Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151677&book=5571#4770c1
عبد الله بن قيس بن سليم
ابن حضار بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر - وهو نبت - بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو موسى الأشعري كان عامل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زبيد وعدن وساحل اليمن، واستعمله عمر على الكوفة، والبصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة بالأردن، وخطبة عمر بالجابية، ثم قدم دمشق على معاوية.
عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، وكان القوم يصعدون ثنية أو عقبةً، فإذا صعد الرجل قال: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: أحسبه قال: بأعلى صوته، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته يعترضها في الخيل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس، إنكم لا تنادون أصم، ولا غائباً " ثم قال: " يا عبد الله بن قيس - أو يا أبا موسى الأشعري - ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: " قل لا حول ولا قوة إلا بالله ".
عن أبي يوسف الحاجب قال: قدم أبو موسى الأشعري، فنزل بعض الدور بدمشق، وكان معاوية يخرج ليلاً، فيسمع قراءته.
قال خليفة: ولي لعمر بن الخطاب البصرة، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة بعد أن فتح الله به البلدان الكثيرة، وبنى بها داراً إلى جنب المسجد، وقُتل عثمان وهو على الكوفة، وله بها عقب.
وأم أبي موسى ظبية بنت وهب من عك، كانت أسلمت، وماتت بالمدينة، وكان أبو موسى الأشعري قدم مكة، فحالف سعيد بن العاص بن أمية أبا أُحَيحة، وأسلم بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح خيبر بثلاث، قسم لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقسم لأحدٍ لم يشهد الفتح غيرهم، وكان تولى فتح أصبهان في وقت عمر بن الخطاب، وكان أحسن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوتاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد أُوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود " دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أوطاس فقال: " اللهم اغفر له ذنبه، وأدخله مدخلاً كريماً ".
تزوج أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأولدها موسى بن أبي موسى.
وكان رجلاً خفيف الجسم، خفيف اللحية، قصيراً.
عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة، وليس له حلف في قريش، وقد كان أسلم بمكة قديماً، ثم رجع إلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة، ووافوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فقالوا: قدم أبو موسى مع أصحاب السفينتين.
ويقولون: إنما أصابوا دماً باليمن، فخرجوا منها، وهم عشرة، ورأسهم أبو عامر حتى قدموا مكة، فنزلوا بالمعلاة حيث يقال: بيت أبي موسى، وحالفوا آل سعيد بن العاص، ثم شخصوا حين سمعوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فركبوا في السفينة عند جدة، فقدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتفق قدومهم، وقدوم جعفر، فأطعمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر طعمة وهي معروفة، يقال لها: طعمة الأشعريين، وشهدوا معه حنيناً، وهم عشرة، فلما انهزمت هوازن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عامر في طلبهم، فلحقهم بأوطاس، فنزل إليه رجل منهم، فدعا إلى البراز، فخرج إليه أبو عامر، وقال: اللهم اشهد، فقتله، ثم آخر، فخرج إليه أبو عامر، فقال: اللهم اشهد، فقتله، حتى قتل منهم تسعة، ثم خرج العاشر، فبرز له أبو عامر، فقال: اللهم اشهد، فقال العاشر: اللهم لا تشهد، فقتل أبا عامر، وأخذ الراية أبو موسى، فقتل قاتله، وانهزم القوم، وصارت الرئاسة لأبي موسى.
عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم - إما قال: بضعاً، وإما قال ثلاثة، أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي - فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، قال جعفر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا. قال: فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، قال: فوافقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها، وما قسم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفرٍ وأصحابه؛
قسم لهم معهم، قال: قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة ذا مرة - وفي رواية: حفصة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرةً - وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، فقال عمر: آلحبشيه هذه، آلبحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، ونحن أحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضبت، وقالت: كلمةً يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يطعم جائعكم، ويعظ - وفي رواية: ويعلم - جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وايم الله لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شرباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسأله، ووالله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك.
