أبو عيد الله البَيْهَقي
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن الحسن بن فطيمة البيهقي من أهل خسروجرد إحدى قرى بيهق وهو قاضيها.
كان شيخاً فاضلاً، مسناً، كبيراً جليل القدر، حسن السيرة، مليح الأخلاق، كثير المحفوظ، وكان يمزح مع كل أحد ويكرم الغرباء الواردين عليه ويبرهم ويحسن إليهم، وكان الناس ينتابونه من كل قطر، وداره كانت مجمع الفضلاء والعلماء ورد مرو وأقام بها مدة يتفقه على جدي الإمام أبي المظفر السمعاني رحمه الله، ولما عزم على الخروج إلى كرمان، سأل جدي أن يكتب له كتاباً إلى أخيه أبي القاسم علي بن محمد ابن عبد الجبار السمعاني، فأجابه إلى ذلك، وكتب له الكتاب وأكرم
مورده، وحظي عند تلك الحضرة، وحصل له مال كثير، وسعة وافرة، واتفق أن لحقته علّة الدم يكرمان فقطعت أصابعه العشر ولم يبق له إلا الكفّان فحسب، ومع هذا كان يأخذ القلم بكفيه ويضع الكاغد على الأرض ويمسكه برجل، ويكتب بكفيه خطاً حسناً مقروءاً مبيناً، وربما كان يكتب في كل يوم خميس طاقات من الكاغد وهذا من عجيب ما رأيته. سمع بخسروجرد الإمام أبا بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وأبا منصور محمد بن أحمد بن الحسن السوري، وأبا مسلم عبد الله بن المعتز بن القاسم المؤملي، وبنيسابور أبا القاسم عبد الكريم القشيري، وأبا بكر محمد بن القاسم الصفّاد، وأبا سعيد محمد بن علي الخشاب وأبا نصر عبد الرحمن بن علي بن محمد بن موسى، وأبا بكر محمد بن الحسن بن علي الخبازي الطبري، وبطوس أبا بكر محمد بن منصور ابن خلف المغربي، وأبا علي محمد بن إسماعيل العراقي، وبمرو أستاذه أبا المظفر السمعاني، بأصبهان أبا بكر محمد بن ثابت الخجندي ومن الغرباء مسعود بن ناصر السجزي، والسيد أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحسيني وجماعة سواهم. كتبت عنه وما رأيت في سفري ألطف، ولا أخف روحاً، ولا أضحك سناً منه، مع سخاء النفس، وبذل الموجود، واتفق أني خرجت إلى أصبهان في صفر إحدى وثلاثين، فلما وصلت القافلة إلى بيهق، نزلت بقصبة سبزوار، فتركت القافلة، وخرجت
راجلاً إلى خسروجرد مع رفيق لي من أصبهان يقال له محمد ابن أبي الوفاء المديني، فلما دخلنا داره، وسلمنا على أصحابه، ردوا السلام، وقعدنا وما ألتفت إلينا أحد فقلنا لهم نريد أن نبصر القاضي، فقالوا: يخرج، فبعد ساعة خرج القاضي، فقمنا وسلمان عليه واستقبلناه فأجاب وقعد في موضعه، وأقبل علينا وقال: لم جئتم وأيش حاجتكم. فقلنا له: حاجتنا أن نقرأ عليك جزئين من كتاب " معرفة الآثار والسنن " للشيخ أحمد بن الحسين البيهقي فقال: بلى لعلكم سمعتم الكتاب من الشيخ الإمام عبد الجبار وفاتكم هذا القدر، فقلنا: بلى، وكان هذا الكتاب يرويه عبد الجبار إلا هذا القدر، كان قد فاته في مصنفه، وكان الناس على الاجتياز يقرأون هذا القدر على القاضي فقال: تكونون عندي الليلة، فإن لي مُهِمْاً أحتاج فيه أن أخرج إلى سبزوار، فإن إبني أبا منصور، كتب إليّ من نيسابور أن أستاذي خارج في هذه القافلة إلى العراق فأريد أن أسلم عليه، وأسأله أن يكون عندي أياماً، وسماني فتبسّمت، فقال لي: ومن أين أنت يا بني؟ فقلت: الذي تقصده قاعد بين يديك وأنت تكلمه، فعرف وقام ونزل إلى صحن
الدار، وبكى وقعد على الأرض، وكاد أن يقبل رجلي وقال: آخذ الخف بيدي، وأكرم غاية الإكرام، وأخرج الكتب والأجزاء، ووهب مني بعض أصوله، ونفذ إلى سبزوار حتى أقاموا القافلة ليلة بها، ولما وصلت القافلة إلى خسروجرد سيرهم إلى مزينان، وما مكَنّي من الخروج معهم فكنت عنده ثلاثة أيام، وخرج معي مشيعاً إلى مزينان، وألحقني بالقافلة، فقرأت عليه الكثير، وكانت ولادته قبل سنة خمسين وأربعمئة، ووفاته في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمئة بخسروجرد.
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن الحسن بن فطيمة البيهقي من أهل خسروجرد إحدى قرى بيهق وهو قاضيها.
كان شيخاً فاضلاً، مسناً، كبيراً جليل القدر، حسن السيرة، مليح الأخلاق، كثير المحفوظ، وكان يمزح مع كل أحد ويكرم الغرباء الواردين عليه ويبرهم ويحسن إليهم، وكان الناس ينتابونه من كل قطر، وداره كانت مجمع الفضلاء والعلماء ورد مرو وأقام بها مدة يتفقه على جدي الإمام أبي المظفر السمعاني رحمه الله، ولما عزم على الخروج إلى كرمان، سأل جدي أن يكتب له كتاباً إلى أخيه أبي القاسم علي بن محمد ابن عبد الجبار السمعاني، فأجابه إلى ذلك، وكتب له الكتاب وأكرم
مورده، وحظي عند تلك الحضرة، وحصل له مال كثير، وسعة وافرة، واتفق أن لحقته علّة الدم يكرمان فقطعت أصابعه العشر ولم يبق له إلا الكفّان فحسب، ومع هذا كان يأخذ القلم بكفيه ويضع الكاغد على الأرض ويمسكه برجل، ويكتب بكفيه خطاً حسناً مقروءاً مبيناً، وربما كان يكتب في كل يوم خميس طاقات من الكاغد وهذا من عجيب ما رأيته. سمع بخسروجرد الإمام أبا بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وأبا منصور محمد بن أحمد بن الحسن السوري، وأبا مسلم عبد الله بن المعتز بن القاسم المؤملي، وبنيسابور أبا القاسم عبد الكريم القشيري، وأبا بكر محمد بن القاسم الصفّاد، وأبا سعيد محمد بن علي الخشاب وأبا نصر عبد الرحمن بن علي بن محمد بن موسى، وأبا بكر محمد بن الحسن بن علي الخبازي الطبري، وبطوس أبا بكر محمد بن منصور ابن خلف المغربي، وأبا علي محمد بن إسماعيل العراقي، وبمرو أستاذه أبا المظفر السمعاني، بأصبهان أبا بكر محمد بن ثابت الخجندي ومن الغرباء مسعود بن ناصر السجزي، والسيد أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحسيني وجماعة سواهم. كتبت عنه وما رأيت في سفري ألطف، ولا أخف روحاً، ولا أضحك سناً منه، مع سخاء النفس، وبذل الموجود، واتفق أني خرجت إلى أصبهان في صفر إحدى وثلاثين، فلما وصلت القافلة إلى بيهق، نزلت بقصبة سبزوار، فتركت القافلة، وخرجت
راجلاً إلى خسروجرد مع رفيق لي من أصبهان يقال له محمد ابن أبي الوفاء المديني، فلما دخلنا داره، وسلمنا على أصحابه، ردوا السلام، وقعدنا وما ألتفت إلينا أحد فقلنا لهم نريد أن نبصر القاضي، فقالوا: يخرج، فبعد ساعة خرج القاضي، فقمنا وسلمان عليه واستقبلناه فأجاب وقعد في موضعه، وأقبل علينا وقال: لم جئتم وأيش حاجتكم. فقلنا له: حاجتنا أن نقرأ عليك جزئين من كتاب " معرفة الآثار والسنن " للشيخ أحمد بن الحسين البيهقي فقال: بلى لعلكم سمعتم الكتاب من الشيخ الإمام عبد الجبار وفاتكم هذا القدر، فقلنا: بلى، وكان هذا الكتاب يرويه عبد الجبار إلا هذا القدر، كان قد فاته في مصنفه، وكان الناس على الاجتياز يقرأون هذا القدر على القاضي فقال: تكونون عندي الليلة، فإن لي مُهِمْاً أحتاج فيه أن أخرج إلى سبزوار، فإن إبني أبا منصور، كتب إليّ من نيسابور أن أستاذي خارج في هذه القافلة إلى العراق فأريد أن أسلم عليه، وأسأله أن يكون عندي أياماً، وسماني فتبسّمت، فقال لي: ومن أين أنت يا بني؟ فقلت: الذي تقصده قاعد بين يديك وأنت تكلمه، فعرف وقام ونزل إلى صحن
الدار، وبكى وقعد على الأرض، وكاد أن يقبل رجلي وقال: آخذ الخف بيدي، وأكرم غاية الإكرام، وأخرج الكتب والأجزاء، ووهب مني بعض أصوله، ونفذ إلى سبزوار حتى أقاموا القافلة ليلة بها، ولما وصلت القافلة إلى خسروجرد سيرهم إلى مزينان، وما مكَنّي من الخروج معهم فكنت عنده ثلاثة أيام، وخرج معي مشيعاً إلى مزينان، وألحقني بالقافلة، فقرأت عليه الكثير، وكانت ولادته قبل سنة خمسين وأربعمئة، ووفاته في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمئة بخسروجرد.