شعيب بن يوبب بن عنقاء بن مدين
ويقال: شعيب بن يوبب بن مدين بن إبراهيم. ويقال: شعيب بن صيعون بن عنقاء ابن ثابت بن مدين بن إبراهيم. ويقال: شعيب بن سحر ين لاوي بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم. ويقال: شعيب بن مهذم بن سحول، وسحول حمير ويقال: شعيب بن عمرو بن نصر بن الأزد. ويقال: شعيب ابن مهذم بن ذي مهذم بن المقدم بن حصور نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكور في القرآن، وجدته - ويقال أمه - ابنة لوط عليه السلام. كان ممن هاجر مع إبراهيم عليهما السلام من أرض بابل إلى الشام واجتاز معه دمشق.
وذكر وهب بن منبه أن شعيباً وبلعم كانا من رهط آمنوا بإبراهيم عليه السلام يوم أحرق بالنار، وهاجروا معه إلى الشام فزوجهم بنات لوط عليه السلام وقيل: إن أهل التوراة يزعمون أن شعيباً في التوراة اسمه ميكائيل، واسمه بالسريانية حرى بن يسحر، وبالعبرانية شعيب، وعن الشرقي بن القطامي وكان عالماً بالأنساب قال: هو يثروب بالعبرانية، وشعيب بالعربية، ابن عنقاء بن يوبب بن إبراهيم، كل هؤلاء ينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام. ويقال: شعيب بن ميكائيل، واسمه بالعبرانية تيروب بن جري.
وعن أبي الحسن الدارقطني قال: يوبب أوله ياء مفتوحة معجمة باثنتين من تحتها وواو وباءان هو شعيب بن يوبب، وولد شعيب امرأتين إحداهما صفوراء امرأة موسى بن عمران عليهما السلام.
قال الكلبي: شعيب النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم ابن يوبب بن عنقاء بن مدين، ومالك بن دعر بن يوبب بن عنقاء بن مدين هو الذي استخرج يوسف من الجب.
وعن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: " واذكر في الكتاب إبراهيم إنّه كان صديقاً نبيّاً " قال: كان الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وصالح، وهود، ولوط، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه. ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى فإسرائيل يعقوب، وعيسى المسيح عليهم السلام.
وعن قتادة أن نوحاً صلى الله على نبينا وعليه بعث من أرض الجزيرة، وهوداً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من أرض الشحر أرض مهرة، وصالحاً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من الحجر، ولوطاً صلى الله على نبينا وعليه من سدوم، وشعيباً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من مدين، ومات إبراهيم وآدم وإسحاق ويوسف بأرض فلسطين، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق.
وعن سعيد بن عبد العزيز في قوله عز وجلّ " فاصبروا كما صبر أولو العزم من الرسل " قال: هم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى صلى الله على نبينا وعليهم وسلم.
وعن ابن عباس أنه قال: كان شعيب عليه السلام نبياً رسولاً من بعد يوسف وكان من خبره وخبر قومه ما ذكره الله عزّ وجلّ. يقول الله عزّ وجلّ: " وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ". فكانوا مع ما كان فيهم من الشرك أهل بخس في مكاييلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم بنبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عكرمة: ما بعث الله نبياً مرتين إلا شعيباً مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ومرة أخرى إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وقال قتادة: في قول الله عزّ وجلّ " وأصحاب الرّسّ " قال: قوم شعيب وقيل: إن الأيكة ومدين هما واحد. والله أعلم.
فأما من قال منهم إنه بعث مرتين فقال في قصة مدين " وإلى مدين أخاهم شعيباً قال: يا قوم اعبدوا الله " فبدأ فدعاهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ وعبادته فذلك قوله: " ما لكم من إله غيره " وأمرهم بعد ذلك بالكف عن ظلم الناس وبخسهم مكاييلهم، فقال لهم: " قد جئتكم ببينة من ربكم " يعني بياناً من ربكم " فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم " " ولا تعثوا في الأرض مفسدين ".
