عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب الْهَاشِمِي أَبُو هَاشم الْمدنِي روى عَن أَبِيه وَغَيره وَعنهُ الزُّهْرِيّ وَسَالم بن الْجَعْد وَعَمْرو بن دِينَار وعدة وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَابْن سعد وَالنَّسَائِيّ مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين
Al-Suyūṭī (d. 1505 CE) - Isʿāf al-mubaṭṭaʾ fī-rijāl al-Muwaṭṭaʾ - السيوطي - إسعاف المبطأ في رجال الموطأ
ا
ب
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ع
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 382 238. عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائل السهمي...1 239. عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي...1 240. عبد الله بن قيس بن سليم أبو موسى الأشعري...1 241. عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المدني...1 242. عبد الله بن مالك بن العشب1 243. عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو هاشم المدني...1244. عبد الله بن نطاس المدني1 245. عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر العمري المدني...1 246. عبد الله بن يحيى بن جنادة الجمحي1 247. عبد الله بن يزيد المخزومي المقري الأعور...1 248. عبد الله بن يزيد بن زيد الأنصاري الخطمي...1 249. عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو محمد المدني...1 250. عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المدني...1 251. عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني...1 252. عبيد الله بن عبد الرحمن وقيل عبد الله قيل إنه بن أبي ذباب وقيل بن...1 253. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني...1 254. عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي المدني...1 255. عبيد بن السباق الثقفي المدني1 256. عبيد بن جريج التيمي المدني2 257. عبيد بن حنين المدني1 258. عبيد بن فيروز الشيباني أبو الضحاك الكوفي...1 259. عبيدة بن سفيان بن الحارث الحضرمي المدني...1 260. عتبان بن مالك بن عمر بن العجلان الأنصاري...1 261. عثمان بن أبي العاص الثقفي أبو عبد الله...1 262. عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموي أبو عمرو...1 263. عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي3 264. عراك بن مالك الغفاري المدني3 265. عروة بن الزبير9 266. عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبد الله المدني...1 267. عطاء الخراساني5 268. عطاء بن أبي مسلم1 269. عطاء بن يزيد الليثي أبو محمد2 270. عطاء بن يسار12 271. عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني القاضي...1 272. علقمة بن أبي علقمة2 273. علقمة بن وقاص الليثي الفزاري المدني1 274. علي بن أبي طالب7 275. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين المدني زين ال...1 276. علي بن عبد الرحمن المعادي الأنصاري1 277. علي بن يحيى بن خلاد الأنصاري الزرقي1 278. عمارة بن عبد الله بن بن سماك الأنصاري أبو أيوب المدني...1 279. عمر بن أبي سلمة6 280. عمر بن الحكم السلمي5 281. عمر بن الخطاب15 282. عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي المدني...1 283. عمر بن كثير بن أفلح المدني2 284. عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى...1 285. عمرة بنت فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية...1 286. عمرو بن أبي عمرو ميسرة1 287. عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري أبو أمية المصري...1 288. عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي1 289. عمرو بن رافع4 290. عمرو بن سليم بن خلدة الزرقي الأنصاري المدني...1 291. عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري...1 292. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو إبرا...1 293. عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي...1 294. عمرو بن عثمان بن عفان الأموي1 295. عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي4 296. عمرو بن معاذ الأشهلي1 297. عمرو بن معاذ بن سعد بن معاذ الأنصاري الأشهلي...1 298. عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني...1 299. عمير بن سلمة الضمري7 300. عمير بن عبد الله الهلالي1 301. عويمر بن مالك ويقال بن عامر الأنصاري الخزرجي أبو الدرداء...1 302. عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري...1 303. عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي2 304. فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية1 305. فضيل بن أبي عبد الله المدني1 306. قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي المدني...2 307. قطن بن وهب بن عويمر المدني1 308. كبشة بنت كعب بن مالك الأنصاري1 309. كريب بن أبي مسلم أبو رشدين الحجازي1 310. كعب بن عجرة الأنصاري المدني1 311. كعب بن مالك بن أبي كعب3 312. كعب بن نافع الحميري أبو إسحاق كعب الأحبار...1 313. لبابة بنت الحارث بن حزن أم الفضل الهلالية...1 314. مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو أنس1 315. مالك بن أوس بن الحدثان النضر المدني1 316. مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه...1 317. مالك عن الثقة عنه عن بكير بن عبد الله...1 318. محجن بن أبي محجن الديلي1 319. محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري المدني...1 320. محمد بن أبي بكر بن عوف الثقفي الحجازي...1 321. محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري...1 322. محمد بن إبراهيم التيمي2 323. محمد بن إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي المدني...1 324. محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي...2 325. محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري أبو سعيد المدني...1 326. محمد بن جبير بن مطعم القرشي النوفلي أبو سعيد المدني...1 327. محمد بن سيرين11 328. محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري...1 329. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان6 330. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان العامري المدني...1 331. محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي أبو الأسود المدني...1 332. محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي...1 333. محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري المدني...1 334. محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري أبو عبد الرح...1 335. محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو القاسم المدني ابن الحنفية...1 336. محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني...1 337. محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي المدني2 ◀ Prev. 100▶ Next 100
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Al-Suyūṭī (d. 1505 CE) - Isʿāf al-mubaṭṭaʾ fī-rijāl al-Muwaṭṭaʾ - السيوطي - إسعاف المبطأ في رجال الموطأ are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=85007&book=5564#61b440
عبد الله بن محمد بن علي
ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو هاشم العلوي الهاشمي من أهل المدينة، وفد على الوليد بن عبد الملك - ويقال: على سليمان بن عبد الملك - فأدركه أجله بالبقاء في رجوعه، ودفن بالحميمة.
روى عن أبيه انه سمع أباه علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
قال مصعب: كان عبد الله بن محمد يكنى أبا هاشم، وكان صاحب الشيعة، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ودفع إليه كتبه ومات عنده، وقد انقرض ولده إلا من قبل النساء.
قال خليفة: أمه فتاة - يعني أم ولد - توفي سنة ثمان - أو تسع - وتسعين.
قال ابن سعد: كان أبو هاشم صاحب علم ورواية، وكان ثقة قليل الحديث، وكانت الشيعة يلقونه وينتحلونه وكان بالشام مع بني هاشم.
قال البخاري: كان عبد الله يتبع السبائية.
قال عيسى بن علي: مات أبو هاشم بن الحنفية في عسكر الوليد بدمشق، فخالفني مصعب الزبيري وقال: مات بالحِجر من بلاد الثمود.
عن عبد الله بن عياش وجويرية بن أسماء:
أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي وفد إلى سليمان بن عبد الملك في حوائج عرضت له، فدخل عليه، فأكرمه سليمان، ورفعه، وسأله، فأجاب بأحسن جواب، وخاطب سليمان بأشياء مما قدم له من أموره، فأبلغ وأوجز، فاستحسن سليمان كلامه
وأدبه واستعذب ألفاظه، وقال: ما كلمني قرشي قط بشبه هذا، وما أظنه إلا الذي كنا نخبر عنه أنه سيكون منه كذا وكذا، وقضى حوائجه، وأحسن جائزته وصرفه. فتوجه من دمشق يريد فلسطين، فبعث سليمان مولى له أديباً حصيفاً مكراً، فسبق أبا هاشم إلى بلاد لحمٍ وجذام، فواطأ قوماً منهم، فضربوا أبنية على الطريق كهيئة الحوانيت، وبين كل بناء نحو الميل - وأقل وأكثر - وأعدوا عندهم لبناً مسموماً، فلما مر بهم أبو هاشم، وهو راكب بغلةً له جعلوا ينادون: الشراب الشراب، اللبن اللبن، فلما تجاوز عدةً منهم تاقت نفسه إلى اللبن، فقال: هاتوا لبنكم هذا، فناولوه، فلما استقر في جوفه، وتجاوزهم قليلاً أحس بالأمر، وعلم أنه قد اغتيل، فقال لمن معه: أنا والله يا هؤلاء ميت، فانظروا القوم الذين سقوني اللبن من هم؟ فعادوا إليهم، فإذا هم قد طاروا على وجوههم، فذهبوا فقال أبو هاشم: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بالحميمة، وما أحسبني أدركه، فأغذوا السير، قال: فجدوا في السير حتى أدركوا الحميمة كداً - وهي من الشراة - فنزل على محمد بن علي، فقال: يا بن عم، إني ميت من سم سقيته، وأخبره الخبر، وأعلمه أن هذا الأمر صائر إلى ولده، وأوصاه في ذلك، وعرفه بما تمسك به محمد بن علي، ومات أبو هاشم من ساعته.
وذكر أبو معشر ان الذي سم أبا هاشم الوليد بن عبد الملك.
ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو هاشم العلوي الهاشمي من أهل المدينة، وفد على الوليد بن عبد الملك - ويقال: على سليمان بن عبد الملك - فأدركه أجله بالبقاء في رجوعه، ودفن بالحميمة.
روى عن أبيه انه سمع أباه علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
قال مصعب: كان عبد الله بن محمد يكنى أبا هاشم، وكان صاحب الشيعة، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ودفع إليه كتبه ومات عنده، وقد انقرض ولده إلا من قبل النساء.
قال خليفة: أمه فتاة - يعني أم ولد - توفي سنة ثمان - أو تسع - وتسعين.
قال ابن سعد: كان أبو هاشم صاحب علم ورواية، وكان ثقة قليل الحديث، وكانت الشيعة يلقونه وينتحلونه وكان بالشام مع بني هاشم.
قال البخاري: كان عبد الله يتبع السبائية.
قال عيسى بن علي: مات أبو هاشم بن الحنفية في عسكر الوليد بدمشق، فخالفني مصعب الزبيري وقال: مات بالحِجر من بلاد الثمود.
عن عبد الله بن عياش وجويرية بن أسماء:
أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي وفد إلى سليمان بن عبد الملك في حوائج عرضت له، فدخل عليه، فأكرمه سليمان، ورفعه، وسأله، فأجاب بأحسن جواب، وخاطب سليمان بأشياء مما قدم له من أموره، فأبلغ وأوجز، فاستحسن سليمان كلامه
وأدبه واستعذب ألفاظه، وقال: ما كلمني قرشي قط بشبه هذا، وما أظنه إلا الذي كنا نخبر عنه أنه سيكون منه كذا وكذا، وقضى حوائجه، وأحسن جائزته وصرفه. فتوجه من دمشق يريد فلسطين، فبعث سليمان مولى له أديباً حصيفاً مكراً، فسبق أبا هاشم إلى بلاد لحمٍ وجذام، فواطأ قوماً منهم، فضربوا أبنية على الطريق كهيئة الحوانيت، وبين كل بناء نحو الميل - وأقل وأكثر - وأعدوا عندهم لبناً مسموماً، فلما مر بهم أبو هاشم، وهو راكب بغلةً له جعلوا ينادون: الشراب الشراب، اللبن اللبن، فلما تجاوز عدةً منهم تاقت نفسه إلى اللبن، فقال: هاتوا لبنكم هذا، فناولوه، فلما استقر في جوفه، وتجاوزهم قليلاً أحس بالأمر، وعلم أنه قد اغتيل، فقال لمن معه: أنا والله يا هؤلاء ميت، فانظروا القوم الذين سقوني اللبن من هم؟ فعادوا إليهم، فإذا هم قد طاروا على وجوههم، فذهبوا فقال أبو هاشم: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بالحميمة، وما أحسبني أدركه، فأغذوا السير، قال: فجدوا في السير حتى أدركوا الحميمة كداً - وهي من الشراة - فنزل على محمد بن علي، فقال: يا بن عم، إني ميت من سم سقيته، وأخبره الخبر، وأعلمه أن هذا الأمر صائر إلى ولده، وأوصاه في ذلك، وعرفه بما تمسك به محمد بن علي، ومات أبو هاشم من ساعته.
وذكر أبو معشر ان الذي سم أبا هاشم الوليد بن عبد الملك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=85007&book=5564#64562d
عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب: ثقة، وكان شيعيًّا.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=85007&book=5564#9c6ab8
عبد الله بن محمد بن على بن أبى طالب الهاشمي أخو الحسن بن محمد كنيته أبو هاشم من عباد أهل المدينة وقراء أهل البيت مات بالمدينة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=85007&book=5564#431051
عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن أبي طَالب الْهَاشِمِي أَخُو الْحسن بْن مُحَمَّد كنيته أَبُو هَاشم من أهل الْمَدِينَة يروي عَن أَبِيه عَن عَليّ روى عَنهُ الزُّهْرِيّ مَاتَ بِالشَّام فِي ولَايَة سُلَيْمَان بْن عَبْد الْملك
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=85007&book=5564#49787c
عبد الله بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو جعفر المنصور بويع له بالخلافة بعد أخيه أبي العباس السفاح، وأمه أم ولد بربرية اسمها سلامة.
روى عن أبيه عن جده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه.
كان المنصور حاجاً في وقت وفاة السفاح، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوماً، وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور، وكان مولده بالحُميمة سنة خمسٍ وتسعين.
وصفه علي بن ميسرة الرازي فقال: رأيت سنة خمسٍ وعشرين أبا جعفر المنصور بمكة فتىً أسمر رقيق السمرة، موفر اللمة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف، بيّن القنى، أعين، كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملوك بزي النساك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه، والعتق في صورته، واللب في مشيته.
خرج أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس سنة أربع وخمسين، واستقرى الجزيرة وأجناد الشام مدينةً مدينةً، ودخل دمشق مرتين.
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومن المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمةً من دمٍ، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً ".
عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فذكرنا المهدي، وكان منضجعاً فاستوى جالساً، فقال: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ".
قالت سلامة أم أمير المؤمنين المنصور: لما حملت بأبي جعفر رأيت كان أسداً خرج من فرجي، فأقعى وزأر وضرب بذنبه، فرأيت الأُسد تقبل من كل ناحية إليه، فكلما انتهى إليه أسد منها سجد له.
حدث أبو سهل بن علي بن نوبخت قال: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية، وكان في علم النجوم نهايةً، وكان محبوساً بسجن الأهواز، فقال: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن، فرأيت من هيبته وجلالته، وسيماه وحسن وجهه وبنائه ما لم أرَ لأحدٍ قط، قال: فصرت من موضعي إليه، فقلت: يا سيدي، ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد! فقال: أجل يا مجوسي، قلت: فمن أي بلادٍ أنت؟ فقال: من أهل المدينة، فقلت: أي مدينةٍ؟ فقال: من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة؟ قال: لا، ولكني من عرب المدينة، قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته؟ فقال: كنيتي أبو جعفر، فقلت: أبشر فوحق المجوسية لتملكن جميع
ما في هذه البلدة حتى تملك فارس، وخراسان، والجبال، فقال لي: وما يدريك يا مجوسي؟ قلت: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى، فقال: إن قضي شيء فسوف يكون، قال: قلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفساً، وطلبت دواةً، فوجدتها فكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم: يا نوبخت، إذا فتح الله على المسلمين، وكفاهم مؤونة الظالمين، ورد الحق إلى أهله لم نُغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا.
قال نوبخت: فلما ولي الخلافة صرت إليه، فأخرجت الكتاب، فقال: أنا له ذاكر، ولك متوقع، فالحمد لله الذي صدق وعده، وحقق الظن، ورد الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت، فكان منجّماً لأبي جعفر.
