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن ين سهل مقيمّ في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم يزل إبراهيم مقيماً ببغداد على أمره يدعى بإمرة المؤمنين، ويخطب له على منبر بغداد وما غلب عليه من السّواد والكوفة، ثم رحل المأمون متوجهاً إلى العراق، وقد توفي عليّ بن موسى الرضا.
فلّما أشرف المأمون على العراق وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهديّ، وقصرت يده، وتفرّق النّاس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومئتين، فركب إبراهيم بن المهديّ في زيّ الخلافة إلى المصلّى فصلّى بالنّاس صلاة الأضحى، وهو ينظر إلى عسكر غليّ بن هشام مقدمة للمأمون، ثم انصرف من الصّلاة، فنزل قصر الرّصافة، وغدا النّاس فيه، ومضى من يومه إلى داره المعروفة به، فلم يزل فيها إلى آخر النّهار، ثم خرج منها باللّيل فاستتر وانقضى أمره.
فكانت مدّته منذ بويع له بمدينة السّلام إلى يوم استتاره سنةً واحد عشر شهراً وخمسة أيّام، وكان سنّة يوم بويع له تسعاً وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، لأن مولده غرّة ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومئة، واستتر وسنّه إحدى وأربعون سنة وأيام، وأقام في استتاره ستّ سنين وأربعة أشهر وعشرة أيّام، وظفر به المأمون لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومئتين، فعفا عنه واستبقاه، فلم يزل حيّاً طاهراً مكرّماً إلى أن توفي في خلافة المعتصم بالله، وكان واسع الأدب كثير الشّعر.
قال ابن مهرويه: لمّا بويع إبراهيم بن المهديّ ببغداد قلّ المال عنده، وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السّواد وغيرهم، فاحتبس عليهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوّفهم بالمال ولا يرون لذلك حقيقة، إلى أن اجتمعوا يوماً وخرج رسول إبراهيم إليهم، فصرّح لهم أنه لا مال عنده؛ فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: فإذا لم يكن المال، فاخرجوا إلينا خليفتنا فليإنلأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات،
فيكون ذلك عطاءهم، فانشد دعبل في ذلك: من السريع
يا معشر الأعراب لا تغلطوا ... وارضوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعكيكم حنينيّة ... لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديّات لقوّادكم ... وما بهذا أحد يغبط
فهكذا يرزق أجناده ... خليفة مصحفة البربط
البربط: العود، وأصله بالفارسية، والعرب تسميه المزهر.
وقال محمد بن القاسم بن خلاد: لمّا طال على إبراهيم بن شكلة الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: وليّ الثّأر محكّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرّجاء أمن عادية الدّهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كلّ ذي عفو، كما جعل كلّ ذي ذنب دونه، فإنعفا فبفضله، وإن عاقب فبحقّه.
فوقّع المأمون في قصّته أمانه، وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالنّدم إنابة، وعفو الله أوسع من كلّ شيء.
ولمّا دخل إبراهيم على المأمون، قال: من الخفيف
إن أكن مذنباً فحظي أخطأ ... ت فدع عنك كثرة التّأنيب
قل كما قال يوسف لبني يع ... قوب لمّا أتوه لا تثريب
فقال: لا تثريب.
قال ثمامة بن أشرس: قال لي المأمون: قد عزمت غداً على تقريع إبراهيم بن
المهديّ فاحضر مبكّراً، وليقرب مجلسك منّي، وقام السّماط، فبينا نحن كذلك إذ سمعت صلصلة الحديد، فرفعت نظري فإذا إبراهيم بن المهديّ موقوف على البساط، ممسوك بضبعيه، مغلولة يده إلى عنقه، قد تهدّل شعره على عينيه، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المأمون: لا سلّم اله عليك ولا حيّاك ولا رعاك ولا كلاّك، أكفرّ يا إبراهيم بالنّعمة بغير شكر، وخروج على أمير المؤمنين بغير عهد ولا عقد! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له في الاغترار هجمت به الأناة على التّلف، وقد رفعك الله فوق كل ذي ذنب، كما وضع كلّ ذي ذنب دونك؛ فإن تعاقب فبحقك، وإن تعف فبفضلك.
فقال المأمون: إنّ هذين قد أشارا عليّ بقتلك وأومى إلى المعتصم والعبّاس ابنه! فقال: أشارا عليك يا أمير المؤمنين بما يشار به على مثلك في مثلي من حسن السّياسة والتدّبير، وإنّ الملك عقيم، ولكنّك تأبى أن تستجلب نصراً إلاً من حيث عوّدك الله عزّ وجلّ، وأنا عمّك، والعمّ صنو الأب؛ وبكى.
فترغرغت عينا المأمون، ثم قال: يا ثمامة؛ فوثبت قائماً، فقال: إنّ من الكلام كلام كالدّرّ؛ حلّوا عن عمّي، وغيّروا من حالته في أسرع وقت، وجيئوني به.
فأحضره مجلسه ونادمه، وسأله أن يغنّي، فأبى، وقال: نذرت يا سيدي لله عند خلاصي تركه، فعزم عليه، وأمر أن يوضع العود في حجره، فسمعته يغنّي: من مجزوء الكامل
هذا مقام مشرّد ... خربت منازله ودوره
نمّت عليه عداته ... كذباً فعاقبه أميره
ثم ثنّى بشعر آخر: من الطويل
ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... لوى الدّهر بي عنها وولّى بها عنّي
فإن أبك نفسي أبك نفساً عزيزة ... وإن أحتقرها أحتقرها على ضنّ
وإنّي وإنكنت المسيئ بعينه ... بربّي تعالى جدّه حسن الظّنّ
عدوت على نفسي فعاد بعفوه ... عليّ فعاد العفو منّا على منّ
فقال له المأمون: أحسنت والله يا أمير المؤمنين حقاً! ؛ فرمى بالعود من حجره ووثب قائماً فزعاً من هذا الكلام؛ فقال له المأمون: اقعد واسكن، فوحياتك ما كان ذلك لشيء تتوهّمه، ووالله لا رأيت منّي طول أيّامي شيئاً تكرهه وتغتّم به.
ثم أمر بكلّ ما قبض له من الأموال والدّور والعقار والدّواب والضّياع أن تردّ عليه، وأعاد مرتبته، وأمر له في تلك السّاعة بعشرة آلاف دينار، وانصرف مكرماً مخلوعاً عليه، على خيل ورجل أمير المؤمنين، واشتهر في الخاصّة والعامّة عفو أمير المؤمنين عن عمّه، فحسن موقع ذلك منهم، واستوسقوا على الطّاعة والموالاة، والشّكر والدّعاء.
فقيل لثمامة: أي شيء كان جرمه؟ قال: بويع له بالخلافة بعد محمد بن هارون، والمأمون بخراسان، فلّما دخل المأمون اختفى، وأهدر المأمون دمه، ونادى عليه، فجاء من غير أن يجيء به أحد، فأمكن من نفسه، فحبسه ستة أشهر، وأخرجه، وعفا عنه.
