أويس بن عامر بن مالك بن عمرو
ابن سعد بن عصوان بن قرن بن رمدان بن ناحية بن مراد وهو عامر بن مالك بن أدد من مذحج، ويقال: أويس بن عمرو بن حمدان بن عصوان، ويقال: ابن سعد بن عصوان، ويقال: أويس بن عامر بن الخليص، ويقال: أويس بن عبد الله أبو عمر المرادي القرني، من تابعي أهل اليمن، أدرك حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، ووفد على عمر بن الخطاب، وسكن الكوفة ويقال: إنه مات بدمشق، وإن قبره في مقابر باب الجابية.
روى أويس القرني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله عز وجل تسعةٌ وتسعون اسماً، مائةً غير واحدة، إنه وتر يحب الوتر، وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة ".
وذكر الأسماء كلها.
وروى عن علي وعمر من أحصاها دخل الجنة.
وروى أويس القرني عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب أنهما قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له: اللهم أنت حيٌ لا تموت، وخالقٌ لا تغلب، وبصيرٌ لا ترتاب، وسميعٌ لا تشك، وصادقٌ لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وندًى لا تنفد، وقريبٌ لا تبعد، وغافرٌ لا تظلم، وصمدٌ لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومجيبٌ لا تسأم، وجبارٌ لا تقهر، وعظيمٌ لا ترام، وعالمٌ لا تُعلّم، وقويٌ لا تضعف، وعلمٌ لا توصف، ووفيٌّ لا تخلف، وعدلٌ لا تحيف، وغنيٌّ لا تفتقر، وحليمٌ لا تجور،
ومنيعٌ لا تقهر، ومعروفٌ لا تقهر، ووكلٌ لا تخفر، وغالبٌ لا تُغلب، وقديرٌ لا تستأمر، وفردٌ لا تستشير، ووهابٌ لا تمل، وسريعٌ لا تذهل، وجوادٌ لا تبخل، وعزيزٌ لا تذل، وحافظٌ لا تغفل، وقائمٌ لا تنام، ومحتجب لا ترى، ودائم لا تفنى، وباقٍ لا تبلى، وواحدٌ لا تشبه، ومقتدرٌ لا تنازع ".
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الدعوات والأسماء على صفائح من حديد لذابت، ولو دعي بها على ماءٍ جارٍ لسكن، ومن أبلغ إليه الجوع والعطش، ثم دعا ربه أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريد جبلاً لانشعب له الجبل حتى يسلكه إلى الموضع، ولو دعا على مجنون لأفاق، ولو دعا على امرأة قد عسر عليها ولدها لهون عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعا بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أنه دخل على سلطان جائر ثم دعا بها قبل أن ينظر السلطان إليه لخلصه الله من شره، ومن دعا بها عند منامه بعث الله بكل حرف منها سبع مائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر يسبحون له، ويستغفرون له، ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات ".
فقال سلمان: يا رسول الله أيعطي الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: " لا تخبر به الناس حتى أخبرك بأعظم منها فإني أخشى أن يدعوا العمل أو يقتصروا على هذا ".
ثم قال: " من نام وقد دعا، فإن مات مات شهيداً وإن عمل الكبائر، وغفر لأهل بيته، ومن دعا بها قضى الله له ألف ألف حاجة ".
قال البخاري: أويس القرني أصله من اليمن مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه.
قال ابن عدي: وليس لأويس من الرواية شيء، وإنما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد
شك قوم فيه إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه، ومالك ينكره يقول: لم يكن.
القرني: بالقاف والراء مهملة والنون.
أويس: بطن من مراد، أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وجوده، وشهد مع علي صفين، وكان من خيار المسلمين.
قال أصبغ بن يزيد: أسلم أويس القرني على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن منعه من القدوم بره لأمه.
قال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من خير التابعين رجل من قرن، يقال له أويس القرني.
حدث أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه تفرقوا، ويبقى رهطٌ فيهم رجل يتكلم بكلامٍ لم أسمع أحداً يتكلم بكلامه، فأتيته ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: أنا أعرفه ذاك أويس القرني.
قلت: أفتعرف منزله؟ قال: نعم.
فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي، فقلت: يا أخي من حبسك عنا؟ قال: العري.
قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه.
قال: لا تفعل فإنهم إذاً يؤذوني إذا رأوه.
قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا؟! قال: فجاء موضعه، قال: أترى؟ قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة، قال: فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً، قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر بن الخطاب، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ههنا أحد من القرنيين؟ قال: فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمٍّ له، وقد كان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه، إلا مثل موضع الدينار، أو الدرهم، فمن لقيه منكم فأمروه أن يستغفر لكم.
قال - يعني عمر -: فقدم علينا، قال: قلت: من أين؟ قال: من اليمن.
قلت: ما اسمك؟ قال: أويس.
قال: قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أماً لي قال:
قلت: أكان بك بياض فدعوت الله عز وجل فأذهبه عنك؟ قال: نعم! قال: قلت: استغفر لي قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين!؟ قال: فاستغفر لي.
قال: قلت: أنت أخي لا تفارقني قال فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم بالكوفة.
قال: فجعل ذلك الذي يسخر به يحقره قال: يقول: ما هذا فينا ولا نعرفه.
قال عمر: بلى! إنه رجل كذا، قال: - كأنه يضع شيئاً - فينا يا أمير المؤمنين رجل يقال له أويس، قال: أدرك ولا أراك تدرك قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس ما هذه بعادتك فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي يا أويس، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك ألا تسخر بي فيما بعد ولا تذكر ما سمعته من عمر لأحد.