عن الربيع بن حظيان قال: كنت مع أبي جعفر المنصور في مسجد دمشق عند المقصورة أيام مروان بن محمد، فقال لي: يا ربيع، ترى لهذا الأمر من فرج؟ ثم تذاكرنا الأمر، فقلت: من ترى لهذا الأمر؟ فقال: ما أعرف له أحداً إلا عبد الله بن حسن بن حسن، فقلت: ما هو لها بأهلٍ، لا في فضله، ولا في عقله، قال: لا تقل ذاك يغفر الله لك، إن له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابةً قريبة، فقال لي: فأنت من ترى لها؟ فقلت له: أنت؟ ووالله الذي لا إله غيره ما علمت يومئذٍ أحداً أحق بها منه. قال: فلما ولي الخلافة أرسل إليّ، فدخلت عليه فقال لي: يا ربيع الحديث الذي كان بيني وبينك بدمشق تحفظه؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله يا ربيع لو نازعني فيها أحد من الناس لضربت ما بين عينيه بالسيف، قال: ثم لم يزل يحادثني ويذاكرني أمر عبد الله بن حسن، وقال: قد وليتك دار الضرب بدمشق، فاخرج إليها.
واستخلف أبو جعفر المنصور - وهو عبد الله الأكبر، ويقال له: عبد الله الطويل الأكبر - يوم توفي العباس بالأنبار، وأبو جعفر يومئذٍ بمكة في الحج، وأنفذ إليه الخبر بذلك، فلقيه الرسول في منصرفه من الحج بمنزلٍ يقال له: صُفَينة، من ناحية طريق
الجادة، فتفاءل باسم المنزل، وقال: صفت لنا - إن شاء الله - وأغذ السير، ثم قدم الأنبار، وهي يومئذٍ دار الملك، فاستقبل بخلافته المحرم من سنة سبع وثلاثين، فكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً تنقص أياماً، وتوفي بأكناف مكة وهو محرم، وكان يلقب في أيام أبيه مدرك الترات.
ويحكى أن أبا جعفر المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة، فبينا هو يدخل منزلاً من المنازل قبض عليه صاحب الرصد، فقال: زن درهمين، قال: خل عني؛ فإني من بني أعمام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: زن درهمين، قال: خل عني، فإني رجل قارئ لكتاب الله، قال: زن درهمين، قال: خل عني فإني رجل عالم بالفقه والفرائض، قال: زن درهمين، قال: فلم أعياه أمرُه وزن الدرهمين، ولزم جمع المال، والتدنيق فيه، فبقي على ذلك بُرهةً من زمانه إلى أن قلد الخلافة، وبقي عليه فصار الناس يبخلونه، فلقب بأبي الدوانيق.
عن الأصمعي قال: قالت أعرابية للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس: أعظم الله أجرك في أخيك، لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم من خلافتك.
قال المنصور: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا.
عن مالك بن أنس قال: دخلت على أبي جعفر الخليفة فقال: من أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فهجم عليّ أمر لم أعلم رأيه، قال: قلت: أبو بكر، وعمر، قال: أصبت، وذلك رأي أمير المؤمنين.
وأقام الحج أبو جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة، وسنة أربعين ومائة، وسنة أربع وأربعين ومائة، وسنة سبع وأربعين ومائة، وسنة اثنتين وخمسين ومائة.
عن إسماعيل الفهري قال: سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه بمشيئته، أقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله تعالى عليه قفلاً إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني، فارغبوا إلى الله تعالى، أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً " أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم، فإنه سميع مجيب.
عن الأصمعي قال: صعد أبو جعفر المنصور المنبر، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر من أنت في ذكره! فقال أبو جعفر: مرحباً، مرحباً، لقد ذكرت جليلاً، وخوفت عظيماً، وأعوذ بالله من أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها، فأحلف بالله ما الله أردت بها، وإنما أردت أن يقال: قام، فقال: فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، وإياكم - معشر الناس - وأمثالها.
قال أبو الفضل الربعي: حدثني أبي قال: بينما المنصور ذات يومٍ يخطب، وقد علا بكاؤه، إذ قام رجل فقال: يا وصاف،
تأمر بما تحتقبه، وتنهى عما تركبه؟ بنفسك فابدأ، ثم بالناس. فنظر إليه المنصور وتأمله ملياً، وقطع الخطبة، ثم قال: يا عبد الجبار خذه إليك، فأخذه عبد الجبار، وعاد إلى خطبته حتى أتمها، وقضى الصلاة، ثم دخل ودعا بعبد الجبار، فقال له: ما فعل الرجل؟ قال: محبوس عندنا يا أمير المؤمنين، قال: أملٍ عليه ثم عرض له بالدنيا، فإن صدف عنها، وقلاها فلعمري إنه لمريد، وإن كان كلامه ليقع موقعاً حسناً، وإن مال إلى الدنيا، ورغب فيها إن لي فيه أدباً يزعه عن الوثوب على الخلفاء، وطلب الدنيا بعمل الآخرة.
فخرج عبد الجبار، فدعا بالرجل، وقد دعا بغدائه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: حق لله كان في عنقي، فأديته إلى خليفته، قال: ادن فكل من هذا الطعام حتى يدعو بك أمير المؤمنين، قال: لا حاجة لي فيها، قال: وما عليك من أكل الطعام؟ إن كانت نيتك حسنةً فلا يفثؤك عنها شيء، فدنا، فأكل فلما أكل طمع فيه، فتركه أياماً، ثم دعاه فقال: لَهِيَ عنك أمير المؤمنين وأنت محبوس، فهل لك في جارية تؤنسك، وتسكن إليها؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه جاريةً، ثم أرسل إليه: هذا الطعام قد أكلت، والجارية قد قبلت، فهل لك في ثيابٍ تكتسيها، وتكسو عيالك - إن كان لك عيال - ونفقة تستعين بها على أمرك إلى أن يدعو بك أمير المؤمنين؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه، ثم قال له: ما عليك أن تصنع خلة تبلغ بها الوسيلة من أمير المؤمنين إن أردت الوسيلة عنده، إذا ذكرك، قال: وما هي؟ قال: أوليك الحسبة والمظالم، فتكون أحد عماله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: ما أكره ذلك، فولاه الحسبة والمظالم، فلما انتهى شهر قال عبد الجبار للمنصور: الرجل الذي تكلم بما تكلم به، فأمرت بحبسه قد أكل من طعام أمير المؤمنين، ولبس من ثيابه، وعاث في نعمته، وصار أحد ولاته، وإن أحب أمير المؤمنين أن أدخله إليه في زي الشيعة فعلت. قال: فأدخله، فخرج عبد الجبار إلى الرجل، فقال: قد دعا بك أمير المؤمنين وقد
أعلمته أنك أحد عماله على المظالم والحسبة، فادخل عليه في الزي الذي يحب، فدخل، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك، ألست القائم بنا والواعظ لنا ومذكرنا بأيام الله على رؤوس الملأ؟ قال: نعم، قال: فكيف ملت عن مذهبك؟ قال: يا أمير المؤمنين فكرت في أمري فإذا أنا قد أخطأت فيما تكلمت به، ورأيتني مصيباً في مشاركة أمير المؤمنين في أمانته، فقال: هيهات أخطأت استك الحفرة! هبناك يوم أعلنت الكلام، وظننا أنك أردت الله به، فكففنا عنك! فلما تبين لنا أنك الدنيا أردت جعلناك عظةً لغيرك حتى لا يجترئ بعدك مجترئ على الخلافة، أخرجه يا عبد الجبار، فاضرب عنقه! فأخرجه فقتله.
قال أبو عبيد الله: سمعت المنصور أمير المؤمنين يقول لأمير المؤمنين المهدي: يا أبا عبد الله، إن الخليفة لا يصلحه إلى التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه.
وقال له: لا تبرمن أمراً حتى تفكر فيه؛ فإن فكرة العاقل مرآة تريه قبيحه وحسنه.
عن الأصمعي أن المنصور قال لابنه: أي بني ائتدم النعمة بالشكر، والمقدرة بالعفو، والطاعة بالتآلف والنصر بالتواضع والرحمة للناس.
عن المبارك بن فضالة قال: كنا عند أمير المؤمنين المنصور فدعا برجلٍ، ودعا بالسيف، فأخرج المبارك رأسه
في السماط، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما سمعه المنصور يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل عليه بوجهه يسمع منه، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة قام منادٍ من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله، فلا يقوم إلا من عفا " فقال المنصور: خلوا سبيله، ثم أقبل على جلسائه يخبرهم بعظيم جرمه، وما صنع.
حدث قطن بن معاوية الغلابي قال: كنت ممن سارع إلى إبراهيم، واجتهد معه؛ فلما قتل طلبني أبو جعفر، واستخفيت فقبض أموالي ودوري، فلحقت بالبادية، فجاورت في بني نصر بن معاوية، ثم في بني كلاب، ثم في بني فزارة، ثم في بني سليم، ثم تنقلت في بلاد قيس أجاورهم حتى ضقت ذرعاً، فأزمعت على القدوم على أبي جعفر، والاعتراف له؛ فقدمت البصرة فنزلت في طرفٍ منها، ثم أرسلت إلى أبي عمرو بن العلاء، وكان لي وداً، فشاورته في الذي أزمعت عليه، فقيَّل رأيي، وقال: والله إذا ليقتلنك، وإنك لتعين على نفسك، فلم ألتفت إليه، وشخصت حتى قدمت بغداد، وقد بنى أبو جعفر مدينته، ونزلها، وليس من الناس أحد يركب فيها ما خلا المهدي، فنزلت الخان، ثم قلت لغلماني: أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين، فأمهلوا ثلاثاً، فإن جئتكم وإلا فانصرفوا.
ومضيت حتى دخلت المدينة، فجئت دار الربيع، والناس ينتظرونه وهو يومئذٍ داخل المدينة في الشارعة على قصر الذهب، فلم ألبث أن خرج يمشي، فقام إليه الناس، وقمت معهم، فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت؟ قلت: قطن بن معاوية، قال: انظر ما تقول! قلت: أنا هو. فأقبل على مسودةٍ معه، فقال: احتفظوا بهذا. قال: فلما حرست لحقتني ندامةً، وتذكرت رأي أبي عمرو، فتأسفت عليه، ودخل الربيع، فلم يطل حتى خرج خصيّ فأخذ بيدي فأدخلني قصر الذهب، ثم أتى بيتاً حصيناً فأدخلني فيه، ثم أغلق بابه وانطلق فاشتدت ندامتي، وأيقنت بالبلاء،
وخلوت بنفسي ألومها، فلما كانت الظهر أتاني الخصي بماءٍ، فتوضأت وصليت وأتاني بطعامٍ، فأخبرته أني صائم، فلما كانت المغرب أتاني بماءٍ، فتوضأت وصليت، وأرخى الليل علي سدوله، فيئست من الحياة، وسمعت أبواب المدينة تغلق، وأقفالها تشدد، فامتنع مني النوم، فلما ذهب صدر الليل أتاني الخصي، ففتح عني، ومضى بي فأدخلني صحن دارٍ ثم أدناني من سترٍ مسدولٍ، فخرج علينا خادم، فأدخلنا، فإذا أبو جعفر وحده والربيع قائم في ناحيةٍ، فأكب أبو جعفر هنيهةً مطرقاً، ثم رفع رأسه فقال: هيه! قلت: يا أمير المؤمنين أنا قطن ابن معاوية، قد والله جهدت عليك جهدي؛ فعصيت أمرك، وواليت عدوك، وحرصت على أن أسلبك ملكك؛ فإن عفوت فأهل ذاك أنت، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني، قال: فسكت هنيهةً، ثم قال: هيه!؟ فأعدت مقالتي، فقال: فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك.
وكتب إلى عامله على البصرة برد جميع ما اصطفى له.
قال الأصمعي: أُتي المنصور برجلٍ يعاقبه على شيءٍ بلغه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين، فعفا عنه.
ولقي أبو جعفر المنصور أعرابياً بالشام فقال: احمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا - أهل البيت - قال: إن الله لم يجمع علينا حشفاً وسوء كيلٍ؛ ولايتكم والطاعون!.
قال عباد بن كثير لسفيان الثوري: قلت لأبي جعفر المنصور: أتؤمن بالله!؟ قال: نعم، قلت: فحدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من أموال بني أمية، فوالله لئن كانت صارت إليهم ظلماً وغصباً لما رددتموها إلى أهلها الذين ظلموا وغُصبوا؟! ولئن كانت الأموال لهم لقد أخذتم ما لا يحل، ولا يطيب، إذا دعيت يوم القيامة بنو أمية بالعدل جاؤوا بعمر بن عبد العزيز، فإذا دعيتم أنتم بالعدل وأنتم أمس رحماً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تجيئوا بأحدٍ، فكن أنت ذاك الأحد؛ فقد مضت خلافتك ست عشرة سنةً، وما رأينا خليفةً قبلك بلغ اثنتين وعشرين سنةً، فهبك تبلغها، فما ست سنين تعدل فيها؟! عن النضر بن زرارة قال: أدخل سفيان الثوري على أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين، فأقبل عليه أبو جعفرٍ يوبخه، فقال: تُبغِضنا، وتبغض هذه الدعوة، وتُبغِض عِترة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وسفيان ساكت يقول: سَلْم، سلم. قال: فلما قضى أبو جعفر كلامه، قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد " إلى قوله: " إن ربك لبالمرصاد " قال: ونكس أبو جعفرٍ رأسه، وجعل ينكت بقضيبٍ في يده الأرض، فقال سفيان: البول البول، قال: قم، قال: فخرج وأبو جعفر ينظر إليه.
عن بكر العابد قال: قال سفيان الثوري لأبي جعفر المنصور.
إني لأعلم رجلاً إن صلح صلحت الأمة، قال: ومن هو؟ قال: أنت.
قال محمد بن منصور البغدادي: قام بعض الزهاد بين يدي المنصور، فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلةً، واذكر ليلةً تمخّض عن يومٍ لا ليلة بعده.
قال: فأفحم أبو جعفر من قوله، فقال الربيع: أيها الرجل، إنك قد عممت أمير المؤمنين! فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، هذا صحبك عشرين سنةً لم يرَ لك عليه أن ينصحك يوماً واحداً، ولا عمل وراء بابك بشيءٍ من كتاب الله تبارك وتعالى، ولا بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له المنصور بمالٍ، فقال: لو احتجت إلى مالك لما وعظتك.
عن عقبة بن هارون قال:
دخل عمرو بن عبيد على أبي جعفرٍ المنصور، وعنده المهدي، بعد أن بايع له ببغداد، فقال له: يا أبا عثمان، عظني، فقال: إن هذا الأمر الذي أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك، فأحذِّرك ليلةً تمخّض بيومٍ لا ليلة بعده.
عن إسحاق بن الفضل، قال: إني لعلى باب المنصور، وإلى جنبي عمارة بن حمزة إذا طلع عمرو بن عبيد على حماره، فنزل عن حماره، ونحى البساط برجله، وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة، فقال: لا تزال بصرتكم، قد رمتنا بأحمق! فما فصل كلامه من فيه حتى خرج الربيع وهو يقول: أبو عثمان عمرو بن عبيد، قال: فوالله ما دل على نفسه حتى أرشد إليه، فاتكأ بيده ثم قال: أجب أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، فمر متوكئاً عليه، فالتفت إلى عمارة، فقلت: إن الرجل الذي استحمقت قد دعي وتركنا! فقال: كثيراً ما يكون مثل هذا، فأطال اللبث، ثم خرج الربيع وعمرو متوكئاً عليه، وهو يقول: يا غلام، حمار أبو عثمان! فما برح حتى أقره على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه، واستودعه الله، فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلاً لو فعلتموه بوليِّ عهدكم لكنتم قد قضيتم حقه! قال: فما غاب عنك والله مما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب! قال: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا فقال: ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه، فما أمهل حتى أمر بمجلسٍ ففرش لبوداً، ثم
انتقل هو والمهدي، وعلى المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له، فلما دخل سلم عليه بالخلافة فرد عليه، وما زال يدنيه حتى أتكأه على فخذه، وتخفى به، ثم سأله عن نفسه، وعن عياله، يسميهم رجلاً رجلاً، وامرأةً امرأةً، ثم قال: يا أبا عثمان عظني، فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: " والفجر، وليالٍ عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر، ألم تر كيف فعل ربك بعادٍ، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك - يا أبا جعفر - لبالمرصاد " قال: فبكى بكاءً شديداً، كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة، ثم قال: يا أبا عثمان، هل من حاجة؟ قال: نعم، قال: وما هي؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك، قال: إذاً لا نلتقي، قال: عن حاجتي سألتني! قال: فاستخلفه الله عز وجل وودعه، ونهض، فلما ولى أمده بصره وهو يقول: مجزوء الكامل
كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيدْ
غير عمرو بن عبيد
عن عبد السلام بن حرب قال: قدم أبو جعفر المنصور البصرة، فنزل عند الجسر، فبعث إلى عمرو بن عبيد، فجاءه، فأمر له بمالٍ، فأبى أن يقبله، فقال المنصور: والله لتقبلنه، فقال: لا والله لا أقبله، فقال له المهدي: يحلف عليك أمير المؤمنين، فتحلف ألا تقبله! فقال: أمير المؤمنين أقوى على كفارة اليمين من عمك، فقال المنصور: يا أبا عثمان، علمت أني جعلت هذا ولي عهدي؟ قال: يا أمير المؤمنين يأتيه الأمر يوم يأتيه وأنت مشغول.
عن عبد الله بن صالح قال: كتب أبو جعفر إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي يخاصم فيها فلان القائد فلاناً التاجر، فادفعها إلى فلانٍ القائد.
فكتب إليه سوار: إن البينة قد قامت عندي أنها لفلانٍ التاجر، فلست أخرجها من يديه إلا ببينة. فكتب إليه أبو جعفر المنصور: والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى فلان القائد! فكتب إليه سوار: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد فلانٍ التاجر إلا بحق! فلما جاءه الكتاب قال أبو جعفر: ملأتها والله عدلاً، صار قضاتي يردوني إلى الحق.
قالوا: شُكي سوار بن عبد الله القاضي إلى أبي جعفر المنصور، وأُثني عليه عنده شراً، قال: فاستقدمه، فلما قدم دخل عليه، فعطس المنصور، فلم يشمته سوار، فقال: ما يمنعك من التشميت؟ قال: لأنك لم تحمد الله، فقال: حمدت في نفسي، قال: فقد شمتك في نفسي، فقال: ارجع إلى عملك، فإنك إذا لم تحابني لم تحاب غيري.
عن نمير المدني قال:
قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه، وأنا كاتبه، فاستعدى الجمالون على أمير المؤمنين في شيءٍ ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتاباً بالحضور معهم، وإنصافهم، فقلت: تعفيني من هذا، فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب! فكتبت، ثم ختمه، فقال: لا يمضي به والله غيرك، فمضيت به إلى الربيع وجعلت أعتذر إليه، فقال: لا عليك فدخل عليه بالكتاب، ثم خرج الربيع فقال للناس: - وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم - إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم، فلا أعلمن أحداً قام إليّ، إذا خرجت أو تدانى بالسلام، ثم خرج المسيب بين يديه، والربيع، وأنا خلفه، وهو في إزارٍ ورداء، فسلم على الناس، فما قام إليه أحد، ثم مضى حتى بدأ بالقبر، فسلم على
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى الربيع، فقال: يا ربيع، ويحك! أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه لي هيبة، فيتحول عن مجلسه، وبالله لئن فعل لا ولي ولايةً أبداً! فلما رآه وكان متكئاً أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به، ودعا بالخصوم والجمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، ثم ادعى عليه القوم، فقضى لهم عليه، فلما دخل الدار قال للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه، فقال: يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلا بعد أن فرغ من أمر الناس جميعاً، فلما دخل عليه سلم، فقال: جزاك الله عن دينك، وعن نبيك، وعن حسبك، وعن خليفتك أحسن الجزاء، قد أمرت لك بعشرة آلاف دينارٍ فاقبضها، وكانت عامة أموال محمد بن عمران من تلك الصلة.
قال المعلى بن أيوب: دخل رجل على المنصور، فقال له: ما مالك؟ فقال: ما يكف وجهي، ويعجز عن بر الصديق، فقال المنصور: لقد تلطف للسؤال، ووصله.
قال محمد بن يزيد المبرد: دخل أعرابي على المنصور، فكلمه بكلام أعجبه، فقال له المنصور: سل حاجتك، فقال: ما لي حاجة يا أمير المؤمنين، فأطال الله عمرك، وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك، قال: ويحك! سل حاجتك؛ فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت، قال: ولِمَ يا أمير المؤمنين وأنا لا أستقصر عمرك، ولا أغتنم مالك؟ وإن العرب لتعلم في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف، وما للشريف عنك منحرف، وإن عطاءك لزين، وما مسألتك بنقصٍ ولا شين، فتمثل المنصور بقول الأعشى: من البسيط
فجربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
ثم قال: يا غلام أعطه ألف دينار.
قال محمد بن حفص العجلي: ولد لأبي دلامة ابنة فغدا على أبي جعفر المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين، إنه ولد لي الليلة ابنة، قال: فما سميتها؟ قال: أم دلام، قال: وأي شيءٍ تريد؟ قال: أريد أن يعينني عليها أمير المؤمنين، ثم أنشده: من البسيط
لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلكم ... إلى السماء، فأنتم أكرم الناس
قال: فهل قلت فيها شيئاً؟ قال: نعم قلت: من الوافر
فما ولدتك مريم أم عيسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم
ولكن قد تضمك أم سوءٍ ... إلى لباتها وأن لئيم
قال: فضحك أبو جعفر ثم أخرج أبو دلامة خريطة من خرق، فقال: ما هذه؟ قال: يا أمير المؤمنين أجعل فيها ما تحبوني به، قال: املؤوها له دراهم، فوسعت ألفي درهم.
عن بعض الهاشميين قال: كنت جالساً عند المنصور بإرمينية، وهو أميرها لأخيه أبي العباس، وقد جلس للمظالم، فدخل عليه رجل، فقال: إن لي مظلمةً، وإني أسألك أن تسمع مني مثلاً أضربه قبل أن أذكر مظلمتي، قال: قل، قال: إني وجلت لله تبارك وتعالى؛ خلق الخلق
على طبقَاتٍ، فالصبي إذا خرج إلى الدنيا لا يعرف إلا أمه، ولا يطلب غيرها، فإذا فزع من شيءٍ لجأ إليها، ثم يرتفع عن ذلك طبقةً، فيعرف أن أباه أعز من أمه، فإن أفزعه شيء لجأ إلى أبيه، ثم يبلغ، ويستحكم، فإن أفزعه شيء لجأ إلى سلطانه، فإن ظلمه ظالم انتصر به، فإذا ظلمه السلطان لجأ إلى ربه، واستنصره، وقد كنت في هذه الطبقات وقد ظلمني ابن نهيك في ضيعةٍ لي في ولايته، فإن نصرتني عليه، وأخذت بمظلمتي وإلا استنصرت إلى الله عز وجل ولجأت إليه، فانظر لنفسك أيها الأمير، أو دع!
فتضاءل أبو جعفر، وقال: أعد علي الكلام؟ فأعاده، فقال: أما أول شيءٍ فقد عزلت ابن نهيك عن ناحيته، وأمر برد ضيعته.
قيل لأبي جعفر المنصور: هل بقي لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال: بقيت خصلة؛ أن أقعد في مصطبةٍ وحولي أصحاب الحديث، يقول المستملي: من ذكرت - رحمك الله -؟ قال: فغدا عليه الندماء، وأبناء الوزير بالمحابر والدفاتر فقال: لستم به، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم برد الآفاق ونقلة الحديث.
عن محمد بن سلام والزيادي قالا: اجتمع جماعة من أهل العلم عند المنصور فيهم عمرو بن عبيد، فسأل المنصور عمرو بن عبيد عن الحديث: " فيمن اقتنى كلباً لغير زرعٍ، ولا حراسة، إنه ينقص كل يومٍ من أجره قيراط " فقال له عمرو بن عبيد: هكذا جاء الحديث، قال المنصور: خذها بحقها؛ إنما قيل ذلك لأنه ينبح الضيف، ويروّع السائل، ثم أنشد: من الكامل
أعددت للضيفان كلباً ضارياً ... عندي، وفضل هراوةٍ من أرزن
ومعاذراً كذباً، ووجهاً باسراً ... وتشكياً عض الزمان الألزن
قال: فما بقي أحد في المجلس إلا كتب عن المنصور.
قال أبو العيناء: دخل المنصور من باب الذهب، فإذا ثلاثة قناديل مصطفة، فقال: ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافياً؟ يقتصر من هذا على واحدٍ، فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم من قبل أن يشبعوا، فقالوا: يا غلام، علي بالقهرمان، قال: ما لي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيتك قد قدرت الزيت فقدرت الطعام، قال: فقال: وأنت لا تفرق بين زيتٍ يحترق في غير ذات الله، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلاً! ابطحوه، فبطحوه فضربه سبع دررٍ.
عن الربيع الحاجب قال: لما مات المنصور قال لي المهدي: يا ربيع، قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين، قال: فدرنا فوقعنا على بيتٍ فيه أربعمائة حبٍّ مطينة الرؤوس، قال: فقلنا: ما هذه؟ قيل: هذه فيها أكباد مملحة، أعدها المنصور للحصار.
عن يونس قال: كتب زياد بن عبيد الله الحارثي إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه وأرزاقه، وأبلغ في كتابه فوقّع المنصور في القصة: إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجلٍ أبطراه، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك، فاكتف بالبلاغة.
قال المنصور: إذا مد إليك عدوك يده، فإن قدرت على قطعها وإلا قبلها.
عن محمد بن سلام قال: رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعاً، فقالت: خليفة وقميصه مرقوع؟! فقال: ويحك! أما سمعت ما قال ابن هرمة: من الكامل
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع
لما قتل المنصور أبا مسلم قال وهو طريح بين يديه: من الوافر
قد اكتنفتك خلات ثلاث ... جلبن عليك محتوم الحمام
خلافك وامتناعك من يميني ... وقودك للجماهير العظام
وله لما عزم على قتله: من الطويل
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ ... فإن فسادها الرأي أن تترددا
ولا تمهل الأعداء يوماً بقُدرةٍ ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا
قال الربيع الحاجب: حججت مع المنصور أبي جعفر، فلما كنا بالقادسية، قال لي: يا ربيع، إني مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، فناد في الناس، فناديت، فلما كان من الغد قال لي: يا ربيع، أجمت المنزل، فناد بالرحيل، فقلت: ناديت أمس أنك مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، وترحل الساعة!؟ قال: أجمت المنزل، فرحل، ورحل الناس، وقربت له ناقة ليركب، وجاؤوه بمجمرٍ ليتبخر، فقمت بين يديه، فقال: ما عندك؟ فقلت: رحل الناس، فأخذ فحمة من المجمر، فبلها بريقه، وقام إلى الحائط، فجعل يكتب على الحائط بريقه
حتى كتب أربعة أسطرٍ، ثم قال: اركب يا ربيع، فكان في نفسي هم لأعلم ما كتب، ثم حججنا، فكان من أمر وفاته ما كان، ثم رجعت من مكة، فبسط لي في الموضع الذي بسط له فيه في القادسية، فدخلت وفي نفسي أن أعلم ما كتب على الحائط، فإذا هو قد كتب على الحائط: مجزوء الكامل
المرء يأمل أن يعي ... ش وطول عمرٍ قد يضره
تبلى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حت ... ى لا يرى شيئاً يسره
كم شامتٍ بي إن هلك ... ت وقائلٍ لله دره
وقال: لما مرض أمير المؤمنين المنصور بالله مرضه الذي مات فيه بمكة أتيته يوماً وهو وحده، فنظر إلى القبلة، فرأى فيها كتاباً، فقرأه وقال: يا ربيع، قم بيني وبين القبلة، فإذا الكتابة في صدري، فقال: افتح الباب، فعاد الكتاب إلى القبلة، فقال: ظننت هذا من حيلة الآدميين، وإذا فيه: من الطويل
أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفرٍ هل كاهن أو منجمٍ ... لك اليوم من ريب المنية دافع
قال طيفور: كان سبب إحرام المنصور من خضراء مدينة السلام أنه نام ليلةً، فانتبه فزعاً، ثم عاود النوم، فانتبه فزعاً ثم راجع النوم، فانتبه فزعاً، فقال: يا ربيع، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: لقد رأيت في منامي عجباً، قال: ما رأيت، جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت كأن آتياً أتاني، فهينم بشيءٍ لم أفهمه، فانتبهت فزعاً، ثم عاودت النوم، فعاودني يقول ذلك الشيء، ثم عاودني يقوله، حتى فهمته، وحفظته، وهو: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد آهله ... وعري منه أهله ومنازله
وصار رئيس القوم من بعد بهجةٍ ... إلى جدثٍ تبنى عليه جنادله
وما أحسبني يا ربيع إلا قد حانت وفاتي، وحضر أجلي، ومالي غير ربي.
قال بعض أهل العلم: كان آخر ما تكلم به عند الموت أبو جعفر عبد الله بن محمد: اللهم بارك لي في لقائك، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله، وبه يؤمن.
قال فليح بن سليمان: قال لي أبو جعفر سنة حج، فمات فيها: ابن كم أنت؟ قلت: ابن ثلاثٍ وستين، قال: تلك سني، ثم قال: تدري ما كانت العرب تسميها؟ قلت: لا، قال: مدقة الأعناق، ثم مضى فمات فيها.
قال الحكم بن عثمان: قال المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين عند موته: اللهم إنك تعلم أني قد ارتكبت من الأمور العظام جرأةً مني عليك، وإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك، شهادة أن لا إله إلا الله مخلصاً، مناً منك لا مناً عليك، ثم خرجت نفسه.
عن هارون الفروي: حدثني من رأى أبا جعفر محمولاً على السرير ميتاً مكشوف الوجه، وكان مات محرماً، قال: وبصرت برجلٍ أبصره على تلك الحال تمثل هذا البيت: من المتقارب
وافى القبور أبو مالكٍ ... برغم العداة وأوتارها
ومات أبو جعفر ببئر ميمون يوم السبت لسبع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وصلى عليه عيسى بن موسى بن محمد بن علي - ويقال: إبراهيم بن يحيى بن محمد، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً، ودفن مكشوف الوجه.
قال أبو شيخ: كنت حاجاً في سنة ثمان وخمسين - وقد حج فيها أبو جعفر - فلما قربنا من مكة رأيت كان رأسي قطع، فأخبرت بذاك عديلي سعيد بن خالد، فقال: الرأس أبو جعفر، ولا أراه إلا يموت، فما مكثنا إلا أياماً حتى مات أبو جعفر.
عبد الله بن محمد بن علي
ابن نفيل بن زراع بن عبد الله بن قيس أبو جعفر النفيلي الحراني روى عن محمد بن سلمة بسنده عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده أتاه بلال، فآذنه بالصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس ".
قال الخطيب في ولد بَصَر - بالباء المعجمة بواحدة -: أبو جعفر النفيلي المحدث، واسمه: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، بن زراع بن عبد الله ابن قيس بن عُصُم بن كوز بن هلال بن عصم بن بصر بن زِمّان.