قال الفضل بن العبّاس الهاشميّ: بعث المأمون إلى إبراهيم عمّه بعدما حبسه، رجلاً يثق له، فقال: تعرف ما يعمل عمّي، وما يقول؛ قال: فعل، ثم رجع غليه، فقال: رأيته يبكي، وقد وضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنّى: من الطويل
فلو أنّ خدّاً من وكوف مدامع ... يرى معشباً لاخضرّ خدّي فأعشبا
كأن ربيع الزّهر بين مدامعي ... بما انهل منها من حياً وتصبّبا
ولو أنني لم أبك إلاً مودّعاً ... بقّية نفس ودّعتني لتذهبا
وقد قلت لمّا لم أجد لي حيلةً ... من الموت لمّا حلّ أهلاً ومرحباً
قال: فبكى المأمون، ثم أمر بالتحقيق عنه.
وحدّث حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: لمّا دخلت على ابن شكلة في بقايا غضب
المأمون، فقلت: من البسيط
هي المقادير تجري في أعنّتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوماً تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السّماء ويوماً تخفض العالي
فأطرق، ثم قال: من البسيط
عيب الأناة وإنسرت عواقبها ... أن لا خلود وأن ليس الفتى حجراً
فما مضى ذلك اليوم حتى بعث إليه المأمون بالرّضى، ودعاه للمنادمة؛ والتقيت معه في مجلس المأمون، فقلت: ليهنك الرّضى؛ فقال: ليهنك مثله من متيّم، وكانت جارية أهواها، فحسن موقع ذلك عندي، فقلت: من الطويل
ومن لي بأن ترضى وقد صحّ عندها ... ولوعي بأخرى من بنات الأعاجم
وقال المبرّد: وقّع إبراهيم بن المهديّ في رقعة كاتب له ورآه يتتّبع الغريب والوحشيّ من الكلام: إيّاك والتتّبع لوحشيّ الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإن هذا العيّ الأكبر، وعليك بما سهل من الكلام، مع التحفّظ لألفاظ السّفل.
وقال حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده: استزار إبراهيم بن المهديّ الرّشيد بالرّقّة، وإن الرّشيد كان لا يأكل الطعام الحارّ قبل البارد، وإنه لما وضعت البوارد على المائدة رأى فيما قرب منه قريس السّمك، فاستصغر القطع، فقال لإبراهيم: لم يصغّر طبّاخك قطع السمك؟ فقال: لم يصغّر طبّاخي القطع، وإنّما هذه ألسنة السّمك! فقال: يشبه أن يكون في هذا الجام مئة لسان؛ فقال له مراقب خادم إبراهيم وكان يتولّى قهرمة إبراهيم: فيه يا أمير المؤمنين أثر من مئة لسان! فاستحلفه على مبلغ ثمن السّمك، فاخبره أنه ألف درهمّ فرفع هارون يده عن الطعام، وحلف أن لا يطعم شيئاً دون أن يحضر مراقب ألف دينار، فأمر أن يتصدّق بها، وقال لإبراهيم: أرجو أن تكون هذه كفّارة لسرفك، على جام سمك ألف درهم! ثم أخذ الجام بيده ودفعه إلى بعض
خدمه، وقال: اخرج به من دار أخي، ثم انظر أوّل سائل تراه فادفعه إليه.
قال إبراهيم: وكان شراء الجام عليّ مئتين وسبعين ديناراً، فغمزت خدمي أن يخرجوا مع الجام فيبتاعوه ممّن يدفع إليه، فكأن الرّشيد فهم ذلك منّي، فهتف بالخادم فقال: إذا دفعت الجام إلى السّائل فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: احذر أن تبيع الجام بأقلّ من مئتي دينار، فإنه خير منها: ففعل خادمه ما أمره به، فوالله ما أمكن خادمي أن يخلص الجام إلاّ بمئتي دينار.
وقال عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع: ما اجتمع أخ وأختّ أحسن غناءً من إبراهيم بن المهدي وأخته عليّة وكانت تقدّم عليه.
وعن الحسين بن عبد الرحمن الحلبي عن أبيه، قال: أمر المأمون أن يحمل إليه عشرة من الزّنادقة سمّوا له من أهل البصرة، فجمعوا وأبصرهم طفيليّ، فقال: ما اجتمع هؤلاء إلاّ لصنيع، فانسلّ فدخل وسطهم، ومضى بهم الموكّلون حتى انتهوا إلى زورق قد أعدّ لهم، فدخلوا الزّورق، فقال الطفيليّ: هي نزهة، فدخل معهم الزّورق، فلم يك بأسرع بأن قيّد القوم وقيّد معهم الطّفيليّ، فقال الطفيليّ: بلغ تطفيلي إلى القيود! ثم سيّر بهم إلى بغداد، فدخلوا على المأمون، فجعل يدعو بأسمائهم رجلاً رجلاً فيأمر بضرب رقابهم، حتى وصل إلى الطّفيليّ، وقد استوفوا عدّة القوم، فقال للموكلّين بهم: ما هذا؟ فقالوا: والله ما ندري، غير أنّا وجدناه مع القوم فجئنا به؛ فقال المأمون: ما قصّتك ويلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، امرأته طالق إن كان يعرف ن أقوالهم شيئاً، ولا يعرف إلاّ الله، ومحمداً النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنّما رجل رأيتهم مجتمعين، فظننت صنيعاً يغدون إليه؛ فضحك المأمون وقال: يؤدّب.
وكان إبراهيم بن المهديّ قائماً على رأس المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي أدبه، أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي، فقال: قل يا إبراهيم، قال: يا أمير المؤمنين، خرجت من عندك يوماً في سكك بغداد متطرّباً، حتى انتهيت إلى موضع سمّاه فشممت
يا أمير المؤمنين من جناح أبا زير قدور فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها، وإلى طيب ريحها، فوقفت على خيّاط، وقلت له: لمن هذه الدّار؟ فقال: لرجل من التّجّار، من البزّازين؛ فقلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، فرميت بطرّفي إلى الجناح فإذا في بعضه شبّاك، فأنظر إلى كفّ قد خرج من الشّباك قابضاً على بعضه، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور، فبقيت ها هنا ساعةً، ثم أدركني ذهني، فقلت للخيّاط: هل هو ممّن يشرب النبيذ؟ قال: نعم، وأحسب عنده اليوم دعوة، وليس ينادم إلاّ تجّاراً مثله مستورين.