فلما جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فما قلت له؟ " قالت: قلت كذا وكذا، قال: " ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان " قال: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث.
قال أنس بن مالك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقدم عليكم غداً قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم " قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون:
غداً نلقى الأحبه ... محمداً وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة.
قال عياض الأشعري: لما نزلت: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هم قومك يا أبا موسى " وأومى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده إلى أبي موسى.
عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: يا بني، لو رأيتنا ونحن مع نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصابتنا السماء لحسبت ريحنا ريح الضأن؛ وإنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: الماء والتمر.
عن أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاةٍ، ونحن ستة نفرٍ بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، قال: فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق.
فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، فقال: ما كنت أصنع بأن أذكر هذا الحديث، قال: لأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه، الله يجزي به.
عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين بعث أبا عامر على جيشٍ إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريداً، وهزم الله أصحابه.
قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامرٍ، قال: فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهمٍ، فأثبته قي ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم، من رماك؟
فأشار أبو عامر إلى أبي موسى: إن ذاك قاتلي، تراه، ذاك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له، فاعتمدت له، فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهباً، فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، ألا تستحي، ألست عربياً؟ فكف فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف، فقتلته، ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء، قال: يا بن أخي، انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقره مني السلام، وقل له: يقول لك: استغفر لي، قال: فاستخلفني أبو عامر، ومكث يسيراً، ثم إنه مات، فلما رجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دخلت عليه، وهو في بيت على سرير، قد أثّر السرير بظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجنبيه، فأخبرته خبرنا وخبر أبي عامرٍ، فقلت: إنه قد قال: استغفر لي - وفي رواية: قل له يستغفر لي - قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماءٍ، فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: " اللهم اغفر لعُبيدٍ أبي عامر " ثم قال: " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير خلقك - أو من الناس - " فقلت: وليّ يا رسول الله فاستغفر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيسٍ ذنبه، وأدخله مدخلاً كريماً " قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى. عن أبي موسى قال:
كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل أعرابي، فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبشر " فقال الأعرابي: أكثرت عليَّ من أبشر، ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فأقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: " إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما " فقالا: قبلنا يا رسول الله، ثم دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدحٍ فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال لهما: " اشربا منه، وأفرغا منه على وجوهكما،
ونحوركما وأبشرا " فأخذا القدح، ففعلا ما أمرهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادتهما أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفةً.
خرج بريدة عشاءً، فلقيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ بيده، فأدخله المسجد، فإذا صوت رجلٍ يقرأ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تراه يرائي؟ " فأسكت بريدة، فإذا رجل يدعو، فقال: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده - أو قال: والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب " قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاءً، ولقيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ بيده، فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تراه مرائياً؟ " فقال بريدة: أتقوله مرائياً يا رسول الله؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بل مؤمن منيب، لا بل مؤمن منيب " فإذا الأشعري يقرأ بصوتٍ له في جانب المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأشعري - أو إن عبد الله بن قيس - أُعطي مزماراً من مزامير داود "، فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟ فقال: " بلى فأخبره " فأخبرته، فقال: أنت لي صديق، أخبرتني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث.
عن أنسٍ قال: قعد أبو موسى في بيتٍ - وفي رواية: في بيته - واجتمع إليه ناس، وأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ألا أعجبك من أبي موسى! إنه قعد في بيتٍ، واجتمع إليه ناس، وأنشأ يقول عليهم القرآن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أتستطيع أن تقعدني حيث - وفي رواية: من حيث - لا يراني منهم أحد؟ " قال: نعم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى، قال: فقال: " إنه يقرأ - وفي رواية: ليقرأ - على مزمارٍ من مزامير آل داود ".
