هرم بن حيان العبدي الربعي العامري
ويقال: الأزدي البصري ولي بعض حروب العجم ببلاد فارس في خلافة عمر وعثمان. وكان أحد الزهاد الثمانية. وقدم دمشق في طلب أويس القرني. وكان هرم عاملاً لعمر بن الخطاب،
وكان ثقة. وله فضل وعبادة، وكان هرم ولد أشيب منحنياً، وقد نبتت ثناياه، فلذلك سمي هرماً.
وعن هرم بن حيان أنه قال: إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر بن الخطاب، فكتب إليه، وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟ فكتب إليه هرم: يا أمير المؤمنين، والله ما أردت به إلا الخير، يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس فيضلوا.
استعمل هرم بن حيان فظن أن قومه سيأتونه، فأمر بنار فأوقدت بينه وبين من يأتيه من القوم، فجاء قومه يسلمون عليه من بعيد، فقال: مرحباً بقومي، ادنوا، فقالوا: ما نستطيع أن ندنو منك، قد حالت النار بيننا وبينك، قال: فأنتم تريدون أن تلقوني في نار أعظم منها، في نار جهنم، قال: فرجعوا.
وفي سنة ثمان عشرة حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرماً على أن خلى لهم المدينة.
وجه عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان إلى قلعة بجرة - يقال لها: قلعة الشيوخ - فافتتحها عنوة، وسبى أهلها، وصالح أهل قلعة الرهبان من كازرون سنة ست وعشرين في خلافة عثمان.
وعن الحسن قال: كان رجل إذا كانت له حاجة، والإمام يخطب قام، فأمسك بأنفه، فأشار إليه الإمام أن يخرج. قال: فكان رجل قد أراد الرجوع إلى أهله فقام إلى هرم بن حيان، وهو يخطب، فأخذ بأنفه، فأشار إليه هرم أن يذهب، فخرج إلى أهله، فأقام فيهم ثم قدم إليك وأنت تخطب، فأخذت بأنفي، فأشرت إلي أن اذهب، قال: فاتخذت هذا
دغلاً - أو كلمة نحوها - قال: اللهم، أخر رجال السوء لزمان السوء. وكان هرم يقول: اللهم، إني أعوذ بك من زمان يمرد فيه صغيرهم، ويأمل فيه كبيرهم، وتقترب فيه آجالهم.
بعث عمر هرم بن حيان على الخيل فغضب على رجل، فأمر به، فوجئت عنقه، ثم أقبل على أصحابه فقال: لا جزاكم الله خيراً، ما نصحتموني حين قلت، ولا كففتموني عن غضبي. والله لا ألي لكم عملاً، ثم كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين، لا طاقة لي بالرعية، فابعث إلى عملك.
بات هرم بن حيان عند حممة، فبات حممة باكياً حتى أصبح، فقال له هرم: يا أخي، ما أبكاك الليلة؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تناثر الكواكب. قال: وبات حممة عند هرم ليلة فبات هرم باكياً حتى أصبح، فقال له حممة: ما أبكاك يا أخي؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور للمحشر إلى الله. وكانا إذا أصبحا غدوا، فمرا بأكورة الحدادين فنظرا إلى الحديد ينفخ عليه، فيقعان، ويبكيان، ويستجيران بالله من النار، ثم يأتيان أصحاب الرياحين، فيقفان فيسألان الله الجنة، ثم يدعوان بدعوات ثم يتفرقان.
خرج هرم بن حيان وعبد الله بن عامر يريدان الحجاز، فبينما هما يسيران، ورواحلهما ترعيان إذ عرضت لهما صليانة، فابتدر لها الناقتان، فأكلتها إحداهما، فقال هرم لعبد الله بن عامر: أتحب أن تكون هذه الصليانة تأكلك هذه الناقة فذهبت؟ فقال ابن عامر: ما أحب ذلك، فإني لأرجو أن يدخلني الله الجنة، وإني لأرجو، وإني لأرجو، فقال هرم: والله لو علمت أني أطاع في نفسي لأحببت أن أكون هذه الصليانة فأكلتني هذه الناقة فذهبت.