فإني كذلك إذا أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدّرب، فقال الخيّاط: هؤلاء منادموه؛ فقلت: ما أسماؤهما وماكناهما؟ فقال: فلان وفلان، وأخبرني بكناهما، فحرّكت دابّتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما، استبطأكما أبو فلان أعزّه الله، وسايرتهما، حتى أتينا إلى الباب، فأجلاني وقدّماني، فدخلت ودخلا، فلّما رآني معهما صاحب المنزل، لم يشكّ أني منهما بسبيل، أو قادم قدمت من موضع، فرحّب وأجلسني في أفضل المواضع، فجيئ يا أمير المؤمنين بالمائدة، وعليها خبز نظؤف، وأتينا بتلك الألوان، فكان طعمها أطيب من ريحها؛ فقلت في نفسي، هذه الألوان قد أكلتها، بقيت الكفّ أصل إلى صاحبتها؛ ثم رفع الطّعام وجيء بالوضوء، ثم صرنا إلى منزل المنادمة، فإذا أشكل منزل أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطفني، ويقبل عليّ بالحديث، وجعلوا لا يشكّون أن ذلك منه لي عن معرفة متقدمة، وإنّما ذلك الفعل كان منه لما ظنّ أني منهما بسبيل؛ حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية يا أمير المؤمنين كأنها غصن بان تتثنّى، فأقبلت تمشي، فسلّمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة فجلست، وأتي بعود فوضع في حجرها، فجسّته، فاستنبأت في جسّها حذقها، ثم اندفعت تغنّي وتقول: من الطويل
توهّمها طرفي فأصبح خدّها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحها قلبي فآلم كفّها ... فمن مسّ قلبي في أناملها عقر
فهيّجت يا أمير المؤمنين لا بلي، وطربت بحسن شعرها، وحذقها؛ ثم اندفعت تغنّي: من الطويل
أشرت إليها هل عرفت مودّتي ... فردّت بطرف العين إني على العهد
فحدت عن الإظهار عمداً لسرّها ... وحاذت عن الإظهار أيضاً على عمد
فصحت: السّلامة، يا أمير المؤمنين، وجاءني من الطّرب ما لم أملك نفسي، ثم اندفعت تغنّي الصّوت الثالث: من الطويل
أليس عجيباً أن بيتاً يضمّني ... وإيّاك لا نخلو ولا نتكلّم
سوى أعين تشكو الهوى بجفونها ... وتقطيع أنفاس على النّار تضرم
إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكفّ تسلّم
فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذقها وإصابتها معنى الشعر، وأنها تخرج من الفنّ الذي ابتدأت فيه؛ فقلت: بقي عليك يا جارية؛ فضربت بعودها الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان منّي، ورأيت القوم كأنّهم قد تغيّروا بي، فقلت: ليس ثمّ عود؟ فقالوا: بلى والله يا سيّدنا، فأتينا بعود، فأصلحت من شأنه ما أردت، ثم اندفعت أغنّي: من الكامل
ما للمنازل لا يجبن حزيناً ... أصممن أن قدم المدى فبلينا
روحوا العشيّة روحة مذكورةً ... إن متن وإن حيين حيينا
فما استتممته يا أمير المؤمنين حتى خرجت الجارية فأكبّت على رجلي فقبّلتها، وتقول: معذرةً يا سيّدي والله ما سمعت من يغنّي هذا الصّوت مثلك أحد، وقام مولاها وجميع من كان حاضراً فصنعوا كصنيعها، وطرب القوم، واستحثّوا الشراب فشربوا بالكاسات والطّاسات، ثم اندفعت أغنّي: من الطويل
أفي الله أن تمشين لا تذكرينني ... وقد سمحت عيناي من ذكرك الدّما
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما
إلى الله أشكو أنها أجنبيّة ... وأني بها ما عشت بالوّد مغرما
فجاءنا من طرب القوم يا أمير المؤمنين شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم، فأمسكت ساعة حتى هدأوا ممّا كانوا فيه من الطّرب، ثم اندفعت أتغنّى بالصّوت الثالث: من البسيط
هذا محبّك مطوّي على كمده ... حرّى مدامعه تجري على جسده
له يد تسأل الرّحمن راحته ... ممّا به ويد أخرى على كمده
يا من رأى أسفاً مستهتراً دنفاً ... كانت منيّته في عينه ويده
فجعلت الجارية تصبح: هذا والله الغناء يا سيّدي.
وذكر الحكاية إلى أن قال: وخلوت معه،
ثم قال لي: يا سيّدي ذهب ما كان من أيّامي ضياعاً إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلحّ عليّ حتى أخبرته، فقام فقّبل رأسي، وقال: يا سيدي، وأنا أعجب يكون هذا الأدب إلاّ من مثلك! وإذا أني مع الخلافة وأنا لا أشعر! ثم سألني عن قصّتي، وكيف حملت نفسي على ما فعلت؛ فأخبرته خبر الطعام، وخبر الكفّ والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي؛ فقال: والكفّ والمعصم؟ ثم قال: يا فلانة لجارية له فجعل ينزل لي واحدةً واحدةً، فأنظر إلى كفّها ومعصمها، فأقول: ليس هي؛ قال: والله ما بقي غير أختي وأمّي، والله لأنزلنّهما إليك! فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداك، ابدأ بأختك قبل الأم، فعسى أن تكون هي؛ فقال: صدقت، فنزلت، فلّما رأيت كفّها ومعصمها، قلت: هي ذه! فأمر غلمانه فصاروا إلى عشرة من جلّة جيرانه في ذلك الوقت، فأحضروا، ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، وقال للمشايخ: هذه أختي فلانة، أشهدكم أني قد زوّجتها من سيّدي إبراهيم بن المهديّ، وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم؛ فرضيت وقبلت النّكاح، ودفع إليها البدرة، وفرّق الأخرى على المشايخ؛ ثم قال لهم: اعذروا وهذا ما حضر على الحال، فقبضوها ونهضوا.
ثم قال لي: يا سيّدي، أمهّد لك بعض البيوت تنام مع أهلك، فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره، وكرم خيمه؛ فقلت: بل أحضر عماريّة وأحملها إلى منزلي؛ قال: ما شئت.
فأحضرت عماريّة فحملتها وصرت بها إلى منزلي.
فوحقّك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ من الجهاز ما ضاقت به بعض بيوتنا، فأولدتها هذا القائم على رأس سيّدي أمير المؤمنين.
فعجب المأمون من كرم ذلك الرّجل، وسعة صدره، وقال: لله أبوهّ ما سمعت مثله قط؛ ثم أطلق الرّجل الطّفيليّ وأجازه بجائزة سنيّة، وأمر إبراهيم بإحضار الرّجل، فكان من خواصّ المأمون وأهل محبّته.
وقال محمد بن الحارث بن بسخنّر: وجّه إليّ إبراهيم بن المهدي يوماً يدعوني، وذلك في أوّل خلافة المعتصم، فصرت إليه، وهو جالس وحده، وشارية جاريته خلف السّتارة؛ فقال لي: إني قلت شعراً وغنّيت فيه فطرحته على شارية، فأخذته وزعمت أنها أحذق به منّي، وأنا أقول: إني أحذق به منها، وقد رضيناك حكماً بيننا لموضعك من هذه الصّناعة، فاسمعه منّي ومنها، واحكم ولا تعجل، حتى تسمعه ثلاث مرّات، فاندفع يغنّي: من الطويل
أضن بليلى وهي غير سخيّة ... وتبخل ليلى بالهوى فأجود
وأنهى فلا ألوي على زجر زاجر ... وأعلم أني مخطئ فأعود
فأحسن فيه وأجاد، ثم قال لها: تغنّي، فغنّت، فبرّزت فيه، حتى كأنه كان معها في أبي جاد، ونظر إليّ فعرف أني قد عرفت فضلها، فقال: على رسلك؛ ثم اندفع فغنّاه ثانية فأضعف في الإحسان، ثم قال لها: تغنّي، فبرعت وازدادت أضعاف زيادته، وكدت أشقّ ثيابي طرباً، فقال: تثبّت ولا تعجل؛ ثم غنّاه ثالثة، فلم يبق غاية في الإحكام، ثم أمرها فغنّت، فكأنما كان يلعب، ثم قال: قل: فقضيت لها، قال:
أصبت، بكم تساوي عندك الآن، فحملني الحسد له عليها والنّفاسة بمثلها، أن قلت: تساوي مئة ألف درهمّ فقال: وما تساوي على هذا الإحسان والتفّفضيل إلاّ مئة ألف درهم؟ قبّح الله رأيك، والله ما أجد شيئاً أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك مذموماً مدحوراً، فقلت: ما لقولك: اخرج عن منزلي، جواب؛ وقمت أنصرف وقد أحفظني فعله وكلامه وأرمضني، فلّما خطوت خطوات التفتّ إليه، فقلت: يا إبراهيم، تطردني من منزلكّ فوالله ما تحسن أنت ولا جاريتك شيئاً.
وضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم وهو بالوزيريّة في قصر اللّيل، فدخلت ومخارق وعلّوية، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات؛ جام فضّة مملوء ودنانير جدداً، وجام ذهب مملوءة دراهم، وجام قوارير مملوءة عنبراً، فظننّا أنها لنا، بل لم نشك في ذلك، فغنّينا وأجهدنا أنفسنا، فلم يطرب، ولم يتحرّك لشيء من غنائنا، ودخل الحاجب فقال: إبراهيم بن المهديّ، فأذن له، فدخل، فلّما أخذ مجلسه غنّاه أصواتاً أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته بشعره، فقال: من البسيط
ما بال شمس أبي الخطّاب قد حجبت ... يا صاحبيّ لعلّ السّاعة اقتربت
أشكو إليك أبا الخطّاب جاريةً ... غريرةً بفؤادي اليوم قد لعبت
فاستحسنه المعتصم وطرب له، وقال: أحسنت والله يا عمّ، فقال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيها شئت، فأخذ التي فيها الدّنانير؛ ونظر بعضنا إلى بعض ساعةً لأنّا رجونا أن نأخذهنّ، وغنّاه بشعر له بعد ساعة: من المتقارب
فما قهوة مزة قرقف ... شمول تروق براووقها
بكفّ أإنخصيب البنا ... ن يخطر بين أباريقها
بأطيب من فمها نكهة ... إذا امتصت الشّهد من ريقها
فقال المعتصم: أحسنت والله يا عمّ وسررت؛ قال: يا أمير المؤمنين، فإن كنت أحسنت فهب لي جاماً أخرى، فقال: خذ أيّهما شئت، فأخذ الذهب التي فيها الدّراهم؛ فأيسنا نحن، وغنّى بعد ساعة: من الطويل
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الحبّ
إذا رضيت لم يهنني ذلك الرّضى ... لعلمي به أن سوف يدركه العتب
فارتجّ المجلس، وطرب المعتصم، واستخفّه الطّرب، وقام على رجليه ثم جلس، وقال: أحسنت والله يا عمّ ما شئت؛ قال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي الجام الثالثة، قال: خذها.
ونام أمير المؤمنين، فدعا إبراهيم بمنديل، فثناه عطفين، ووضع الجامات فيه وشدّه، ودعا بطين فختمه ودفعه إلى غلامه.
ونهضنا لانصراف، فلّما ركب التفت إليّ فقال: يا محمد، زعمت أني وجاريتي لا نحسن شيئاً! فكيف رأيت ثمرة الإحسان ونموّه؟ وقال إبراهيم الموصلي: أرسلت أسماء بنت المهديّ إلى أخيها إبراهيم بن المهديّ، فقالت: أشتهي والله أن أسمع من غنائك، قال: إذاً والله لا تسمعي مثله، وعليه وعليه، وغلّظ في اليمين، إن لم يكن إبليس ظهر لي وعلّمني النقّر والنّغم، وصافحني، وقال: اذهب فأنت منّي وأنا منك! قال المبرّد: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: انصرفت ليلةً من عند المأمون مع إبراهيم بن المهديّ، فأنشأ يقول: من الطويل
وما زلت مذ أيفعت أسعى مراهقاً ... إلى الغرض الأقصى أزور المعاليا
إذا قنعت نفسي بكأس ومطعم ... فلا بلغت فيما تروم الأمانيا
لحا الله من يرضى ببلغة يومه ... ولم يك ذا همّ إلى المجد ساعيا
على المرء أن يسعى ويسمو بنفسه ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا
حدّث يحيى بن عليّ قال: قال أحمد بن أبي فنن: أنا ابن قولي: من الكامل
صبّ بحبّ متيّم صبّ ... حبّيه فوق نهاية الحبّ
أشكو إليه صنيع جفونه ... فيقول مت فأيسر الخطب
وإذا نظرت إلى محاسنه ... أخرجته عطلاً من الذّنب
أدميت باللّحظات وجنته ... فاقتصّ ناظره من القلب
قال عليّ بن هارون: وهذا البيت الأخير من هذه الأبيات هو عينها، وأخذه ابن أبي فنن ممّا أنشدنيه أبي لإبراهيم بن المهديّ: من السريع
يا من لقلب صيغ من صخرة ... في جسد من لؤلؤ رطب
جرحت خدّيه بلحظي فما ... برحت حتى اقتصّ من قلبي
أنشد يعقوب بن عباد الزّبيري لإبراهيم بن المهديّ، وقد أخدمته بعض العبّاسيّات في حال استخفائه عندها جاريةً، وقالت لها: أنت له، فإن مدّ يده إليك فلا تمتنعي؛ ولم يعلم بهبتها له، وكانت مليحةً، فجمّشها يوماً بأن قبّل يدها، وقال: من مجزوء الرمل
يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أكرمت خد ... ديه فقبّلت يديه
بأبي وجهك ما أك ... ثر حسّادي عليه
أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه
وفي رواية:
بأبي من أنا مأسو ... ر بلا أسر لديه
والذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه
والذي يقتلني ظل ... ماً ولا يعدي عليه
أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه
وله: من البسيط
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفي تعب
مالي أراني إذا طالبت مرتبة ... فنلتها طمحت عيني إلى رتب
لو كان يصدقني ذهني بفكرته ... ما اشتدّ غمّي على الدّنيا ولا نصبي
أسعى وأجهد فيما لست أدركه ... والموت يكدح في زندي وفي عصبي
بالله ربّك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللّذات والطّرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعدها للويل والخرب
فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطلّب
قد يرزق العبد لم تتعب رواحله ... ويحرم الرّزق من لم يموت من طلب
مع أنني واجد للنّاس واحدة ... الرّزق والنّوك مقرونان في سبب
وخصلة ليس فيها من ينازعني ... الرّزق أروع شيء عن ذوي الأدب
يا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرّزق أغرى به من لازم الجرب
قال أحمد بن كامل: سمعت ناشب المتوكلّية تغنّي لإبراهيم بن المهدي: من المجتث
أنت امرؤ متجنّ ... ولست بالغضبان
هبني أسات فهلاّ ... مننت بالغفران
وله أو لغيره: من الطويل
لحا الله من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين
ومن هو ذو لونين ليس بدائم ... على عهده خوان كلّ أمين
وقال في ابن له يقال له: أحمد، مات بالبصرة: من الويل
نأى آخر الأيّام عنك حبيب ... فللعين سحّ دائم وغروب
دعته نوى لا يرتجى أوبة لها ... فقلبك مسلوب وأنت كئيب
يؤوب إلى أوطانه كلّ غائب ... وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب
تبدّل داراً غير داري وجيرةً ... سواي وأحداث الزّمان تنوب
أقام بها مستوطناً غير أنّه ... على طول أيّام المقام غريب
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره ... كما في ضياء الشّمس حين تغيب
سوى أن ذا يفنى ويبلى وذكره ... بقلبي على طول الزّمان قشيب
وكان نصيب العين من كلّ لذّة ... فأضحى وما للعين منه نصيب
وكان وقد زان الرّجال بفعله ... فإن قال قولاً قال وهو مصيب
وكان به ينهى الرّكاب لحسنه ... وهجم عنه الكهل وهو لبيب
وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... بعدل إلهي وهي منه سليب
فأصبحت محنيّاً كئيباً كأنّني ... عليّ لمن ألقى الغداة ذنوب
يخال الذي يحتاجه استدّ مرةً ... فيقذفه الأدنيّ وهو حريب
يقلّب كفّيه هواء وقلبه ... هناك وحيداً ما لديه غريب
ينادي بأسماء الأحبّة هاتفاً ... وما فيهم للهاتفين مجيب
كأن لم يكن كالدّر يلمع نوره ... بأصدافه لمّا يشنه ثقوب
كأن لم يكن كالغصن في ساعة الضّحى ... بماه النّدى فاهتّز وهو رطيب
كأن لم يكن كالطّرف يمسح سابقاً ... سليم الشّظا لم تختبله عيوب
كأن لم يكن كالصقّر أوفى بشامخ الذ ... رى وهو يقظان الفؤاد طلوب
وريحان صدري كان حين أشمه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
يسيراً من الأيّام لم يرو ناظري ... بها منه حتى أعلقته شعوب
كظلّ سحاب لم يقم غير ساعة ... إلى أن أطاحته فطاح جنوب
أو الشّمس لمّا من غمام تحسّرت ... مساء وقد ولّت وآن غروب
كأني به قد كنت في النّوم حالماً ... نفى لذّة الأحلام منه هبوب
جمعت أطبّاء إليك فلم يصب ... دواءك منهم في البلاد طبيب
ولم يملك الآسون دفعاً لمهجة ... عليها لأشراك المنون رقيب
سأبكيك ما أبقت دموعي من البكا ... لعينيّ مساءً إن نأى ونحيب
وما غاب نجم أو تغّنت حمامة ... وما اخضرّ في فرع الأراك قضيب
وأضمر إن أنفذت دمعي لوعة ... عليك لها تحت الضّلوع لهيب
حياتي ما كانت حياتي فإن أمت ... ثويت وفي قلبي عليك ندوب
يعزّ عليّ أن تنالك حدّة ... يمسّك منها في الفؤاد دبيب
وما زاد إشفاقي عليك عشيّةً ... وسادك فيها جندل وجنوب
ألا ليت كفاً بان منها بنانها ... يهال بها عنّي عليك كثيب
فما لي إلاّ الموت بعدك راحة ... وليس لنا في العيش بعدك طيب
قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي ... أخوك ورأسي قد علاه مشيب
وأصبحت في الهلاك إلاّ حشاشة ... تذاب بنار الحزن فهي تذوب
تولّيتما في حجّة وتركتما ... صدىً يتولّى ناره وينوب
فلا ميت إلاّ دون زرئك رزؤه ... ولو فنيت حزناً عليك قلوب
وإني وإن قدّمت قبلي لعالم ... بأني وإن أبطأت منك قريب
وإنّ صباحاً نلتقي في مسائه ... صباح إلى قلبي الغداة حبيب
وله يرثي ابنه أحمد: من المنسرح
عصتك عين دموعها شنن ... فليس يغشى جفونها الوسن
وكلّها بالنجوم يرقبها ... نجم فثنى في ليله الحزن
لمّا ثوى أحمد الضّريح وكا ... ن الزّاد منه الحنوط والكفن
والموت يغشى بياض سنته ... كالشمس يغشى ضياءها الدّجن
يطلب روحاً عندي لكربته ... والرّوح في كفّ من له المنن
هيهات قد حان وقت فرقتنا ... وانبتّ بيني وبينه القرن
وخانني الصّبر إذ فجعت به ... وليس عندي لواعظ أذن
تركتني ساهراً إذ رقد النّا ... س أخا لوعة إذا سكنوا
لله ما أهدت الرّجال إلى ال ... قبر وما شدّوا وما دفنوا
من يسل شيئاً فإن لوعته ... ليس يعفي آثارها الزّمن
يا ليت شخصي قد زارها منّه ... فإن عيشي من بعده غبن
ولّى حبيباً يتلو أخاه كما ... يوماً تدنّى للمنحر البدن
كأنّما الدّهر في تحامله ... عليّ لي عند صرفه الزّمن
قال أبو حسان الزّيادي: سنة أربع وعشرين ومئتين، فيها مات إبراهيم بن المهديّ، يوم الجمعة لسبع خلون من شهر رمضان، وصلّى عليه المعتصم بالله أمير المؤمنين.
إبراهيم بن شماس، أبو إسحاق السمرقندي :
ورد بغداد، وحدث بها عن: إسماعيل بن عياش، ومسلم بن خالد الزنجي، وفضيل بن عياض، وأبي إِسْحَاق الفزاري، وَعَبْد اللَّهِ بْن المبارك، وسفيان بْن عيينة، وبقية بن الوليد، ووكيع بن الجراح. روى عنه أحمد بن حنبل، وداود بن رُشَيْد، وأبو خيثمة زهير بْن حرب، ومحمد بْن أبي عتاب الأعين، وعباس بن محمد الدوري، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن علي البربهاري.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن رزق، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرحمن العسكري، حدّثنا أحمد بن ملاعب، حدّثنا إبراهيم بن شمّاس، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذا زنت وليدة أحدكم فليجدها ولا يثرب عليها، فإن عادت فليجدها الْحَدَّ وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحد ولا يثرب عليها، فَإِنْ عَادَتِ الرَّابِعَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ»
. أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَجِ الطَّنَاجِيرِيُّ، حدّثنا علي بن عمر الختلي، حدّثنا أبو القاسم عيسى بن سليمان، حدّثنا داود بن رشيد، حدّثنا إبراهيم بن الشّمّاس، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى عَلَيَّ يَوْمٌ لا أَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا فَلا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ»
. أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدّثنا أحمد بن علي البربهاري، حدّثنا إبراهيم بن شمّاس، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ سَلامَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هريرة، عن
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ مِنْ مُلْكِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْهُ إِلا تَخَشُّعًا. وَمَا كَانَ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ تَخَشُّعًا مِنْ رَبِّهِ»
. قَالَ لي أبو نعيم: إبراهيم بن شماس سمرقندي سكن بغداد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الصَّابُونِيُّ- فيما أذن أن نرويه عنه- أخبرنا علي ابن محمّد بن سعيد الموصليّ، حدّثنا موسى بن محمّد الغساني، حدّثني أحمد بن محمّد المروزيّ قَالَ: قَالَ لي أَبُو عبد اللَّه: - يعني أَحْمَد بْن حنبل- دخل على إبراهيم ابن شماس وأنا في السجن- يعني أيام المحنة- قَالَ: فسألني عن شيء من أمر الحديث فاعتللت بشيء، فقال لي إبراهيم: أليس كنت تحفظ لنا عند وكيع!.
قلت: ذكر أيام المحنة في هذا الخبر خطأ لا شك فيه، لأن إبراهيم مات قبل ذلك الوقت بزمان بعيد.
أَخْبَرَنِي الأزهري، عن أبي الحسن الدارقطني. قَالَ: إبراهيم بن شماس سمرقندي ثقة.
أَخْبَرَنَا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ الدّقّاق، حدّثنا عمر بن محمّد الجوهريّ، حدثنا أَبُو بكر الأثرم قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْد الله- وهو أحمد بن حنبل- ذكر إبراهيم بن شماس السمرقندي فأحسن الثناء عليه، قال: كتب لي بعض أصحابنا أنه أوصى بمائة ألف يشترى بها أسرى من الترك، قَالَ: فاشترينا مائتي نفس أو نحو ذا، قَالَ أبو عبد الله: قتلته الترك أيضا، فانظر ما ختم له به مع القتل! وذكره مرة أخرى فقال: صاحب سنة، وكانت له نكاية في الترك .
قرأت على الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم، عَنْ أبي سعيد أَحْمَد بْن رميح النسوي قَالَ:
سَمِعْتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن بسطام يَقُولُ: سَمِعْتُ أحمد بن سيار بن أيوب يقول: إبراهيم بن شماس أبو إسحاق كان صاحب سنة وجماعة، كتب العلم وجالس الناس. روى عن أبي إسحاق الفزاري، ومروان بن معاوية، وأبي بكر بن عياش، وابن المبارك، ووكيع، وغيرهم. ورأيت إسحاق بن إبراهيم- يعني ابن راهويه- يعظم من أمره، ويحرضنا على الكتابة عنه، وكان رجلا ضخما عظيم الهامة، حسن
البضعة ، أحمر الرأس واللحية، حسن المجالسة، يفد على الملوك، وله حظ من الغزو، وكان فارسا شجاعا، قتلته الترك وهو جائي من ضيعته، وهو غار لم يشعر بهم، وذلك خارج من سمرقند، ولم يعرفوه، وقتل رحمه الله يوم الاثنين، ودفن يوم الأربعاء في المحرم سنة إحدى وعشرين ومائتين .
حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن المؤدب، عن أبي سعيد الإدريسي. قَالَ:
إبراهيم بن شماس الغازي السمرقندي كنيته أبو إسحاق، كان شجاعا بطلا مبارزا، عالما فاضلا عاملا، ثقة ثبتا في الرواية، متعصبا لأهل السنة، كثير الغزو .
قَالَ أحمد بن سيار: قتل إبراهيم بن شماس سنة إحدى وعشرين ومائتين .
وَقَالَ إبراهيم بن عبد الرحمن الدّرامي: سنة عشرين ومائتين قتل إبراهيم بن شماس .
قَالَ أبو سعد: والأصح عندي قول إبراهيم، فإنه حكي لي عن أبي يعقوب يوسف ابن علي الأبار مثل قوله.
ورد بغداد، وحدث بها عن: إسماعيل بن عياش، ومسلم بن خالد الزنجي، وفضيل بن عياض، وأبي إِسْحَاق الفزاري، وَعَبْد اللَّهِ بْن المبارك، وسفيان بْن عيينة، وبقية بن الوليد، ووكيع بن الجراح. روى عنه أحمد بن حنبل، وداود بن رُشَيْد، وأبو خيثمة زهير بْن حرب، ومحمد بْن أبي عتاب الأعين، وعباس بن محمد الدوري، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن علي البربهاري.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن رزق، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرحمن العسكري، حدّثنا أحمد بن ملاعب، حدّثنا إبراهيم بن شمّاس، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذا زنت وليدة أحدكم فليجدها ولا يثرب عليها، فإن عادت فليجدها الْحَدَّ وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحد ولا يثرب عليها، فَإِنْ عَادَتِ الرَّابِعَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ»
. أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَجِ الطَّنَاجِيرِيُّ، حدّثنا علي بن عمر الختلي، حدّثنا أبو القاسم عيسى بن سليمان، حدّثنا داود بن رشيد، حدّثنا إبراهيم بن الشّمّاس، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى عَلَيَّ يَوْمٌ لا أَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا فَلا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ»
. أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدّثنا أحمد بن علي البربهاري، حدّثنا إبراهيم بن شمّاس، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ سَلامَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هريرة، عن
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ مِنْ مُلْكِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْهُ إِلا تَخَشُّعًا. وَمَا كَانَ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ تَخَشُّعًا مِنْ رَبِّهِ»
. قَالَ لي أبو نعيم: إبراهيم بن شماس سمرقندي سكن بغداد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الصَّابُونِيُّ- فيما أذن أن نرويه عنه- أخبرنا علي ابن محمّد بن سعيد الموصليّ، حدّثنا موسى بن محمّد الغساني، حدّثني أحمد بن محمّد المروزيّ قَالَ: قَالَ لي أَبُو عبد اللَّه: - يعني أَحْمَد بْن حنبل- دخل على إبراهيم ابن شماس وأنا في السجن- يعني أيام المحنة- قَالَ: فسألني عن شيء من أمر الحديث فاعتللت بشيء، فقال لي إبراهيم: أليس كنت تحفظ لنا عند وكيع!.
قلت: ذكر أيام المحنة في هذا الخبر خطأ لا شك فيه، لأن إبراهيم مات قبل ذلك الوقت بزمان بعيد.
أَخْبَرَنِي الأزهري، عن أبي الحسن الدارقطني. قَالَ: إبراهيم بن شماس سمرقندي ثقة.
أَخْبَرَنَا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ الدّقّاق، حدّثنا عمر بن محمّد الجوهريّ، حدثنا أَبُو بكر الأثرم قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْد الله- وهو أحمد بن حنبل- ذكر إبراهيم بن شماس السمرقندي فأحسن الثناء عليه، قال: كتب لي بعض أصحابنا أنه أوصى بمائة ألف يشترى بها أسرى من الترك، قَالَ: فاشترينا مائتي نفس أو نحو ذا، قَالَ أبو عبد الله: قتلته الترك أيضا، فانظر ما ختم له به مع القتل! وذكره مرة أخرى فقال: صاحب سنة، وكانت له نكاية في الترك .
قرأت على الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم، عَنْ أبي سعيد أَحْمَد بْن رميح النسوي قَالَ:
سَمِعْتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن بسطام يَقُولُ: سَمِعْتُ أحمد بن سيار بن أيوب يقول: إبراهيم بن شماس أبو إسحاق كان صاحب سنة وجماعة، كتب العلم وجالس الناس. روى عن أبي إسحاق الفزاري، ومروان بن معاوية، وأبي بكر بن عياش، وابن المبارك، ووكيع، وغيرهم. ورأيت إسحاق بن إبراهيم- يعني ابن راهويه- يعظم من أمره، ويحرضنا على الكتابة عنه، وكان رجلا ضخما عظيم الهامة، حسن
البضعة ، أحمر الرأس واللحية، حسن المجالسة، يفد على الملوك، وله حظ من الغزو، وكان فارسا شجاعا، قتلته الترك وهو جائي من ضيعته، وهو غار لم يشعر بهم، وذلك خارج من سمرقند، ولم يعرفوه، وقتل رحمه الله يوم الاثنين، ودفن يوم الأربعاء في المحرم سنة إحدى وعشرين ومائتين .
حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن المؤدب، عن أبي سعيد الإدريسي. قَالَ:
إبراهيم بن شماس الغازي السمرقندي كنيته أبو إسحاق، كان شجاعا بطلا مبارزا، عالما فاضلا عاملا، ثقة ثبتا في الرواية، متعصبا لأهل السنة، كثير الغزو .
قَالَ أحمد بن سيار: قتل إبراهيم بن شماس سنة إحدى وعشرين ومائتين .
وَقَالَ إبراهيم بن عبد الرحمن الدّرامي: سنة عشرين ومائتين قتل إبراهيم بن شماس .
قَالَ أبو سعد: والأصح عندي قول إبراهيم، فإنه حكي لي عن أبي يعقوب يوسف ابن علي الأبار مثل قوله.
إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة، أبو إسحاق الفهريّ المدنيّ :
شاعر مفلق. فصيح مسهب، مجيد حسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين، أدرك الدولتين الأموية والهاشمية، وقدم بغداد علي أبي جعفر المنصور ومدحه فأجازه. وأحسن صلته، وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين.
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الأزهري، وعَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الضبي. قالا:
أَخْبَرَنَا علي بن عمر الحافظ. قَالَ: هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر، من ولده إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الشاعر مقدم في شعراء المحدثين. قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة. قَالَ: وفي هذه السنة- يعني سنة خمس وأربعين ومائة- تحول المنصور إلى مدينة السلام واستتم بناءها سنة ست وأربعين ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة. قَالَ: فلم تكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه، واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم يقول:
يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب فيقول: اخطب. ويقول: هذا فلان الشاعر. فيقول:
أنشد. حتى كنت آخر من بقي فقال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة، فسمعته يقول:
لا مرحبا ولا أهلا. ولا أنعم الله به عينا. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت فقال أبو الخصيب: أنشد فأنشدته:
سرى ثوبه عنك الصبي المتخايل ... وقرب للبين الخليط المزايل
حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في خفاء سريرة ... إذا كرها فيها عقاب ونائل
فأما الذي أمنته يأمن الردى ... وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل
فقال: يا غلام، ارفع عني الستر! فرفع، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر، ثم قَالَ: تمم القصيدة فلما فرغت قَالَ: ادن، فدنوت، ثم قَالَ: اجلس؛ فجلست، وبين يديه مخصرة فقال: يا إبراهيم قد بلغتني عنك أشياء لولا ذلك لفضلتك على نظرائك، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك. فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي! فقلت: يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به فتناول المخصرة فضربني بها. فقلت:
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
ثم ثني فضربني فقلت:
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثر البطان فيه والحقب
فقال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، وخلعة، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك. قلت: نعم! أنت في حل وفي سعة من دمي إن بلغك أمر تكرهه، قَالَ ابن هرمة: فأتيت المدينة. فأتاني رجل من الطالبيين فسلم علي فقلت: تنح عني لا تشيط بدمي.
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، حدّثنا محمّد بن حميد الخزاز، حدّثنا ابن قانع، حدّثنا محمّد بن زكريّا، حدّثنا عبيد الله بن عائشة. قَالَ: لما قدم ابن هرمة على أبي جعفر مدحه فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: يا ابن هرمة إن الزمان ضيق بأهله فاشتر بهذه إبلا عوامل؛ وإياك أن تقول: كلما مدحت أمير المؤمنين أعطاني مثلها هيهات والعود إلى مثلها.
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، حدّثنا محمّد بن زكريّا الغلابي، حَدَّثَنَا أحمد بن عيسى- وذكر ابن هرمة قَالَ: وكان متصلا بنا- وهو القائل فينا:
ومهما ألام على حبهم ... فإني أحب بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدين والسنة القائمه
فلست أبالي بحبي لهم ... سواهم من النعم السائمه
قَالَ: فقيل له في دولة بني العباس: ألست القائل كذا- وأنشدوه هذه الأبيات-؟
فقال: أعض الله قائلها بهن أمه، فقال له من يثق به: ألست أنت قائلها؟! قَالَ: بلى ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن علي البزاز، أَخْبَرَنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن سيف الكاتب، حدّثنا محمّد بن العبّاس اليزيدي، حدّثنا الزبير بن بكّار، حدّثنا محمّد ابن ثابت، حَدَّثَنِي محمد بن فضالة النحوي. قَالَ: لقي رجل من قريش ممن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن؛ إبراهيم بن علي بن هرمة الشاعر فقال له: ما الخبر؟ ما فعل الناس يا أبا إسحاق فقال ابن هرمة:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
وأمسك بأطراف الكلام فإنه ... نجاتك مما خفت أمرا مجمجما
فلست على رجع الكلام بقادر ... إذا القول عن زلاته فارق الفما
وكائن ترى من وافر العرض صامتا ... وآخر أردى نفسه أن تكلما
حَدَّثَنَا أبو جعفر محمّد بن علان الورّاق، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هاشم بن محمد بن هارون الخزاعي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قريب بن أخي الأصمعي عن عمه. قَالَ: قَالَ لي رجل من أهل الشام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة، فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين، فقلت لها:
ما فعل أبوك؟ قالت: وفد إلى بعض الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة. فقلت: انحري لنا ناقة فإنا أضيافك، قالت: والله ما عندنا. قلت: فشاة، قالت: والله ما عندنا، قلت فدجاجة، قالت: والله ما عندنا. قلت: فأعطينا بيضة. قالت: والله ما عندنا، قلت:
فباطل ما قَالَ أبوك:
كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء!! أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهريّ، أَخْبَرَنَا محمد بن عمران الكاتب. قَالَ: قَالَ أبو الحسن الأخفش: قَالَ لنا ثعلب مرة إن الأصمعي. قَالَ: ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة، وهو آخر الحجج.
شاعر مفلق. فصيح مسهب، مجيد حسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين، أدرك الدولتين الأموية والهاشمية، وقدم بغداد علي أبي جعفر المنصور ومدحه فأجازه. وأحسن صلته، وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين.
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الأزهري، وعَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الضبي. قالا:
أَخْبَرَنَا علي بن عمر الحافظ. قَالَ: هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر، من ولده إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الشاعر مقدم في شعراء المحدثين. قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة. قَالَ: وفي هذه السنة- يعني سنة خمس وأربعين ومائة- تحول المنصور إلى مدينة السلام واستتم بناءها سنة ست وأربعين ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة. قَالَ: فلم تكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه، واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم يقول:
يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب فيقول: اخطب. ويقول: هذا فلان الشاعر. فيقول:
أنشد. حتى كنت آخر من بقي فقال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة، فسمعته يقول:
لا مرحبا ولا أهلا. ولا أنعم الله به عينا. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت فقال أبو الخصيب: أنشد فأنشدته:
سرى ثوبه عنك الصبي المتخايل ... وقرب للبين الخليط المزايل
حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في خفاء سريرة ... إذا كرها فيها عقاب ونائل
فأما الذي أمنته يأمن الردى ... وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل
فقال: يا غلام، ارفع عني الستر! فرفع، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر، ثم قَالَ: تمم القصيدة فلما فرغت قَالَ: ادن، فدنوت، ثم قَالَ: اجلس؛ فجلست، وبين يديه مخصرة فقال: يا إبراهيم قد بلغتني عنك أشياء لولا ذلك لفضلتك على نظرائك، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك. فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي! فقلت: يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به فتناول المخصرة فضربني بها. فقلت:
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
ثم ثني فضربني فقلت:
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثر البطان فيه والحقب
فقال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، وخلعة، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك. قلت: نعم! أنت في حل وفي سعة من دمي إن بلغك أمر تكرهه، قَالَ ابن هرمة: فأتيت المدينة. فأتاني رجل من الطالبيين فسلم علي فقلت: تنح عني لا تشيط بدمي.
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، حدّثنا محمّد بن حميد الخزاز، حدّثنا ابن قانع، حدّثنا محمّد بن زكريّا، حدّثنا عبيد الله بن عائشة. قَالَ: لما قدم ابن هرمة على أبي جعفر مدحه فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: يا ابن هرمة إن الزمان ضيق بأهله فاشتر بهذه إبلا عوامل؛ وإياك أن تقول: كلما مدحت أمير المؤمنين أعطاني مثلها هيهات والعود إلى مثلها.
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، حدّثنا محمّد بن زكريّا الغلابي، حَدَّثَنَا أحمد بن عيسى- وذكر ابن هرمة قَالَ: وكان متصلا بنا- وهو القائل فينا:
ومهما ألام على حبهم ... فإني أحب بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدين والسنة القائمه
فلست أبالي بحبي لهم ... سواهم من النعم السائمه
قَالَ: فقيل له في دولة بني العباس: ألست القائل كذا- وأنشدوه هذه الأبيات-؟
فقال: أعض الله قائلها بهن أمه، فقال له من يثق به: ألست أنت قائلها؟! قَالَ: بلى ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن علي البزاز، أَخْبَرَنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن سيف الكاتب، حدّثنا محمّد بن العبّاس اليزيدي، حدّثنا الزبير بن بكّار، حدّثنا محمّد ابن ثابت، حَدَّثَنِي محمد بن فضالة النحوي. قَالَ: لقي رجل من قريش ممن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن؛ إبراهيم بن علي بن هرمة الشاعر فقال له: ما الخبر؟ ما فعل الناس يا أبا إسحاق فقال ابن هرمة:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
وأمسك بأطراف الكلام فإنه ... نجاتك مما خفت أمرا مجمجما
فلست على رجع الكلام بقادر ... إذا القول عن زلاته فارق الفما
وكائن ترى من وافر العرض صامتا ... وآخر أردى نفسه أن تكلما
حَدَّثَنَا أبو جعفر محمّد بن علان الورّاق، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هاشم بن محمد بن هارون الخزاعي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قريب بن أخي الأصمعي عن عمه. قَالَ: قَالَ لي رجل من أهل الشام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة، فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين، فقلت لها:
ما فعل أبوك؟ قالت: وفد إلى بعض الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة. فقلت: انحري لنا ناقة فإنا أضيافك، قالت: والله ما عندنا. قلت: فشاة، قالت: والله ما عندنا، قلت فدجاجة، قالت: والله ما عندنا. قلت: فأعطينا بيضة. قالت: والله ما عندنا، قلت:
فباطل ما قَالَ أبوك:
كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء!! أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهريّ، أَخْبَرَنَا محمد بن عمران الكاتب. قَالَ: قَالَ أبو الحسن الأخفش: قَالَ لنا ثعلب مرة إن الأصمعي. قَالَ: ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة، وهو آخر الحجج.