عن أنسٍ: أن أبا موسى الأشعري قام ليلةً يصلي، فسمع أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان حلو الصوت، فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له: النساء كن يستمعن، فقال: لو علمت لحبّرتكن تحبيراً، ولشوقتكن تشويقاً - وفي رواية: لحبرتكم وشوقتكم.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، وقل طعامهم - وفي رواية: أو قل طعام عيالهم - بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم ".
عن أبي عامر الأشعري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم الحي الأسد، والأشعريون لا يفرون في القتال، ولا يغلون، هم مني وأنا منهم " قال عامر ابن أبي عامر: فحدثت به معاوية، فقال: ليس هكذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: " هم مني وإليَّ " فقلت: ليس هكذا حدثني أبي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: " هم مني وأنا منهم " قال: فأنت أعلم بحديث أبيك.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا، بالقرآن، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالليل، ومنهم حكيم إذا لقي الخيل - أو قال: العدو - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم ".
حدث كعب بن عاصم الأشعري قال:
ابتعت قمحاً أبيض، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي، فأتيت به أهلي، فقالوا: تركت القمح الأسمر الجيد وابتعت هذا؟ والله لقد أنكحني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياك، وإنك لعيي اللسان، دميم الجسم، ضعيف البطش، وصنعت منه خبزةً، فأردت أن أدعو عليها أصحابي الأشعريين أصحاب العقبة، فقلت: أتجشأ من الشبع، وأصحابي جياع، فأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو زوجها، وقالت: انزعني من حيث وضعتني، فأرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع بينهما، فحدثه حديثها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم تنقمي منه شيئاً غير هذا؟ " قالت: لا، قال: " فلعلك تريدين أن تختلعي منه، فتكوني كجيفة الحمار؟ أو تبغين ذا جمة فينانة على كل جانب من قُصَّته شيطان قاعد؟ ألا ترضين أني أنكحتك رجلاً من نفرٍ ما تطلع الشمس على نفَرٍ خير منهم؟ " قالت: رضيت، فقامت المرأة حتى قبلت رأس زوجها، وقالت: لا أفارق زوجي أبداً.
خطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس قائماً، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر الطوائف من المسلمين، فأثنى عليهم خيراً، ثم قال: " ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم، ولا يفقهونهم، ولا يفطنونهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم؟ ما بال أقوامٍ لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يفقهون، ولا يفطنون!؟ والذي نفسي بيده لتعلمن جيرانكم، ولتفقهنهم ولتعظنهم، ولتأمرنهم، ولتنهنهم؛ وليتعلمن قوم من جيرانهم، وليتفقهن وليتفطنن أو لأعجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا " ثم نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل بيته، فقال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بينهم: من يعني بهذا الكلام؟ قالوا: ما نعلم بهذا الكلام إلا الأشعريين؛ إنهم فقهاء علماء، ولهم جيران من أهل المياه جفاة جهلة، فاجتمع جماعة من الأشعريين، فدخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: ذكرت طوائف المسلمين بخير، وذكرتنا بشرٍ، فما بالنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتعلمن جيرانكم، ولتفقهنهم، ولتفطننهم، ولتأمرنهم، ولتنهنهم، أو لأعاجلنكن بالعقوبة في دار الدنيا " فقالوا: يا رسول الله أمّا إذاً فأمهلنا سنةً ففي سنةٍ، نعلمهم ويتعلمون، فأمهلهم سنةً ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ".
قال نعيم بن يحيى التميمي: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيد الفوارس أبو موسى ".
عن أبي بردة قال: قال ابن عمر: علمت أن أباك لقي أبي، فقال: يا أبا موسى، أتحب أن تخلص عملك مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنك تفلت كفافاً؟ قال: لا، قد علمت الناس، وأقرأتهم، قال عمر: ولكن وددت أنه يخلص عملي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأني أنفلت كفافاً، قال: إن أباك كان أفقه من أبي.
قال الأسود بن يزيد: لم أر بالكوفة من أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم من علي بن أبي طالب والأشعري.
قال الشعبي: كان الفقهاء من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وزيد، وأبو موسى، وأُبي بن كعب.