وقال أبو علي التنوخي في نسب تنوخ: وبعض النساب يقول: نصْر - بالنون وبالصاد الساكنة.
قال أبو جعفر بن نفيل: قدم علينا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فسألني يحيى وهو يعانقني، فقال: يا أبا جعفر، قرأت على معقل بن عبيد الله، عن عطاء: " أدنى وقت الحائض يوم "؟ فقال: له أبو عبد الله: لو جلست! فقال: أكره أن يموت، أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه.
ثم قال: حدثك نضر بن عربي، عن عكرمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرش له في قبره قطيفة بيضاء بعلبكية؟ وذكر أبو عبد الله أبا جعفر النفيلي فأثنى عليه خيراً، وقال: كان يجيء معي إلى مسكين بن بكير.
قال صالح بن علي النفيلي:
سألت النفيلي عن تفضيل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجرى بيني وبينه كلام - فقلت: يا أبا جعفر، فأنا أريد أن أجعلك حجةً بيني وبين الله عز وجل قال: ومن أنا؟ قلت: لم أرَ مثلك، قال: يا بن أخي، فإنا نقول: خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. قلت: يا أبا جعفر، إن أحمد بن حنبل، ويعقوب ابن كعب يقولان: عثمان، ويقفان عن علي، قال: أخطآ جميعاً؛ أدركت الناس وأهل السنة والجماعة على هذا.
وقال أبو جعفر النفيلي: من شرب مسكراً فقد شرب خمراً، ولو أن رجلاً حلف بالطلاق لا يشرب خمراً، فشرب نبيذاً مسكراً، فإن كانت له نية في خمر العنب فهو ونيته، وأن لم يكن له نية قلت له: اعتزل امرأتك.
وقال: المسكر حرام، المسكر حرام.
مات أبو جعفر النفيلي سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين.
وثقه النسائي والدارقطني.
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو جعفر المنصور بويع له بالخلافة بعد أخيه أبي العباس السفاح، وأمه أم ولد بربرية اسمها سلامة.
روى عن أبيه عن جده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه.
كان المنصور حاجاً في وقت وفاة السفاح، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوماً، وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور، وكان مولده بالحُميمة سنة خمسٍ وتسعين.
وصفه علي بن ميسرة الرازي فقال: رأيت سنة خمسٍ وعشرين أبا جعفر المنصور بمكة فتىً أسمر رقيق السمرة، موفر اللمة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف، بيّن القنى، أعين، كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملوك بزي النساك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه، والعتق في صورته، واللب في مشيته.
خرج أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس سنة أربع وخمسين، واستقرى الجزيرة وأجناد الشام مدينةً مدينةً، ودخل دمشق مرتين.
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومن المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمةً من دمٍ، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً ".
عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فذكرنا المهدي، وكان منضجعاً فاستوى جالساً، فقال: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ".
قالت سلامة أم أمير المؤمنين المنصور: لما حملت بأبي جعفر رأيت كان أسداً خرج من فرجي، فأقعى وزأر وضرب بذنبه، فرأيت الأُسد تقبل من كل ناحية إليه، فكلما انتهى إليه أسد منها سجد له.
حدث أبو سهل بن علي بن نوبخت قال: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية، وكان في علم النجوم نهايةً، وكان محبوساً بسجن الأهواز، فقال: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن، فرأيت من هيبته وجلالته، وسيماه وحسن وجهه وبنائه ما لم أرَ لأحدٍ قط، قال: فصرت من موضعي إليه، فقلت: يا سيدي، ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد! فقال: أجل يا مجوسي، قلت: فمن أي بلادٍ أنت؟ فقال: من أهل المدينة، فقلت: أي مدينةٍ؟ فقال: من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة؟ قال: لا، ولكني من عرب المدينة، قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته؟ فقال: كنيتي أبو جعفر، فقلت: أبشر فوحق المجوسية لتملكن جميع
ما في هذه البلدة حتى تملك فارس، وخراسان، والجبال، فقال لي: وما يدريك يا مجوسي؟ قلت: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى، فقال: إن قضي شيء فسوف يكون، قال: قلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفساً، وطلبت دواةً، فوجدتها فكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم: يا نوبخت، إذا فتح الله على المسلمين، وكفاهم مؤونة الظالمين، ورد الحق إلى أهله لم نُغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا.
قال نوبخت: فلما ولي الخلافة صرت إليه، فأخرجت الكتاب، فقال: أنا له ذاكر، ولك متوقع، فالحمد لله الذي صدق وعده، وحقق الظن، ورد الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت، فكان منجّماً لأبي جعفر.
عن الربيع بن حظيان قال: كنت مع أبي جعفر المنصور في مسجد دمشق عند المقصورة أيام مروان بن محمد، فقال لي: يا ربيع، ترى لهذا الأمر من فرج؟ ثم تذاكرنا الأمر، فقلت: من ترى لهذا الأمر؟ فقال: ما أعرف له أحداً إلا عبد الله بن حسن بن حسن، فقلت: ما هو لها بأهلٍ، لا في فضله، ولا في عقله، قال: لا تقل ذاك يغفر الله لك، إن له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابةً قريبة، فقال لي: فأنت من ترى لها؟ فقلت له: أنت؟ ووالله الذي لا إله غيره ما علمت يومئذٍ أحداً أحق بها منه. قال: فلما ولي الخلافة أرسل إليّ، فدخلت عليه فقال لي: يا ربيع الحديث الذي كان بيني وبينك بدمشق تحفظه؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله يا ربيع لو نازعني فيها أحد من الناس لضربت ما بين عينيه بالسيف، قال: ثم لم يزل يحادثني ويذاكرني أمر عبد الله بن حسن، وقال: قد وليتك دار الضرب بدمشق، فاخرج إليها.
واستخلف أبو جعفر المنصور - وهو عبد الله الأكبر، ويقال له: عبد الله الطويل الأكبر - يوم توفي العباس بالأنبار، وأبو جعفر يومئذٍ بمكة في الحج، وأنفذ إليه الخبر بذلك، فلقيه الرسول في منصرفه من الحج بمنزلٍ يقال له: صُفَينة، من ناحية طريق
الجادة، فتفاءل باسم المنزل، وقال: صفت لنا - إن شاء الله - وأغذ السير، ثم قدم الأنبار، وهي يومئذٍ دار الملك، فاستقبل بخلافته المحرم من سنة سبع وثلاثين، فكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً تنقص أياماً، وتوفي بأكناف مكة وهو محرم، وكان يلقب في أيام أبيه مدرك الترات.
ويحكى أن أبا جعفر المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة، فبينا هو يدخل منزلاً من المنازل قبض عليه صاحب الرصد، فقال: زن درهمين، قال: خل عني؛ فإني من بني أعمام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: زن درهمين، قال: خل عني، فإني رجل قارئ لكتاب الله، قال: زن درهمين، قال: خل عني فإني رجل عالم بالفقه والفرائض، قال: زن درهمين، قال: فلم أعياه أمرُه وزن الدرهمين، ولزم جمع المال، والتدنيق فيه، فبقي على ذلك بُرهةً من زمانه إلى أن قلد الخلافة، وبقي عليه فصار الناس يبخلونه، فلقب بأبي الدوانيق.
عن الأصمعي قال: قالت أعرابية للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس: أعظم الله أجرك في أخيك، لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم من خلافتك.
قال المنصور: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا.
عن مالك بن أنس قال: دخلت على أبي جعفر الخليفة فقال: من أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فهجم عليّ أمر لم أعلم رأيه، قال: قلت: أبو بكر، وعمر، قال: أصبت، وذلك رأي أمير المؤمنين.
وأقام الحج أبو جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة، وسنة أربعين ومائة، وسنة أربع وأربعين ومائة، وسنة سبع وأربعين ومائة، وسنة اثنتين وخمسين ومائة.
عن إسماعيل الفهري قال: سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه بمشيئته، أقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله تعالى عليه قفلاً إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني، فارغبوا إلى الله تعالى، أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً " أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم، فإنه سميع مجيب.
عن الأصمعي قال: صعد أبو جعفر المنصور المنبر، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر من أنت في ذكره! فقال أبو جعفر: مرحباً، مرحباً، لقد ذكرت جليلاً، وخوفت عظيماً، وأعوذ بالله من أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها، فأحلف بالله ما الله أردت بها، وإنما أردت أن يقال: قام، فقال: فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، وإياكم - معشر الناس - وأمثالها.
قال أبو الفضل الربعي: حدثني أبي قال: بينما المنصور ذات يومٍ يخطب، وقد علا بكاؤه، إذ قام رجل فقال: يا وصاف،
تأمر بما تحتقبه، وتنهى عما تركبه؟ بنفسك فابدأ، ثم بالناس. فنظر إليه المنصور وتأمله ملياً، وقطع الخطبة، ثم قال: يا عبد الجبار خذه إليك، فأخذه عبد الجبار، وعاد إلى خطبته حتى أتمها، وقضى الصلاة، ثم دخل ودعا بعبد الجبار، فقال له: ما فعل الرجل؟ قال: محبوس عندنا يا أمير المؤمنين، قال: أملٍ عليه ثم عرض له بالدنيا، فإن صدف عنها، وقلاها فلعمري إنه لمريد، وإن كان كلامه ليقع موقعاً حسناً، وإن مال إلى الدنيا، ورغب فيها إن لي فيه أدباً يزعه عن الوثوب على الخلفاء، وطلب الدنيا بعمل الآخرة.
فخرج عبد الجبار، فدعا بالرجل، وقد دعا بغدائه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: حق لله كان في عنقي، فأديته إلى خليفته، قال: ادن فكل من هذا الطعام حتى يدعو بك أمير المؤمنين، قال: لا حاجة لي فيها، قال: وما عليك من أكل الطعام؟ إن كانت نيتك حسنةً فلا يفثؤك عنها شيء، فدنا، فأكل فلما أكل طمع فيه، فتركه أياماً، ثم دعاه فقال: لَهِيَ عنك أمير المؤمنين وأنت محبوس، فهل لك في جارية تؤنسك، وتسكن إليها؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه جاريةً، ثم أرسل إليه: هذا الطعام قد أكلت، والجارية قد قبلت، فهل لك في ثيابٍ تكتسيها، وتكسو عيالك - إن كان لك عيال - ونفقة تستعين بها على أمرك إلى أن يدعو بك أمير المؤمنين؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه، ثم قال له: ما عليك أن تصنع خلة تبلغ بها الوسيلة من أمير المؤمنين إن أردت الوسيلة عنده، إذا ذكرك، قال: وما هي؟ قال: أوليك الحسبة والمظالم، فتكون أحد عماله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: ما أكره ذلك، فولاه الحسبة والمظالم، فلما انتهى شهر قال عبد الجبار للمنصور: الرجل الذي تكلم بما تكلم به، فأمرت بحبسه قد أكل من طعام أمير المؤمنين، ولبس من ثيابه، وعاث في نعمته، وصار أحد ولاته، وإن أحب أمير المؤمنين أن أدخله إليه في زي الشيعة فعلت. قال: فأدخله، فخرج عبد الجبار إلى الرجل، فقال: قد دعا بك أمير المؤمنين وقد
أعلمته أنك أحد عماله على المظالم والحسبة، فادخل عليه في الزي الذي يحب، فدخل، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك، ألست القائم بنا والواعظ لنا ومذكرنا بأيام الله على رؤوس الملأ؟ قال: نعم، قال: فكيف ملت عن مذهبك؟ قال: يا أمير المؤمنين فكرت في أمري فإذا أنا قد أخطأت فيما تكلمت به، ورأيتني مصيباً في مشاركة أمير المؤمنين في أمانته، فقال: هيهات أخطأت استك الحفرة! هبناك يوم أعلنت الكلام، وظننا أنك أردت الله به، فكففنا عنك! فلما تبين لنا أنك الدنيا أردت جعلناك عظةً لغيرك حتى لا يجترئ بعدك مجترئ على الخلافة، أخرجه يا عبد الجبار، فاضرب عنقه! فأخرجه فقتله.
قال أبو عبيد الله: سمعت المنصور أمير المؤمنين يقول لأمير المؤمنين المهدي: يا أبا عبد الله، إن الخليفة لا يصلحه إلى التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه.
وقال له: لا تبرمن أمراً حتى تفكر فيه؛ فإن فكرة العاقل مرآة تريه قبيحه وحسنه.
عن الأصمعي أن المنصور قال لابنه: أي بني ائتدم النعمة بالشكر، والمقدرة بالعفو، والطاعة بالتآلف والنصر بالتواضع والرحمة للناس.
عن المبارك بن فضالة قال: كنا عند أمير المؤمنين المنصور فدعا برجلٍ، ودعا بالسيف، فأخرج المبارك رأسه
في السماط، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما سمعه المنصور يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل عليه بوجهه يسمع منه، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة قام منادٍ من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله، فلا يقوم إلا من عفا " فقال المنصور: خلوا سبيله، ثم أقبل على جلسائه يخبرهم بعظيم جرمه، وما صنع.
حدث قطن بن معاوية الغلابي قال: كنت ممن سارع إلى إبراهيم، واجتهد معه؛ فلما قتل طلبني أبو جعفر، واستخفيت فقبض أموالي ودوري، فلحقت بالبادية، فجاورت في بني نصر بن معاوية، ثم في بني كلاب، ثم في بني فزارة، ثم في بني سليم، ثم تنقلت في بلاد قيس أجاورهم حتى ضقت ذرعاً، فأزمعت على القدوم على أبي جعفر، والاعتراف له؛ فقدمت البصرة فنزلت في طرفٍ منها، ثم أرسلت إلى أبي عمرو بن العلاء، وكان لي وداً، فشاورته في الذي أزمعت عليه، فقيَّل رأيي، وقال: والله إذا ليقتلنك، وإنك لتعين على نفسك، فلم ألتفت إليه، وشخصت حتى قدمت بغداد، وقد بنى أبو جعفر مدينته، ونزلها، وليس من الناس أحد يركب فيها ما خلا المهدي، فنزلت الخان، ثم قلت لغلماني: أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين، فأمهلوا ثلاثاً، فإن جئتكم وإلا فانصرفوا.
ومضيت حتى دخلت المدينة، فجئت دار الربيع، والناس ينتظرونه وهو يومئذٍ داخل المدينة في الشارعة على قصر الذهب، فلم ألبث أن خرج يمشي، فقام إليه الناس، وقمت معهم، فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت؟ قلت: قطن بن معاوية، قال: انظر ما تقول! قلت: أنا هو. فأقبل على مسودةٍ معه، فقال: احتفظوا بهذا. قال: فلما حرست لحقتني ندامةً، وتذكرت رأي أبي عمرو، فتأسفت عليه، ودخل الربيع، فلم يطل حتى خرج خصيّ فأخذ بيدي فأدخلني قصر الذهب، ثم أتى بيتاً حصيناً فأدخلني فيه، ثم أغلق بابه وانطلق فاشتدت ندامتي، وأيقنت بالبلاء،
وخلوت بنفسي ألومها، فلما كانت الظهر أتاني الخصي بماءٍ، فتوضأت وصليت وأتاني بطعامٍ، فأخبرته أني صائم، فلما كانت المغرب أتاني بماءٍ، فتوضأت وصليت، وأرخى الليل علي سدوله، فيئست من الحياة، وسمعت أبواب المدينة تغلق، وأقفالها تشدد، فامتنع مني النوم، فلما ذهب صدر الليل أتاني الخصي، ففتح عني، ومضى بي فأدخلني صحن دارٍ ثم أدناني من سترٍ مسدولٍ، فخرج علينا خادم، فأدخلنا، فإذا أبو جعفر وحده والربيع قائم في ناحيةٍ، فأكب أبو جعفر هنيهةً مطرقاً، ثم رفع رأسه فقال: هيه! قلت: يا أمير المؤمنين أنا قطن ابن معاوية، قد والله جهدت عليك جهدي؛ فعصيت أمرك، وواليت عدوك، وحرصت على أن أسلبك ملكك؛ فإن عفوت فأهل ذاك أنت، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني، قال: فسكت هنيهةً، ثم قال: هيه!؟ فأعدت مقالتي، فقال: فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك.
وكتب إلى عامله على البصرة برد جميع ما اصطفى له.
قال الأصمعي: أُتي المنصور برجلٍ يعاقبه على شيءٍ بلغه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين، فعفا عنه.
ولقي أبو جعفر المنصور أعرابياً بالشام فقال: احمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا - أهل البيت - قال: إن الله لم يجمع علينا حشفاً وسوء كيلٍ؛ ولايتكم والطاعون!.
قال عباد بن كثير لسفيان الثوري: قلت لأبي جعفر المنصور: أتؤمن بالله!؟ قال: نعم، قلت: فحدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من أموال بني أمية، فوالله لئن كانت صارت إليهم ظلماً وغصباً لما رددتموها إلى أهلها الذين ظلموا وغُصبوا؟! ولئن كانت الأموال لهم لقد أخذتم ما لا يحل، ولا يطيب، إذا دعيت يوم القيامة بنو أمية بالعدل جاؤوا بعمر بن عبد العزيز، فإذا دعيتم أنتم بالعدل وأنتم أمس رحماً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تجيئوا بأحدٍ، فكن أنت ذاك الأحد؛ فقد مضت خلافتك ست عشرة سنةً، وما رأينا خليفةً قبلك بلغ اثنتين وعشرين سنةً، فهبك تبلغها، فما ست سنين تعدل فيها؟! عن النضر بن زرارة قال: أدخل سفيان الثوري على أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين، فأقبل عليه أبو جعفرٍ يوبخه، فقال: تُبغِضنا، وتبغض هذه الدعوة، وتُبغِض عِترة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وسفيان ساكت يقول: سَلْم، سلم. قال: فلما قضى أبو جعفر كلامه، قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد " إلى قوله: " إن ربك لبالمرصاد " قال: ونكس أبو جعفرٍ رأسه، وجعل ينكت بقضيبٍ في يده الأرض، فقال سفيان: البول البول، قال: قم، قال: فخرج وأبو جعفر ينظر إليه.
عن بكر العابد قال: قال سفيان الثوري لأبي جعفر المنصور.
إني لأعلم رجلاً إن صلح صلحت الأمة، قال: ومن هو؟ قال: أنت.
قال محمد بن منصور البغدادي: قام بعض الزهاد بين يدي المنصور، فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلةً، واذكر ليلةً تمخّض عن يومٍ لا ليلة بعده.
قال: فأفحم أبو جعفر من قوله، فقال الربيع: أيها الرجل، إنك قد عممت أمير المؤمنين! فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، هذا صحبك عشرين سنةً لم يرَ لك عليه أن ينصحك يوماً واحداً، ولا عمل وراء بابك بشيءٍ من كتاب الله تبارك وتعالى، ولا بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له المنصور بمالٍ، فقال: لو احتجت إلى مالك لما وعظتك.
عن عقبة بن هارون قال:
دخل عمرو بن عبيد على أبي جعفرٍ المنصور، وعنده المهدي، بعد أن بايع له ببغداد، فقال له: يا أبا عثمان، عظني، فقال: إن هذا الأمر الذي أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك، فأحذِّرك ليلةً تمخّض بيومٍ لا ليلة بعده.
عن إسحاق بن الفضل، قال: إني لعلى باب المنصور، وإلى جنبي عمارة بن حمزة إذا طلع عمرو بن عبيد على حماره، فنزل عن حماره، ونحى البساط برجله، وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة، فقال: لا تزال بصرتكم، قد رمتنا بأحمق! فما فصل كلامه من فيه حتى خرج الربيع وهو يقول: أبو عثمان عمرو بن عبيد، قال: فوالله ما دل على نفسه حتى أرشد إليه، فاتكأ بيده ثم قال: أجب أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، فمر متوكئاً عليه، فالتفت إلى عمارة، فقلت: إن الرجل الذي استحمقت قد دعي وتركنا! فقال: كثيراً ما يكون مثل هذا، فأطال اللبث، ثم خرج الربيع وعمرو متوكئاً عليه، وهو يقول: يا غلام، حمار أبو عثمان! فما برح حتى أقره على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه، واستودعه الله، فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلاً لو فعلتموه بوليِّ عهدكم لكنتم قد قضيتم حقه! قال: فما غاب عنك والله مما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب! قال: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا فقال: ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه، فما أمهل حتى أمر بمجلسٍ ففرش لبوداً، ثم
انتقل هو والمهدي، وعلى المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له، فلما دخل سلم عليه بالخلافة فرد عليه، وما زال يدنيه حتى أتكأه على فخذه، وتخفى به، ثم سأله عن نفسه، وعن عياله، يسميهم رجلاً رجلاً، وامرأةً امرأةً، ثم قال: يا أبا عثمان عظني، فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: " والفجر، وليالٍ عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر، ألم تر كيف فعل ربك بعادٍ، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك - يا أبا جعفر - لبالمرصاد " قال: فبكى بكاءً شديداً، كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة، ثم قال: يا أبا عثمان، هل من حاجة؟ قال: نعم، قال: وما هي؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك، قال: إذاً لا نلتقي، قال: عن حاجتي سألتني! قال: فاستخلفه الله عز وجل وودعه، ونهض، فلما ولى أمده بصره وهو يقول: مجزوء الكامل
كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيدْ
غير عمرو بن عبيد
عن عبد السلام بن حرب قال: قدم أبو جعفر المنصور البصرة، فنزل عند الجسر، فبعث إلى عمرو بن عبيد، فجاءه، فأمر له بمالٍ، فأبى أن يقبله، فقال المنصور: والله لتقبلنه، فقال: لا والله لا أقبله، فقال له المهدي: يحلف عليك أمير المؤمنين، فتحلف ألا تقبله! فقال: أمير المؤمنين أقوى على كفارة اليمين من عمك، فقال المنصور: يا أبا عثمان، علمت أني جعلت هذا ولي عهدي؟ قال: يا أمير المؤمنين يأتيه الأمر يوم يأتيه وأنت مشغول.
عن عبد الله بن صالح قال: كتب أبو جعفر إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي يخاصم فيها فلان القائد فلاناً التاجر، فادفعها إلى فلانٍ القائد.
فكتب إليه سوار: إن البينة قد قامت عندي أنها لفلانٍ التاجر، فلست أخرجها من يديه إلا ببينة. فكتب إليه أبو جعفر المنصور: والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى فلان القائد! فكتب إليه سوار: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد فلانٍ التاجر إلا بحق! فلما جاءه الكتاب قال أبو جعفر: ملأتها والله عدلاً، صار قضاتي يردوني إلى الحق.
قالوا: شُكي سوار بن عبد الله القاضي إلى أبي جعفر المنصور، وأُثني عليه عنده شراً، قال: فاستقدمه، فلما قدم دخل عليه، فعطس المنصور، فلم يشمته سوار، فقال: ما يمنعك من التشميت؟ قال: لأنك لم تحمد الله، فقال: حمدت في نفسي، قال: فقد شمتك في نفسي، فقال: ارجع إلى عملك، فإنك إذا لم تحابني لم تحاب غيري.
عن نمير المدني قال:
قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه، وأنا كاتبه، فاستعدى الجمالون على أمير المؤمنين في شيءٍ ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتاباً بالحضور معهم، وإنصافهم، فقلت: تعفيني من هذا، فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب! فكتبت، ثم ختمه، فقال: لا يمضي به والله غيرك، فمضيت به إلى الربيع وجعلت أعتذر إليه، فقال: لا عليك فدخل عليه بالكتاب، ثم خرج الربيع فقال للناس: - وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم - إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم، فلا أعلمن أحداً قام إليّ، إذا خرجت أو تدانى بالسلام، ثم خرج المسيب بين يديه، والربيع، وأنا خلفه، وهو في إزارٍ ورداء، فسلم على الناس، فما قام إليه أحد، ثم مضى حتى بدأ بالقبر، فسلم على
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى الربيع، فقال: يا ربيع، ويحك! أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه لي هيبة، فيتحول عن مجلسه، وبالله لئن فعل لا ولي ولايةً أبداً! فلما رآه وكان متكئاً أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به، ودعا بالخصوم والجمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، ثم ادعى عليه القوم، فقضى لهم عليه، فلما دخل الدار قال للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه، فقال: يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلا بعد أن فرغ من أمر الناس جميعاً، فلما دخل عليه سلم، فقال: جزاك الله عن دينك، وعن نبيك، وعن حسبك، وعن خليفتك أحسن الجزاء، قد أمرت لك بعشرة آلاف دينارٍ فاقبضها، وكانت عامة أموال محمد بن عمران من تلك الصلة.
قال المعلى بن أيوب: دخل رجل على المنصور، فقال له: ما مالك؟ فقال: ما يكف وجهي، ويعجز عن بر الصديق، فقال المنصور: لقد تلطف للسؤال، ووصله.
قال محمد بن يزيد المبرد: دخل أعرابي على المنصور، فكلمه بكلام أعجبه، فقال له المنصور: سل حاجتك، فقال: ما لي حاجة يا أمير المؤمنين، فأطال الله عمرك، وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك، قال: ويحك! سل حاجتك؛ فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت، قال: ولِمَ يا أمير المؤمنين وأنا لا أستقصر عمرك، ولا أغتنم مالك؟ وإن العرب لتعلم في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف، وما للشريف عنك منحرف، وإن عطاءك لزين، وما مسألتك بنقصٍ ولا شين، فتمثل المنصور بقول الأعشى: من البسيط
فجربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
ثم قال: يا غلام أعطه ألف دينار.
قال محمد بن حفص العجلي: ولد لأبي دلامة ابنة فغدا على أبي جعفر المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين، إنه ولد لي الليلة ابنة، قال: فما سميتها؟ قال: أم دلام، قال: وأي شيءٍ تريد؟ قال: أريد أن يعينني عليها أمير المؤمنين، ثم أنشده: من البسيط
لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلكم ... إلى السماء، فأنتم أكرم الناس
قال: فهل قلت فيها شيئاً؟ قال: نعم قلت: من الوافر
فما ولدتك مريم أم عيسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم
ولكن قد تضمك أم سوءٍ ... إلى لباتها وأن لئيم
قال: فضحك أبو جعفر ثم أخرج أبو دلامة خريطة من خرق، فقال: ما هذه؟ قال: يا أمير المؤمنين أجعل فيها ما تحبوني به، قال: املؤوها له دراهم، فوسعت ألفي درهم.
عن بعض الهاشميين قال: كنت جالساً عند المنصور بإرمينية، وهو أميرها لأخيه أبي العباس، وقد جلس للمظالم، فدخل عليه رجل، فقال: إن لي مظلمةً، وإني أسألك أن تسمع مني مثلاً أضربه قبل أن أذكر مظلمتي، قال: قل، قال: إني وجلت لله تبارك وتعالى؛ خلق الخلق
على طبقَاتٍ، فالصبي إذا خرج إلى الدنيا لا يعرف إلا أمه، ولا يطلب غيرها، فإذا فزع من شيءٍ لجأ إليها، ثم يرتفع عن ذلك طبقةً، فيعرف أن أباه أعز من أمه، فإن أفزعه شيء لجأ إلى أبيه، ثم يبلغ، ويستحكم، فإن أفزعه شيء لجأ إلى سلطانه، فإن ظلمه ظالم انتصر به، فإذا ظلمه السلطان لجأ إلى ربه، واستنصره، وقد كنت في هذه الطبقات وقد ظلمني ابن نهيك في ضيعةٍ لي في ولايته، فإن نصرتني عليه، وأخذت بمظلمتي وإلا استنصرت إلى الله عز وجل ولجأت إليه، فانظر لنفسك أيها الأمير، أو دع!
فتضاءل أبو جعفر، وقال: أعد علي الكلام؟ فأعاده، فقال: أما أول شيءٍ فقد عزلت ابن نهيك عن ناحيته، وأمر برد ضيعته.
قيل لأبي جعفر المنصور: هل بقي لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال: بقيت خصلة؛ أن أقعد في مصطبةٍ وحولي أصحاب الحديث، يقول المستملي: من ذكرت - رحمك الله -؟ قال: فغدا عليه الندماء، وأبناء الوزير بالمحابر والدفاتر فقال: لستم به، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم برد الآفاق ونقلة الحديث.
عن محمد بن سلام والزيادي قالا: اجتمع جماعة من أهل العلم عند المنصور فيهم عمرو بن عبيد، فسأل المنصور عمرو بن عبيد عن الحديث: " فيمن اقتنى كلباً لغير زرعٍ، ولا حراسة، إنه ينقص كل يومٍ من أجره قيراط " فقال له عمرو بن عبيد: هكذا جاء الحديث، قال المنصور: خذها بحقها؛ إنما قيل ذلك لأنه ينبح الضيف، ويروّع السائل، ثم أنشد: من الكامل
أعددت للضيفان كلباً ضارياً ... عندي، وفضل هراوةٍ من أرزن
ومعاذراً كذباً، ووجهاً باسراً ... وتشكياً عض الزمان الألزن
قال: فما بقي أحد في المجلس إلا كتب عن المنصور.
قال أبو العيناء: دخل المنصور من باب الذهب، فإذا ثلاثة قناديل مصطفة، فقال: ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافياً؟ يقتصر من هذا على واحدٍ، فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم من قبل أن يشبعوا، فقالوا: يا غلام، علي بالقهرمان، قال: ما لي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيتك قد قدرت الزيت فقدرت الطعام، قال: فقال: وأنت لا تفرق بين زيتٍ يحترق في غير ذات الله، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلاً! ابطحوه، فبطحوه فضربه سبع دررٍ.
عن الربيع الحاجب قال: لما مات المنصور قال لي المهدي: يا ربيع، قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين، قال: فدرنا فوقعنا على بيتٍ فيه أربعمائة حبٍّ مطينة الرؤوس، قال: فقلنا: ما هذه؟ قيل: هذه فيها أكباد مملحة، أعدها المنصور للحصار.
عن يونس قال: كتب زياد بن عبيد الله الحارثي إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه وأرزاقه، وأبلغ في كتابه فوقّع المنصور في القصة: إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجلٍ أبطراه، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك، فاكتف بالبلاغة.
قال المنصور: إذا مد إليك عدوك يده، فإن قدرت على قطعها وإلا قبلها.
عن محمد بن سلام قال: رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعاً، فقالت: خليفة وقميصه مرقوع؟! فقال: ويحك! أما سمعت ما قال ابن هرمة: من الكامل
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع
لما قتل المنصور أبا مسلم قال وهو طريح بين يديه: من الوافر
قد اكتنفتك خلات ثلاث ... جلبن عليك محتوم الحمام
خلافك وامتناعك من يميني ... وقودك للجماهير العظام
وله لما عزم على قتله: من الطويل
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ ... فإن فسادها الرأي أن تترددا
ولا تمهل الأعداء يوماً بقُدرةٍ ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا
قال الربيع الحاجب: حججت مع المنصور أبي جعفر، فلما كنا بالقادسية، قال لي: يا ربيع، إني مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، فناد في الناس، فناديت، فلما كان من الغد قال لي: يا ربيع، أجمت المنزل، فناد بالرحيل، فقلت: ناديت أمس أنك مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، وترحل الساعة!؟ قال: أجمت المنزل، فرحل، ورحل الناس، وقربت له ناقة ليركب، وجاؤوه بمجمرٍ ليتبخر، فقمت بين يديه، فقال: ما عندك؟ فقلت: رحل الناس، فأخذ فحمة من المجمر، فبلها بريقه، وقام إلى الحائط، فجعل يكتب على الحائط بريقه
حتى كتب أربعة أسطرٍ، ثم قال: اركب يا ربيع، فكان في نفسي هم لأعلم ما كتب، ثم حججنا، فكان من أمر وفاته ما كان، ثم رجعت من مكة، فبسط لي في الموضع الذي بسط له فيه في القادسية، فدخلت وفي نفسي أن أعلم ما كتب على الحائط، فإذا هو قد كتب على الحائط: مجزوء الكامل
المرء يأمل أن يعي ... ش وطول عمرٍ قد يضره
تبلى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حت ... ى لا يرى شيئاً يسره
كم شامتٍ بي إن هلك ... ت وقائلٍ لله دره
وقال: لما مرض أمير المؤمنين المنصور بالله مرضه الذي مات فيه بمكة أتيته يوماً وهو وحده، فنظر إلى القبلة، فرأى فيها كتاباً، فقرأه وقال: يا ربيع، قم بيني وبين القبلة، فإذا الكتابة في صدري، فقال: افتح الباب، فعاد الكتاب إلى القبلة، فقال: ظننت هذا من حيلة الآدميين، وإذا فيه: من الطويل
أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفرٍ هل كاهن أو منجمٍ ... لك اليوم من ريب المنية دافع
قال طيفور: كان سبب إحرام المنصور من خضراء مدينة السلام أنه نام ليلةً، فانتبه فزعاً، ثم عاود النوم، فانتبه فزعاً ثم راجع النوم، فانتبه فزعاً، فقال: يا ربيع، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: لقد رأيت في منامي عجباً، قال: ما رأيت، جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت كأن آتياً أتاني، فهينم بشيءٍ لم أفهمه، فانتبهت فزعاً، ثم عاودت النوم، فعاودني يقول ذلك الشيء، ثم عاودني يقوله، حتى فهمته، وحفظته، وهو: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد آهله ... وعري منه أهله ومنازله
وصار رئيس القوم من بعد بهجةٍ ... إلى جدثٍ تبنى عليه جنادله
وما أحسبني يا ربيع إلا قد حانت وفاتي، وحضر أجلي، ومالي غير ربي.
قال بعض أهل العلم: كان آخر ما تكلم به عند الموت أبو جعفر عبد الله بن محمد: اللهم بارك لي في لقائك، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله، وبه يؤمن.
قال فليح بن سليمان: قال لي أبو جعفر سنة حج، فمات فيها: ابن كم أنت؟ قلت: ابن ثلاثٍ وستين، قال: تلك سني، ثم قال: تدري ما كانت العرب تسميها؟ قلت: لا، قال: مدقة الأعناق، ثم مضى فمات فيها.
قال الحكم بن عثمان: قال المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين عند موته: اللهم إنك تعلم أني قد ارتكبت من الأمور العظام جرأةً مني عليك، وإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك، شهادة أن لا إله إلا الله مخلصاً، مناً منك لا مناً عليك، ثم خرجت نفسه.
عن هارون الفروي: حدثني من رأى أبا جعفر محمولاً على السرير ميتاً مكشوف الوجه، وكان مات محرماً، قال: وبصرت برجلٍ أبصره على تلك الحال تمثل هذا البيت: من المتقارب
وافى القبور أبو مالكٍ ... برغم العداة وأوتارها
ومات أبو جعفر ببئر ميمون يوم السبت لسبع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وصلى عليه عيسى بن موسى بن محمد بن علي - ويقال: إبراهيم بن يحيى بن محمد، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً، ودفن مكشوف الوجه.
قال أبو شيخ: كنت حاجاً في سنة ثمان وخمسين - وقد حج فيها أبو جعفر - فلما قربنا من مكة رأيت كان رأسي قطع، فأخبرت بذاك عديلي سعيد بن خالد، فقال: الرأس أبو جعفر، ولا أراه إلا يموت، فما مكثنا إلا أياماً حتى مات أبو جعفر.
عبد الله بن محمد بن علي
ابن نفيل بن زراع بن عبد الله بن قيس أبو جعفر النفيلي الحراني روى عن محمد بن سلمة بسنده عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده أتاه بلال، فآذنه بالصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس ".
قال الخطيب في ولد بَصَر - بالباء المعجمة بواحدة -: أبو جعفر النفيلي المحدث، واسمه: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، بن زراع بن عبد الله ابن قيس بن عُصُم بن كوز بن هلال بن عصم بن بصر بن زِمّان.
وقال أبو علي التنوخي في نسب تنوخ: وبعض النساب يقول: نصْر - بالنون وبالصاد الساكنة.
قال أبو جعفر بن نفيل: قدم علينا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فسألني يحيى وهو يعانقني، فقال: يا أبا جعفر، قرأت على معقل بن عبيد الله، عن عطاء: " أدنى وقت الحائض يوم "؟ فقال: له أبو عبد الله: لو جلست! فقال: أكره أن يموت، أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه.
ثم قال: حدثك نضر بن عربي، عن عكرمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرش له في قبره قطيفة بيضاء بعلبكية؟ وذكر أبو عبد الله أبا جعفر النفيلي فأثنى عليه خيراً، وقال: كان يجيء معي إلى مسكين بن بكير.
قال صالح بن علي النفيلي:
سألت النفيلي عن تفضيل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجرى بيني وبينه كلام - فقلت: يا أبا جعفر، فأنا أريد أن أجعلك حجةً بيني وبين الله عز وجل قال: ومن أنا؟ قلت: لم أرَ مثلك، قال: يا بن أخي، فإنا نقول: خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. قلت: يا أبا جعفر، إن أحمد بن حنبل، ويعقوب ابن كعب يقولان: عثمان، ويقفان عن علي، قال: أخطآ جميعاً؛ أدركت الناس وأهل السنة والجماعة على هذا.
وقال أبو جعفر النفيلي: من شرب مسكراً فقد شرب خمراً، ولو أن رجلاً حلف بالطلاق لا يشرب خمراً، فشرب نبيذاً مسكراً، فإن كانت له نية في خمر العنب فهو ونيته، وأن لم يكن له نية قلت له: اعتزل امرأتك.
وقال: المسكر حرام، المسكر حرام.
مات أبو جعفر النفيلي سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين.
وثقه النسائي والدارقطني.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155414&book=5564#e83f26
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ
عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ.
السَّيِّدُ، العَالِمُ، أَبُو جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الحَبَشِيُّ المَوْلِدِ، المَدَنِيُّ الدَّارِ، الجَوَادُ ابْنُ الجَوَادِ ذِي الجَنَاحَيْنِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَكَفِلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشَأَ فِي حَجْرِهِ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَمِّهِ؛ عَلِيٍّ، وَعَنْ أُمِّهِ؛ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَعَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى عَبْدِ المَلِكِ.
وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، كَرِيْماً، جَوَاداً، يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ.
مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَداً، فَدَخَلَ حَائِطاً، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.
ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَمَلَةَ، قَالَ:
وَفَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَي أَلْفٍ.
قُلْتُ: مَا ذَاكَ بِكِثِيْرٍ، جَائِزَةُ مَلِكِ الدُّنْيَا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْهُ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هَاجَرَ جَعْفَرٌ إِلَى الحَبَشَةِ؛ فَوَلَدَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: عَبْدَ اللهِ، وَعَوْناً، وَمُحَمَّداً.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ بَايَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا ابْنَا سَبْعِ سِنِيْنَ.
فَلَمَّا رَآهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ، وَبَسَطَ يَدَهُ، وَبَايَعَهُمَا.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ جَعْفَرٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُم بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُم بِقَتْلِ جَعْفَرٍ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، فَقَالَ: (لاَ تَبْكُوا أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ) .
ثُمَّ قَالَ: (ائْتُوْنِي بِبَنِي أَخِي) .
فَجِيْءَ بِنَا كَأَنَّنَا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: (ادْعُوا لِيَ الحَلاَّقَ) .
فَأَمَرَهُ، فَحَلَقَ رُؤُوْسَنَا، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا مُحَمَّدٌ؛ فَشِبْهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ؛ فَشِبْهُ خَلْقِي وَخُلُقِي) .
ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَشَالَهَا، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَراً فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَتِهِ) .
قَالَ: فَجَاءتْ أُمُّنَا، فَذَكَرَتْ يُتْمَنَا، فَقَالَ: (العَيْلَةَ تَخَافِيْنَ عَلَيْهِم وَأَنَا وَلِيُّهُم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟) .
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ ) .
وَرَوَى أَيْضاً: لِعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ العِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، تُلُقِّيَ بِالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ مَرَّةً مِنْ سَفَرٍ، فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيْءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ.
فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ:
مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَلْعَبُ بِالتُّرَابِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ ) .
قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ.عَنْ أَبَانَ بنِ تَغْلِبَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ وِفَادَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، يُعْطِيهِ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَيَقْضِي لَهُ مائَةَ حَاجَةٍ.
قِيْلَ: إِنَّ أَعْرَابِيّاً قَصَدَ مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، فَعَلَيْكَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ.
فَأَتَى الأَعْرَابِيُّ عَبْدَ اللهِ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ ... صَلاَتُهُمُ لِلْمُسْلِمِيْنَ طُهُوْرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! ضَنَّ الأَمِيْرُ بِمَالِهِ ... وَأَنْتَ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ أَمِيْرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! يَا ابْنَ الشَّهِيْدِ الَّذِي لَهُ ... جَنَاحَانِ فِي أَعْلَى الجِنَانِ يَطِيرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! مَا مِثْلُكَ اليَوْمَ أَرْتَجِي ... فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالفَلاَةِ أَدُوْرُ
فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ! سَارَ الثَّقَلُ، فَعَلَيْك بِالرَّاحِلَةِ بِمَا عَلَيْهَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنِ السَّيْفِ، فَإِنِّي أَخَذْتُهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَيُرْوَى: أَنَّ شَاعِراً جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، فَأَنْشَدَهُ:
رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ فِي المَنَامِ ... كَسَانِي مِنُ الخَزِّ دُرَّاعَهْ
شَكَوْتُ إِلَى صَاحِبِي أَمْرَهَا ... فَقَالَ: سَتُوْتَى بِهَا السَّاعَهْ
سَيَكْسُوْكَهَا المَاجِدُ الجَعْفَرِيُّ ... وَمَنْ كَفُّهُ الدَّهْرَ نَفَّاعَهْ
وَمَنْ قَالَ لِلْجُودِ: لاَ تَعْدُنِي ... فَقَالَ لَهُ: السَّمْعُ وَالطَّاعَهْ
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِغُلاَمِهِ: أَعْطِهِ جُبَّتِي الخَزَّ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ لَمْ تَرَ جُبَّتِي الوَشْيَ؟ اشْتَرَيْتُهَا بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ.
فَقَالَ: أَنَامُ،
فَلَعَلَّي أَرَاهَا.فَضَحِكَ عَبْدُ اللهِ، وَقَالَ: ادْفَعُوْهَا إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَلَى قُرَيْشٍ وَأَسَدٍ وَكِنَانَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ.
حَمَّادُ بنُ يَزِيْدَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
مَرَّ عُثْمَانُ بِسَبْخَةٍ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟
فَقِيْلَ: اشْتَرَاهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ بِسِتِّيْنَ أَلْفاً.
فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِنَعْلٍ.
فَجَزَّأَهَا عَبْدُ اللهِ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ؛ وَأَلْقَى فِيْهَا العُمَّالَ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: أَلاَ تَأْخُذُ عَلَى يَدَيِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَتَحْجُرُ عَلَيْهِ؟ اشْتَرَى سَبْخَةً بِسِتِّيْنَ أَلْفاً.
قَالَ: فَأَقبَلْتُ.
فَرَكِبَ عُثْمَانُ يَوْماً، فَرَآهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَلِّنِي جُزْأَيْنِ مِنْهَا.
قَالَ: أَمَا وَاللهِ دُوْنَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيَّ مَنْ سَفَّهْتَنِي عِنْدَهُم، فَيَطْلُبُوْنَ إِلَيَّ ذَلِكَ، فَلاَ أَفْعَلُ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ.
قَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْقُصُكَ جُزْأَيْنِ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا.
وَعَنِ العُمَرِيِّ: أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ أَسْلَفَ الزُّبَيْرَ أَلْفَ أَلْفٍ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لابْنِ جَعْفَرٍ: إِنِّيْ وَجَدْتُ فِي كُتُبِ الزُّبَيْرِ أَنَّ لَهُ عَلَيْكَ أَلْفَ أَلْفٍ.
قَالَ: هُوَ صَادِقٌ.
ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! وَهِمْتُ؛ المَالُ لَكَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَهُوَ لَهُ.
قَالَ: لاَ أُرِيْدُ ذَلِكَ.
عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ بِدَجَاجَةٍ مَسْمُوطَةٍ، فَقَالَتْ لابْنِ جَعْفَرٍ:بِأَبِي أَنْتَ! هَذِهِ الدَّجَاجَةُ كَانَتْ مِثْل بِنْتِي، فَآلَيْتُ أَنْ لاَ أَدْفِنَهَا إِلاَّ فِي أَكْرَمِ مَوْضِعٍ أَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَلاَ وَاللهِ مَا فِي الأَرْضِ أَكْرَمُ مِنْ بَطْنِكَ.
قَالَ: خُذُوهَا مِنْهَا، وَاحْمِلُوا إِلَيْهَا.
فَذَكَرَ أَنْوَاعاً مِنَ العَطَاءِ، حَتَّى قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ! إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِيْنَ.
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَجُلاً جَلَبَ سُكَّراً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَكَسَدَ، فَبَلَغَ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَأَمَرَ قَهْرَمَانَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَأَنْ يُنْهِبَهُ النَّاسَ.
ذَكَرَ: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَقِيهُ أَهْلِ الحِجَازِ عَلَى نَخَّاسٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ جَارِيَةً، فَعَلِقَ بِهَا، وَأَخَذَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا، فَمَشَى إِلَيْهِ عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، يَعْذُلُوْنَهُ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُ عَبْدَ اللهِ، فَاشْتَرَاهَا بِأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَزَيَّنَهَا، وَحَلاَّهَا، ثُمَّ طَلَبَ ابْنَ أَبِي عَمَّارٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ حُبُّكَ فُلاَنَةً؟
قَالَ: هِيَ الَّتِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِهَا، وَالنَّفْسُ مَشْغُولَةٌ بِهَا.
فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، أَخْرِجِيهَا.
فَأَخْرَجَتْهَا تَرْفُلُ فِي الحُلِيِّ وَالحُلَلِ، فَقَالَ: شَأْنُكَ بِهَا، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْهَا.
فَقَالَ: لَقَدْ تَفَضَّلتَ بِشَيْءٍ مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ إِلاَّ اللهُ.
فَلَمَّا وَلَّى بِهَا، قَالَ: يَا غُلاَمُ! احْمِلْ مَعَهُ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: لَئِنْ -وَاللهِ - وُعِدْنَا نَعِيْمَ الآخِرَةِ، فَقَدْ عَجَّلْتَ نَعِيْمَ الدُّنْيَا.
وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ أَخْبَارٌ فِي الجُوْدِ وَالبَذْلِ.
وَكَانَ وَافِرَ الحِشْمَةِ، كَثِيْرَ التَّنَعُّمِ، وَمِمَّنْ يَسْتَمِعُ الغِنَاءَ.قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَيُقَالُ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ.
عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ.
السَّيِّدُ، العَالِمُ، أَبُو جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الحَبَشِيُّ المَوْلِدِ، المَدَنِيُّ الدَّارِ، الجَوَادُ ابْنُ الجَوَادِ ذِي الجَنَاحَيْنِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَكَفِلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشَأَ فِي حَجْرِهِ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَمِّهِ؛ عَلِيٍّ، وَعَنْ أُمِّهِ؛ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَعَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى عَبْدِ المَلِكِ.
وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، كَرِيْماً، جَوَاداً، يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ.
مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَداً، فَدَخَلَ حَائِطاً، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.
ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَمَلَةَ، قَالَ:
وَفَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَي أَلْفٍ.
قُلْتُ: مَا ذَاكَ بِكِثِيْرٍ، جَائِزَةُ مَلِكِ الدُّنْيَا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْهُ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هَاجَرَ جَعْفَرٌ إِلَى الحَبَشَةِ؛ فَوَلَدَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: عَبْدَ اللهِ، وَعَوْناً، وَمُحَمَّداً.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ بَايَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا ابْنَا سَبْعِ سِنِيْنَ.
فَلَمَّا رَآهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ، وَبَسَطَ يَدَهُ، وَبَايَعَهُمَا.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ جَعْفَرٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُم بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُم بِقَتْلِ جَعْفَرٍ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، فَقَالَ: (لاَ تَبْكُوا أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ) .
ثُمَّ قَالَ: (ائْتُوْنِي بِبَنِي أَخِي) .
فَجِيْءَ بِنَا كَأَنَّنَا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: (ادْعُوا لِيَ الحَلاَّقَ) .
فَأَمَرَهُ، فَحَلَقَ رُؤُوْسَنَا، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا مُحَمَّدٌ؛ فَشِبْهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ؛ فَشِبْهُ خَلْقِي وَخُلُقِي) .
ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَشَالَهَا، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَراً فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَتِهِ) .
قَالَ: فَجَاءتْ أُمُّنَا، فَذَكَرَتْ يُتْمَنَا، فَقَالَ: (العَيْلَةَ تَخَافِيْنَ عَلَيْهِم وَأَنَا وَلِيُّهُم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟) .
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ ) .
وَرَوَى أَيْضاً: لِعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ العِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، تُلُقِّيَ بِالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ مَرَّةً مِنْ سَفَرٍ، فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيْءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ.
فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ:
مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَلْعَبُ بِالتُّرَابِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ ) .
قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ.عَنْ أَبَانَ بنِ تَغْلِبَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ وِفَادَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، يُعْطِيهِ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَيَقْضِي لَهُ مائَةَ حَاجَةٍ.
قِيْلَ: إِنَّ أَعْرَابِيّاً قَصَدَ مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، فَعَلَيْكَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ.
فَأَتَى الأَعْرَابِيُّ عَبْدَ اللهِ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ ... صَلاَتُهُمُ لِلْمُسْلِمِيْنَ طُهُوْرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! ضَنَّ الأَمِيْرُ بِمَالِهِ ... وَأَنْتَ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ أَمِيْرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! يَا ابْنَ الشَّهِيْدِ الَّذِي لَهُ ... جَنَاحَانِ فِي أَعْلَى الجِنَانِ يَطِيرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! مَا مِثْلُكَ اليَوْمَ أَرْتَجِي ... فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالفَلاَةِ أَدُوْرُ
فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ! سَارَ الثَّقَلُ، فَعَلَيْك بِالرَّاحِلَةِ بِمَا عَلَيْهَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنِ السَّيْفِ، فَإِنِّي أَخَذْتُهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَيُرْوَى: أَنَّ شَاعِراً جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، فَأَنْشَدَهُ:
رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ فِي المَنَامِ ... كَسَانِي مِنُ الخَزِّ دُرَّاعَهْ
شَكَوْتُ إِلَى صَاحِبِي أَمْرَهَا ... فَقَالَ: سَتُوْتَى بِهَا السَّاعَهْ
سَيَكْسُوْكَهَا المَاجِدُ الجَعْفَرِيُّ ... وَمَنْ كَفُّهُ الدَّهْرَ نَفَّاعَهْ
وَمَنْ قَالَ لِلْجُودِ: لاَ تَعْدُنِي ... فَقَالَ لَهُ: السَّمْعُ وَالطَّاعَهْ
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِغُلاَمِهِ: أَعْطِهِ جُبَّتِي الخَزَّ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ لَمْ تَرَ جُبَّتِي الوَشْيَ؟ اشْتَرَيْتُهَا بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ.
فَقَالَ: أَنَامُ،
فَلَعَلَّي أَرَاهَا.فَضَحِكَ عَبْدُ اللهِ، وَقَالَ: ادْفَعُوْهَا إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَلَى قُرَيْشٍ وَأَسَدٍ وَكِنَانَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ.
حَمَّادُ بنُ يَزِيْدَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
مَرَّ عُثْمَانُ بِسَبْخَةٍ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟
فَقِيْلَ: اشْتَرَاهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ بِسِتِّيْنَ أَلْفاً.
فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِنَعْلٍ.
فَجَزَّأَهَا عَبْدُ اللهِ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ؛ وَأَلْقَى فِيْهَا العُمَّالَ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: أَلاَ تَأْخُذُ عَلَى يَدَيِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَتَحْجُرُ عَلَيْهِ؟ اشْتَرَى سَبْخَةً بِسِتِّيْنَ أَلْفاً.
قَالَ: فَأَقبَلْتُ.
فَرَكِبَ عُثْمَانُ يَوْماً، فَرَآهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَلِّنِي جُزْأَيْنِ مِنْهَا.
قَالَ: أَمَا وَاللهِ دُوْنَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيَّ مَنْ سَفَّهْتَنِي عِنْدَهُم، فَيَطْلُبُوْنَ إِلَيَّ ذَلِكَ، فَلاَ أَفْعَلُ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ.
قَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْقُصُكَ جُزْأَيْنِ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا.
وَعَنِ العُمَرِيِّ: أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ أَسْلَفَ الزُّبَيْرَ أَلْفَ أَلْفٍ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لابْنِ جَعْفَرٍ: إِنِّيْ وَجَدْتُ فِي كُتُبِ الزُّبَيْرِ أَنَّ لَهُ عَلَيْكَ أَلْفَ أَلْفٍ.
قَالَ: هُوَ صَادِقٌ.
ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! وَهِمْتُ؛ المَالُ لَكَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَهُوَ لَهُ.
قَالَ: لاَ أُرِيْدُ ذَلِكَ.
عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ بِدَجَاجَةٍ مَسْمُوطَةٍ، فَقَالَتْ لابْنِ جَعْفَرٍ:بِأَبِي أَنْتَ! هَذِهِ الدَّجَاجَةُ كَانَتْ مِثْل بِنْتِي، فَآلَيْتُ أَنْ لاَ أَدْفِنَهَا إِلاَّ فِي أَكْرَمِ مَوْضِعٍ أَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَلاَ وَاللهِ مَا فِي الأَرْضِ أَكْرَمُ مِنْ بَطْنِكَ.
قَالَ: خُذُوهَا مِنْهَا، وَاحْمِلُوا إِلَيْهَا.
فَذَكَرَ أَنْوَاعاً مِنَ العَطَاءِ، حَتَّى قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ! إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِيْنَ.
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَجُلاً جَلَبَ سُكَّراً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَكَسَدَ، فَبَلَغَ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَأَمَرَ قَهْرَمَانَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَأَنْ يُنْهِبَهُ النَّاسَ.
ذَكَرَ: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَقِيهُ أَهْلِ الحِجَازِ عَلَى نَخَّاسٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ جَارِيَةً، فَعَلِقَ بِهَا، وَأَخَذَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا، فَمَشَى إِلَيْهِ عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، يَعْذُلُوْنَهُ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُ عَبْدَ اللهِ، فَاشْتَرَاهَا بِأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَزَيَّنَهَا، وَحَلاَّهَا، ثُمَّ طَلَبَ ابْنَ أَبِي عَمَّارٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ حُبُّكَ فُلاَنَةً؟
قَالَ: هِيَ الَّتِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِهَا، وَالنَّفْسُ مَشْغُولَةٌ بِهَا.
فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، أَخْرِجِيهَا.
فَأَخْرَجَتْهَا تَرْفُلُ فِي الحُلِيِّ وَالحُلَلِ، فَقَالَ: شَأْنُكَ بِهَا، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْهَا.
فَقَالَ: لَقَدْ تَفَضَّلتَ بِشَيْءٍ مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ إِلاَّ اللهُ.
فَلَمَّا وَلَّى بِهَا، قَالَ: يَا غُلاَمُ! احْمِلْ مَعَهُ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: لَئِنْ -وَاللهِ - وُعِدْنَا نَعِيْمَ الآخِرَةِ، فَقَدْ عَجَّلْتَ نَعِيْمَ الدُّنْيَا.
وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ أَخْبَارٌ فِي الجُوْدِ وَالبَذْلِ.
وَكَانَ وَافِرَ الحِشْمَةِ، كَثِيْرَ التَّنَعُّمِ، وَمِمَّنْ يَسْتَمِعُ الغِنَاءَ.قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَيُقَالُ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93240&book=5564#a7d394
عبد الله بن جعفر بن أبى طالب كنيته أبو جعفر وأمه أسماء بنت عميس بن كعب
بن ربيعة الخثعمي ولدته بأرض الحبشة أول سنة من سنى الهجرة وكان يقال له قطب السخاء مات سنة ثمانين بالمدينة سنة سيل الجحاف الذي ذهب بالحاج من مكة وكان يصفر لحيته
بن ربيعة الخثعمي ولدته بأرض الحبشة أول سنة من سنى الهجرة وكان يقال له قطب السخاء مات سنة ثمانين بالمدينة سنة سيل الجحاف الذي ذهب بالحاج من مكة وكان يصفر لحيته
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93240&book=5564#fd633f
عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب واسْمه عبد منَاف بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف أَبُو جَعْفَر الْهَاشِمِي الْمدنِي وَأمه أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية أخرج البُخَارِيّ فِي الْأَطْعِمَة والأنبياء عَن عُرْوَة بن الزبير وَسعد بن إِبْرَاهِيم عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن عَمه عَليّ بن أبي طَالب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93240&book=5564#d56ae4
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب [الهاشمي - ] أبو جعفر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابناه إسماعيل ومعاوية وأبو جعفر محمد ابن علي بن حسين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وسعد بن إبراهيم الأكبر ومورق العجلي وعبد الله بن أبي مليكة وعبد الله بن شداد والحسن ابن سعد والشعبي وعباس بن سهل بن سعد الساعدي وخالد بن سارة سمعت أبي يقول بعض ذلك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93240&book=5564#e90a96
عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن أبي طَالب بْن عَبْد الْمطلب بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن قصي بْن كلاب بْن مرّة بْن كَعْب بْن لؤَي بْن غَالب بْن فهر بْن مَالك كنيته أَبُو جَعْفَر كَانَ يصفر لحيته وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ قطب السخاء مَاتَ سنة ثَمَانِينَ سنة سيل الجحاف الَّذِي ذهب بالحاج من مَكَّة وَكَانَت أَسمَاء بنت عُمَيْس بْن كَعْب بْن ربيعَة الْخَثْعَمِي وَلدته بِأَرْض الْحَبَشَة وَكَانَ يَوْم توفّي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بْن عشر سنة وَإِنَّمَا سميت تِلْكَ السّنة سيل الجحاف لِأَن فِي تِلْكَ السّنة أغار الجحاف على بني ثَعْلَب فَقيل سيل الجحاف
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93240&book=5564#0cb6cd
عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب واسْمه عبد منَاف ابْن عبد الْمطلب بن هَاشم أَبُو جَعْفَر الْهَاشِمِي الْمدنِي وَأمه أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية
سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحدث عَن عَمه عَلّي بن طَالب رَوَى عَنهُ عُرْوَة بن الزبير وَسعد بن إِبْرَاهِيم فِي الْأَطْعِمَة والأنبياء قَالَ الذهلي قَالَ ابْن بكير مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ إِنَّه عِنْد وَفَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغ الْعشْرين وَقَالَ ابْن نمير مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ أَبُو عِيسَى مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِي التَّارِيخ مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ ولد بِأَرْض الْحَبَشَة وَتُوفِّي فِي سنة تسعين وَهُوَ ابْن تسعين سنة
سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحدث عَن عَمه عَلّي بن طَالب رَوَى عَنهُ عُرْوَة بن الزبير وَسعد بن إِبْرَاهِيم فِي الْأَطْعِمَة والأنبياء قَالَ الذهلي قَالَ ابْن بكير مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ إِنَّه عِنْد وَفَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغ الْعشْرين وَقَالَ ابْن نمير مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ أَبُو عِيسَى مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِي التَّارِيخ مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ ولد بِأَرْض الْحَبَشَة وَتُوفِّي فِي سنة تسعين وَهُوَ ابْن تسعين سنة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93240&book=5564#fc4d74
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ، نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نا شَيْبَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَرْنِهِ بَعْدَ أَنْ سُمَّ»
حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ، نا جُبَارَةُ، نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مَسَاجِدَكُمْ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نا أَبِي، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ» حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ , نا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، نا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ، نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نا شَيْبَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَرْنِهِ بَعْدَ أَنْ سُمَّ»
حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ، نا جُبَارَةُ، نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مَسَاجِدَكُمْ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نا أَبِي، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ» حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ , نا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، نا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=120308&book=5564#329520
عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد المناف أَبُو مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْمدنِي ولقبه أهل الْبَصْرَة ((ببه)) تحول إِلَى الْبَصْرَة وَكَانَ واليا بهَا وَمَات بعمان عِنْد انْقِضَاء فتْنَة عبد الرَّحْمَن الْأَشْعَث كَانَ خرج إِلَيْهَا هَارِبا من الْحجَّاج قَالَه كَاتب الْوَاقِدِيّ حدث عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَوَى عَنهُ عبد الْملك بن عُمَيْر فِي الْأَدَب وَفِي قصَّة أبي طَالب وَقَالَ كَاتب الْوَاقِدِيّ ولد فِي زمن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الذهلي قَالَ يَحْيَى بن بكير مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي مثله وَقَالَ أَبُو عِيسَى مثله
وَقَالَ الذهلي قَالَ يَحْيَى بن بكير مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي مثله وَقَالَ أَبُو عِيسَى مثله
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=120308&book=5564#41bcc4
عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف، ويكنى: أبا مُحَمَّد، ويلقب بَبَّه :
وأمه: هند بنت أَبِي سفيان صخر بْن حرب بْن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف.
وقد صحب عَبْد اللَّهِ بْن الحارث عُمَر بْن الخطاب، وروى عنه وعن عثمان بْن عفان أيضا، وكان من أفاضل المسلمين، تحول إِلَى البصرة فسكنها وبنى بها دارا، ولما كان أيام مسعود بن عمرو وخرج عبيد الله بْن زياد عَنِ البصرة واختلف الناس بينهم، أجمعوا أمرهم فولوا عَبْد اللَّهِ بْن الحارث صلاتهم وفيئهم، وكتبوا بذلك إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزبير. وقالوا: إنا قد رضينا به، فأقره ابْن الزبير على البصرة، فلم يزل عاملا عليها سنة ثم عزله، وخرج عَبْد اللَّهِ بْن الحارث إِلَى عمان فمات بها.
أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْن الفضل القطان قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: نا يعقوب بْن سفيان قَالَ: حَدَّثَنِي خلاد بْن أسلم قال: نا النّضر بن شميل قال: نبأنا الرّبيع بن مسلم قال: نبأنا عمرو بْن دينار، قَالَ: قدم عَبْد اللَّهِ بْن الحارث حاجا، فأتى ابْن عُمَر فسلم والقوم جلوس فلم يره بش به كما كان يفعل، فقال: يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أما تعرفني؟ قَالَ: بلى ألست بَبَّه؟ قَالَ: فشق ذلك عليه وضحك القوم، ففطن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، فقال: إن الذي قلت لا بأس به، ليس يعيب الرجل. إنما كان غلاما خادرا، وكانت أمه تنزيه أو تنبزه تقول:
لأنكحن ببه
... جارية خدبّة
[مكرمة محبّه
... تحب أهل الكعبة ]
قَالَ يعقوب: وهذا عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب الهاشمي، كان بقي أهل البصرة بعد موت يزيد بْن معاوية بلا أمير، فاصطلح عَلِيه
أهل البصرة، وكان ظاهر الصلاح، وله رضا في العامة، وأراده أهل البصرة على التعسف لصلاح البلد فعزل نفسه وقعد في منزله.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَد الرزاز قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال:
نا بشر بن موسى قال نا أَبُو حفص عَمْرو بْن عَلِيّ، قَالَ: وَمات عبد الله بن الحارث ابن نوفل بْن عَبْد المطلب سنة أربع وثمانين.
منهج المصنف في الكتاب
قال الشيخ أبو بكر: لم تخل بلد المدائن فيما مضى من أهل الفضل، وقد كان به جماعة ممن يذكر بالعلم فبدأنا بذكر الصحابة مفردا عمن سواهم، وأما التابعون ومن بعدهم، فإنا سنورد أسماءهم في جملة البغداديين عند وصولنا إِلَى ذكر كل واحد منهم إن شاء الله تعالى.
وهذه تسمية الخلفاء والأشراف والكبراء والقضاة والفقهاء والمحدثين والقراء والزهاد والصلحاء والمتأدبين والشعراء من أهل مدينة السلام، الذين ولدوا بها أو بسواها من البلدان ونزلوها، وذكر من انتقل منهم عنها ومات ببلدة غيرها، ومن كان بالنواحي القريبة منها، ومن قدمها من غير أهلها، وما انتهى إليَّ من معرفة كناهم وأنسابهم، ومشهور مآثرهم وأحسابهم، ومستحسن أخبارهم، ومبلغ أعمارهم، وتاريخ وفاتهم، وبيان حالاتهم، وما حفظ فيهم من الألفاظ، عن أسلاف أئمتنا الحفاظ، من ثناء ومدح، وذم وقدح، وقبول وطرح، وتعديل وجرح.
جمعت ذلك كله وألفته أبوابا مرتبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم، وبدأت منهم بذكر من اسمه محمد تبركا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أتبعته بذكر من ابتدأ اسمه بحرف الألف،، وثنيت بحرف الباء ثم ما بعدها من الحروف على ترتيبها إلى آخرها، ليسهل إدراك ذلك على طالبه، وتقرب معرفته من مبتغيه، فإني رأيت الكتاب الكثير الإفادة، المحكم الإجادة، ربما أريد منه الشيء فيعمد من يريده إلى إخراجه فيغمض عنه موضعه، ويذهب بطلبه زمانه، فيتركه وبه حاجة إليه، وافتقار إلى وجوده.
ولم أذكر من محدثي الغرباء الذين قدموا مدينة السلام ولم يستوطنوها، سوى من صح عندي أنه روى العلم بها. فأما من وردها ولم يحدث بها فإني أطرحت ذكره وأهملت أمره، لكثرة أسمائهم، وتعذر إحصائهم، غير نفر يسير عددهم، عظيم عند أهل العلم محلهم، ثبت عندي ورودهم مدينتنا ولم أتحقق تحديثهم بها. فرأيت ألّا أخلي كتابي من ذكرهم لرفعة أخطارهم، وعلو أقدارهم.
وكل من تقدمت وفاته بدأت بذكره دون غيره ممن مات بعده، وإن كان المتأخر أكبر سنا وأعلى إسنادا؛ إلا أن تتسع ترجمة في بعض الأبواب فأرتب أصحابها على توالي حروف المعجم من أوائل تسمية الآباء، ومن شذ عني معرفة تاريخ وفاته ذكرته في أثناء أهل طبقته ممن عاصروه.
ونسأل الله أن يعصمنا من الخطأ والزلل، ويوفقنا لصالح القول والعمل، إنه لطيف خبير، وهو على كل شيء قدير.
أَخْبَرَنَا أبو منصور محمّد بن عبد العزيز البزّار بهمذان قَالَ: سمعت أبا الفضل صالح بن محمد التميمي الحافظ يقول: ينبغي لطالب الحديث ومن عني به أن يبدأ يكتب حديث بلده ومعرفة أهله، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحه وسقيمه، ويعرف أهل التحديث به وأحوالهم معرفة تامة إذا كان في بلده علم وعلماء قديما وحديثا، ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه.
ذكر من اسمه محمد وابتداء اسم أبيه حرف الألف
[ذكر من اسمه محمد واسم أَبِيهِ إِسْحَاق]
وأمه: هند بنت أَبِي سفيان صخر بْن حرب بْن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف.
وقد صحب عَبْد اللَّهِ بْن الحارث عُمَر بْن الخطاب، وروى عنه وعن عثمان بْن عفان أيضا، وكان من أفاضل المسلمين، تحول إِلَى البصرة فسكنها وبنى بها دارا، ولما كان أيام مسعود بن عمرو وخرج عبيد الله بْن زياد عَنِ البصرة واختلف الناس بينهم، أجمعوا أمرهم فولوا عَبْد اللَّهِ بْن الحارث صلاتهم وفيئهم، وكتبوا بذلك إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزبير. وقالوا: إنا قد رضينا به، فأقره ابْن الزبير على البصرة، فلم يزل عاملا عليها سنة ثم عزله، وخرج عَبْد اللَّهِ بْن الحارث إِلَى عمان فمات بها.
أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْن الفضل القطان قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: نا يعقوب بْن سفيان قَالَ: حَدَّثَنِي خلاد بْن أسلم قال: نا النّضر بن شميل قال: نبأنا الرّبيع بن مسلم قال: نبأنا عمرو بْن دينار، قَالَ: قدم عَبْد اللَّهِ بْن الحارث حاجا، فأتى ابْن عُمَر فسلم والقوم جلوس فلم يره بش به كما كان يفعل، فقال: يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أما تعرفني؟ قَالَ: بلى ألست بَبَّه؟ قَالَ: فشق ذلك عليه وضحك القوم، ففطن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، فقال: إن الذي قلت لا بأس به، ليس يعيب الرجل. إنما كان غلاما خادرا، وكانت أمه تنزيه أو تنبزه تقول:
لأنكحن ببه
... جارية خدبّة
[مكرمة محبّه
... تحب أهل الكعبة ]
قَالَ يعقوب: وهذا عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب الهاشمي، كان بقي أهل البصرة بعد موت يزيد بْن معاوية بلا أمير، فاصطلح عَلِيه
أهل البصرة، وكان ظاهر الصلاح، وله رضا في العامة، وأراده أهل البصرة على التعسف لصلاح البلد فعزل نفسه وقعد في منزله.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَد الرزاز قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال:
نا بشر بن موسى قال نا أَبُو حفص عَمْرو بْن عَلِيّ، قَالَ: وَمات عبد الله بن الحارث ابن نوفل بْن عَبْد المطلب سنة أربع وثمانين.
منهج المصنف في الكتاب
قال الشيخ أبو بكر: لم تخل بلد المدائن فيما مضى من أهل الفضل، وقد كان به جماعة ممن يذكر بالعلم فبدأنا بذكر الصحابة مفردا عمن سواهم، وأما التابعون ومن بعدهم، فإنا سنورد أسماءهم في جملة البغداديين عند وصولنا إِلَى ذكر كل واحد منهم إن شاء الله تعالى.
وهذه تسمية الخلفاء والأشراف والكبراء والقضاة والفقهاء والمحدثين والقراء والزهاد والصلحاء والمتأدبين والشعراء من أهل مدينة السلام، الذين ولدوا بها أو بسواها من البلدان ونزلوها، وذكر من انتقل منهم عنها ومات ببلدة غيرها، ومن كان بالنواحي القريبة منها، ومن قدمها من غير أهلها، وما انتهى إليَّ من معرفة كناهم وأنسابهم، ومشهور مآثرهم وأحسابهم، ومستحسن أخبارهم، ومبلغ أعمارهم، وتاريخ وفاتهم، وبيان حالاتهم، وما حفظ فيهم من الألفاظ، عن أسلاف أئمتنا الحفاظ، من ثناء ومدح، وذم وقدح، وقبول وطرح، وتعديل وجرح.
جمعت ذلك كله وألفته أبوابا مرتبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم، وبدأت منهم بذكر من اسمه محمد تبركا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أتبعته بذكر من ابتدأ اسمه بحرف الألف،، وثنيت بحرف الباء ثم ما بعدها من الحروف على ترتيبها إلى آخرها، ليسهل إدراك ذلك على طالبه، وتقرب معرفته من مبتغيه، فإني رأيت الكتاب الكثير الإفادة، المحكم الإجادة، ربما أريد منه الشيء فيعمد من يريده إلى إخراجه فيغمض عنه موضعه، ويذهب بطلبه زمانه، فيتركه وبه حاجة إليه، وافتقار إلى وجوده.
ولم أذكر من محدثي الغرباء الذين قدموا مدينة السلام ولم يستوطنوها، سوى من صح عندي أنه روى العلم بها. فأما من وردها ولم يحدث بها فإني أطرحت ذكره وأهملت أمره، لكثرة أسمائهم، وتعذر إحصائهم، غير نفر يسير عددهم، عظيم عند أهل العلم محلهم، ثبت عندي ورودهم مدينتنا ولم أتحقق تحديثهم بها. فرأيت ألّا أخلي كتابي من ذكرهم لرفعة أخطارهم، وعلو أقدارهم.
وكل من تقدمت وفاته بدأت بذكره دون غيره ممن مات بعده، وإن كان المتأخر أكبر سنا وأعلى إسنادا؛ إلا أن تتسع ترجمة في بعض الأبواب فأرتب أصحابها على توالي حروف المعجم من أوائل تسمية الآباء، ومن شذ عني معرفة تاريخ وفاته ذكرته في أثناء أهل طبقته ممن عاصروه.
ونسأل الله أن يعصمنا من الخطأ والزلل، ويوفقنا لصالح القول والعمل، إنه لطيف خبير، وهو على كل شيء قدير.
أَخْبَرَنَا أبو منصور محمّد بن عبد العزيز البزّار بهمذان قَالَ: سمعت أبا الفضل صالح بن محمد التميمي الحافظ يقول: ينبغي لطالب الحديث ومن عني به أن يبدأ يكتب حديث بلده ومعرفة أهله، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحه وسقيمه، ويعرف أهل التحديث به وأحوالهم معرفة تامة إذا كان في بلده علم وعلماء قديما وحديثا، ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه.
ذكر من اسمه محمد وابتداء اسم أبيه حرف الألف
[ذكر من اسمه محمد واسم أَبِيهِ إِسْحَاق]
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=120308&book=5564#027c17
عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد المطلب بن هَاشم الْقرشِي الْهَاشِمِي كنيته أَبُو مُحَمَّد
تحول الى الْبَصْرَة وَمَات بعمان قَالَ عَمْرو بن عَليّ مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ
روى عَن الْعَبَّاس بن عبد المطلب فِي الْإِيمَان وَأم هانىء بنت أبي طَالب فِي الصَّلَاة وَأم الْفضل فِي النِّكَاح وَحَكِيم بن حزَام فِي الْبيُوع وَأبي بن كَعْب فِي الْفِتَن وعبد المطلب بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد المطلب فِي الزَّكَاة
روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وعبد الملك بن عُمَيْر وَابْنه وَأَبُو الْخَلِيل صَالح وَأَبُو التياح
تحول الى الْبَصْرَة وَمَات بعمان قَالَ عَمْرو بن عَليّ مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ
روى عَن الْعَبَّاس بن عبد المطلب فِي الْإِيمَان وَأم هانىء بنت أبي طَالب فِي الصَّلَاة وَأم الْفضل فِي النِّكَاح وَحَكِيم بن حزَام فِي الْبيُوع وَأبي بن كَعْب فِي الْفِتَن وعبد المطلب بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد المطلب فِي الزَّكَاة
روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وعبد الملك بن عُمَيْر وَابْنه وَأَبُو الْخَلِيل صَالح وَأَبُو التياح
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=120308&book=5564#5d515b
عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ لَهُ إِدْرَاكًا، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ , حَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللهِ
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بِنْتُ زَيْنَبَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا "
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بِنْتُ زَيْنَبَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا "
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=120308&book=5564#3fb489
عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الْحَارِث بْن عبد المطلب القرشي الهاشمي
وأمه هند بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن حرب بْن أُمَيَّة بْن عبد شمس. ولد على عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنّكه،
ودعا لَهُ، يكنى أَبَا مُحَمَّد، ويلقب ببة، وإنما لقب بِهِ لأن أمه كانت ترقصه وهو طفل وتقول:
لأنكحن ببه ... جارية خدبه
مكرمة محبه
وهو الَّذِي اصطلح عَلَيْهِ أهل البصرة عِنْدَ موت يَزِيد، فبايعوه، حَتَّى يتفق الناس على إمام. سكن البصرة، ومات بعمان سنة أربع وثمانين. قَالَ علي بْن المديني:
رَوَى عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن نوفل بْن الْحَارِث بْن عبد المطلب عَنْ عُمَر، وعثمان، وعلي، والعباس، وصفوان بْن أُمَيَّة، وَابْن عَبَّاس، وأم هانئ، وكعب، وسمع منهم كلهم. وروى عَنِ ابْن مَسْعُود ولم يسمع منه، وَكَانَ ثقة. قَالَ أَبُو عُمَر رحمه الله: أجمعوا على أَنَّهُ ثقة فيما رَوَى، لم يختلفوا فِيهِ. رَوَى عَنْهُ عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْر، وَيَزِيد بْن أَبِي زِيَاد، وبنوه: عَبْد اللَّهِ، وعبيد الله، وإسحاق.
وأمه هند بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن حرب بْن أُمَيَّة بْن عبد شمس. ولد على عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنّكه،
ودعا لَهُ، يكنى أَبَا مُحَمَّد، ويلقب ببة، وإنما لقب بِهِ لأن أمه كانت ترقصه وهو طفل وتقول:
لأنكحن ببه ... جارية خدبه
مكرمة محبه
وهو الَّذِي اصطلح عَلَيْهِ أهل البصرة عِنْدَ موت يَزِيد، فبايعوه، حَتَّى يتفق الناس على إمام. سكن البصرة، ومات بعمان سنة أربع وثمانين. قَالَ علي بْن المديني:
رَوَى عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن نوفل بْن الْحَارِث بْن عبد المطلب عَنْ عُمَر، وعثمان، وعلي، والعباس، وصفوان بْن أُمَيَّة، وَابْن عَبَّاس، وأم هانئ، وكعب، وسمع منهم كلهم. وروى عَنِ ابْن مَسْعُود ولم يسمع منه، وَكَانَ ثقة. قَالَ أَبُو عُمَر رحمه الله: أجمعوا على أَنَّهُ ثقة فيما رَوَى، لم يختلفوا فِيهِ. رَوَى عَنْهُ عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْر، وَيَزِيد بْن أَبِي زِيَاد، وبنوه: عَبْد اللَّهِ، وعبيد الله، وإسحاق.