قال: فما دعاهم إلى ذلك كذبوه وردوا عليه نصيحته وقالوا: يا شعيب أصلواتك هذه تأمرك وكان أكثر الأنبياء صلاة فلذلك قالوا: " أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " يعني نترك عبادة آلهة آبائنا " أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " نوفي لمن نشاء ونبخس من نشاء " إنك لأنت الحليم الرّشيد " يقولون: إنك لأنت الأحمق السفيه، يشهرون به
وعن ابن عباس أنهم كانوا إذا دخل عليهم الغريب فيأخذون دراهمه، ويقولون: دراهمك هذه زيوف. فيقطعونها ثم يشترونها منه بالبخس يعني: بالنقصان، قيل: كانوا يأخذون دراهم جياداً من الناس، فيقطعونها ثم يعطونهم بدلها من عندهم زيوفاً نفاية، فذلك بخسهم، مع ما كانوا يطففون في الكيل.
وعن ابن عباس قال: قال شعيب " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " يقول لا تعملوا في الأرض بالمعاصي. قال: كانوا يخرجون وكانت بلادهم بلاد ميرة يمتار الناس منهم، قال: فكانوا يقعدون على الطريق فيصدون الناس عن شعيب، يقولون: لا تسمعوا منه فإنه كذاب يفتنكم. فذلك قوله عزّ وجلّ " ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون " الناس إن اتبعتم شعيباً فتنكم وهو كذاب " وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً " قال ابن عباس: كانوا قوماً طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم، يعني يعشرونه. وكانوا أول من سنّ ذلك.
وقال الحسن في قوله عزّ وجلّ " إني أراكم بخير " قال: رخص السعر.
وعن الزبرقان قال: رأيت الأحنف صلى بعد العصر. قلت يا أبا بحر، ما هذه الصلاة؟ قال: يا بن أخي، إن شعيباً يعني النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان كثير الصلاة. وكان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر شعيباً قال: ذلك خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه فيما دعاهم
إليه وفيما ردوا عليه، وكذبوه وتواعدوه بالرجم والنفي من بلادهم، وتوعد كبراؤهم ضعفاءهم فقالوا: " لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون " فلم ينته شعيب أن دعاهم فقال لهم: يا قوم، اذكروا قوم نوح وعاد وثمود " وما قوم لوط منكم ببعيد " وكان قوم لوط أقربهم إلى شعيب، كانوا أقربهم عهداً بالهلاك " واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم " لمن تاب إليه من الذنب، " ودود " يعني: يحبه ثم يقذف له المحبة في قلوب عباده، فردوا عليه فقالوا: " يا شعيب، ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً " كان أعمى ضعيفاً، وقيل: أي ضعيف الركن لا عقب له، يعني، لا ابن له وكان له ابنتان " ولولا رهطك " يعني عشيرتك التي أنت منهم " لرجمناك " يعني لقتلناك " وما أنت علينا بعزيز " فلما عتوا على الله عزّ وجلّ: " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " فأما في سورة هود " في ديارهم " يعني في منازلهم " جاثمين " وأما في الأعراف " دارهم " يعني: في عساكرهم ميتين. وقوله " كأن لم يغنوا فيها " يعني: كأن لم ينعموا فيها. ولما قالوا له: " ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز " قال: يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله " قالوا: بل الله. قال: أفاتخذتم الله " وراءكم ظهرياً " يعني: تركتم أمره وكذبتم نبيه، غير أن علم ربي أحاط بكم " إن ربي بما تعملون محيط " وقوله: " إنما أنت من المسحرين " أي من المخلوقين.
وقوله عزّ وجلّ: " وإنا لنراك فينا ضعيفاً " قال: كان أعمى. وإنما عمي من بكائه من حب الله عزّ وجلّ.
عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بكى شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حب الله حتى عمي، فرد عليه بصره وأوحى إليه: يا شعيب، ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ فقال: إلهي وسيدي، أنت تعلم أني ما أبكي شوقاً إلى جنتك، ولا خوفاً من النار، ولكن اعتقدت حبك بقلبي، فإذا نظرت إليك فما أبالي ما الذي تصنع بي، فأوحى الله إليه: يا شعيب، إن يكن ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي. يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي.
وعن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال: يا بن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. قال: أوبلغت ذلك؟ قال: أرجو. قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله عزّ وجلّ فافعل. قال: وما هن؟ قال: قوله عزّ وجلّ " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله " لم تقولون ما لا تفعلون " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك.
قال ابن عباس في قوله " فأخذتهم الصيحة " يعني قوم شعيب قال: جاءت صيحة، وذلك أن جبريل نزل فوقف عليهم فصاح صيحة رجفت منها الجبال والأرض، فخرجت أرواحهم من أبدانهم فذلك قوله " فأخذتهم الرجفة " وذلك حين سمعوا الصيحة قاموا قياماً، وفزعوا لها، فرجفت بهم الأرض فرمتهم ميتين. يقول الله عزّ وجلّ: " ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود " يقول: ألا سحقاً لهم.
وبعث الله جبريل إلى أهل مدين شطر الليل ليأفك بهم مغانيهم، فألفى رجلاً قائماً يتلو كتاب الله عزّ وجلّ، فهاله أن يهلكه فيمن يهلك فرجع إلى المعراج فقال: اللهم، أنت سبوح قدوس بعثتني إلى مدين لآفك مغانيهم فأصبت رجلاً قائماً يتلو كتاب الله عزّ وجلّ فهالني أن أهلكه فيمن أهلك، فأوحى الله تعالى: ما أعرفني به، هو فلان بن فلان فابدأ به، فإنه لم يدفع عن محاربتي إلا موادعاً.
وقيل: كان أصحاب الأيكة أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين. قال تعالى: " كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب " ولم يقل أخوهم، لأنه لم يكن من جنسهم. وقوله عزّ وجلّ: " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ".
قال ابن عباس: أرسل الله عليهم سموماً من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر، فحميت بيوتهم، وغلت مياههم في الآبار والعيون، فخرجوا من منازلهم ومحلهم هاربين. قال: والسموم معهم، فسلط الله عليه الشمس من فوق رؤوسهم، فبغتتهم حتى تفلقت منها جماجمهم، وسلط عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم أنشأ لهم ظلة كالسحابة السوداء. فلما رأوها ابتدروها، يستعينون بظلها، تبردهم ما هم فيه من الحر حتى إذا كانوا تحتها جميعاً أطبقت عليهم فهلكوا، ونجى الله عزّ وجلّ شعيباً والذين آمنوا معه رحمة منه وحزن على قومه الذين أنزل الله بهم النقمة، ثم قال يعزي نفسه بما ذكر الله عزّ وجلّ: " يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين ".
وقال زيد بن أسلم: قوله " عذاب يوم الظلة " قال: صارت الغمام عليهم ناراً.
وعن ابن عباس أن شعيباً كان يقرأ من الكتب التي كان الله عزّ وجلّ أنزلها على إبراهيم قال: إنما أنزل الله عزّ وجلّ من السماء صحفاً على آدم وإدريس ونوح وإبراهيم. وكان أنزل على شيث خمسون صحيفة.
وعن أبي حازم قال:
لما رجعتا إلى أبيهما " يعني ابنتي شعيب " أخبرتاه خبر موسى فقال أبوهما وهو شعيب عليه السلام: ينبغي أن يكون هذا رجلاً جائعاً، ثم قال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي. فلما أتته غطت وجهها وقالت " إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " فلما قالت " أجر ما سقيت لنا " كره موسى ذلك وأراد ألا يتبعها، ولم يجد بداً من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف فخرج معها، وكان الريح يضرب ثوبها فيصف لموسى عجيزتها، وكانت ذات عجز، فجعل موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعرض عنها مرة ويغض مرة، فناداها: يا أمة الله، كوني خلفي وأريني السمت بقولك. فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء تهياً، فقال له شعيب: اجلس يا شاب، فتعش، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب: ول ذلك؟ ألست بجائع؟ قال: بلى. ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا يبتغي شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً. فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام. قال: فجلس موسى فأكل.
وعن أبن عباس أنه قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما: قبر إسماعيل وشعيب على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، فقبر إسماعيل في الحجر وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود.
وقال وهب بن منبه: إن شعيباً مات بمكة، ومن معه من المؤمنين، فقبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة وبين باب بني سهم.
ويقال: شعيب بن يوبب بن مدين بن إبراهيم. ويقال: شعيب بن صيعون بن عنقاء ابن ثابت بن مدين بن إبراهيم. ويقال: شعيب بن سحر ين لاوي بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم. ويقال: شعيب بن مهذم بن سحول، وسحول حمير ويقال: شعيب بن عمرو بن نصر بن الأزد. ويقال: شعيب ابن مهذم بن ذي مهذم بن المقدم بن حصور نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكور في القرآن، وجدته - ويقال أمه - ابنة لوط عليه السلام. كان ممن هاجر مع إبراهيم عليهما السلام من أرض بابل إلى الشام واجتاز معه دمشق.
وذكر وهب بن منبه أن شعيباً وبلعم كانا من رهط آمنوا بإبراهيم عليه السلام يوم أحرق بالنار، وهاجروا معه إلى الشام فزوجهم بنات لوط عليه السلام وقيل: إن أهل التوراة يزعمون أن شعيباً في التوراة اسمه ميكائيل، واسمه بالسريانية حرى بن يسحر، وبالعبرانية شعيب، وعن الشرقي بن القطامي وكان عالماً بالأنساب قال: هو يثروب بالعبرانية، وشعيب بالعربية، ابن عنقاء بن يوبب بن إبراهيم، كل هؤلاء ينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام. ويقال: شعيب بن ميكائيل، واسمه بالعبرانية تيروب بن جري.
وعن أبي الحسن الدارقطني قال: يوبب أوله ياء مفتوحة معجمة باثنتين من تحتها وواو وباءان هو شعيب بن يوبب، وولد شعيب امرأتين إحداهما صفوراء امرأة موسى بن عمران عليهما السلام.
قال الكلبي: شعيب النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم ابن يوبب بن عنقاء بن مدين، ومالك بن دعر بن يوبب بن عنقاء بن مدين هو الذي استخرج يوسف من الجب.
وعن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: " واذكر في الكتاب إبراهيم إنّه كان صديقاً نبيّاً " قال: كان الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وصالح، وهود، ولوط، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه. ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى فإسرائيل يعقوب، وعيسى المسيح عليهم السلام.
وعن قتادة أن نوحاً صلى الله على نبينا وعليه بعث من أرض الجزيرة، وهوداً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من أرض الشحر أرض مهرة، وصالحاً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من الحجر، ولوطاً صلى الله على نبينا وعليه من سدوم، وشعيباً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من مدين، ومات إبراهيم وآدم وإسحاق ويوسف بأرض فلسطين، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق.
وعن سعيد بن عبد العزيز في قوله عز وجلّ " فاصبروا كما صبر أولو العزم من الرسل " قال: هم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى صلى الله على نبينا وعليهم وسلم.
وعن ابن عباس أنه قال: كان شعيب عليه السلام نبياً رسولاً من بعد يوسف وكان من خبره وخبر قومه ما ذكره الله عزّ وجلّ. يقول الله عزّ وجلّ: " وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ". فكانوا مع ما كان فيهم من الشرك أهل بخس في مكاييلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم بنبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عكرمة: ما بعث الله نبياً مرتين إلا شعيباً مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ومرة أخرى إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وقال قتادة: في قول الله عزّ وجلّ " وأصحاب الرّسّ " قال: قوم شعيب وقيل: إن الأيكة ومدين هما واحد. والله أعلم.
فأما من قال منهم إنه بعث مرتين فقال في قصة مدين " وإلى مدين أخاهم شعيباً قال: يا قوم اعبدوا الله " فبدأ فدعاهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ وعبادته فذلك قوله: " ما لكم من إله غيره " وأمرهم بعد ذلك بالكف عن ظلم الناس وبخسهم مكاييلهم، فقال لهم: " قد جئتكم ببينة من ربكم " يعني بياناً من ربكم " فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم " " ولا تعثوا في الأرض مفسدين ".
قال: فما دعاهم إلى ذلك كذبوه وردوا عليه نصيحته وقالوا: يا شعيب أصلواتك هذه تأمرك وكان أكثر الأنبياء صلاة فلذلك قالوا: " أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " يعني نترك عبادة آلهة آبائنا " أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " نوفي لمن نشاء ونبخس من نشاء " إنك لأنت الحليم الرّشيد " يقولون: إنك لأنت الأحمق السفيه، يشهرون به
وعن ابن عباس أنهم كانوا إذا دخل عليهم الغريب فيأخذون دراهمه، ويقولون: دراهمك هذه زيوف. فيقطعونها ثم يشترونها منه بالبخس يعني: بالنقصان، قيل: كانوا يأخذون دراهم جياداً من الناس، فيقطعونها ثم يعطونهم بدلها من عندهم زيوفاً نفاية، فذلك بخسهم، مع ما كانوا يطففون في الكيل.
وعن ابن عباس قال: قال شعيب " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " يقول لا تعملوا في الأرض بالمعاصي. قال: كانوا يخرجون وكانت بلادهم بلاد ميرة يمتار الناس منهم، قال: فكانوا يقعدون على الطريق فيصدون الناس عن شعيب، يقولون: لا تسمعوا منه فإنه كذاب يفتنكم. فذلك قوله عزّ وجلّ " ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون " الناس إن اتبعتم شعيباً فتنكم وهو كذاب " وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً " قال ابن عباس: كانوا قوماً طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم، يعني يعشرونه. وكانوا أول من سنّ ذلك.
وقال الحسن في قوله عزّ وجلّ " إني أراكم بخير " قال: رخص السعر.
وعن الزبرقان قال: رأيت الأحنف صلى بعد العصر. قلت يا أبا بحر، ما هذه الصلاة؟ قال: يا بن أخي، إن شعيباً يعني النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان كثير الصلاة. وكان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر شعيباً قال: ذلك خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه فيما دعاهم
إليه وفيما ردوا عليه، وكذبوه وتواعدوه بالرجم والنفي من بلادهم، وتوعد كبراؤهم ضعفاءهم فقالوا: " لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون " فلم ينته شعيب أن دعاهم فقال لهم: يا قوم، اذكروا قوم نوح وعاد وثمود " وما قوم لوط منكم ببعيد " وكان قوم لوط أقربهم إلى شعيب، كانوا أقربهم عهداً بالهلاك " واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم " لمن تاب إليه من الذنب، " ودود " يعني: يحبه ثم يقذف له المحبة في قلوب عباده، فردوا عليه فقالوا: " يا شعيب، ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً " كان أعمى ضعيفاً، وقيل: أي ضعيف الركن لا عقب له، يعني، لا ابن له وكان له ابنتان " ولولا رهطك " يعني عشيرتك التي أنت منهم " لرجمناك " يعني لقتلناك " وما أنت علينا بعزيز " فلما عتوا على الله عزّ وجلّ: " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " فأما في سورة هود " في ديارهم " يعني في منازلهم " جاثمين " وأما في الأعراف " دارهم " يعني: في عساكرهم ميتين. وقوله " كأن لم يغنوا فيها " يعني: كأن لم ينعموا فيها. ولما قالوا له: " ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز " قال: يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله " قالوا: بل الله. قال: أفاتخذتم الله " وراءكم ظهرياً " يعني: تركتم أمره وكذبتم نبيه، غير أن علم ربي أحاط بكم " إن ربي بما تعملون محيط " وقوله: " إنما أنت من المسحرين " أي من المخلوقين.
وقوله عزّ وجلّ: " وإنا لنراك فينا ضعيفاً " قال: كان أعمى. وإنما عمي من بكائه من حب الله عزّ وجلّ.
عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بكى شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حب الله حتى عمي، فرد عليه بصره وأوحى إليه: يا شعيب، ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ فقال: إلهي وسيدي، أنت تعلم أني ما أبكي شوقاً إلى جنتك، ولا خوفاً من النار، ولكن اعتقدت حبك بقلبي، فإذا نظرت إليك فما أبالي ما الذي تصنع بي، فأوحى الله إليه: يا شعيب، إن يكن ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي. يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي.
وعن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال: يا بن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. قال: أوبلغت ذلك؟ قال: أرجو. قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله عزّ وجلّ فافعل. قال: وما هن؟ قال: قوله عزّ وجلّ " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله " لم تقولون ما لا تفعلون " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك.
قال ابن عباس في قوله " فأخذتهم الصيحة " يعني قوم شعيب قال: جاءت صيحة، وذلك أن جبريل نزل فوقف عليهم فصاح صيحة رجفت منها الجبال والأرض، فخرجت أرواحهم من أبدانهم فذلك قوله " فأخذتهم الرجفة " وذلك حين سمعوا الصيحة قاموا قياماً، وفزعوا لها، فرجفت بهم الأرض فرمتهم ميتين. يقول الله عزّ وجلّ: " ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود " يقول: ألا سحقاً لهم.
وبعث الله جبريل إلى أهل مدين شطر الليل ليأفك بهم مغانيهم، فألفى رجلاً قائماً يتلو كتاب الله عزّ وجلّ، فهاله أن يهلكه فيمن يهلك فرجع إلى المعراج فقال: اللهم، أنت سبوح قدوس بعثتني إلى مدين لآفك مغانيهم فأصبت رجلاً قائماً يتلو كتاب الله عزّ وجلّ فهالني أن أهلكه فيمن أهلك، فأوحى الله تعالى: ما أعرفني به، هو فلان بن فلان فابدأ به، فإنه لم يدفع عن محاربتي إلا موادعاً.
وقيل: كان أصحاب الأيكة أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين. قال تعالى: " كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب " ولم يقل أخوهم، لأنه لم يكن من جنسهم. وقوله عزّ وجلّ: " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ".
قال ابن عباس: أرسل الله عليهم سموماً من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر، فحميت بيوتهم، وغلت مياههم في الآبار والعيون، فخرجوا من منازلهم ومحلهم هاربين. قال: والسموم معهم، فسلط الله عليه الشمس من فوق رؤوسهم، فبغتتهم حتى تفلقت منها جماجمهم، وسلط عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم أنشأ لهم ظلة كالسحابة السوداء. فلما رأوها ابتدروها، يستعينون بظلها، تبردهم ما هم فيه من الحر حتى إذا كانوا تحتها جميعاً أطبقت عليهم فهلكوا، ونجى الله عزّ وجلّ شعيباً والذين آمنوا معه رحمة منه وحزن على قومه الذين أنزل الله بهم النقمة، ثم قال يعزي نفسه بما ذكر الله عزّ وجلّ: " يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين ".
وقال زيد بن أسلم: قوله " عذاب يوم الظلة " قال: صارت الغمام عليهم ناراً.
وعن ابن عباس أن شعيباً كان يقرأ من الكتب التي كان الله عزّ وجلّ أنزلها على إبراهيم قال: إنما أنزل الله عزّ وجلّ من السماء صحفاً على آدم وإدريس ونوح وإبراهيم. وكان أنزل على شيث خمسون صحيفة.
وعن أبي حازم قال:
لما رجعتا إلى أبيهما " يعني ابنتي شعيب " أخبرتاه خبر موسى فقال أبوهما وهو شعيب عليه السلام: ينبغي أن يكون هذا رجلاً جائعاً، ثم قال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي. فلما أتته غطت وجهها وقالت " إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " فلما قالت " أجر ما سقيت لنا " كره موسى ذلك وأراد ألا يتبعها، ولم يجد بداً من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف فخرج معها، وكان الريح يضرب ثوبها فيصف لموسى عجيزتها، وكانت ذات عجز، فجعل موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعرض عنها مرة ويغض مرة، فناداها: يا أمة الله، كوني خلفي وأريني السمت بقولك. فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء تهياً، فقال له شعيب: اجلس يا شاب، فتعش، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب: ول ذلك؟ ألست بجائع؟ قال: بلى. ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا يبتغي شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً. فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام. قال: فجلس موسى فأكل.
وعن أبن عباس أنه قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما: قبر إسماعيل وشعيب على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، فقبر إسماعيل في الحجر وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود.
وقال وهب بن منبه: إن شعيباً مات بمكة، ومن معه من المؤمنين، فقبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة وبين باب بني سهم.