وقال: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى الأشعري، ودهاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة، وزياد.
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال أبي: تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان كتابي مثل العقارب.
قال سليمان أو غيره: ما كان يشبه كلام أبي موسى إلا الجزار الذي لا يخطئ المفصل.
قال عمر بن الخطاب: بالشام أربعون رجلاً، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم، فجاء رهط منهم، فيهم: أبو موسى الأشعري، فقال: إني أرسلت إليكم لأرسلك إلى قومٍ عسكر الشيطان بين أظهرهم، قال: فلا ترسلني، فقال: إن بها جهاداً، وإن بها رباطاً، قال: فأرسله إلى البصرة.
عن الحسن قال: بعث عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وهو بالشام، فقدم عليه، فلما قدم عليه قال له: إني إنما بعثت إليك لخيرٍ، لتؤثر حاجتي على حاجتك؛ أما حاجتك فالجهاد في سبيل الله، وأما حاجتي فأبعثك إلى البصرة، فتعلمهم كتاب ربهم وسُنة نبيهم، وتجاهد بهم عدوهم، وتقسم بينهم فيئهم.
قال الحسن: ففعل والله، لقد علمهم كتاب ربهم، وسُنة نبيهم، وجاهد بهم عدوهم، وقسم بينهم فيئهم، فوالله ما قدم عليهم راكب كان خيراً لهم من أبي موسى.
قال ابن شوذب: كان إذا صلى الصبح أمر الناس فثبتوا في مجالسهم، ثم استقبل الصفوف رجلاً رجلاً يقرئه القرآن، حتى يأتي على الصفوف، ودخل على جملٍ أورق، وخرج عليه حين عُزل.
عن أبي مرية قال: جعل أبو موسى الأشعري يعلم سنتهم ودينهم فقال: ولا يدافعن أحد منكم في
بطنه غائطاً ولا بولاً، وإن حك أحدكم فرجه فمرشة أو مرشتين، وليكن ذلك خفيفاً، فشخصت أبصارهم - أو قال: فصرفوها عنه - فقال: ما صرف أبصاركم عني؟ قالوا: الهلال، أيها الأمير، قال: أفذاك الذي أشخص أبصاركم عني؟ قالوا: نعم، قال: فكيف بكم إذا رأيتم الله جهرةً؟! وقال لأهل البصرة: إن أمير المؤمنين عمر بعثني أعلمكم كتاب ربكم، وسُنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم.
عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد؛ فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يأيس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر والصلح بين المسلمين إلا صلح أحل حراماً أو حرّم حلالاً، لا يمنعك قضاء قضية راجعت فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسُنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، فأحبه إليّ أحبه إلى الله، وأشبهها بالحق فيما يرى، اجعل للمدعي أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذ حقه، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك أجلى للعمى، وأبلغ للعذر، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد، أو مجرب في شهادة زورٍ، أو ظنين في ولاءٍ أو قرابةٍ، إن الله تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، ثم إياك والقلق، والضجر، والتأذي بالناس، والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذخر، فإنه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن
تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته، والسلام عليك.
عن أبي بردة قال: كتبت حديث أبي، فقال: ألا أراك تكتب حديثي؟ قلت: أجل، قال: فاتني به، قال: فأتيته به، فمحاه، وقال: احفظ كما حفظت.
قال قتادة: بلغ أبا موسى أن قوماً منعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب، قال: فخرج على الناس في عباءة.
عن السميط بن عبد الله السدوسي قال: قال أبو موسى وهو يخطب: إن باهلة كانت كراعاً، فجعلناها ذراعاً، قال: فقام رجل، ألا أنبئك بألأم منهم؟ قال: من؟ قال: عك والأشعريون، قال: أولئك وأبيك آبائي، يا ساب أميره، تعال؛ قال: فضرب عليه فسطاطاً فراحت عليه قصعة، وغدت أخرى، فكان ذاك سجنه.
قدم أبو موسى البصرة والياً سنة سبع عشرة بعد عزل المغيرة، فلم يزل عليها حتى قتل عمر.
وكتب إليه عمر: أن سر إلى كور الأهواز، فسار أبو موسى، واستخلف على البصرة عمران ابن حصين، فأتى الأهواز، فافتتحها - يقال: عنوةً، ويقال: صلحاً - فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف وأربعمائة ألف، وفي سنة ثمان عشرة افتتح الرها، وافتتح سميساط، وما والاها عنوة.
وكان أبو عبيدة بن الجراح وجه عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى
بعد فتح هذه المدائن، فمضى ومعه أبو موسى، فافتتحا حران، ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوةً - ويقال: وجه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة فوافق أبا موسى الأشعري قد افتتح الرها، وسميساط، فوجه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حران فصالحا أهلها، ومضى خالد إلى نصيبين فافتتحها، ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحاً وما بينهما عنوةً، وفيها: فتح جنديسابور، والسوس صلحاً، صالحهم أبو موسى، ثم رجع إلى الأهواز، وفي سنة عشرين كانت وقعة تستر، وفتحها.
سار أبو موسى الأشعري إلى تستر، وفيها الهرمزان، وكان من أهل مهرجان كذق، وكان شهد جلولاً، مع الناس، فلما هزم لحق بيزدجرد، فقال له: ائذن لي فأرجع إلى عملي بالأهواز، فأحبس عنك العرب من هذا الوجه، وأمدك بالأموال، فأذن له، فجاء حتى أتى تستر، وأجفلت الأساورة، وعظماء الأعاجم إليه، وأمده.
ونزل الهرمزان على حكم أمير المؤمنين عمر بعد أن هزمه الله، فبعثه أبو موسى مع أنس إلى عمر، فقدم به عليه، فقال عمر: تكلم لا بأس عليك، فاستحياه، فأسلم، وفرض له.
وفي ذلك يقول ابن ذي نمر الخزاعي: من المتقارب
قدمنا المدينة بالهرمزان ... عليه القلائد والمنطقه
يزف إليك زفاف العروس ... على بغلةٍ سهوةٍ معتقه
قد أنزله الله من حصنه ... على الحكم، أرجوك أن تعتقه
وذا الأشعري لنا والد ... وأم بنا برة مشفقه
تهيء المهاد لأولادها ... وتنفض عن لطعها المرفقه
ترى الوجه منه طليقاً لنا ... ونلقاه بالأوجه المشرقه
فلسنا نريد به غيره ... عليه الجماعة مستوسقه
ولا تشمتن بنا حاسداً ... رماه بأسهمه المفرقه
قال: فأشرق وجه عمر سروراً بكلامه.
قال عبد الله بن يزيد الباهلي: دخل ضبة بن محصن من الليل، فتحدث عندي حتى خشيت عليه الحرس، قال: فكان فيما حدثني قال: شاكيت أبا موسى في بعض ما يشاكي الرجل أمره، قال: فانطلقت أبووا عليه عند عمر، قال: وذلك عند حضور وفادة أبي موسى إلى عمر، فكتب أبو موسى إلى عمر - والبرد إذ ذاك على الإبل - قال: السلام عليك، أما بعد فإني كتبت إليك، وأنا خارج إليك في كذا وكذا، قال: وكتب إليه، وضبة بن محصن قد خرج من عندي عاصياً بغير إذن بيني وبينك، فأحببت أن تعلم ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فسبقني كتابه، فقدمت المدينة، فجئت إلى باب عمر، فقلت: السلام عليكم، يدخل ضبة بن محصن، فقال عمر: لا مرحباً ولا أهلاً! قال: فقلت: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال! قال: فأعدت ذلك ثلاث مرات، وأعادهن ثلاثاً، ثم قال: ادخل، أو قال: أذن لي، فدخلت، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين الرجل يظلمه سلطانه، فإذا انتهى إلى أمير المؤمنين لم يجد عنده خيراً، فوالله يا أمير المؤمنين إن الأرض لواسعة، وإن العدو لكثير، قال: فكأنما كُشف عن وجهه غطاء، فقال: ادن دنوك، فقال: إيه، ثم قال: إيه، قال: قلت: أبو موسى اصطفى لنفسه أربعين من الأساورة. قال: فقال: اكتب، فكتب. قال: ثم قال: إيه؟ قلت: أبو موسى له مكتالان يكيل للناس بغير الذي يكتال به، قال: اكتب، فكتب قال: قلت: عقيلة سريته، لها قصعة غادية رائحة يأكل منها أشراف الجند، قال: اكتب، فكتب. فما لبث إلا يسيراً حتى قدم أبو موسى، قال: فمشيت إلى جنبه، أعطفه، وأذكر أمير المؤمنين قال: حتى