قال هرم بن حيان: لو قيل لي: إنك من أهل النار لم أترك العمل لئلا تلومني نفسي، تقول: ألا صنعت؟ ألا فعلت؟.
كان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
قال هرم بن حيان: ما عصى الله تعالى كريم، ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم.
كان هرم بن حيان يخرج في شطر الليل فينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة، كيف ينام طالبها، وعجبت من النار كيف ينام هاربها " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا الخاسرون " ثم يقرأ: " ألهاكم التكاثر " " والعصر " وكان يقول: لو أن منادياً ينادي من أهل السماء: أين خير الأرض رجوت أن أكون أنا، ولو نادى مناد: أين شر أهل الأرض خشيت أن أكون أنا هو، ولو قيل لي: إنك من أهل الجنة ما زادني ذلك إلا اجتهاداً، شكراً لربي، ولو قيل لي: إنك من أهل النار ما زادني ذلك إلا اجتهاداً كيلا ألوم نفسي إن هلكت، لأني لم أهلك إلا بعد الاجتهاد.
أخذ محمود الوراق قوله: لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها:
عجبت من هارب يخاف من النار ومن نومه على هربه
والذي يطلب السبيل إلى الجنة أنى ينام على طلبه
كم من جهول قد نال بغيته ... ومن أديب أكدى على أدبه
ورب باك فوات حاجته ... وفي الفوات النجاة من عطبه
قيل لهرم بن حيان: أوصه، قال: أوصيكم بالآيات الأواخر من سورة النحل: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة " إلى قوله: " والذين هم محسنون ".
قيل لهرم بن حيان لما حضره الموت: أوص قال: ما أدري ما أوصي، ولكن بيعوا درعي واقضوا عني ديني، فإن لم يف فبيعوا فرسي، فإن لم يف فبيعوا غلامي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل. قال قتادة: أوصى والله بجماع من الأمر، ومن أوصى بما أوصى فقد أبلغ.
قال الحسن: مات هرم بن حيان في يوم صائف. فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشت، ثم انصرفت، وأنبت العشب من يومه، وما جاوزت قبره شبراً.
ويقال: الأزدي البصري ولي بعض حروب العجم ببلاد فارس في خلافة عمر وعثمان. وكان أحد الزهاد الثمانية. وقدم دمشق في طلب أويس القرني. وكان هرم عاملاً لعمر بن الخطاب،
وكان ثقة. وله فضل وعبادة، وكان هرم ولد أشيب منحنياً، وقد نبتت ثناياه، فلذلك سمي هرماً.
وعن هرم بن حيان أنه قال: إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر بن الخطاب، فكتب إليه، وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟ فكتب إليه هرم: يا أمير المؤمنين، والله ما أردت به إلا الخير، يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس فيضلوا.
استعمل هرم بن حيان فظن أن قومه سيأتونه، فأمر بنار فأوقدت بينه وبين من يأتيه من القوم، فجاء قومه يسلمون عليه من بعيد، فقال: مرحباً بقومي، ادنوا، فقالوا: ما نستطيع أن ندنو منك، قد حالت النار بيننا وبينك، قال: فأنتم تريدون أن تلقوني في نار أعظم منها، في نار جهنم، قال: فرجعوا.
وفي سنة ثمان عشرة حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرماً على أن خلى لهم المدينة.
وجه عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان إلى قلعة بجرة - يقال لها: قلعة الشيوخ - فافتتحها عنوة، وسبى أهلها، وصالح أهل قلعة الرهبان من كازرون سنة ست وعشرين في خلافة عثمان.
وعن الحسن قال: كان رجل إذا كانت له حاجة، والإمام يخطب قام، فأمسك بأنفه، فأشار إليه الإمام أن يخرج. قال: فكان رجل قد أراد الرجوع إلى أهله فقام إلى هرم بن حيان، وهو يخطب، فأخذ بأنفه، فأشار إليه هرم أن يذهب، فخرج إلى أهله، فأقام فيهم ثم قدم إليك وأنت تخطب، فأخذت بأنفي، فأشرت إلي أن اذهب، قال: فاتخذت هذا
دغلاً - أو كلمة نحوها - قال: اللهم، أخر رجال السوء لزمان السوء. وكان هرم يقول: اللهم، إني أعوذ بك من زمان يمرد فيه صغيرهم، ويأمل فيه كبيرهم، وتقترب فيه آجالهم.
بعث عمر هرم بن حيان على الخيل فغضب على رجل، فأمر به، فوجئت عنقه، ثم أقبل على أصحابه فقال: لا جزاكم الله خيراً، ما نصحتموني حين قلت، ولا كففتموني عن غضبي. والله لا ألي لكم عملاً، ثم كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين، لا طاقة لي بالرعية، فابعث إلى عملك.
بات هرم بن حيان عند حممة، فبات حممة باكياً حتى أصبح، فقال له هرم: يا أخي، ما أبكاك الليلة؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تناثر الكواكب. قال: وبات حممة عند هرم ليلة فبات هرم باكياً حتى أصبح، فقال له حممة: ما أبكاك يا أخي؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور للمحشر إلى الله. وكانا إذا أصبحا غدوا، فمرا بأكورة الحدادين فنظرا إلى الحديد ينفخ عليه، فيقعان، ويبكيان، ويستجيران بالله من النار، ثم يأتيان أصحاب الرياحين، فيقفان فيسألان الله الجنة، ثم يدعوان بدعوات ثم يتفرقان.
خرج هرم بن حيان وعبد الله بن عامر يريدان الحجاز، فبينما هما يسيران، ورواحلهما ترعيان إذ عرضت لهما صليانة، فابتدر لها الناقتان، فأكلتها إحداهما، فقال هرم لعبد الله بن عامر: أتحب أن تكون هذه الصليانة تأكلك هذه الناقة فذهبت؟ فقال ابن عامر: ما أحب ذلك، فإني لأرجو أن يدخلني الله الجنة، وإني لأرجو، وإني لأرجو، فقال هرم: والله لو علمت أني أطاع في نفسي لأحببت أن أكون هذه الصليانة فأكلتني هذه الناقة فذهبت.
قال هرم بن حيان: لو قيل لي: إنك من أهل النار لم أترك العمل لئلا تلومني نفسي، تقول: ألا صنعت؟ ألا فعلت؟.
كان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
قال هرم بن حيان: ما عصى الله تعالى كريم، ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم.
كان هرم بن حيان يخرج في شطر الليل فينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة، كيف ينام طالبها، وعجبت من النار كيف ينام هاربها " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا الخاسرون " ثم يقرأ: " ألهاكم التكاثر " " والعصر " وكان يقول: لو أن منادياً ينادي من أهل السماء: أين خير الأرض رجوت أن أكون أنا، ولو نادى مناد: أين شر أهل الأرض خشيت أن أكون أنا هو، ولو قيل لي: إنك من أهل الجنة ما زادني ذلك إلا اجتهاداً، شكراً لربي، ولو قيل لي: إنك من أهل النار ما زادني ذلك إلا اجتهاداً كيلا ألوم نفسي إن هلكت، لأني لم أهلك إلا بعد الاجتهاد.
أخذ محمود الوراق قوله: لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها:
عجبت من هارب يخاف من النار ومن نومه على هربه
والذي يطلب السبيل إلى الجنة أنى ينام على طلبه
كم من جهول قد نال بغيته ... ومن أديب أكدى على أدبه
ورب باك فوات حاجته ... وفي الفوات النجاة من عطبه
قيل لهرم بن حيان: أوصه، قال: أوصيكم بالآيات الأواخر من سورة النحل: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة " إلى قوله: " والذين هم محسنون ".
قيل لهرم بن حيان لما حضره الموت: أوص قال: ما أدري ما أوصي، ولكن بيعوا درعي واقضوا عني ديني، فإن لم يف فبيعوا فرسي، فإن لم يف فبيعوا غلامي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل. قال قتادة: أوصى والله بجماع من الأمر، ومن أوصى بما أوصى فقد أبلغ.
قال الحسن: مات هرم بن حيان في يوم صائف. فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشت، ثم انصرفت، وأنبت العشب من يومه، وما جاوزت قبره شبراً.