قال: فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت له: يا أخي ألا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به الناس، وما يجزى كل عبدٍ إلا بعمله، قال: فانملس مني فذهب.
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن هاشم مختصراً.
وعن أبي هريرة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقةٍ من أصحابه إذ قال: " ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة ".
قال أبو هريرة: فطعمت أن أكون أنا ذلك، فغدوت وصليت حلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقمت في المسجد حنى انصرف الناس، وبقيت أنا وهو، فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل أسود متزرٌ بخرقة مرتدٍ بقباطي، حتى وضع يده في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: يا نبي الله ادع الله لي، فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشهادة، وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت: يا رسول الله أهو هو قال: " نعم وإنه لمملوك بني فلان ".
فقلت: ألا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ فقال: " وأرى ذلك إن كان الله يريد أن يجعله من ملوك أهل الجنة يا أبا هريرة، إن لأهل الجنة ملوكاً وسادة وإن هذا الأسود أصبح من ملوك أهل الجنة
وسادتهم، يا أبا هريرة إن الله يحب من خلقه الأصفياء الأحفياء الأتقياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم من كسب الحلال الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.
قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: " ذاك أويس القرني ".
وما أويس القرني؟ قال: أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنبكين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضاربٌ بذقنه إلى صدره، رامٍ ببصره موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلوا القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزرٌ بإزار صوف ورداء، تحت منكبه لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف لتشفع، فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر؛ يا عمر ويا علي، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه إن يستغفر لكما يغفر الله لكما ".
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه، فلما كان في آخر سنة قبض فيها عمر في ذلك العام، صعد على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج أهل اليمن، أفيكم أويس القرني؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً فينا، نرفعه إليك وإنه ليرعى إبلنا حقيراً بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده، فقال: ابن أخيك هذا بحرمنا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات، فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما، ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته قالا: من الرجل؟ قال: راعي أبل وأجيرٌ لقوم، قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة، قالا: ما اسمك؟ قال: عبد الله.
قالا: قد علمنا أن أهل السماوات وأهل الأرض كلهم عبيد لله.
فما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلى هذا؟ قال: وصف لنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أويس القرني، فقد عرفنا فيك الصهوبة والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعةً بيضاء فأوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة، فابتدراه يقبلانه وقالا:
نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ فقال علي: أنا علي بن أبي طالب وهذا عمر أمير المؤمنين، فاستوى أويس قائماً، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً، وقالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خير الجزاء، فقال عمر: رحبك حتى ندخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا الميعاد بيني وبينك قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ولا أعرفك بعد اليوم، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى ترى أبليهما؟ أما تراني أني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم؟ متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يديّ ويديك عقبة كؤوداً، لا يجاوزها إلا ضامرٌ مخفف مهزول.
فأخف عني رحمك الله، فلما سمع ذلك عمر من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حمله، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ قال أويس: من جدع الله أنفه.
ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا، وآخذ أنا هاهنا، فولى عمر ناحية مكة، وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم، وخلى عن الرعي، وأقبل على العبادة حتى لحق بالله.
فهذا ما أتانا عن أويس القرني سيد التابعين.
وحدث هرم بن حيان قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي همٌّ إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه، حتى سقطت عليه نصف النهار على شاطئ الفرات يتوضأ أو يغسل ثوبه، قال: فعرفته بالنعت الذي نعت لي، فإذا رجل لحيم آدم أشعر محلوق الرأس، كث اللحية، مغبر، كريه الوجه والمنظر، وعليه إزار من صوف، فسلمت عليه، فقلت: حياك الله من رجل، كيف أنت رحمك وغفر لك يا أويس؟ فقال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان
كيف أنت؟ قال: وخنقتني العبرة حين رأيت من حاله ما رأيت قال: فمددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، قال: وعجبت حين عرفني وعرف اسم أبي، ما كنت رأيته قبل ذلك ولا رآني قال: قلت: رحمك الله من أين عرفتني وعرفت اسم أبي ولم أكن رأيتك قط؟ قال: نبأني العليم الخبير، وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد يتحابون بروح الله وإن لم يتلاقوا ولم يتعارفوا وتفرقت بهم المنازل.
قال: فقلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحفظه عنك، فقال: إني لم أدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأبي رسول الله وأمي، ولم تكن لي معه صحبة، ولكن أدركت رجالاً رأوه فحدثوني عنه نحو ما حدثوك، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي أن أكون محدثاً أو قاصاً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس يا هرم بن حيان.
قال: قلت: اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعها منك، وادع لي بدعوات أحفظها عنك فإني أحبك حباً شديداً، فقال: " سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " فأخذ بيدي فمشى على شاطئ الفرات، ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين " إلى قوله " إنه هو العزيز الحكيم " قال: فنظرت إليه وأنا أحسب أنه قد غشي عليه.
قال: ثم نظر إلي فقال: يا هرم بن حيان مات أبوك، فإما إلى الجنة وإما هو إلى النار، ويوشك أن تموت، ومات آدم ومات حواء ومات إبراهيم خليل الله ومات موسى نجي الله ومات داود خليفة الله ومات محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين، ومات أبو بكر خليفة المسلمين ومات خليلي وصفيي عمر بن الخطاب، وقال: واعمراه، واعمراه! وعمر يومئذ حي، وذلك عند آخر خلافته، قال: فقلت له: إن عمر لم يمت، فقال: بلى قد نعاه إلي ربي إن كنت تفهم وعقلت ما قلت وأنا وأنت غداً في الموتى، وكأن قد، ثم صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دعا بدعوات خفاف، ثم قال: عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين، وإياك أن تفارق الجماعة فيفترق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار، ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك، وزارني فيك، اللهم أدخله علي زائراً في دارك دار السلام.