انتهى إلى أمير المؤمنين، قال: فقال له: ما بال أربعين اصطفيتهم لنفسك من أبناء الأساورة؟ قال: يا أمير المؤمنين، اصطفيتهم، وخشيت أن يخدع الجند عنهم، ففاديتهم، واجتهدت في فدائهم، وكنت أعلم بفدائهم، ثم خمست وقسمت، قال ضبة: وصادقاً، والله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: فما بال مكتالٍ تكتال به، وتكيل للناس بغيره؟ قال: مكتال أكيل به قوت أهلي، وأرزاق دوابي، وما كلت به لأحدٍ، وما اكتلت به من أحد، قال ضبة: وصادقاً والله، فوالله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: فما بال قصعة عقيلة الغادية الرائحة؟ قال: فسكت ولم يعتذر منها بشيءٍ، قال: فقال عمر لوفده: أنشد الله رجلاً أكل منها، قال: فسكت القوم، ثم عاد ثلاث مرات، قال: فقال وكيع بن قشير التميمي: قبح الله تلكم القصعة، فإني إخالنا قد أصبنا منها، قال: فقال عمر: لا جرم، والذي نفسي بيده لا ترى عقيلة العراق ما دمت أملك شيئاً! فاحتبسها عنده.
عن أنس بن مالك قال: قال الأشعري وهو على البصرة:
جهزني، فإني خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه، فجاء ذلك اليوم، وقد بقي من جهازه شيء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إني خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إني قد قلت لأهلي إني خارج يوم كذا وكذا، وإني إن كذبت أهلي كذبوني، وإن خنتهم خانوني، وإن أخلفتهم أخلفوني، فخرج وقد بقي من حوائجه بعد شيء لم يفرغ منه.
قال محمد بن عمر: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وكان عامله عليها سبع سنين، وولى عبد الله بن عامر بن كريز.
قال خليفة: وفيها - يعني سنة تسع وعشرين - عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وفيها -
يعني سنة أربع وثلاثين - أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص، وولوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يولي أبا موسى، فولاه، وأقر عثمان أبا موسى الأشعري على البصرة أربع سنين.
عن أبي مجلز قال: صلى أبو موسى بأصحابه، وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين، وسلم، ثم قام، فقرأ مائة آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه، فقال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن أصنع مثل الذي صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ربما قال له: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ.
وكان يقرأ بين يدي عثمان بن عفان في غير صلاة.
وكان أبو موسى إذا قرأ: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم " قال: يعني الجهل، ويبكي. وإذا قرأ: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني، وهم لكم عدو " بكى.
عن أبي موسى قال: غزونا غزوةً في البحر نحو الروم، فسرنا، حتى إذا كنا في لجة البحر، وطابت لنا الريح، فرفعنا الشراع إذ سمعنا منادياً ينادي: يا أهل السفينة، قفوا أخبركم، قال: فقمت، فنظرت يميناً وشمالاً، فلم أر شيئاً، حتى نادى سبع مرات، فقلت: من هذا؟ ألا ترى على أي حالٍ نحن؟! إنا لا نستطيع أن نُحبس قال: ألا أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه؟ قال: قلت: بلى، قال: فإنه من عطش نفسه لله في الدنيا في يومٍ حار كان على الله أن يرويه يوم القيامة.
فكان أبو موسى لا نكاد نلقاه إلا صائماً في يوم حار.
عن أبي إدريس قال: صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال، فقيل له: لو أجممت نفسك؟ فقال: هيهات، إنما يسبق من الخيل المضمرة! عن أبي موسى قال: ما استويت قائماً لغسل منذ أسلمت.
وكان إذا اغتسل في بيتٍ مظلمٍ تحادب وحنى ظهره حتى يأخذ ثوبه، ولا ينتصب، وكان له سراويل يلبسه بالليل إذا نام، مخافة أنت تنكشف عورته.
قال أبو موسى: من كثر صديقه ركب رقاب أعدائه.
وقال: إن هذه الفتنة فتنة باقرة كوجع البطن لا يُدرى أنى يؤتى، المضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، كسروا القسي، وقطعوا الأوتار.
وقال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كانت معك أسهم فخذ بنصولها لا تجرح مسلماً، أو تخرق ثوبه ".
قال أبو موسى: فهؤلاء يأمرونني أن أستقبل بها حدق المسلمين.
قال عمار بن ياسر: يا أبا موسى، أنشدك الله، ألم تسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وأنا سائلك عن حديثٍ، فإن صدقت، وإلا بعثت عليك من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقررك به، أنشدك الله، أليس إنما عناك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال: " إنها ستكون فتنة بين أمتي، أنت - يا أبا موسى فيها نائماً خير منك قاعداً، وقاعداً خير منك قائماً، وقائماً خير منك ماشياً " فخصك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعم الناس؟ فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئاً.
عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون في هذه الأمة حكمين ضالين، ضال من اتبعهما " فقلت: يا أبا موسى، انظر لا تكون أحدهما، قال: فوالله ما مات حتى رأيته أحدهما.
عن عكرمة قال:
لما كان يوم الحكمين، فحكم معاوية من قبله عمرو بن العاص قال الأحنف بن قيس لعلي: يا أمير المؤمنين، حكم ابن عباس، فإنه نحوه وابن عباس رجل مجرب، قال علي: فأنا أفعل، فحكم ابن عباس، فأتت اليمانية، وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل، ودعوا إلى أبي موسى الأشعري، فجاء ابن عباس إلى علي فقال: علام تحكم أبا موسى؟ فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد الأمر، مع أن أبا موسى ليس بصاحب ذاك، فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس، فإنه مجرب من العرب، وهو قرن لعمرو بن العاص، فقال علي: فأنا أجعل الأحنف، فأتت اليمانية أيضاً، وقالوا: لا يكون فيها إلا يمان، فلما غلب علي جعل أبا موسى.
وقال ابن عباس: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم الأشعري، فإنه معه رجلاً حذر مرس قارح من الرجال، فَلُز بي إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلا حللتها، قال: يا بن عباس، فما أصنع؟ إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت بينهم، وكلوا في الحرب، هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبداً حتى يكون أحدهما يمان، قال ابن عباس: فعذرته، وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم.
قال أبو صالح: قال علي: يا أبا موسى، احكم ولو على حز عنقي.
وعن عبد الله بن الحسن قال: قال علي في الحكمين: أحكمكما على أن تحكما بكتاب الله، وكتاب الله كله لي، فإن لم تحكما بكتاب الله فلا حكومة لكما.
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أن معاوية كتب إليه: سلام عليك، أما بعد فإن عمرو بن العاص قد تابعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني لأستعملن ابنيك، أحدهما على الكوفة والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليك بخط يدي، فاكتب إلي بخط يدك. قال: فقال لي أبي: يا بني إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فكتب إليه كتاباً مثل العقارب، فكتب: سلام عليك، أما بعد فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فماذا أقول لربي عز وجل إذا قدمت عليه؟ ليس لي فيما عرضت من حاجةٍ، والسلام عليك.
وكتب معاوية بن أبي سفيان بعد الحكومة إلى أبي موسى الأشعري، وهو يومئذ عائذ بمكة من علي، وأراد بكتابه إليه أن يضمه إلى الشام: أما بعد، فلو كانت النية تدفع خطأ لنجا المجتهد، وأعذر الطالب، ولكن الحق لمن قصد له فأصابه، ليس لمن عارضه فأخطأه، وقد كان الحكمان إذا حكما على رجلٍ لم يكن له الخيار عليهما، وقد اختار القوم عليك، فاكره منهم ما كرهوا منك؛ وأقبل إلى الشام؛ فإنها أوسع لك.
وكتب إليه بهذه الأبيات: من الطويل
وفي الشام أمر واسع ومعول ... وعذرك مبسوط وقولك جائز
وإن كنت قد أعطيت عقلاً فشبته ... بتركك وجه الحق والحق بارز
وإن كنت أبصرت الهدى فاتبع الهدى ... وإن كنت لم تبصر فإنك عاجز
جمعت بخرقٍ منك خلعي وخلعه ... كما جمع السيرين في الخرز خارز
فأصبحت فيما بيننا متذبذباً ... تهادى بما قد كان منك العجائز
قدم أبو موسى على معاوية بعد الجماعة، فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، قال: فرحب به معاوية؛ ثم قال: بايع يا أبا موسى، قال: لنا وعلينا؟ فقبض معاوية يده، وخرج أبو موسى من عنده، فأتى منزله، فأتاه عبد الله بن عضاه، فدخل عليه منزله، فقال: يا أبا موسى إنك والله ما أنت في زمان أبي بكر، ولا زمان عمر، ولا عثمان، فاتق على نفسك؛ فإني أخاف أن تقتل، وخرج ابن عضاه، فقال أبو موسى لأبي بردة: اتبع الرجل، فانظر أين يدخل؟ قال: فتبعه، فدخل ابن عضاه إلى معاوية، فرجع أبو بردة إلى أبي موسى، فأخبره، فقال أبو موسى: معاوية أرسله، ثم راح أبو موسى إلى معاوية، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قال: ما الذي أنكرت من سلامي عليك بالأمس؟ قد كنا نسلم على عمر، وعلى عثمان بأمير المؤمنين، وبالأمير، إذا سلمنا عليك بالإمرة فنحن المؤمنون، وأنت أمير المؤمنين، وإن لم نقلها لك، وما الذي أنكرت من قولي لك: لنا وعلينا؟ لنا أجرها، وعلينا الوفاء بها! ثم قال: امدد يدك يا أبا موسى، قد علمت أنك لم تأتنا حتى زممتها، وخطمتها! قال: ثم بايع، فأمر له بعطاء خمس سنين كان حرمه إياها.
قال أبو بردة: أوصى أبو موسى حين حضره الموت، فقال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري
بناءً، وأشهدكم أني بريء من كل حالقة، أو سالقة، أو خارقة، قالوا: أو سمعت فيه شيئاً؟ قال: نعم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرت الوفاة، قال: اذهبوا فما حفروا، وأوسعوا وأعمقوا. فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا، وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن علي قبري حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي، وما أعد الله لي من الكرامة، ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها، ورَوحها حتى أبعث، ولئن كانت الأخرى، ونعوذ بالله منها، ليضيقن علي قبري حتى يكون أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث.
عن ثابت بن قيس قال: أرسل أبو موسى إلى امرأته وهو مريض، فلما أتته بكت قال: مه، ألم تعلمي أني بريء ممن تبرأ منه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا أنا مت فغسليني وعلي قميصي، فإذا فرغت فانزعيه عني أو شقيه.
ومات أبو موسى الأشعري بالكوفة في خلافة معاوية، واختلف في تاريخ وفاته، فقيل: سنة ثنتين وأربعين، وقيل: سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين.