Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=153204&book=5577#040a3a
محمد بن إبراهيم أبو حمزة
البغدادي الصوفي قال أبو حمزة الصوفي: كنت مع منصور بن جمهور الصوفي، فنظر إلى غلام يعرض للبيع، فوقف، فنظر إليه، ثم التفت إلي، فقال: ما أعلم أحداً اشترى هذا إلا متعرضاً لمحن الله - عزوجل - فإما أن يعصمه، وإما أن يفتنه؛ فإن عصمه اتسع للناس القول فيه بما لا يعلمون، وان هو فتنه طال في القيامة حسابه، وفي النار عذابه. ثم رفع يديه، فقال: اللهم اعصمنا فيما بقي من أعمارنا، ولا تؤاخذنا بما قد علمت من أفعالنا، وهب لنا عقوبة نظرنا. ثم بكى.
وقال: خرجت من بلاد الروم، فوقفت على راهب، فقلت: هل عندك من خبر من قد مضى؟ فقال: نعم، " فريق في الجنة وفريق في السعير ".
قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو حمزة البغدادي البزاز، واسمه محمد بن إبراهيم، من أقران سري السقطي، أو أقدم منه، كان يتكلم ببغداد في مسجد الرصافة قبل كلامه في مسجد المدينة، وأبو حمزة كان يذكر أنه من أصحاب حسن المسوحي، وكان يسميه: أستاذي، وكان هو أستاذ الجنيد، وكان عالماً بالقراءات خصوصاً بقراءة أبي عمرو، وكان قد تكلم في شيء من علوم الإرادات في المسجد الجامع، فسقط عن كرسيه، واعتل، ودفن في الجمعة الثانية. وكان سافر مع أبي تراب. وهو أستاذ جميع البغداديين في هذه العلوم، ولما مات غسله قاسم بن أبي علي المنصوري الصوفي.
قال أبو القاسم القشيري: ومنهم أبو حمزة البغدادي. مات قبل الجنيد، وكان من أقرانه، وكان عالماً بالقراءات فقيهاً، وكان من أولاد عيسى بن أبان. وكان أحمد بن حنبل يقول له في المسائل: ما تقول فيها يا صوفي؟ قيل: كان يتكلم في مجلسه يوم الجمعة، فتغير عليه الحال، فسقط عن كرسيه، ومات في الجمعة الثانية. مات سنة تسع وثمانين ومائتين.
قال أبو حمزة: من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه، ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحواله، وأفعاله، وأقواله.
وقال: من رزق ثلاثة أشياء فقد نجا " من الآفات ": بطن خال مع قلب قانع، وفقر دائم معه زهد حاضر، وصبر كامل معه ذكر دائم.
وحكى بعضهم عن أبي حمزة محمد بن إبراهيم البغدادي أستاذ الجنيد
أنه ولد له مولود في ليلة مطيرة، وما كان في منزله شيء، واشتد المطر، وكانت داره على الطريق. قال: وأخذ السيل يدخل داره، وكان معه في الدار صبي يخدمه، فقام هو والصبي، فأخذ صرتين، فكانا ينقلان الماء إلى الطريق حتى أصبحوا، فلما أصبحوا احتالت المرأة درهمين، وقالت لأبي حمزة: اشتر لنا بها شيئاً، فخرج أبو حمزة والصبي معه، فإذا بجارية صغيرة تبكي، قال: فقال لها أبو حمزة: مالك؟ قالت: لي مولى شرير، وقد دفع إلي قارورة، فانكسرت، وهلك الزيت، فأخاف أن يضربني، قال: فأخذ بيدها، وذهب فاشترى لها قارورة، وأخذ فيها زيتاً، فقالت الجارية: تجيء معي إلى عند مولاي، وتشفع إليه ألا يضربني بتأخري عنه. قال: فذهب أبو حمزة معها إلى مولاها، وتشفع فيها، ثم رجع إلى المسجد، وقعد في الشمس، فقال له الغلام: أيش عملت في يوم مثل هذا، أو قصة مثل هذه؟ فقال له: اسكت فقعدا إلى العصر، ثم قال له الصبي: قم بنا نعود إلى المنزل، وكانت داره في زقاق لا ينفذ، فجاؤوا
والزقاق كله من أوله إلى آخره حمالون قعود، معهم كل ما يحتاجون إليه في الشتاء، ومعهم رجل معه رقعة فيها مكتوب: أخبرنا أيها الشيخ، أن البارحة ولد لك مولود، فحملنا إليك ما حضر، فتفضل بقبوله. ومع الرجل كيس فيه خمسمائة درهم، فأخذه، ثم التفت إلى الغلام، وقال: إذا عاملت فعامل من هذه معاملته! قال أبو حمزة الصوفي: إني لأستحيي من الله تعالى أن أدخل البادية وأنا شبعان، وقد اعتقدت التوكل؛ لئلا يكون سعيي على الشبع زاداً أتزوده.
وقال: سافرت سفرة على التوكل، فبينا أنا أسير ذات ليلة، والنوم في عيني إذ وقعت في بئر، فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقاها، فجلست فيها، فبينا أنا جالس إذ وقف على رأسها رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: نجوز ونترك هذه في طريق السابلة والمارة؟ فقال الآخر: فما نصنع؟ قال: نطمها! فبدرت نفسي أن تقول: أنا فيها، فنوديت: تتوكل علينا، وتشكو بلاءنا إلى سوانا؟! فسكت. فمضيا، ثم رجعا، ومعهما شيء جعلاه على رأسها غطوها به، فقالت لي نفسي: أمنت طمها، ولكن جعلت مسجوناً فيها. فمكثت يومي وليلتي، فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي، ولا أراه: تمسك بي شديداً. فمددت يدي، فوقعت على شيء خشن، فتمسكت به، فعلاها، وطرحني، فتأملت فوق الأرض، فإذا هو سبع، فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق مثله، فهتف بي هاتف: يا أبا حمزة، استنقذناك من البلاء، وكفيناك ما تخاف بما تخاف.
قال جعفر بن محمد الخلدي: خرج طائفة من مشايخ الصوفية يستقبلون أبا محمد الصوفي في قدومه من مكة، فإذا به قد شحب لونه، فقال له الجريري: يا سيدي، هل تتغير الأسرار إذا تغيرت الصفات؟ قال: معاذ الله! لو تغيرت الأسرار لتغير الصفات لهلك العالم، ولكنه ساكن
الأسرار فحماها، وأعرض عن الصفات فلاشاها. ثم تركنا وولى وهو يقول: " مجزوء الرجز "
كما ترى صيرني ... قطع قفار الدمن
شردني عن وطني ... كأنني لم أكن
إذا تغيبت بدا ... وإن بدا غيبني
يقول لا تشهد ما ... يشهد أو تشهدني
وقال: علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى، ويذل بعد العز، ويخفى بعد الشهرة، وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر، ويعز بعد الذل، ويشتهر بعد الخفاء.
قال أبو عثمان المغربي: كان أبو حمزة وجماعة أصحابنا يمشون إلى موضع من المواضع، فبلغوا ذلك الموضع، فإذا الباب مغلق، فقال أبو حمزة لأصحابه: ليتقدم كل واحد منكم إلى هذا الباب، ويظهر صدقه وإخلاصه، فينفتح عليه الباب من غير معالجة أحد. فتقدم كل واحد من القوم، فلم ينفتح على أحد. فتقدم أبو حمزة من الباب وقال: بكذبي إلا فتحت، ففتح عليه الباب، فدخلوا ذلك الموضعز قال الخلدي: كان لأبي حمزة مهر قد رباه، وكان يحب الغزو، وكان يركب المهر ويخرج عليه، وهو يدعي التوكل، فقيل له: يا أبا حمزة، أنت قد علمنا كيف تعمل، فالدابة، إيش كنت تعمل في أمرها؟ قال: كان إذا رحل العسكر تبقى تلك الفضلات من الدواب، ومن الناس، تدور، فتأكل.
قال أبو عبد الله الرملي:
تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس، فقبلوا. فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع، فزعق أبو حمزة، وقال: لبيك لبيك! فنسبوه إلى الزندقة، وقالوا: حلولي زنديق، فشهدوا، وأخرج، وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع؛ هذا فرس الزنديق. فرفع رأسه إلى السماء، وقال: من الخفيف "
لك من قلبي المكان المصون ... كل عتب علي فيك يهون
ومن أقواله: من ذاق حلاوة عمل صبر على تجرع مرارة صرفه، ومن صفت فكرته استلذ ذوقه، واستوحش ممن يشغله. وسئل: هل يتفرغ المحب إلى شيء سمى محبوبه؟ فقال: لا، لأنه بلاء دائم، وسرور منقطع، وأوجاع متصلة لا يعرفها إلا من باشرها. وأنشد: " من الطويل "
يقاسي المقاسي شجوه دون غيره ... وكل بلاء عند لاقيه أوجع
قال أبو سعيد الزيادي: كان أبو حمزة أستاذ البغداديين، وهو أول من تكلم ببغداد في هذه المذاهب من صفاء الذكر، وجمع الهمة، والمحبة والشوق والقرب والأنس؛ لم يسبقه إلى الكلام هذا على رؤوس الناس ببغداد أحد، وما زال مقبولاً حسن المنزلة عند الناس إلى أن توفي. وتوفي سنة تسع وستين ومائتين، ودفن بباب الكوفة.
وروى الخطيب من طريق آخر أنه توفي سنة تسع وثمانين ومائتين.