وضم علي
ضيعته، وأرضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فاجعله لما تعطيه من الشاكرين، ثم قال: لا أراك فيما بعد اليوم فإني كثير الهم شديد الغم مادمت مع هؤلاء الناس حياً وأكره الشهرة، والوحدة أحب إلي فلا تطلبني خذ هكذا.
قال: فجهدت أن أمشي معه ساعة فأبى علي، فدخل في بعض أزقة الكوفة، قال: فجعلت التفت إليه وأنا أبكي ويبكي حتى توارى عني، فسألت عنه وطلبته فلم أجد أحداً يخبر عنه بشيء، قال: فما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين.
أو كما قال.
وفي وراية حديث آخر بمعناه، في آخره قال: فغزا غزوة أذربيجان فمات، قال: فتنافس أصحابه في حفر قبره، قال: فحفروا فإذا بصخرة محفورة ملحودة.
قال: وتنافسوا في كفنه قال: فنظروا فإذا في عيبته ثياب ليس مما ينسج بنو آدم، قال: فكفنوه في تلك الثياب ودفنوه في ذلك القبر.
قال علقمة بن مرثد الحضرمي: انتهى الزهد إلى ثمانية نفر من التابعين: عامر بن عبد الله، وأويس القرني، وهرم بن حيان العبدي والربيع بن خثيم القوري، وأبي مسلم الخولاني، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، والحسن بن أبي الحسن البصري.
فأما أويس القرني فإن أهله ظنوا أنه مجنون، فبنوا له بيتاً على باب دارهم فكان يأتي عليه السنة والسنتان لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلقط من النوى، فإذا أمسى باعه لإفطاره، وإن أصاب حشفة خبأها لإفطاره.
وعن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين، قال: أفي قرن من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال، لا يتألف ولا يؤلف، فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي، وقولوا له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليه سلامه، قال: فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه
في الرمال، فأبلغوه سلام عمر، وسلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي، السلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد في صفين أمامه، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، من طعنة وضربة ورمية.
وروي عن ابن عمر قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة، إذ نزل عليه جبريل عليه السلام في صورة لم ينزل عليه مثلها قط، فقال: السلام عليك يا محمد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ".
فقال: يا محمد إنه سيخرج في أمتك رجل يشفع فيشفعه الله في عدد ربيعة ومضر فإن أدركته فسله الشفاعة لأمتك فقال: " أي حبيبي، يا جبريل، ما اسمه وما صفته؟ " فقال: أما اسمه فأويس، وأما صفته وقبيلته في اليمن من مراد، وهو رجل أصهب، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، بكفه اليسرى وضح أبيض، قال: فلم يزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلبه فلم يقدر عليه، فلما احتضر النبي أوصي أبا بكر وأخبره بما قال له جبريل في أويس القرني: " فإن أنت أدركته فسله الشفاعة لك ولأمتي ".
فلم يزل أبو بكر يطلبه فلم يقدر عليه، فلما احتضر أبا بكر أوصى به عمر بن الخطاب وأخبره بما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا عمر إن أنت أدركته فسله الشفاعة لي ولك ولأمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل عمر يطلبه حتى كان آخر حجةٍ حجها عمر وعلي بن أبي طالب، فأتيا رفاق اليمن، فنادى عمر بأعلى صوته: يا معشر الناس، هل فيكم أويس القرني؟ أعاد مرتين، فقام شيخ من بعض الرفاق، فقال: يا أمير المؤمنين نعم.
هو ابن أخ لي، هو أخمل أمراً، وأهون ذكراً من أن يسأل مثلك عن مثله.
وساق الحديث بمعنى الأحاديث المتقدمة إلى آخره، فقال أويس: جزاك الله خيراً يا عمر عن هذه الأمة، وأنت يا علي فجزاك الله خيراً عن هذه الأمة، تعيشان حميدين وتموتان فقيدين، فقالا له: أوصنا بحاجتك يرحمك الله، فقال لهم أويس: أوصيكما بتقوى الله والعمل بطاعته والصبر على ما أصابكما فإن ذلك من عزم الأمور، وأوصيكما أن تلقيا هرم بن حيان فتقرئاه مني السلام، وخبراه أني أرجو أن يكون رفيقي في الجنة.
قال: فودعاه ولم يزل عمر وعلي رضي الله عنهما يطلبان هرم بن
حيان، فبينما هما ماران في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذا هما بهرم بن حيان قائماً يصلي، فانتظراه، فلما انصرف سلما عليه فرد عليهما السلام، ثم قال لهما: من أين جئتما؟ قالا: جئنا من عند أويس القرني وهو يقرئك السلام، وهو يقول لك: إني أرجو أن تكون رفيقي في الجنة قال: فلم يزل هرم بن حيان في طلب أويس، فبينا هو في الكوفة مارٌّ على شاطئ الفرات؛ إذا هو برجل أصهب، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، يغسل طمرين له من الصوف، فدنا منه هرم بن حيان فقال: السلام عليك ورحمة الله يا أويس، فأجابه بمثل ذلك من السلام وقال له: يا هرم بن حيان، قال له هرم: كيف الزمان عليك؟ قال له أويس: كيف الزمان على رجل إذا أصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك للمؤمن فرحاً، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يترك للمؤمن صديقاً، فقال له هرم: يا أويس أما معرفتك أن عمر وعلياً وصفاك لي فعرفتك بصفتهما فأنت من أين عرفتني؟ قال له أويس: إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر في الله اختلف، قال له أويس: يا هرم اتل علي آيات من كتاب الله عز وجل، فتلا عليه هذه الآية: " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين " قال: فخرّ أويس مغشياً عليه، فلما أفاق قال له هرم: إني أريد أن أصحبك وأكون معك، فقال له أويس: لا يا هرم، ولكن إذا مت لا يكفني أحد حتى تأتي أنت، فتكفني، وتدفني، ثم إنهما افترقا، ولم يزل هرم بن حيان في طلب أويس حتى دخل مدينة من مدائن الشام يقال لها: دمشق؛ فإذا هو برجل ملفوف في عباءةٍ له، ملقى في صحن المسجد، فدنا منه فكشف العباءة عن وجهه؛ فإذا هو بأويس قد توفي، فوضع يده على أم رأسه، ثم قال: واأخاه! هذا أويس القرني مات ضائعاً، فقالوا له: من أنت يا عبد الله؟ ومن هذا؟ فقال: أما أنا فهرم بن حيان المرادي، وأما هذا فأويس القرني ولي الله، قالوا: فإنا قد جمعنا له ثوبين نكفنه فيهما، فقال لهم هرم: ما له بثمن ثوبيكم حاجة، ولكن يكفنه هرم بن حيان من ماله: قال: فضرب هرم بيده إلى مزود أويس فإذا هو بثوبين لم يكن له بهما عهد عند رأس أويس على أحدهما مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله الرحمن الرحيم لأويس القرني من النار، وعلى الآخر
مكتوب: هذا كفن لأويس القرني من الجنة.
قال عبد الحمن بن أبي ليلى: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: فيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير التابعين أويس القرني. " قال سلام بن مسكين: حدثني رجل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خليلي من هذه الأمة أويس القرني. " وعن إبراهيم بن عيسى اليشكري قال: قال أويس القرني: لأعبدن الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء.
قال: فكان إذا استقبل الليل قال: يا نفس، الليلة القيام، فيصف قدميه حتى يصبح، ثم يستقبل الليلة الثانية، فيقول: يا نفس الليلة الركوع فلا يزال راكعاً حتى يصبح، ويستقبل الليلة الثالثة فيقول: يا نفس الليلة السجود فلا يزال ساجداً حتى يصبح.
وعن الربيع بن خثيم قال: أتيت أويس القرني فوجدته جالساً قد صلى الصبح، فقلت: لا أشغله عن، فمكث مكانه ثم قام إلى الصلاة حتى صلى الظهر ثم قام إلى الصلاة فقلت: لا أشغله عن العصر فصلى العصر ثم صلى المغرب، فقلت: لابد له من أن يرجع فيفطر، فثبت مكانه حتى صلوا العشاء الآخرة، فقلت: لعله يفطر بعد العشاء الآخرة، فثبت مكانه حتى صلى الفجر ثم جلس، فغلبته عيناه فانتبه وقال: اللهم إني أعوذ بك من عين نوامة، ومن بطن لا يشبع، فقلت: بي ما عاينت منه فرجعت.
ومن حديث آخر: كان أويس إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.
وكان أويس يقول إذا جنه الليل: اللهم إني أبرأ إليك من كل كبدٍ جائعة، ومن كل بدنٍ عار، اللهم لا أملك إلا ما ترى.
جاء رجل إلى أويس القرني، فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم قال: كيف أنتم يا أويس؟ قال: فحمد الله.
قال: كيف الزمان عليكم؟ قال: ما دنيا رجلٍ إذا أصبح لم تر أنه يمسي، وإذا أمسى لم تر أنه يصبح، فيبشر بجنة أو بنار، يا أخا مراد، إن الموت لم يبق فرحاً، يا أخا مراد، قيام المؤمن بحقوق الله لم يبق ذهباً ولا فضة، يا أخا مراد، قيام المؤمن بأمر الله لم يبق صديقاً، والله إنا لنأمرهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، فيرمونا بالعظائم، ويتخذونا أعداء، ويجدون على ذلك أعوناً، وايم الله لا يمنعني ذلك أن نقوم لله عز وجل بحق.
قال بشر بن الحارث: قال أويس: لا ينال هذا الأمر حتى تكون كأنك قتلت الناس أجمعين.
قال أويس القرني: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، قضاء من الله الذي قضى " شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ".
قال أبو سليمان: لما حج أويس القرني دخل المدينة، فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغشي عليه، فلما أفاق قال: أخرجوني فليس ببلدي بلدةٌ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها مدفون.
مر أويس القرني على قصار في يوم شديد البرد، فرحمه أويس وجعل يبكي، فنظر إليه القصار، فقال له: يا أويس ليت تلك الشجرة لم تخلق.
قال: فما سمع جواب أسرع منه.
وعن عطاء قال: خرج أويس القرني غازياً راجلاً إلى ثغر أرمينية، فأصابه البطن، فالتجأ إلى أهل
خيمة فمات عندهم، ومعه جراب وقعب، فقالوا لرجلين منهم: اذهب فاحفر له قبراً، قالوا: فنظرنا في جرابه فإذا فيه ثوبان ليسا من ثياب الدنيا وجاء الرجلان فقالا: قد أصبنا قبراً محفوراً في صخرة كأنما رفعت الأيدي عنه الساعة فكفنوه ودفنوه ثم التفتوا فلم يروا شيئاً.
وقال سليمان بن قيس العامري: رأيت أويس القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت.
ابن سعد بن عصوان بن قرن بن رمدان بن ناحية بن مراد وهو عامر بن مالك بن أدد من مذحج، ويقال: أويس بن عمرو بن حمدان بن عصوان، ويقال: ابن سعد بن عصوان، ويقال: أويس بن عامر بن الخليص، ويقال: أويس بن عبد الله أبو عمر المرادي القرني، من تابعي أهل اليمن، أدرك حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، ووفد على عمر بن الخطاب، وسكن الكوفة ويقال: إنه مات بدمشق، وإن قبره في مقابر باب الجابية.
روى أويس القرني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله عز وجل تسعةٌ وتسعون اسماً، مائةً غير واحدة، إنه وتر يحب الوتر، وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة ".
وذكر الأسماء كلها.
وروى عن علي وعمر من أحصاها دخل الجنة.
وروى أويس القرني عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب أنهما قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له: اللهم أنت حيٌ لا تموت، وخالقٌ لا تغلب، وبصيرٌ لا ترتاب، وسميعٌ لا تشك، وصادقٌ لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وندًى لا تنفد، وقريبٌ لا تبعد، وغافرٌ لا تظلم، وصمدٌ لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومجيبٌ لا تسأم، وجبارٌ لا تقهر، وعظيمٌ لا ترام، وعالمٌ لا تُعلّم، وقويٌ لا تضعف، وعلمٌ لا توصف، ووفيٌّ لا تخلف، وعدلٌ لا تحيف، وغنيٌّ لا تفتقر، وحليمٌ لا تجور،
ومنيعٌ لا تقهر، ومعروفٌ لا تقهر، ووكلٌ لا تخفر، وغالبٌ لا تُغلب، وقديرٌ لا تستأمر، وفردٌ لا تستشير، ووهابٌ لا تمل، وسريعٌ لا تذهل، وجوادٌ لا تبخل، وعزيزٌ لا تذل، وحافظٌ لا تغفل، وقائمٌ لا تنام، ومحتجب لا ترى، ودائم لا تفنى، وباقٍ لا تبلى، وواحدٌ لا تشبه، ومقتدرٌ لا تنازع ".
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الدعوات والأسماء على صفائح من حديد لذابت، ولو دعي بها على ماءٍ جارٍ لسكن، ومن أبلغ إليه الجوع والعطش، ثم دعا ربه أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريد جبلاً لانشعب له الجبل حتى يسلكه إلى الموضع، ولو دعا على مجنون لأفاق، ولو دعا على امرأة قد عسر عليها ولدها لهون عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعا بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أنه دخل على سلطان جائر ثم دعا بها قبل أن ينظر السلطان إليه لخلصه الله من شره، ومن دعا بها عند منامه بعث الله بكل حرف منها سبع مائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر يسبحون له، ويستغفرون له، ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات ".
فقال سلمان: يا رسول الله أيعطي الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: " لا تخبر به الناس حتى أخبرك بأعظم منها فإني أخشى أن يدعوا العمل أو يقتصروا على هذا ".
ثم قال: " من نام وقد دعا، فإن مات مات شهيداً وإن عمل الكبائر، وغفر لأهل بيته، ومن دعا بها قضى الله له ألف ألف حاجة ".
قال البخاري: أويس القرني أصله من اليمن مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه.
قال ابن عدي: وليس لأويس من الرواية شيء، وإنما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد
شك قوم فيه إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه، ومالك ينكره يقول: لم يكن.
القرني: بالقاف والراء مهملة والنون.
أويس: بطن من مراد، أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وجوده، وشهد مع علي صفين، وكان من خيار المسلمين.
قال أصبغ بن يزيد: أسلم أويس القرني على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن منعه من القدوم بره لأمه.
قال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من خير التابعين رجل من قرن، يقال له أويس القرني.
حدث أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه تفرقوا، ويبقى رهطٌ فيهم رجل يتكلم بكلامٍ لم أسمع أحداً يتكلم بكلامه، فأتيته ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: أنا أعرفه ذاك أويس القرني.
قلت: أفتعرف منزله؟ قال: نعم.
فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي، فقلت: يا أخي من حبسك عنا؟ قال: العري.
قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه.
قال: لا تفعل فإنهم إذاً يؤذوني إذا رأوه.
قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا؟! قال: فجاء موضعه، قال: أترى؟ قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة، قال: فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً، قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر بن الخطاب، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ههنا أحد من القرنيين؟ قال: فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمٍّ له، وقد كان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه، إلا مثل موضع الدينار، أو الدرهم، فمن لقيه منكم فأمروه أن يستغفر لكم.
قال - يعني عمر -: فقدم علينا، قال: قلت: من أين؟ قال: من اليمن.
قلت: ما اسمك؟ قال: أويس.
قال: قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أماً لي قال:
قلت: أكان بك بياض فدعوت الله عز وجل فأذهبه عنك؟ قال: نعم! قال: قلت: استغفر لي قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين!؟ قال: فاستغفر لي.
قال: قلت: أنت أخي لا تفارقني قال فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم بالكوفة.
قال: فجعل ذلك الذي يسخر به يحقره قال: يقول: ما هذا فينا ولا نعرفه.
قال عمر: بلى! إنه رجل كذا، قال: - كأنه يضع شيئاً - فينا يا أمير المؤمنين رجل يقال له أويس، قال: أدرك ولا أراك تدرك قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس ما هذه بعادتك فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي يا أويس، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك ألا تسخر بي فيما بعد ولا تذكر ما سمعته من عمر لأحد.
قال: فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت له: يا أخي ألا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به الناس، وما يجزى كل عبدٍ إلا بعمله، قال: فانملس مني فذهب.
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن هاشم مختصراً.
وعن أبي هريرة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقةٍ من أصحابه إذ قال: " ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة ".
قال أبو هريرة: فطعمت أن أكون أنا ذلك، فغدوت وصليت حلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقمت في المسجد حنى انصرف الناس، وبقيت أنا وهو، فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل أسود متزرٌ بخرقة مرتدٍ بقباطي، حتى وضع يده في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: يا نبي الله ادع الله لي، فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشهادة، وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت: يا رسول الله أهو هو قال: " نعم وإنه لمملوك بني فلان ".
فقلت: ألا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ فقال: " وأرى ذلك إن كان الله يريد أن يجعله من ملوك أهل الجنة يا أبا هريرة، إن لأهل الجنة ملوكاً وسادة وإن هذا الأسود أصبح من ملوك أهل الجنة
وسادتهم، يا أبا هريرة إن الله يحب من خلقه الأصفياء الأحفياء الأتقياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم من كسب الحلال الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.
قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: " ذاك أويس القرني ".
وما أويس القرني؟ قال: أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنبكين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضاربٌ بذقنه إلى صدره، رامٍ ببصره موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلوا القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزرٌ بإزار صوف ورداء، تحت منكبه لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف لتشفع، فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر؛ يا عمر ويا علي، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه إن يستغفر لكما يغفر الله لكما ".
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه، فلما كان في آخر سنة قبض فيها عمر في ذلك العام، صعد على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج أهل اليمن، أفيكم أويس القرني؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً فينا، نرفعه إليك وإنه ليرعى إبلنا حقيراً بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده، فقال: ابن أخيك هذا بحرمنا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات، فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما، ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته قالا: من الرجل؟ قال: راعي أبل وأجيرٌ لقوم، قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة، قالا: ما اسمك؟ قال: عبد الله.
قالا: قد علمنا أن أهل السماوات وأهل الأرض كلهم عبيد لله.
فما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلى هذا؟ قال: وصف لنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أويس القرني، فقد عرفنا فيك الصهوبة والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعةً بيضاء فأوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة، فابتدراه يقبلانه وقالا:
نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ فقال علي: أنا علي بن أبي طالب وهذا عمر أمير المؤمنين، فاستوى أويس قائماً، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً، وقالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خير الجزاء، فقال عمر: رحبك حتى ندخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا الميعاد بيني وبينك قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ولا أعرفك بعد اليوم، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى ترى أبليهما؟ أما تراني أني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم؟ متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يديّ ويديك عقبة كؤوداً، لا يجاوزها إلا ضامرٌ مخفف مهزول.
فأخف عني رحمك الله، فلما سمع ذلك عمر من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حمله، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ قال أويس: من جدع الله أنفه.
ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا، وآخذ أنا هاهنا، فولى عمر ناحية مكة، وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم، وخلى عن الرعي، وأقبل على العبادة حتى لحق بالله.
فهذا ما أتانا عن أويس القرني سيد التابعين.
وحدث هرم بن حيان قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي همٌّ إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه، حتى سقطت عليه نصف النهار على شاطئ الفرات يتوضأ أو يغسل ثوبه، قال: فعرفته بالنعت الذي نعت لي، فإذا رجل لحيم آدم أشعر محلوق الرأس، كث اللحية، مغبر، كريه الوجه والمنظر، وعليه إزار من صوف، فسلمت عليه، فقلت: حياك الله من رجل، كيف أنت رحمك وغفر لك يا أويس؟ فقال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان
كيف أنت؟ قال: وخنقتني العبرة حين رأيت من حاله ما رأيت قال: فمددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، قال: وعجبت حين عرفني وعرف اسم أبي، ما كنت رأيته قبل ذلك ولا رآني قال: قلت: رحمك الله من أين عرفتني وعرفت اسم أبي ولم أكن رأيتك قط؟ قال: نبأني العليم الخبير، وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد يتحابون بروح الله وإن لم يتلاقوا ولم يتعارفوا وتفرقت بهم المنازل.
قال: فقلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحفظه عنك، فقال: إني لم أدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأبي رسول الله وأمي، ولم تكن لي معه صحبة، ولكن أدركت رجالاً رأوه فحدثوني عنه نحو ما حدثوك، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي أن أكون محدثاً أو قاصاً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس يا هرم بن حيان.
قال: قلت: اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعها منك، وادع لي بدعوات أحفظها عنك فإني أحبك حباً شديداً، فقال: " سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " فأخذ بيدي فمشى على شاطئ الفرات، ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين " إلى قوله " إنه هو العزيز الحكيم " قال: فنظرت إليه وأنا أحسب أنه قد غشي عليه.
قال: ثم نظر إلي فقال: يا هرم بن حيان مات أبوك، فإما إلى الجنة وإما هو إلى النار، ويوشك أن تموت، ومات آدم ومات حواء ومات إبراهيم خليل الله ومات موسى نجي الله ومات داود خليفة الله ومات محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين، ومات أبو بكر خليفة المسلمين ومات خليلي وصفيي عمر بن الخطاب، وقال: واعمراه، واعمراه! وعمر يومئذ حي، وذلك عند آخر خلافته، قال: فقلت له: إن عمر لم يمت، فقال: بلى قد نعاه إلي ربي إن كنت تفهم وعقلت ما قلت وأنا وأنت غداً في الموتى، وكأن قد، ثم صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دعا بدعوات خفاف، ثم قال: عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين، وإياك أن تفارق الجماعة فيفترق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار، ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك، وزارني فيك، اللهم أدخله علي زائراً في دارك دار السلام.
وضم علي
ضيعته، وأرضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فاجعله لما تعطيه من الشاكرين، ثم قال: لا أراك فيما بعد اليوم فإني كثير الهم شديد الغم مادمت مع هؤلاء الناس حياً وأكره الشهرة، والوحدة أحب إلي فلا تطلبني خذ هكذا.
قال: فجهدت أن أمشي معه ساعة فأبى علي، فدخل في بعض أزقة الكوفة، قال: فجعلت التفت إليه وأنا أبكي ويبكي حتى توارى عني، فسألت عنه وطلبته فلم أجد أحداً يخبر عنه بشيء، قال: فما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين.
أو كما قال.
وفي وراية حديث آخر بمعناه، في آخره قال: فغزا غزوة أذربيجان فمات، قال: فتنافس أصحابه في حفر قبره، قال: فحفروا فإذا بصخرة محفورة ملحودة.
قال: وتنافسوا في كفنه قال: فنظروا فإذا في عيبته ثياب ليس مما ينسج بنو آدم، قال: فكفنوه في تلك الثياب ودفنوه في ذلك القبر.
قال علقمة بن مرثد الحضرمي: انتهى الزهد إلى ثمانية نفر من التابعين: عامر بن عبد الله، وأويس القرني، وهرم بن حيان العبدي والربيع بن خثيم القوري، وأبي مسلم الخولاني، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، والحسن بن أبي الحسن البصري.
فأما أويس القرني فإن أهله ظنوا أنه مجنون، فبنوا له بيتاً على باب دارهم فكان يأتي عليه السنة والسنتان لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلقط من النوى، فإذا أمسى باعه لإفطاره، وإن أصاب حشفة خبأها لإفطاره.
وعن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين، قال: أفي قرن من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال، لا يتألف ولا يؤلف، فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي، وقولوا له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليه سلامه، قال: فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه
في الرمال، فأبلغوه سلام عمر، وسلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي، السلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد في صفين أمامه، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، من طعنة وضربة ورمية.
وروي عن ابن عمر قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة، إذ نزل عليه جبريل عليه السلام في صورة لم ينزل عليه مثلها قط، فقال: السلام عليك يا محمد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ".
فقال: يا محمد إنه سيخرج في أمتك رجل يشفع فيشفعه الله في عدد ربيعة ومضر فإن أدركته فسله الشفاعة لأمتك فقال: " أي حبيبي، يا جبريل، ما اسمه وما صفته؟ " فقال: أما اسمه فأويس، وأما صفته وقبيلته في اليمن من مراد، وهو رجل أصهب، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، بكفه اليسرى وضح أبيض، قال: فلم يزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلبه فلم يقدر عليه، فلما احتضر النبي أوصي أبا بكر وأخبره بما قال له جبريل في أويس القرني: " فإن أنت أدركته فسله الشفاعة لك ولأمتي ".
فلم يزل أبو بكر يطلبه فلم يقدر عليه، فلما احتضر أبا بكر أوصى به عمر بن الخطاب وأخبره بما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا عمر إن أنت أدركته فسله الشفاعة لي ولك ولأمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل عمر يطلبه حتى كان آخر حجةٍ حجها عمر وعلي بن أبي طالب، فأتيا رفاق اليمن، فنادى عمر بأعلى صوته: يا معشر الناس، هل فيكم أويس القرني؟ أعاد مرتين، فقام شيخ من بعض الرفاق، فقال: يا أمير المؤمنين نعم.
هو ابن أخ لي، هو أخمل أمراً، وأهون ذكراً من أن يسأل مثلك عن مثله.
وساق الحديث بمعنى الأحاديث المتقدمة إلى آخره، فقال أويس: جزاك الله خيراً يا عمر عن هذه الأمة، وأنت يا علي فجزاك الله خيراً عن هذه الأمة، تعيشان حميدين وتموتان فقيدين، فقالا له: أوصنا بحاجتك يرحمك الله، فقال لهم أويس: أوصيكما بتقوى الله والعمل بطاعته والصبر على ما أصابكما فإن ذلك من عزم الأمور، وأوصيكما أن تلقيا هرم بن حيان فتقرئاه مني السلام، وخبراه أني أرجو أن يكون رفيقي في الجنة.
قال: فودعاه ولم يزل عمر وعلي رضي الله عنهما يطلبان هرم بن
حيان، فبينما هما ماران في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذا هما بهرم بن حيان قائماً يصلي، فانتظراه، فلما انصرف سلما عليه فرد عليهما السلام، ثم قال لهما: من أين جئتما؟ قالا: جئنا من عند أويس القرني وهو يقرئك السلام، وهو يقول لك: إني أرجو أن تكون رفيقي في الجنة قال: فلم يزل هرم بن حيان في طلب أويس، فبينا هو في الكوفة مارٌّ على شاطئ الفرات؛ إذا هو برجل أصهب، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، يغسل طمرين له من الصوف، فدنا منه هرم بن حيان فقال: السلام عليك ورحمة الله يا أويس، فأجابه بمثل ذلك من السلام وقال له: يا هرم بن حيان، قال له هرم: كيف الزمان عليك؟ قال له أويس: كيف الزمان على رجل إذا أصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك للمؤمن فرحاً، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يترك للمؤمن صديقاً، فقال له هرم: يا أويس أما معرفتك أن عمر وعلياً وصفاك لي فعرفتك بصفتهما فأنت من أين عرفتني؟ قال له أويس: إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر في الله اختلف، قال له أويس: يا هرم اتل علي آيات من كتاب الله عز وجل، فتلا عليه هذه الآية: " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين " قال: فخرّ أويس مغشياً عليه، فلما أفاق قال له هرم: إني أريد أن أصحبك وأكون معك، فقال له أويس: لا يا هرم، ولكن إذا مت لا يكفني أحد حتى تأتي أنت، فتكفني، وتدفني، ثم إنهما افترقا، ولم يزل هرم بن حيان في طلب أويس حتى دخل مدينة من مدائن الشام يقال لها: دمشق؛ فإذا هو برجل ملفوف في عباءةٍ له، ملقى في صحن المسجد، فدنا منه فكشف العباءة عن وجهه؛ فإذا هو بأويس قد توفي، فوضع يده على أم رأسه، ثم قال: واأخاه! هذا أويس القرني مات ضائعاً، فقالوا له: من أنت يا عبد الله؟ ومن هذا؟ فقال: أما أنا فهرم بن حيان المرادي، وأما هذا فأويس القرني ولي الله، قالوا: فإنا قد جمعنا له ثوبين نكفنه فيهما، فقال لهم هرم: ما له بثمن ثوبيكم حاجة، ولكن يكفنه هرم بن حيان من ماله: قال: فضرب هرم بيده إلى مزود أويس فإذا هو بثوبين لم يكن له بهما عهد عند رأس أويس على أحدهما مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله الرحمن الرحيم لأويس القرني من النار، وعلى الآخر
مكتوب: هذا كفن لأويس القرني من الجنة.
قال عبد الحمن بن أبي ليلى: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: فيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير التابعين أويس القرني. " قال سلام بن مسكين: حدثني رجل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خليلي من هذه الأمة أويس القرني. " وعن إبراهيم بن عيسى اليشكري قال: قال أويس القرني: لأعبدن الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء.
قال: فكان إذا استقبل الليل قال: يا نفس، الليلة القيام، فيصف قدميه حتى يصبح، ثم يستقبل الليلة الثانية، فيقول: يا نفس الليلة الركوع فلا يزال راكعاً حتى يصبح، ويستقبل الليلة الثالثة فيقول: يا نفس الليلة السجود فلا يزال ساجداً حتى يصبح.
وعن الربيع بن خثيم قال: أتيت أويس القرني فوجدته جالساً قد صلى الصبح، فقلت: لا أشغله عن، فمكث مكانه ثم قام إلى الصلاة حتى صلى الظهر ثم قام إلى الصلاة فقلت: لا أشغله عن العصر فصلى العصر ثم صلى المغرب، فقلت: لابد له من أن يرجع فيفطر، فثبت مكانه حتى صلوا العشاء الآخرة، فقلت: لعله يفطر بعد العشاء الآخرة، فثبت مكانه حتى صلى الفجر ثم جلس، فغلبته عيناه فانتبه وقال: اللهم إني أعوذ بك من عين نوامة، ومن بطن لا يشبع، فقلت: بي ما عاينت منه فرجعت.
ومن حديث آخر: كان أويس إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.
وكان أويس يقول إذا جنه الليل: اللهم إني أبرأ إليك من كل كبدٍ جائعة، ومن كل بدنٍ عار، اللهم لا أملك إلا ما ترى.
جاء رجل إلى أويس القرني، فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم قال: كيف أنتم يا أويس؟ قال: فحمد الله.
قال: كيف الزمان عليكم؟ قال: ما دنيا رجلٍ إذا أصبح لم تر أنه يمسي، وإذا أمسى لم تر أنه يصبح، فيبشر بجنة أو بنار، يا أخا مراد، إن الموت لم يبق فرحاً، يا أخا مراد، قيام المؤمن بحقوق الله لم يبق ذهباً ولا فضة، يا أخا مراد، قيام المؤمن بأمر الله لم يبق صديقاً، والله إنا لنأمرهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، فيرمونا بالعظائم، ويتخذونا أعداء، ويجدون على ذلك أعوناً، وايم الله لا يمنعني ذلك أن نقوم لله عز وجل بحق.
قال بشر بن الحارث: قال أويس: لا ينال هذا الأمر حتى تكون كأنك قتلت الناس أجمعين.
قال أويس القرني: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، قضاء من الله الذي قضى " شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ".
قال أبو سليمان: لما حج أويس القرني دخل المدينة، فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغشي عليه، فلما أفاق قال: أخرجوني فليس ببلدي بلدةٌ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها مدفون.
مر أويس القرني على قصار في يوم شديد البرد، فرحمه أويس وجعل يبكي، فنظر إليه القصار، فقال له: يا أويس ليت تلك الشجرة لم تخلق.
قال: فما سمع جواب أسرع منه.
وعن عطاء قال: خرج أويس القرني غازياً راجلاً إلى ثغر أرمينية، فأصابه البطن، فالتجأ إلى أهل
خيمة فمات عندهم، ومعه جراب وقعب، فقالوا لرجلين منهم: اذهب فاحفر له قبراً، قالوا: فنظرنا في جرابه فإذا فيه ثوبان ليسا من ثياب الدنيا وجاء الرجلان فقالا: قد أصبنا قبراً محفوراً في صخرة كأنما رفعت الأيدي عنه الساعة فكفنوه ودفنوه ثم التفتوا فلم يروا شيئاً.
وقال سليمان بن قيس العامري: رأيت أويس القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت.